من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

السبت، 31 أكتوبر 2020

القتل بالسم في القانون والقضاء اليمني

 


أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تنوعت الأسباب والموت واحد مقولة صحيحة من حيث النتيجة ولكن وسائل الموت تختلف من حيث وحشيتها أو دلالتها على دنائة القاتل وسفالته وغدره وخطورته ولذلك فان وسيلة القتل لها تأثير في تشديد العقوبة ، ومع خطورة جرائم القتل بالسم أو بالاغتيال فان قانون الجرائم والعقوبات اليمني تجاهل القتل بالسم او بالاغتيال فلم يذكرهما ضمن الظروف المشددة للعقوبة   مع خطورة هذه الجرائم وكثرتها وخلافا لما هو مقرر في الفقه الاسلامي وفي القوانين الاخرى،ولذلك يتم في الواقع العملي تطبيق أحكام القصاص عليها الذي تشددت أحكام الشريعة والقانون وضيقت من نطاق تطبيقه الى اضيق نطاق ، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/1/2011م في الطعن الجزائي رقم (40118) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن النيابة العامة قدمت أحد الاشخاص بتهمة قتل شخص اخر عمداً وعدواناً وذلك بان سقاه مادة سامة قاتلة نتج عن ذلك وفاة المجني عليه حسبما هو مبين بالأوراق وطالبت النيابة من المحكمة معاقبة المتهم بالعقوبة المقررة شرعاً وقانوناً وفقاً للمادتين (16 و 234) عقوبات، وأمام المحكمة الابتدائية تقدم أولياء الدم بدعواهم بالحق الشخصي طلبوا فيها القصاص الشرعي من المتهم، وقد خلصت المحكمة الابتدائية الى الحكم (بإدانة المتهم بجريمة القتل العمد المنسوبة اليه في قرار الاتهام ومعاقبته بالحبس مدة ثمان سنوات من تاريخ القبض عليه تعزيراً له في الحق العام والزامه بدفع دية العمد لأولياء الدم بالإضافة إلى مخاسير القضية مائة الف ريال ، فلم تقبل النيابة العامة وأولياء الدم بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه ،ولكن الشعبة الجزائية رفضت الطعنين وايدت الحكم الابتدائي فيما قضى به باستثناء مخاسير التقاضي والغرامات المحكوم بها لاولياء الدم  التي عدلها الحكم الاستئنافي من مائة الف إلى خمسمائة الف ريال ، فلم يقبل المتهم واولياء الدم بالحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا لم تقبل الطعنين  شكلاً لتقديمها بعد فوات الميعاد المقرر قانوناً للطعن بالنقض ،وقد ورد في حكم المحكمة العليا (بما أن الطعنين قد تم تقديمهما بعد مضي المدة المقررة قانوناً بحسب مذكرة نيابة النقض  وقد تحققت الدائرة من صحة ذلك مما يتعين معه الحكم بعدم قبولهماً عملاً بقاعدة ما قضي بعدم قبوله شكلاً يتعذر نظره موضوعاً، ولذلك فان الدائرة تقرر عدم قبول طعن المحكوم عليه شكلاً وعدم قبول طعن أولياء الدم شكلاً واعادة كفالة الطعن للمحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية واعتبار الحكم المطعون فيه باتاً واجب النفاذ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : القتل بالسم في القانون اليمني وتوصيتنا :

حدد قانون الجرائم والعقوبات الاحكام العامة لجريمة القتل العمد بصفة عامة حسبما ورد في المادة (234) عقوبات ولم يشر إلى القتل غيلة او بالسم  حيث نصت هذه المادة على أنه (من قتل نفساً معصومة عمداً يعاقب بالاعدام قصاصاً إلا أن يعفو ولي الدم فان كان العفو مطلقاً أو بشرط الدية ومات الجاني قبل الحكم حكم بالدية ولا اعتبار لرضاء المجني عليه قبل وقوع الفعل، ويشترط للحكم بالقصاص أن يطلبه ولي الدم وأن يتوفر دليله الشرعي فاذا تخلف أحد الشرطين أو كلاهما واقتنع القاضي من القرائن بثبوت الجريمة في حق المتهم أو اذا امتنع القصاص أو سقط بغير العفو يعزر الجاني بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات ،  ويجوز ان يصل التعزير إلى الحكم بالاعدام اذا كان الجاني معروفاً بالشر أو ارتكب القتل بوسيلة وحشية أو على شخصين فاكثر أو من شخص سبق أن ارتكب قتلاً عمداً أو توطئة لإرتكاب جريمة أخرى أو لاخفائها أو على امرأة حامل أو على موظف أو مكلف بخدمة عامة أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته أو خدمته حتى لو سقط  القصاص بالعفو) ومن خلال استقراء النص القانوني السابق يظهر أن القتل بالسم يندرج ضمن القتل العمد إذا توفرت الشروط المقررة إلا أن النص المشار اليه لم يقرر أن القتل بالسم او غيلة من الظروف المشددة للعقوبة على خلاف القوانين العقابية العربية والأجنبية التي قررت أن القتل بالسم او غيلة من الظروف المشددة للعقوبة، ولو تضمن النص القانوني  السابق أن القتل بالسم من الظروف المشددة لجاز للقاضي أن يحكم بالاعدام  تعزيراً للقاتل بالسم اوغيلة حتى لو سقط القصاص، وفي هذا الشأن فإننا نوصي المشرع اليمني : بضرورة تضمين المادة (234) عقوبات عبارة (أو ارتكب القتل غيلة أو بالسم أو بوسيلة وحشية) حتى تستطيع الدولة القيام بواجبها في حفظ الأمن العام والسكينة العامة ومواجهة جرائم الاغتيال والقتل بالسم ، علماً بان الفقه الاسلامي يتناول القتل غيلة وبالسم ضمن الظروف المشددة التي يجوز تعزير الفاعل بالاعدام حتى لو سقط القصاص.

الوجه الثاني : القتل بالسم في القوانين العربية من الظروف المشددة للعقوبة : لخطورة هذه الجرائم فقد افرد قانون العقوبات الفرنسي  منذ العصور القديمة لهذه الجريمة نصاً خاصاً قرر فيه الاعدام لفاعلها حسبما كان مقرراً في (301) عقوبات فرنسي قديم  وان تم الغاء عقوبة الاعدام في القانون الفرنسي المعاصر الا ان القتل بالسم ضل ظرفا مشددا، ويقرر قانون العقوبات المصري في المادة (233) ان جناية القتل بالتسميم صورة من صور القتل العمد على شاكلة ما ورد في المادة (397) من القانون البلجيكي الذي الغى عقوبة الاعدام ومع ذلك ضل القتل بالسم من الظروف المشددة ، ويرجع اعتبار القتل بالسم من الظروف المشددة  الى خطورة هذه الوسيلة وما فيها من الخيانة والغدر فلا يستطيع المجني عليه تفادي هذه الوسيلة الاجرامية حيث قد  يتم قتله بالسم من قبل أقرب المقربين كالزوجة أو الاخ أو الولد مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فقد كان الجاني هو إبن عم المجني عليه علاوة على سهولة إرتكاب هذه الجريمة وصعوبة اثباتها ، ولخطورة هذه الجريمة فقد قضت محكمة النقض المصرية (انه لا يشترط لجناية التسميم ان يوجد سبق الاصرار لانها تنم عن خيانة وغدر وخسة لا مثيل لها) نقض ق 779 سنة 41 ).

الوجه الثالث : القتل بالسم في الفقه الاسلامي :

اختلف الفقهاء في وجوب القصاص في القتل بالسم فقال الشافعية لا يجب القصاص بل تجب دية شبه العمد لتناول المسموم للسم باختياره وهناك قول اخر عند الشافعية يذهب إلى وجوب القصاص في هذه الحالة لتغرير القاتل بالمسموم ،وقال الزيدية والحنفية لا قصاص في القتل بالسم  فيعزر القاتل بالعقوبة المناسبة ، وقال المالكية والحنابلة يجب القصاص في هذه الحالة لان السم يقتل غالباً فهو وسيلة للقتل (الموسوعة الفقهية الكويتية 5/182) ، والأقرب إلى الصواب وجوب القصاص في القتل بالسم، اما اعدام القاتل بالسم على سبيل التعزير فيذهب غالبية الفقه الاسلامي الى ذلك بالنظر الى جسامة الجريمة وخطورة المجرم.

الوجه الرابع : العقوبة المقررة للقتل بالسم في الحكم محل تعليقنا :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم الاستئنافي قد قضى بسجن الجاني ثماني سنوات تعزيراً في حين الحد الادنى للعقوبة هو السجن ثلاث سنوات والحد الأعلى عشر سنوات، ولا تثريب على الحكم لانه قد قام بتطبيق النص القانوني (234) عقوبات فلا تثريب على القاضي لان وظيفة تطبيق النصوص القانونية كما هي فلا يجوز له مخالفتها ، كما أن القاضي لم يستطع الحكم بالقصاص للقتل بالسم لتشدد الشريعة والقانون في اثبات فعل القتل بالسم ونتيجته وهي القتل، وهذا من الامور الاعتيادية لان القتل بالسم يتعذر إثباته فأقصى ما ورد في القضية من اثبات هو شهادة الشهود بان المجني عليه قد شرب القهوة في منزل الجاني وبعدها شعر بالام شديدة في بطنه وكان يصرخ ويطرش ويقول : سممني إبن عمي وبعدها مات وعند قيام المستشفى بفحصه،  ورد في التقرير ان سبب الوفاة سم الزرنيخ،والله اعلم

#قانونالجرائموالعقوبات_اليمني

#جريمة_القتل

ليست هناك تعليقات: