شركة المحاصة, وفق القانون اليمني

 

شركة المحاصة, وفق القانون اليمني

 

المقدمة:

يتميز عقد الشركة عن غيره من العقود ، بأثره الخالق للكائن المعنوي المتميز باسمه وعنوانه وذمته المالية الخاصة ، وشخصيته المعنوية المستقلة عن مجموع الأموال والأشخاص المكونين له في حين أن عقد المحاصة بين الشركاء ، لا يترتب عليه ميلاد كائن قانوني له تلك الخصائص الهامة ، والشخصية القانونية المستقلة ، ويبرر بعض الفقه أن عدم اكتساب شركة المحاصة للشخصية المعنوية ، يأتي من حرص الشركاء على إخفاء عقد المحاصة عن الغير ، وبالتالي فلا يكون للأخير حق سوى قبل من ارتبط معه بتصرف قانوني.

ويمكن القول إجمالاً ، أن الشركة على هذا النحو لا توجد سوى بين الشركاء الذين اتفقوا على تكونيها ، أما بالنسبة للغير فلا شخص معنوي يتعاملون معه ، بل شخص طبيعي يسأل عن التزاماته أمامهم بشكل مباشر .

هذا الأمر ولد الشك بشأن الطبيعة القانونية للمحاصة _ هل هي شركة أم لا _ لولا أن التشريعات حسمت الشك انتصاراً لنية المشاركة لدى أطراف المحاصة ، على قواعد العقود والالتزامات .

 فقد نصت المادة (55) بقولها :

((1- شركة المحاصة شركة مستترة غير ظاهرة ، ينحصر كيانها بين المتعاقدين لصفقة أو صفقات محدودة.

2- لا تخضع شركة المحاصة لمعاملات الشهر المفروضة على الشركات التجارية الأخرى .

3- ليس لشركة المحاصة شخصية اعتبارية ولا يكون للغير رابطة قانونية إلا بالشريك الذي تم التعاقد معه))

ويفصح هذا النص عن الخصائص التي تنفرد بها شركة المحاصة عن غيرها من الشركات التجارية .

 

خصـــائص شركــة المحاصــة:

أبرزت المادة (55)من تشريع الشركات اليمني ، أهم الخصائص التي تنفرد بها شركة المحاصة ، ونحاول أن نلقي عليها الضوء بإيجاز على النحو التالي :

1- الخفاء والاستتار:

لما كان عقد المحاصة ينظم العلاقات القائمة بين أطرافه دون أن تخرج آثاره إلى السطح القانوني ، فقد ذهب جمهور الفقه وأحكام القضاء، إلى أن الطابع المميز لشركة المحاصة أنها شركة مستترة لا تظهر إلى العلن كشركة ، ويقتصر وجود هذا المفهوم على الشركاء دون غيرهم ، ذلك أن تأسيس المحاصة ومباشرة نشاطها تقف حدوده في العلاقات الخاصة بين الشركاء . ويترتب على زوال عنصر الخفاء ، واتجاه الشركاء إلى الإفصاح عن وجود علاقة شراكة بينهما باتخاذ وسائل مادية كاتخاذ اسم الشركة والتوقيع به على معاملاتها (م57) أو تسجيلها للإعلان عنها ، يترتب على ذلك تحولها إلى شركة تضامن أو توصية بسيطة بحسب مقتضى الحال ,أما ظهور علاقة الشركاء إلى العلن ومعرفة الغير بها ، دون عمل مادي من جانبهم للإفصاح عن الشركة فلا يغير من طبيعتها كشركة محاصة.

2- عدم اكتساب شركة المحاصة للشخصية المعنوية :

لا تتمتع هذه الشركة بشخصية قانونية مستقلة عن مجموع الشركاء المؤسسين لها  ، وهذا ما أكد عليه المشرع اليمني في المادة (55) بقولها : ( ليس لشركة المحاصة شخصية اعتبارية ...) ويترتب على هذا الوضع أن شركة المحاصة لا يكون لها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء ، ولا اسم أو عنوان تجاري يميزها عن غيرها ، ولا موطن ولا جنسية , بل المعتبر في هذه المسائل مدير المحاصة حيث ترفع عليه الدعاوى أمام المحكمة التي يقع محله في دائرتها ، أو أمام المحكمة التي يقع محل إقامته في نطاق اختصاصها المكاني ، إذا لم يكن له محل محدد يمارس فيه النشاط التجاري .

3- عدم إشهار شركة المحاصة :

لما كانت هذه الشركة لا وجود لها في الأصل إلا بين الأفراد المكونين لها دون سواهم ، فلم يستلزم المشرع اليمني ضرورة إشهارها لإعلان الغير بتأسيسها وذلك لانعدام الحكمة من القيام بهذا الإجراء ، ذكرت ذلك المادة (55/2) بقولها :( لا تخضع شركة المحاصة لمعاملات الشهر المفروضة على الشركات التجارية الأخرى).

ويترتب على هذا الوضع عدم إمكانية قيام شركة فعلية قبل الغير .

4- عدم اكتساب شركة المحاصة لصفة التاجر :

لما كانت هذه الشركة مستترة ولا تظهر في الساحة الاقتصادية فإنه لا يتصور اكتسابها الصفة التجارية كغيرها من الشركات ، بل يلحق هذا الوصف الشريك الذي يدير المحاصة والذي يظهر أمام الغير باعتباره تاجراً . أما غيره من الشركاء المستترين فالأصل عدم اكتسابهم لتلك الصفة ، نظراً لعدم احترافهم النشاط التجاري ، وعدم  إفصاح تشريع الشركات التجارية بالحكم المذكور.

غير أن المشرع التجاري اليمني قضى في المادة (19) بقوله ( ... وتثبت صفة التاجر لكل من احترف التجارة باسم مستعار ، أو مستتر وراء شخص آخر فضلاً عن ثبوتها الشخص الظاهر...).

والذي يبدو لنا أن هذا النص قابل للمناقشة – خصوصاً في نطاق الشركات التجارية- ذلك أن المنطق يقتضي التفرقة بين الأشخاص الذين اتجهت إرادتهم من أول الأمر إلى تكوين شركة- كشركة المحاصة- وذلك لاستثمار أموالهم بطريق مشروع ، وتسليم حصصهم إلى أحدهم ليضارب فيها واقتسام ما ينتج عنها من أرباح أو خسائر ، حيث آثروا الاستتار على الظهور ليس بهدف التهرب من نصوص القانون ، بل لكي لا تشغلهم الالتزامات الناشئة عن اكتساب صفة التاجر عن مجالات أعمالهم الأخرى ، وبين الأشخاص الذين يمنعهم القانون من احتراف التجارة لأي سبب ، وتهرباً من هذا الحكم يلجئون إلى دفع أموالهم إلى شخص والتخفي وراءه .

فكان المنطق معاملة الفئة الأخيرة بنقيض مقصودهم ، والمشرع اليمني محق في الحكم الذي ذهب إليه ، وذلك حتى لا ينجوا مثل هؤلاء الأشخاص من تبعات النشاط التجاري ، غير أننا لا نملك إزاء العموم الوارد في النص إلا التسليم بأن صفة التاجر تلحق مدير المحاصة الذي ظهر أمام الغير بمظهر التاجر - وهو كذلك- إضافةً إلى شركائه المستترين في كنف عقد المحاصة ، باعتبارهم يشاطرون الأول مخاطر النشاط التجاري ويتحملون نتائجه الإيجابية والسلبية ، ويغامرون بأموالهم في نشاط تجاري يميل إلى عدم الأخذ بالمعيار المؤسسي للمشروعات المشتركة.

5 – شركة المحاصة من شركات الأشخاص القائمة على الاعتبار الشخصي:

الاعتبار الشخصي – وقوامه الثقة والائتمان – في شركات الأشخاص الواجب شهرها أمر ملحوظ ، ويزيد بروز هذا الاعتبار وتقوى أهميته في شركة المحاصة الجائز قيامها دون استلزام الأركان الشكلية من كتابة أو من شهر ، وعلى ذلك فلا يعرف بوجودها سوى الشركاء أنفسهم أو من يحيط بهم ، وبالتالي فلا يكون لأحدهم من ضمان قبل غيره من الشركاء ، سوى الثقة الشخصية ببعضهم البعض . وعلاقة قانونية هذا حالها ، فلا يخالجنا أدنى شك بأنها لا تقوم  إلا بين أشخاص يثق كل منهم بالأخر ثقة مطلقة ، وهي عصب قيامها واستمرارها .

ويترتب على ما سبق أن المساس بهذا الاعتبار ، يؤدي إلى خضوعها للحل والتصفية في حالة إنهاء تلك العلاقة أو وفاة أحد الشركاء أو إفلاسه أو إعساره أو فقده الأهلية(م45) هذا فضلاً عما إذا توافر أحد الأسباب العامة للانقضاء (م13) .

تكــــويـــن شـــركــة المـــحاصـــة وإثــباتـــها:

عرف المشرع اليمني في المادة (55/1) المحاصة بأنها شركة , ومن ثم لابد لقيامها أن تنعقد بين شخصين أو أكثر ، وبالتالي يجب أن تتوافر لانعقادها صحيحة ، الأركان الموضوعية العامة ، من رضا صحيح ومحل ممكن من الناحية المادية وجائز من الناحية الشرعية والقانونية , وسبب مشروع ، وأهلية تجارية كاملة . ولا بد من توافر الأركان الموضوعية الخاصة ، حيث يلزم توافر شريكين فأكثر ، ويجب على كل منهم أن يقدم حصة للمساهمة في رأس مال الشركة ، وأن تتوافر لدى الشركاء نية المشاركة في اقتسام الأرباح والخسائر ,وكل شرط يعفي بمقتضاه أحد الشركاء من الخسارة أو يقرر حرمانه من الربح يبطل الشركة بطلاناً مطلقاً.

أما الشروط الشكلية فلا يشترط توافرها في عقد المحاصة ، فلا يلزم أن يكون عقد شركة المحاصة مكتوباً ، فمن الجائز قيامها دون كتابة حيث أنها في الأصل تظل حبيسة الاتفاق الثنائي لأطراف العقد، فلا يطلع عليه الغير ، ومن ثم فلا يهم أن يكون عقد هذه الشركة مكتوباً أم غير مكتوب ، ولا يجب كذلك شهر عقد شركة المحاصة نظراً لطبيعتها المستترة(م55/2) حتى ولو خرجت إرادة الشركاء في صورة عقد مكتوب.

إثبات شركة المحاصة:

الراجح لدى الفقه والقضاء والتشريعات المقارنة ، قيام شركة المحاصة دون محرر مكتوب ، وهذا ما أكدته المادة (10) بقولها:

 ) يجب إثبات جميع الشركات التجارية باستثناء شركة المحاصة بعقد مكتوب).

وتنص المادة (56/2) على أنه :

(( يمكن إثبات وجود الاتفاقات – أي اتفاقات قيام شركة المحاصة والتزاماتها – المتقدم ذكرها بجميع طرق الإثبات القانونية والتجارية بما في ذلك البينة والقرائن)).

ووفقاً لما تقدم , يجوز إثبات وجود الشركة بين الشركاء بكافة وسائل الإثبات ، سواء بالوثائق والمحررات والرسائل التي تثبت لقيام الشركة ، أو بالشهادة ، أو بكل ما يدل على قيام  الشركة(م56/2).

إدارة شـــركــــة المحـــاصــــة:

القاعدة العامة ،أن إدارة الشركة التجارية ينظمها عقد إنشائها ، حيث يبين اسم المدير وسلطاته وطريقة عزلة ، وإذا لم يتضمن العقد تعيين المدير ، كان من حق جميع الشركاء تولي أعمال الإدارة(م26/1).

غير أن ما يلفت النظر بحسب الأصل ، أن إدارة شركة المحاصة باعتبارها شركة لا تتمتع بالشخصية المعنوية ، يرتبط توصيفها تبعاً لاتفاق الشركاء على ملكية الحصص وهي تأخذ في الحياة العملية إحدى صور ثلاث :

الصورة الأولى:

 اتفاق الشركاء على احتفاظ كل منهم بإدارة الحصة التي تعهد بتقديمها ، حيث يقوم كل شريك بالعمل منفرداً لحساب المحاصة ، ثم يقدم لشركائه كشفاً بنتيجة العمل ربحاً أو خسارة لقسمته بينهم وفي هذه الحالة يلتزم كل شريك شخصياً بالآثار القانونية الناشئة عن تعهداته قبل الغير دون سائر الشركاء ، إلا إذا اتفق الشركاء على خلاف ذلك أو أقروا ما أبرمه من تعاقدات ، وفي هذا الفرض يكتسب كل واحد فيهم صفة التاجر لتوافر جميع شروطها ويخضع  لواجبات التجار من قيد في السجل التجاري ومسك الدفاتر التجارية والمنافسة غير المشروعة.

الصورة الثانية:

اتفاق الشركاء على نقل حيازة الحصص إلى أحدهم ، بحيث يختص وحده بإدارة المحاصة وتصريف شئونها ، ويصبح هذا الشخص في هذه الحالة صاحب الصفة القانونية في مباشرة نشاط الشركة باسمه الشخصي ، وإليه وحده  تنصرف جميع الآثار القانونية الناشئة عن العلاقات القانونية بالغير ، وهو وده الذي يرجع عليه الغير باعتباره مديناً بنتيجة التصرف ، ويجب على مدير المحاصة أن يقدم للشركاء كشفاً بنتيجة العمليات التي أجراها لحساب المحاصة ، واقتسام ما نشأ عنها من ربح أو خسارة بحسب الاتفاق. ومدير المحاصة في هذا الفرض يكتسب الصفة التجارية لتوافر شروطها فيه ، باعتباره تاجراً.

الصورة الثالثة:

اتفاق جميع الشركاء على دمج حصصهم بعضها مع بعض ، وقيام حالة من الشيوع بينهم ، وتبعاً لذلك يتفقوا على ضرورة العمل بصورة جماعية بكل تصرف يتم لحساب المحاصة ، بحيث لا ينفذ التصرف إلا باشتراكهم جميعاً بالتوقيع عليه.

وتبعاً لذلك يسأل كل منهم على وجه التضامن عن جميع التزامات الشركة وتعهداتها باعتبارهم من التجار ، ذلك أن التضامن أمر مفترض بين أفراد هذه الطائفة . كما أنهم يكتسبون صفة التاجر ويتحملون الواجبات المفروضة على التجار.

 

آثــــــار شــــركــــة المحـــاصــــة:

شركة المحاصة باعتبارها عقداً ، فإنها بهذا المفهوم يتولد عنها مجموعة من الآثار القانونية الهامة ، سواءً فيما بين الشركاء ، أو في مواجهة الغير ، أو بالنسبة للشركة ذاتها ، ونحاول توضيحها على النحو التالي :

أولاً : آثار شركة المحاصة بالنسبة للشركاء :

أ – التزام كل شريك بتقديم الحصة التي وعد بها :

يلتزم كل شريك بتقديم الحصة التي تعهد بها في الموعد المحدد المتفق عليه، وينظم العقد حقوق الشركاء في رأس مال الشركة على النحو المبين في المبحث السابق ، وإذا جاء العقد خالياً من ذلك التنظيم ، اعتبر كل شريك مالكاً لحصته ملكية مستقلة ، وإذا لم يف أحد الشركاء بحصته في التاريخ المحدد أو لم يعمل حسب الاتفاق ، فإنه يكون مسؤولاً عن تعويض الشركة إذا كان له مقتضى (م18/3).

ب – عدم جواز تنازل الشريك عن الحصة:

لما كانت شركة المحاصة من شركات الأشخاص التي للاعتبار الشخصي فيها أهمية خاصة، فلا يجوز للشريك التنازل عن حصته للغير ، بل لا يمكن الاتفاق على تنظيم تنازل أحدهم لصالح شريك آخر ، أو لمصلحتهم جميعاً ، ذلك أن التنازل عن الحصة للغير قد لا يكون محل ترحيب أحد من الشركاء ، فينفرط عقد الشركة وتنقضي من الوجود. 

ج – المصفي في شركة المحاصة وعلاقته بالشركاء:

المستقر لدى بعص الفقه والقضاء عدم استلزام خضوع شركة المحاصة للتصفية على غرار ما هو مقرر للشركات التجارية الأخرى . بل يرون الاكتفاء بتعيين شخص لإجراء عمليات المحاسبة بين الشركاء وتحديد الأرباح والخسائر.

وأياً كان الأمر سواء خضعت شركة المحاصة للتصفية مثل غيرها من الشركات _ إذا كان نشاطها يتطلب ذلك _ أو يكفي بشأنها عملية محاسبية محدودة ، فإن من يتولى ذلك لا يعمل باسم الشركة ولا يعتبر نائباً عنها ، ولذلك يعتبر المصفي أو المحاسب وكيلاً عن الشركاء حيث يمارس سلطاته باسمهم ولحسابهم الخاص.

ومقتضى ذلك أن الدعاوى الناشئة عن حل الشركة أو الاستحقاقات المترتبة على حل الشركة لا توجه باسم المصفي ، بل باسم الشركاء ، والعكس حين يطالب المصفي بحقوق الشركة قبل الغير ، فإن المطالبات تحرر باسم الشريك الذي تعاقد مع ذلك الغير ، وليس باسم الشركة.  

د – إفلاس أحد الشركاء في شركة المحاصة وآثره على باقي الشركاء :

بينا فيما سبق ، أن شركة المحاصة من شركات الأشخاص التي للاعتبار الشخصي دور ملحوظ  في نشأتها . ولما كان القانون اليمني يرى أن التاجر الظاهر والتاجر المستتر يكتسبان معاً صفة التاجر .

فإنه يثور التساؤل عن آثار إفلاس مدير المحاصة على غيره من الشركاء وعلى الشركة ؟

الراجح أن إفلاس مدير المحاصة _ إذا ما توقف عن الوفاء بدين تجاري حال الأداء _ يمس الاعتبار الشخصي والثقة اللذين روعيا فيه  ومثل هذا الأمر يؤدي إلى حل الشركة وتصفيتها.

ولكن الأمر الذي هو محل للنقاش ، هل يمتد آثر إفلاس مدير المحاصة إلى باقي الشركاء في المحاصة؟

الذي يبدو لنا أن إفلاس مدير المحاصة الذي اكتسب صفة التاجر نتيجة ممارسته النشاط التجاري لا يؤثر على المركز المالي لزملائه في شركة المحاصة ، ولو أن كلاً منهم وفقاً لقانون التجارة اليمني يكتسب صفة التاجر ، إلا أنه مع ذلك يظل آثر الإفلاس مقصوراً على مدير المحاصة باعتباره الشخص الذي تعاطى التصرفات المفقرة للشركة . كما هو الحال في إفلاس الشريك المتضامن نتيجة سوء تصرفه في أمواله الخاصة ، فإن إفلاسه لا آثر له على باقي الشركاء في شركة التضامن ، كذلك الأمر بشأن إفلاس مدير المحاصة الذي استقل بإدارة الشركة ، فإن إفلاسه لا يمس غيره من الشركاء.

هـ - توزيع الأرباح والخسائر بين الشركاء  :

الأصل أن يتم توزيع الأرباح والخسائر وفقاً لما اتفق عليه أطراف المحاصة ، وإذا لم يحصل ذلك ، فإنه يتعين اتباع أحكام التوزيع الواردة في القانون (م49/2) .والتي تقضي في فقرتها الثانية على أنه( في حالة غياب هذه الشروط أو غموضها في عقد الشركة تستعمل موجودات الشركة وتوزع حسب الترتيب الآتي :

أ – تدفع النفقات والمصاريف الناشئة عن تصفية الشركة

ب – تدفع الديون المترتبة على الشركة إلى الدائنين من غير الشركاء مع دفع الحقوق الممتازة أولاً.

ج- تدفع الديون المستحقة لكل من الشركاء نتيجة تسليفهم أمولاً للشركة ليست من رأس المال

د- تدفع لكل شريك حصته من رأس المال... وإذا كان الباقي من موجودات الشركة لا يكفي لذلك فيدفع لكل شريك من هذا الباقي بنسبة حصته في رأس مال الشركة.

ه- يوزع ما تبقى من موجودات الشركة على الشركاء بنسبة توزيع الأرباح بينهم وفي حالة غياب النص على هذه النسبة فبنسبة حصة كل منهم في رأس المال.

 وهذا هو منطوق نص المادة (56/1) حيث قالت))اتفاقات المحاصة التي تعقد بين ذوي الشأن تعين بحرية تامة الحقوق والالتزامات المتبادلة بين الشركاء وتقاسم الأرباح والخسائر فيما بينهم مع الاحتفاظ بتطبيق المبادئ العامة المختصة بعقد الشركة)).

وعلى ذلك فكل خسارة تلحق الشركة وتمس حقوق الغير ، تخول له حق الرجوع على الشريك الذي تعامل معه ، غير أنه يجوز لهذا الشريك الرجوع على غيره من الشركاء بقدر ما يتحمله كل منهم في الخسارة.

و – حدود المسئولية الناشئة عن تعامل الشركاء في شركة المحاصة مع الغير :

لا تثور المسئولية الجماعية للشركاء في شركة المحاصة بحسب الأصل ،ما لم يتفق الشركاء على الإدارة الجماعية للشركة ، بحيث تنصرف آثار العقود و الالتزامات إليهم جميعاً ، وبالتالي تقوم مسئوليتهم الجماعية وبالتضامن في مواجهة الغير ، أما الشركة فلا تقم في مواجهتها أية مسئولية لعدم وجودها أصلاً.

أما في حالة تعاقد الشركاء كل على حده ، فإن ما ينتج عن تصرف كل منهم من خطأ يكون هو وحده محلاً للمسئولية ، وهو الذي يمكن الرجوع عليه بالتعويض وجبر الضرر.

ثانياً : آثار شركة المحاصة بالنسبة للغير :

ذكرنا فيما سبق أن شركة المحاصة لا تتمتع بالشخصية المعنوية وبالتالي لا وجود لها بهذا المعنى إلا بين الشركاء ، ولذلك فلا توجد علاقة قانونية بين الشركة والغير . إنما الذي يظهر على السطح القانوني يتمثل في العلاقة القائمة بين مدير المحاصة أو الشريك المتصرف والغير ، ذلك أن التصرف لم يجر باسم الشركة ، بل باسم الشخص القائم به شخصياً، وعليه فإن آثاره تقتصر عليه وحده(م55/3) ، وهو الذي يظل محلاً يمكن الرجوع عليه من قبل الغير ، ما لم يوجد اتفاق بين الشركاء يقضي خلاف ذلك ، أو يسلم الشركاء بما أجراه من تعهدات لصالح الغير ، وهذه نتيجة منطقية وقانونية لأن شركة المحاصة في نظر القانون ليست أكثر من رابطة تعاقدية تخضع للقواعد العامة للعقود.

ولكن لا يترتب على هذا العقد ظهور كائن قانوني له شخصية معنوية ، يحتاج إلى شخص طبيعي ينوب عنه في تصرفاته بحيث تنصرف آثارها إلى الشخص الاعتباري . إنما الذي يجري في شركة المحاصة أن كل التزام يحصل من خلال المحاصة إنما يبرم باسم القائم به شخصياً ، فكان منطقياً أيلولة آثار هذا الالتزام إلى القائم به دون غيره بحسب الأصل .

ثالثا: آثار شركة المحاصة بالنسبة للشركة:

إذا اتجهت إرادات الشركاء إلى تأسيس شركة المحاصة ، فلا يترتب على ذلك ظهور كيان قانوني يمتلك الحصص المقدمة منهم في رأس مال الشركة ، ولذلك فإن تصرفات المحاصة والتزاماتها تجري باسم القائم بها مباشرة ، ولكنه لحساب الشركة ، وإذا أجري التصرف باسم الشركة ولحسابها علناً فإن هذا يعني إفصاح الشركاء عن العلاقة الداخلية القائمة بينهم ، ومن ثم تتحول هذه العلاقة إلى شركة تضامن أو شركة توصية بسيطة  ، بحسب مقتضى الحال ، وبالتالي تسري على الشخص الجديد الأحكام الخاصة به (م58) والقاضي هو صاحب السلطة التقديرية في بيان نوع الشركة الجديدة.

انــقــضـــاء شـــركــــة المحـــــاصــــة:

تنقضي شركة المحاصة بأحد أساب بالانقضاء العامة أو أحد أسباب الانقضاء الخاصة وهذه الأسباب سنبديها كالتالي :

 الأسباب العامة لانقضاء الشركة:

نصت المادة (13) بقولها (( 1 – مع مراعاة ما هو منصوص عليه في هذا القانون من أسباب خاصة لانحلال بعض أنواع الشركات ، تنحل الشركة كذلك لأحد الأسباب العامة الآتية:

أ – إذا انقضت مدتها المحددة في العقد.

ب – إذا انتهى المشروع الذي تأسست الشركة لإتمامه بدون تحديد مدة لها.

ج – إذا زال موضوع المشروع الذي أسست الشركة من أجله .

د – إذا اتفق جميع الشركاء على حل الشركة ، شريطة الوفاء بجميع التزاماتها.

2 – يجوز للمحكمة المختصة أن تقضي بحل الشركة  لأسباب عادلة بناء على طلب الشركاء أو أحدهم))

الأسباب الخاصة لانقضاء شركات الأشخاص :

بما أن شركة المحاصة من شركات الاشخاص فإن اسباب انقضاء شركات الاشخاص الخاصة تسري على شركة المحاصة وتتمثل هذه الاسباب في ما يأتي :

أولا ً : الأسباب الخاصة بانقضاء شركات الاشخاص بقوة القانون :

1 – وفاة أحد الشركاء .

2- انسحاب أحد الشركاء من الشركة.

3- إفلاس أحد الشركاء أو إعساره أو فقده للأهلية العامة.

4- وقوع حادث يجعل استمرار الشركة أو استمرار الشركاء فيها غير مشروع .

ثانياً : انقضاء شركات الاشخاص باتفاق الشركاء.

ثالثاً : انقضاء شركات الأشخاص بحكم القضاء .

 

المصادر والمراجع:

1-القانون التجاري اليمني. 2- قانون الشركات التجارية اليمني

3- الشركات التجارية/د. حمود محمد شمسان. ص 223- 232 /الطبعة الخامسة /2014م

مقدم البحث /عبد القوي حُميد

إجراءات إشهار إفلاس التاجر, في القانون اليمني

 

إجراءات إشهار إفلاس التاجر, في القانون اليمني

 

أولاً: المقصود بنظام الإفلاس:

    الإفلاس نظام للتنفيذ الجماعي على أموال التاجر المدين الذي يتوقف عن وفاء ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها, متى كان هذا التوقف يكشف عن انهيار مركزه المالي، بما من شأنه تعريض حقوق الدائنين لخطر محقق أو كبير الاحتمال، ويقصد به تصفية أموال المدين وبيعها وتوزيع ثمنها وفاءً لديونه وفقاً لإجراءات تستهدف المساواة بين الدائنين.

 وإذا كان نظام الإفلاس لا يطبق إلا على التاجر - فرداً كان أو شركة - فإن غير التاجر يخضع لنظام الإعسار الذي نظمه القانون المدني ، غير أن ذلك لا يعني أنه لا سبيل إلى التنفيذ على التاجر إلا بطلب شهر إفلاسه ، بل إن للدائن أن يسلك طريق الحجز الذي نظمه قانون المرافعات ، إلا أن سلوك هذا الطريق يعرض الدائن إلى ضياع جهوده متى بادر دائن آخر إلى طلب شهر الإفلاس وقضت له المحكمة بشهره ، إذ يترتب على ذلك إيقاف إجراءات التنفيذ التي اتخذها الدائن الأول لتحل محلها إجراءات التصفية الجماعية ، ولهذا يلجأ الدائن إلى طريق الإفلاس ليوفر على نفسه مشقة اتخاذ إجراءات مهددة بالإلغاء .

ثانياً: شروط الإفلاس:

نصت المادة (570) من القانون التجاري اليمني على أن:

[كل تاجر اضطربت أعماله المالية فوقف عن دفع ديونه التجارية يجوز شهر افلاسه] كما نصت المادة (571) على أنه [لا تنشأ حالة الإفلاس الا بحكم يصدر بشهر الإفلاس ولا يترتب عن دفع الديون قبل صدور هذا الحكم أي أثر ما لم ينص القانون على غير ذلك] يتضح من هذه النصوص بأن المشرع اليمني تطلب توافر شروط ثلاثة لنشوء الإفلاس وشهره وهي:

1.    أن يكون المدين تاجراً. (شرط موضوعي)

2.    أن يكون المدين التاجر متوقفا عن دفع ديونه التجارية الحالة. (شرط موضوعي)

3.    أن يصدر حكم من المحكمة المختصة بشهر الإفلاس. (شرط اجرائي)

فإذا وافرت هذه الشروط الثلاثة سمي هذا الإفلاس بالإفلاس القانوني او المشهر, وإذا تخلف أحد هذه الشروط وبصفة خاصة صدور حكم من المحكمة بشهر الإفلاس.

وستناول هذه الشروط بشيء من التفصيل على النحو الاتي:

الشرط الأول: أن يكون المدين تاجراً:

أ-التاجر الفرد:

إن الإفلاس نظام قاصر على التجار فلا يتصور تطبيقه على غيرهم لذلك كان من الضروري أن يكون المدين المفلس تاجراً وهذا ما نصت عليه المادة (570 تجاري يمني) والتاجر حسب نص المادة 18/1 تجاري يمني: "كل من اشتغل باسمه في معاملات تجارية وهو حائز للأهلية الواجبة واتخذ هذه المعاملات حرفة له يكون تاجراً..".

يتضح من هذا النص ان المشرع اليمني قد تطلب توافر شرط الاحتراف للمعاملات التجارية كما تطلب فضلا عن ذلك أن يكون الشخص متمتعا بالأهلية التجارية ببلوغه سن الثامنة عشر من عمره (م23 تجاري يمني) فإذا كان الشخص قاصرا لم يبلغ هذه السن او كان محجورا عليه ولم تأذن له المحكمة بممارسة التجارة فإنه لا يكتسب صفة التاجر حتى ولو قام بالمعاملات التجارية على سبيل الاحتراف. فمتى كان الشخص يحترف المعاملات التجارية ويتمتع بالأهلية القانونية فانه يكتسب صفة التاجر حتى ولو كان محظورا عليه القيام بالأعمال التجارية بمقتضى نصوص القانون او اللوائح كالموظف العام والطبيب والمحامي وبناء على ذلك فانه يجوز إشهار إفلاس هؤلاء وهو ما نص عليه المشرع اليمني في المادة (19/2) تجاري بقوله [...وإذا زاول التجارة أحد الأشخاص المحظور عليهم الاتجار بموجب قوانين او أنظمة خاصة عد تاجرا وسرت عليه احكام هذا القانون].

ب-الشركات التجارية:

والصفة التجارية كما يكتسبها الشخص الطبيعي فانه يكتسبها أيضا الشخص المعنوي كما هو الحال بالنسبة للشركات التجارية وبناء على هذا فإنه يمكن شهر إفلاس الشركات التجارية وكذلك الشركات التي تتخذ شكل احدى الشركات التجارية حتى ولو كانت تقوم بأعمال من طبيعة مدنية حيث نصت المادة 18/2 تجاري يمني بقولها: [...وكذلك يعتبر تاجرا كل شركة تجارية وكل شركة تتخذ الشكل التجاري ولو كانت تزاول أعمالاً غير تجارية] وفي شركة التضامن والتوصية بنوعها يكتسب الشريك المتضامن صفة التاجر ويترتب على إفلاس الشركة إفلاس هذا الشريك لأنه تاجر ويكون مسئولا بصفة شخصية وتضامنية عن جميع ديون الشركة وهذا على خلاف الحال بالنسبة للشركاء في الشركات الأخرى فإنهم لا يكتسبون صفة التاجر ولا يسألون مسئولية شخصية وتضامنية عن الوفاء بديون الشركة.

اثبات الصفة التجارية:

إذا ثار نزاع حول ثبوت الصفة التجارية كن على من يدعي هذه الصفة ان يثبتها والعبرة بالاحتراف الفعلي للأعمال التجارية والقيد في السجل التجاري او عدمه لا ينهض أن يكون حجة قاطعة على اكتساب الشخص الصفة التجارية او عدم اكتسابها.

الشرط الثاني: التوقف عن الدفع:

المقصود به: هو توقف التاجر عن دفع ديونه التجارية لا المدنية فمهما توقف التاجر عن دفع ديونه المدنية فإنه لا يمكن إشهار افلاسه فقد أوضح المشرع اليمني صراحة طبيعة الديون التي يفلس المدين التاجر من اجلها بقوله: "كل تاجر توقف عن دفع ديونه التجارية..."

عناصر التوقف عن الدفع:

العنصر الأول: عنصر مادي: يتمثل في التوقف المادي للمدين عن دفع ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها ولا شك ان هذا التوقف واقعة مادية يمكن اثباتها بكافة الطرق.

العنصر الثاني: عنصر معنوي: وهو عجز المدين عجزا حقيقيا عن الوفاء بسبب اضطراب مركزه المالي وزعزعة ائتمانه التجاري وعدم توافر الثقة لدى عملائه في التعامل معه وهذا عنصر معنوي تتمتع المحكمة بسلطة تقديرية في اثباته.

ويجب توافر هذين العنصرين معا حتى تحكم المحكمة بشهر الإفلاس فلا يكفي المحكمة أن تثبت واقعة التوقف عن الدافع بل يجب عليها فضلا عن ذلك ان تقتنع من ان هذا التوقف كان ناتجا عن اضطراب المركز المالي للمدين وزعزعة ائتمانه وعدم توافر الثقة فيه من عملائه ويجب ان تكون هذه الزعزعة حقيقة ومؤكدة لا زعزعة ظاهرية مؤقتة في ائتمان التاجر، والمشرع اليمني قد تطلب توافر العنصرين معا عنصر التوقف المادي عن الدفع وعنصر الاضطراب المالي لأعمال المفلس بل ان المشرع جعل أساس التوقف ان يكون مترتبا على اضطراب اعمال المدين المالية.

شروط التوقف عن الدفع:

1-يجب ان يكون الدين حال الأداء: فلا يتصور ان يتوقف التاجر عن دفع ديونه الا إذا كانت مستحقة الأداء اما إذا كانت الديون مؤجله ولم يحل اجل الوفاء بعد فانه لا يمكن القول بأن المدين متوقف عن دفع ديونه.

2-يجب ان يكون الدين محقق الوجود معين المقدار وخال من النزاع: لا يمكن إشهار التاجر عن دين وهمي او صوري يدعي به أحد الأشخاص وفضلا عن ذلك إذا وجد دين حقيقي فانه يجب ان يكون خاليا من النزاع الجدي بمعنى انه يجب الا يكون منازعا في وجوده كله او بعضه وذلك بانقضائه لفسخ او بطلان او ابراء او مقاصة او الى غير ذلك من أسباب الانقضاء، كما يجب ان يكون الدين المطالب به معين المقدار بطريقة محددة نافية للجهالة.

3- يجب أن يكون الدين تجارياً: ان تحديد طبيعة الدين بالتجارية تكون بالنظر الى المدين به وهل كان تاجرا ام لا؟ وهل كان متعلق بشئون تجارية ام لا؟ لان المدين التاجر هو الملتزم بالوفاء فاذا كان الدين تجاريا بالنسبة أمكن شهر افلاسه حتى ولو كان هذا الدين مدنياً بالنسبة للدائن.

4- لا يشترط أن يكون التوقف كلياً: لا يلزم لإشهار الإفلاس المدين ان يكون متوقفا عن الوفاء بجميع ديونه التجارية بل يكفي ان يتوقف عن بعضها او عن احداها ولكن ينبغي ان يكون الدين على قدر من الأهمية حتى يمكن شهر افلاسه.

اثبات التوقف عن الدفع:

لم يحدد المشرع حالات محددة او مظاهر معينة يمكن الرجوع اليها لمعرفة ما اذا كان التاجر متوقفا عن دفع ديونه او غير متوقف ولما كان التوقف عن الدفع يعتبر واقعة مادية فانه يمكن اثباته بكافة طرق الاثبات ويقع عبء الاثبات على من يطلب شهر إفلاس التاجر المتوقف عن دفع ديونه التجارية ومحكمة الموضوع تثبت الوقائع المكونة لحالة التوقف وتكييفها قانونياً غير ان هذا التكييف يخضع لرقابة محكمة النقض.

ضرورة تلازم الصفة التجارية وقت التوقف عن الدفع:

اذا كان المدين قد اكتسب صفة التاجر بعد توقفه عن الدفع او انه فقد صفة التاجر ثم توقف عن الدفع ققي هاتين الحالتين لا يعد ذلك توقفا عن الدفع يوجب حكم الإفلاس فالعبرة بتوافر الصفة التجارية وقت التوقف لا بعد ذلك وبناء على ذلك يجوز شهر إفلاس التاجر بعد وفاته او فقده صفة التاجر بشرط ان يكون تاجرا وقت الوفاة ومات وهو متوقفا عن الوفاء بديونه التجارية كما انه يجوز شهر إفلاس التاجر الذي اعتزل التجارة وهو ما نص عليه المشرع اليمني في المادة(577 تجاري يمني) بقوله: [يجوز شهر إفلاس التجار الذي وقف عن دفع ديونه التجارية حتى بعد وفاته او اعتزال التجارة...].

 

ثالثاً: المحكمة المختصة بشهر الإفلاس:

الاختصاص النوعي: يكون نظر دعوى شهر الإفلاس من اختصاص المحكمة التجارية الابتدائية.

الاختصاص المحلي: تختص المحكمة التجارية الابتدائية الكائن في دائرتها موطن المدين التاجر المطلوب شهر افلاسه وذلك وفقا لما تقضي به القواعد العامة في قانون المرافعات المدنية، ويقصد بموطن المدين في هذا الصدد الموطن التجاري وهو المكان الذي يمارس فيه المدين اعماله التجارية وليس موطنه العادي الذي يقيم فيه عادة.

اختصاص المحكمة التجارية الابتدائية بالمنازعات الناشئة عن شهر الإفلاس: تختص المحكمة التجارية الابتدائية فضلا عن اختصاصها بشهر الإفلاس بالفصل في جميع المنازعات الناشئة عن شهر الإفلاس او المرتبطة به سواء كانت متعلقة بمنقول او عقار وسواء كانت منازعة مدنية او تجارية ولو كانت هذه المنازعة من اختصاص محكمة أخرى (م 578 تجاري يمني).

رابعاً: من يكون له حق طلب شهر الإفلاس وماهي الإجراءات التي يتبعها:

نصت المادة (572) تجاري يمني على انه: [يشهر إفلاس التاجر بناء على طلب أحد دائنيه او بناء على طلبه هو ويجوز للمحكمة ان تقضي بشهر إفلاس التاجر بناء على طلب النيابة العامة او من تلقاء ذاتها].

يتضح من هذا النص ان طلب شهر الإفلاس يكون من حق:

1-المدين المفلس (شهر الإفلاس بناء على طلب المدين):

تقضي المادة (575 تجاري يمني) بأنه: "يجوز للتاجر ان يطلب شهر إفلاس نفسه إذا اضطربت اعماله المالية ووقف عن دفع ديونه ويكون الطلب بتقرير يقدم الى قلم كتاب المحكمة التجارية وتذكر فيه أسباب الوقوف عن الدفع ويرفق بالتقرير الوثائق الاتية:

1-الدفاتر التجارية الرئيسية 2-صورة من اخر ميزانية ومن حساب الأرباح والخسائر 3-بيان بالمصروفات الشخصية عن السنوات الثلاث السابقة على تقديم طلب شهر الإفلاس 4-بيان تفصيلي بالعقارات والمنقولات المملوكة له وقيمتها التقريبية في تاريخ الوقوف عن الدفع 5-بيان بأسماء الدائنين والمدينين ومواطنهم ومقدار حقوقهم او ديونهم والتأمينات الضامنة لها 6- بيان بالاعتراضات (البروتستات) التي حررت ضد التاجر خلال السنتين السابقتين على تقديم طلب شهر الإفلاس، ويجب ان تكون الوثائق المتقدمة الذكر مؤرخة وموقعة من التاجر واذا تعذر تقديم بعضها او استيفاء بياناتها وجب ان يتضمن التقرير أسباب ذلك" وتحرر إدارة الكتاب محضرا بتسليم هذه الوثائق، واذا كان من حق المدين التاجر طلب شهر إفلاس نفسه فانه يكون من حق التاجر الى حين صدور الحكم بشهر الإفلاس ان يرجع عن طلب إشهار افلاسه من نفسه وليس للدائنين حق الاعتراض على سحب الطلب اذا كانوا قد استوفوا ديونهم ولكن اذا اعترض الدائنون الذين لم يستوفوا ديونهم على هذا السحب اعتبر اعتراضهم بمثابة طلب منهم بشهر الإفلاس فاذا صدر حكم بشهر الإفلاس في هذه الحالة كان هذا صادرا بناء على طلب الدائنين.

2-الدائنيين (شهر الإفلاس بناء على طلب الدائنين):

يعتبر طلب الدائنين شهر إفلاس مدينهم التاجر هو الطريق الطبيعي لشهر الإفلاس ويتم ذلك اما برفع دعوى امام المحكمة المختصة وإعلان صحيفتها للمدين وهو الطريق العادي الذي ينظمه قانون المرافعات، وإما بتقديم عريضة الى المحكمة المختصة تسلم الى قلم الكتاب (م 574 تجاري يمني) ولا يشترط ان يكون طلب شهر الإفلاس مقدماً من جميع الدائنين بالاتفاق او من بعضهم بل يكفي ان يطلبه دائن واحد ويجوز للدائن الوحيد ان يطلب شهر إفلاس مدينه ولو كانت قيمة دينه ضئيلة (م 573 تجاري يمني).

ويجوز لكل دائن ان يطلب شهر إفلاس مدينه التاجر سواء كان دينه تجاريا او مدنيا فالدائن بدين مدني له ان يطلب شهر إفلاس مدينه التاجر متى كان متوقفا عن دفع ديونه التجارية وبشرط ان يثبت الدائن ان المدين توقف عن دفع ديونه التجارية المحققة الوجود والحالة الأداء (م 573/3 تجاري يمني).

ويجوز للدائن الذي طلب شهر إفلاس مدينه ان يعدل عن هذا الطلب ويكتفي بإلزام المدين بالوفاء له بقيمة دينه كما يجوز له ان يتنازل عن طلبه وإذا رفع الامر الى المحكمة وتحققت من توافر شروط شهر الإفلاس وجب على المحكمة حينئذ ان تحكم بشهر إفلاس المدين دون ان يكون لها حق التقدير فلا تملك مثلا ان ترفض الحكم بشهر الإفلاس وتمنح المدين اجلا على امل ان تتحسن احواله المالية.

وإذا رُفض طلب الدائن جاز له ان يطلب شهر الإفلاس من جديد بشرط ان يستند الى وقائع جديدة غير تلك الوقائع التي استندت اليها المحكمة عند رفضها الطلب الأول ويكون للمحكمة الحق في ان تحكم على الدائن بغرامه لا تزيد عن ثلاثة الاف ريال وينشر الحكم في الجريدة الرسمية على نفقته إذا تبين انه تعمد الإساءة الى سمعة المدين التاجر وذلك مع عدم الاخلال بحق المدين في طلب التعويض (م 588 تجاري يمني).

3-شهر الإفلاس بناء على طلب النيابة العامة:

يكون طلب إفلاس المدين من حق النيابة العامة وتقدم النيابة العامة طلب شهر الإفلاس الى المحكمة الكائن بدائرتها موطن المدين ويحدد رئيس المحكمة جلسة للنظر في هذا الطلب ويعلن المدين بيوم الجلسة ويكون الإعلان بخطاب من كاتب المحكمة وهو ما نصت عليه المادة(576/1 تجاري يمني) ويجوز ان يكون اعلان المدين قبل يوم الجلسة بميعاد أربعة وعشرين ساعة وفي حالة الاستعجال يجوز ان يكون الإعلان بميعاد اقل من ذلك او بميعاد ساعة واحدة (م 576/2 تجاري يمني) ويجوز للنيابة العامة طلب إفلاس المدين دون حاجة الى إعلانه او تحديد جلسة لذلك وذلك في حالة ما اذا فر المدين وأخفى أمواله بالفعل.

4- شهر الإفلاس من تلقاء ذات المحكمة:

قد تعرض على المحكمة منازعة معينة متعلقة بأحد التجار الكائن محله التجاري في دائرة اختصاصها وتكون هذه المحكمة مختصة بشهر الإفلاس فيتبين لها أنها بصدد تاجر متوقف عن دفع ديونه التجارية فتقضي بشهر افلاسه ولو لم يتقدم اليها المدين او الدائنين او النيابة بطلب شهر الإفلاس فتحدد المحكمة جلسة للنظر في شهر إفلاس المدين وتعلنه بميعاد هذه الجلسة وقررت هذا الحق للمحكمة المادة 576/1 تجاري يمني بقولها: "أو رأت المحكمة شهر افلاسه من تلقاء ذاتها...".

