من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

السبت، 16 ديسمبر 2023

اختصاص المحاكم اليمنية في نظر النزاعات المتعلقة بالوكالات التجارية

 

اختصاص المحاكم اليمنية في نظر النزاعات المتعلقة بالوكالات التجارية 

 

أولاً: مفهوم عقد الوكالة التجارية:

أن اصطلاح الوكالات التجارية Commercial Agencies في العرف التجاري الدولي يقصد به عدة أنواع من التعامل بين شخص طبيعي (تاجر) أو معنوي (شركة) في إقليم معين في جزء من دولة أو في الدولة ككل، وبين تاجر أو شركة أجنبية مصدرة أو منتجة في دولة أخرى، أو أن يكون كل من الوكيل والموكل ينتميان لنفس جنسية الدولة.

وتجدر الإشارة أن أهمية هذا النوع من النشاط التجاري تبدو في الحالة الأولى أكثر من الثانية لأن الأولى تكون نوعا من المعاملات التجارية الدولية International Transactions وتحتاج لتنظيم قانوني دقيق في كل دولة لمعالجة ما يترتب على التطبيق العملي من مشكلات للأطراف الثلاثة المعنية في الموضوع: الوكيل والموكل والمستهلك.

ونظرا لما للوكالات من اوجه نشاط متباينة فإنه يتعذر وضع تعريف جامع لها، وهو ما سلكته كثير من القوانين فوضعت تعريفات عامة وليست تفصيلية، حتى تكون صالحة لتنطبق على كافة أنواع النشاط هذه.

والوكالة طبقا لهذا الاصطلاح Agency قد تكون متسقة مع الوكالة بالمفهوم المأخوذ به في القوانين العربية والعالمية, بمعنى أن يبرم الوكيل الأعمال القانونية لصالح الموكل وتضاف للأخير الحقوق والالتزامات الناتجة عنها، وقد يختلف عن ذلك المفهوم اختلافاً تاماً، فلا يكون الوكيل التجاري تالياً عن الموكل، بل يعمل الوكيل لصالح نفسه ويشتري من الموكل في الخارج ليبيع لحسابه ويحصل على هامش الربح الذي يقدره نتيجة لذلك

هذا ولا تعتبر كل وكالة تجارية وكالة بالمعنى القانوني، فقد يكون رجل الأعمال طبقا لعقد وكالة معين هو صاحب الحق في المنطقة أو الدولة أو إقليم منها، في شراء منتجات الشركة الأجنبية التي تصنعها أو تصدرها، ويكون له وحده ذلك، أو بالاشتراك مع آخرين بحيث يمكن أن ينص في العقد على أنه لا يجوز للشركة الأجنبية المنتجة أو المصدرة التعامل مع مؤسسات أخرى في الدولة أو المنطقة المحددة في العقد, كما يمكن أن يشترك مع وكلاء آخرين ويمكن أيضاً للوكيل بأن يقوم بيع ما اشتراه ليحقق الربح لنفسه ويحقق انتشار البضاعة وشهر لها، وبالتالي فالشركة الأجنبية تستفيد من ترويج بضائعها في الدول التي يوجد بها الوكيل أو في منطقة معينة فيها.

وفي مثل هذه الحالة يكون الوكيل التجاري في مركز المشتري بعقد مستمر وتكون الشركة الأجنبية التي أصدرت له الوكالة في مركز البائع بعقد مستمر، ويكون النشاط مبنيا على عقود بيع وشراء تستمر طوال مدة الوكالة مع اقتصار هذه العقود على ذلك الوكيل العام وحده في الدولة أو في المنطقة المحددة.

وهذا هو ما يعرف بالوكيل الوحيد المستقل أو (الوكيل الحصري) Exclusive - Independent Agent واضح أن هذا النشاط مختلف تماما عن قاعدة الوكالة القانونية، لأن الوكيل الوطني في هذه الحالة يعمل لحساب نفسه، وليس لحساب الموكل، وهذا ما يخالف عقد الوكالة في الفقه القانوني حيث تنصرف آثار العقد في هذا النوع الأخير إلى الموكل، و لا يستحق الوكيل سوى عمولته فقط، ثم يقوم بتحويل باقي ثمن البضاعة إلى الموكل وهذا هو ما يعرف بالوكيل بالعمولة Commission Agent[1]

وقد عرف المشرع اليمن وكالة الشركة أو البيت الأجنبي بالآتي: كل عقد تخول بموجبه شركة أو بيت أجنبي شركة أو مؤسسة أو منشأة أو محل تجاري مؤسس أو يوجد مركزه الرئيسي في الجمهورية حق بيع أو تصريف منتجات أو القيام بأعمال الشركة أو البيت الأجنبي أو حصولهما على عقود توريد أو تنفيذ اعمال المقاولات سواء كان الوكيل وكيلا فرعيا في نطاق منطقة محددة أو وكيل لنوع محدد من المنتجات أو الاعمال التي يؤديها ضمن عدد من الوكلاء الاخرين.[2]  

ثانياً: الأقسام الرئيسية للوكالة التجارية:

وبناء على ما تقدم من مفهوم الوكالة التجارية، فإن الوكالة التجارية في الاصطلاح العالمي تنقسم إلى قسمين رئيسيين من حيث مدى حق الوكيل في الانفراد بالتعامل وحده مع الشركة الأجنبية الموكلة وهما: -[3]

1-وكالة وحيدة أو عامة أو مطلقة أو حصرية، ويمكن أن يطلق عليها في هذه الحالة أحد الاصطلاحات الآتية: Sole Agency-Exclusive Agency

2-وكالة غير وحيدة أو غير مطلقة غير حصرية، ويمكن أن يطلق عليها في هذه الحالة أحد الاصطلاحات الآتية:

Non - Exclusive Agency - Distribution Agency

وإذا لم ينص على عقد الوكالة التجارية أنها وكالة وحيدة أو مطلقة فمعنى ذلك أنها وكالة عادية أي غير مطلقة لأن الأصل أن للموكل الحق في أن يوكل من يشاء من الوكلاء في أعماله وله أن يبيع في بلد الوكيل لمن يشاء إلى الوكيل أو إلى غيره، وبالتالي إذا لم يكن هنالك نص واضح في عقد الوكالة على حصر هذه الوكالة بالوكيل، يفسر ذلك عالمياً بأنها وكالة غير مطلقة (وكالة غير حصرية)، أي يجوز للشركة الموكلة أو الأصلية التعاقد مع الوكيل وغيره سواء كان ذلك بالعمولة أو التعامل بعقود بيع وشراء مستمرة.

