من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

الاثنين، 20 ديسمبر 2021

 

التنفيذ العكسي




إعداد/ نوح محمد

المقدمة:

إن الحكم القضائي وإن كان عنواناً للحقیقة وأمارة على ثبوتھا إلا أنه یبقى جھداً بشریاً قابلاً للصواب والخطأ، فقد یصدر القاضي حكمه الملزم ثم یطالب المحكوم له بتنفیذه جبریاً، وبعد التنفیذ یطرأ على ھذا الحكم المنفذ ما یبطله ویلغیه مما یستدعي تنفیذاً آخر معاكساً للتنفیذ الأول، وھو ما يسمى (التنفیذ القضائي العكسي أو قضاء الألغاء).

والتنفیذ القضائي العكسي، هو بطلان السند التنفیذي وإعادة الحال إلى ما كانت علیه.

ولا یعدو التنفیذ القضائي العكسي إلا أن یكون أحد أنواع التنفیذ الجبري؛ إلا أن التنفیذ فیه ینعكس بحیث یكون الطالب مطلوباً، وھذا سبب تسمیته عكسیاً، وقد عرفه بعض المعاصرین بأنه ردّ الحال إلى ما كانت علیه قبل التنفيذ، بسبب إلغاء سنده.

مشروعية التنفيذ العكسي:

تستند مشروعية التنفيذ العكسي إلى عدة أمور، منها:

أولاً/ هناك قاعدة فقيه تقول أن التنفیذ تبع للحكم القضائي، فإذا سقط الحكم القضائي، فإنه یسقط

التنفیذ، فیكون المحكوم له قد أخذ المال بدون وجه حق، وعلى ذلك فیجب علیه إعادته إلى صاحبه إذا ألغي الحكم.

ثانياً/ بقياس بطلان السند التنفیذي على فسخ العقد، فإذا فسخ العقد فإن الحال تعود إلى ما

كانت علیه قبل العقد، عند إلغاء السند التنفيذي الذي بني علیه ھذا التنفيذ.

سبب التنفيذ العكسي:

إن السبب في التنفیذ العكسي ھو بطلان السند التنفیذي الذي جرى بموجبه التنفیذ الأول.

وبما أن التنفیذ القضائي ناشئ عن السند التنفیذي، فإذا بطل الأصل بطل الفرع، وعلیه فلا یوجد تنفیذ عكسي إلا عند وقوع البطلان على السند التنفیذي الذي تم التنفیذ بموجبه، وإن من الثابت شرعاً ونظاماً: أن الحكم القضائي قد یؤول إلى البطلان والنقض لوجود خلل جوھري فیه، ومن المعروف أن هناك ثلاث طرق لنقض الحكم القاضي، وهي:

١- ألغاء الحكم القضائي المعجل تنفیذه قبل اكتسابه للصفة القطعیة.

٢- إلغاء الحكم القضائي المكتسب للصفة القطعیة عن طریق الاعتراض علیه

بالنقض لدى المحكمة العلیا.

٣- إلغاء الحكم المكتسب للصفة القطعیة عن طریق الاعتراض علیھ بالتماس إعادة

 النظر.

شروط التنفيذ العكسي:

إن التنفیذ العكسي ھو تنفیذ قضائي، وهو أحد أنواعه، ولذلك فیشترط فیه جمیع ما یشترط في التنفیذ القضائي من شروط، وإجراءات، ولكن یزید التنفیذ العكسي بشرطین، یختص بھما نظراً لطبیعته، وھذان الشرطان ھما:

1- أن یكون التنفیذ الأول قد تم جبریاً:

إن مصطلح التنفیذ الجبري، یدلنا على أن التنفیذ تم إجباراً على المحكوم علیه، ولم یكن له خیار في ھذا التنفیذ، فالمقصود من التنفیذ الجبري: ھو إلزام المحكوم علیه بتسلیم الحق المحكوم به جبراً بقوة الدولة، وھو عكس التنفیذ الاختیاري الذي يقوم المحكوم علیه بنفسه ببذل الحق الذي في ذمته طوعاً دون إجبار.

2- ألا یكون قد تعلق بمحل التنفیذ حق الغیر:

إن التنفیذ العكسي إنما یرد على محل التنفیذ الأول، ولیس على محل الحكم الملغى، فإذا ما كان المنفّذ علیه عقاراً أو منقولاً، ولا زال في ید طالب التنفیذ الأول، فإن مقتضى قاعدة إعادة الحال إلى ما كانت علیه ھو رد ھذه العین إلى المحكوم علیه الأول، فالأصل في تنفیذ الالتزام في ھذه الحالة ھو التنفیذ العيني.

 أما إذا تعلّق بمحل التنفیذ حق الغیر بأن انتقل محل التنفیذ من طالب التنفیذ الأول إلى الغیر بیعاً أو ھبة، أو ارتھن طالب التنفیذ ھذه العین لدى شخص آخر. فهناك فرضان:

- الفرض الأول: أن یكون محل التنفیذ قد انتقل إلى الغیر بالبیع القضائي عن طریق المزاد القضائي:

 قد یكون محل الحكم مبلغاً من المال، فیمتنع المحكوم علیه من تسلیم المبلغ، فیحجز على شيء من عقارات المحكوم علیه، أو منقولاته، ویتم التنفیذ علیھا بطریق الحجز والبیع، فتنتقل ھذه العقارات إلى الغیر عن طریق البیع القضائي، وبحكم قضائي.

- الفرض الثاني: أن یكون محل التنفیذ قد انتقل إلى الغیر عن طریق الإرادة المحضة:

أن یكون محل الحكم تسلیم عین للمحكوم له فإذا تسلم المحكوم له ھذه العین بموجب ھذا الحكم القضائي بالتنفیذ الجبري، ثم نقض ھذا الحكم، وكان المحكوم له قد تصرف في ھذه العین بالبیع، أو أثقلها برھن. فهذا الفرض یختلف تماماً عن الفرض الذي قبله؛ لأن التصرف بالعین ھنا نتج

عن إرادة الحائز لهذه العین، فبعد نقض الحكم یتبین لنا أن العین لا زالت مستحقة لصاحبها، نظراً لأن الحائز في ھذه الحالة لا یستند في تملكه إلى حكم قضائي مباشر، بل إلى إرادة المحكوم له، والذي تبین بعد إلغاء الحكم أنه لا حقّ له، فتدخل ھذه المسألة في مسألة استحقاق المبیع، فتنتزع العین من الحائز، وتسلّم للمستحق، وعلى الحائز الرجوع بالمطالبة إلى بائعه.

 

مضمون التنفيذ العكسي:

إن مضمون التنفيذ العكسي ھو إلزام طالب التنفیذ الأول أن یعید ما قبضه بموجب ذلك التنفیذ، فیعید عین المال، ولذلك فإن ھذا التنفیذ یسمى أیضاً: "الرد العیني"، وأما إن تعذر إعادة الحال إلى ما كانت علیه، أي تعذر رد العین، فلا یكون في هذه الحالة تنفیذاً عكسیاً، بل سوف یسعى المنفذ ضده في التنفیذ الأول إلى استصدار حكم جدید ضد طالب التنفیذ الأول، یطالبه بالتعویض عن حقه، ویحدد فیه مقدار ھذا التعویض، فإذا صدر ھذا الحكم، فسوف یكون تنفیذاً جدیداً، لا تنفیذاً عكسیاً، وعلى ھذا فالتنفیذ العكسي ھو رد محل التنفیذ ولیس رد محل الحكم، ما لم یكن ھو نفسه محل التنفيذ.

آثار التنفيذ العكسي وفق أحكام القانون اليمني:

يترتب على التنفيذ العكسي أثران رئيسيان:

- الأثر الأول: إعادة الحق محل التنفيذ إلى المحكوم عليه الأول وهذا ما نصت عليه المادة (474) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني حيث نصت صراحة على:

((ﻴﺘﺭﺘﺏ ﻋﻠﻰ ﺇﻟﻐﺎﺀ ﺍﻟﺤﻜﻡ ﺍﻟﻤﻁﻌﻭﻥ ﻓيه ﺃﻭ ﺘﻌﺩﻴﻠﻪ ﺭﺩ ﻤﺎ ﻴﺴﺘﺤﻘﻪ ﺍﻟﻤﺤﻜﻭﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻓﻘﺎﹰ ﻟﻠﻘﻭﺍﻋﺩ العامة.))

- الأثر الثاني: إعادة الحال إلى ما كان عليه، حيث بينت المادة (333) من قانون المرافعات اليمني على إعادة الحال إلى ما كان عليه في حالة إلغاء الحكم والتنفيذ، حيث نصت على:

((إذا حكم في الطعن بإلغاء او تعديل او نقض حكم تم تنفيذه تتولى المحكمة التي باشرت التنفيذ اعادة الحال الى ما كان عليه قبل التنفيذ دون حاجه الى حكم جديد.))

- وكذا المادة (301) من نفس القانون حيث نصت على:

((يترتب على نقض الحكم الغاء جميع الاحكام والاعمال اللاحقة له متى كان اساسا لها ايا كانت الجهة التي اصدرتها وإذا كان النقض في جزء من الحكم بقي نافذا فيما يتعلق بباقي الاجزاء إذا لم تكن مترتبة على الجزء المنقوض.))

وربما يسبب المنفذ ضده في التنفیذ الأول أضرار لا یجبرھا مجرد التنفیذ العكسي، عن طریق الرد وإعادة الحال إلى ما كانت علیه قبل التنفیذ الأول بحسب الإمكان، وكذلك الحال في التنفیذ التعویضي، إذا استدعى الأمر استصدار حكم جدید عند المطالبة بالتعویض عن محل التنفیذ حال فواته، وذلك أن عملیة التنفیذ قد یصاحبها أضرار جانبیة سوى استیفاء محل التنفیذ من المنفذ ضده عن طریق الإجبار والإلزام، ومن ھنا تنشأ أضرار أخرى تزید عن رد الحق، مما یجعل طالب التنفیذ الأول مسؤولاً عن فعله، ولا سیما إن كان معتدیاً، أو ما یسمى في مصطلح القانونیین بسيء النية.

 

الخاتمة:

التنفیذ العكسي عبارة عن رد الحال إلى ما كانت علیه ما دام الأمر ممكناً، وسنده ھو حكم الإلغاء، فإذا تعذر رد الحال إلى ما كانت علیه لم یبق لدى المنفذ ضده في التنفیذ الأول

إلا المطالبة بالتعویض عن محل التنفیذ الفائت، ولا بد للتعویض من حكم جدید من

المحكمة المختصة أساساً بنظر الموضوع، وقد ظھر أن ھذا التعویض ھو عبارة

استرجاع ما أخذ بغیر حق، وھو خلاف التعویض عن الأضرار التي لحقت المنفذ ضده.

 

المصادر:

- قانون المرافعات اليمني.

- قانون الإجراءات الجزائية اليمني.

المراجع:

دراسة بعنون/ التنفيذ القضائي العكسي للدكتور. خالد بن سعيد السرهيد.

ليست هناك تعليقات: