من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

السبت، 31 أكتوبر 2020

دعوى الاختصاص في التركة

 


أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 

دعوى الاختصاص تثير إشكاليات عملية كثيرة وتتسبب في تعطيل إجراءات القسمة في احيان كثيرة كما انها من اسباب اطالة اجراءات التقاضي في قسمة الأموال المشتركة أو قسمة التركة الشائعة، مع ان دعوى الاختصاص وسيلة قانونية حمائية لحقوق وأموال بعض الورثة المخالطة لأموال مورثهم، إلا أن دعوى الاختصاص لا يتم تطبيقها أو التعامل معها التعامل الصحيح بسبب القصور في فهم ماهيتها واغراضها وحالات تطبيقها وإجراءات رفعها والشخص الذي يحق له رفعها والاشخاص الذين يتم اختصامهم فيها، ومن هذا المنطلق وعلى هذا الاساس فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية في المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/3/2010م في الطعن الشخصي رقم (37187) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان بعض الورثة تقدموا بدعوى أمام المحكمة الابتدائية طلبوا فيها قسمة تركة ابيهم حيث اختصموا اخيهم الأكبر الحائز والمدير للتركة، فرد على دعواهم بأن مورثهم كان فقيرا معدما بمعرفة الجميع وبشهادة كل من عرفهً حيث كان يعمل شاقياً ليس له مال أو بيت وهذا معلوم للكافة واضاف المدعى عليه في رده على دعوى الورثة وفي دعواه المقابلة بالاختصاص  بانه  قد اغترب واشتغل خارج البلاد فقام بشراء المنازل والاراضي والسيارة والسلاح والطاحون وغيرها حيث ادعى المدعى عليه اختصاصه بتلك الأموال التي افاد بانها تخصه دون سواه، وقد سارت المحكمة الابتدائية في اجراءات نظر القضية حتى خلصت الى الحكم بأن غالبية الأموال محل الخلاف من تركة المورث والد الجميع واختصاص المدعى عليه الاصلي المدعي فرعياً بالأموال المذكورة في وثائقها انها ملك له، فلم يقبل المدعي بأن أموال التركة تخصه لم يقبل بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الشخصية رفضت الاستئناف وقضت بتأييد الحكم الابتدائي وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (ان كل ما احتج به المستأنف قد تم ابرازه أمام محكمة أول درجة التي قامت بمناقشته حسبما هو ثابت في الحكم الابتدائي) فلم يقنع المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الشخصية قررت رفض الطعن واقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (من خلال الرجوع الى الأوراق مشتملات الملف فقد تبين للشعبة ان الطاعن قد ذكر في طعنه : أن والده لم يكن يملك شيئاً من الأموال لأنه كان مزارعاً لدى بعض ملاك الأراضي الزراعية فلم غلات تلك الاراضي التي كان اجيرا فيها تغطي غلاتها مصروفه لمدة نصف سنة  فكان يشقى مع اخرين لتوفير لقمة العيش وكذلك لم يكن له بيت مملوك له وانما كان مستأجراً كما ذكر شهود الطرفين وهذا يعني انه لا يوجد لوالده اية كرمة موروثة من اسلافه مطلقاً إلى ان ذكر الطاعن ان الأموال محل الخلاف كلها مكتسبة منها ما هو باسم والده ومنها ماهو باسم الطاعن وماهو باسم اخيه وان كل تلك الأموال من سعيه اي الطاعن وشقاه وغربته الطويلة بشهادة الجميع، ومن خلال اطلاع الدائرة فقد تبين لها ان الطاعن لم ينهض بأي دليل لإثبات صحة ما يدعيه من الاختصاصات غير ما سبق الحكم به من المحكمة الابتدائية والمؤيد بالحكم الاستئنافي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية دعوى الاختصاص واطرافها واجراءاتها :

دعوى الاختصاص : هي الدعوى التي يرفعها احد الورثة ضد بقية الورثة مدعياً فيها ان بعض اموال التركة تخصه دون سواه وانها ليست من اموال التركة ويجب ان يرفق المدعي بالاختصاص المستندات والادلة المؤيدة لدعواه حتى لا يكون مصير دعواه مثل مصير دعوى الاختصاص التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا، ودعوى الاختصاص قد تكون أصلية يوجهها المدعي على بقية الورثة ابتداءً كما انها قد تكون دعوى مقابلة يرفعها المدعي بالاختصاص مقابل رفع الورثة دعوى قسمة التركة التي تحت يده مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا؛ فدعوى الاختصاص سواء اكانت أصلية أم مقابلة لا ترفع غالباً الا بين الورثة إلا أنه يحدث كثيراً ان ترفع دعاوى الاختصاص من غير الورثة مثل وزارة الأوقاف حينما تتم قسمة التركة وهي تشتمل على أوقاف وكذلك الحال بالنسبة لهيئة أراضي الدولة وكذا المؤجر والمعير والراهن اذا تم حصر التركة ودخلت في مفرداتها الأموال المؤجرة أو المعارة او المرهونة، ويتم رفع دعوى الاختصاص بالطرق المعتادة لرفع الدعاوى إلا أنه اذا كانت قسمة التركة رضائية فانه يتم تقديم طلب الى متولي القسمة، ودعوى الاختصاص طالما وهي متعلقة بقسمة التركة فانها تكون من الدعاوي الشخصية.

الوجه الثاني : حالات دعوى الاختصاص واشكالياتها :

تتلخص هذه الحالات في قيام المحكمة اوالقسام بادراج المال محل الدعوى ضمن التركة المراد قسمتها فيتضمن كشف حصر أموال التركة كل الاموال التي كانت بحيازة المورث؛ويحدث هذا حينما لاتتوفر الخبرة الكافية لدى من يتولى القسمة الذين لا يتأكدوا من ملكية المورث للأموال قبل حصرها في كشف الحصر كما أنه في احيان كثيرة يقوم الورثة المختلفون أمام القضاء أو هيئة التحكيم بالادعاء على بعضهم البعض بان اموالهم الخاصة هي من ضمن اموال التركة وعندئذ يضطر هولاء الى رفع دعاوى الاختصاص للدفاع عن اموالهم الخاصة ، حيث يدعون أن الأموال الخاصة ببعضهم من أموال المورث وتبعاً لذلك من أموال التركة، وعندئذ تتعقد اجراءات القسمة وتتعطل وتطول إجراءاتها لان دعوى الاختصاص يتم الفصل فيها في درجات التقاضي الثلاث التي تستغرق سنوات طويلة يتكبد خلالها الورثة المال والجهد والوقت إضافة الى اثارة الاحقاد والضغائن بينهم، ولذلك ينبغي على القسام أو القاضي ان يتحقق من ملكية المورث بواسطة الوثائق التي تدل على ان المال ملك المورث فلايتم ادراج أي مال في كشف حصر التركة الا بعد التأكد من ذلك، ومع هذا فان بعض الاشكاليات تظل قائمة بالنسبة للأموال المسجلة في وثائق الملكية باسم المورث في حين أنها قد تكون ملكا خاصاً لأحد الورثة فعندئذ يجب على القاضي والقسام اعتماد ما يرد في الوثائق إلا اذا ثبت خلافها بوثائق أقوى منها تدل على أنها ملك لغير المورث مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا الذي اعتمد على الوثائق التي دلت على أن الأموال المذكورة فيها ملك للمورث مع ان أقوال الشهود وواقع الحال كان يدل على ان المورث كان فقير جداً وان أبنه المدعي بالاختصاص الذي اغترب لفترة طويلة قد حصل على اموال وان الاب كان يشتري الاراضي والبيوت  باموال الابن  ويقوم الاب بالشراء باسمه وليس باسم ابنه ؛فالابن مقصر في هذه الحالة حيث كان ينبغي عليه الحصول على وثائق ضد  تثبت خلاف ما ورد في الوثائق التي لدى أبيه المورث، ولذلك فقد كان الحكم الابتدائي ومن بعده الحكم الاستئنافي واخيراً حكم المحكمة العليا تؤكد أن الأبن المدعي بالاختصاص عجز عن تقديم الوثائق التي تثبت اختصاصه بتلك الأموال مع انه قدم شهوداً على ذلك لان ما يثبت كتابة لا يدحض أو  لا ينفى الا كتابة خاصة في العقارات.

الوجه الثالث: دعوى الاختصاص ودورها في تعطيل إجراءات القسمة الرضائية:

 القسمة الرضائية تتم بالتراضي بين الورثة فان اجراءات حسم دعاوى الاختصاص يتم بسهولة وبرضاء الورثة الذين يعرفون حقيقة أموال مورثهم ومصدرها وكيفية اكتسابها ومصدرها ومدى صحة دعاوى الاختصاص، ولذلك فان دعاوى الاختصاص لا تعطل اجراءات القسمة إلا اذا كان  القسام قليل الخبرة، والا فانه يقوم بتجنيب الأموال محل الخلاف اذا تعذر عليه حسم الخلاف بين الورثة بشأنها حيث يتم تجنيبها كي تقسم لاحقاً مع المترك او موخر التركة؛ لان أية قسمة لا يمكن ان تتم فيها قسمة كل شيء فهناك أموال تظل متروكة أما ان تكون محل نزاع فيما بين المورث و الغير أو بين الورثة انفسهم كما ان هناك أموال للمورث تظهر لاحقاً بعد تمام القسمة الاصلية كديون أو استحقاقات كانت للمورث لدى الغير أو ارث كان مستحقا للمورث حيث تتم قسمة هذه الاموال بين الورثة لاحقاً، وانا اذكر انه في اواخر عام 1998م انه تمت قسمة تركة مواطن بسيط من محافظة إب وكانت تركته ضئيلة تمت قسمتها في أيام قليلة وبعد ذلك بستة اشهر تقريبا ظهرت له وصية من عمه الذي كان يحمل الجنسية البريطانية عن طريق السفارة البريطانية بصنعاء وكان مبلغ الوصية مليون ومائتين وثمانين ألف جنية استرليني، فاختلف الورثة بشأنها فما كان من القاضي الحكيم إلا أن حكم بقسمتها على غرار القسمة السابقة للتركة باعتبار ذلك الامر قد تم التراضي بين الورثة والاتفاق عليه عليه، ذكرت هذا لان بعض الاخوة الامناء والقسامين يحجمون عن قسمة التركة حتى يتم حسم كافة منازعات الورثة بشان حصر اموال التركة فاذا تم رفع دعوى الاختصاص بشأن بعض أموال التركة؛ وحجة القسامين في ذلك ؛ ان قسمة كل اموال التركة اذا لم تتم دفعة واحدة فانه سيترتب على ذلك تعدد الفصول وإعادة إجراءات القسمة للمال محل الخلاف.

الوجه الرابع : دعوى الاختصاص ودورها في تعطيل إجراءات القسمة القضائية وتوصية للمحكمة العليا :

اما القسمة القضائية فإشكالياتها في اليمن ليست خافية على أحد فاجراءاتها طويلة جدا، ومن أهم اسباب تعقيد وإطالة إجراءات القسمة القضائية في اليمن دعاوى الاختصاص. فقد ظهر لنا  ذلك اثناء مطالعة الحكم محل تعليقنا فالخلاف أصلاً لم يكن بشأن إجراءات القسمة والحصر والتثمين وتحديد وفرز الانصبة وانما كان منحصرا في دعاوى الاختصاص، حيث يتعمد بعض الورثة الاغنياء أو المستفيدين من بقاء التركة من غير قسمة يتعمد هؤلاء رفع دعاوى الاختصاص الكيدية فقد حدث في قسمة تركة ان تعطلت إجراءات القسمة القضائية لتركة من أكبر تركات اليمن بسبب دعوى اختصاص بشان سندات اسهم في شركة اردنية!!! وحدث أيضاً ان تعطلت إجراءات قسمة تركة تمتد في أربع محافظات في اليمن بسبب دعوى اختصاص في (مخزن لعلف الحيوانات) حيث تؤجل المحكمة الابتدائية إجراءات القسمة حتى يتم الفصل في دعوى الاختصاص والتأكد مما اذا كان المال المدعى به من اموال التركة أم يخص المدعي وبعد صدور الحكم الابتدائي في دعوى الاختصاص يتم استئنافه ثم الطعن بالنقض وطبعاً هذه المسألة ليست اجتهاداً مني فالقضاة والمحامون يدركون هذا الأمر جيدا؛ً ولذلك أوصي مخلصاً واتمنى من المحكمة العليا بموجب الصلاحيات المناطة بها قانوناً ان تصدر تعميماً إلى المحاكم بقسمة المتفق عليه من التركات وتجنيب المختلف عليه حتى تتم قسمته لاحقاً بعد حسم الخلاف بشأنه رضاءً أو قضاء؛والله اعلمً.

ليست هناك تعليقات: