تنظيم عقود الزواج عبر الوسائل الحديثة في القانون والشريعة
إعداد/ نوح محمد
مقدمة:
لقد شهد العالم في
الآونة الأخيرة تطوراً هائلاً في وسائل الاتصال الحديثة ومن أبرزها الإنترنت. وقد رافق
هذا التطور تطور في التشريعات والقوانين المنظمة لحياة الناس وقد كان للفقهاء المسلمين
في عقد الزواج بالكتابة آراء متعددة، منها المبيح لإجراء مثل هذا العقد ضمن شـروط معينة،
ومنها المانع لإجراء مثل هذا العقد، ومع تطور الحياة وانتشار(ما يعرف بثورة تكنولوجيا
المعلومات) تطورت الكتابة لتتخذ أشكالاً مختلفة فكان منها الكتابة عبر الإنترنت، وقد
كان لفقهـاء التكنولوجيا العلمية آراء في كيفية الكتابة عبر هذه الوسائل وقيودها وضوابطها
ووسائل حمايتها من التزوير والتحريف، مما جعل العلماء المسلمين في العصر الحاضر يلجون
مضمار هـذه العلـوم والوقوف على النافع منها ومدى توائمها مع الشريعة التي لا تضيق
بعلم مهما كان. ومدى اتفاق هذه العلوم والبرامج مع نصوص الشريعة لتقديم الأفضل للبشرية.
وقد بدأت هذه الوسائل
الحديثة في التواصل بين الناس بفرض نفسـها باعتبارهـا البـديل العصري للتعاقد التقليدي
انطلاقاً من توفير الوقت والجهد والنفقات.
حيث أصبح للإنترنت أهميتـه في التعاملات بين الناس
في شتى مجالات الحياة وأصبحت الرؤية الشرعية والقانونية واضحة في هذه التعاملات.
ولأن الفقه الإسلامي متحرك والشريعة الإسلامية صالحة لكل
زمان ومكان، فإنـه لا يمكن لهما أن يقفا على بعد عن هذه التطورات التكنولوجية فقواعد
الشريعة يمكن إعمالها مع كل أمر مستجد، وبما أن مسألة (عقد النكاح عبر الإنترنت) ظهرت
وتطـورت بشـكل لافـت فـي المجتمعات العربية وعلى الرغم من ظهور التشريعات والأنظمة
والقوانين بين الفينة والأخرى إلا أنها بقيت قاصرة.
موقف الشريعة الإسلامية
من إجراء عقود الزواج بالكتابة:
عقود النكاح عبر
الإنترنت غالباً ما تتم عن طريق محادثات الدردشة أو عن طريق الايميل أو ما يعرف بالبريد
الإلكتروني. وإنشاء عقود الزواج عبر الدردشة الالكترونية من الأمور الصعبة إن لـم تكـن
مـن الأمـور المستحيلة للكثير من الاعتبارات منها:
1- لا مجال لتراخي الإيجاب والقبول.
2- أن الدردشة الالكترونية عبارة عن مكالمات باستخدام العبارات
المكتوبة وهذا يعنـي حضـور الشهود والمخطوبة والولي على جهاز الحاسوب في نفس الوقت
الذي يكون فيه التواصل.
3- ليس من السهل إثبات شخصية كل من الطرفين حيث يتم في الكثير
مـن الأحيـان اسـتخدام الأسماء المستعارة وعليه فإن مسألة انعقاد النكاح عبر هذه الوسيلة
غير ممكن أمـا بالنسـبة للإيميل أو استعمال البريد الإلكتروني لهذه الغاية فهذا هو
الممكن وهو المقصود بالكتابة وإذا ما أراد طرفا التعاقد وقوع التعاقد صحيحاً يتعين
عليهما ابتداء الوقوف على مسألة الأهلية، فيشترط لصحة إبرام أي عقد مهما كانت وسيلة
إبرامه أهلية المتعاقدين.
إثبات هذا النوع
من العقود وزمان ومكان انعقاده
في حال إنكار هذا النوع من العقود فإن إثبات الزواج شرعاً
يـتم بـالإقرار أو البينـة أو النكول عن اليمين وأنه في حالة إجراء عقود بهذه الوسيلة
خاصة مع إمكانية التزوير والتحريـف أو الخطأ غير المتعمد أو التدخل العمدي في مثل هذه
العقود فإنه لا بد من نصوص وتشـريعات خاصة بهذا النوع من التعاقد ينص عليها في قانوني
الأحوال الشخصـية وأصـول المحاكمـات الشرعية.
أما من حيث زمان ومكان انعقاد النكاح بالكتابة بواسطة الإنترنت،
وبما أن هذا النوع من التعاقد يعد تعاقداً بين غائبين من حيث المكان، فإنه يطبق النظرية
العامة للعقـود فيمـا يخـتص بمكان وزمان انعقاد العقدين الغائبين ومن هنا فإن مكان
انعقـاد الـزواج بالكتابـة بواسـطة الإنترنت هو المكان الذي يقترن فيه القبول بالإيجاب،
أما زمان هذا العقد فهو وقت اقتران القبول بالإيجاب وهذا ما يعرف بنظرية إعلان القبول
في الفقه الإسلامي وأخـذ بهـا القـانون المـدني الأردني.
وحتى يكون انعقاد النكاح بالكتابة عبر الإنترنت صحيحه لا
بد أن يطبـق عليهـا كامـل الشروط المشار إليها سابقاً، وهي شروط انعقاد النكاح بالكتابة
التي اشـترطها فقهـاء المـذهب الحنفي.
تسجيل هذا النوع
من العقود:
عادة يتم تسجيل مثل هذا النوع من العقود من خلال
دعاوى خاصة لدى المحاكم الشرعية تسمى دعاوى إثبات الزوجية ويصدر بها عن هذه المحاكم
أحكامها الخاصة ويترتب على هـذا العقـد جميـع آثـاره ونتائجه.
وإن عدم تسجيل
هذه العقود أو غيرها يعد مخالفة لأحكام قانون الأحوال الشخصية وعليه فإنه يتم التخلص
من عقبة آلية توثيق هـذه العقـود باعتبارهـا عقوداً إلكترونية من خلال الدعاوى الخاصة
بتثبيت الزوجيـة مـع طـرح بعـض النصـوص والإجراءات الخاصة التي يمكن أن تتلائم مع هذا
النوع من العقود كالمنصوص عليها في قـانون المعاملات الإلكترونية.
والبريد الإلكتروني
له قوة الإسناد العادية في الإثبات فيمكن إثبات عقود النكاح التي تجري بواسطة الإنترنت
بإلزام المخطوبة بإرسال القبول إلى الخاطب الموجب عبر البريـد الإلكترونـي بعد التوقيع
عليه إلكترونياً.
حكم إجراء هذا النوع من العقود:
تحدث العديد من العلماء في العصر الحديث حول حكم هذا العقد
نظراً لأهمية هذا العقد وضرورته من جهة، وتطور الحياة واعتبار العالم قرية صغيرة من
جهة أخرى، وقد تباينت الآراء حول هذا العقد فمنها المجيزة لهذا النوع من التعاقد ومنها
المحرمة له،
فقد منع مجمع الفقه
الإسلامي إجراء هذا النوع من العقود لعدم وجود الشهادة مع التسليم بأن وجود شخصين على
الهاتف في نفس الوقت لـه حكم المجلس الواحد، وكانت أسباب منع هذا النوع من العقود من
وجهة نظر مجمع الفقه الاسلامي للأسباب التالية:
1- إن أكثر هذه الزيجات تكون خارج إطار المراقبة الاجتماعية
والشرعية والقانونية.
2-
عدم توفر أركان
الزواج الشرعية مع عدم وجود الخطبة ليتعرف كل منهما على الآخر.
3-
أنه قد يبنى على
الغش والتدليس.
وأجاز ذلك ابن
باز في حالة ما إذا أمن التلاعب، ولا مانع لدى مفتي مصر السابق (نصر فريد واصل) من
إجراء عقد الزواج عبر شبكة الإنترنت شريطة استخدام الكاميرا لحسم الموقف.
والراجح: -والله أعلم-
هو جواز انعقاد العقد بالكتابة عبر الإنترنت إذا كان مستوفياً للشروط التي حددها الفقهاء
الذين أجازوا انعقاد العقد بالكتابة بالشروط السالفة الذكر، وعلة تحقق هذا النوع مـن
العقود سماع الشاهدين الإيجاب والقبول في مجلس العقد ومجلس العقد هو مجلس قراءة الكتاب.
وفيمـا يتعلق بالغرر والغش والتزوير فإن هذا الأمر يمكن أن يحصل في أي نوع من أنواع
العقود حتـى بـين الحاضرين ومعالجة هذا الغرر والغش الحاصل تمكن في العودة للقواعد
العامة للإثبات.
الخاتمة:
مما سبق، يتبين
أن أهم النتائج يمكن إيجازها بما يلي:
1-
أن الشريعة الإسلامية
لم ولن تضيق ذرعاً بقضايا العباد واحتياجاتهم وأن بإمكانها استيعاب مستجدات العصر الحديث
باستعمال المنجزات العلمية وتسخيرها لخدمة المجتمع الإسلامي.
2-
إن عبارات الإيجاب
والقبول في عقد النكاح يجب أن تكون باللفظ ولا يجوز العدول عـن اللفـظ إلا للضرورة،
وقد أجاز بعض الفقهاء الإيجاب بالكتابة بين الغائبين للضرورة.
3- خضوع عقد النكاح بواسطة الإنترنت في حالة التزوير إلى ما
يعرف بقواعد الإثبات العامة.
4- أن هناك العديد من الوسائل العلمية لحماية هذا العقد من أساليب
الغرر والغش والخداع.
المراجع:
دراسة بعنوان:
مشروعية الزواج بالكتابة عبر الإنترنت. د. محمد خلف بني سلامة
دراسة بعنوان:
إجراءات العقود بوسائل الاتصال الحديثة. للباحث هاجر حدد.
دراسة بعنوان:
انعقاد الزواج عبر الإنترنت. للباحث عبد الإله مزروع المزروع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق