من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

السبت، 16 ديسمبر 2023

الإكراه كمانع من موانع المسؤولية الجنائية

 

الإكراه كمانع من موانع المسؤولية الجنائية

مقدمة:

إن الإدراك والإرادة يعتبران ركنين أساسيين لما يقوم به الإنسان من أفعال سواء كانت عن قصد أو غير قصد، فإذا شاب هذه الإرادة سبب من الأسباب-عند ارتكاب فعل أو امتناع عن فعل-التي نص عليها المشرع لا يعاقب جزائيا وتنتفي مسؤوليته الجزائية.

المسؤولية الجزائية: هي الإلزام بتحمل النتائج القانونية المترتبة على توافر أركان الجريمة.

أسباب موانع المسؤولية هي: الأسباب التي إذا عرضت لمرتكب الفعل المجرم جعلت إرادته غير معتبرة قانونا ولا يقوم بها الركن المعنوي لأنها تجردها من الإدراك أو الحرية الاختيار أو منهما معا وهما أساس المسؤولية الجزائية.[1]

 

الفرق بين موانع المسؤولية الجنائية وأسباب الاباحة وموانع العقاب:[2]

أ-موانع المسؤولية وأسباب الاباحة:

كلتا الفئتين تتفق في عدم مساءلة الفاعل جنائيا وبالتالي عدم استحقاقه للعقوبة المقررة للفعل الذي قام به ولكنهما تختلفان في أمور جوهرية أهمها الاتي:

1-   موانع المسؤولية الجنائية عوارض شخصية ذاتية أو طارئة تؤثر في الإرادة أو الادراك أو كليهما وقد تصيب الإرادة فقط كالإكراه والضرورة وقد تصيب كليهما معا كالجنون والصغر ففاقد الادراك عديم الإرادة أيضا، بينما في أسباب الاباحة يتمتع الفاعل بحرية الإرادة والادراك التام.

2-   موانع المسؤولية الجنائية لا تمس الفعل المادي ولا تجرده من صفته الجرمية بل الجريمة تبقى قائمة رغم عدم مساءلة فاعلها جنائيا في حين أن أسباب الاباحة تجرد الفعل من وصفه الجرمي وتحوله إلى عمل مباح.

3-   في أسباب الاباحة الفاعل يمارس حقه الشرعي والقانوني بينما في موانع المسؤولية الجنائية الفاعل يعتدي على حق الغير الا انه لا يسأل جزائيا لكونه معذورا بعذر يبرر عدم مساءلته جنائيا وبالتالي عدم عقابه.

4-   موانع المسؤولية الجنائية لا تعفي الجاني من المسؤولية المدنية وبوجه خاص في الشريعة الإسلامية فالمجنون والصبي غير المميز ومن في حكمهما إذا قتلوا شخصا تجب الدية على عاقلتهم وإذا سرقوا مالا واتلفوه يجب عليهم التعويض للمسروق منه في حين أن أسباب الاباحة تعفيه من كلتا المسؤوليتين.

5-   في أسباب الاباحة ينعدم الركن الشرعي في حين لا تأثير عليه في موانع المسؤولية الجنائية وانما أثرها يقتصر على الركن المعنوي (القصد الجنائي) لذا لا توصف جريمة عديم الاهلية بأنها عمدية لتخلف الركن المعنوي بسبب عدم وجود الادراك والإرادة.

6-   لا يقتصر أثر أسباب الاباحة في الشخص الذي اباح له الشرع والقانون الفعل بل يمتد إلى كل من يساهم في اتيانه كفاعل أصلي أو شريك لأنها تتعلق بذات الفعل لا بشخص فاعله، فمن يساهم مع المعتدى عليه في الدفاع الشرعي أو مع الوالد في تأديب ولده يكون شأنه شأن من تعرض للاعتداء على نفسه أو ماله أو عرضه وشأن الوالد في تأديب ولده فلا مسؤولية على الكل لا جنائيا ولا مدنيا.

7-   من حيث الإجراءات يجب على نائب المدعي العام أو قاضي التحقيق عند وجود أسباب الاباحة حفظ الدعوى لعدم جدوى الإحالة إلى المحكمة المختصة بينما في بعض حالات موانع المسؤولية الجنائية قد يحتاج الأمر إلى الإحالة للقضاء لا لمساءلته جنائيا وانما للتأكد من وجود العذر كمن يرتكب جريمة ثم يدعي انه كان مجنونا حين ارتكبها أو كان مكرها أو مضطرا أو نحو ذلك وعارضه المجني عليه أو ورثته.

وبناء على هذه الفروق الجوهرية فإن النسبة المنطقية بين أسباب الاباحة وموانع المسؤولية الجنائية التباين بحسب المفهوم وماهيتهما الشرعية والقانونية، أما بحسب التحقق فإن النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق فأسباب الاباحة أخص مطلقا وموانع المسؤولية الجنائية اعم مطلقا فكلما تحقق سبب من أسباب الاباحة يتحقق مانع المسؤولية الجنائية ولكن عكسه الكلي غير صحيح فقد تحقق مانع المسؤولية الجنائية ولكنه لا يكون مبيحا للفعل الجرمي كما في حالات الجنون والصغر والاكراه والضرورة وغيرها من الأمور التي تكون مانعة من المسؤولية فقط ولا تمس أصل الفعل.

ب-موانع المسؤولية وموانع العقاب:

مانع العقاب عذر شرعي أو قانوني يعفي الجاني من العقاب أو يخففه أو يبدله كما يأتي تفصيل ذلك في محله ومن أهم موانع العقاب في الشريعة والقانون ما يأتي:

1-   توبة الجاني في الشريعة الإسلامية ويقابلها في القانون العذر كما في الاتفاقات الجنائية قبل التنفيذ فاذا أخبر أحد من المتفقين الجنائيين السلطة العامة بهذه الجريمة قبل علمها بها يعفى من العقوبة المقررة لها.

2-   العفو من ولي الأمر (رئيس الدولة) مطلقا في القانون وفي الجرائم التعزيرية فقط في الشريعة الإسلامية.

3-   وقف التنفيذ وهو شبيه بالعفو

4-   الصلح بين الجاني والمجني عليه.

5-   فقدان الجاني اهليته بعد ارتكاب الجريمة بموت أو جنون مطبق مستمر إلى الموت

6-   التقادم في القانون وقد يلتقي التقادم مع الشبهة كما في تأخر الشاهد عن افادته في جرائم الحدود

وهذه الموانع ليست على سبيل الحصر.

ويترتب على التبيان بينهما في الماهية والمفهوم الفروق التالية:

1-   مانع العقاب ليس له أثر في أركان الجريمة: سبب الاباحة له الأثر على الركن الشرعي بحيث يزيله كليا ويحول الفعل إلى عمل مباح، وان مانع المسؤولية الجنائية له الأثر في الركن المعنوي (القصد الجنائي) فيحدث فيه الخلل أو يزيله مع احتفاظ الفعل بصفته الجرمية بخلاف مانع العقاب فانه ليس له أي تأثير لا على الركن الشرعي ولا على الركن المعنوي.

2-   مانع المسؤولية الجنائية كسبب الاباحة مقترن بوقت ارتكاب جريمة ومستمر حتى تنفيذها والا فلا يعد مانعا فيسأل الفاعل جنائيا إذا حدث قبل الجريمة وزال في حين ارتكابها أو تمت الجرمية ثم حدث فإنه لا تأثير له على المسؤولية ذاتها وانما يكون مانعا من استمرار الإجراءات أو التنفيذ بحب وقت حدوثه، بخلاف مانع العقاب فانه يحدث بعد ارتكاب الجريمة وتحقق المسؤولية الجنائية.

3-   موانع المسؤولية الجنائية شخصية بخلاف موانع العقاب فإنها كما تكون شخصية مثل الابوة المانعة من القصاص قد تكون من وسائل الاثبات كما في الشبهة وقد تكون من ولي الأمر كما في العفو العام والخاص وقد تكون في القانون والشرع كالقرابة وقد تكون غير ذلك.

4-   موانع المسؤولية الجنائية تزيل العقاب إزالة كلية بخلاف موانع العقاب فهي قد تكون معفية من العقاب وقد تكون مخففة له وقد تكون سببا لتبديل نوع العقاب بنوع اخر.

5-   في موانع المسؤولية الجنائية ينظر إلى شخص الجاني, فالمانعة مبنية على أساس رعاية العدالة لمصلحة الجاني في الجنون والصغر والاكراه والضرورة في حين أن الغالب في موانع العقاب رعاية المصلحة العامة.

6-   موانع العقاب قد تكون معلقة على شروط فإذا تخلف واحد منها يرتفع مانع العقاب كما في وقف التنفيذ.

