بحث حول مسئولية الدولة عن حفظ الأمن في المجتمع


بحث حول مسئولية الدولة عن حفظ الأمن في المجتمع

سنتناول في هذا البحث تأصيل مسئولية الدولة عن حفظ الأمن في المجتمع عند المشرع اليمني ومن تم تأصيلها لدى فقهاء الشريعة الإسلامية وتحديد الجهة التي سيتم تقديم الدعوى ضدها وما هي الطلبات التي تتضمنها الدعوى وذلك على النحو التالي:
أولاً:القانون اليمني ومسئولية الدولة عن حفظ الأمن في المجتمع:
من المسلم به أن توفير الأمن والطمأنينة للمجتمع مسئولية تقع على عاتق سلطة الدولة وقد ورد التأكيد على هذا الأمر في العديد من النصوص الدستورية والقانونية منها: ما جاء في المادة(36) من الدستور والتي تنص على: (الدولة تنشئ القوات المسلحة والشرطة والأمن وأي قوات أخرى وهي ملك الشعب كله ومهمتها حماية الجمهورية وسلامة أراضيها وأمنها....) فهذا النص يقرر بان مسئولية الحفاظ على أمن الجمهورية من واجب الدولة ووسيلتها في الحفاظ على أمن البلاد هي ما تنشئه من قوات بتشكيلاتها المختلفة والتي تعد لهذا الغرض.
وأكد الدستور على مسئولية الدولة في حفظ الأمن وتوفير الطمأنينة للمجتمع بما قرره في المادة(48) منه والتي تنص على: (تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وآمنهم ........)
ومن المعلوم أن السلطة التنفيذية هي المعنية في المقام الاول بتطبيق أحكام النصوص الدستورية المتعلقة بحفظ الأمن في المجتمع وغير خافي أن الأجهزة الأمنية ممثلة بالشرطة والأمن التابعة للسلطة التنفيذية هي المنوطة بتحقيق الأمن.
وقد خص دستور الجمهورية اليمنية أجهزة الشرطة بالمسئولية عن حفظ الأمن والمحافظة عليه في المجتمع واوكل إليها مهمة توفير الطمأنينة للشعب واجب عليها العمل لأجل حفظ النظام والأمن العام وذلك بما أورده في المادة(39) منه والتي تنص على: (الشرطة هيئة مدنية نظامية تؤدي واجبها لخدمة الشعب وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتعمل على حفظ النظام والأمن العام والآداب العامة وتنفيذ ما تصدره السلطة إليها السلطة القضائية من أوامر كما تتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات وذلك كله على الوجه المبين في القانون).
ومن خصوصياتهم أنهم دون غيرهم من سائر الموظفين العموميين يجمعون بين صفتي الضبطية القضائية والضبطية الإدارية وأنهم دون غيرهم منحهم المشرع حق استعمال الأسلحة النارية لأداء واجباتهم عند الاقتضاء.(1)
وما يجب أن ننوه إليه في هذا البحث هو ضرورة التفريق بين رجال الضبط القضائي ورجال الضبط الإداري حتى يتبين لنا من يتحمل المسئولية من رجال الضبط هل مأموري الضبط القضائي أو مأموري الضبط الإداري.
لذلك وللتميز بين مأموري الضبط الإداري والقضائي فيقوم على أساس النظر إلى الهدف من إجراءات الضبط.
فإذا كان الهدف من الضبط وضع إجراءات وقائية غايتها منع الإخلال بالنظام العام وتوقي حدوث الجرائم كان ذلك ضبطاً إدارياً.
أما إذا كان الهدف ملاحقة مرتكبي الجرائم والقبض والتحقيق معهم وجمع الأدلة ذات الصلة بالجريمة وإحالتهم إلى الجهات القضائية المختصة فإن ذلك الضبط يعتبر ضبطاً قضائياً.
وينبني على التفرقة بين إجراءات الضبط الإداري وإجراءات الضبط القضائي نتيجة هامة هي:
1-      أن قرارات الضبط الإداري تعتبر قرارات إدارية وتخضع لما تخضع له القرارات الإدارية من حيث جواز الطعن فيها بالإلغاء والمطالبة بالتعويض.
2-      أما إجراءات الضبط القضائي فلا تخضع لمثل هذا الطعن.(2)
لذلك فأغراض الضبط الإداري: يسعى إلى صيانة النظام العام في المجتمع ويتفرغ إلى شعب ثلاث هي: الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة وسوف نعرف الأمن العام والذي يعني ( توفير الحد الضروري من الطمأنينة لأفراد الجماعة على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم من خطر الاعتداء عليهم ويأتي ذلك باتخاذ الإدارة الضبطية اللازمة لمنع وقوع الجرائم أيا كان نوعها.(3)
ومن وسائل الضبط الإداري للقيام بالعمل المنوطة به ما يلي:-
أ) لوائح الضبط الإداري:-
فرجال الضبط الإداري مقيدون بقواعد هذه اللوائح ومن ثم إذا خروجوا على هذه القواعد بما من شأنه الأضرار بالأفراد فإن من حق هؤلاء استخدام وسائل الطعن المتاحة في القرارات غير المشروعة إلغاء وتعويضا.
ب) قرارات الضبط الفردية:
ج) استخدام القواعد الجبرية:
قد لا تجد القواعد اللائحية والقرارات الفردية كوسيلتين للضبط الإداري وحينئذ لا بد أن تتاح للإدارة وسيلة تتمكن بها من أجبار الأفراد على احترام وتنفيذ القوانين واللوائح ونصت المادة (10) من قانون هيئة الشرطة على ( لا يجوز للشرطة استعمال السلاح  أو إطلاق النار إلا إذا كان استعمال السلاح أو إطلاق النار هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الغرض وبالقدر اللازم وشريطة أن يبذل رجل الشرطة جهده في أن لا يصيب أحداً إصابة قاتلة وذلك في الأحوال التالية:
ب) لإعاقة ارتكاب أفعال إجرامية أو مواصلة ارتكابها إذا كانت تلك الأفعال معاقب عليها بالإعدام أو الحبس لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
ج) عند ارتكاب جرائم  واقعة ضد الأمن العام بواسطة السلاح الناري أو المتفجرات.
و) عند القيام بأداء عمل تفرضه القوانين أو بناءً على تكليف من السلطة القضائية وتعرضه للمقاومة ومنعه من القيام بذلك عن طريق القوة).
وحدد القانون الأعمال الملقاة على عاتق هيئة الشرطة.....وفي هذا السياق جاء القانون رقم(15) لسنة 2000 بشأن هيئة الشرطة مبيناً ومحدداً المهام الملقاة على عاتق هيئة الشرطة من ذلك ما ورد في المادة(7) منه والتي تنص على: (تعمل هيئة الشرطة على حفظ النظام والأمن العام والآداب العامة والسكينة العامة ولها على وجه الخصوص القيام بما يلي:
1-     العمل على الوقاية من الجريمة ومكافحتها والبحث عن مرتكبيها والقبض عليهم وفقاً للقانون.
2-     حماية الأرواح والأعراض والأموال.
3-     كفالة الأمن والطمأنينة للمواطنين والمقيمين.
4-     مكافحة أعمال الشغب ومظاهره والإخلال بالأمن
....................
10- تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح والقرارات من واجبات).

وإلى جانب هيئة الشرطة فهناك المسئولين التنفيذيين في الوحدات الإدارية فهم كذلك معنيين بالعمل من أجل حفظ الأمن والنظام في المجتمع وتوفير الطمأنينة والحفاظ على السكينة العامة وقد نظم هذه الواجبات ونص عليها قانون السلطة المحلية ولائحته التنفيذية وعلى سبيل المثال.

فالفقرة (ب) من المادة(58) من قانون السلطة المحلية تقرر بأن المحافظ هو المسئول الأول في المحافظة باعتباره ممثلاً للسلطة التنفيذية – ومن واجبات المحافظ وفقاً للمادة(61) من القانون المذكور- حماية الحقوق والحريات العامة ولاشك في كون الحفاظ على الأمن والسكينة والعمل على استقرار المجتمع جزء من تلك الحقوق التي يجب على المحافظ توفيرها وحمايتها وهو ما تؤكده المادة(66) من نفس القانون.
وكذلك الحال يقال تجاه مدير عام المديرية وفقاً لأحكام المواد (70، 71، 61) من نفس القانون.
وقد بينت اللائحة التنفيذية بتفصيل أكثر مهام الأجهزة التنفيذية في المديريات والتي منها العمل على توفير الأمن والحفاظ عليه.
حيث تنص المادة(13) منها على: (تقوم الأجهزة التنفيذية في المديرية تحت إشراف وإدارة ورقابة المجلس المحلي في إطار السياسة العامة للدولة والقوانين والأنظمة النافذة بتنفيذ السياسات والخطط....وتتولى على وجه الخصوص مباشرة المهام الآتية:....
عاشراً: في مجال خدمات الشرطة:
1)   الوقاية من الجرائم والمخالفات قبل وقوعها والعمل على كشفها والقضاء على أسبابها المباشرة وظروف نشأتها.
2)   حماية الأرواح وسلامة المواطنين والملكية العامة والخاصة................)
ولا شك في أن تقاس أي من تلك الجهات السابق الإشارة إليها والتي هي في الأساس تحت إشراف ورقابة الإدارة المركزية للمحافظة في القيام بالمهام المنوطة بها بخصوص توفير الأمن والطمأنينة للمواطنين والحفاظ عليها يترتب مسئوليتها لمخالفتها للقوانين والدستور وبالتالي مسئولية الجهة التابعة لها عن أعمال تابيعها.
ومع ذلك فقد ظلت الإدارة حتى فترة قريبة خصماً وحكماً في وقت واحد وذلك بسبب عدم إحاطة القاضي فقه الإدارة وعدم معرفته بالتفريق بين مسئولية الموظف الشخصية عن الأعمال الإدارية التي يقوم بها وبين مسئولية الدولة عن أعمالها وقد يرجع السبب بحسب تقديري إلى قله الوعي الشرعي والقانوني لدى الغالبية العظمي من أبناء المجتمع اليمني –أصحاب المصلحة – بشأن حقهم في رفع الدعوى ولعدم استقلالية القضاء من الناحية العملية ولعدم وجود قضاء متخصص للنظر في المنازعات الإدارية أو عدم وجود قضاء مشابه كقضاء المظالم الذي طبق في ظل النظام الإسلامي.(4)
ومما أورده الدكتور/ العميد محمد محمد المصري في كتابة السلطات الإدارية للشرطة هو نفيه القاطع بعدم وجود أي مبدأ صدر من قبل المحكمة العليا بشأن تقرير مسئولية الدولة عن الأعمال الواقعة من قبل موظفيها رغم أن من التشريعات القانونية اليمنية قد أثرت هذا الموضوع بكثير من المواد القانونية وهو ما يميز التشريع اليمني عن التشريع المصري.
ثانياً: تأصيل حفظ الأمن في المجتمع لدى فقهاء الشريعة الإسلامية:
وظيفة الدولة في الداخل
المحافظة على الأمن والنظام
كان من اختصاص رجال الشرطة الإدارية في العهد الإسلامي أمور منها:
1-      حفظ النظام وذلك بمنع الفوضى او التجمعات في الطرق والأماكن العامة والسهر على المراكب ومرافقة الأمير وصاحب السلطان في تنقلاته لإظهار هيبته ودفع الناس عنه وتلقى أمره.(5)
2-      حفظ الأمن وذلك بمراقبتهم الأشرار والدعار واللصوص وطلبهم في مظالمهم وأخذهم على يد كل من يرتكب عدواناً على غيره أو يقدم على عمل من شأنه إثارة الناس وتهييج الفتنة.
ولكن لا يقتصر دور الدولة الإسلامية على مجرد توفير وضمان الأمن والطمأنينة للأفراد وصيانة حياتهم وأموالهم ودفع العدوان الداخلي والخارجي عنهم والأشراف على إطاعة الأنظمة والأحكام وإنما على الدولة والأفراد أن يخطوا خطوة إيجابية بالتضمان والتكافل معاً نحو إيجاد باعث شخصى على احترام حقوق الآخرين، والإذعان للنظام المتبع وذلك بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليتحقق المقصد الأساسي للشريعة وهو إصلاح المجتمع أي الحياة الاجتماعية إصلاحاً خذرياً يستقر فيه الأمن العام والعدل بين الناس وصيانة الحريات الأساسية.(6)
* الأمن الداخلي والتكامل الاجتماعي:
السياسة العادلة لأي أمة هي تدبير شئونها الداخلية والخارجية بالقوانين والأنظمة التي تكفل لأفرادها وجماعتها الأمن والاستقرار والمساواة إذ تقدم على مبادئ رئيسية أرساها القرآن الكريم وفصلها ووضحها رسول الله(ص) وتلك الأحكام الشرعية التي تستقي من المصادر الشرعية المتفق عليها إنما توفر لكل فرد فيها الحياة الإنسانية الكريمة الآمنة.
والأمن الذي تتكفل به الدولة الإسلامية ذو أبعاد مختلفة
-أمن جماعي مضمون الاستقرار والمساواة والعدالة بين الناس قال تعالى: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"
-أمن اقتصادي مرتكزاته إباحة ما يقتضيه تبادل الحاجات بين الأفراد ودفع الضرورات فأحل البيع والإجازة والرهن وغيرها من العقود قال تعالى: (يا أيها الذي آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن قراض منكم)النساءالأية(29)
ودعا الإسلام رعاية إلى المساهمة بقسط معين من أموالهم مقابل تمتعهم بحقين: أحدهما أمانهم على أنفسهم وأموالهم وثانيها: تمتعهم باستغلال مرافق الدولة.(7)
في سبيل تزكية هذه الأموال وتنميتها والمحافظة عليها قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) صدق الله العظيم
وحيث تلتزم الدولة بضمان الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي بجوانبها المتعددة إنما تقيم نظاماً اجتماعياً متكاملاً يحقق العدالة الاجتماعية بين الناس تلك العدالة التي أشار إليها المفكرون في معرض الحديث عن اشتراكية الإسلام.(8)
ويتبين لنا مما سبق إيجازه عن بعض الوظائف الأساسية للدولة الإسلامية أن حدود التزام هذه الدولة وواجباتها تجاه الأفراد من ناحية أولى والدول الأخرى من ناحية ثانية لا يفسرها مذهب فردي أو اشتراكي وإنما الذي يفسرها طبيعة الإسلام ومبادئه وأهدافه على النحو الذي سبق بيانه.(9)
حق الأمن:
يقصد بحق الأمن حماية الإنسان في نفسه وماله وعرضه وكفالة سلامته ومنع الاعتداء عليه أو التحقير من شأنه أو تعذيبه واضطهاده سواء كان ذلك من الدولة أم من أفراد المجتمع.
وقد كفلت الشريعة الإسلامية للناس هذا الحق وحرمت الشريعة الاعتداء على أي شخص إلا إذا كان ظالماً قال تعالى:"فلا عدوان إلا على الظالمين".(10)
وقد أوجب الإسلام على الدولة حماية الفرد من الاعتداء والأذي وتوقيع العقوبات الزاجرة على كل من يقع منه ظلم او تعد أو تجاوز حد في اقتضاء حق مشروع.(11)
ثالثاً: الجهة التي سيتم تقديم الدعوى ضدها
ولكي يتم تحديد الجهة التي سيتم تقديم الدعوى ضدها فالواجب بيان الجهة التي نص عليها المشرع في الحفاظ على النظام العام بشعبة الثلاث ومن ثم بيان الجهة التي تتبعها حسب النظام الإداري الهيكلي للوحدات الإدارية للدولة حتى تحقق قاعدة التابع مسئول عن تابعة ومعرفة من ترفع في مواجهته الدعوى.
وقد نصت المادة(39) من الدستور بأن (الشرطة هيئة مدنية نظامية تؤدي واجبها لخدمة الشعب وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتعمل على حفظ النظام والأمن العام والآداب العامة وتنفيذ ما تصدره السلطة إليها السلطة القضائية من أوامر كما تتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات وذلك كله على الوجه المبين في القانون).
ومن خلال نص المادة(39) من الدستور فإنه أناط بهيئة الشرطة الحفاظ على النظام العام بشعبة الثلاث، ومن خصوصياتهم أنهم دون غيرهم من سائر الموظفين العموميين يجمعون بين صفتي الضبطية القضائية والإدارية وما يجب أن نتطرق إليه ويهمنا في هذا البحث هم مأموري الضبط الإداري وهو ما يتوجب علينا تعريفه حتى نتمكن من التمييز بينه وبين مأموري الضبط القضائي.
تعريف الضبط الإداري: "هو مجموعة الإجراءات الملزمة التي تفرضها السلطة العامة بقصد تنظيم حريات الأفراد وتقيد أنشطتهم بهدف صون النظام العام في المجتمع"
إذا فالضبط القضائي شأنه معاقبة مرتكبي الجرائم.
وقد منح المشرع هيئة الشرطة دون غيرها حق استعمال الأسلحة النارية لأداء واجباتهم عند الاقتضاء.(1)
وذلك لإجبار الأفراد على احترام وتنفيذ القوانين واللوائح والقرارات وهي حق استخدام القوة المادية الضبطية.
وإذا كانت الإدارة المركزية في العاصمة تتركز في يدها سلطات الضبط فإن ممثلي السلطة التنفيذية في الأقاليم كمالمحافظين ومديري المديريات يختصون بالضبط وفقاً لقانون الإدارة المحلية حيث أوكل إليهم القانون حفظ النظام العام والأمن العام وهم يرأسون كل المواطنين الإداريين في أقاليمهم وهو ما يعني مسئوليتهم الأولى عن صيانة النظام العام بشعبة الثلاث.(2)
وهو ما نصت عليه المواد (58)، (61)، (66) من قانون السلطة المحلية سالفة الذكر وكذلك المواد (70، 71، 61) وكذلك ما بينته اللائحة التنفيذية في المادة(13) منها.
وكذلك ما بينته المادة(13) من اللائحة التنفيذية حيث ألقت المسئولية الكاملة والمباشرة على الأجهزة التنفيذية وعلى المجلس المحلي كمسئولية إشرافية وإدارية.
لذلك ولكل ما سبق ذكره من النصوص القانونية فيكون المتبوع مسئولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعة بعمله غير المشروع متى كان واقعاً منه في حالة تأدية وظيفته أو بسببها.
والذي يظهر لي ومن خلال استعراض تلك النصوص القانونية و الشرعيه ان ترفع الدعوى على مجلس الوزراء وذلك وفقا للتنظيم الاداري والهيكلي للدوله ولان محاقظ المحافظه تابعا لوزارة الادارة المحلية ووزارة الاداره المحليه تابعه لرئاسة الوزراء.
رابعا : طلبات المتضررين عند تقصير"حفظة الآمن"                        
أن الدولة ليست شخصاً طبيعياً يمكن إسناد الخطأ إليه بل هي شخص معنوي يؤدي نشاطاته المرفقية أو الضبطية بواسطة أشخاص طبيعيين،لذا فإن مسئولية الدولة عما يرتكبه هؤلاء الأشخاص من أفعال غير مشروعة تقوم استناداً على ما يوجد من تلازم موضوعي في العلاقة بين الدولة وموظفيها.(3)
وبما أن إجراءات الضبط الإداري تهدف إلى منع وقوع الجرائم بغض النظر عن السلطة التي تتخذ هذه الإجراءات وتوفير الحد الضروري من الطمأنينة لأفراد الجماعة على أنفسهم وأموالهم وأغراضهم من خطر الاعتداء عليهم ويأتي ذلك باتخاذ الإدارة الضبطية اللازمة لمنع وقوع الجرائم أياً كان نوعها.(4)
واعتبر المشرع اليمني قرارات الضبط الإداري كغيرها من القرارات الإدارية من حيث جواز الطعن فيها بالإلغاء والتعويض.
لذلك ينبغي أن تكون إجراءات الإدارة مستندة إلى قواعد قانونية فإن تصرفت على غير مقتضى هذه القواعد  بما من شأنه تقييد الحريات وإلحاق الأضرار بالأفراد فإن العمل سيكون عرضه للطعن بالإلغاء أمام القضاء وذلك من قبل صاحب المصلحة ناهيك عن طلبه التعويض عن الأضرار الناجمة عنه.(5)
تسأل الدولة مدنياً عن الجرائم الواقعة ضد الأفراد في حالة عدم قيام مأموري الضبط الإداري بالحفاظ على الأمن العام والمتمثل بمنع الاعتداء على الأفراد.
فالمسلم به أن التعويض يجب أن يغطي كل الضرر الذي تحمله المضرور ولا ينظر القاضي إلى درجة الخطأ الذي ارتكبته الإدارة فيما يتعلق بتقدير التعويض ويقدر حسب جسامة الضرر طبقاً لنص المادة(313) من القانون المدني.
مراعاة ما فات المضرور من كسب وما لحقه من خسارة هذا على الأقل بالنسبة للأضرار المادية.

والله من وراء القصد ,,,
                                                                



(1)  صــ32ــ الحماية الجنائية للموظف العام د/عوض يعيش
(2) صــ103ــ الوجيز في القانون الإداري د/عبد الرحمن شرف الدين.
(3) مرجع سابق صـ104م.

(4) د/أحمد عبد الملك صــ495ـــ قضاء المظالم
(5) ج9 صــ887ـ الفقه الإسلامي وأدلته أوهبة الزحيلي
(6) صـ887ـ الفقه الإسلامي ج9 صـ887ــ د/وهبه.
(7)  الوسيط في النظم السياسية والقانون والدستور صـ171ـ د/نعمان أحمد الخطيب
(8) المصدر السابق صـ172ــ
(9) المصدر السابق صـ172ـ
(10) أصول نظام الحكم في الأإسلام د/فؤاد عبد المنعم أحمد صــ263ــ
(11) المصدر السابق صـ264ــ
(1) صــ32ــ الحماية الجنائية للموظف العام د،عوض يعيش
(2) صــ114ــ الوجيز في القانون الإداري اليمني د/عبد الرحمن شرف الدين.
(3) صــ17ــ المسئولية  المدنية للدولة عن أخطاء موظفيها د/عادل الطائي
(4) صـ104ــ الوجيز في القانون الإداري د/عبد الرحمن شرف الدين.
(5) السلطات الإدارية للشرطة عميد د/علي علي المصري صــ28ــ.

دراسة عن مشكلـــة تجــارة البشــــر وأبعادها الاجتماعية والدينية


مشكلـــة تجــارة البشــــر وأبعادها الاجتماعية والدينية


أ.د/ حمود العودي
أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء
                                                   رئيس الهيئة التنفيذية لمجلس عام تنسيق منظمات المجتمع المدني

