مفهوم العرف ومقارنته بالقانون

 

معنى العرف:

 مجموعة من القواعد غير المكتوبة, التي اتبعها الأفراد في سلوكهم أجيالاً متعاقبة, حتى نشأ الاعتقاد لديهم أن هذه القواعد أصبحت ملزمة, وأن مخالفها سيتعرض لجزاء الجماعة.

ويعد العرف من اصدق القواعد القانونية بوصفه نابعا من ارادة الجماعة, كما ان له دورا مهما في تكوين القواعد القانونية.

 فقد يكمل قاعدة قانونية يعتريها النقص او يفسر قاعدة غامضة, وقد يتحول  الى قاعدة قانونية تشريعية, حيث تقوم السلطة التشريعية بإصداره بصيغة قاعدة قانونية مشرعة, فيتحول الى قاعدة تشريعية مصدرها العرف.

أركانه:

الركن المادي:

مجموعة متواترة من التصرفات او الافعال, القادرة على تكوين روابط اجتماعية مصحوبة بجزاء, على ان تكون تلك التصرفات قد اتبعت بصورة مستمرة لمراحل طويلة, بحيث يسودها الثبات والاستقرار .

الركن المعنوي:

هو اعتقاد الناس ان ما ألفه هؤلاء الافراد قد اصبح ملزماً, وينشأ هذا الالتزام من شعور الافراد بضرورة تلك العادة, وبالتالي عدها ملزمة لهم, ويطلق على هذا الركن ايضا العنصر النفسي .

يعزو بعض الفقهاء الى ان القوة الملزمة للعرف تأتي من السلطة العامة, اي ان العرف يستند ضمنا الى رضا السلطة العامة بتطبيقه, ولكن يؤخذ على هذا الرأي بان العرف هو اسبق بالظهور من التشريع ، بينما تذهب طائفة اخرى من الفقهاء الى ان مصدر القوة الملزمة للعرف هو حكم القضاء, وقد ساد هذا الاتجاه خاصة في الدول التي تأخذ بنظام السوابق القضائية, مثل القانون الانكليزي.

 فالعرف في رأيهم لا يتكون الا بعد ان تطبقه المحاكم, وبالتالي فان مصدر العرف هو القاضي الذي يضفي عليه صفة الالزام, ولكن هذا الرأي مردود ايضا, لأنه يجعل من القاضي مشرعاً.

 اما جمهور الفقهاء فقد ذهبوا الى مصدر القوة الملزمة في العرف, هو رضاء الجماعة, لأن العرف نشأ عن اتباع الافراد لتصرفات سلوكية معينة, بمحض ارادتهم واستقر في اعتقادهم ان تلك القواعد اصبحت ملزمة .

 خصائصه:

العمومية:

 فالقاعدة العرفية لابد ان تخص طائفة معينة من الافراد تطبق عليهم بصورة متساوية, مثل القواعد العرفية المطبقة في مهنة الطب او المحاماة.

اتباعه على مدى اجيال متعاقبة:

لابد للعرف ان يتكون نتيجة اتباعه على مدى اجيال متعاقبة, او ان تكون مرت عليه مدة من الزمن, فضلا عن التواتر في استخدام القاعدة العرفية, اي ان يكون الافراد قد اتبعوها بصورة مطردة ومستمرة, لا تتخللها مراحل انقطاع .

أن يكون ملزم:

القاعدة العرفية لا تتكون الا اذا نشأ اعتقاد لدى الجماعة ان تلك القاعدة ملزمة, ويترتب على مخالفتها جزاء معين, اما اذا تخلف هذا العنصر, فان هذه القاعدة لا تعدو ان تكون مجرد عادة معينة لدى الافراد .

غير مخالفة للنظام العام والآداب:

 لابد ان تكون القاعدة العرفية غير مخالفة للنظام العام والآداب, اي انها لا تخالف القواعد الاساسية العليا المتبعة في الدولة, وان لا تتعارض مع القواعد التشريعية, ومن المهم ايضا عدم مخالفتها للناموس الطبيعي للأفراد .

عيوب العرف:

في أحيان كثيرة قد  يكون العرف غير مواكب للظروف المتغيرة التي يمر بها المجتمع على خلاف التشريع, لذا قد يتحول احيانا الى اداة تعرقل مصالح الجماعة الحديثة, كما انه قد يعتريه بعض الغموض, ويؤدي الى تعدد القوانين المطبقة على اقليم الدولة الواحد بتعدد الاعراف .

إفشاء اسرار العمل في القانون اليمني

 



اعداد / عبدربه يحيى احمد تاج الدين                    اشراف المحامي / أمين الربيعي .

المقدمة

المحافظة على أسرار العمل. فإن من مقتضيات الوفاء بالعقود القيام بكل ما من شأنه صيانة مقومات النجاح في المؤسسة سواء في العمل الحكومي أو الخاص أو حتى القطاع الخيري، ومن أهم هذه المقومات التي تحتاج لصيانة ورعاية: حفظ وصيانة المعلومات والخطط والتوجهات، والموارد والأشياء، فحين تقبل مؤسسة من المؤسسات انضمام فلان من الناس إلى كادرها الوظيفي, فإنها تتوقع أن يرعى مصالحها كما يرعى مصالح نفسه وأسرته التي ينتمي إليها، ومن المعلوم إدارياً أن قيمة بعض المصانع والشركات الكبرى تكمن أساسًا في المعادلات الكيميائية وخطط الإنتاج والعلاقة مع الحلفاء, وإن نقلها إلى جهة أخرى يرتقي إلى درجة الخيانة المدمرة. وحين نتأمل في واقع الناس وواقع المؤسسات والأعمال والوظيفة والموظفين نجد أن هناك باستمرار أمورًا غير مرغوب في نشرها وذيوعها واطلاع الآخرين عليها.. وقد جاء الإسلام بروعة توجيهاته، وعظمة أخلاقياته لتزرع في نفس المسلم أهمية حفظ الأسرار، وكتمانها، وخطورة الإثم في نشرها وإشاعتها..، وتبعا لذلك سنفرع بحثنا الى الاتي :

اولا / تعريف سر العمل :

ســر العمل

هــو كل معلومــة يعرفهــا صاحــب العمل أثنــاء أو بمناســبة ممارســة عمله، أو بســببها، وكان فــي إفشــائه ضــرر لشــخص أو لعائلــة أو لشــركة، أمــا لطبيعــة الوقائــع و للظــروف التــي أطاحــت بالموضــوع.

ثانيا/  تعريف الافشاء:

هــو اطــلاع الغيــر علــى الســر ويعنــي ذلــك أن الإفشــاء جوهــره هــو نقــل المعلومــات، أي أنــه نــوع مــن الإخبــار

ثانيا : شروط السر الوظيفي :

1-  ان يكون سرا بطبيعته او بسبب الظروف المحيطة به

2- ان لايكون معلوما للكافة

3- ان يعلم الموظف بالسر اثناء الوظيفة او بسببها

 

 

ثالثا/  انواع الاسرار :

1- اسرار بطبيعتها

2- اسرار حكمية

3- اسرار بناء على نص قانوني او تعليمات ادارية

 

 

 

رابعا :

أركان جريمة إفشاء اسرار العمل

الركــن المــادي فــي جريمــة إفشــاء اســرار العمل هــو النشــاط الــذي يشــكل ماديــات الجريمــة، إذ بــه تظهــر الجريمــة إلــى العالــم الخارجــي، وتتحــول مــن مجــرد نيــة دفينــة إلــى واقــع محســوس، وحتــى يتكــون لدينــا الركــن المــادي فــي جريمــة إفشــاء الأســرار لا بــد مــن توفــر عناصرهــا، وعناصــر الركــن المــادي فــي جريمــة الإفشــاء تتمثــل فــي ســر العمل  والنشــاط الإجرامــي لجريمــة إفشــاء الأســرار وكذلك علاقة سببية

 

 الركــن المعنــوي

  هنــاك ركنــاوالــذي يتألــف مــن القصــد الجنائــي العــام ومــدى تطلــب القصــد الجنائــي الخــاص فــي جريمــة إفشــاء الأســرار  ويتمثل في العلم والارادة .

 

 

 خامسا :

العقوبة المقررة لجريمة الإفشاء

تجــرم التشــريعات الجنائيــة فــي كثيــر مــن الــدول إفشــاء الأســرار، وتفــرض عقوبــات جنائيــة  على ذلك ومن بينها المشرع اليمني فقد بين  عقوبة تلك الجريمة وقد نص على الاتي مادة (258) : ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنه أو بالغرامة من كان بحكم مهنته أو حرفته أو وضعه مستودعا سر فأفشاه في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو استعمله لمنفعته أو لمنفعة شخص آخر ما لم يأذن صاحب الشأن في السر بإفشائه أو استعماله.((

 

 

 

وكذلك مانص عليه قانون العمل اليمني في المادة 35 :

أولا : يجوز لصاحب العمل أن ينهي العقد من جانبه بدون إشعار كتابي أو تحمل الأجر المقرر عن فترة الإنذار في الحالات التالية :

الفقرة :ي   ((إذا أفشى العامل أسرارا  خاصة بالعمل الذي يعمل فيه أو تلك التي يطلع عليها بحكم عمله))

 

 

وكذلك نص المادة 90 من ذات القانون :يجب على العامل أن يلتزم بتحقيق الآتي:

فقرة 7 (( المحافظة على أسرار العمل))

 

 

التوصيات والمقترحات

في حالة ان قام العامل بإفشاء اسرار العمل فلرب العمل وفقا لنصوص القانون ان يتخذ الاجراءات التالية :

1- فصل العامل من عمله دون سابق إشعار وبدون تحمل اجر فترة الإنذار

2-  في حال تحقق اضرار جراء تلك الاعمال رفع دعوى ضد العامل وذلك امام مكتب العمل (اللجنة التحكيمية العمالية) مطالبا في ذلك التعويض عما ما فاته من ربح ومال حقة من خسارة وعليه اثبات ذلك .

3-  في حالة ان ثبت قيام الموظف بإفشاء أسرار العمل فقد تصل العقوبة الى الحبس مدة لا تزيد عن سنة او بالغرامة وذلك وفقا لما نصت عليه المادة 258 عقوبات .

 

وبالله التوفيق::::

توضيح حول مسالة تقدم ما يكذب الدعوى محضاً في القانون اليمني

 

                                                                  

 يعد الأساس والسند القانوني للدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبه محضاً وقد نصت الفقرة (4) من المادة (186) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني والتي نصت بقولها (تعتبر ممن النظام العام الدفوع التالية؛ الدفع بعدم سماع الدعوى تقدم ما يكذبه محضاً) وكذلك نصت الفقرة (1) من المادة (14) من قانون الاثبات اليمني والتي نصت بقوله (لا تسمع الدعوى في الأحوال الاتية: 1 إذا تقدم ما يكذبه محضاً)

ولمعرفة المعنى القانوني للكذب الذي يعتد به كأساس لعدم سماع الدعوى ينبغي علينا الرجوع الى المراجع التي حددها القانون في تفسير النصوص القانونية وفقاً للمادة (18) من القانون المدني الذي قضت بقوله (المراجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقاها هو الفقه الإسلامي والمذكرات الايضاحية والكتب الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية المختصة)

اذ انه وبالرجوع الى الكتب الفقه الإسلامي نجد  انه قد بينت معنى الكذب الذي يكذب الدعوى أي يناقضها وهو ما قصدها المشرع في نص المادة ( 4/ 816) من قانون المرقعات حيث اعتبر الفقه أي قول صادر من المدعي يناقض ما ادعاه بانه كذب يكون مانع لسماع الدعوى  ولمدعى عليه دفع الدعوى بذلك التكذيب وجاء في المجلد الرابع من دور الحكام في شرحة مجلة الاحكام في الكتاب الرابع عشر تحت عنوان الدعوى المادة (15،16) ما يلي نصه التناقض هو سبق كلام من المدعى مناقض للدعوى أي سبق كلام منه موجب لبطلان دعوه ) وعرف التناقض لغةً بمعنى التدافع .

وشرعاً: هو صدر كلام من المدعى مناقض للدعوى ونضرب مثلا

ان يسبق من المدعى كلام منافي لكلام الذي يقوله في دعواه كأن يقر امام القاضي بعين بيده لغيره فيأمر القاضي بتسليمه لمن اقر له بها وبعد ذلك يدعي المقر انه اشترى هذه العين من المقر له بتاريخ سابق على وقت الإقرار فبذلك يكون مناقضنا اقراره الأول يكون معترف بملكية غيره في تاريخ  اقراره  وبدعواه الثانية يكون مدعي انه المالك في  ذلك التاريخ فذلك يمنع من قبول الدعوى الانه يعتد دليلا على كذب المدعى في دعواه اذ انه يستحيل الجمع في الصدق بين الشيء ونقيضه ولذلك نصت المادة ( 1/ 14) من قانون الاثبات يتضح وبما لا يدع  مجلا لشك ان التكاذب في الدعوى لا يكون الى من المدعي دون سواها ولا يكون الا في واقعة موضعية دون قانونية ـــــ للمحامي عبد الرقيب القاضي

 

لذلك يجهل البعض الشرط الأساسي لا عمال الدفع وهو ان بمثل ما سبق المدعي او الدافع ممن اقرارا او انكار ودعوة تكذيب محضا للدعوى الجديدة والمقصود بالتكذيب المحض التعارض التام بين ما سبق وبين ما يدعيه لاحقا والعارض التام هو الذي لا يقبل التأويل   والاحتمال من قريب او من بعيد ولكون الإقرار والانكار السابق لم يكن المدعي مضطرا تحت أي مبرر مثل

ادعاء شخص امام القاضي على شخص اخر انه له دين ولم يفي معه في سداد الدين فيقول الشخص الاخر لقد سبق أني اوفيتك فيكون منه للثبات والشهود والمدعي عليه اقامت البينة فإنه تسمع دعواه وتقبل البينة ولا يعتبر تكذيبا محضا متقدم من انكاره لأنه ملجا الجحود. للدكتور إسماعيل المحاقري

منقوله عن المحامي عبدالرقيب القاضي

                                

 

موقف الفقه الإسلامي من الإجهاض

 

 

 

موقف الفقه الإسلامي من الإجهاض

المقدمة:

شرع الله عز وجل النكاح وحثّ عليه ورغّب فيه، وجعله آيةً وعبادة، ومودةً وسعادة.

ولأهمية النسل, جعلته الشريعة الإسلامية أحد الضروريات التي لا تستقيم الحياة بدونه, لذا أحاطته بسياج منيع، وحافظت على حقوقه في كافة مراحل حياته, فحفظت للأجنّة منزلتها وحرمتها وحقوقها، وسنّ أحكاماً دقيقة لرعايتها والحرص على سلامتها ومنع إجهاضها في جميع مراحل نموها, بل إنّ الحقّ تبارك وتعالى عدّ الأجنّة من الآيات الكبرى الدالّة على عظمته وبديع صنعه، وجعلها برهاناً على أُلوهيته، وآيةً على البعث والنشور, يقول جل وعلا: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ, خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ, يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ, إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لقادر, يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ, فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ) الطارق الآية ( 7)

في هذا البحث المتواضع, سنوضح بأذن الله الاحكام التي سنها الإسلام للحفاظ على الأجنة, وبيان رأي فقهاء المذاهب الأربعة في إجهاضها , متمنيا التوفيق من الله عز وجل.

الإجهاض في اللغة:

مُجْهَض، يطلق على الحامل التي أسقطت حملها, وعلى السِّقْط, جهيض, و يُطلَق الإجهاض غالباً على اسقاط الولد ناقص الخلْقة، أو الذي لم يستبن خَلْقه، لكنه قد يُطلق على ما تم خلقه بعد نفخ الروح, ويأتي بمعنى الإملاص، أي الانفلات.

الإجهاض في اصطلاح الفقهاء:    

هو إلقاء الحمل مطلقاً، سواء كان ناقص الخْلِقة, أو ناقص المدة، مستبين الخلقة أم لا، نُفخت فيه الروح أو لم تنفخ، قصداً أم بغير قصد, أم تلقائياً.

أنوع الإجهاض:

1-   الإجهاض العلاجي:

و يعرف أيضا بالطبي, حيث  أن الطبيب الأخصائي هو من يقوم بهذه العملية كطريقة علاجية, إذا أتضح أن هذا الحمل يضر الأم أكثر مما ينفعها.

2-   الإجهاض المفتعـل (الجنائي) :

هو إجهاض إرادي مرغوب فيه, حيث تتعمد الأم عملية نزع الجنين لأسباب مختلفة, قد تكون اقتصادية أو اجتماعية, أو عدم الرغبة في حالة الحمل الغير شرعي.

3-   الإجهاض التلقائـي:

يختلف هذا النوع من الإجهاض من النوعين السابقين حيث يحدث لاإراديا, و ينسب معظم الأطباء أن هذا النوع يحدث لعدم استعداد الرحم للوصول بهذا الحمل حتى الولادة, فيطرده في الغالب ابتداء من الأشهر الأولى.

أركان الإجهاض:

1-   الركن الشرعي:

وهو الركن الذي يتعلق ببيان الأحكام والنصوص الشرعية المتعلقة بالتجريم والعقاب، ومدى قوتها، ومجال تطبيقها, ويستند على القاعدة الفقهية (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)

2-   محل الجريمة (الجنين)

ويشترط في وقوع الجريمة على الجنين:

-         وجود حمل، حتى يمكن طرده واخراجه بفعل الإسقاط.

-         أن يكون الجنين حياً في بطن أمه، قبل عملية الاعتداء.

-         أن ينفصل الجنين (كله) عن أُمه (ميتاً) وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية

أن يكون الانفصال (كله) (في حياة الأم) وهو مذهب الحنفية والمالكية,

ويترتب على هذا الشرط أن انفصال الجنين ميتاً بعد موت أُمه لا يعدّ جريمة إجهاض، لأن موت الأُم سبب ظاهر لموته على الأغلب، فتحقق موته بموتها.

-         اشترط جمهور الفقهاء أن يكون الجنين المسقَط (الجهيض) قد تجاوز المضغة وبدأ في مرحلة التصور، بصورة الآدمي جلياً أم خفياً، أو استبان بعض خلقه، أو انفصل لوقتٍ يعيش لمثله, لكن المالكية وبعض الشافعية والحنابلة يخالفونها الرأي, ويقولون بحرمة الإجهاض منذ لحظة التلقيح الأُولى، ومسؤولية الجاني مسؤولية كاملة عن اعتدائه.

حكم الإجهاض:

من الفقهاء من فرّق بين حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح ، وبين حكمه قبل ذلك, وبعد التّكوّن في الرّحم والاستقرار ، ولمّا كان حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح موضع اتّفاق, فإنه من المناسب البدء به, ثمّ التّعقيب بحكمه قبل نفخ الرّوح ، مع بيان آراء الفقهاء واتّجاهاتهم فيه :

أولا: حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح:

اتفق الفقهاء على أنّ نفخ الروح يكون بعد مئةٍ وعشرين يوماً من الحمل، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:

إن أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يَبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجَله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابُه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبقُ عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة) متفق عليه.

 الدليل المستمد من هذا الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم ينفخ فيه الروح) جاء هذا بعد أطوار النطفة، والعلقة، والمضغة، فكل طور مدته أربعون يوماً، ليكون مجموع الأطوار مائة وعشرين يوماً.

من هنا ذهب الأئمة والفقهاء إلى أن نفخ الروح يكون بعد أن يتم للحمل أربعة أشهر.

قال القرطبي(لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين يوماً، وذلك تمام أربعة أشهر، ودخوله في الخامس)

وقال النووي(اتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر)

وقال ابن حجر(اتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر)

ولا يعلم خلاف بين الفقهاء في تحريم الإجهاض بعد نفخ الرّوح.

فقد نصّوا على أنّه إذا نفخت في الجنين الرّوح, حرّم الإجهاض إجماعاً, وقالوا إنّه قتل له ، بلا خلاف.

والّذي يؤخذ من إطلاق الفقهاء تحريم الإجهاض بعد نفخ الرّوح,  أنّه يشمل ما لو كان في بقائه خطر على حياة الأمّ.

ثانيا: حكم الإجهاض قبل نفخ الرّوح :

في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح اتجاهات مختلفة وأقوال متعددة, حتى في المذهب الواحد , فمنهم من قال بالإباحة مطلقا, ما لم تنفخ فيه الروح,

ومنهم من قال بالإباحة لعذر فقط,  ومنهم من قال بالكراهة مطلقا  ومنهم من قال بالتحريم.

قول الشافعية والحنفية:

للشافعية والحنفية قولان:

 القول الأول: تحريم إسقاط الحمل الذي لم تنفخ فيه الروح، وهو ما كان عمره مائة وعشرين يوما، وقالوا( لا يشكل عليه العزل، لوضوح الفرق بينهما، أن المني حال نزوله لم يتهيأ للحياة بوجه، بخلافه بعد الاستقرار في الرحم وأخذه في مبادئ التخلق)

القول الثاني: ذهب جماعة من الحنفية والشافعية إلى جوازه, قال ابن الهمام في (فتح القدير)  (وهل يباح الإسقاط بعد الحبل ؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه ، ثم في غير موضعٍ قالوا : ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما, وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط, لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة )

وقال الرملي في (نهاية المحتاج) (الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا، وجوازه قبله ).

وفي حاشية قليوبي (نعم، يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه)

وقال المرداوي في (الإنصاف) (يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة)

قول الحنابلة:

قال ابن رجب الحنبلي في (جامع العلوم والحكم) : ورُوي عن رفاعة بن رافع قال : جلس إليَّ عمر وعليٌّ والزبير وسعد في نفر مِنْ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكَروا العزلَ، فقالوا : لا بأس به، فقال رجلٌ : إنَّهم يزعمون أنَّها المؤدة الصُّغرى، فقال علي : لا تكون موؤده حتَّى تمرَّ على التَّارات السَّبع : تكون سُلالةً من طين، ثمَّ تكونُ نطفةً، ثم تكونُ علقةً، ثم تكون مضغةً، ثم تكونُ عظاماً، ثم تكون لحماً، ثم تكون خلقاً آخرَ، فقال عمرُ : صدقتَ ، أطالَ الله بقاءك . رواه الدارقطني في (المؤتلف والمختلف).

ثم قال ابن رجب (وقد صرَّح أصحابنا بأنَّه إذا صار الولدُ علقةً، لم يجز للمرأة إسقاطُه, لأنَّه ولدٌ انعقدَ، بخلاف النُّطفة، فإنَّها لم تنعقد بعدُ، وقد لا تنعقدُ ولداً.

قول المالكية:

للمالكية قولان:

القول الأول:  تحريم إسقاط الحمل، فقد جاء في الشرح الكبير(ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم، ولو قبل الأربعين يوماً، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا).

القول الثاني:  كراهة إسقاط الحمل، وقد نقل هذا القول الدسوقي.        

عقوبة الإجهاض:

 اتّفق الفقهاء على أنّ الواجب في الجناية على جنين الحرّة هو غرّة,

لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وغيره  (أنّ امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى ، فطرحت جنينها ، فقضى فيه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بغرّة عبد أو وليدة ) .

 واتّفق الفقهاء على أنّ مقدار الغرّة في ذلك هو نصف عشر الدّية الكاملة ، وأنّ الموجب للغرّة كلّ جناية ترتّب عليها انفصال الجنين عن أمّه ميّتاً ، سواء أكانت الجناية نتيجة فعل أم قول أم ترك ، ولو من الحامل نفسها أو زوجها ، عمداً كان أو خطأً.

ويختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة ( وهي العقوبة المقدّرة حقّاً للّه تعالى مع الغرّة)

 والكفّارة هنا هي عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.

فالإمــام أبو حنيفة فَرِّق بين انفصال الجنين ميتاً، وانفصاله حياً، ويوجب الكفارة في الحالة الثانية دون الأولى، لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يوجب الكفارة حين أوجب الغُرَّة، وليس من بأس في أن يتقرب بها الجاني إلى الله في الحالة الأولى، فذلك أفضل له، مع أنها غير واجبة عليه.

أما الحنابلة فيرون وجوب الكفارة على سبيل الإطلاق، فعلى كل جانٍ (في هذه الجناية) عتق رقبة، سواء أكان الجنين حياً أم ميتاً، وهذا قول أكثر أهل العلم,  منهم الحسن، وعطاء، والزهري، والحكم، ومالك، والشافعي.

 قال ابن المنذر (كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أوجب على ضارب بطن المرأة تلقي جنيناً، الرَّقَبَة مع الغُرَّة)

وسند هذا الرأي قول الله تعالى : (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمنـا خطأ فتحـرير رقبة مؤمنة)، إلى قوله : (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) النساء الآية (92)

الإجهاض المعاقب عليه:

 يتّفق الفقهاء على وجوب الغرّة بموت الجنين بسبب الاعتداء، كما يتّفقون على اشتراط انفصاله ميّتاً، أو انفصال البعض الدّالّ على موته,

إذ لا يثبت حكم المولود إلاّ بخروجه, ولأنّ الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت، وبالإلقاء ظهر تلفه بسبب الضّرب أو الفزع ونحوهما، غير أنّ الشّافعيّة قالوا, لو علم موت الجنين وإن لم ينفصل منه شيء فكالمنفصل.

والحنفيّة يعتبرون انفصال الأكثر كانفصال الكلّ، فإن نزل من قبل الرّأس فالأكثر خروج صدره، وإن كان من قبل الرّجلين, فالأكثر انفصال سرّته.

والحنفيّة والمالكيّة يتفقان على أنّه لا بدّ أن يكون ذلك قبل موت أمّه,

قال الحطّاب والموّاق (الغرّة واجبة في الجنين بموته, قبل موت أمّه)

وقال ابن رشد (ويشترط أن يخرج الجنين ميّتاً, ولا تموت أمّه من الضّرب)

أمّا الشّافعيّة والحنابلة فيوجبون الغرّة, سواء أكان انفصال الجنين ميّتاً حدث في حياة الأمّ, أو بعد موتها, لأنّه كما يقول ابن قدامة (جنين تلف بجناية، وعلم ذلك بخروجه، فوجب ضمانه كما لو سقط في حياتها,

ولأنّه لو سقط حيّاً ضمنه، فكذلك إذا سقط ميّتاً كما لو أسقطته في حياتها)

ويقول زكريّا الأنصاريّ (ضرب الأمّ، فماتت ، ثمّ ألقت ميّتاً، وجبت الغرّة، كما لو انفصل في حياتها)

الخاتمة:

تأسيسًا على ما سبق قوله، فقد اختلفت وجهات نظر الفقهاء في الإجهاض، وإن كان إجماعهم قد انعقد على حُرمته بعد نفخ الروح, إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك, والضرورة تقدر بقدرها.

 والمسألة خلافية فيما بينهم في حكم الإسقاط  قبل نفخ الروح, فمنهم من منعه مطلقاً, ومنهم من قال بالكراهة, ومنهم من أجاز بعذر, لكنَّ ومع كلِّ هذا, فالشريعة جاءت برفع الحرج ودفع الضرر، من هنا وجدت حالات استثنائية خاصَّة جداً يجوز فيها إسقاط الجنين، وهي التي يصح أن توصف بالعذر الشرعي,  وهذا ما تقضى به مقاصد الشريعة وأدلتها العامة،  قال تعالى (...يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...)  البقرة الآية(185) ، و(ما خُير الرسول صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما)

خلاصة القول والذي بات واضحًا لنا، حُرمة الإجهاض على طلاقة هذه الحُرمة، مع عدم إغفال الضرورات، فلها حكمها، لأنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها، كما يقول أهل العلم، فالإسلام لا يسد الطريق أمام ذوي الأعذار, والحاجات.‏

المراجع:

القرآن الكريم

محمد سعيد البوطي (مسألة تحديد النسل وقاية وعلاجا)

المرادوي (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الامام احمد ابن حنبل)

ابن رجب الحنبلي (جامع العلوم والحكم)

الرملي (نهاية المحتاج)