إن جريمة خيانة الأمانة من الجرائم التي نص
قانون الجرائم والعقوبات على تجريمها وذلك استناداً إلى نص المادة (318) من قانون
الجرائم والعقوبات اليمني: [يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من ضم
إلى ملكه مالاً منقولاً مملوكاً للغير سُلم إليه بأي وجه].
- أركان جريمة خيانة الأمانة هي:
1-الركن المفترض:
يتحلل هذا الركن إلى عنصرين:
العنصر
الأول: المال موضوع الجريمة شروطه:
1-منقولاً ذا قيمة مادية مثل: النقود، والبضائع،
والأمتعة، والأوراق التي تتضمن إثباتاً لحقوق أو إبراءً من ديون كالكمبيالات
والشيكات، أو ذا قيمة اعتبارية مثل: أوراق خاصة لها قيمة لدى صاحبها أو
مذكرات شخصية أو غير ذلك مما له قيمة لدى صاحبه.
2-أن يكون له طبيعة مادية أي كيان ملموس،
ولذلك فإن من يؤتمن على سر اختراع أو أفكار فيفضي بها أو يبيعها لا يُسأل عن جريمة
خيانة الأمانة.
3-أن يكون المال المنقول مملوكاً للغير،
فإذا كان المال ملكاً للجاني فلا تقوم الجريمة حتى لو كان معتقداً أن المال مملوكاً
للغير، غير أنه لا يلزم أن يكون المال كله غير مملوكٍ للجاني فيعتبر خائناً
للأمانة الشريك الذي يتولى إدارة المال المشترك فيبدد جزءاً منه.
العنصر الثاني: التسليم السابق بقصد الحيازة
الناقصة:
أ-معنى التسليم:
عمل قانوني قوامه انعقاد إرادتين على نقل
الحيازة من شخص إلى آخر، ويشترط أن يصدر عن إرادة صحيحة فإذا كان قد تم نتيجة
التدليس أو الاكراه فلا تقوم جريمة خيانة الأمانة وإنما تقوم جريمة نصب.
ب-حدوث التسليم:
ويُشترط لقيام الجريمة أن يكون قد تم تسليم
المال موضوع الجريمة فإذا لم يحدث تسليم فلا تقع الجريمة ولو كان هذا المال في
حيازة الفاعل، كما في حالة المدين الذي يدفع جزءاً من الدين ويتعهد للدائن أن يدفع
الباقي ثم لا يقوم بالسداد.
والتسليم يحصل من المجني عليه إلى الجاني ويصح أن
يتم التسليم من وكيل المجني عليه، كما يصح أن يتم التسليم إلى من ينوب عن الجاني.
ج-نوع التسليم:
التسليم قد يكون فعلياً أو عن طريق المناولة يداً
بيد، وقد يكون اعتبارياً بتغيير نوع الحيازة، كما أن التسليم قد يكون رمزياً صرفاً
فلا يقع تسليم المال محل الجريمة وإنما يتم تسليم أشياء أخرى تعد رمزاً لها كتسليم
مفتاح السيارة.
د-بقصد الحيازة الناقصة:
بمعنى أن المستلم يكون قد استلم الشيء على ذمة
مالكه لحفظه أو استعماله في أمرٍ معينٍ لمنفعة المالك أو غيره ورده بعد ذلك إلى
المالك أو من كفله المالك بتسليمه إليه، ويترتب على ذلك أن يخرج من نطاق النص
الخاص بجريمة خيانة الأمانة التسليم بقصد الحيازة الكاملة والتسليم العارض.
التسليم بقصد الحيازة الكاملة:
العامل الذي يقبض أجراً على عمل تم الاتفاق عليه
مع صاحب العمل سلفاً ثم يتصرف بالأجر ولا يفي بالتزاماته بالقيام بالعمل الذي سبق
وأن تم الاتفاق عليه لأنه تسلم الاجر على سبيل الحيازة الكاملة.
التسليم العارض:
إذا تسلم الشخص منقولاً مملوكاً لغيره للاطلاع
عليه تحت اشراف ورقابة صاحبه ثم أنكر استلام الشيء أو أبى رده فلا يعد مرتكباً
لجريمة خيانة أمانة وإنما يُسأل عن جريمة سرقة.
2-الركن المادي:
يتمثل هذا الركن في أمرين:
أ-الاختلاس:
(هو قيام الجاني بممارسة سلطات المالك على الشيء
دون أن يترتب على ذلك خروج الشيء من حيازته)
وقد يُستفاد الاختلاس من الامتناع عن رد الشيء
لصاحبه، غير أن التأخير في رد الشيء أو الامتناع لا يتحقق به السلوك الاجرامي
لجريمة خيانة الأمانة ما لم يكن مقروناً بنية تملكه.
ب-التبديد:
(هو قيام الجاني بممارسة سلطات المالك على الشيء
بما يخرجه من حيازته كالبيع أو الاستهلاك أو الهبة للغير مما يحول دون إمكان رده إلى
صاحبه).
ولا يكفي مجرد خروج الشيء من حيازة الأمين لتوفر
التبديد وإنما لا بد أن يسبق ذلك أو يقترن به اتجاه إرادة الأمين إلى تغيير
الحيازة من ناقصة إلى كاملة، وبالتالي لا يعد تبديداً مجرد تسليم الأمين الشيء
المؤتمن عليه إلى غيره ما لم يثبت أنه قصد من وراء ذلك التصرف تملك الشيء والظهور
عليه بمظهر المالك.
3-الركن المعنوي:
يتمثل هذا الركن في أمرين:
أ-العلم:
لا بد أن يعلم الجاني أنه تسلم المال على وجه الحيازة الناقصة، فإذا اعتقد الجاني
أنه تسلم المال على سبيل الحيازة الكاملة فان القصد الجنائي ينتفي.
ب-الإرادة: يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى
ضم المال إلى ملكه، ولذلك لا يمكن اعتبار المتهم مرتكباً لجريمة خيانة الأمانة
لمجرد امتناعه عن رد المنقولات التي تسلمها لإصلاحها مع وجود نزاع جدي على مقدار
الاجر وعدم الوفاء به كاملاً.
جريمة خيانة الأمانة على عامل مندوب المبيعات:
إذا كانت
البضائع محل الجريمة قد دخلت حيازة العامل ابتداءً حيازة كاملة ودائمة بعلاقة
قانونية صحيحة كمندوبي المبيعات براتبٍ شهري الذين يتسلمون بضاعة من الشركة بحكم
عملهم كمندوبين ولم يحصلوا أثمانها أو يوردوها إلى خزينة الشركة، ينشـأ بذلك الحق
للعامل التصرف بالبضائع المباعة لنفسه ولحسابه؛ إذا كان الثابت أن الشركة قامت
ببيع البضاعة لهم بفواتير وكشوفات حساب تثبت ذلك ولو كانت الفواتير آجلة وبسعر
محدد باعتبارهم عميلين طالما لم يتم تسليم البضائع كعهدة.
وكون البيع
مشروطاً بأن يدفع الثمن لاحقاً فلا حق للمدعي بعد ذلك سوى المطالبة بالوفاء
بالالتزام التعاقدي تسليم الاثمان الآجلة للبضائع المباعة له.
ومع افتراض
تنصل العامل عن الوفاء بالالتزام التعاقدي تسليم اثمان البضاعة فلا تنشأ مع ذلك
جريمة خيانة الأمانة في مواجهته بأي حالٍ من الأحوال كون المعلوم أنه يُشترط لقيام
الجريمة أن تنتقل الحيازة في المال المنقول إلى يد الجاني بصورة حيازة مؤقتة فقط،
ثم يقوم من تلقاء نفسه بتغيير حيازته الناقصة للمال إلى حيازة كاملة ودائمة يجحد
معه حق مالكها عليها ويتصرف بها تصرف المالك
هل يجوز التمسك بأن العامل يعمل لدى الشركة
كمندوب مبيعات براتب شهري ولا تناكر على ذلك وبالتالي تقوم جريمة خيانة الأمانة لأن
البضائع تتبع الشركة؟
المعلوم
أن مقتضى عقود الأعمال الخاصة أن تكون المهام والاعمال المتفق عليها منسوبة
ولمصلحة رب العمل، وتكون التزامات العامل لدى تنفيذ العمل محل التعاقد مرجعها عقد
العمل ومسؤوليته تؤسس على الاخلال بالعقد المبرم بينهما، إلا أنه إذا تبين أن رب
العمل قد اتجه بعد التعاقد مع العامل ابتداءً إلى إنشاء علاقة قانونية أخرى مغايرة
لمقتضى ما تضمنته علاقة عقد العمل وهي تسليم البضائع له بصفة متعاقد في علاقة بيع بالآجل
هو أحد طرفيها المشتري، وعليه فان التزامه بالوفاء بأثمانها نابع من علاقة البيع
الموثقة بينهما بفواتير البيع وكشوفات الحساب وليس من عقد العمل الموقع بينهما.
ما
هي الحالة التي يمكننا معها تغيير التكييف القانوني لاستيلاء العامل على مال رب
العمل من خيانة أمانةٍ إلى سرقة؟
بناءً على ما سبق نستطيع القول بأن الخط
الفاصل هنا يكشفه الركن المادي لخيانة الأمانة في عنصره الأول (ركن التسليم)،
فلوقوع جريمة خيانة الأمانة لابد - كما ذكرت أعلاه - من تسليم المال المثلي أو
العيني من المجني عليه (رب العمل) إلى الجاني (العامل)، فانتفاء ركن التسليم يغير
التكييف القانوني للجريمة، فإذا استولى العامل على مال رب العمل دون أن يقوم
الأخير بتسليم المال للعامل، شكَّل فِعْلُ العامل جريمةَ السرقة وليس جريمة خيانة
الأمانة، فخيانة الأمانة لا تقع إلا إذا تم تسليم المؤتمن عليه إلى الجاني،
فالتسليم واجبٌ لقيام جريمة لخيانة الأمانة، ولا يتصور قيام الأمين باستعمال الشيء
أو التصرف فيه إلا إذا كان المال بحوزته قبل ارتكاب الجريمة.
إعداد سمر عبد السلام
شركة الربيعي وشركاؤه للخدمات القانونية