خامساً: إجراءات حكم الإفلاس:

أ-مضمون حكم الإفلاس:

يجب ان يتضمن حكم الإفلاس جميع العناصر اللازمة لصدور الاحكام فيشمل ديباجة والوقائع والأسباب ومنطوق الحكم، وحكم شهر الإفلاس يتضمن شروط الإفلاس التي ذكرناها سابقاً وفضلا عن ذلك فإن حكم الإفلاس يجب ان يتضمن ما يأتي:

1-تعيين تاريخ الوقوف عن الدفع (م 582 تجاري يمني) 2-تعيين رئيس المحكمة التجارية الابتدائية قاضي للتفليسة ليراقب إجراءات واعمال التفليسة (م 581 تجاري يمني) 3-الامر بوضع الاختام على أموال المفلس والامر عند الاقتضاء بحبس المفلس او بالمحافظة عليه (م 581 تجاري يمني) 4-تعيين سنديك او أكثر لإدارة التفليسة يسمى [بمدير التفليسة] 5-تعيين جريدتين لنشر ملخص الحكم.

غير ان أهم ما يشتمل عليه حكم الإفلاس هو تعيين تاريخ الوقوف عن الدفع وذلك لما لتحديد هذا التاريخ من أهمية كبرى، فالغالب أن يصدر حكم شهر الإفلاس بعد مضي فترة من وقت الوقوف عن الدفع وقد يعمد المدين الى القيام ببعض التصرفات في الفترة بين تاريخ الوقوف عن الدفع وتاريخ الحكم الصادر بشهر الإفلاس وتكون هذه التصرفات ضارة بالدائنين وتسمى هذه الفترة بفترة الريبة وأخضع المشرع التصرفات التي تتم خلال هذه الفترة لنظام خاص فقضى أن بعض هذه التصرفات تكون باطلة وجوباً وبعض التصرفات تكون باطلة جوازاً.

والمحكمة لها الحرية الكاملة في تحديد تاريخ الوقوف عن الدفع غير ان بعض التشريعات تضع حداً زمنياً كسنة او سنتين قبل صدور حكم شهر الإفلاس يمتنع على المحكمة ان ترجع الى ابعد منه في تحديد تاريخ التوقف عن الدفع، وتحدد المحكمة تاريخ التوقف عن الدفع تبعا لما تستخلصه من ظروف الدعوى وقت الحكم بشهر الإفلاس فاذا لم تستطع المحكمة ان تجمع المعلومات الكافية لتعيين هذا التاريخ جاز لها ان تقوم بتحديده في حكم اخر لا حق على حكم شهر الإفلاس.

ولا يعتبر الحكم بتعيين تاريخ التوقف عن الدفع ملزما للمحكمة ولا يحوز قوة الامر المقضي به بل يجوز تعديله مرة او اكثر اذا ظهرت لها ظروف جديدة لم تكن ظاهرة وقت الحكم وذلك الى تنقضي المواعيد المقررة لتحقيق الديون وتأييدها فإذا لم تعين المحكمة تاريخ التوقف عن الدفع في حكم الإفلاس او في حكم لا حق اعتبر تاريخ التوقف عن الدفع هو ذاته تاريخ صدور حكم الإفلاس وتنعدم بذلك فترة الريبة، واذا كان حكم الإفلاس قد صدر بعد وفاة التاجر او اعتزاله التجارة دون تعيين لتاريخ التوقف عن الدفع فإن تاريخ الوقوف عن الدفع يكون هو تاريخ الوفاة او اعتزال التجارة (م 582 تجاري يمني).

نشر حكم الإفلاس:

أوجب القانون نشر حكم الإفلاس حتى يعلم به الكافة لأن حكم الإفلاس له حجية مطلقة فلا يقتصر أثره على أطراف الدعوى فحسب بل يسري في مواجهة الكافة وهو ما نصت عليه المادة (م 584 تجاري يمني).

ب- تنفيذ حكم الإفلاس:

الحكم الصادر بشهر الإفلاس يكون واجب التنفيذ مؤقتاً حيث نصت المادة 579 تجاري يمني على أنه [تنظر دعاوي الإفلاس على وجه السرعة وتكون الاحكام الصادرة فيها واجبة النفاذ المعجل بدون كفالة ما لم ينص على خلاف ذلك ويكون ميعاد الاستئناف خمسة عشر يوما من تاريخ الحكم].

ج- الطعن في حكم الإفلاس:

الحكم الصادر بشهر الإفلاس يكون نافذا نفاذا مؤقتا بمجرد صدوره ولكنه لا يكون نافذا نهائيا الا بعد استنفاذ طرق الطعن المقررة قانوناً وهي الطعن بالمعارضة والطعن بالاستئناف حتى يصير الحكم نهائياً والمادة 585 تجاري يمني نصت على انه: [لكل ذي مصلحة ان يطعن في حكم شهر الإفلاس بطريقة اعتراض الغير خلال عشرة أيام من تاريخ نشر ملخص الحكم في الجريدة الرسمية].

د- الغاء حكم شهر الإفلاس لانتهاء حالة التوقف عن الدفع:

لا شك ان السبب في صدور حكم شهر الإفلاس هو توقف المدين التاجر عن دفع ديونه التجارية فإذا زال السبب لا يكون هناك محل لحكم شهر الإفلاس ويشترط لذلك ان يكون زوال حالة التوقف عن الدفع قبل ان يصير الحكم نهائياً بأن يكون قد استنفذ طريقة الطعن بالمعارضة او الاستئناف اما اذا صار الحكم نهائياً فلا أهمية بعد ذلك بأن يقوم المدين بسداد ما عليه من ديون ام لا فلا خلاف من أن هذا الوفاء لا يؤثر على الحكم الذي حاز قوة الشيء المقضي فيه.

 

المراجع:

1.   كتاب أحكام المعاملات التجارية، عبد الرحمن عبد الله شمسان، دار الجامعة اليمنية، صنعاء، الطبعة الثانية،1998م.

2.   دراسة الشروط الموضوعية للحكم بشهر الإفلاس، بليغ عبد النور حاتم، جامعة القاهرة، 2004م.

3.   القانون التجاري اليمني الصادر بالقرار الجمهوري رقم (32) لسنة 1991م.

 

 

إعداد/سمر عبد السلام العريقي