7-   موانع العقاب في الشريعة الإسلامية قد تكون عامة وقد تكون خاصة في حين أن موانع المسؤولية الجنائية عامة مطلقا لا يوجد الفرق بين شخص واخر وبين جريمة وأخرى بخلاف موانع العقاب فمنها عامة ومنها خاصة.

8-   إذا وصلت القضية إلى المحكمة في موانع العقاب عليها أن لا تحكم ببراءة المتهم بل تحكم بامتناع العقاب شرعا وقانونا بخلاف موانع المسؤولية الجنائية فالقاصي يصدر الحكم بالبراءة عن المسؤولية الجنائية لا عن التهمة الموجهة إليه.

9-   مانع العقاب لا يمنع الحكم على المتهم بالمصاريف وبالنظم الوقائية بخلاف موانع المسؤولية الجنائية فإنها تمنع ذلك.

10-         في موانع العقاب لا يجوز لقاضي التحقيق (عضو النيابة) أن يفصل في الأمر بل عليه الإحالة إلى المحكمة المختصة بخلاف ذلك في موانع المسؤولية الجنائية.

أولاً: تعريف وشروط وصور الإكراه المادي:[3]

تعريف الإكراه المادي:

هو قوة مادية توجه إلى الشخص ومن شأنها أن تعدم إرادته وتؤدي به إلى ارتكاب الجريمة، وعرفه البعض: صورة من صور القوة القاهرة وهي العامل الطارئ الذي يعزي إلى المصادفة يسلب الفاعل إرادته على نحو مادي مطلق لا يملك له دفعا ويلجئه إلى إتيان عمل لا يريده.

لذلك فإن الإكراه المادي يحول جريمة من وقع عليه الإكراه إلى مجرد فعل مادي ذلك أنه يمحو أراد الفاعل فيهبط سلوكه إلى مستوى العمل المادي المحض.

ويفرق شراح القانون الوضعي ما بين الإكراه المادي والقوة القاهرة حيث لا يكون الإكراه المادي إلا من انسان، أما القوة القاهرة فهي من فعل قوى الطبيعة التي تخضع لمشيئة الله سبحانه وتعالى، إلا أن كلاهما هو قوة معدمة للإرادة وبصفة مطلقة.

صور الإكراه المادي:

الصورة الأولى: الإكراه المادي ذو المصدر الخارجي:

أ-قد يكون قوة عنيفة مصدرها الطبيعة, كمن تضطره العاصفة للرسو في ميناء بدون رخصة.

ب-قد تكون ناتجة عن فعل حيوان, كأن يلجأ راعي بقطيعه إلى غابة مجاورة محمية هربا من الذئب.

ج-قد تكون ناشئة عن فعل انسان, كمن يهدد موظف بنك بالسلاح الناري لتسليمه المال.

د-قد يكون مصدر الإكراه من فعل السلطات العامة " وذلك حكم في فرنسا ببراءة المتهم من جريمة عدم الذهاب إلى الخدمة العسكرية بناء على طلب السلطات المختصة لأنه كان محبوسا على ذمة قضية أخرى"

الصورة الثانية: الإكراه المادي ذو المصدر الداخلي:

ينتج الإكراه أثر ولو كانت القوة التي أثرت على إرادة الفاعل مصدرها داخلي متصل به متى كان من المستحيل مقاومتها ويتعلق الأمر هنا بقوة تنشأ عن سبب ذاتي ملازم لشخص الجاني نفسه ".

وقد أخذ القضاء الفرنسي بالإكراه المادي ذي المصدر الداخلي في قضية راكب قطار غلبه نعاس شديد في سفر طويل من كثرة التعب فجاوز المسافة التي دفع أجرها.

وهناك من يرى انه يجب أن يكون الإكراه ذا مصدر خارجي فلا يندرج تحت مفهوم الإكراه إذا كان الضغط على الإرادة ذا مصدر داخلي أو ذاتي أي مبعثه نفسية الشخص كحالات العاهة العقلية أو الانفعالات، لكنهم يرون انه ليس المقصود أن يكون الضغط من خارج جسم من بوشر عليه الإكراه وانما المقصود أن يكون خارج نفسيته فمن يصاب بشلل مفاجئ فيقع على طفل ويقتله تتحقق فيه حالة الإكراه.

