من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

السبت، 19 مارس 2022

السببية في جناية القتل, وفقا للقانون اليمني

 

 

السببية في جناية القتل, وفقا للقانون اليمني

 

 

ماهية علاقة السببية في جرائم القتل:

 يُقصد بعلاقة السببية أن النشاط هو الذي تسبب في حدوث النتيجة, وعلاقة السببية عنصر في الركن المادي للجريمة.

 من الواضح أن المقصود بالنتيجة هنا التي ترتبط بالنشاط هي النتيجة المادية, فإذا زهقت روح المجني عليه, فإن الفاعل لا يُسأل عنها إلاّ إذا كان هو الذي تسبب في حدوثها.

 

نظريات علاقة السببية في جناية القتل:

 

 أولا: نظرية تعادل الأسباب:

ومنطقها أنه متي ساهم فعل الجاني ولو مع عوامل أخرى في احداث النتيجة توافرت رابطة السببية, سواء كانت العوامل الأخرى طبيعية أو إنسانية, وتحمل الجاني تبعة النتيجة.

 

ثانيا: نظرية السبب المباشر:

مقتضاها أنه عند تعدد العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة، يتعين إقصاء الأسباب البعيدة في علاقتها بالنتيجة، بحيث تتوقف المسئولية الجنائية على السبب الذي لعب دوراً مباشراً فعالاً وفوريا في إحداث النتيجة , أما الأسباب الأخرى فهي مجرد ظروف ساعدت السبب الأساسي في إحداث النتيجة, ولا يبوء بها.

 

 ثالثا: نظرية السبب الملائم, أو الكافي:

 هي التي تقوم على التفرقة بين العوامل التي أدت إلى النتيجة الإجرامية. فالعامل الذي يعتد به هو الذي ينطوي في ذاته على صلاحية إحداث النتيجة وفق السير العادي للأمور.

فيعد سلوك الجاني سبباً للنتيجة الإجرامية, ولو ساهمت معه في إحداثها عوامـل أخـرى سابقة, أو معاصرة أو لاحقـه عليـه، مادامت هذه العوامل متوقعة ومألوفة.

 أما إذا تدخل في التسلسل السببي عامل شاذ غير متوقع ولا مألوف، فإنه يقطع علاقة السببية بين سلوك المتهم ووفاة المجني عليه، وتقف مسئولية الجاني عند حد الشروع في القتل, إذا توافر لديه القصد الجنائي، بينما يتحمل العامل الشاذ تبعة النتيجة الإجرامية.

وتأخذ محكمة النقض في جريمة القتل العمد والضرب المفضي الي موت بهذه النظرية الاخيرة.

 ومن أمثلة العوامل المتوقعة المألوفة التي لا تقطع علاقة السببية, بين فعل الجاني والوفاة في أحكام النقض, ضعف المجني عليه أو مرضه، وتسمم الجروح، وإهمال المجني عليه في علاج نفسه, إهمالاً يتوقع أن يصدر ممن يوجد في مثل ظروفه، وخطأ الطبيب البسيط في العلاج.

 وفي مقابل ذلك يعد من قبيل العوامل الشاذة غير المألوفة التي تقطع علاقة السببية، تعمد المجني عليه عدم علاج نفسه لتسويء مركز المتهم، والخطأ الجسيم للطبيب في العلاج، واحتراق المستشفى الذي نقل إليه المجني عليه. اذ يجري قضاء النقض علي أن المتهم مسئول في صحيح القانون عن جميع النتائج المحتمل حصولها من الإصابة, ولو كانت عن طريق غير مباشر، كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه، مالم يكن متعمداً لتجسيم مسئولية الجاني .

وتقول النقض في حكم حديث لها:

من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية, تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني, وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً ، وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها, ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه, ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اثبت في حق الطاعنين أنهما تعديا على المجني عليه بالضرب بالأيدي وبالسب وإنه قد توفى أثر ذلك ، ودلل على توافر رابطة السبية بين الفعل المسند للطاعنين ووفاة المجني عليه, بما أثبته تقرير الصفة التشريحية وما قرره الطبيب الشرعي بالتحقيقات, من أن ما صاحب واقعة الاعتداء على المجني عليه من انفعال شديد, أدى إلى توقف عضلة القلب ووفاة المجني عليه ورد الحكم على دفع الطاعنين بانتفاء رابطة السببية فاطرحه في منطق مقبول وتدليل سائغ ، فإن في ذلك جميعه ما يحقق مسئوليتهما في صحيح القانون عن هذه النتيجة التي كان من واجبهما أن يتوقعا حصولها, لما هو مقرر من أن الجاني في جريمة الضرب أو إحداث جرح عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي, ولو كانت عن طريق غير مباشر ما لم تتدخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعله وبين النتيجة ، ومن أن مرض المجني عليه إنما هو من الأمور الثانوية التي لا تقطع هذه الرابطة, ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الوجه يضحى غير قويم .

 

رابعا: نضريه السبب الأقوى أو المباشر:

تقيم تلك النظرية علاقة السببية بين النتيجة وبين السبب الأقوى عند تعدد هذه الأسباب,  فإذا وجد أكثر من سبب وكان أحداها أقوى من الآخر بحيث كان كافيا لإحداث النتيجة بذاته، فإن علاقة السببية تقوم بينه وبين النتيجة. فإذا أطلق شخص الرصاص على المجني عليه في صدره, وأطلق عليه شخص آخر الرصاص نحو كتفه، فإن الفعل الأول أقوى في إحداث النتيجة عن الفعل الثاني، وبالتالي يُعتبر الأول مسئولا عن الوفاة دون الثاني، مادام لم يثبت توافر المساهمة الإجرامية بينهما.

 

أهمية علاقة السببية في جناية القتل:

جريمة القتل من جرائم النتيجة، وتتمثل وفق النموذج القانوني لها في إزهاق روح إنسان حي.

ويتطلب الركن المادي لهذا النوع من الجرائم ليس فقط وقوع فعل القتل من الجاني، وإزهاق روح إنسان حي، بل أيضاً توافر علاقة سببية بين فعل الاعتداء على الحياة ووفاة المجني عليه، أي أن تقوم بينهما رابطة السبب بالمسبب.

ولا تثير علاقة السببية صعوبة في مدى توافرها بين فعل الجاني ووفاة المجني عليه, إذا كان هذا الفعل قد أدى بمفرده وفور ارتكابه إلى تحقق الوفاة، كمن يطعن آخر طعنات متتالية حتى يلفظ أنفاسه، أو يسدد إليه عياراً في القلب فيموت في الحال, فيكون واضحاً وملموساً أن سلوك الجاني هو سبب الوفاة .

إلا أن إسناد الوفاة إلى سلوك الجاني وحده لا يعرض بهذه البساطة في واقع الحياة، ففي الغالب تتعدد العوامل التي تساهم في إحداث الوفاة، ويكون سلوك الجاني أحد هذه العوامل ، فيصعب تحديد العامل الذي كان سبباً في حدوثها.

هذه العوامل قد تكون سابقة على وقوع فعل الاعتداء كاعتلال صحة المجني عليه، وقد تكون معاصرة للفعل كما لو أطلق شخص عياراً نارياً على غريمه فأصابه، وفي ذات اللحظة أصيب المجني عليه بسكته قلبية. وقد تكون تلك العوامل لاحقة على فعل الاعتداء، كإهمال المجني عليه في علاج نفسه، أو خطأ الطبيب المعالج في استخراج العيار الناري، وقد يشب حريق في المستشفى يودي بحياة المجني عليه.

 لاشك في أن إطلاق الرصاص يعد أحد العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة، ولكن هل يسوغ المنطق القانوني مساءلة من اطلق الرصاص, عن النتيجة التي تضافرت عوامل أخرى مع سلوك الجاني في إحداثها .

وتكتسي علاقة السببية أهمية بالغة في تحديد المسئولية الجنائية للفاعل في جرائم القتل خاصة، ففي القتل العمدي لا يكفي إسناد فعل الاعتداء على الحياة إلى الجاني، بل يلزم ربط وفاة المجني عليه سبباً بهذا الفعل، فإذا انتفت علاقة السببية بينهما, كانت الواقعة شروعاً في قتل.

وفي القتل الغير عمدي يلزم أيضاً توافر علاقة سببية بين الإصابة والوفاة, وإلا كنا بصدد جنحة اعتداء غير عمدي على سلامة الجسم, لا قتل غير عمدي.

 

إثبات علاقة السببية في جناية القتل:

علاقة السببية عنصر في الركن المادي لجريمة القتل، وشرط لتحقق مسئولية الجاني عن الوفاة، لذلك يجب على محكمة الموضوع عند إدانة المتهم بجريمة القتل، أن تثبت في حكمها توافر علاقة السببية بين سلوكه ووفاة المجني عليه، وإلا كان حكمها مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه. وعلاقة السببية مسألة موضوعية، يقدر توافرها أو عدم توافرها قاضي الموضوع من وقائع الدعوى دون معقب، مادام حكمه مؤسساً على أسانيد معقولة مستمدة من وقائع الدعوى.

 وهذا يعني أن محكمة النقض لا تراقب قاضي الموضوع في استخلاص علاقة السببية، إلا إذا كان ما خلص إليه مشوباً بسوء الاستدلال، كأن يكون العامل الذي ربط النتيجة به لا يصلح لأن يكون سبباً لها .

وفي أغلب جرائم القتل يلجأ القاضي في إثبات علاقة السببية, إلى الخبرة الفنية التي تتمثل في التقرير الطبي ، فتستند المحكمة في استخلاص توافر علاقة السببية إلى ما ورد في التقرير الطبي.

 

وبالرجوع الى قانون الجرائم والعقوبات اليمني المادة (7) والتي نصت على:

لا يسأل شخص عن جريمة يتطلب القانون لتمامها حدوث نتيجة معينة, إلا إذا كان سلوكه فعلا أو امتناعا هو السبب في وقوع هذه النتيجة، وتقوم رابطة السببية متى كان من المحتمل طبقا لما تجري علية الامور في الحياة عادة أن يكون سلوك الجاني سببا في وقوع النتيجة, وما كان سببه منه فهدر.

ومن خلال النص القانوني يتبن أن المشرع اليمني قد أخذ بنظرية السبب الملائم أو الكافي, والتي بطبيعتها تتطلب تحقق أمرين لتوافر علاقة السببية:

-       مساهمه فعل الجاني بإحداث النتيجة, التي لولاه ما وقعت.

-       أن تكون العوامل التي ساهمت مع الفعل, عوامل مألوفة وفقا لما تسير عليه الأمور عادة, بحيث كان يجب على الفاعل توقعها إذا أتاه عمدا، وكان في استطاعته توقعها إذا ارتكبه خطأ.

والواجب على المحكمة في حكمها الصادر بالإدانة, أن تثبت توافر علاقة السببية بين الفعل وبين الوفاة، وإذا لم تفعل ذلك كان حكمها قاصرا, أو معيبا مما يستوجب نقضه.

 

 

المراجع:

 

1-     د. رؤوف عبيد/ العلاقة السببية في جريمة القتل

2-     المدونة الخاصة بالطب الشرعي, للدكتور جامع كمال على الانترنت.

3-     الدكتور خالد الخطيب.

 

 

 

إعداد: أ. حمدان الذيباني

 

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات: