بعض حقوق العامل في القانون اليمني



القانون أعتبر أن العامل أثناء مرضة أو تمتعه بإحدى إجازته القانونية من الحقوق التي لا يجوز المساس بها ولذلك فإن قيام رب العمل بإنهاء العقد مع العامل أثناء مرضه أو تمتعه بإحدى إجازاته القانونية يعتبر تعسفاً وبالتالي عدم قانونية ذلك الإنهاء حيث نصت المادة (37) من القانون رقم (5) لسنة 1995م المعدل بالقانون رقم (15) لسنة 2008م بشأن العمل بما لفظه:
(لا يجوز لصاحب العمل أن ينهي العقد في الحالات التالية:
1-   أثناء تمتع العامل بأي اجازة ينص عليها هذا القانون أو اللوائح المنفذة له2.
2-   ........).
ما قام به رب العمل من انهاء العقد أو فترة خدمة طالبي الدراسة يعد فصلاً تعسفياً كونه تم فصلهما أثناء تمتعهما بإجازتهما قد رتب المشرع اليمني جزاءً على ذلك الانهاء وهو التعويض بعد أن يثبتا أن الفصل تعسفاً من منطلق القاعدة القانونية (البينة على المدعي) وبعد إثبات العاملان لهذا الإدعاء فإنهما يستحقا الحقوق التالية والتي سوف نبينها في المحور التالي:
المحور الثاني
* الحقوق التي يستحقها العامل نتيجة الفصل التعسفي:
أ‌-   أستحقاق العامل بدل الفصل التعسفي :
أن التعسف في انهاء العقد غير محدد المدة لا يرد المتعاقدين إلى حالتهما قبل الانهاء وإنما يرتب آثاراً للتعويض فقط بمعنى  يؤدي إلى إنهاء العلاقة التعاقدين بين العامل ورب العمل وهذا واضح من خلال نص المادة (803) مدني ونص المادة (39) من قانون العمل حيث نصت المادة (803) مدني بقولها:
(إذا أنطوى الفسخ على تعسف أصاب الطرف الآخر بضرر لزم من فسخ العقد فسخاً تعسفياً تعويض الطرف الآخرفوق أجر المهلة أو ما بقي منها بمقدار ما أصابه من ضرر).
وهذه المادة تتناول كل الأطراف سواء كان رب العمل هو الذي فسخ العقد أو العامل لكن المادة (39) من قانون العمل افترضت أن الفسخ غالباً ما يكون من الطرف القوي وهو رب العمل فنصت على :
(يستحق العامل تعويضا خاصا عما لحقه من ضرر بسبب انهاء العقد من جانب صاحب العمل بصورة تعسفية او اذا تم انهاء العقد وفقا لاحكام الفقرة  (ثانيا)  من المادة  (35)  وذلك بالاضافة الى ما يستحقه من اجر مقرر عن فترة الاشعار وسائر المستحقات الاخرى المنصوص عليها في هذا القانون وتشريعات العمل المنفذة له وفي جميع الاحوال يحدد التعويض من قبل لجنة التحكيم المختصة وبما لا يتعدى اجر العامل لمدة ستة اشهر ).
فالنص اشار إلى أن اللجنة التحكيمية هي التي تحدد التعويض بحيث لا يتجاوز أجر العامل لمدة ستة أشهر وهو دليل على أن الانهاء التعسفي لا يصدر إلا من رب العمل.
 ب- استحقاق العامل لبدل الإشعار:
أوجب المشرع على الطرف الراغب في انهاء عقد العمل أن يخطر الطرف الآخر وهو بذلك يعتبر تصرفاً قانونياً من جانب واحد يستلزم لصحته توافر الشروط اللازمة لصحة التصرفات من حيث الأهلية وخلو الإرادة من العيوب الأخرى ولا ينتج أثره بإعتباره الاعلاناً عن إرادة من أراد انهاء العقد إلا إذا وصل إلى علم من وجة إليه ويعتبر وصول أو أخطار قرينة على العلم به ما لم يثبت العكس.
وفي حالة عدم التزام الطرف الذي يريد انهاء عقد العمل بالقواعد الخاصة بالإخطار فالعقد ينتهي لا محال ولكن يلتزم من انهاء العقد بتعويض الطرف الآخر عن مدة الإخطار حيث نصت المادة (38) عمل ما لفظه:
(1-           اذا انهى العقد من قبل احد الطرفين المتعاقدين وفقا للمادة  (36)  فعلى الطرف الذي سينهي العقد من جانبه ان يشعر الطرف الآخر قبل انهاء العقد بمدة مساوية للمدد المقررة لدفع الاجر او دفع اجر تلك الفترة كاملا بدلا من الاشعار ....).
وباعتبار شركة شلمبرجر-رب العمل- لم تقم باخطار طالبي الدراسة  فإنها يستحقا شهر بدل اشعاركما كما قررته لهما المادة (38) عمل وكذا المادة (83) من القانون المدني.
* الحقوق الأخرى التي يستحقهي العامل :
1- استحقاقهما لبدل طبيعة عمل أو بدل مخاطر :
مثل هذه البدلات تعطى للعامل نظير ما يقوم به من جهد في العمل أو في الأعمال الشاقة وكبدل مخاطر عندما يقوم بأعمال ذات طبيعة خطرة كالعمال في المواد الكيميائية أو الأعمال الخطرة في المجالات النفطية وغيرها وهذا البدل عندما يتقرر يصبح جزءاً من الأجر له كل الأحكام المتعلقة بالأجر سواء كان تقريره من رب العمل أو نص عليه القانون أو نص عليه عقد العمل أو نضمنته لائحة المنشأة وكذلك إذا جرى العرف على منحه للعامل بصورة ثابتة ومستمرة.
وفي كل الأحوال فإن البدل يظل مرهوناً بالظروف التي تم اعتماده بموجبها وجوداً وعدماً ويبقى كذلك حتى ولو انتقلت المنشأة من ملكية صاحب عمل إلى آخر غيره فلن يؤثر ذلك الانتقال على ما تقرر من البدلات إذا كانت لا زالت سارية المفعول اثناء نقل ملكية المنشأة.
شرح أحكام قانون العمل/ د.محمد علي الشرفي- ط 2008- صـ119- 200.
2- استحقاق العامل  تعويض عن إصابة العمل:
تنص المادة الثانية من قانون الـتأمينات الإجتماعية اليمني رقم (26) لسنة 1991م على أن المقصود بإصابة العمل ما يلي:
(....الاصابة باحدى الامراض المهنية المبينة بالجدول الملحق بقانون العمل او الاصابة نتيجة حادث بسبب العمل او اثناء تاديته ويكون بحكم ذلك كل حادث وقع للمؤمن عليه خلال فترة ذهابه بمباشرة العمل او الى اي مكان حدده له صاحب العمل او عودته منه ايا كانت وسيلة المواصلات غير الممنوعة بشرط ان يسلك الطريق الطبيعي دون توقف او تخلف او انحراف مالم يكن ذلك بغير ارادته...).
وأستقر الفقه وأحكام القضاء على أن حادث العمل بأنه الحادث المباغت والعنيف الذي يصيب الجسم ويكون ناتجاً عن فعل خارجي.
وحادث العمل يعتبر من قبيل اصابة العمل التي يغطيها التأمين كل حادث يقع أثناء تأدية العمل أو بسببه.
دراسة في المخاطر التي يغطيها تأمين اصابات العمل في القانون اليمني /د.عبدالله الخياري.- ط1997- صـ88-89.

وبالتالي استخلص الفقه اربعة عناصر لاعتبار الفعل حادث عمل من قبيل اصابة العمل التي يعطيها التأمين وهي:
v   أن يكون هذا الفعل مباغتاً اي مفاجئاً.
فلا بد أن يكون الفعل حتى ينطبق عليه وصف حادث عمل مباغتاً أي يقع فجأة وينتهي سريعاً كالسقوط أو الاصطدام أو الانفجار.
ويعني ذلك أنه إذا استغرق وقوع الفعل وقتا قصيراً كأن فصل بين بدايته ونهايته وقت فإنه لا يعتبر حادث عمل فالفعل يعتبر حادث عمل متى وقع فجأة حتى ولو ظهرت آثاره الضارة بالجسم بعد فترة.
فعنصر المباغتة هو الذي يميز اصابات العمل عن المرض المهني  الذي عرفته المادة (2) من قانون التأمينات الاجتماعية بقولها :
هو (الاصابة بمرض تعرض العامل لعوامل طبيعية او كيميائية او حيوية موجودة في بيئة العمل ونتيجة لطبيعة عمله فيها ويثبت ذلك بقرار من طبيب المؤسسة ).
v   أن يكون الفعل عنيفاً:
كالسقوط والاصطدام ويرى بعض الفقهاء عدم التمسك بهذا الشرط وذلك على اساس أن حصول الحادث إذا كان يعتبر في الغالب من الأحيان بالعنف فإن هذا العنف ليس حتماً فهناك افعال تعتبر حوادث عمل مع أنها خالية من العنف.
v   مساس الفعل بجسم الإنسان:
لا يعتبر الفعل حادثاً إلا إذا أضر بجسم أدمي اي بجسم انسان أياً كان نوع الضرر ومداه ولا يهم إذا كان الضرر خطيراً أو بسيطاً مستديماً أو مؤقتاً ظاهراً أو خفي... الخ.
v   الطبيعة الخارجية للحادث:
فالحادث حتى يعتبر اصابة عمل يجب أن يقع بفعل قوة خارجية بعيدة عن جسم المصاب وليس نتيجة لإختلال داخلي يصيب هذا الجسم ذلك أنه إذا حدثت الإصابة نتيجة سبب داخلي فإنها تكون مرضاً لا اصابة عمل.
ولا يكفي لكي توصف الإصابة بأنها حادث عمل أن تصيب العامل المؤمن عليه بالأذى أو ضرر أثناء تأدية العمل أو بسببه أو بمناسبته وهذا ما يربط الحادث بممارسة العامل المصاب لنشاطه المهني ويسبغ عليه الوصف القانوني بأنه حادث عمل وبإنتفاء هذا الوصف فإن الأصابة لا تعدو أن تكون مجرد حادث عادي يخضع للقواعد العامة في المسؤلية المدنية.
مرجع سابق /د.عبدالله الخياري- صـ89-95.
فقد اعتبرت المادة الثانية من قانون التأمين الإجتماعي الإصابة حادث عمل إذا وقعت اثناء تأدية العمل أو بسببه أما قانون العمل فقد نص في المادة (121) ما لفظه:
(يتحمل صاحب العمل ما لم يكن مؤمنا المسئولية المادية طبقا لهذا القانون وقانون التامينات الاجتماعية لما يلحق العامل من امراض مهنية او اصابات اثناء تادية العمل او بسببه ).
·       الحق في العلاج والرعاية الطبية :
تتولى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية علاج المصاب ورعايته طبياً إلا أن يثبت عجزه أو يتوفى.
ويكون هذا الانفاق من خلال اموال تأمين اصابات العمل التي تتكون من الاشتراكات الشهرية التي يلتزم رب العمل بأدائها شهرياً الى المؤسسة بواقع 4% من أجور المؤمن عليهم العاملين لديه ولا يتحمل العمل اي نصيب من دفع رب العمل لاقساط تأمين اصابات العمل فإن مع المصاب اخذ نفقات العلاج من المؤسسة اما في حالة عدم دفع اقساط تأمين اصابة العمل فإن على رب العمل تحمل نفقات العلاج للمصاب انطلاقا من نص المادة (119) من قانون العمل والتي تنص على :
(أ- على صاحب العمل أن يوفر الرعاية الصحية للعاملين لديه وتشمل هذه الرعاية ما يلي:
1- .........
4- تحمل العلاج ومستلزماته للعمال مهما كان عددهم وفقا للائحة الطبية لصاحب العمل التي توافق عليها الوزارة ).
 وكذا نص المادة (29/1) من قانون التأمينات .
(1-  يستمر التزام اصحاب الاعمال باحكام اصابات العمل المنصوص عليها في قانون العمل فيما لم يرد به نص خاص في هذا القانون ).
وبالرجوع ايضا الى قانون العمل فإن المادة (121):
(يتحمل صاحب العمل ما لم يكن مؤمنا المسئولية المادية طبقا لهذا القانون وقانون التامينات الاجتماعية لما يلحق العامل من امراض مهنية او اصابات اثناء تادية العمل او بسببه ).

دراسة عن الحق في سرية الاتصالات والمراسلات الشخصية



الحق في سرية الاتصالات والمراسلات الشخصية "
" توطئة "
كفلت الشرائع السماوية والمواثيق الدولية والتشريعات المقارنة للإنسان حقوقاً يتمتع بها. ويمارسها في حرية دون أن يعوقه الغير في ممارستها. ودون إخلال بتحقيق التوازن بين حقوق الأفراد وحقوق المجتمع في حماية النظام العام وقد أكدت الشريعة الإسلامية على تلك الحقوق بما ورد في القران الكريم في قوله تعالي (( ياايها الذين امنوا اجتنبوا كثيراً من الظن أن بعض الظن إثم ولا تجسسوا )) كما ورد في السنة النبوية في قوله (ص) (( لو اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له حذفته بحصا ففقأت عينه ما كان عليك من جناح))
وكذلك أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على هذا الحق في المادة (18) منه والتي تنص على ( لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته….الخ ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل)
أولاً : ـ الحق في سرية الاتصالات في القانون اليمني
سرية الاتصالات والمراسلات حق مكفول للإفراد في القانون اليمني بنصوص دستورية وقانونية صريحة وقد أكد على ذلك دستور الجهورية في المادة (52) منه والتي نصت علي (( حرية وسرية المراسلات البريدية والهاتفية وكافة وسائل الاتصالات مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو تفشيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي يبنيها القانون وبأمر قضائي ))
كما أكد المشرع على ذلك الحق في قانون الإجراءات الجزائية في المواد ( 16،14،12) منه واعتبر المساس بهذا الحق جريمة جنائية لا تسقط بالتقادم وقد جاءت تلك المواد القانونية مؤكدة على ذلك الحق في نصوصها كالتالي : ـ
* المادة (12ـ فقرة 2) إجراءات جزائية ونصت على الأتي : ـ
" حرية وسرية المراسلات البريدية والسلكية واللاسلكية وكافة وسائل الاتصال مكفولة وفقاً للدستور. ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي بينها القانون وبأمر من النيابة أو من المحكمة المختصة.
* م/ 14 إجراءات جزائية ونصت على ( لا يجوز المساس بحرية الحياة الخاصة للمواطن في غير الأحوال المصرح بها في القانون ويعتبر مساساً بها ارتكاب احد الأفعال الاتية: ـ
1)    استراق السمع أو تسجيل أو نقل المحادثات التي تجري في مكان خاص أو عن طريق الهاتف أو عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه.
2)    الإطلاع على الخطابات آو الرسائل أو البرقيات أو مصادرتها.
·       م/ 16 إجراءات جزائية ونصت على ( … استثناء من أحكام المادة (37) لا تنقضي بمضي المدة الدعوى الجزائية الماسة بحرية المواطنين آو كرامتهم والتي تتضمن اعتداء على حرية الحياة الخاصة) لما أن قانون العقوبات قد اعتبر الاعتداء على ذلك الحق جريمة ورتب عقاب عليها المواد(255، 256) منه.
وكل تلك النصوص الدستورية والقانونية تعكس حق الفرد في الحفاظ على سرية اتصالاته ومراسلاته. لكن تلك النصوص وكما يلاحظ فيها أنها قد أشارت إلى أن هناك حالات يحددها القانون يجوز فيها مراقبة الاتصالات من قبل السلطات العامة لغرض الحفاظ على الحياة الامنه في المجتمع.
وتلك الحالات ما سنتناوله في الفقرات اللاحقة.  
 ثانياً: ـ حق السلطات العامة في الرقابة على وسائل الاتصالات.
الأصل أن لحياة المواطنين حرمة فلا يجوز الاعتداء عليها والمساس بها عن طريق ضبط المراسلات والإطلاع عليها ومراقبة المحادثات الهاتفية أو لتسجيل الأحاديث الخاصة. وهذه الحرمة كفلها الدستور والقانون كما اشرنا بل انه جعل الاعتداء على ذلك الحق جريمة لا تسقط بالتقادم.
لكنه وانطلاقاً مما قد تقتضيه المحافظة على كيان الحياة الآمنة في المجتمع وكذلك مما يهدف إليه القانون الجنائي بشقيه الموضوعي والإجرائي من ضمان مكافحة الجريمة وعقاب المجرمين فانه قد يترتب على ذلك كله المساس بهذا الحق عن طريق جواز الرقابة على الاتصالات والمراسلات من قبل السلطات العامة بالقدر الضروري اللازم للحفاظ على هدوء الحياة وأمنها. خاصة وان غاية القانون ليست قاصرة على حماية الحريات الفردية للإفراد. وإنما تمتد تلك الغاية لصيانة حقوق المجتمع في نفس الوقت لذلك جعل القانون للسلطات العامة الحق في الرقابة على الاتصالات والمراسلات وفق ضوابط معنية وذلك ما أشار إليه قانون الإجراءات الجزائية.
  في المادة (148) منه والتي تنص على (  للنيابة العامة أن تأمر بضبط جميع الخطابات والرسائل والصحف والمطبوعات .. وان تأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية …. متى كان ذلك لازماً لكشف الجريمة )). إلا أن القانون لم يترك لتلك السلطات مطلق الحرية في الرقابة.
بل وضع ضوابط صارمة لذلك وجعل حق السلطات العامة في ذلك في أطار حالات محددة. كما انه كفل بتحديد الجهة العامة التي تقوم بتلك الرقابة.  وجعل ذلك في إطار فترة زمنية محددة. وذلك كله كضمان لترشيد سلوك السلطات العامة في هذا الإطار حتى لا تفتئت على حقوق الأفراد تحت مبرر الضرورة وباسم القانون.
ثالثاً: ـ القيود الواردة على حق  السلطة العامة في مراقبة الاتصالات والمراسلات .
لما أجاز القانون للسلطات العامة خروجاً عن الأصل العام مراقبة الاتصالات والمراسلات في الحالات التي حددها. فانه وبنفس تلك النصوص التي خولت السلطات العامة ذلك الحق. قد أورد الضوابط والضمانات. التي يجب على السلطات العامة أن تلتزم بها .
واهم هذه الضوابط والضمانات هي كالتالي: ـ
أ ) تحديد السلطة المختصة بالمراقبة:
أن مباشرة الرقابة على الاتصالات والمراسلات تقتضي أولاً إصدار أمر بذلك ولخطورة مثل ذلك الأمر الذي يعد خروجاً عن الأصل العام فقد تكفل الدستور بتحديد الجهة التي تملك إصدار أمر الرقابة حيث نص الدستور في المادة(52) منه على (حرية وسرية المراسلات البريدية والهاتفية …الخ مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها……إلاَّ في الحالات التي بينها القانون وبأمر قضائي).
ويلاحظ على هذا النص الدستوري أنه وصف الأمر بالمراقبة بأن يكون قضائياً وذلك يعني القول بأن السلطة التي تملك إصدار أمر المراقبة في الحالات التي حددها القانون هي السلطة القضائية وحدها دون غيرها ممثله بالنيابة العامة أثناء التحقيق والمحاكم القضائية أثناء المحاكمة.
كما أن قانون الإجراءات الجزائية قد أتى موضحاً بدورة للسلطة المختصة بذلك والتي أشار أليها النص الدستوري السابق ضمناً حيث تكفلت المادة (12ـ2)  أ .ج بتحديد تلك الجهة صراحة بنصها الأتي ((حرية وسرية المراسلات البريدية والسلكية واللاسلكية وكافة وسائل الاتصال مكفوله وفقاً للدستور ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلاَّ في الحالات التي بينها القانون وبأمر من النيابة العامة أو المحكمة المختصة)) .
وهذه المادة قد حددت الجهات التي تملك إصدار أمر المراقبة على الاتصالات أو ضبط الرسائل تحديداً حصرياً وهي النيابة العامة والمحاكم.
لذلك فلا تملك أي جهة عامة إصدار امر بمراقبة الاتصالات والمراسلات مطلقاً حتى ولو كانت تلك الجهة هي  وزارة الداخلية أو وزارة الاتصالات لإننا أما نصوص دستورية وقانونية قد تكفلت بتحديد الجهة التي تملك ذلك.

(ب ) أن يكون أمر المراقبة بخصوص واقعة محددة
لما كان الدستور والقانون قد اشترطا في أمر المراقبة ان يكون ذا طبيعة قضائية فإنه تبعاً لذلك يجب أن يكون ذلك الأمر صادراً بخصوص واقعة معينة تحقق فيها السلطات القضائية وبتعبير أوضح فإنه لا يمكن للنيابة أو المحكمة إصدار مثل ذلك الأمر إلا أثناء التحقيق في قضية أو واقعة معينة وبغرض الكشف عن تلك الواقعة وهذا ما أكدت عليه المادة(148)أ.ج التي تنص على(للنيابة العامة  أن تأمر بضبط الرسائل والصحف والمطبوعات لدى مكاتب البرق وأن تأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية بتسجيل المحادثات التي تجرى في مكان خاص متى كان ذلك لازماً لكشف الجريمة وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الأمر مسبباً ولمدة لا تزيد على 30 يوماً) أما أن يكون الأمر بالمراقبة صادر قبل أن تنظر النيابة أو المحكمة في الواقعة المتعلق بها فإن ذلك يعد مخالفاً للقانون لأنه من المتفق عليه فقها وقانوناً أن الولاية القضائية لا تنعقد لمثل هذه الجهات إلاّ بعد طرح النزاع أو الواقعة عليها وفقاً للطرق والإجراءات القانونية وبذلك فإنه لا يجوز إصدار أمر مراقبة إلا لغرض الكشف في واقعة معينة أو التحقيق فيها وإزاء الأشخاص المرتبطين بتلك الواقعة الجنائية دون غيرهم.
وطبقاً لذلك فإن النيابة أو المحكمة لا تملك أياً منهما إصدار أمر مراقبة على اتصالات أو مراسلات أشخاص لا علاقة لهم بالواقعة التي تحقق فيها.
ج) عدم إفشاء سرية الاتصالات والمراسلات بعد ضبطها.
على الرغم من أن القانون رخص للنيابة أو المحكمة في رقابة الاتصالات والمراسلات إذا استدعت الضرورة بحق الأشخاص المرتبطين في الواقعة محل التحقيق القضائي إلا أنه ومع ذلك قد أحاط ذلك الإجراء بضمانات تحول دون إفشاء سرية تلك المراسلات وذيوعها على العامة من الجمهور حيث جعل القانون لعضو النيابة الذي يحقق في الواقعة وحده دون غيره من الإطلاع على الخطابات والرسائل المضبوطة على أن يكون ذلك بحضور المتهم أو الحائز لها أو المرسلة إليه.
لذلك فإنه لا يجوز لغير عضو النيابة أو القاضي الإطلاع على مضمون تلك الرسالات والاتصالات المضبوطة وذلك تمشياً مع غاية مثل ذلك الإجراء كدليل استثنائي في التحقيق فقط.
وعليه لا يجوز لغير عضو النيابة أو القاضي الإطلاع على مثل تلك الخطابات والاتصالات المضبوطة وهذا ما أكدته المادة(146) إجراءات جزائية حين نصت على (لعضو النيابة وحده الإطلاع على الخطابات والرسائل والبرقيات  والأوراق المضبوطة الأخرى على أن يتم ذلك بحضور المتهم أو الحائز لها أو المرسل إليه…الخ).
وإذا كان هناك من الظروف والوقائع ما تستدعى قيام أحد موظفي إدارة الهاتف بالاستماع إلى المحادثات التلفونية ومن ثم نقلها بدورة للجهات المختصة فإن القانون قد اشترط لذلك أن يصدر أمر من رئيس النيابة بتكليف أحد موظفي إدارة الهاتف بعد تحليفه اليمين القانونية بالاستماع إلى المحادثات وتسجيلها ومن ثم نقل مضمونها على أنه يجب في أمر رئيس النيابة أن يتضمن تحديداً واضحاً ودقيقاً للمكالمات المطلوب تسجيلها وقد أكد قانون الإجراءات الجزائية على ذلك في المادة(146) منه والتي تنص على(……..ويجوز بأمر من رئيس النيابة تكليف أحد رجال إدارة الهاتف بعد تحليفه اليمين القانونية بالاستماع إلى المحادثات الها تفيه وتسجيلها لنقل مضمونها ويجب أن يتضمن الأمر تحديداً واضحاً ودقيقاً للمكالمة المطلوب تسجيلها في خلال مدة 30 يوماً من تاريخ صدور الأمر).
د) تسبيب الأمر الصادر بالمراقبة :
اشتراط القانون في أمر المراقبة الصادر من النيابة أو المحكمة أن يكون مسبباً وذلك حتى يفهم منه أن صدر بناءاً على ضرورات استدعته ظروف الواقعة والتحقيق فيها ووفقاً للإجراءات المحددة بالقانون واشتراط التسبيب يعد ضمانه لمن صدر بحقه الأمر.
 وقد أكد قانون الإجراءات الجزائية الضرورية على ضرورة تسبيب الأمر بالمراقبة في المادة ( 148) المشار إليها والتي تنص على ( ……. وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الأمر مسبباً )
هـ) مدق نفاذ الأمر بالمراقبة
بعد أن تصدر النيابة أو المحكمة قرار المراقبة وفقاً للطرق والحالات المحددة فإن القانون قد وضع حداً زمنياً لاستمرار نفاذ مثل ذلك القرار وذلك حتى لا يظل شبحاً يطارد الأفراد إلى ما لا نهاية حيث قيد القانون قرار المراقبة بثلاثين يوم من تاريخ إصداره وهذا ما أكدته المواد (146، 148) إجراءات جزائية وبعد انتهاء مدة الثلاثين اليوم لا تملك النيابة استمرار المراقبة لأن القيام بالمراقبة بعد انتهاء المدة يعد جريمة يعاقب عليها القانون.
ومن كل ما سبق يتضح أن الدستور والقانون قد كفل للأفراد الحق في سرية اتصالاتهم ومراسلاتهم لشتى أنواعها ومنع التعدي عليها من أياً جهة كانت. لكنه وبنفس الوقت ورعاية لاستقرار حياة المجتمع ككل قد وضع استثناءات يجوز فيها للنيابة والمحكمة دون غيرهما المساس بذلك الحق ورقابته ووضع لذلك الاستثناء العديد من الشروط والضوابط والضمانات واعتبر تجاوزها جريمة يعاقب عليها القانون.
وبناء عليه فإن قيام أي فرد أو جهة عامة عدا النيابة والمحكمة بمراقبة اتصالات ومراسلات الأفراد بكافة أنواعها يعد ممارسة لسلوك إجرامي مهما كانت مبررات تلك الجهة من كشف الجريمة أو تعقيب مرتكبها ..الخ من الأسباب حتى ولو كانت الجهة هي وزارة الداخلية والأساس في ذلك أنه لا يجوز كشف الجرائم عن طريق انتهاك القيم والمساس بالحريات فالجريمة لا يجوز كشفها بجريمة أخرى وسلامة الهدف يجب أن تتكافئ سمواً مع سلامة الوسيلة والأسلوب.

والله الموفق،،،