شروط الإكراه المادي:

يكاد يتفق شراح القانون الوضعي على أن شروط الإكراه المادي الذي يرفع المسؤولية الجنائية هي:

1-أن يكون مرتكب الجريمة (المكره عليها) فاقد للإرادة تماما بحيث يخضع لقوة أعدمت إرادته بصورة مطلقة.

2-أن تقطع ظروف الحال بأنه كان يستحيل عليه توقع الإكراه وليس في استطاعته توقعها.

3-أن مقاومة القوة المكرهة مستحيل وليس صعب

عبرت عن هذا الشرط المادة (35) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني المعنون  بالإكراه المادي والقوة القاهرة بقولها [لا يرتكب جريمة من وقع منه الفعل المكون لها تحت ضغط اكراه مادي يستحيل عليه مقاومته...]

4-أنه لا يوجد أي خطأ في مسلك الجاني (الواقع عليه الإكراه) من أي نوع.

ثانياً: الإكراه المعنوي:

تعريف الإكراه المعنوي:

العامل الذي مع ابقائه على الإرادة من الوجهة المادية فإنه يشل حركتها ويذهب بقيمتها من حيث القدرة على الاختيار وذلك تحت تأثير الخوف من خطر أو ضرر جسيم وشيك الوقوع وليس في الإمكان دفعه أو الإفلات منه الا بارتكاب الجريمة.

فالإرادة قائمة في هذه الأحوال من الناحية المادية بحيث يملك الجاني أن يمتنع عما ينهى عنه القانون أو أن يفعل ما يأمر به فلا يرتكب الجريمة ولكن من المحقق أن في سبيل ذلك يتحمل ضررتً جسيما على نفسه أو نفس غيره الأمر الذي يشل عند الاختيار في النهاية ويجعله لا يختار في هذا الوقف الا اتجاها واحدا دائما هو الإفلات من الخطر المحدق عن طريق ارتكاب الجريمة.

الفرق بين الإكراه المادي والمعنوي:

أن الشخص الواقع عليه الإكراه المادي يكون فاقد حرية الإرادة فقداناً تاماً فلا تكون لديه فرصة يتوقى معها حصول الإكراه ليتخذ مثلا من وسائل الحيطة ما يمنع وقوع الجريمة بل ولا يمكنه مقاومة ذلك الإكراه إذا ما وقع بحسب قدرته الجسيمة ومن ثم فلا سبيل للاختيار لأن هناك طريقاً واحداً لا مناص من التردي فيه وهو الجريمة.

أما في حالة الإكراه المعنوي فإن للشخص فسحة من الاختيار قد تكون محدودة ولكنها موجودة بمعنى انه على أي حال يتمتع باختياره فهو يوازن بين أمرين لا ثالث لهما: أما أن يمتثل للخطر الملح غير القابل للمقاومة ليقع على نفسه فيهدر بذلك مصلحته واما أن يلحق ضررا بنفس ومال غيره في سبيل مصلحته.

ملاحظة: تسوي بعض القوانين بين الإكراه المعنوي وحالة الضرورة ومنها القانون اليمني.

صور الإكراه المعنوي:[4]

الصورة الأولى: تفترض استعمال العنف للتأثير على الإرادة مثال ذلك: حبس شخص أو ضربه أو تهديده باستمرار وذلك حتى يقبل ارتكاب الجريمة، ويدخل في مفهوم العنف كل ما يؤثر على الإرادة دون أن يعدمها.

وبذلك تتفق الصورة الأولى للإكراه المعنوي مع حالة الإكراه المادي في وجود العنف في كل منها، الا انه في حالة الإكراه المادي يصل الأمر إلى السيطرة الكاملة التي تعدم الإرادة وتجعل الواقع عليه الإكراه ليس أكثر من الة في يد من يكرهه، أما في حالة الإكراه المعنوي فإن العنف لا يبلغ هذه الدرجة من السيطرة واعدام الإدارة بل يقتصر على التأثير عليها لحملها على اتجاه الجريمة.

الصورة الثانية: خالية من العنف ويقتصر الإكراه على مجرد التهديد فتفترض استعمال قوة معنوية للتأثير على الارادة مثل تهيد امرأة بخطف ابنها أن لم ترتكب جريمة الزنا.

شروط الإكراه المعنوي:

1-   أن يوجد خطر جسيم حال-أو وشيك الوقوع-على النفس:

ويعني هذا الشرط أن لا يمكن القول بتحقق حالة الإكراه المعنوي بوجود أي خطر في أي صورة بل لابد من تحقق شروط أو مواصفات معينة في ذلك الخطر كالاتي:

أ-أن يكون الخطر جسيما: فالحديث هنا عن حجم وأهمية الخطر فلا بد من أن يكون جسيما وتقدر هذه الجسامة بمعيار الشخص العادي.

ب-أن يكون مصدر هذا الخطر انسان: أما إذا كان حيوانا مثلا أو قوى الطبيعة فإننا نكون بإزاء حالة ضرورة وليس اكراها معنويا.

ج-أن يكون الخطر على النفس سواء نفس المكرَه أو نفس الغير: وبذلك يخرج الخطر على المال من مبررات قيام حالة الإكراه المعنوي وهو ما ينتقده البعض.

في القانون اليمني لا يخرج المال بدليل ذكره صراحة في المادة(36) من قانون الجرائم والعقوبات المعنونة بالضرورة والاكراه المعنوي التي تنص: [لا مسؤولية على من ارتكب فعلا الجأته إليه ضرورة وقاية نفسه أو غيره أو ماله أو مل غيره من خطر جسيم محدق...]

د- أن يكون الخطر حالا أو وشيك الوقوع: وبذلك فإن الخطر الذي فات اوانه أو الذي يتوقع حدوثه مستقبلا لا يصلحان لقيام حالة الإكراه المعنوي.

وقد عبرت عن ذلك نص المادة36/ يمني بقولها [...خطر جسيم محدق...]

هـ- أن يكون الخطر حقيقيا: وليس تصوريا الا أن يستند ذلك التصور إلى اباب معقولة حتى يمكن أن تنتفي المسؤولية الجنائية.

2-ألا يكون الشخص ملزما بمواجهة الخطر طبقا للقانون:

أو كما يعبر البعض ألا يكون الخطر مشروعا فلو سيق محكوم عليه بالإعدام لتنفيذ الحكم عليه فلا يعد ذلك خطرا تقوم به حالة الإكراه المعنوي التي تبيح له قتل حارسه أو اصابته فخطر الموت الذي يوجهه قضى عليه طبقا للقانون أن يوجهه.

وقد عبرت عن ذلك نص المادة36/ يمني بقولها [...ولا يعتبر في حالة ضرورة من أوجب عليه القانون مواجهة ذلك الخطر]

3-الا يكون لإرادة الجاني دخل في حلول ذلك الخطر:

بمعنى أن لا يكون الجاني هو الذي ذلك الخطر بخطئه العمدي أو فعله المقصود حتى ولو ينطو على معنى الخطأ العمدي أو الجريمة العمدية. مثال ذلك من يخشى الهلاك جوعا فيسرق اطعمة في الوقت الذي يتقاعس فيه عن العمل والكسب فإن تقاعسه هذا هو الذي أوجد حالة خطر الموت جوعاً.

وقد عبرت عن ذلك نص المادة36/ يمني بقولها [...لم يتسبب هو فيه عمداً...]

4-الا يكون في قدرة الواقع عليه الإكراه منع الخطر بطريقة أخرى خلاف ارتكاب الجريمة:

بمعنى أن تكون جريمة الإكراه المعنوي من شأنها التخلص من لك الخطر.

وقد عبرت عن ذلك نص المادة36/ يمني بقولها [...ولم يكن في قدرته منعه بوسيلة أخرى...]

5-تناسب فعل الجريمة مع مقدار أو حجم الخطر:

ويستفاد هذ الشرط من اشتراط كون فعل الجريمة هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر ذلك انه إذا كان في امكان الواقع عليه الإكراه أن يدرأه بارتكاب جريمة ذات جسامة معينة ولكنه فضل درأه بجريمة أكثر جسامة فليست الجريمة الأكثر جسامة هي الوسيلة الوحيدة بل هناك وسيلة أخرى هي الجريمة الأقل جسامة فلا تقوم حالة الإكراه المعنوي التي تمنع المسؤولية الجنائية، ويعبر البعض عن ذلك بأن تكون المصلحة المدافع عنها أكثر قيمة أو على الأقل متساوية مع تلك المضحى في سبيلها.

وقد عبرت عن ذلك نص المادة36/ يمني بقولها [...ويشترط أن يكون الفعل متناسباً مع الخطر المراد اتقاؤه...]

الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى]

تقدير الخطر:

إن مدى توافر شروط الإكراه المعنوي متروك لتقدير القاضي، إلا أن على القاضي أن يضع معيارا لذلك يراعي طبيعة الأمور من ناحية ثم حالة الجاني وظروفه الخاصة والملابسات الت يوجد فيها من ناحية أخرى أو بتعبير اخر أن يضع نفسه في موقفه ويقيس بمقياسه مراعياً كافة الظروف السابق ذكرها.

إثبات الإكراه المعنوي:

يقع على عاتق منن وقع عليه الإكراه أن يثبت توافر الشروط المتطلبة للقول بوجود اكراه معنوي يبرر ارتكاب الجريمة وقاضي الموضوع هو الذي يقدر هذا ولمحكمة التمييز أن تراقب هذا التقدير.

ويلتزم القاضي بالرد على دفع المتهم بوقوع اكراه عليه ذلك أن مثل هذا الدفع يعد دفعا جوهريا يلتزم القاضي بالرد عليه.

ثالثاً: أثر الإكراه المادي والمعنوي:[5]

لم تعالج قوانين البلاج العربية موضوع أثر الإكراه في المسؤولية الجنائية على نمط واحد واتجاه موحد 1-بل منها من اقتصر على حالتي الضرورة والدفاع الشرعي وأهمل الإكراه بنوعيه كالقانونين المصري والجزائري.

2-منها ما خصص للإكراه مادة مستقلة عن المواد التي تناولت حالات الضرورة وأسباب الاباحة كالقانون العراقي حيث تناول أثر الإكراه بنوعيه بصورة مختصرة في المادة(62) التي نصت على انه [لا يسأل جزائيا من اكرهته على ارتكاب الجريمة قوة مادية أو معنوية لم يستطع دفعها] وأيضا من القوانين التي جمعت بين الإكراه المادي والمعنوي القانون السوري واللبناني والعماني التي نصت على صياغة تعبيرية واحدة في الثلاثة التشريعات وهي [لا عقاب على من أكرهته قوة مادية أو معنوية لم يستطع دفعها].

3-ومنها من اقتصر على الإكراه المعنوي كما هو معروف في الفقه الإسلامي واعتبر ما يرجع إلى القوة القاهرة أو الغالبة من باب الضرورة وهذا هو السليم، والجدير بالذكر انه كلما ورد لفظ التهديد ومشتقاته يكون المراد بالإكراه الإكراه المعنوي كما أن تعبير القوة المادية أو الغالبة أو القاهرة دليل على أن المراد هو الإكراه المادي.

4-ومنها ما استثنى من التأثر بالإكراه جريمة القتل فالإكراه فيها لا يعد مانعا كما هو رأي بعض الفقهاء الشريعة كالقانون الأردني فهذا القانون اقتصر على الإكراه المعنوي وتضمن بصورة واضحة أركانه وشروطه ومنها أن يكون الإكراه ملجئ كما في الفقه الإسلامي ولكنه معيب من حيث انه استعمل تعبير ((لا عقاب)) رغم انه بصدد موانع المسؤولية الجنائية دون موانع العقاب.

5-ومنها ما اقتصر على الإكراه المعنوي واستثنى جرائم القتل والجرائم التي تكون ضد الدولة ويعاقب عليها بعقوبة الإعدام كالقانون السوداني غير انه معيب من حيث استعمال تعبير ((لا يعد الفعل جريمة)) لان الإكراه ليس من أسباب الاباحة حتى يحول الفعل الجرمي إلى المباح وانما هو من موانع المسؤولية مع احتفاظ الفعل بصفته الجرمية كما هي.

6-ومن القوانين التي اقتصرت على الإكراه المعنوي مع استثناء جريمة القتل وكل جريمة أخرى تكون عقوبتها الإعدام سواء كانت ضد الدولة أو لا كالقانون البحريني وفيه كذلك العيب التشريعي في نفي الصفة الجرمية من الفعل بدلا من نفي المسؤولية الجزائية.

7-ومن القوانين التي اقتصرت على الإكراه المعنوي القانون الكويتي حيث نص في المادة(24): لا يسأل جزائيا من يكون وقت ارتكابه الفعل فاقدا حرية الاختيار لوقوعه بغير اختياره تحت تأثر التهديد بإنزال أذى جسيم حال يصيب النفس والمال.