وهذا التقسيم الأساسي المؤسس على مدى حق الوكيل بالانفراد بالتعامل في البضاعة في بلده يتفرع إلى تقسيم آخر مختلف، فكل من الوكالة الوحيدة والوكالة غير المطلقة ينقسم إلى قسمين هما: -

1-الوكالة بالعمولة Commission Agency

2-الوكالة المستقلة Independent Agency.

وهنا يكون أساس التقسيم نوع العلاقة: فالوكيل بالعمولة (النوع الأول) يكون من قبيل إنابة الموكل للوكيل في الالتزامات اتجاه المستهلك، أي الوكالة بالمفهوم القانوني. أما في حالة الوكالة المستقلة (النوع الثاني) تكون العلاقة بين الموكل والوكيل علاقة بيع وشراء مستمرة بين الطرفين. وبناء على ذلك يجوز أن يكون الوكيل بالعمولة صاحب حق مطلق بالانفراد في منطقة أو في الدولة كلها بالتعامل في البضاعة ويجوز ألا ينفرد بذلك، بل يشترط معه آخرون. ويجوز أن يكون الوكيل المستقل الذي يشتري ويبيع الحساب نفسه، متمتعاً بالحق المطلق في بيع البضاعة على المستوى المحلي، ويجوز ألا يكون كذلك.

ويشار هنا إلى أنه يجوز قيام الوكيل الوحيد (الحصري) أو غير الوحيد بتعيين وكلاء فرعيين له في أقاليم الدولة التي يقوم فيها بنشاطه التجاري Sub Agents يطلق عليهم أحيانا اصطلاحاً الموزعين Distributors والعلاقة العقدية في هذه الأحوال تكون بين الوكيل الأصلي وبين الوكيل الفرعي أو الموزع، وتستقل عن علاقة الوكيل الأصلي بالموكل الأجنبي.

ثالثاً: تنظيم الوكالات التجارية في التشريع اليمني:

أهتم المشرع اليمني بتنظيم الوكالة التجارية، منذ زمن ليس بالقريب، حيث نجد أن مشرع الجمهورية العربية اليمنية –اليمن الشمالي سابقاً-كان قد نظم أحكام الوكالة التجارية، بالقانون رقم 20/1963، وقد أهتم هذا القانون بتنظيم الوكالة التجارية من الناحية الإجرائية، وفي 8 مارس من عام 1976، أصدر هذا المشرع القانون التجاري رقم 39 لسنة 1976[4]، وقد تضمن هذا القانون تنظيم الوكالة التجارية، كأحد العقود التجارية المسماة. أما في جمهورية اليمن الديمقراطية –اليمن الجنوبي سابقاً-فقد ظلت الوكالة التجارية خاضعة للأحكام العامة للوكالة، الواردة في القانون المدني[5].

وبعد توحيد اليمن، في 22/5/1990، تم استبدال القوانين السابقة باعتبارها قوانين شطرية بقوانين جديدة، فتم إصدار القانون التجاري، رقم 32 لسنة 1991، مشتملاً على تنظيم للوكالة التجارية، المواد من 272 إلى 287، ومن 320 إلى 325، وقد ركز هذا التنظيم على الأحكام الموضوعية للوكالة التجارية[6]. إضافة إلى ذلك، فإن المشرع اليمني قد أصدر قانوناً آخر رقم 36/1992 نظم فيه الوكالة عن الشركات الأجنبية[7]، والذي وقع تغييره بالقانون رقم 23 لسنة 1997[8]، وقد ركز في هذا الأخير على الجانب التنظيمي لممارسة أعمال الوكالات عن الشركات والبيوت الأجنبية.

رابعاً: اختصاص القضاء اليمني في منازعات الوكالات التجارية:

يختص القضاء اليمني بالمنازعات التي تنشأ فيما بين طرفي عقد الوكالة التجارية الوكيل المحلي والشركة الأجنبية بشأن تنفيذ أو تفسير عقد الوكالة التجارية حتى لو تضمن عقد الوكالة التجارية بنداً ينص على اختصاص القضاء الأجنبي في موطن الشركة الأجنبية الموكلة.

أ-السند القانوني لقصر الاختصاص على القضاء اليمني: 

1-المادة (20) من قانون تنظيم وكالات وفروع الشركات الأجنبية رقم(23) لسنة 1997م المعدل بالقانون رقم(16) لعام 1999م التي نصت على أنه:

[تعتبر محاكم الجمهورية هي المحاكم الوحيدة المختصة في البت في النزاعات الناشئة عن عقد الوكالة التجارية].  

2-المادة(28) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الوكالات الصادرة بالقرار الجمهوري رقم(276) لسنة 2000م التي نصت على انه:

[تعتبر محاكم الجمهورية هي المحاكم الوحيدة المختصة في البت في النزاعات الناشئة عن عقد الوكالة التجارية أو المتعلق بفرع الشركات أو البيوت الأجنبية].  

وهو ما يعني قصر المشرع اليمني الاختصاص للقضاء اليمني كما يفهم من ظاهر النص لأمرين:

1-وروده في قواعد خاصة والخاص كما هو معلوم يقيد العام.

2-أن حكم المادة من ضمن القواعد الآمرة لا المكملة:

لما كانت القواعد الآمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها واستبعادها فإن فقهاء القانون قد نبهوا على ضرورة التمييز بينها وبين القواعد المكملة من خلال معياريين الشكلي والموضوعي، والمعيار الشكلي هو معيار لفظي يعرف من ألفاظ النص وعباراته وذلك بالرجوع إلى صياغة نص القاعدة القانونية فالقاعدة القانونية الآمرة تكون صياغتها اما بطريق الأمر أو بطريق النهي أو ترتيب الجزاء على مخالفتها، والنصوص السابقة الذكر جاءت بصيغة الوجوب والالزام ما يجعلها من القواعد الآمرة فهي صريحة من خلال صيغتها وصياغتها بأنها قد حصرت الاختصاص بنظر المنازعات الناشئة عن عقد الوكالة التجارية في المحاكم اليمنية دون غيرها، وذلك ظاهر جلياً في استعمال جملة (المحاكم الوحيدة)، والمعيار الموضوعي هو معيار أدق من المعيار الشكلي ويقصد به التركيز على موضوع النص ومضمون القاعدة وجوهرها لا ألفاظها وتتعلق القواعد الآمرة بالنظام العام لا بمصالح الافراد الخاصة، وهو ما ينطبق على الوكالات التجارية التي تتعلق بالنظام العام كما سنبين ذلك في الفقرة الاتية.

ب-فكرة النظام العام في نص المادة (20) من قانون الوكالات:

أن ما ورد في نص المادة(20) من النظام العام الذي لا يجوز لطرفي عقد الوكالة التجارية الاتفاق على خلافه، لان صيغة النص المشار إليه وصياغته تفيد أنه آمر وليس مكملاً ، لأن الأصل هو اختصاص محاكم الدولة بنظر منازعات الأفراد باعتبار السُلطة القضائية هي السُلطة المختصة اصلا في الدولة بنظر المنازعات وإن الاتفاق على خلاف ذلك هو الاستثناء، كما أن اختصاص السُلطة القضائية بنظر المنازعات أمر سيادي يعد من النظام العام لان  التقاضي وإجراءاته من النظام العام، علاوة على أن الدولة معنية بالمحافظة على حقوق ومصالح رعاياها من الوكلاء المحليين لان التحكيم الخارجي يكلفهم مبالغ طائلة تفوق حقوقهم ومصالحهم خاصة أن الدولة ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة هي التي تمنح الوكلاء المحليين تراخيص مزاولة أعمال الوكالة التجارية بموجب عقد الوكالة ، فضلاً عن أن عقد الوكالة قد تم تنفيذه في اليمن وتعلقت به حقوق ومصالح الوكيل المحلي، فعقد الوكالة التجارية من حيث طبيعته يرتب الحقوق والالتزامات لطرفيه خاصة الوكيل المحلي، فعقد الوكالة التجارية ليس كالوكالة العادية التي تنعقد بعبارة الموكل فقط فتكون شبيهة بالقرار الصادر من الموكل.[9]

وبالتالي يتبين أن غرض المشرع من قصر الاختصاص بالمحاكم اليمنية دون سواها هو كفالة حقوق الوكيل المحلي اليمني في مواجهة الشركات الأجنبية التي تكلفه مبالغ باهضه مقابل مقاضاتها في دولها.

ج‌-   نطاق منازعات عقد الوكالة التي لا يجوز سلب الاختصاص من القضاء اليمني بنظرها:

أن القضاء اليمني يختص بكل المنازعات التي تحدث بين الشركة الأجنبية والوكيل المحلي طالما أن هذه المنازعات قد نشأت بسبب تنفيذ عقد الوكالة أو تفسيره، وانه من الخطأ قصر اختصاص القضاء اليمني على المنازعات التي تحدث بشأن تسجيل الوكالة أو شطبها، لان نص المادة (20) من قانون الوكالات حكمه عام لا مخصص له ولا استثناء فيه وهو نص قانوني عام آمر. [10]

خامساً: شرط التحكيم في عقود الوكالات التجارية:

1-الاتجاه القائل بعدم جواز التحكيم في منازعات الوكالات التجارية:

المطالع والمتابع لعقود الوكالات التجارية النافذة في اليمن يجد أن غالبيتها العظمى تتضمن شرط التحكيم الذي ينص على أن "أي خلاف يحدث بين طرفي العقد بسبب تنفيذ العقد أو تفسيره يتم الفصل فيه من قبل جهة تحكيمية في الدولة التي تتبعها الشركة الموكلة"  وبعض هذه العقود تتضمن انه عند حدوث النزاع بين الطرفين يتم الفصل فيه  لدى القضاء في الدولة التي تتبعها الوكالة، حيث يكون شرط التحكيم أو شرط اختصاص القضاء الأجنبي في صالح الشركة الموكلة، ولحاجة الوكيل المحلي للحصول على الوكالة مهما كانت الشروط فأنه يقبل بالتوقيع على عقد الوكالة الذي تعده الشركة الموكلة، فلا يملك الوكيل حق مناقشة شروط وبنود العقد إلا في اضيق نطاق، ولذلك فانه يقوم بالتوقيع على عقد الوكالة من غير أن يقوم بتعديله مما يجعل عقد الوكالة في هذه الحالة من عقود الإذعان، ولذلك ينبغي أن تخضع عقود الوكالات للقضاء اليمني حتى يبسط رقابته على هذا العقد.[11]

إذا نص القانون على قصر الاختصاص على محاكم الدولة يكون مؤدى هذا النص عدم جواز الالتجاء إلى التحكيم.[12]

2-الاتجاه القائل بجواز التحكيم في منازعات الوكالات التجارية:

أ-ذهب طائفة من القضاة إلى جواز الاتفاق على التحكيم مؤسسين ما ذهبوا إليه بأن المشرع اليمني اعترف بالتحكيم كنظام للفصل في الخصومات وفض المنازعات التي تنشأ بين الأفراد إلى جانب النظام القضائي اليمني، ولم يكتف المشرع بالاعتراف بالتحكيم كنظام استثنائي لحسم المنازعات بل بادر إلى تنظيم قواعد التحكيم وأحكامه في إطار قانون أسماه (قانون التحكيم) يحمل الرقم (22/1992م) وقد عرف التحكيم بأنه اختيار الطرفين برضائهما شخصاً أو آخر أو أكثر للحكم بينهما دون المحكمة المختصة فيما يقوم بينهما من خلافات أو نزاعات.

وبالتالي فإن عقود الوكالة التي يتفق فيها الطرفان صراحة برضاهما واختيارهما على سلوك طريق التحكيم ابتداءً لفض المنازعات والخلافات التي قد تثور بينهما بشأن عقد الوكالة أو تنفيذ أحكامه واتفاقهما على الالية والقواعد والقانون الواجب التطبيق عند التحكيم يكون فيها هذا الاتفاق الصريح صحيح ولا مجال لإعمال نص المادة(20) من قانون الوكالات التجارية اليمني والمادة(28) من لائحته التنفيذية كون التحكيم في حقيقته هو نظام استثنائي لفض المنازعات والخصومات يختلف عن النظام القضائي الرسمي للدولة.

ويرون أن مجال اعمال وسريان نص المادة(20) من قانون الوكالات ونص المادة(28) من لائحته التنفيذية في حالة ما إذا اتفق طرفا عقد الوكالة على جعل الاختصاص في نظر ما ينشب بينهما من خلاف بشأن عقد الوكالة إلى قانون ونظام دولة أخرى غير اليمن سواء كان النظام القضائي والقانون المتفق عليه هو قانون دولة الشركة الموكلة أو قانون ونظام دولة ثالثة ففي هذه الحالة فإن هذا الاتفاق لا يلزم المحاكم اليمنية بأي حال فلها الاختصاص المطلق في نظر الخلاف والفصل فيه، كذلك لها الاختصاص المطلق في حال سكت طرفا العقد عن تحديد نظام قضائي معين أو قانون دولة معينة لحل خلافتهما ففي هذه تختص المحاكم اليمنية بنظر الخلاف والفصل فيه وفقاً للمجرى العادي وما هو مقرر في القانون اليمني، وفيما عدا هاتين الحالتين فلا يمكن إعمال نص المادة(20) من قانون الوكالات و028) من لائحته التنفيذية على التحكيم، لأن في ذلك اطلاقاً لسلطة النظام القضائي اليمني دون سند صحيح من القانون وتحميلاً للنص محل الاستناد أكثر مما يحتمل، وفي ذلك اهدار لحرية الأفراد في اختيارهما للألية والنظام المناسب لفض منازعتهما وهذا الحق مكفول لهما قانوناً بموجب قانون التحكيم النافذ، بل أن على المحاكم اليمنية بموجب نص المادة(19) من ذات القانون وان كانت مختصة بالفصل في النزاع المرفوع أمامها أن تتوقف عن نظر النزاع اذا ما ثبت لها وجود اتفاق بين طرفيه على التحكيم وعليها احالتهما إلى التحكيم، وهو ما يعد خير دليل على ما يكفله قانون التحكيم اليمني من احترام وتقدير لحرية الأفراد واختيارهما على وجه الخصوص حقهم في اختيار النظام المناسب لفض منازعاتهما الذي يراعي مصالحهما ويكفل لهما السرية والثقة وإن كان مكلفاً لهما من الناحية المادية.

كما أنهم يقولون أن قانون التحكيم قد حدد الأحوال التي لا يجوز للأفراد التحكيم فيها ولا يندرج ضمن هذه الحالات منازعات الوكالات التجارية والا كان نص على ذلك صراحة، وفي ذات الوقت لا يمكن القول أن المنازعات التي تنشب بين طرفي عقد الوكالة التجارية متعلقة بالنظام العام وعلى من يدعي هذا الادعاء الاثبات لصحة ما يدعيه باعتبار ذلك خلافاً للظاهر، فالظاهر أن عقد الوكالة التجارية يبرم بين طرفيه وسلطتهما في تنظيم أحكامه وقواعده والية تنفيذه وحقوقه وواجبات طرفيه هي السلطة العليا والباعث لها هو تحقيق المصلحة الربحية لطرفي عقد الوكالة وبالتالي فإن اتفاق طرفيه على اللجوء إلى التحكيم هو اتفاق ملزم لهما باعتباره شريعة لهما في موضوعه بوصف العقد شريعة المتعاقدين.[13]

ب- رأي قائل بأن نطاق الاختصاص القاصر للمحاكم اليمنية ينحصر في المنازعات على القرارات الإدارية الصادرة برفض تراخيص مزاولة اعمال الوكالة أو شطبها فقط ويجوز الاتفاق على التحكيم فيما سواه:[14]

ذهب طائفة من القضاة إلى جواز الاتفاق على التحكيم مؤسسين ما ذهبوا إليه بأساس اخر غير ما ذكرناه سابقاً وهو أن نص المادة(10)[15] والمادة(18)[16] من قانون الوكالات يدلان على أن المشرع قد أعطى الحق لوكيل الشركة الأجنبية أن يطعن أمام القضاء في القرار الإداري الصادر سواء برفض منحه ترخيص مزاولة أعمال الوكالة التجارية أو بشطب وكالته المرخص بها، وبالتالي فإن نص المادة(20) من قانون الوكالات يقصد به المشرع اليمني جعل ولاية محاكم الجمهورية المتعلقة بالنظام العام الذي لا يجوز مخالفته مقصورة على البت في النزاعات والطعون على القرارات الإدارية الصادرة برفض طلب منح ترخيص مزاولة أعمال هذه الوكالة أو شطب الوكالة المرخص بها،  وذلك لأن التأكيد الوارد في نص المادة(20) من قانون الوكالات على أن هذه النزاعات ناشئة عن عقد وكالة تجارية وليس عن عقد اداري يفضي منطقياً إلى القول أن التراخيص التي تمنحها جهة الإدارة لمزاولة اعمال هذه الوكالة تعتبر من قبيل الاعمال المكملة لمزاولة هذا النوع من النشاط التجاري وبأن الولاية من ثم المتعلقة بالنظام العام والمناطة بمحاكم الجمهورية وفقاً لنص المادة(20)  قد قصرها المشرع على البت في هذه النزاعات باعتبارها نزاعات إدارية ذات طابع تجاري ولذلك فإن هذه الولاية لا تمتد لتشمل النزاعات التي تثيرها الدعاوى التجارية المرفوعة اليها سواء من الوكيل التجاري اليمني ضد الشركة الأجنبية الموكلة أو العكس للخلاف الذي قد يحدث بينهما بسبب تطبيق أو تنفيذ أو تفسير هذا النوع من الوكالات وذلك في حالة وجود اتفاق مسبق فيما بين الطرفين على اللجوء للحل الودي أو على الإحالة للتحكيم للبت في أي نزاع يترتب على مثل هذا الخلاف بدليل أن نص الفقرة(ب) من المادة (8) من قانون الوكالات الذي أوجب على الوكيل التجاري اليمني أن يضمن عقد الوكالة المبرم بينه وبين الشركة الأجنبية الموكلة ببيان كافٍ عن: (كيفية حل الخلاف بين الطرفين وعن كيفية تسوية الالتزامات عن الوكيل) يستفاد منه بأن المشرع قد ترك لطرفي هذا العقد باعتباره عقداً رضائياً حرية الاتفاق المسبق فيما بينهما على تحديد كيفية حل الخلاف الذي يحدث بينهما بسبب تطبيق أو تنفيذ أو تفسير عقد الوكالة هل ودياً أم بحكم محكمين أم بحكم قضائي، كذلك بدليل أن نص الفقرة(أ) من المادة (14) من اللائحة التنفيذية لقانون الوكالات الصادرة بالقرار الجمهوري رقم(276) لسنة2000م  جاء يؤكد أيضاً على أن هذا النوع من الوكالات التجارية المرخص بها في حالة حدوث أي نزاع بين طرفيها بسبب تطبيقها أو تنفيذها أو تفسيرها-لا يتم الغاؤها وشطبها الا بموجب حكم قضائي أو بموجب حكم المحكمين أو بموجب اتفاق ودي يوقعه الوكيل والموكل.

ولهذا يتبين أن أحكام النصوص والمواد سالفة الذكر من قانون تنظيم الوكالات قد أجازت للوكيل التجاري اليمني وللشركة الأجنبية الموكلة أن يتفقا مسبقاً في عقد الوكالة التجارية المبرم بينهما على جعل الاختصاص الولائي لقضاء التحكيم اليمني أو لقضاء التحكيم الأجنبي للبت في أي نزاع قد يحدث بينهما، وذلك يعود لأن المشرع اليمني كان يدرك مسبقاً بأن عدم وجود اتفاق مسبق بين الطرفين على كيفية حل هذا النزاع، وبأن عدم اتفاقهما لاحقاً بعد حدوثه على احالته للتحكيم للبت فيه لن يترتب عليه باعتبار هذا النزاع نزاعاً في مواد تجارية سوى اختيار محاكم الجمهورية للبت فيه وذلك تبعاً لقواعد الاختصاص المكاني لأن نص المادة(95) مرافعات الذي ينص على انه: [في المواد التجارية يكون الاختصاص لمحكمة موطن المدعى عليه أو للمحكمة التي تم الاتفاق على أو نفذ كله أو بعضه في دائرتها أو للمحكمة الذي ينص على التنفيذ في دائرتها] مفاده بأنه اذا كان الوكيل التجاري اليمني هو المدعي فإنه لن يختار في هذه الحالة المحكمة التي يقع في دائرتها موطن الشركة الأجنبية الموكلة له لرفع دعواه ضدها كمدعى عليها وذلك حتى لا يتكبد التكاليف الباهظة نظير قيامه بذلك،  كما أن مفاد هذا النص بالنسبة للشركة الأجنبية الموكلة إذا كانت هي المدعية أنه لن يكون أمامها في هذه الحالة سوى خيار اللجوء لمحاكم الجمهورية لرفع دعواها ضد وكيلها التجاري باعتبارها المحكمة التي نص عقد الوكالة على التنفيذ في دائرتها كما يقع في دائرتها موطن المدعى عليه وكيلها التجاري، إضافة إلى أن الشركة الأجنبية الموكلة ستتحمل هي الأخرى أعباء مالية إضافية وستواجه اشتراطات قانونية كثيرة، إذا اختارت المحكمة التي تم الاتفاق في دائرتها لرفع دعواها ضد وكيلها التجاري وكانت هذه المحكمة محكمة أجنبية وكان ما سوف تصدره من أوامر وأحكام يعتبر من قبيل الأوامر والأحكام الأجنبية التي لن تجد طريقها للتنفيذ إلا بعد التأكد من توافر شروط تنفيذها وفقاً للقواعد والنصوص القانونية الخاصة بها، ولذلك فإن وجود اتفاق مسبق بين الوكيل التجاري والشركة الأجنبية الموكلة له ثابت في عقد الوكالة التجارية على الإحالة للتحكيم للبت في أي نزاع قد يحدث بينهما بسبب تطبيق أو تنفيذ أو تفسير عقد وكالة العقود مع الشركة الأجنبية الموكلة لا يعتبر والحال كذلك إخلالاً منهما بنص المادة (۲۰) آنفة الذكر من قانون الوكالات.

3-الرد من المحكمة العليا على حكم الاستئناف السابق الذكر المؤسس على حصر نطاق المادة(20) في المنازعات الإدارية للوكالة:[17]

بالرجوع إلى حكم الشعبة المطعون فيه وإلى عريضة الاستئناف نجد أن منطق تلك العريضة يقوم على المحاججة بهاذين النصين(20) و(28) باعتبارهما من النصوص المتعلقة بالنظام العام التي لا لا يجيز القانون الاتفاق على مخالفة حكمهما ومن ثم إهدار نص البند (٥) من عقد الوكالة الذي استندت إليه المدعى عليها (المطعون ضدها) في دفعها بالإحالة إلى التحكيم في لبنان وعدم التعويل عليه، لما ينطوي عليه من سلب لولاية المحاكم اليمنية المقررة بموجب المادتين سالفتي الذكر بأن تعتبر هذه المحاكم (اليمنية) هي المحاكم الوحيدة المختصة في البت في النزاعات الناشئة عن عقد الوكالة التجارية أو المتعلقة الشركات أو البيوت الأجنبية. وبالرجوع إلى حيثيات حكم الشعبة المزبورة نصاً نجد أن حكم الشعبة خلافاً لمحكمة أول درجة قد سلم صراحة بتعلق المادة (۲۰) من القانون سالف الذكر والمادة (۲۸) من اللائحة التنفيذية المفصلة لها بالنظام العام من قولها ومن ثم فإن نص المادة (٢٠) سالفة الذكر التي تنص (تعتبر محاكم الجمهورية هي المحاكم الوحيدة المختصة في البت في النزاعات الناشئة عن عقد الوكالة) يقصد به أن المشرع اليمني قد جعل ولاية محاكم الجمهورية المتعلقة بالنظام العام الذي لا تجوز مخالفته.. هذا من ناحية غير أن حكم الشعبة استطرد قائلاً: مقصورة على البت في النزاعات أي الخصومات التي تثيرها الطعون المرفوعة إليها على القرارات الإدارية الصادرة برفض طلب منح تراخيص مزاولة أعمال هذه الوكالة، أو شطب الوكالة المرخص بها ويتجلى فساد هذا التأول، أنه مع تسليم منطق حكم الشعبة بتعلق هاتين المادتين بالنظام العام وتسليم حكم الشعبة صراحة بأن النص المتعلق بالنظام العام لا تجوز مخالفته. وعليه فالمخالفة لهذا النص لا يتصور وقوعها إلا من أطراف العلاقة الوكيل التجاري والشركة الأجنبية الموكلة لاحتمال أنه يرد في عقد الوكالة ما يسلب ولاية المحاكم اليمنية التي قدر النصان أنها المحاكم الوحيدة المختصة غير أن حكم الشعبة حاد عن ذلك بقوله: (أن المشرع اليمني قد جعل ولاية محاكم الجمهورية مقصورة على البت في النزاعات أي الخصومات التي تثيرها الطعون المرفوعة إليها على القرارات الإدارية الصادرة برفض طلب منح تراخيص مزاولة أعمال هذه الوكالة أو شطب الوكالة المرخص بها) فكيف توهم حكم الشعبة احتمال أن يثور تنازع اختصاص إيجابي بين المحاكم اليمنية وأي محكمة أجنبية للفصل في الطعون المرفوعة ضد قرار إداري صدر من الوزارة المعنية برفض طلب منح ترخيص بمزاولة أعمال هذه الوكالة أو شطبها؟