أولاً: تعريف المفهوم والموضوع:
من الثابت أن الأشياء لا تعرف إلا بمسمياتها إلا أنها لا تفهم إلا بتعريفها، فتسمية الشيء يدل عليه ويعبر عن بعض من مضمونه، حيث يقال عن حق بأن "لكل شيء من اسمه نصيب" ولسنا مع الرأي القائل بأن الأسماء لا تعلل. إلا أن الأسماء لا تفهم مضامينها ودلالاتها المكتملة إلا بتعريفها، فإذا قلت أو نطقت بكلمة "جمل" فإنك قد أطلقت اسماً على حيوان محدد من بين كل الكائنات الحية الأخرى، أما إذا قلت "الجمل حيوان طويل العنق والقوائم أكثر من غيره ويحمل الأثقال ويصبر على السير في الصحراء لأيام بلا ماء أو طعام...الخ" فإنك قد عرفته وصار مفهوماً من خلال هذا التعريف، وعلى هذا فقس كل الأشياء الأخرى بما فيها مسمى ومفهوم "المشكلة الاجتماعية" وموضوع "تجارة البشر" موضوع ورقتنا هذه والمحدد تعريف مفهوم كل من المصطلحين في الآتي:
1-   المشكلة الاجتماعية تعريفها ومفهومها.
كثيراً ما يتداول الناس على اختلاف مشاربهم كلمة أو عبارة "المشكلة أو المشاكل الاجتماعية" بصدد مناقشاتهم للكثير والكثير من شئون الحياة اليومية وغير اليومية، غير أنه لو سُئل أحدهم عن تحديد مفهوم المشكلة بالمعنى العلمي الدقيق كما يحدد مفهوم ناتج ضرب رقم (3×3=9) لصعب ذلك حتى على كثير من المتخصصين في علم الاجتماع، وإسهاماً من جانبنا في الحد من هذه الضبابية ومن منطلق العلم الاجتماعي نفسه يمكن القول بأن "المشكلة الاجتماعية" هي جزء لا يتجزأ من المفهوم العام للظاهرة أو الظواهر الاجتماعية التي تتضمن كل ما يصدر عن البشر من فعل أو تفكير أو سلوك بالتفاعل المشترك مع بعضهم ومع المكان والزمان الذي يعيشون فيه خيراً كان أم شراً صواباً أم خطأ.
فالمشكلة الاجتماعية إذن هي ضرب من فعل وتفكير وسلوك بعض البشر والمرتبطة بما هو خطأ أو خطر من وجهة نظر المجتمع المحيط، ويتعارض مع منظومة قيمه ومعاييره الثقافية العامة، كالجريمة والسرقة وشرب الخمر والزنا وتجارة الجنس والأعضاء البشرية...الخ. ومن أهم خواص المشكلة أو المشاكل الاجتماعية هو العمومية والانتشار حيث لا يخلو أي مجتمع أو تجمع بشري من المشاكل أو الظواهر الاجتماعية السلبية وفي كل زمان ومكان، استناداً إلى يقين وحقيقة أن الإنسان "خطاء" وأن الخير والشر والصواب والخطأ قرينان لا ينفصلان في حياته، وإلا لما كانت هناك حاجة لنبوءات وشرائع سماوية أو قوانين وتشريعات أرضية للحد من الشر والخطأ وتزكية الخير والصواب.
فالأمر لا يعني قط البحث عن مجتمع مثالي خالي من الخطأ كمجتمع الملائكة بقدر ما يعني العمل على تغليب الخير والصواب كقاعدة عامة وغالبة في أي مجتمع مقابل الشر والخطأ كاستثناء، فحيثما يكون الخير والصواب هو القاعدة والشر والخطأ هو الاستثناء يمكن القول بوجود مجتمع سوي وغير مهدد بمخاطر الشرور والمفاسد، والعكس بالعكس صحيح تماماً، فحيثما يكون معدل وجود وانتشار أي مشكلة اجتماعية سلبية هو ما دون 10 أو 15% على الأكثر فإن الوضع يكون مقبولاً وتظل المشكلة في عداد الظاهرة الاجتماعية الممكن التعايش معها فلا مخاطر عامة على المجتمع كالسرقة، والجريمة والرشوة ونحوها، أما أن تتجاوز هذه المعدلات إلى ما فوق ذلك ووصولها إلى 20 أو 30% فما فوق فإنها تتحول من مجرد ظاهرة مقبولة إلى مشكلة اجتماعية مهددة للمجتمع يتوجب مواجهتها، أما لو انعكست المعادلة وأصبح الشر والخطأ هو القاعدة والخير والصواب هو الاستثناء عندها يمكن القول على المجتمع السلام، وما من مفر وقتها من ثورة تعيد لناموس الحياة منطقه القاضي بمبدأ الخير والصواب كقاعدة والشر أو الفساد كاستثناء، وما واقع ثورة الربيع العربي مع الزمن السياسي العربي الرديء إلى تجسيداً لهذه الحقيقة بالمعنى الكلي والشامل.

2-   مشكلة تجارة البشر (تعريفها وموضوعها).
يمكن تعريف تجارة البشر بأنها كل فعل مادي أو معنوي يصدر من فرد أو جماعة ما ضد فرد أو جماعة أخرى ويترتب عليه انتقاص ومصادرة بعض أو كل الحقوق الإنسانية للطرف الثاني من قبل الطرف الأول ولمصلحته بغير حق، بدءاً بعبودية الرق المشرعنة قديماً مروراً بالتفرقة والتمييز العنصري والسلالي وانتهاء بتجارة الجنس والطفولة والأعضاء البشرية حديثاً، أما الموضوع المراد عرضه وتحليله في هذا الصدد فهو موضوع تجارة البشر في اليمن خاصة والجوار العربي والدولي بصفة عامة وأبعاده الاجتماعية والدينية والإنسانية ، بدءاً بمظاهر (كمشكلة) وانتهاء بأبعاده الاجتماعية والدينية كتجارة مباشرة وغير مباشرة بالبشر.
ثانياً: المظاهر العامة لمشكلة استعباد وتجارة البشر في الماضي والحاضر:
1-   عبودية وتجارة البشر في الماضي البعيد والقريب.
لم تكن البداية في قصة هابيل وقابيل ويوسف مع إخوته، وفرعون مصر مع شعبه، ولا إمبراطورية الرق الروماني عن ذاكرتنا التاريخية ببعيد رغم بعدها الزمني في الماضي البعيد، كما أن إبادة أكثر من ستين مليون إنسان من شعوب وحضارات الهنود الحمر في أمريكا واستراليا واستعباد أكثر من خمسين مليون إنسان آخر من قلب القارة الأفريقية وبيعهم لأصحاب المزارع والمناجم في أمريكا الجديدة على أنقاض السكان الأصليين عن ذاكرتنا بأبعد مما قبله، أما العمليات المتصلة بمحاكم التفتيش والحركات النازية والفصل العنصري في الماضي غير البعيد والأقرب إلى تاريخنا الحديث، فكل هذه الصور والمظاهر المشينة في التاريخ البشري البعيد والقريب لم تكن في مجموعها لتشكل مجرد مشكلة جزئية لظلم واستعباد وتجارة البشر أو حالة استثنائية يمكن القبول بها كظاهرة اجتماعية لا ترقى إلى مستوى المشكلة ، بقدر ما أنها قد تجاوزت ذلك إلى كوارث إنسانية جعلت من قتل واستعباد وتجارة البشر قاعدة عامة في حياة الكثير من الشعوب والأمم القديمة والوسيطة وحتى الحديثة في مقابل حرية وكرامة وحقوق الإنسان كاستثناء، وهو الأمر الذي يتوجب معه على كل دعاة الخير والحرية والكرامة الإنسان أن يعيدوا قراءة التاريخ القريب والبعيد لا في سياق الصراعات السياسية والعسكرية فحسب بل وفي سياق جرائم استعباد الإنسان لأخيه الإنسان ومصادرة حقوقه وكرامته الإنسانية والا تجار بها.
2-   واقع مظاهر استعباد وتجارة البشر في الحاضر.
إذا كان ما سبق هو بعض مما تم الإشارة إليه من مظاهر ووقائع استعباد وتجارة البشر في الماضي القريب والبعيد فإن واقع الحال في الحاضر وربما في المستقبل لم يكن بأحسن حال مما سبق على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، حيث لا يوجد من يستطيع أن ينكر أو يتنكر لواقع الحركة الصهيونية العالمية وممارساتها العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني، ولا ما جرى ويجري في قلب القارة الأوروبية التي تدعي لنفسها ريادة وداعية الحقوق الإنسانية والمدنية المعاصرة من عمليات القتل والإبادة الجماعية المنظمة للمدنيين في البوسنه والهرسك من قبل الصرب من منطلق ديني وعنصري بشع وكذلك هي المذابح القومية والعرقية الجماعية المتكررة بين وقت وآخر في قلب القارة الأفريقية للمدنيين الأبرياء العزل، حيث تتجاوز كل هذه المظاهر المعاشة ما هو أسوأ وأخطر من مجرد استعباد وتجارة البشر إلى إبادتهم وقتلهم الجماعي غير المبرر وحرمانهم من حق البقاء حتى كمجرد عبيد أو سلع للبيع والشراء بصورة مباشرة وغير مباشرة المتفشية في عالم اليوم والتي قد تكون تبعاتها الاجتماعية المدمرة أكثر خطورة من القتل نفسه.
لأنه إذا كان من قد لقي حتفه تحت طائلة العنف والتمييز العنصري والديني في المذابح الأفريقية والبوسنه والهرسك ومن يلقى حتفه من نساء وأطفال فلسطين يومياً قد ماتوا ويموتون مرة واحدة ظلماً نعم ولكن بكرامة وقد يجدوا من ينصفهم حتى بعد موتهم إلا أن من يتم الاتجار بهم من البشر في صمت في مواخير الدعارة وتجارة الجنس من آلاف ومئات الآلاف من النساء والقاصرات وفي مواقع الأعمال الشاقة من مئات الآلاف بل والملايين من الأطفال وحرمانهم من طفولتهم، وحتى معامل سلخ واستئصال الأعضاء الآدمية وبيعها تحت وطأة السرقة والعنف أو الفقر وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فكل هؤلاء في أنحاء العالم المتقدم – كما يدعي لنفسه –قبل المتخلف يموتون يومياً أو تموت إنسانيتهم كل يوم على الأصح وفي صمت وتحت أقل الأصوات صراخاً واستغاثة أو سماعاً واستجابة لصراخهم واستغاثاتهم الصامتة ، الأفصح من كل كلام على من قبل عالم اليوم المتباهي زيفاً بالديمقراطية وحقوق الإنسان التي تغض عين عدالتها العمياء وأذنها الصماء عن سماع و رؤية حجر الطفل الفلسطيني باعتبارها "إرهاباً" وطائرات الأباتشي الأمريكية ودبابات ماكيفر الإسرائيلية باعتبارها حمائم سلام في الجو ورسل محبة على الأرض، إنه عالم اليوم الذي يحتكر فيه 2,5% من سكانه 85% من ثرواته ومعارفه وموارده وتجارته وصناعته مقابل 97,5% منهم هم مجرد أدوات عمل وسلع للاستهلاك والبيع والشراء، وعالم كهذا هو عالم مقضي عليه بالفشل إن لم يكن الخراب ما لم يسلم الجميع بأن هذا العالم بكل إنجازاته العلمية العظيمة وخبراته غير المحدودة والتي يشترك الجميع في صنعها يجب أن يشترك في إدارته ومنافعه على قدم المساواة كما هم مشتركون في صنعه في الماضي والحاضر لا أن تستمر قلة 2.5% من الناس في تحويل الـ  97.5% من البشر في العالم إلى مجرد أدوات للاستعمال والاتجار المباشر وغير المباشر بحياتهم ومعيشتهم.

ثالثاً: مظاهر عبودية وتجارة البشر على الصعيد اليمني والإقليمي:
1-   على الصعيد المحلي وعلاقته بما هو إقليمي.
والسؤال الذي لا مفر منه في هذا الصدد هو هل نحن في اليمن خاصة والمحيط الإقليمي العربي والإفريقي عامة نعاني من مشكلة تجارة البشر؟؟ وإذا كان الرد البديهي هو نعم لا باعتبارنا جزء لا يتجزأ من المحيط الإقليمي والدولي وتاريخه فحسب بل ولأن منطقتنا هي من أكثر مناطق العالم عرضة لمثل هذه المشاكل المتعلقة بتجارة وعبودية البشر المنظورة وغير المنظورة بحكم واقع التخلف الاقتصادي والاجتماعي العام ومساحة الحرية والديمقراطية الضيقة، وإذا كانت بقايا العبودية القديمة في اليمن ماتزال ماثلة للعيان فإن مظاهر وواقع العبودية غير المنظورة في الوقت الراهن وتجارة البشر المباشرة وغير المباشرة الآخذة في التفشي والازدياد هي الأخطر والأولى بالاهتمام والمواجهة بدءاً من تهريب الأطفال إلى دول الجوار ، مروراً بالزواج السياحي القادم من دول الجوار، وصولاً إلى عمالة الأطفال الشاقة وحتى تجارة بتر وبيع الأعضاء البشرية عن طريق السرقة أو الإكراه والاستغلال تحت طائلة الفقر والحاجة.
ناهيك عن شتى المظاهر الأخرى لمصادرة حرية وكرامة الإنسان لأخيه الإنسان في اليمن واستغلاله إلى ما لا يبتعد كثيراً عن المعنى الجوهري لتجارة البشر، كغلاء المهور وسفها للمبالغة في تكاليف الأعراس التي حولت الإنسان في "شكل المرأة" إلى مجرد سلعة للبيع والشراء وزواج الصغيرات وشتى مظاهر العنف في حياة المجتمع بشكل عام والمرأة على وجه الخصوص، إلى جانب السجون والمعتقلات الخاصة، والجنود غير المجندة لممارسة أنواع مظاهر العنف والسطو على الحقوق العامة والخاصة بغير حق، أو الدفع بهم للانتقام من الغير نيابةً عن شخصيات متنفذة بل والموت من أجلها مقابل أبخص الأثمان أو بلاء ثمن على الأصح، في الثارات القبلية والحروب العصبية والعائلية بثوب سياسي من طراز أحداث2011م، إلى جانب تجارة البيع والشراء للحقوق والوظائف العامة والتي حولت مبدأ الكفاءة وتكافؤ الفرص في الحصول على شغل الوظيفة العامة إلى مجرد مزاد لمن يدفع أكثر أو وساطة وخلفية مكانة أو قوة ، ما يعني في التحليل الأخير الاتجار بحقوق البشر وحياتهم المعيشية والإنسانية.
2-   على الصعيد الإقليمي وعلاقته بما هو محلي.
أما على صعيد الجوار الإقليمي العربي والأفريقي لليمن فإن مظاهر تجارة البشر لم تكن بأقل سوءاً مما هو محلي أو عالمي، حيث لم يكن نظام "البدون" ونظام "الكفيل" في دول الجوار العربي هو التجسيد الأبرز لما يشبه أو يقترب من عبودية وتجارة البشر فحسب والتي يعاني منها اليمنيون في دول الجوار العربي أكثر من غيرهم من العمالة الوافدة العربية وغير العربية، بل إن مشاكل تجارة البشر أو ما يشابهها على الأقل تمتد إلى ما هو أكثر من مجرد نظام "البدون" و"الكفيل" إلى افتقاد الكثير من العمالة الوافدة من اليمنيين وغير اليمنيين لأبسط حقوقهم الاجتماعية والإنسانية ، كحق امتلاك ناتج عملهم وأدواته، وحتى ما يوازي مساحات قبورهم عند الموت، ناهيك عن حقوقهم المدنية في حرية التعبير والتنظيم المهني والنقابي المنصوص عليه في كل وثائق حقوق الإنسان وفي جوهر الشرع الإسلامي نفسه، بل إن الأمر لا يتوقف عند مصادرة وانتقاص الحقوق المدنية والإنسانية للعمالة الوافدة اليمنية وغير اليمنية في المحيط الإقليمي بل إن ذلك يمتد إلى حقوق المواطن الأصلي وليس الوافد فقط، والذي يحرم من كثير من الحقوق السياسية والمدنية بدءاً بحقوق التنظيم والتعبير السياسي والمجتمعي وصولاً إلى حقوق المرأة كإنسان في هذا المحيط، لا فيما يتعلق بالحقوق السياسية فحسب بل وحتى في قيادة السيارة والحديث إلى الغير. وهو الأمر الذي يفسر – في تقديرنا على الأقل – كل واقع التخلف في هذه المنطقة رغم الثراء الفاحش، وواقع الهزيمة رغم مليارات الأسلحة، وواقع التقزم السياسي والاجتماعي المحلي والدولي رغم الامتداد الجغرافي والبشري الكبير لهذه المنطقة وللأمة العربية بأكملها، بل وواقع تناقص الأرض من أطرافها بدءاً بأندلس طارق بن زياد والمعتمد بن عباد، مروراً بأولى القبلتين وثاني الحرمين، وانتهاء بجنوب السوداني وحتى جزر أبو موسى، لا من قلة أو عسرة بل من غياب أو تغييب إنسانية الإنسان ليصبح الكل كغثاء السيل أو مجرد سلعة للبيع والشراء في سوق النخاسة الجديد وإن بأشكال ومسميات جديدة ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
رابعاً: الأبعاد الاجتماعية والدينية العامة لتجارة البشر:
إذا كان من السهل علينا أن نسترجع ذاكرة التاريخ على عجل لكل التبعات الاجتماعية والدينية العامة على المستوى العالمي المنظور لمشكلات ومآسي تجارة البشر بدءاً بعبودية روما وصكوك غفران الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى ومحاكم التفتيش والإبادة والترحيل القهري لآخر الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، مروراً بإبادة الهنود الحمر وحتى الحروب النازية والعنصرية، كما سبق وأن شرنا،فإن التبعات الاجتماعية اللاإنسانية لكل ذلك هي الأجدر بالاهتمام والتذكر بل والدراسة والتفحيص،لا لذات الاهتمام والتذكير والتمحيص بحد ذاته بل وللعظة والدروس المستفادة في التعامل مع امتداداتها الراهنة بصورة مباشرة وغير مباشرة.
فإذا كانت العبودية الرومانية القديمة قد خلفت أسوأ نقطة أو مرحلة تاريخية مظلمة في التاريخ البشري المنظور فإن العبودية التجارية الرأسمالية والإمبريالية الجديدة لملايين الأفريقيين وبيعهم في أسواق عمالة المناجم والمزارع الأمريكية قد خلف من المشاكل الاجتماعية والإنسانية ما لم يستطع الغرب الأوروبي والأمريكي الأنجلوسكسوني تجاوز تبعاته وآثاره العميقة حتى اليوم، من أشكال التفرقة والتمييز العنصري وثقافة العنف والكراهية المتجذرة في أعماق المجتمع الأمريكي والأوروبي نفسه تجاه بعضه وتجاه الآخر، وكذلك هي الحال فيما يتعلق بنظام الفصيل العنصري في جنوب أفريقيا والحركة الصهيونية العالمية وممارساتها في فلسطين حتى اليوم وبكل ما قد ترتب على ذلك من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان وإنكار عليه حقوقه وإنسانيته ووطنه.
كما أن ما يجري اليوم على النطاق الإقليمي والدولي من تجارة الأعضاء البشرية وتجارة الجنس واستغلاله في الإعلان التجاري الكاذب بل الممعن في إفساد العقل وتغييب الحقيقة بين الصغار والكبار، وإبرام الصفقات التجارية المشبوهة والترويج للخرافة والشعوذة عبر الفضائيات ما هو إلا ضرب من ضروب التجارة الدولية المنظورة وغير المنظورة بالبشر والتي يترتب عليها ما نشاهده اليوم من ردود الأفعال الإقليمية والدولية من ممارسات العنف والإرهاب وتفشي ثقافة الحقد والكراهية والتطرف بين البشر على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وحتى الجريمة على المستوى الفردي والجماعي، مقابل تراجع الكثير من قيم التعايش والتسامح الديني والأخلاقي والتعاون والشراكة المجتمعية والإنسانية المعززة لخير وتقدم المشترك الإنسان في قرية عالم اليوم شديدة التعقيد والترابط فيما بين أهلها ومساحتها، والتأثير غير المحدود بين كليات وجزئيات كل منها، إن خير فخير أو شر فشر، وما أحرى كل إنسان أن يقف اليوم وينتصر لإنسانيته لا فيما يتعلق بتجارة البشر فحسب بل وكل قضايا الحرية والعدالة والمساواة بين البشر بلا استثناء.
خامساً: الأبعاد الاجتماعية والدينية الخاصة بتجارة البشر على مستوى الداخل اليمني:
ما من شك بأن ظاهرة مشكلة تجارة البشر هي من الأهمية العامة والعالمية كما سبق وأن أوضحنا بقدر ما هي أكثر أهمية وجدارة بالتناول على المستوى المحلي اليمني والإقليمي العربي الأفريقي من حيث تبعاتها وأبعادها الاجتماعية والدينية الخطيرة كما سبق وأن تناولنا مظاهرها وأشكالها المختلفة فإن تبعاتها الاجتماعية والدينية على مستوى الداخل اليمني تتمثل في الاتي:-
1.   مخاطر استمرار بقايا الاسترقاق ووجوب التخلص منه:
استمرار وتجسد المظاهر الاجتماعية فيما لا يزال ملحوظاً من بقايا العبودية المباشرة في أكثر من منطقة من مناطق اليمن والتي كثيراً ما يتم تجاهلها أو غض الطرف عنها وهي تنخر في صميم حرية وكرامة الإنسان اليمني وسمعته وبعد أكثر من 1400 سنة من رسالة الإسلام الرافضة والماقتة لكل أشكال العبودية والاستعباد، الأمر الذي يتوجب معه العمل على وضع حد نهائي لهذه البقية الباقية من مظاهر استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، انطلاقاً من مبادئ الإسلام الحنيف والتزاماً بمبادئ إعلان حقوق الإنسان الموقع عليها من قبل اليمن.
2.   الآثار الاجتماعية والنفسية المدمرة لتهريب الأطفال ومسئولية الدولة والمجتمع في ذلك:
الآثار النفسية والاجتماعية المدمرة المترتبة على تهريب الأطفال إلى دول الجوار بطرق غير مشروعة وحملهم على القيام بمختلف الأعمال الشاقة وتحت أسوأ الظروف والمعاملة اللاإنسانية والمغيبة عن أي رقابة أو قانون أو حماية لطفولتهم وإنسانيتهم إلا ما يقوم به سماسرة وتجارة البشر من المرسلين والمستقبلين أو البياعين والمنتشرين على الأصح داخل وخارج الحدود اليمنية ، حيث يتم استغلال فقر وحاجة الكثيرين من أسر وأهل هؤلاء الأطفال وبعيداً عن موافقتهم ورغبتهم في كثير من الأحيان،وهو الأمر الذي يتوجب على الدولة أولاً والأسرة ثانياً أن يقوموا بواجبهم في حماية طفولة اليمن من الهدم والتشرد وتجارة البيع والشراء بحياتهم وطفولتهم ، والتي لا تتوقف أثارها الاجتماعية السيئة على طفولتهم فحسب بل وتمتد إلى التأثير على مستقبل حياتهم كلها.
3.   مخاطر الزواج السياحي على قيم واخلاقيات الأسرة اليمنية ومسئولية الدولة والمجتمع في الحد من ذلك.
الآثار والتبعات الاجتماعية الخطيرة والمدمرة لقيم وأخلاقيات الأسرة اليمنية بأمومتها وأبوتها الإسلامية والاجتماعية الأصيلة والتي تهدد وتدمر اليوم من خلال تفشي وتزايد ما صار يعرف بالزواج السياحي لأثريا وشواذ الجنس المنحرف، سواءً كانوا من القادمين من الخارج أو الصاعدين من الداخل وما أكثرهم، والذين يستغلون بأموالهم الملوثة فقر وحالة البسطاء في الريف والمدن ببيعهم صغار الفتيات البريئات مقابل إغراء المال الحرام تحت مظلة شرعية الزواج غير المشروع الذي لا يتعدى مجرد إشباع نزواتهم الشاذة لشهر أو شهور معدودة وترمى بعدها الضحية في ماخور سياحي أو شقة مهجورة أو على قارعة الطريق، بعد أن خدعت بمفردها أو مع أهلها بحياة زوجية شريفة، وهو الأمر الذي يتوجب معه على الدولة والأجهزة المختصة فيها أولاً وأرباب الأسر وأولياء الأمور بالدرجة الأولى ثانياً وأخيراً أن يتقوا الله في أولادهم وبناتهم وأعراضهم وكرامتهم وأن لا يلقوا بفلذات أكبادهم في مواقع الشبهة والضياع هذه بقصد أو بدون قصد مقابل نزر من المال الحرام والملوث، لأن لحم ودم وكرامة الأهل والولد والوطن لا تقدر بثمن، إلا بالنسبة لمن يكون قد باع نفسه للشيطان، وهو ما يربأ بحرمة وكرامة الإنسان اليمني أن يفعله ناهيك عن واجب ومسئولية الدولة والأجهزة المختصة في هذا الصدد.

4.   عمالة الأطفال الشاقة إضاعة وتدمير لحاضر ومستقبل اليمن:
كما أن التبعات الاجتماعية والدينية المترتبة على استمرار تفشي عمالة الأطفال الشاقة لا تتوقف عند مجرد حرمانهم من طفولتهم والتعجيل بشيخوختهم قبل الأوان بل وحرمانهم من حق الانتماء إلى هوية ومواطنة العصر بحرمانهم من التعليم أو الانقطاع عنه في المراحل الأولى لأن التعليم اليوم لم يعد امتيازاً اجتماعياً بقدر ما أنه قد صار ضرورة موضوعية وشرط مسبق لحق الانتماء إلى مجتمع العصر الذي لم يعد فيه مكان لأمية الكمبيوتر وتقنية المعلومات فما بالنا بالأمية الأبجدية التي ما يزال يعاني منها أكثر من 60% من السكان وحوالي 40% من الأطفال الذين لا يجدون طريقهم قط إلى المدرسة ناهيك عمن يغادرها في السنوات الأولى من المرحلة الأساسي.
إنه التحدي الصعب لصنع إنسان الحاضر والمستقبل برأسمال المعرفة بدلاً من تدميره بالعمالة الشاقة قبل الأوان الأمر الذي يتوجب على الدولة والمجتمع تحمل مسئوليتهم في بناء الإنسان بدلاً من تدميره.
5.   تجارة لأعضاء البشرية غير المشروعة جريمة دينية وانسانية يجب محاربتها :
أما تبعات ومخاطر آخر مستجدات تجارة البشر في اليمن وغير اليمن المتعلقة بتجارة الأعضاء البشرية فإن هذه المشكلة الجديدة بالرغم من أنها ليست خطأ أو شراً بحد ذاتها لأنها تتعلق "نعم" بحرمان إنسان من أحد أعضائه من أجل حياة إنسان آخر وهو ما يمكن القبول به وتقديره إنسانياً إلا أن الجرم وتجارة البشر في هذه القضية يتمثل في سرقة الأعضاء، دون علم صاحبها أو استغلال حاجته وفقره باقتطاعها منه بثمن بخس وبمعزل عن أي قانون أو نظام اجتماعي، وهي القاعدة العامة التي ماتزال تحكم هذا الجرم المتعلق بتجارة الأعضاء البشرية بكل ما يترتب عليها من انتهاك حقوق الإنسان الجسدية، إما بالسرقة المباشرة أو الاستغلال غير المشروع وبكل ما يترتب على ذلك من تدمير نفسية المسروق وأهله أو المكره تحت وطأة الحاجة والخديعة، وهو الأمر الذي يتوجب معه على الدولة إيجاد قانون صارم ينظم هذه الظاهرة "المشكلة" بما يضمن الحماية من السرقة وعدم الاستغلال تحت أي ذريعة وتعزيز القيم الإنسانية والاخلاقية المتعلقة بالتضحية من أجل الآخر.
6.   الجنود المجندة وغير المجند للعنف والثأر تجارة جاهلية بالبشر يجب التخلص منها:
أما الشكل الذي قد تتميز به اليمن من أشكال ومظاهر تجارة البشر أكثر من غيرنا ومخاطر تبعاته والمتعلق "بالأتباع والمرافقين" وعصبيات العنف السياسي والعسكري من الجنود غير المجندة للكثير من المتنفذين على الحقوق العامة والخاصة،والذين يدفعون بالكثير من الأبرياء المتمنطقين بالسلاح من حولهم في الطرقات والأسواق وعلى الأبواب وبأشكال مقيتة تثير الاشمئزاز،لا لمجرد فرض سطوتهم المستهجنة على الغير وفرض الباطل على الحق فحسب ، بل والدفع بهم في كثير من الحالات إلى الانتقام من الغير نيابة عنهم أو الموت دونهم لأتفه الأسباب، تحت وطأة أوهام رجولة العصبية الجاهلية بالثأر، أو الطائفية والعقائدية الظلامية، بوهم "الاستشهاد" في سبيل الله والذي هو سبيل الشيطان لا سبيل الرحمن.والكل هم عبارة عن "تجارة ضحايا" من البشر الأبرياء الذين يستلم ثمنهم تجار البشر الأثرياء من وراء الستار وبصورة مباشرة وغير مباشرة .

7.   انتقاص حقوق المرأة والفئات الهامشية هو انتقاص لأحكام الدين وحقوق الانسان :
وآخر ما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد هي التبعات الاجتماعية والدينية المتعلقة بانتقاص حقوق المرأة والفئات المهمشة، ذلك أنه وبالرغم من كل الجهود الرسمية والأهلية المتعلقة بتغيير وتحسين أوضاع وحقوق المرأة والفئات المهمشة على الصعيد الرسمي والتشريعي، إلا أن الأمور ماتزال دون الحدود المقبولة على صعيد التطبيق العملي والممارسة الاجتماعية، بدءً بالسفه والمبالغة الغير مقبولة لاعقلاً ولاديناً ولاإنسانية بالنسبة للمهور وحفلات الزواج التي حولت المرأة إلى مجرد سلعة في المزاد العلني المباشر وغير المباشر ومظاهر الإسراف ونفقات القاعات والحفلات التي تجعل من إمكانية تكوين الأسرة بالنسبة للفقراء متوسطي الحال من الشباب أمراً شبه مستحيل كما أن ماتتلقاه الفئات المهمشة الأخرى من الأخدام والحلاقين والجزارين والأخضور والفنانين وغيرهم من حالة العزل والتهميش الاجتماعي المشين الذي يرقى إلى مستوى التفرقة العنصرية والسلالية ويجعل من هذه الفئات التي تقدم أجل الخدمات في المجتمع مجرد بشر لايستحقون أي احترام وليس لهم قيمة اجتماعية وهو الأمر الذي يتوجب به على المجتمع بشكل عام والفئات المهمشة نفسها والمرأة بشكل خاص أن يناضلوا ويدافعوا عن حقوقهم التي يكفلها الدين والدستور والقانون ، وأن لا ينتظروا من يمن عليهم بمثل هذه الحقوق من غيرهم، أو من يردها ممن يقوم بمصادرتها على حسابهم، لأنه لا يمكن أن ينصر على حق من لا ينتصر لنفسه أولاً ولايقبل أياً منهم بأن يظل مجرد سلعة للبيع والشراء أو مكان للسخرية والازدراء.

سادساً:الأبعاد الاجتماعية والدينية لمشكلة تجارة البشر على مستوى الجوار العربي
1.   الأقربون أولى بالمعروف.
إذا كانت حقيقة الماضي والحاضر تؤكد أن محيطنا العربي القريب والبعيد هو نحن ونحن هو بحق، فمن باب أولى أن نؤكد الوجه الآخر لهذه الحقيقة، والقائلة عن حق بأن خير اليمن هو خير ضمان لخير من حوله حاضراً ومستقبلاً، لا لمجرد أن اليمنيين هم الضمان الوحيد لحماية الهوية العربية والقومية المهددة في مجتمعات الجوار العربي في الجزيرة والخليج وفي غفلة من أهلها فحسب بل ولأنهم أصلاً هم بناة ازدهارها الاقتصادي والاجتماعي ماضياً وحاضراً ومستقبلاً رغم التجاهل المقصود أو غير المقصود لهذه الحقيقة التاريخية والاجتماعية وما يلقاه اليمنيون الجدد من أهلهم القدامى الجدد في المكان والزمان من عناء ومشقة التهميش والتمييز الاجتماعي الذي يصل إلى حد البيع والشراء بحياتهم ومعيشتهم اليومية، والذي قد يتجاوز ما يلقاه غيرهم من غير ذوي القربى المهددين الفعليين عن يقين للهوية العربية في المنطقة قرب الوقت أم بعد ما لم نتنبه جميعاً لمثل خطر كهذا ،وحتى لا نندم حيث لا ينفع الندم، وبالاستناد إلى أواصر قربى الدم والدين والوطن والتاريخ، والأولى بنا أن نتذكر بأن الأقربون أولى بالمعروف بدلاً من ظلمهم وتهميشهم وممارسة التمييز ضدهم والبيع والشراء بحياتهم ومعيشتهم، بدءاً من نظام "الكفيل" وانتهاء بهوية "البدون".
2.   ماذا لو حدث ما صار من الممكن حدوثه؟
كثيراً ما نصم آذاننا اليوم في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات المنظمات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان في اتجاه ضمان الحقوق المتساوية للعاملين خارج أوطانهم مع غيرهم من أبناء الوطن المضيف والتي ترقى إلى حد المواطنة المتساوية، وذلك ما تشير إليه الاتفاقية الدولية رقم (158/45) لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم وبدء سريان مفعولها في واحد يوليو 2003م والتي لم تعرها دول الجوار العربي الشقيق المستقبلة لملايين العاملين من الخارج من قليل اليمنيين والعرب وكثرة غيرهم من غير العرب أي اهتمام حتى الآن، فماذا لو وجدنا أنفسنا يوماً أمام مطالب محلية وسلطات حقوق دولية معترف بها بحقوق هؤلاء في المساواة وحقوق المواطنة؟؟ فمن هو الأولى بمثل هذا الحق ومنذ الآن وقبل أن يقع الفأس في الرأس؟؟ هل قلة الأهل من اليمنيين والعرب ليصبحوا الأكثر أم الكثرة الحالية من غير اليمنيين وغير العرب والذين أصبحت هوية العروبة معهم عملياً في "خبر كان" بدءاً من زحام السوق ووجوهه ولغته الطاغية في كل مكان وانتهاء بغرف نوم الأطفال ولغة كلامهم وألعابهم وتصرفاتهم وشخصياتهم ناهيك عن أصولهم.
فهل لنا أن نفكر ونفعل شيئاً قبل أن نندم حيث لا ينفع الندم، وأن نعامل بعضنا بقربى الدم والدين واللغة والتاريخ والمصير ولو ببعض ما يعاملنا به الآخرون، هناك حيث يجد اليمني والعربي وغير العربي عند غير أهله ووطنه ممن لا تربطه بهم هوية أو دين أو وطن أو تاريخ كامل المساواة وكامل حقوق المواطنة والأخوة الإنسانية في معظم مجتمعات الأرض وأكثرها غنى وتقدم، شأنهم شأن غيرهم من بني البشر من أي مكان وفي أي مكان، حيث تحترم حقوق الإنسان وإنسانية الإنسان إلا مجتمع جوار أهله في الدم والدين والتاريخ والجغرافيا حيث قد يقضي اليمني أو العربي عمره كله في الكد والعمل بل وأولاده وأحفاده من بعده دون أن يحصل حتى على حق امتلاك موقع ومساحة قبره.
وظلم ذوي القربى أشد مرارة                على النفس من وقع الحسام المهند
أفما آن لنا أن ندرك خطأ ما نفعل بحق أنفسنا وأهلنا وما قد نجم عنه من خطر ما حولنا على هويتنا وأن ندرك جميعاً بأن خيرنا هو خيركم وأن شرنا أو ظلمنا هو شركم وظلمكم لأنفسكم قبلنا، وليس العكس كما قد يتوهم البعض أو يردده من وصايا التخلف المغلوطة أو المفترى بها على الأموات من قبل بعض الأحياء.
3.   بيع وشراء النفوس الضعيفة وبال علينا وعليكم.
ذلك عن محنة أهلنا الطيبين معكم من بناة الحياة بالكد والعرق، أما عن النفوس الضعيفة من زبائنكم عندنا من أهلنا وأهلكم فإن مئات الملايين بل المبارات التي يمول بها بيع وشراء ضعاف النفوس وسحت الفساد والفاسدين والخراب والمخربين والمحسوبين علينا لخيركم وهم شر علينا وعليكم قبلنا فأولى بها أن تتجه إلى خير الإعمار والبناء للسواد الأعظم من الناس ولخيرهم لا لشرهم بواسطة أشرارهم، أو لتقف حيث هي وتكفينا وإياكم شرها على الأقل، لأنها عن يقين خسارة بل وشر عليكم أكثر مما هي فساد وشر علينا ولا خير فيها ولا في من يسحقها منكم لا لنا ولا لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون". صدق الله العظيم.

التوصيات الخاصة والعامة:
أولاً: التوصيات الخاصة على الصعيد المحلي:
1-   أهمية قيام الأجهزة القضائية والرقابية والضبطية برقابة ومتابعة بقايا الاسترقاق والعبودية في بعض المناطق وإصدار تشريع بتجريمها ومعاقبة كل من يمارسها.
2-   وجوب قيام أجهزة الدولة المحلية والمركزية وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني بوضع حد لتهريب الأطفال إلى دول الجوار كعمالة رخيصة ومشبوهة بطرق غير مشروعة وتجريم هذا الفعل وبالتنسيق والتعاون مع الأجهزة المختصة في دول الجوار المستقبلة للأطفال.
3-   تفعيل مسئولية الأجهزة القضائية والشرعية والأمنية في رقابة وضبط وتجريم ماصار يعرف "بالزواج السياحي" أو غيره من أشكال العلاقات غير المشروعة وغير الإنسانية تحت مظلة الزواج بغرض المتعة والتجارة بالبشر سواء بالنسبة للمتزوج أو الزوجة بحسن نية أو بدونها ومع الضوابط القانونية والشرعية الكفيلة باستئصال هذه الظاهرة من مجتمعنا والتي قد تبدو في ظاهرها الرحمة وفي باطنها سوء العذاب.
4-   تفعيل دور ومسئولية الجهات المختصة بالرقابة والإشراف على تطبيق قوانين العمل ومسئوليتها الكاملة في وضعوا حد لعمالة الأطفال الشاقة داخل وخارج الأسرة والمفضية إلى حرمانهم من التعليم وحقوق الطفولة بكل مايترتب على ذلك من تدمير لحاضرهم ومستقبلهم الذي هو حاضر ومستقبل الوطن والمجتمع بأسره.
5-   العمل السريع والعاجل من قبل الأجهزة التشريعية والطبية على وضع الظاهرة المتفاقمة لتجارة الأعضاء البشرية غير المشروعة بدافع السرقة أو الاستغلال للحاجة تحت طائلة القانون من خلال إصدار تشريع عاجل يجرم هذه التجارة غير المشروعة وينظم الجوانب الإنسانية المرتبطة بها والمتصلة بإمكانية إنقاذ إنسان دون إلحاق الضرر بغيره وانتهاك حقوقه.
6-   وجوب أن تتصدى الدولة والمجتمع بكامل مكوناته لكل أشكال العنف والمظاهر المسلحة ويمكن وضح حد حد للجنود غير المجندة ممن يتم حشدهم حول الشخصيات النافذة أو المتنفذة في المجتمع والدفع بهم تحت وطأة العصبية الجاهلية والحاجة الماسة للقيام بأعمال الثأر نيابة عن متنفذيهم أو السطو على حقوق الغير العامة والخاصة من أجلهم وتذهب أرواحهم وأرواح ضحاياهم وحقوقهم بلا ثمن أو بثمن بخس من أجل متنفذيهم، عوضاً عن إقلاق الأمن والسلم الاجتماعي المهدد اليوم بتجارة العنف هذه أكثر من أي وقت مضى.
7-   أهمية العمل على استكمال الحقوق الخاصة بالمرأة التي ماتزال منتقصة من الناحية التشريعية والأكثر انتقاصاً منها من الناحية الاجتماعية التطبيقية للقانون ومبدأ المساواة التامة بما يضمن إدماج هذه الفئات في البنية المجتمعية بصورة تامة عملاً بتعاليم الإسلام ومبادئ حقوق الإنسان.


ثانياً: التوصيات العامة على مستوى الجوار العربي والدولي:
1-   أهمية أن تعمل كل الأطراف الدولية الرسمية وغير الرسمية في هذا المؤتمر على حث دول الجوار العربي والإقليمي على احترام حقوق العمالة اليمنية والعربية فيها بما يتناسب وحقوق الأخوة العربية والإسلامية والقومية المشتركة فيما يتعلق بحقوق التنظيم والتعبير وملكية ناتج العمل من جهة ووضع هذه الأنظمة "الكفيل" والبدون" على وجه الخصوص وبما يتوافق والاتفاقية الدولية رقم 158/45) لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم والتي بدأ سريانها من عام 2003م.
2-   يوصي المشاركون في هذا المؤتمر المتعلق بمشكلة تجارة البشر بأهمية وجوب احترام كل القوانين المحلية والمواثيق الدولية المتعلقة بهذا الشأن وعدم الخروج عليها أو مخالفتها، كما يؤكد المشاركون أهمية الاستجابة الدولية الفردية والجماعية للمطالبة بالاعتذار العلني والواضح لكل من تعرض لجرائم ومظالم تجارة البشر في التاريخ الإنساني القريب والبعيد ومايتعلق من ذلك بما لحق بشعوب وأمم الهنود الحمر في أمريكا وأستراليا والاسترقاق الجماعي لملايين الأفريقيين ونقلهم إلى أمريكا للتجارة تحت أقسى وأبشع ظروف القهر والظلم في التاريخ وتقديم التعويض المادي والمعنوي عن كل ذلك من قبل المتسببين في كل ذلك مع استمرار إدانة وتجريم كل أشكال العنف والتمييز العنصري.
3-   العمل الوطني والإقليمي والدولي الجاد على وضع حد لكل بقايا وأنظمة العنصرية والتمييز ومحاربة كل أشكال القهر والظلم وانتقاص الحقوق الإنسانية بل والقتل الفردي والجماعي في الحاضر على أساس الفروق القومية والدينية والمذهبية والطائفية والعرقية بدءً بالحركات النازية والفاشية القديمة والصهيونية العنصرية الحديثة والعنف الطائفي المتفشي في أكثر من مكان في العالم لاتقل خطورة عن تجارة البشر المتجاوزة في إلحاق الأذى والضرر بالإنسان وحرمان من حق الحياة.

إعداد أ.د/ حمود العـودي
أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء
29/11/2012م