8- ومن القوانين التي تناولت الإكراه المادي مع القوة القاهرة والاكراه المعنوي مع الضرورة القانون اليمنـــــــــــي تحت عنوان ما يستبعد الركن المادي المادة(35) و(36) ومن مزايا هذا القانون:

أ-استثنى القتل وتعذيب الانسان من شمولهما بالإعفاء عن المسؤولية بسبب الإكراه المادي والقوة القاهرة.

ب-تناول الشروط المطلوبة لتأثير هذه الاعذار في المسؤولية الجنائية.

ج-أضاف التعذيب إلى القتل في الاستثناء وهذا غير موجود في القوانين الأخرى.

من عيوب هذا القانون:

أ-ادراج الاعذار المذكورة تحت عنوان ما يستبعد الركن المادي وهذا خطأ لان هذه الاعذار تستبعد الركن المعــــــنوي (القصد الجنائي) دون الركن المادي.

ب-أهمل في المادة(36) الاستثناء الوارد في المادة (35) في حين الاعذار الأربعة ليست مانعة من المسؤولية الجنائية في جريمة القتل والاعتداء على سلامة الانسان.

ج-اعتبر الإكراه المادي والقوة القاهرة من أسباب الاباحة حيث نص في المادة (35) على انه ((لا يرتكب جريمة)) مع انه حصر أسباب الاباحة سابقاً في استعمال الحق وأداء الواجب والدفاع الشرعي وبذلك خلط بين سبب الاباحة ومانع المسؤولية الجنائية، فالإكراه أيا كان نوعه لا يعد سببا من أسباب الاباحة فالفعل يحتفظ بصفته الاجرامية رغم ارتكابها تحت ضغط بالإكراه.

9-خلط فقهاء القانون الجنائي في الإكراه المادي بين حالتي الضرورة والاكراه فاعتبروا القوة القاهرة التي يكون مصدرها الحيوان المفترس أو الطبيعة من الإكراه المادي، رغم انهم بحثوا حالة الضرورة بصورة مستقلة وهي لا تختلف في حقيقتها مع هذه القوة القاهرة رغم محاولتها التفرقة بينهما فالمفروض أن يعتبر اكراها كل ضغط يهدد بالخطر يكون مصدره انسانا أما إذا كان الخطر المهدد به من حيوان أو طبيعة فالمفروض أن يعتبر ذلك من الضرورة. 

وفي النهاية ومن خلال نص المادتين 35 و36 يتبين لنا أن المشرع اليمني اعتبر الإكراه المادي والقوة القاهرة من أسباب الاباحة لقوله "لا يرتكب جريمة" وينتفي بها الركن المادي للجريمة، أما الإكراه المعنوي وحالة الضرورة اعتبرهما من موانع المسؤولية الجنائية لقوله "لا يسأل جزائيا" وينتفي بها الركن المعنوي دون الركن المادي رغم أن عنوان المواد (35) (36) (37) ما يستبعد الركن المادي الا أن العبرة تكون بنص ولفظ المادة وهو ما نراه، ويترتب على ذلك أن المشرع اليمني جعل الإكراه المادي لا يترتب عليه التعويض المدني لعدم وجود الجريمة أما الإكراه المعنوي فيترتب عليه ذلك، فحسب موقف المشرع اليمني يجب أن نخضع الإكراه المادي لقواعد الاباحة والاكراه المعنوي لقواعد موانع المسؤولية رغم أن هذا مسلك منتقد كما ذكر سابقا فالإكراه بنوعيه من موانع المسؤولية.

 

إعداد/ سمر عبد السلام العريقي

إشراف/ أ. سليمان نبيل الحميري 



[1] الإكراه في القانون الجنائي: دراسة مقارنة بين القوانين العربية والأجنبية والشريعة الاسلامية

لأبو عليم، نصر محمد سليمان

[2] كتاب موانع المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية والتشريعات الجزائية العربية للدكتور مصطفى الزلمي الطبعة الأولى 2014م

[3] أثر الاكراه على المسؤولية الجنائية في المملكة العربية السعودية رسالة ماجستير لمرزوق بن فهد المطيري 2004م.

[4] بحث الاكراه كمانع من موانع المسؤولية الجنائية لعدنان بلاسم 2016.

[5]   كتاب موانع المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية والتشريعات الجزائية العربية للدكتور مصطفى الزلمي الطبعة الأولى 2014م.

ليست هناك تعليقات: