مأمور الضبط القضائي, ودوره في التمهيد للدعوى الجزائية الاجراءات قبل احالة الملف للنيابة وفقا للقانون اليمني


مأمور الضبط القضائي, ودوره في التمهيد للدعوى الجزائية

تعريف مأمورو الضبط القضائي:
يطلق على القائمين بوظيفة الضبط القضائي اسم مأمورو الضبط القضائي، وقد حدد القانون الأشخاص الذين تثبت لهم هذه الصفة:
يعتبر من مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم:
أولا : أعضاء النيابة العامة .
ثانيا: المحافظون.
ثالثا: مديرو الأمن العام.
رابعا : مديرو المديريات .
خامسا: ضباط الشرطة والأمن .
سادسا: رؤساء الحرس والأقسام ونقط الشرطة ومن يندبون للقيام بأعمال الضبط القضائي من غيرهم.
سابعا : عقال القرى .
ثامنا: رؤساء المراكب البحرية والجوية .
تاسعا: جميع الموظفين الذي يخولون صفة الضبطية القضائية بموجب القانون.
عاشرا : وأبة جهة أخرى يوكل إليها الضبط القضائي بموجب القانون. مادة (84) الاجراءات الجزائية
يتبين من هذا النص أن مأموري الضبط القضائي فريقين:
الفريق الأول: من يلصق عليهم القانون هذه الصفة مباشرة، وبجعل مناطها الوظيفة التي بشغلها كل منهم، وهؤلاء هم الأشخاص المبينين في البنود من أولا, حتى ثامنا .
الفريق الثاني: جميع الموظفون الذين يخولون صفة الضبطية القضائية بصدد جرائم معينة ترتبط بالوظائف التي يؤدونها .
والتعدد الوارد في المادة جاء على سبيل الحصر ، فلا ينصرف إلى غير من جاء ذكرهم في هذا النص ، ويترتب على ذلك أنه لا بجوز لأحد رجال الشرطة أن يباشر اختصاصات رجال الضبط القضائي, لأن انخراطه في سلك الشرطة لا يكفي لاكتسابه هذه الصفة ، بل لا بد من أداة قانونية تضفي عليه تلك الصفة .
الاختصاص المكاني لمأموري الضبط القضائي:
يتحدد الاختصاص المكاني لمأموري الضبط القضائي, بمعايير ثلاثة:
1-   مكان وقوع الجريمة.
2-   مكان ضبط المتهم.
3-   مكان إقامة المتهم.
ويكفي أن يتوفر معيار من هذه المعايير الثلاثة, لكي يثبت الاختصاص المكاني لمأموري الضبط القضائي.
 وتشكل هذه المعايير الإطار العام للتعامل مع الدعوى الجزائية ، وهي بذاتها التي تحدد اختصاص مأمور الضبط القضائي ، ومتى ما كان مأمور الضبط القضائي مختصا محليا باتخاذ الاجراءات في واقعة معينة, فإن اختصاصه يمتد إلى جميع من اشتركوا فيها, واتصلوا بها متى كان ما يقوم به من إجراء متصلا بجريمة يختص أصلا باتخاذ الاجراءات بشأنها ، وعلة ذلك أن مأمور الضبط القضائي يكون في حالة ضرورة إجرائية, تبرر له تجاوز نطاق اختصاصه المحلي لمباشرة الإجراء المطلوب للقيام بواجبه المكلف به, أما إذا باشر مأمور الضبط القضائي عمله خارج نطاق اختصاصه المحلي ، ولم يكن ما قام به متصلا بجريمة يختص بحسب الأصل بمباشرة اجراءاتها ، كانت اجراءاته معيبة ويمكن إبطالها ، واستبعاد الدليل المستمد منها.
مأمورو الضبط القضائي من رجال السلطة التنفيذية:
مأمورو الضبط القضائي ليسوا من رجال القضاء ، وإنما هم من رجال السلطة التنفيذية يتبعون هذه الوزارة أو تلك ، وهم بحكم وظائفهم يخضعون لإشراف رؤسائهم الإداريين، بيد أنهم بحكم قيامهم بأعمال الضبط القضائي, يتبعون النائب العام أيضا ، ويخضعون لإشرافه فيما يتعلق بهذه الأعمال.
يكون مأمورو الضبط القضائي تابعين للنائب العام, وخاضعين لإشرافه في نطاق صلاحيات الضبط القضائي ، وللنائب العام أن يطلب من الجهة المختصة النظر في أمر كل من تقع منه مخالفة لواجباته أو تقصير في عمله ، وله أن يطلب رفع الدعوى التأديبية عليه ، وهذا كله لا يمنع من رفع الدعوى الجزائية. مادة (85 ) الاجراءات الجزائية
 وهكذا يتبع مأمور الضبط القضائي على حسب طبيعة عمله جهتين:
 الإدارية: يتبع مباشرة الجهة الإدارية، سواء كانت وزارة الداخلية وإداراتها, أم غيرها.
 الوظيفية: يكون للنائب العام سلطة الإشراف على الأعمال التي تدخل في نطاق الضبط القضائي.

اختصاصات مأموري الضبط القضائي:
مأمورو الضبط القضائي مكلفون ب:
أولا: اجراءات التحريات (استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها)
ثانيا: تلقي البلاغات والشكاوى, وفحصها.
ثالثا: جمع الاستدلالات والمعلومات المتعلقة بالجرائم ، واتخاذ الاجراءات التحفظية، وإجراء المعاينات اللازمة بصدد الجرائم التي يبلغ بوقوعها.
رابعا: تحرير محضر الاستدلالات, وإرساله للنيابة للتصرف فيه . مادة(91) اجراءات جزائية

ولبيان الإجراء والغاية منه, سنتناول الفقرات سالفة الذكر بإيجاز:
أولا : اجراءات التحريات (استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها) :
تبدأ مهمة الضبط القضائي في إجراء التحريات فور علمهم بأمر الجريمة, بأية طريقة من الطرق, بلاغ ، شكوى أو حتى رؤية مباشرة سواء من الأفراد أم من الموظفين ، ولمأمور الضبط أن يتولى التحريات بنفسه, أو يستعين في ذلك بما يجريه من تحريات, أو يتخذه من وسائل بكافة الطرق المشروعة, لإجراء تحرياته.
وجوهر التحريات هو جمع سائر البيانات والمعلومات الصالحة للاستقصاء عن الجرائم, ومعرفة مرتكبيها وظروفها من سائر المصادر المتاحة لمأمور الضبط, أو لمن يعاونه من مساعديه .
وتظهر أهمية التحريات التي يجريها مأمور الضبط القضائي بالنسبة إلى اجراءات القبض والتفتيش ، حيث يجب لصحتها أن تصدر بناءً على تحريات جدية ، وأن تتوفر دلائل قوية على شخص, أو أشخاص بارتكاب جريمة .
وسلطة التحقيق من جانبها تقدر تلك التحريات, والدلائل القائمة قبل إصدار أمر القبض, أو إذن التفتيش ، ومدى سلامتها وصحتها لإصدار الأمر بالقبض, أو الإذن بالتفتيش التحقيق الغاية منه وهي جمع المعلومات والتحريات, من أجل جريمة ارتكبت, ووضعها تحت نظر سلطة التحقيق
ثانيا: فحص البلاغات والشكاوى:
البلاغ هو إجراء يقوم به شخص ما لإيصال نبأ الجريمة إلى علم العدالة، وهذا هو المعنى الواسع.
أما البلاغ في معناه الضيق فيعرف بأنه: ذلك الإجراء الذي يقوم به شخص لم يلحقه ضرر من الجريمة, لإيصال نبأها إلى العدالة.
وقد عرف البلاغ في قانون الاجراءات الجزائية بأنه: إخطار الجهة المختصة بوقوع الحادث. المادة (2)
أما الشكوى فتعرف بأنها: إجراء يباشر من المجني عليه في جرائم محددة, يعبر عن إرادته في تحريك ورفع الدعوى الجزائية, ضد المشكو به.
كما تشكل الشكوى أيضا, الطلب المقدم من المضرور من الجريمة, مدعيا فيها بالحق المدني.
 والشكوى التي لا يدعي فيها مقدمها بحقوق مدنية تعد من قبيل التبليغات. مادة (97) اجراءات جزائية .
وقد أوجب القانون على مأمورو الضبط القضائي فحص البلاغات والشكاوى التي ترد إليهم من المجني عليه, أو المضرور من الجريمة ، كما قد يكون التبليغ من أي فرد من عامة الناس, سواء كان التبليغ واجبا وظيفيا في حد ذاته على المُبلغ, أو كان مجرد واجب عام على جميع الأفراد .
ثالثا : جمع الاستدلالات :
 الاستدلالات هي مجموعة الاجراءات التي يباشرها مأمورو الضبط القضائي, بقصد التحري عن الجرائم ومرتكبيها, وجمع الدلائل والعناصر اللازمة لتمكين النيابة العامة من تقدير ملاءمة تحريك الدعوى الجزائية من عدمه.
وقد بينت هذه الاجراءات المادة (92) من قانون الاجراءات الجزائية ، وهي تفرق بين نوعين من الجرائم :
الأولى: الجرائم ذات الطابع الجسيم, أو تلك التي يحددها النائب العام بقرار منه .
الثاني: الجرائم الأخرى.
وينحصر أثر التمييز بين النوعين من الجرائم, في أنه بالنسبة للنوع الأول من الجرائم, يجب على مأمور الضبط القضائي أن يقوم بإخطار النيابة العامة, والانتقال فورا إلى محل الحادث, واتخاذ الاجراءات التي ينص عليها القانون, وتسليم المحضر إلى عضو النيابة عند حضوره .
أما في النوع الثاني من الجرائم, فعليه أن يحرر محاضر التحري وجمع الاستدلالات, ويرسلها إلى النيابة العامة للتصرف فيها .
وتتلخص اجراءات جمع الاستدلالات الواجب القيام بها في:
1-   إخطار النيابة العامة.
2-   الانتقال فورا إلى محل الحادث للمحافظة عليه، وضبط ما يتعلق بالجريمة.
3-   إجراء المعاينات اللازمة ، وبصفة عامة اتخاذ جميع الاجراءات للمحافظة على أدلة الجريمة, وما يسهل تحقيقها, كوضع الأختام على باب المكان أو تحريز المكان, واستدعاء خبراء مسرح الجريمة لرفع البصمات والآثار, وما يكون قد خلفوه مرتكبي الجريمة .
4-   سماع أقوال من يكون لديه معلومات عن الوقائع الجزائية ومرتكبيها ، والاستماع إلى الشهود ، وأن يسأل المتهم إن وجد ، وله أن يستعين بالأطباء وغيرهم من أهل الخبرة .
الأعمال التي لا يجوز لمأمور الضبط القيام بها:
1-   تحليف الشهود أو الخبراء اليمين: ومع ذلك فقد راعى القانون حالة الاستعجال التي تبرر ضرورة كشف الحقيقة ، فأجاز تحليف هؤلاء اليمين إذا خيف أن يستحيل فيما بعد سماع الشهادة بيمين .
2-   الأمر بإحضار متهم أو شاهد: وإنما عليه استدعاء من يشاء إذا حضر بمحض اختياره سمعت أقواله ، وإذا رفض الحضور فلا سبيل إلى إكراهه عليه بأمر ضبط أو إحضار, لأن هذا من قبيل اجراءات التحقيق, وليس الاستدلال .
3-   استجواب المتهم: والمقصود بالاستجواب مواجهة المتهم بالدلائل والأدلة القائمة على نسبة التهمة إليه ومناقشته فيها، وهو إجراء من اجراءات التحقيق, وليس من أعمال الاستدلال .
ويجب على مأمورو الضبط القضائي القيام بهذه الواجبات, والامتناع عن المحظورات التي فرضها عليهم القانون .
وإذا كان تحديد سلطة الضبط القضائي, ينطوي حتما على مباشرة اجراءات جزائية, تتطلب أحيانا المساس بالحريات الشخصية للمواطنين كالقبض والتفتيش ، فإن ذلك يقتضي مراعاة أحكام القانون.
  نصت المادة (70) اجراءات جزائية بأن القبض  هو ضبط الشخص وإحضاره أمام المحكمة أو النيابة العامة أو مأموري الضبط القضائي في الحالات المنصوص عليها قانونا ، ويكون بموجب أمر صادر من الآمر بالقبض ممن يملكه قانونا ... .
لقد أهتم قانون بحماية الحربة الشخصية ضد القبض التعسفي ، كما أهتم قانون الجرائم والعقوبات بالعقاب على القبض على الناس, وحبسهم بدون وجه حق.
وفيما يتعلق بالتفتيش فقد نصت المادة (132) اجراءات جزائية على:
  لا يجوز تفتيش الأشخاص أو دخول المساكن أو الاطلاع على المراسلات البريدية أو تسجيل المحادثات السلكة أو اللاسلكية أو الشخصية ، وكذا ضبط الأشياء إلا بأمر من النيابة العامة أثناء التحقيق ومن القاضي أثناء المحاكمة .
فالتفتيش إجراء من اجراءات التحقيق, يهدف إلى البحث عن الحقيقة في مستودع السر ،لذلك يعد من أهم اجراءات التحقيق في كشف الحقيقة, لأنه غالبا ما يسفر عن ضبط أدلة مادية تؤيد نسبة الجريمة إلى المتهم ، لذلك قيل أن التفتيش لا يمكن اعتباره دليلا بحد ذاته ، وإنما الدليل هو ما نتج عنه من أدلة مادية, سواء تعلقت بالجريمة التي اتخذ هذا الإجراء من أجلها, أم بجريمة أخرى كشف عنها هذا الإجراء, في إطار ضوابط محددة تهدف إلى أن يكون ضبط هذه الأدلة بطريقة عرضية.
وينطوي إجراء التفتيش على مساس بحق الإنسان, الذي يمثل أحد مظاهر الحق في الخصوصية, إلا أن المشرع لم يجعل لهذا الحق حصانة مطلقة ، فأجاز خرق هذا الحق من خلال عدة اجراءات, منها التفتيش وفق ضوابط موضوعية منه.

رابعا : تحرير محضر بإجراءات الاستدلالات :
أوجب القانون على مأمور الضبط القضائي, أن يثبت جميع الاجراءات التي يقوم بها في محضر, ويوقع عليه منه ومن الشهود الذين سمعهم والخبراء الذين استعان بهم ، وأن يسلم المحضر في الجرائم الجسيمة إلى عضو النيابة العامة عند حضوره, أو يرسله إلى النيابة العامة للتصرف فيه في غير ذلك من الجرائم.
ومؤدى ذلك أن مأمور الضبط القضائي, هو المسئول عن صحة ما دوّن بمحاضره, باعتبارها وثيقة مكتوبة تمت بمعرفته تضمنت إثبات واقعة تحقق كاتبها من ارتكابها ،ويتعين اشتمال المحاضر على بيانات معينة, الهدف من إثباتها التحقق من الاختصاص الوظيفي والمكاني لمحرره, وعناصر الإثبات الأخرى التي أثبتها في محضره.
اهمية مرحلة جمع الاستدلالات :
أن مرحلة جمع الاستدلالات هي مرحلة تمهيدية تسبق الخصومة الجزائية, تهدف إلى جمع الاستدلالات والمعلومات عن الجرائم ومرتكبيها ، ولها أهميتها المتمثلة في الآتي :
1-   للنيابة إذا رأت أن الدعوى صالحة لرفعها بناءً على الاستدلالات التي جمعت وكانت الواقعة غير جسيمة تكلف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة. مادة (111 ) اجراءات جزائية .

2-   للنيابة إذا رأت أنه لا مجال للسبر في الدعوى أن تحفظها بناءً على الاستدلالات التي جُمعت. مادة(112) اجراءات جزائية .
3-   إن اجراءات جمع الاستدلالات لا تعتبر من اجراءات الخصومة, بل هي من الاجراءات الأولية السابقة عليها التي لا يرد عليها قيد الشارع في الحالات التي تتوقف تحريك الدعوى فيها على طلب أو شكوى رجوعا إلى الأصل في الإطلاق ، وتحريا للمقصود من خطاب الشارع بالاستثناء، وتحديدا لمعنى الدعوى الجزائية على الوجه الصحيح دون ما سبقها من الاجراءات الممهدة لنشأتها.
4-   إن لمحاضر جمع الاستدلالات التي يقوم بها مأموري الضبط القضائي في ضبط الجرائم وجمع المعلومات عنها أثر قانوني أمام قضاء الحكم ، فبقدر نجاحهم في جمع المعلومات في هذه المرحلة التي يمكن أن تنتج أدلة في الدعوى، وتحول دون إفلات المجرمين بجرائمهم ، فتتحقق العدالة .
5-   للقاضي استخلاص الدليل الجزائي من الاستدلالات, لأن الأدلة في نظر المشرع ، وفي نظر القاضي متساوية ما دام أن مصدرها مشروعا .
6-   أقر المشرع مبدأ حربة القاضي في الاقتناع، ولم يقيده من حيث الأصل بدليل معين يستمد منه اقتناعه مما يجوز معه للقاضي أن يستمد اقتناعه من محاضر جمع الاستدلالات.
7-   إن الإثبات الجزائي يقوم على مبدأ الأدلة الاقناعية الذي بموجبها لا يتقيد القاضي ــ إلا استثناءً ــ بدليل معين, فأي دليل ينتج عن إجراء قانوني صحيح يمكن للمحكمة أن تستمد قناعتها منه .
وإذا كان من الجائز لمأمور الضبط القضائي الاستعانة بكل وسيلة تمكنه من الحصول على المعلومات ، فإن ذلك مقيد بكون هذه الوسيلة مشروعة في حد ذاتها ، وعلة ذلك أن الغاية لا تبرر الوسيلة ، فإذا كان غرض مأمور الضبط القضائي هو مساعدة العدالة من خلال كشف الجرائم وجمع المعلومات المتعلقة بها وبمرتكبيها ، فإن هذه الغاية لا تبرر سوى الوسائل المشروعة دون غيرها ، وتكون الوسيلة مشروعة متى كانت مطابقة للقانون سواء في ذلك نصوصه أو مبادئه العامة.
  وتـُعد اجراءات الاستدلالات غير مشروعة, إذا كان الغرض الذي استخدمت فيه غير مشروع ، ويكون ذلك إذا استخدمت في تحقيق غرض غير الذي استهدفه القانون من الوسائل الاستدلالية ، فغرض اجراءات الاستدلال هو جمع المعلومات المتعلقة بالواقعة الإجرامية ، فإذا انحرف مأمور الضبط القضائي عن هذا الغرض كأن يستهدف من هذه الاجراءات جمع المعلومات عن الشخص للتشهير به ، فإن عمله يكون باطلا لبطلان غاية الإجراء, لأنها استهدفت أغراض شخصية للقائم بها .
ولهذا كانت أهمية مرحلة جمع الاستدلال وعلاقتها بالدعوى الجزائية, بمثابة القاعدة التي انطلق منها المشرع نحو تحديد مأموري الضبط القضائي ، وتحديد نطاق عملهم الزماني والنوعي والمكاني لأهمية هذه المرحلة لجهات التحقيق والاتهام والمحاكمة .

حق المجني عليه في استئناف الأحكام الجزائية وفقا للقانون اليمني


المجني عليه, وحقه في استئناف الأحكام الجزائية

مقدمة
المجني عليه هو من يقع عليه الاعتداء بفعل مادي, ويوصف في القانون الجزائي (الجنائي) أو في النصوص العقابية المختلفة, بكونه جريمة توجب عقاب مرتكبها,  أما  الاستئناف فهو أحد طرق الطعن في الحكم الصادر عن محكمة أول درجة, يستهدف التظلم من هذا الحكم بطرح الدعوى من جديد, أمام محكمة أعلى منها درجة .
ويثير استئناف المجني عليه للحكم الجنائي إشكالية, تدفع بعض الخصوم لمواجهة ذلك الاستئناف بالدفع بعدم القبول, بحجة استئناف المجني عليه للجانب الجنائي, خاصة في القضايا غير الجسيمة, أو تلك التي لا تؤدي لذهاب نفس, أو عضو, لذا فإننا سنقوم بتوضيح هذا الموضوع من ناحية قانونية, وفقاً لما تضمنه القانون الإجرائي اليمني من أحكام, ومبادئ, وقواعد عامة في هذا الخصوص.
مفهوم المجني عليه:
هو الشخص الذي مثل الفعل الإجرامي اعتداء على حق من حقوقه, أو كلية من الكليات الخمس لديه والتي هي: ( الدين والعقل والنفس والمال والعرض) ..
 إن مفهوم المجني عليه يشير إلى صاحب الحق الذي يحميه القانون, ويجرم انتهاكه, أو وقوع عدوان مباشر عليه.
ومصطلح المجني عليه يتقاطع بهذا المعنى مع مصطلح الضحية من جهة, ومصطلح المتضرر من الجريمة من ناحية أخرى، إلا أن المجني عليه هو أول ضحايا الجريمة، وهو المتضرر الرئيسي منها.
مركزه القانوني أمام المحكمة الجزائية:
المجني عليه في الدعوى الجزائية, يستوعب من وجهة نظر المشرع اليمني نوعان هما:
المدعي بالحق الشخصي ، والمدعي بالحق المدني ..
-المدعى بالحق الشخصي: المجني عليه أو أولياء الدم أو ورثة المجني عليه الشرعيون أو من يقوم مقامه قانوناً.
-المدعي بالحق المدني: كل من لحقه ضرر من الجريمة مادياً كان أو معنوياً. المادة(2) الإجراءات الجزائية
الطعن حق قانوني أصيل لجميع أطراف الدعوى:

1-   كل حكم أو قرار يكون قابلا للطعن فيه ما لم ينص القانون على عدم جواز الطعن فيه.
2-    يتقرر الحق في الطعن لجميع الأطراف ما لم يقصره القانون على طرف دون آخر
3-    لا يجوز رفع الطعن إلا ممن له صفه أو مصلحة في الطعن. مادة(411) الإجراءات الجزائية
  تعتبر الفقرة الثالثة أحد المبادئ التي استقر عليها القضاء, حيث أنه لا يعتبر الطعن مقبولاً شكلاً, إلا إن استوفى أوصافه الشكلية, من حيث الصفة والمصلحة والميعاد.
وبهذا الصدد ، فإن المجني عليه يعد طرفاُ أصيلاً من أطراف الدعوى الجزائية؛ وذلك بكونه هو من مسته الجريمة بشكل مباشر, فصار من حقه أن يطالب ليس فقط بالتعويض المدني كونه مدعٍ بالحق المدني, بل من حقه أن يطالب بتوقيع العقوبة الجزائية القانونية في حق المتهم، وبالتالي فإن الصفة والمصلحة متوفرة في الطعن بالحكم, بوصفه مدعي بالحق الشخصي, مجني عليه..
كما إن الصفة والمصلحة ثابتتان له وفقا لحقه المكفول قانوناً في رفع دعوى التعويض عن الضرر الذي لحقه من الجريمة:
 يجوز لكل من لحقه ضرر من الجريمة رفع الدعوى.. المدنية مهما بلغت قيمتها بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة أمام المحاكم الجزائية لنظرها مع الدعوى الجزائية) فإذا كان المجني عليه قد طالب بحقه المدني في التعويض عن الضرر الناشئ عن الجريمة أمام محكمة أول درجة فيتقرر له بالتالي حق استئناف الحكم بوصفه مدع بالحق المدني . مادة(43) الإجراءات الجزائية
وبهذا يتضح وبجلاء أن القانون قد كفل للمجني عليه الطعن في الحكم بشقيه الجزائي والمدني..
المراكز القانونية لأطراف الدعوى، وتأثير ذلك على الطعن بالاستئناف:
لقد عددت المادة (417) من قانون الإجراءات الجزائية, اطراف الدعوى الجزائية بخمسة أطراف هم :
1-   النيابة العامة 2- المتهم 3- المدعي بالحق الشخصي 4- المدعي بالحق المدني 5- المسئول عن الحقوق المدنية.
ويتضح من هذا النص القانوني, غاية المشرع في التمييز بين المراكز القانونية للمدعي بالحق الشخصي، والمدعي بالحق المدني، ولذا كان من البديهي أن تتغاير وتتمايز آثار الطعن بالاستئناف أو حتى النقض من طرف لآخر, إذ أن استئناف المدعي بالحق المدني يجعل ولاية المحكمة قاصرة على نظر الادعاء المدني فقط, ولا يكون لمحكمة الاستئناف ولاية النظر في الجانب الجزائي إلا في ثلاثة أحوال :
يجوز لكل من النيابة العامة والمتهم والمدعي الشخصي والمدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها أن يستأنف الأحكام الصادرة في الجرائم من المحاكم الابتدائية, واستئناف المدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها لا يطرح على محكمة الاستئناف إلا الدعوى المدنية. مادة(417) الإجراءات الجزائية
وطالما أن صدر المادة يجيز لجميع الأطراف استئناف الحكم ، إلا أن عجزها يقصر استئناف المدعي بالحقوق المدنية, والمسئول عنها على الجانب المدني فقط, ولذا فإن استئناف بقية الأطراف يكون متعلق بالجانب الجنائي, ويطرح على محكمة الاستئناف الدعوى الجزائية برمتها، سواء كان ذلك الاستئناف بالتضامن أو الانفراد، شريطة أن يكون الاستئناف قد قدم خلال المدة المحددة قانونا, على وفق ما حدده القانون.
ولاية المحكمة الاستئنافية لنظر الدعوى الجزائية برمتها:
يعتبر اتصال المدعي بالحق الشخصي بالدعوى الجزائية اتصالاً أكيداً, يثبت له حق المطالبة بتوقيع العقاب على الجاني.
 فلا يحكم بالقصاص إلا إذا طلبه ولي الدم ، ولا يحكم بالأرش إلا إذا طلبه المجني عليه, بل إن أغلب الدعاوى الجزائية الواقعة على الأشخاص, لا ترفع إلا بناء على شكوى المجني عليه
  وقد أكد المشرع اتصال المدعي بالحق الشخصي(المجني عليه) بالجانب الجزائي في مواضع عديدة من القانون منها  ما أوردته المادة (351) الإجراءات الجزائية إذ قررت حق النيابة في شرح أسباب الاتهام, ووقائع الدعوى, وقائمة أدلة الإثبات.
 كما قررت نفس المادة, حق المدعي بالحق الشخصي في شرح أسباب الاتهام, ووقائع الدعوى, وقائمة أدلة الإثبات، بل إن نفس النص القانوني من نفس المادة قد قرر الحق للمدعي بالحق الشخصي في توضيح طلباته عقب عضو النيابة.
يوضع عضو النيابة العامة أسباب الاتهام و وقائع الدعوى و يطلب تلاوة قائمة شهوده و شهود المتهم فيتلوها كاتب الجلسة و للمدعي الشخصي إن وجد أو وكيلة أن يوضح أسباب الاتهام أيضا و طلباته عقب عضو النيابة العامة. مادة(351) الإجراءات الجزائية
 وتقرير المشرع جميع تلك الحقوق للمدعي بالحق الشخصي, يؤكد قطعاً أن اتصال المدعي بالحق الشخصي بالجانب الجزائي, كاتصال النيابة العامة، وهذا أوجد نوعاً من التوازن بين حقوق المجتمع كمجني عليه عام، وحقوق المجني عليه الفرد، دون مساس أو إغفال لحقوق المتهم.. 
وعليه فإن المجني عليه عندما يقدم استئنافه, إنما يكون قد مارس حقه القانوني في استئناف الحكم الابتدائي المتعلق بجريمة مسته بشكل مباشر, كما يعد تأكيداً على تمسكه بشكواه في الأصل, وحقه في إنزال العقاب بالمتهم كحق أصيل, باعتباره مدع بالحق الشخصي, ومدعي بالحق المدني في آن واحد, فإنه يتعين على المحكمة قبوله سواء استأنفت النيابة, أم لم تستأنف..
وحيث أن المدعي الشخصي له حق الطعن في الحكم كالنيابة العامة, فإن استئنافه هذا يطرح الدعوى الجزائية برمتها على محكمة الاستئناف، إذ أن ما يطرح الجانب المدني على محكمة الاستئناف هو طعن المدعي بالحقوق المدنية, و المسئول عنها فقط, أما استئناف بقية الأطراف, فيطرح الدعوى الجزائية برمتها على محكمة الاستئناف.
ونخلص أخيرا, إلى القول بأن الجريمة لها ضحيتان هما:
المجتمع والمجني عليه، والقانون يهدف إلى حماية كلا الضحيتين معاً، ولذا اعترف القانون اليمني بحق إيجابي للمجني عليه في الدعوى الجنائية, بدءً من إقرار قيد على النيابة العامة في تحريك بعض القضايا التي تمس المجني عليه مباشرة بحصول شكوى من المجني عليه، ومروراً بالاعتراف للمجني عليه بدور إيجابي أثناء المحاكمة، وانتهاءً بالاعتراف بحق المجني عليه في التنازل عن الشكوى في أي وقت تكون عليه الدعوى وكذا حقه في العفو ولو بعد صدور الحكم, وحقه في استئناف الأحكام والطعن فيها, ولذا فإن القانون اليمني يعتبر المجني عليه عنصراً أساسياً وفعالاً في الدعوى الجنائية, له مصلحة في جمع الأدلة, وتقديمها لإدانة المتهم, وعقابه, باعتباره صاحب الحق الذي انتهكته أو هددته الجريمة, وذلك على غير ما ذهبت إليه بعض القوانين العربية, من اعتبار المجني عليه طرفاً فقط في الدعوى المدنية المتفرعة عن الجريمة, باعتباره قد أصابه ضرر مدني من تلك الجريمة، إذ ليس شرطاً أن يترتب عن الجريمة ضرر, يصلح أن يكون أساساً لتحريك الدعوى المدنية..

الطفل, ومدى مسئوليته الجزائية, في القانون اليمني


الطفل, ومدى مسئوليته الجزائية, في القانون اليمني

تعريف المسئولية الجزائية:
هي حرية الإرادة, ومناطها الإدراك والاختيار، فإذا توفر في الشخص الأمران كان مسئولاً جزائياً عن الجرائم الناشئة عن فعله ويتوجب عقابه ، إما إذا تخلف احدهما كان غير مسئول عن فعله.
 المسئولية الجزائية شخصية. المادة(2) من قانون العقوبات.
لا يسأل شخص عن جريمة إلا إذا ارتكبها قصداً أو بإهمال. المادة(8) من قانون العقوبات.
تعريف الطفل في القانون اليمني, وأهلية الشخص:
هو الشخص الذي لم يبلغ سن الثامنة عشرة.
 وقد أخذ القانون اليمني بتعدد أهلية الشخص على النحو الآتي:
-         جنائية (18 سنة)
-         تجارية (18 سنة)
-          للتصويت في الانتخابات والاستفتاء (18 سنة)
-         الترشح لمجلس النواب (25 سنة)
-          للالتحاق بالجيش والأمن (18 سنة للأفراد و(22 سنة) للضباط.
-         شغل وظيفة القضاء (30 سنة)
-         وظيفة رئيس جمهورية أو رئيس وزراء (40 سنة)
-          لشغل وظيفة الوزير(30 سنة)
-         الالتحاق بالوظيفة العامة, أو الخدمة المدنية (18 سنة)
-         الالتحاق بالأحزاب السياسية (18 سنة)
-         لتأسيس الأحزاب السياسية (24 سنة)
فالمهام, والصلاحيات, و المسؤوليات, تختلف وتتفاوت باختلاف الأعمار, واختلاف الأعمال والوظائف، إضافة إلى العلاقة الوثيقة بين السن والقدرة على الإدراك.
وبيت القصيد في هذا المقام هو سن المسؤولية الجنائية التي لا تكون تامة إلا إذا بلغ الإنسان سن (18 سنة) ولكن قبل هذه السن تكون مسؤولية الإنسان الجنائية ناقصة.
لا يسأل جزائياً من لم يكن قد بلغ السابعة من عمره وقت ارتكاب الفعل المكون للجريمة وإذا أرتكب الحدث الذي أتم السابعة، ولم يبلغ الخامسة عشرة الفعل أمر القاضي بدلاً من العقوبة المقررة بتوقيع أحد التدابير المنصوص عليها في قانون الأحداث، فإذا كان مرتكب الجريمة قد أتم الخامسة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة حكم عليه بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانوناً، وإذا كانت هذه العقوبة هي الإعدام حكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات وفي جميع الأحوال ينفذ الحبس في أماكن خاصة يراعى فيها معاملة مناسبة للمحكوم عليهم ولا يعتبر الشخص حديث السن مسئولاً مسئولية جزائية تامة إذا لم يبلغ الثامنة عشرة عند ارتكابه الفعل، وإذا كانت سن المتهم غير محققة قدرها القاضي بالاستعانة بخبير. نص المادة (31) عقوبات

وسائل تحديد واثبات عمر الطفل:
1-     شهادة الميلاد.
2-    البطاقة الشخصية, والعائلية.
3-    جواز السفر.
4-    الشهادات الدراسية.
5-    شهادة الشهود.
6-    إثبات السن عن طريق أعمال الخبرة (التقارير الطبية).
7-    علامات البلوغ.

الخلاصة:
القانون اليمني يأخذ بالمذهب الشخصي في تحديده للمسئولية الجزائية, الذي يعتمد في تأسيسه للمسئولية الجزائية, على مدى حرية الإنسان واختياره و إدراكه في أثناء ارتكابه للفعل الإجرامي, وتبعاً لذلك فأن الطفل لا يكون عرضةً للمسألة الجزائية لانعدام أو نقص إدراكه.
لا يسأل الطفل جزائياً في القانون اليمني, إلا إذا بلغ سن الثامنة عشرة.
وثائق إثبات السن ليست في مرتبة واحدة من حيث حجيتها, وإنما تتدرج في قوتها الثبوتية.