بحث قانوني
إعداد الباحث /
محمد أحمد السمحي
إشراف الأستاذ المحامي/ أمين حفظ الله الربيعي
مقدمة البحث:
لا شك بأن لعقد الحساب
الجاري أهمية بالغة في تنظيم المعاملات المالية والمصرفية (البنكية والتجارية) بين
طرفيه بحيث يستطيع صاحب الحساب إيداع أموالاً في حسابه الجاري لدى البنك ومن ثم
إجراء التسويات المالية مع دائنيه ومدينيه عن طريق البنك وبواسطة التصرفات النقدية
من سحب وإيداع او التسويات المالية أو بالمناقلة وغيرها من التعاملات المالية
والمصرفية التي تندرج ضمن هذا العقد.
تعريف الحساب
الجاري:
عرفت المادة(367)
من القانون التجاري اليمني الحساب الجاري بأنه:(عقد يتعهد بمقتضاه صاحب الحساب
أن يودع أموالاً له في هذا الحساب لدى البنك وأن يجري عن طريق البنك تسويات مع
دائنيه ومدينيه وغير ذلك من التصرفات النقدية أو بالمناقلة ويتعهد البنك أن يقيد
في الحساب ما يرد من مدفوعات وأن يجيز السحب من الودائع بموافقة العميل على أن تتم
التسوية النهائية عند غلق الحساب واستخراج رصيده).
أنواع الحساب الجاري:
وفقاً للقانون
التجاري اليمني فأن الحساب الجاري ينقسم إلى نوعين:
أ-الحساب الجاري
بين الأشخاص: وقد أفرد القانون التجاري باباً كاملاً لمفهوم واحكام هذا الحساب وفقا لما ورد في الباب التاسع من الكتاب الثاني
في المواد (343-352) ويتضح مفهوم الحساب الجاري بين الأشخاص وفقاً لما نصت عليه
المادة(343)من القانون التجاري اليمني التي نصت على ذلك بقولها:(يراد بعقد
الحساب الجاري الاتفاق الحاصل بين شخصين على أن يسلم كل منهما للآخر على دفعات
مختلفة من نقود واموال وسندات تجارية ويسجل في حساب واحد لمصلحة الدافع وديناً على
القابض دون أن يكون لأي منهما حق مطالبة الآخر بما سلمه له في كل دفعة على حدة
بحيث يصبح الرصيد النهائي وحده عند إقفال الحساب هو الدين المستحق الواجب الأداء
لأحد الطرفين بحسب الأحوال).
وقد حدد القانون
التجاري اليمني الاحكام المتعلقة بهذا الحساب (الحساب الجاري بين الأشخاص) وفقاً
للآتي:
1-يتوقف مدى هذا
الحساب على إرادة العاقدين فلهما أن يجعلاه شاملاً لجميع معاملاتهما أو خاصاً بنوع
معين منها م(344) تجاري يمني.
2-يجوز أن يكون
الحساب الجاري مكشوفاً لجهة الطرفين أو مكشوفاً لجهة طرف واحد وفي هذه الحالة
الأخيرة لا يلتزم أحد الطرفين بتقديم المال للطرف الآخر إلا إذا كان عند الأول
مقابل وفاء كاف ولا يجوز بحال أن يستقر الحساب على رصيد إيجابي لمصلحة الطرف الآخر
م (345) تجاري يمني.
3-وجود الحساب
الجاري لا يمنع أحد الطرفين من مطالبة الآخر بالعمولة التي استحقها من عمل قام به
بالعمولة وباسترداد نفقات العمليات الخاصة بالحساب الجاري وهي تقيد في الحساب مالم
يكن هناك اتفاق مخالف م(346) تجاري يمني.
4-الدفع بواسطة سند تجاري لا يتحقق إلا
بقبض قيمة السند, ما لم يكن هناك اتفاق مخالف وإذا لم تسدد قيمة السند في موعد
استحقاقه, كان للطرف الذي تسلمه مع الاحتفاظ به على سبيل التأمين ومع استعمال
الحقوق المنوطة به أن يقيد قيمته على حساب الطرف الذي سلمه وفي حالة إفلاس الطرف
الذي سلم السند لا يجوز للطرف الذي تسلمه بالرغم من كل اتفاق مخالف أن يقيد السند
في الحساب إلا بعد أن يحل آجل الاستحقاق ويثبت عدم الوفاء وإذا قيدت سندات على هذا
الوجه وجب على متسلمها ان يقصر مبلغ
مطالباته في التفليسة على قدر الدفعات التي أداها موقعوا هذه السندات للتفليسة
م(347)تجاري يمني.
5-قيد الدفعات في الحساب الجاري لا
يسقط ما للطرفين من دعاوى بشأن العقود والمعاملات التي ترتبت عليها هذه الدفعات
مالم يشترط خلاف ذلك م(348) تجاري يمني.
6-الديون المترتبة لأحد الطرفين إذا
أدخلت في الحساب الجاري فقدت صفاتها الخاصة وكيانها الذاتي فلا تكون بعد ذلك قابلة
على حده للوفاء وللمقاصة ولا للسقوط ولا للتقاضي ولا لطريقة من طرق التنفيذ وتزول التأمينات
الشخصية والعينية المتصلة بالديون التي أدخلت في الحساب الجاري ما لم يكن هناك اتفاق
مخالف ولا يدخل في الحساب الجاري النقود المسلمة للصرف في عمل معين أو للاحتفاظ
بها إلى حين ورود أمر في شأنها م(349) تجاري يمني.
7-الحساب الجاري غير قابل للتجزئة
فلا يعد أحد الطرفين دائناً أو مديناً للطرف الآخر قبل إقفال الحساب وإقفال الحساب
هو وحده الذي يحدد العلاقات القانونية بين الطرفين وهو الذي تنشأ عنه المقاصة
الاجمالية لجميع بنود الحساب من تسليف واستلاف وهو الذي يعين الدائن والمدين
والحجز الذي يوقع على نقود واموال داخلة في الحساب الجاري لا ينفذ إلا بالنسبة إلى
الرصيد الذي يظهر لمصلحة المحجوز عليه عند إقفال الحساب م(350) تجاري يمني.
8-يغلق الحساب الجاري لأحد الأسباب
الآتية:
أ-انتهاء المدة المحددة للحساب ويجوز
إغلاقه قبل انتهاء هذه المدة باتفاق الطرفين بناء على طلب صاحب الحساب إذا كان
الحساب مفتوحاً لمدة غير محددة مع مراعاة مواعيد الاخطار المتفق عليها فإذا لم
يتفق على ميعاد وجب إجراء الأخطار قبل أسبوعين.
ج-موت صاحب الحساب أو إخضاعه للتصفية
أو اعتباره عديم الاهلية أو ناقصها أو انتهاء الشخص الاعتباري صاحب الحساب.
د-عدم تحرك الحساب مدة ستة أشهر من
آخر قيد م(351) تجاري يمني.
9-ينتهي العقد في الوقت المعين بموجب
الاتفاق وإن لم يتفق على وقت انتهاء العقد بإرادة أي من الطرفين وينتهي العقد
أيضاً بموت أحد الطرفين أو بفقدانه الأهلية أو إفلاسه م(352) تجاري يمني.
ب-أما النوع الثاني من الحساب الجاري فهو الحساب الجاري
الذي يكون أحد طرفيه بنكاً وقد سبق بيان مفهومه آنفا عند تعريف الحساب الجاري
في صدر هذا البحث وقد نظم القانون التجاري اليمني احكام هذا الحساب في الباب
العاشر ضمن احكام عمليات البنوك في المواد (367-380) تحت عنوان عقد الحساب الجاري.
الاحكام المنظمة
والخاصة بعقد الحساب الجاري (الذي يكون أحد طرفيه بنكاً):
1-فتح الحساب
الجاري:
يتم فتح الحساب
الجاري على النموذج المعد لذلك من قبل البنك بعد التحقق من توافر كافة شروط وأركان
التعاقد المعتبرة قانوناً للعقد من رضا الأطراف وتوافر وتحقق محل العقد وسببه
وثبوت أهلية المتعاقدين التجارية وبعد أن يتم اطلاع العميل على كافة الشروط
الواردة في النموذج المعد من قبل البنك الخاص ببدء فتح الحساب الجاري وفقا لما
اشرنا اليه آنفاً وبعد الحصول منه على موافقة خطية بالشروط الواردة فيه وإذا كان
العميل شخصاً اعتبارياً وجب عليه تقديم المستندات الدالة عن صلاحية العضو المعبر
عن ارادته وبعد التحقق من كل ذلك وبعد التأكد من صحة المستندات يصدر مدير البنك
قراراً بالموافقة على فتح الحساب الجاري ويعد الحساب الجاري منعقداً من لحظة صدور
ذلك القرار وذلك وفقاً لما ورد في نص المادة (368) من القانون التجاري اليمني التي
نصت على الآتي:
1-يفتح الحساب
الجاري على النموذج المعد لذلك بعد اطلاع العميل على الشروط الواردة فيه والحصول
منه على موافقة خطية بهذه الشروط وإذا كان العميل شخصاً اعتباريا وجب تقديم
المستندات الدالة عن صلاحية العضو المعبر عن إرادته
2-يصدر مدير البنك
بعد التأكد من صحة المستندات المقدمة له قراراً بالموافقة على فتح الحساب الجاري
ويعتبر الحساب الجاري منعقداً منذ لحظة صدور هذا القرار.
وبعد توضيح كيفية
بدء فتح الحساب الجاري فقد تثار بعض التساؤلات الخاصة بهذا الموضوع والمتعلقة
به مثل هل يجوز تعدد الحسابات الجارية لشخص واحد وهل يجوز العكس أي أن يكون الحساب
المفتوح لعدة اشخاص؟
يمكننا الإجابة
على هذه التساؤلات وذلك وفقاً لما يراه شراح التشريعات المالية والمصرفية من أنه يجوز
أن تفتح عدة حسابات لشخص واحد لدى نفس البنك ويستقل كل حساب عن الآخر في هذه
الحالة بحيث لا يجوز للبنك اجراء عمليات المناقلة أو المقاصة بين هذه الحسابات دون
إذن مسبق أو أمر مسبق من العميل فقد يكون العميل مديناً بأحد الحسابات ودائناً في
الحساب الآخر كما لا يجوز خلط هذه الحسابات مع بعضها أو تغطية التزامات العميل
بأحد الحسابات من حساب آخر إلا بطلب من العميل نفسه كما أنه يجوز ايضاً فتح حساب
واحد لعدة أشخاص كما في حالة الإرث أو الشراكة وفي هذه الحالة لا يتم إجراء
التسويات النقدية على الحساب إلا بموافقة كافة الشركاء فاتحي الحساب أو بتفويض
منهم لأي منهم بطلب التسوية في السحب من الحساب المشترك بينهما أما الإيداع في
الحساب فلا يستلزم موافقة العميل أو الشركاء(1).
2-آثار قيد
المفردات وفقاً لما نصت عليه المادة(369) تجاري يمني التي نصت على الآتي:
1-يتجدد كل طلب بإدخاله إلى الحساب الجاري، ولا تسري على
هذا الطلب قواعد التقادم والفوائد التي كانت تسري عليه قبل قيده في الحساب.
2-تكون المفردات المقيدة في الحساب الجاري بمجموعها غير
قابلة للتجزئة قبل غلق الحساب واستخراج الرصيد.
3-لا تجوز المقاصة بين مفرد في
الحساب الجاري ومفرد آخر في الحساب ذاته.
4-تنتقل إلى الرصيد ضمانات التنفيذ
التابعة لمفرد من المفردات وبقدر هذا المفرد المضمون.
5-لا يؤدي قيد المفرد في الحساب إلى
استبعاد ممارسة الدعاوى والدفوع الخاصة به وإذا قضى ببطلان أحد المفردات أو
بإبطاله أونسخه وجب تنزيل هذا المفرد من الحساب.
مادة(370): حقوق صاحب الحساب: -
1-يجوز لصاحب الحساب أن يتصرف في أي
وقت في رصيده الدائن، ما لم يتفق على ضرورة إخطار سابق.
2-إذا دفع شخص غير صاحب الحساب
مبلغاً في الحساب، جاز لصاحب الحساب أن يرفض المبلغ كتابياً بعد إشعاره، وحينئذ
يجب تنزيل المبلغ من الحساب فيعاد نقدا إلى الدافع أو يقيد في حساب (أمانات) ويطلب
من الدافع الحضور لقبضه ولا يعتبر هذا المبلغ حجة على صاحب الحساب.
مادة(371): واجب الأمانة والثقة:
-لا يجوز لصاحب الحساب أن يخل بالثقة في التعامل
والأمانة المتطلبة منه يحطر عليه بالأخص أن يودع في الحساب شيكا مسحوبا لا يقابله
رصيد.
مادة(372): تحصيل الشيكات والسندات:
1-لا يجوز للعميل أن يسحب قيمة
الشيكات أو السندات المسحوبة على فروع أخرى للبنك أو على بنوك أخرى إلا بعد تحصيل
قيمتها من الفروع أو البنوك المسحوبة عليها.
2-وإذا لم تحصل الشيكات أو السندات
وجب تنزيل قيمتها من الحساب.
مادة(373): سرية
الحسابات:
1-سرية الحسابات مكفولة ولا يجوز لأي
شخص من خارج البنك ولا لأي موظف غير مسئول أن يطلع عليها.
2-ولا تعطى المعلومات على أي حساب
إلا للشخص أو للأشخاص الذين يفتح الحساب باسمهم ما لم يوجد إذن خطي من صاحب الحساب
يسمح بغير ذلك.
مادة(374): ملحقات
المدفوعات:
1-لا تنتج المدفوعات في الحساب
الجاري فوائد ولا يجوز احتساب فائدة على الفوائد إلا إذا اتفق على ذلك صراحة.
2 -تظل قائمة حقوق البنك في تحصيل
العمولة وتعويض المصروفات المرتبطة بتنفيذ العمليات ما لم يتفق على غير ذلك.
مادة(375): المقاصة
بين الحسابات:
-إذا وجدت عدة علاقات أو حسابات بين
البنك والعميل، جاز إجراء المقاصة بين أرصدة الحسابات ولو كانت بعملات مختلفة ما
لم يتفق على غير ذلك.
مادة(376): مسئولية
البنك:
ا-يكون البنك مسئولاً عن أي قيد غير
صحيح للمدفوعات في حساب العميل أو أي تنفيذ غير صحيح للسحب من الودائع ما لم يثبت
البنك أن القيد أو السحب قد جرى بخطأ العميل.
2-يسأل البنك عن تنفيذ تعليمات
العميل طبقاً لقواعد الوكالة.
مادة(377): قطع الحساب:
-يقطع الحساب الجاري في المواعيد المتفق عليها بين
الطرفين وفي نهاية كل سنة مالية على الأكثر ويستخرج رصيده الدائن أو المدين، ولا
يؤدي ذلك إلى غلق الحساب بل يظل مفتوحاً ويرحل رصيده إلى الحساب ذاته ويستأنف
حركته في اليوم التالي لقطعه.
(387): الموافقة
على الحساب:
ا-يعتبر كشف الحساب المقدم من البنك
إلى العميل موافقاً عليه من قبل هذا الأخير، إذا انقضت مدة معقولة يحددها البنك
دون اعتراض.
2-على أن الموافقة على الكشف لا تمنع من جواز
طلب تصحيح غلطات القلم وغلطات الحساب والإغفال أو التكرار وذلك خلال سنة من استلام
كشف الحساب.
مادة(379): غلق الحساب الجاري:
يغلق الحساب الجاري لأحد الأسباب الآتية:
-
أ-انتهاء المدة المحددة للحساب،
ويجوز إغلاقه قبل انتهاء هذه المدة باتفاق الطرفين.
ب-بناء على طلب صاحب الحساب أو البنك
إذا كان الحساب مفتوحاً لمدة غير محددة، مع مراعاة مواعيد الإخطار المتفق عليها،
فإذا لم يتفق على ميعاد وجب إجراء الإخطار قبل أسبوعين.
ج-موت المواطن أو إخضاعه للتصفية أو
اعتباره عديم أهلية الأداء أو ناقص أهلية الأداء أو انتهاء الشخص الاعتباري صاحب
الحساب.
د-عدم تحرك الحساب مدة سنة من آخر
قيد.
مادة(380): آثار
غلق الحساب:
1-يترتب على غلق الحساب الجاري
اعتبار دين الرصيد حالاً. وتوقف الفوائد من تاريخ غلق الحساب، ما لم يتبين غير ذلك
من الاتفاق أو الظروف.
2-يتقادم دين الرصيد وفوائده طبقاً
للقواعد العامة.
الخاتمة:يتضح مما سبق ذكره أنفا
بأن عقد الحساب الجاري له احكامه القانونية الخاصة به والمنظمة له كما أن له أهميته
الخاصة أيضاً في مجال المعاملات المالية والمصرفية وتتجلى فوائده فيما يمثله من أهمية
خاصة لطرفي التعاقد(العميل والبنك)حيث يسهل للعميل حفظ أمواله وحمايتها من المخاطر
كالسرقة ونحوها وكذا تحقيق حريته للتصرف في الأموال التي في حسابه الجاري بتحويلها
أو السحب منها فضلاً عن انتفاعه من الخدمات التي يقدمها له البنك كالحصول على
دفاتر الشيكات واستخدام المبالغ المودعة في البنك كضمان قرض أو اعتماد مستندي وكذا
الحصول على الخدمات المصرفية عبر الهاتف أما بالنسبة للبنك فتكمن أهمية الحساب
الجاري في استثمار الأموال المودعة لديه وتوفير السيولة وتوسيع عمليات الائتمان
عبر خلق الودائع واستثمارها فضلاً عن العمولات المالية التي يتقاضاها البنك من كل
عملية مصرفية تجري بواسطة عملائه.
تم بحمد الله
المراجع:
المرجع الأساسي/القانون التجاري اليمني رقم(32)
لسنة1991م.
(1) -المبسط في احكام التشريعات المالية التجارية
والمصرفية اليمنية د/عبد الخالق صالح معزب.