وإذا كان حكم الشعبة قد سلم بأن النصين المذكورين متعلقان بالنظام العام لا تجوز مخالفتهما غير أن حكم الشعبة قد حدد نطاقهما حصراً وقصراً بالطعون في القرارات الإدارية الصادرة برفض طلب الترخيص بالوكالة أو شطبها، فهل جهة الإدارة طرفٌ في عقد الوكالة حتى يتصور اتفاقها على مخالفة ولاية المحاكم اليمنية مع أي طرف آخر؟ وهل يتصور عقلاً أن يتقدم أي طرف منهما إلى محكمة غير يمنية للطعن في قرار إداري من وزارة يمنية ولو اتفقا مسبقاً على ذلك؟ ثم هل يعتبر التظلم من قرار تلك الوزارة برفض منح الترخيص بالوكالة أو شطبها ما يحمل على أنه منازعة بين المتظلم والوزارة بسبب تطبيق أو تنفيذ أو تفسير عقد الوكالة؟

وكيف جاز لحكم الشعبة تخصيص النص العام وتقييد النص المطلق دون دليل؟ وما الدليل على أن الدعوى المرفوعة الطاعنة لا تعتبر نزاعاً ناشئاً عن عقد الوكالة الذي نصت عليه المادة (۲۰) (تعتبر محاكم الجمهورية هي المحاكم الوحيدة المختصة للبت في النزاعات الناشئة عن عقد الوكالة)؟ وإذا كان لكل دعوى أطراف ومحل وسبب فما هو السبب الذي استند إليه في تقديم الدعوى؟ وإذا كان الاتفاق على مخالفة النص المتعلق بالنظام العام لا يمكن تصور الاتفاق على مخالفته حين نكون بصدد تظلم من قرار إداري؟ فما جدوى أن تتعلق المادتان بالنظام العام حين سوغ حكم الشعبة أن الطرفي عقد مقدماً على سلب ولاية المحاكم اليمنية التي وصفها النصان بأنها الوحيدة المختصة؟ كما أن المواد السابقة على المادة (۲۰) التي تعلل بها حكم الشعبة (٧) ب، ۱۰، ۱۸) لا تصلح كما بينا للاستئناس بها على تعطيل نص المادة (۲۰) تقييدها. والتأسيس بالمادة (١٤) من اللائحة التنفيذية غير وارد وغير منطبق لأن النزاع محل هذا الطعن لا يتعلق بإلغاء أو شطب الوكالة وإنما بادعاءات باستحقاقات ناشئة عن عقد الوكالة التجارية. وغير خاف أن التمسك من أي مدع بالمادة (۲۰) من القانون سالف الذكر لا يتصور قبوله إلا من وكيل تجاري لديه الوثائق الثبوتية (بطاقة سجل الوكالة من الجهة المختصة، والجدير بالذكر أن المشرع اليمني لم ينفرد بالنص بتقرير محاكمة دون غيرها بالفصل في قضايا التمثيل التجاري الحصري وإن وجد بالاتفاق شرط تحكيمي فقد قضى برد الدفع من القضاء البلجيكي معتبراً نفسه مختصاً لأن القانون البلجيكي لا يقبل حسم تلك المنازعات بواسطة التحكيم. كما أن هناك منازعات يمنع فيها التحكيم في أغلب قوانين الدول مثل منازعات البورصة المنافسة والاحتكارات الإفلاس الطلاق الزواج البنوة، الوصاية...إلخ. ومما سبق بيانه نجد أن حكم الشعبة قد تحقق فيه عيب الخطأ في تطبيق القانون وتفسيره وتأويله مما يكون معه قبول الطعن موضوعاً فحري به أن ينقض. وبالاستناد إلى المادة (۲۹۲، ۳۰۰) من قانون المرافعات وإلى نص المادة (۲۰) من القانون رقم (۲۳) لسنة ۱۹۹۷م بشأن تنظيم وكالات وفروع الشركات والبيوت الأجنبية والمادة (۲۸) من لائحته التنفيذية تصدر الدائرة التجارية حكمها بقبول الطعن موضوعاً ونقض الحكم المطعون فيه.  

4-اتجاهات بعض الدول العربية الاخرى:

أن موضوع التحكيم في الوكالات التجارية الاجنبية أمر شائك لم تستقر حوله الاجتهادات القضائية ليس فقط في النظام القضائي اليمني وانما في دول أخرى أيضاً

ففي النظام القضائي الأردني الذي يتضمن نصاً قانونيا شبيهاً بنص المادة(20) اختلفت محكمة التمييز(العليا) في تفسيره فتارة تطلق احكامها بعدم جواز التحكيم وتارة أخرى بجواز التحكيم

ففي أحد احكام محكمة التمييز قضت بقولها: [لا يجوز إعمال الشرط المتعلق بحل الخلافات المتعلقة بالاتفاقية عن طريق التحكيم في بلد أجنبي لمخالفة هذا الشرط لقاعدة قانونية الغاية من وضعها تحقيق مصلحة المواطنين عامة بإخضاعهم للقضاء الوطني وليس الأجنبي التي تعتبر من قواعد النظام العام والتي لا يجوز للفرقاء الاتفاق على خلافها] وقضت: [...أن السياسية العامة للمملكة الأردنية الهاشمية في المجال المتعلق بالوكالات التجارية هو حماية المواطن وتأكيد السيادة الوطنية]

فيبدو أن هدف التشريعات لم ينحصر فقط على حماية الوكيل المحلي بل تعدى ذلك إلى تأكيد السيادة الوطنية، والقول بجواز الاتفاق على التحكيم عند هذا الرأي يعتبر مدخلاً للتحايل على هذا الهدف خصوصا أن التحكيم في مثل هذه القضايا يعهد لمؤسسات ومراكز تحكيم دولية يجعل فصلها في هذه المنازعات يتدخل في السيادة الوطنية.

وفي احكام أخرى متناقضة ذهبت محكمة التمييز الأردنية إلى جواز التحكيم ومنها الحكم الذي قضى بأنه: [إذا تضمن عقد الوكالة التجارية المعقود بين وكيل أردني وموكل غير أردني أن أي نزاع أو خلاف ينشأ بين الطرفين ينجم عن الاتفاقية، يحال إلى التحكيم، فإن القرار بوقف السير في إجراءات الدعوى بإحالة النزاع إلى التحكيم، لا يعني إعلان عدم اختصاص القضاء الأردني للنظر والفصل في النزاعات التي تنشأ عن تنفيذ عقود الوكالات التجارية خلافاً للمادة (20) من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين وإن كانت اتفاقية الوكالة تضمنت تطبيق قانون الجمهورية اليمينية - قانون الموكل - أو أن الصلاحية بتعيين المحكم في حال عدم الاتفاق عليه يعود لقاضي القضاة اليمني - إذ ليس في هذا الاتفاق ما ينزع صلاحية القضاء الأردني - وليس في التشريعات الأردني ما يمنع تنفيذ شرط التحكيم أو يمنع الاتفاق صلاحية القضاء الأردني - وليس في التشريعات الأردنية ما يمنع تنفيذ شرط التحكيم أو يمنع الاتفاق على تطبيق قانون أي دولة أخرى على نزاع ينشأ بين طرفي العقد بل أن مثل هذا الشرط يتفق وأحكام المواد (20)، (27)، (28)، (29) من القانون المدني التي تضمنت جواز تطبيق القانون الأجنبي من قبل المحاكم الأردنية إذا توافرت الحالات المنصوص عليها في تلك المواد (1)]. 

وفي النظام القضائي الاماراتي كان الاتجاه كما هو الحال في التشريع اليمني والأردني متضارباً ويشدد في عدم جواز التحكيم فوفقاً للمادة 6 من قانون الوكالات التجارية الاماراتي يكون لمحاكم الولايات الولاية القضائية على أي نزاع يحدث أثناء تنفيذه بين الموكل والوكيل وأي اتفاق على خلاف ذلك يكون باطلاً؛ لذلك يمكن اعتبار أي نزاع يتعلق بوكالة تجارية يقررها التحكيم باطلاً في دولة الإمارات العربية المتحدة.

بناءً على هذا الحكم قررت محكمة النقض في أبو ظبي في الالتماس (رقم 814 لعام 2011 الصادر في 21 ديسمبر 2011)، أنه عندما سن المشرع المادتين 3 و6 من القانون الاتحادي رقم 18 (بصيغته المعدلة بموجب القانون الاتحادي) القانون رقم 14 لسنة 1988 قصد أن تحتفظ محاكم الإمارات العربية المتحدة بالولاية القضائية على المنازعات عن تنفيذ اتفاقيات الوكالة التجارية، وبالمثل، تتمتع محاكم دولة الإمارات العربية المتحدة بسلطة إبطال أي ترتيب متناقض، مثل اتفاقية التحكيم، طالما أن اتفاقية الوكالة التجارية مسجلة في سجل الوكالات التجارية.

الا أن الوضع في دولة الامارات تغير بصدور قانون الوكالات الجديد الذي نص صراحة على جواز التحكيم وأراه مسلك محمود للمشرع الاماراتي الذي يواكب التطورات العالمية فالتحكيم في المنازعات التجارية بجميع أنواعها هو ما يسير عليه العالم حالياً وهو ما يشجع التجارة الدولية ويجعلها تزدهر وتتطور وتتوسع، وذلك في المادة(26) من القانون الجديد المتعلقة بلجوء الأطراف إلى التحكيم الدولي حال اتفق الأطراف على ذلك وهذه مادة محورية ومهمة للغاية تعكس الرؤية الاستشرافية في صياغة القانون الاتحادي الجديد بشأن الوكالات الصادر برقم(3) لسنة(2022م) والذي سيدخل حيز النفاذ في شهر يونيو المقبل/2023م.

5-النظام العام والتحكيم في الوكالات التجارية:

يعد النظام العام من أكثر الأسباب التي تستخدم لعرقلة العملية التحكيمية التحكيم أو في معرض طلب رفض تنفيذ حكم التحكيم أو دعوى بطلانه، الا انه لم يرد في قوانين التحكيم معنى واضحاً للنظام العام ذلك أن فكرة النظام العام هي فكرة تستعصي على التحديد المنضبط كما هو شأنها في فروع القانون الأخرى، إلا أن الفقهاء تصدوا لمسألة تعريف النظام العام بقولهم بأنه مجموعة من الأسس والمصالح التي يقوم عليها كيان الجماعة سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية.

وتعرضت بعض المحاكم لوضع تعريف للنظام العام بقولها: "إنه مجموعة القواعد القانونية التي ترمي إلى تحقيق مصلحة عامة قد تكون سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى ومقومات وجوده وهي تعلو على مصلحة الأفراد الذين يجب عليهم مراعاتها باعتبار أن المصالح الفردية لا يجوز أن تتقدم أمام المصلحة العامة.

وذهبت بعض المحاكم إلى أن فكرة النظام العام تخضع لرقابة وإشراف السلطة العامة التي يعنيها ويهمها أن تسري عليها قواعد عامة موحدة، إذ أن النظام العام قوامه فكرة المصلحة العامة، أن عدم تحديد مضمون فكرة النظام العام يهدد بالتوسع فيها، ولقد وصف القضاء الإنجليزي خطورة التوسع في مفهوم النظام العام بأنه كالخيل الجامحة التي إذا ركبتها لا تعرف أين تذهب بك!!!!

لذلك، فإن الرأي السائد في الفقه يتجه إلى التضييق من مفهوم النظام العام وفي سبيل ذلك يقسم الفقه النظام العام إلى نظام عام داخلي، ونظام عام دولي، فالأول يتضمن أي فعل يتعارض مع القواعد الآمرة للقانون أو يخرق المصلحة العامة للمجتمع، بينما يتضمن الثاني المبادئ والمصالح التي تطبق في العلاقات الدولية بحيث يشكل مخالفتها خرقاً للنظام العام الدولي.

ويتباين موقف الدول من تقسيم النظام العام إلى داخلي ودولي، فالبعض كالأردن وسوريا مثلاً -يأخذ بفكرة النظام العام الداخلي ويقدمها على فكرة النظام العام الدولي، بينما البعض الآخر -كبريطانيا وأمريكا مثلاً -يأخذ بفكرة النظام العام الدولي ويقدمه على النظام العام الداخلي.

 وتأسيساً على ذلك فإن الدولة التي تأخذ بفكرة النظام العام الداخلي تحتكم إلى مفهومها الوطني للنظام العام، فتجيز التحكيم في منازعات عقد الوكالة التجارية إذا كان ذلك لا يتعارض مع نظامها العام الداخلي، بينما تحتكم الدولة التي تأخذ بفكرة النظام العام الدولي إلى التعامل الدولي لتحديد جواز وعدم جواز التحكيم في منازعات عقد الوكالة التجارية.[18]

ولكي يكون مبدأً ما من النظام العام الدولي، فإنه ينبغي أن يكون مثلاً مبدأ مشتركاً بين الدول، أو من القيم الأخلاقية العليا أو أنه التزام دولي كالقرارات القاطعة الصادرة عن مجلس الأمن.

تفسير المواد القاصرة للاختصاص في التشريعات بشكل يخفف من أثر النظام العام:

يرى طائفة من الباحثين على الفقه والقضاء أن يتسم بالمرونة عند التمسك بفكرة النظام العام على ضوء تطور مفهوم النظام العام الدولي، وحيث أن المنع الوارد في التشريعات لا يمثل مبدأ مشتركاً بين الدول، ويمكن تصنيفه كجزء من النظام العام الدولي.[19]

فإنه يمكن تفسير ذلك المنع على أنها قاعدة أمره داخلية، أي أنها تطبق فقط عندما يكون القانون اليمني هو الواجب التطبيق على عقد الوكالة التجارية واتفاق التحكيم.

أما إذا كان القانون اليمني غير مطبق أصلا، فينبغي عدم تطبيق المادة المذكورة لأنها ليست من قواعد النظام العام الدولي، بمعنى آخر، وعلى عكس قواعد النظام العام التي تفرض تطبيقها لاستبعاد القانون الأجنبي، فإن المادة (20) ليست من النظام العام الدولي، وبالتالي لا تقوى على استبعاد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم.

رأي الباحثة:

إن الاتجاه الحديث المشجع للتحكيم في التجارة الدولية بشكل عام يحتم على الاجتهاد القضائي اليمني أن يتجاوز نظرته الضيقة في تفسير نص المادة(20) من قانون الوكالات وعلى المحكمة العليا أن تسلك الاتجاه الحديث الذي بدأت أغلب التشريعات والاحكام تذهب إليه في جواز التحكيم, حتى تنفتح على العالم الخارجي ولا تضيق من نطاق التجارة الدولية التي ستعزف عن التعامل مع الوكلاء في اليمن بسبب هذه النظرة الضيقة التي لم تعد تتناسب مع الواقع الحالي، فطالما أن المشرع لم ينص صراحة على منع التحكيم في قانون الوكالات فلا مجال للتوسع في تفسيرها خاصة وأن الاتجاه الحديث قد بدأ يتخلى عن كل العقبات التي تحول دون التوسع في نطاق التحكيم في جميع المنازعات التجارية الدولية وذلك لعدم ملائمة القوانين الوطنية لتسوية ما ينشأ عنها من منازعات، فالفكر القانوني في التجارة الدولية يتجه في الوقت الراهن إلى التحكيم التجاري الدولي بوصفه أداة فنية متخصصة وملائمة لحل النزاعات أكثر من القضاء الوطني، فمنازعات عقد الوكالة التجارية تعد من قبيل المنازعات التجارية التي تحتاج لمزايا نظام التحكيم الدولي كغيرها من المنازعات التجارية، كما أن طبيعة العلاقة القانونية لمنازعات عقد الوكالة هي منازعات عقدية وبالتالي فإنها من حيث طبيعتها القانونية كمنازعة تجارية وعقدية تكون قابلة للتحكيم، وأرى أن على المشرع اليمني أن يسلك ما سلكه المشرع الاماراتي من تعديل القانون والنص صراحة على جواز الاتفاق على التحكيم, وفي حالة عدم حدوث ذلك أرى أن على المحكمة العليا أن تتخذ اتجاهاً مرناً في تفسير نص المادة(20) في جواز التحكيم وعدم منعه, وتوحد أحكامها بهذا الشأن حتى يستقر الاجتهاد القضائي على ذلك أسوة بالتشريعات المقارنة التي سلكت هذا الاتجاه الأكثر عدالةً وموائمةً لطبيعة النزاعات التجارية.

إعداد/ سمر عبد السلام العريقي



[1] مستقبل الوكالات التجارية في المملكة العربية السعودية في ظل التطورات التجارية الدولية، طارق عبد الرحمن الزهد، الإدارة العامة للشؤون الاقتصادية،1424هـ، ص6-7.

[2] -قانون وكالات وفروع الشركات الأجنبية اليمني رقم(23) لسنة 1997م المادة رقم(2).

[3] مستقبل الوكالات التجارية في المملكة العربية السعودية، مرجع سابق.

[4] - التشريعات الاقتصادية الحديثة في الجمهورية العربية اليمنية، ج1 منشورات وزارة الاقتصاد 1967.

[5] - القانون رقم 8 لسنة 1988.

[6] - صدر هذا القانون في 12/4/1991 ، وتم نشره بالجريدة الرسمية، العدد السابع، الجزء الرابع،-بتاريخ 15/4/1991.

[7] - صدر هذا القانون في 3/4/1992 وتم نشره بالجريدة الرسمية العدد السابع –الجزء الرابع- في 15/4/1992.

[8] -صدر هذا القانون في 6/4/1997 وتم نشرة بالجريدة الرسمية العدد السابع –الجزء الأول-في 15/4/1997.

[9] تعليق على حكم لـ أ.د عبد المؤمن شجاع الدين، منشور على قناته في التليجرام https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

[10] المرجع السابق

[11] د. عبد المؤمن شجاع الدين، مرجع سابق.

[12] كتاب قانون التحكيم في النظرية والتطبيق، د.فتحي والي، منشأة المعارف، الإسكندرية، الطبعة الأولى،2007م، ص 122.

[13] حيثيات الحكم الابتدائي الصادر من المحكمة التجارية بأمانة العاصمة من قبل القاضي نبيل عبد الحبيب النقيب بتاريخ 28/أكتوبر/2007م.

[14] حيثيات حكم الشعبة الاستئنافية بتأييد الحكم الابتدائي سابق الذكر.

[15] للإدارة المختصة حق رفض طلب ترخيص الوكالة إذا وجدت ان ذلك يتعارض مع أحكام القوانين النافذة او يحتوي على وثائق غير صحيحة او ناقصة وفي كل الأحوال يجب ان يكون قرار الرفض مسبباً، ويحق لصاحب الشأن الرجوع الى وكيل الوزارة او الوزير المختص وإذا رفض فلصاحب الشأن اللجوء الى القضاء.

[16] يجوز بقرار من الوزير شطب الوكالة المرخص بها وفقا لأحكام هذا القانون في الحالات التالية.... وفي جميع الأحوال للوكيل الحق في اللجوء الى القضاء.

[17] الطعن التجاري رقم(43479)، حكم المحكمة العليا بتاريخ 16/10/2010م، كتاب مجموعة الاحكام القضائية الصادرة عن المحكمة العليا اليمنية لـ د.يوسف حسن يوسف هبه، الطبعة الثانية، 2019م.

[18] التحكيم وسيلة لحسم المنازعات الناشئة عن عقد الوكالة التجارية دراسة مقارنة بين القانون الأردني والكويتي، لـ سامي محمد مزعل الشمري، رسالة ماجستير مقدمة في القانون الخاص في جامعة الشرق الأوسط، 2011م ص113 و114.

[19] المرجع السابق،115.

ليست هناك تعليقات: