من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

السبت، 31 أكتوبر 2020

موقف القانون اليمني من تحكيم المسئولين في الدولة ومدى صحة الاحكام التي يصدرونها

تحكيم المسئولين في الدولة 

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات العملية الواقعية قيام بعض المسئولين والقادة العسكريين وغيرهم من المسئولين بالسعي الحثيث واستغلال نفوذهم في استجلاب القضايا كي يتم تحكيمهم فيها وتصل الضغوط على الأشخاص في حالات كثيرة إلى قيام بعض المسئولين كالقادة العسكريين والأمنيين إلى استعمال القوة المادية والمعنوية لفرض انفسهم كمحكمين، ولا شك أن لهذا الموضوع تأثير بالغ على العدالة وعلى الوظيفة العامة التي يشغلها أولئك المسئولين، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5/10/2010م في الطعن المدني رقم (35402) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية وقوع خلاف بين شخصين على الشراكة في مشروع ماء فقام الطرفان المتنازعان  بتحكيم أحد القادة العسكريين في المنطقة التي يقع المشروع ضمن اختصاصها فقام القائد المحكم بإصدار حكمه الذي قضى بأن يحلف المدعي بالشراكة  في المشروع اليمين بأن مساهمته في المشروع بنسبة الربع لازالت قائمة فاذا حلف المدعي فيجب على المدعى عليه أن يحلف على صحة المخاسير والمصاريف التي دفعها لحساب المشروع فاذا حلف فيتحمل المدعي منها بحسب حصته في المشروع ، وقد قام المدعى عليه بتقديم دعوى بطلان حكم المحكم ،وقد ورد ضمن دعوى البطلان أن المحكم قائد عسكري لا يجوز له قانوناً أن يكون محكماً، وقد قامت محكمة الاستئناف بالخوض في موضوع الخلاف واستمعت إلى ادلة الخصوم وقامت بأخذ اليمين منهم بحسب ما قضى به حكم التحكيم، فلم يقبل المدعي بالبطلان بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض وقد ورد في أسباب الطعن أن المحكم قائد عسكري لا يجوز له أن يكون محكماً وفقاً للقانون، وقد قبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي بسبب خوضه في موضوع النزاع وعدم التزامه بالمادة (53) تحكيم التي تقرر أن اختصاص محكمة الاستئناف بالنسبة لدعوى البطلان يقتصر على الرقابة القانونية على حكم التحكيم ومدى تحقق حالة أو حالات البطلان المدعى بها باعتبارها محكمة قانون، فليس لها أن تتعامل مع دعوى البطلان مثل تعاملها مع الطعن بالاستئناف في الحكم الابتدائي الصادر من المحكمة الابتدائية ،اضافة الى ان حكم التحكيم معلقا باليمينً ولم يكن جازماً وحاسماً للنزاع واضرب حكم المحكمة العليا عن مناقشته كون المحكم قائد عسكري، وذلك يقضي منا أن نعلق على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : موقف القانون اليمني من تحكيم المسئولين : 

لم يتناول قانون التحكيم هذه المسألة فلم يفصح عن موقفه ازاء ذلك، اما قانون المرافعات فقد قرر في المادة (14) على أنه (يحظر على القاضي أن يكون مفوضاً أو محكماً في قضية منظورة أمام المحكمة التي يعمل بها) ومع أن هذا النص قد ورد ضمن ولاية القاضي وحدودها التي يترتب على مخالفتها انعدام الحكم الا أن المادة (15) مرافعات لم ترتب انعدام المحكم اذا خالف القاضي هذا الحظر وقبل أن يكون محكماً، وبناء على ذلك يترتب على مخالفة القاضي للحظر الوارد في النص القانوني السابق ذكره بطلان حكم التحكيم الذي يصدره وليس انعدامه، والظاهر أن الحكمة من حظر التحكيم على القاضي في نطاق المحكمة التي  يعمل فيها الحيلولة دون استعمال القاضي لتاثيره ونفوذه  في المحكمة لاستجلاب الخصوم الى تحكيمه وكذا حتى لا يكون التحكيم ذريعة للقاضي لإهمال عمله وفصله في القضايا المنظورة أمام المحكمة التي يعمل فيها القاضي حتى لو لم يكن القاضي نفسه ينظر فيها، اما بالنسبة للمسئولين الاخرين فقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم (40) لسنة 2002م بتاريخ 13/1/2002م وكذا تعميم وزارة العدل رقم (2) لسنة 2001م بتاريخ 21/2/2001م الذي تضمن منع محافظي المحافظات وقادة الألوية منعاً باتاً من التدخل في القضايا وقبول التحكيم في قضايا المواطنين. 

الوجه الثاني : القوة القانونية لمنع المسئولين من التحكيم في قضايا المواطنين وتوصيتنا 

لاحظنا في الوجه السابق أن منع مسئولي الدولة من التدخل في قضايا المواطنين وتوليهم للتحكيم في قضايا المواطنين ونزاعاتهم قد كان بموجب قرار مجلس الوزراء وتعميم صادر عن وزارة العدل وليس بموجب قانون مثلما ورد بالنسبة للقضاة، ولذلك فانه يترتب على مخالفة قرار مجلس الوزراء وقبول المسئول للتحكيم بطلان حكم التحكيم الصادر عن المسئول المخالف إضافة إلى مسائلته أدارياً أو تأديبياً لان العلة من منعه من التحكيم هي حماية المواطنين من ضغوط المسئولين وتأثيرهم على المواطنين وصدور احكام مجحفة بحقهم، ومع هذا أو ذاك فإننا نوصي بأن يكون هناك نص في قانون التحكيم يمنع الأشخاص الذين لا يحق لهم التحكيم لان قانون التحكيم هو القانون الخاص الأولى بالتطبيق.

الوجه الثالث : الاعتبارات والاسانيد التي يقوم عليها منع المسئولين من التحكيم : 

هناك في اليمن اعتبارات واسانيد كثيرة اقتضت منع المسئولين من التحكيم أهمها مكافحة الفساد إذ أن تحكيم المسئولين في قضايا المواطنين يحمل في طياته الفساد  فالتحكيم لبعض المسئولين واجهة من واجهات الفساد فقد كان بعض المسئولين يشاطروا المواطنين أموالهم بذريعة التحكيم بل ويمنعونهم من التصرف في اموالهم بذريعة التحكيم علاوة على أن التحكيم للمسئولين كان باباً من ابواب  الرشوة للمسئولين بستار التحكيم، كما أن بعض المسئولين كانوا يسعوا جاهدين لاستجلاب قضايا المواطنين للتحكيم والتحكم  فيها بل ان بعضهم كان يفتعل المشاكل لأصحاب الأموال حتى يتم تحكيمهم في حل الخلاف الذي افتعله هذا المسئول، كما أن غالبية المواطنين يكون الباعث لهم على تحكيم المسئولين هو الخوف من بطش المسئولين  وسطوتهم  وهذا يخالف فكرة التحكيم التي تقوم على رضاء الخصوم  عند اختيار المحكم، علاوة عن أن قيام المسئولين بالتحكيم في قضايا المواطنين يستغرق منهم وقتاً وجهداً طويلاً يشغلهم عن النهوض بمسؤولياتهم التي تم تعيينهم لاجل القيام بها، والله اعلم.

ليست هناك تعليقات: