صيغ الطلاق وأنواعه
صيغ الطلاق نوعان: إما أن تكون صريحة أو كناية.
اولا: الصريح في القانون:
نصت المادة 58 شخصية على:
الطلاق الصريح: وهو ما كان بلفظ
الطلاق وحده, وما تصرَّف منه, كطلقتك، أو أنت طالق، أو علي الطلاق ونحو ذلك.
اللفظ الصريح في الطلاق هو:
اللفظ الذي لا يستعمل إلا في حَلِّ عقدة النكاح
في عرف من نطق به، والسامع له، والموجَّه إليه، بناء على الوضع اللغوي لهذا اللفظ،
أو بناء على العرف العام عند الناس في استعمال هذا اللفظ في هذا المعنى.
تعيين الألفاظ الصريحة في
الطلاق:
في تعيين الألفاظ التي ينطبق عليها هذا الوصف اختلافاً
بين الفقهاء كالآتي:
مذهب الحنابلة: اللفظ الصريح عندهم في الطلاق هو لفظ الطلاق وما تصرّف منه فقط، فلو قال:
أنت طالق أو طلاق أو الطلاق، أو طلقتك، أو مطلَّقة فهو صريح لا غير, ومثله مذهب المالكية،
فيلزم بهذه الألفاظ الطلاق ولا يفتقر إلى النيَّة.
مذهب الحنفية: هو لفظ الطلاق أو التطليق مثل: أنت طالق، أو أنت الطلاق. ومن الصريح اللفظ
المصحَّف في لفظ الطلاق حسب لهجة من ينطق الطلاق مثل: طلاغ، تلاغ، طلاك، تلاك،
تلاق .
ومن الصريح عندهم لفظ الحرام إذا تعارف قوم على إطلاق
لفظ الحرام على الطلاق وصاروا يستعملونه عند إضافته إلى المرأة، فلو قال لزوجته:
أنت عليّ حرام وقع الطلاق.
مذهب الشافعية: صريحة جزماً الطلاق وما اشتق منه، وكذا من صريحه
الفراق و السراح وما اشتق منهما على المشهور فيهما لاشتهاره لغة وعرفا ولورودهما
في القرآن بمعنى الطلاق. وعلى المشهور عندهما أيضاً الخلع .
حكم اللفظ الصريح في الطلاق:
الطلاق يقع به مادام الناطق به يعرف مدلوله، ولا يشترط
لوقوع الطلاق به نيَّة إيقاع الطلاق، لأن اللفظ صريح في دلالته على إرادة الطلاق
بالتلفظ به، والنية إنما تعمل في تعيين المبْهم لا الصريح، وقال تعالى: )
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ( شرع الطلاق من غير شرط النية، ولأن رسول الله لم
يسأل عبد الله بن عمر لما طلق امرأته في حال الحيض هل نوى الطلاق أو لم ينوِه، ولو
كانت النية شرطاً لسأله. وعلى هذا إجماع الفقهاء، فلو قال: لم أنْوِ به الطلاق لم
يقبل، ولو قال: أردت أنها طالق من وثاق، لم يصدق في القضاء، وكذا لا يسع المرأة أن
تصدقه لأنه خلاف الظاهر، ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى.
ما يقوم مقام اللفظ الصريح:
تقوم الكتابة مقام اللفظ الصريح عند جمهور الفقهاء وخالف
في ذلك الظاهرية، كما يقوم مقام اللفظ الصريح إشارة الأخرس الدَّالة على إرادته
إيقاع الطلاق.
الكتابة نوعين: مستبينة واضحة وغير مستبينة:
غير مستبينة: كالتي تكتب على الهواء أو على الماء، وهذه لا يقع
بها طلاق وإن نواه.
الكتابة المستبينة: وهي التي لها بقاء بعد كتابتها كالتي تكتب على الورق، وهي نوعان: مرسومة،
وغير مرسومة، أما المرسومة فهي المكتوبة على طريق الخطاب والرسالة ومعنونة إلى
الزوجة، كأن يكتب إليها زوجها:
أما بعد، يا
فلانة فأنت طالق، فيقع الطلاق بفراغه من كتابة هذه العبارة لأنها منجَّزة، أما إذا
كانت معلقة كما لو قال لها: يا فلانة إذا وصلك كتابي هذا فأنت طالق، فإن الطلاق لا
يقع إلا من وقت وصول الكتاب إليها.
وأما غير المرسومة فهي غير المعنْوَنة إلى الزوجة كأن
يكتب على ورقة:
فلانة زوجتي
طالق، فإن نوى الطلاق وقع وإلا لم يقع، لأن الكتابة على هذا الوجه قد تكون بقصد
تجويد الخط وتجربة القلم فلا يحمل ما كتبه على إرادة الطلاق إلا بالنية.
طلاق الأخرس: يقع بالإشارة المفهومة، لأنها صارت معهودة
فأقيمت مقام العبارة دفعاً للحاجة، ويعتد بإشارته ولو قدر على الكتابة، ولكن لا
يقع الطلاق بإشارة القادر على النطق.
صيغة الطلاق غير الصريحة: (الكناية)
يقصد بألفاظ الكناية في الطلاق
كل لفظ يستعمل في الطلاق، وفي غيره، مثل قول الرجل لزوجته:
أنت بائن، أو أنت خَليّة، أو أمرك بيدك، أو
الحقي بأهلك ... وسمي هذا النوع من الألفاظ كناية، لأن الكناية في اللغة اسم لفظ
استتر المراد منه عند السامع، وهذه الألفاظ استتر المراد منها عند السامع، فإن
قوله: أنت بائن يحتمل البينونة عن النكاح، ويحتمل البينونة عن الخير أو الشر،
وقوله: الحقي بأهلك يحمل على الطلاق لأن المرأة تلحق بأهلها إذا صارت مطلقة، ويحمل
على أن الزوج أراد بقوله هذا الطرد والإبعاد عن نفسه مع بقاء النكاح، وإذا احتملت
هذه الألفاظ الطلاق وغير الطلاق فقد استتر المراد منها عند السامع فافتقرت إلى
النية لتعيين المراد .
الكناية يقع بها الطلاق بالنية
:
إذا كانت ألفاظ الكناية يقع بها الطلاق إذا تعينت
بالنية، فالطلاق يقع بها إذا نواه الزوج، أي إذا قصد بنطقه بها إيقاع الطلاق على
زوجته، وهذا عند جمهور الفقهاء خلافاً للظاهرية لا يرون وقوع الطلاق بألفاظ الكناية.
شروط وأحوال وقوع الطلاق
بالكناية:
ألفاظ الكنايات في الطلاق المعتبر منها ما يشهد له العرف
واستعمال الناس بأنه كناية، ولا يكفي أنه مذكور في كتب الفقه لأن العرف أو استعمال
الناس قد يتغيّر، نبّه إلى ذلك الإمام الأصولي والفقيه القَرَّافي وهو يتكلم عن الكنايات
في الطلاق وما يقع بها فقال:
إن مالكاً أو غيره من العلماء إنما أفتى في هذه الألفاظ
بهذه الأحكام لأن زمانهم كان فيه عوائداً اقتضت نقل هذه الألفاظ للمعاني التي
أفتوا بها فيها، فإذا وجدنا زماننا عُرْياً عن ذلك وجب علينا أن لا نفتي بتلك
الأحكام من وقوع الطلاق بها أو عدم وقوعه في هذه الألفاظ، لأن انتقال العوائد يوجب
تغيّر الأحكام. انتهى
وعليه فما يعتبر
من ألفاظ الكنايات في الطلاق هو ما يعتبره عرف الناس وعاداتهم في استعمال هذه
الكنايات في الطلاق مريدين بها إيقاع الطلاق., لأن الفقه في المذاهب قد استعاض في
تعيين ألفاظ الكنايات في الطلاق.
أولا: مذهب الحنفية:
إذا تلفظ الزوج واحداً من ألفاظ الكناية فالحال لا يخلو
بين الزوجين عند تلفُّظه بذلك: إما أن تكون حالة الرضا وابتدأ الزوج بالنطق بلفظ
الكناية. وإما أن تكون الحالة حالة مذاكرة الطلاق، أو سؤال الزوجة الطلاق، وإما أن
تكون الحالة حالة غضب وخصومة.
الحالة الأولى: حالة الرضا بين الزوجين:
إذا ابتدأ الزوج بالنطق بلفظ كناية الطلاق فإنه يُسأل عن بيته، وهل أراد الطلاق
بما تلفّظ به أم لا، ويصدَّق في قوله في جميع ألفاظ الكنايات بأنه أراد الطلاق،
كما يُصدَّق في قوله ما أردت بها الطلاق مع حلف اليمين.
الحالة الثانية: حالة مذاكرة الطلاق أو
حالة الغضب والخصومة، فلهذه الحالتين ثلاثة أقسام:
أ- يشتمل القسم الأول خمسة ألفاظ هي: أمرك بيدك،
استبرئي رحمك، أنت واحدة. والطلاق يقع بهذه الألفاظ . ولا يصدق بأنه ما أراد بها
إيقاع الطلاق، لأن هذه الألفاظ وإن كانت تحتمل إرادة الشتم، فتعينت الحالة للدلالة
على إرادة الطلاق بدلالة الحال في ظاهر كلامه.
ب- يشمل هذا القسم خمسة ألفاظ أيضاً من ألفاظ الكنايات
وهي:
خليَّة، وبريئة، وبته، وبائن، وحرام، وهذه الألفاظ كما
تصلح للشتم تصلح لإرادة الطلاق، فإن الرجل يقول لأمرأته عند إرادة الشتم: أنت خلية
من الخير، بريئة من الصلاح، بائن من الإحسان، بتة من المروءة، حرام العشرة معك،
فيبقى اللفظ محتملاً على نفسه للطلاق وغيره، فإذا قصد به غيره فقد نوى ما يحتمله
كلامه والظاهر لا يكذبه فيصدَّق في القضاء.
ج- هذا القسم يشمل بقية ألفاظ الكنايات غير ألفاظ
القسمين الأول والثاني مثل:
لا سبيل لي
عليك، أو لا نكاح لي عليك، أنت حرَّة، أو قومي، أو أخرجي، أو اغربي، أو انطلقي، أو
انتقلي، أو تقنَّعي، أو استتري، أو تزوّجي، أو ابتغي الأزواج، أو الحقي بأهلك ونحو
ذلك.
وهذه الألفاظ لا تصلح للشتم، ولكن تصلح للتبعيد والطلاق،
لأن الإنسان قد يبعد الزوجة عن نفسه حال الغضب من غير طلاق، فالحال لا يدل على
إرادة أحدهما: التبعيد والطلاق، فإذا قال: ما أردت بهذا اللفظ إيقاع الطلاق فقد
نوى ما يحتمله لفظه والظاهر لا يخالفه فيصدّق في القضاء.
ثانياً: مذهب الحنابلة:
قالوا: الكنايات في الطلاق نوعان: ظاهرة، وخفية:-
أ- أما الكنايات الظاهرة فهي ست عشرة كناية: أنت خليّة،
بريَّة، بائن، بتَّة، = أي مقطوعة، تْلة أي منقطعة أنت حرة، أنت الحرج أي الحرام
والإثم حبلك على غاربك، تزوجي مَن شئت، حللْتِ للأزواج، لا سبيل لي عليك، لا سلطان
لي عليك، اعتفُتك، غطِّي شعرك، تقنّعي، أمرك بيدك .
ب- النوع الثاني وهو الكنايات الخفية فمثل: اخرجي،
اذهبي، وذوقي وتجرّعي، خلَّيتُك، أنت مُخلاَّه، أنت واحدة، لستِ لي بامرأة،
المتدِّى، استبرئي، اعتزلي، الحقي بأهلك، لا حاجة لي فيك، ما بقى شيء، أعفاكِ
الله، الله قد أراحني منك، اختاري، جرى القلم، أبرأك الله، فرّق الله بيني وبينك
في الدنيا والآخرة.
: والكناية الظاهرة والخفية لا
يقع بها طلاق إلا أن ينويه بنية مقارنة اللفظـ، أو ما يقوم مقام النية كحالة الغضب
والخصومة، أو عند جواب سؤالها الطلاق، فيقع الطلاق في هذه الحالة ولو بلا نيَّة
لأن دلالة الحال كالنيّة. فيقبل منه قوله في الفُتْيا، أما في القضاء فلا يقبل منه
ما دلت عليه الحال.
مذهب الشافعية:
* لا يقع الطلاق إلا بصريح أو
بكناية مع النيّة، وكناية الطلاق ألفاظ كثيرة، منها: أنت خلية، برية، بتَّة، بتلة،
بائن، اعتدى، استبرئي رحمك، الحقي بأهلك، حبلك على غاربك، اغربي، تقنَّعي، تستّري،
لا حاجة لي فيك، أنت وشأنك، أنت وليَّة نفسك، فلو نوى بأي لفظ من هذه ونحوها صار
طلاقاً، سواء في حالة الرضا أو في حالة الغضب، وسواء سألته الطلاق أو لم تسأله.
مذهب المالكية:
قالوا: كنايات الطلاق الظاهرة:
بتّة، حبلك على غاربك، اعتدِّي، يقع بها الطلاق وإن لم ينوِه، فلها حكم اللفظ
الصريح في الطلاق.
وأما الكنايات الخفية: ادخلي، اذهبي، انطلقي، خلَّيْت
سبيلك، فيقع بها الطلاق إذا نواه.
ما يقع من الطلاق بالكناية:
* اختلفوا فيما يقع به الطلاق
بألفاظ الكنايات، هي هل طلقة رجعية أم بائنة، وهل تطلق طلقة واحدة أو أكثر,
والراجح جعلها طلقة واحدة رجعية، لأن الأصل في الطلاق أن يكون رجعياً.
أحوال الصيغة:
* الطلاق الواقع قد يكون فورياً
وهو الطلاق المنجّز، وقد يكون بصيغة مضافة إلى زمن ماضٍ، وقد تكون مضافة إلى زمن
مستقبل، وقد تكون معلقة على شرط، وقد تكون بصيغة الحِلف.
صيغة الطلاق المنجزة:
* يقصد بها الصيغة التي تكون
مطلقة، لا مضافة إلى زمن ولا إلى شرط. كقول الرجل لزوجته: أنت طالق. وهذه هي الصيغة
الأصل في الطلاق.
ولا خلاف بين الفقهاء في وقوع الطلاق بالصيغة
المنجزة فوراً إذا توافرت في الزوج المطلق، وفي الزوجة الواقع عليها الطلاق الشروط
المطلوبة، وتترتب على هذا الطلاق آثاره المقررة شرعاً.
صيغة الطلاق المضافة إلى زمن ماضٍ
* إذا قال لزوجته: أنت طالق
أمس، أو الشهر الماضي، أو السنة الماضية وقصد أن يقع الطلاق إلى الزمن الذي أضاف
الطلاق إليه، يقع الطلاق في الحال بشرطين: الأول: أن يكون الزوج المطلق أهلاً
لوقوع الطلاق وقت صدور الصيغة منه. الثاني: أن تكون الزوجة محلاًّ للطلاق في وقت
إنشائه بصيغة الماضي، وأن تكون كذلك محلاً للطلاق في الوقت الذي أسند إليه الطلاق
بهذه الصيغة.
قال الشافعية تعليلاً لذلك: يقع الطلاق بلفظه
ويلغو قصد الاستناد إلى الزمن الماضي لاستحالته. وقال المالكية: يقع في الحال
باعتبار أن الطلاق بصيغة الماضي من نوع الهزل، وطلاق الهازل يقع في الحال.
لا يقع الطلاق عند الظاهرية إلا
إذا أضيف إلى زمن ماضٍ أو مستقبل. لأنه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع ذلك.
صيغة الطلاق المضافة إلى زمن مستقبل:
يقع الطلاق في الوقت المعين في
الصيغة عند جمهور الفقهاء، فإذا قال لزوجته: أنت طالق غداً، وقع الطلاق حين يطلع
فجر الغد، وإذا قال لها: أنت طالق في شهر كذا، وقع بأول جزء منه لتحقيق الاسم بأول
جزء منه فيقع الطلاق في أول ليلة يُرى فيها الهلال، لأنه جعل ذلك الوقت ظرفاً
للطلاق، فإذا وُجد ما يكون ظرفاً عيَّنه طُلِّقت.
قال المالكية:
الطلاق المضافة إلى زمن مستقبل يقع حالاً ولا
ينتظر له حلول الوقت المضاف إليه الطلاق، لمنع أن يكون شبيهاً بنكاح المتعة، فإنه
إذا قال لزوجته في أول رجل: أنت طالق في نهاية رجب، فمعنى ذلك أن النكاح بينهما
يبقى لمدة شهر فقط ثم يزول وينقطع في نهاية رجب فيكون نكاحاً مؤقتاً فيكون هذا
شبيهاً بنكاح المتعة، وإلا لم يجز تأجيل الطلاق وقع في الحال.
: الظاهرية لا يقع هذا الطلاق
لا في المستقبل الذي عيَّنه الزوج ولا في الحال.
قال بعض العلماء:
إذا قلنا أن الأصل في الطلاق
الحظر ويباح للحاجة، فإن إضافة الطلاق للمستقبل تشعر بأن لا حاجة إلى الطلاق في
الوقت الحاضر، وأما قول المالكية بأن إضافة الطلاق إلى المستقبل هو من قبيْل توقيت
النكاح فغير صحيح لأنه توقيت للطلاق وليس توقيت للنكاح الصحيح، كما أن النكاح لا
يجوز فيه التعليق ويجوز في الطلاق التعليق.
صيغة الطلاق المعلقة على شرط:
صيغة الطلاق المعلقة على شرط
تعني أن المطلق يربط حصول الطلاق بحصول ما اشترطه من شرط هو محتمل الوجود، كأن
يقول لزوجته: إن خرجت من الدار بغير إذني فأنت طالق فهو قد ربط حصول الطلاق بحصول
ما اشترطه وهو خروجها من الدار بغير إذنه، وهو أمر محتمل الوجود، والجمهور على أن
الطلاق المعلق على شرط يقع إذا تحقق الشرط خلافاً للظاهرية.
يشترط لصحة تعليق الطلاق على
شرط كون الشرط متردِّداً بين أن يوجد وأن لا يوجد أي محتمل الوقوع فلا يصح التعليق
المحقق الوجود، ولا بالشرط المستحيل، فإذا قال لزوجته: أنت طالق إن كانت السماء
فوقنا، فهذا شرط محقق الوجود، فيلغو الشرط وتكون الصيغة منجزة حقيقة وإن جاءت بصيغة
التعليق ظاهراً، فيقع الطلاق بها منجزاً، وكذلك لو قال لها: أنت طالق إن دخل الجمل
في سمِّ الخياط، فالشرط في هذه الصيغة شرط مستحيل، فيلغو الشرط ولا يقع الطلاق
بهذه الصيغة أصلاً، لأن الغرض من إيراد هذا الشرط في الصيغة تحقيق نفي الطلاق حيث
علَّقه بشيء محال.
تعليق الطلاق على مشيئة الله
تعالى، كما لو قال: أنت طالق إن شاء الله تعالى، فهذا التعليق لا يقع به الطلاق،
لأن مشيئة الله تعالى لا يطلع عليها أحد، فكان كالتعليق على شرط مستحيل، فيكون
نفْياً للطلاق وليس إرادة وقوعه.
وقال الشافعية:
لو قصد بها
التَّبرُّك وقع الطلاق، ولأحمد ابن حنبل في ذلك قولين.
: قال المالكية: إن علَّق
الطلاق على شرط لابد أن يقع، أو علَّقه على أجل يبلغه عمر الإنسان عادة، كقوله: إن
دخل الشهر، فإن الطلاق يقع في الحال، ولا ينتظر وقوعه إلى حين حصول الشرط. وكذلك
قالوا: إن علق الطلاق على مشيئة الله تعالى وقع الطلاق حالاً، لأنه لا سبيل إلى
معرفة مشيئة الله تعالى.
الطلاق بصيغة الحلف:
لا يجوز إبطال التعليق بعد
صدوره.
فليس للمطلق طلاقاً معلقاً بشرط أن يبطل التعليق، لأن
إبطاله رفع له، وما وقع لا يرتفع، فإذا وجدت الصفة المعلق عليها الطلاق، وهي
المعبر عنها بالشرط، طُلقت لوجود الصفة وإن لم توجد لم تطلق.
وإن قال مَن علّق طلاقه بشرط لم أقصده ولم أُرِدْهُ وقع
الطلاق في الحال لأنه أقرّ على نفسه بإيقاعه، ويكون إقراره هنا صيغة طلاق في
الحال.
صيغة الحلف بالطلاق:
اختلف الفقهاء في اليمين بالطلاق أو الطلاق
المعلق على ثلاثة أقوال:
الأول: قال به أصحاب المذاهب الأربعة: يقع الطلاق المعلق
متى وجد المعلق عليه، سواء أكان فعلاً لأحد الزوجين، أم كان أمراً سماوياً، وسواء
أكان التعليق قسمِيًا أم شرطياً يقصد به حصول الجزاء عند حصول الشْرط .
أدلة الجمهور:
1- الكتاب مثل قوله تعالى: )
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ( فلم يفرق بين منجز ومعلق .
2- السنة: لقوله: "
المسلمون عند شروطهم "
أ- أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "
طلق رجل امرأته البتَّة إن خرجت، فقال ابن عمر: إن خرجت فقد بانت منه، وإن لم تخرج
فليس بشيء ".
ب- روى البيهقي عن ابن مسعود: " في رجل قال
لامرأته: إن فعلت كذا وكذا فهي طالق، ففعلته فقال: هي واحدة أي طلقة وهو أحق بها
" أي في رجعتها.
جـ- صح عن أبي ذر الغفاري: " أن امرأته لما ألحَّت
عليه في السؤال عن الساعة التي يستجيب الله فيها الدعاء يوم الجمعة قال لها: إن
عدت سألتني فأنت طالق "
د- أخرج ابن عبد البر عن عائشة رضي الله عنها قالت:
" كل يمين وإن عظُمت ففيها الكفارة إلا العتق والطلاق " .
هـ- روى البيهقي عن ابن عباس: " في رجل قال
لامرأته: هي طالق إلى سنة، قال: يستمتع بها إلى سنة ".
و- روى البيهقي عن فقهاء أهل المدينة: " أنهم كانوا
يقولون: أيما رجل قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت حتى الليل، فخرجت امرأته قبل
الليل بغير علمه، طُلقت امرأته " .
3- المعقول: حيث قد تدعو الحاجة
إلى تعليق الطلاق كما تدعو إلى تنجيزه زجراً للمرأة، فإن خالفت كانت هي التي
اختارت طلاقها المأذون لها في اختياره. فكأنه قال: اختاري إما الطلاق أو تنفيذ ما
أردت. كأن يقول لها: إن خرجت فأنت طالق ويجب أن لا تخرج ويخضها على ذلك، فهو قد
أعلمها أنه لا يريد خروجها وأنها إن اختارت الخروج فقد اختارت الطلاق، فاختارت هي
مخالفته ورغبت في الطلاق الذي خيّرها فيه.
القول الثاني: قال الظاهرية والشيعة الإمامية: الحلف
بالطلاق والطلاق المعلق لا يقع أصلاً. واستدلوا بقوله: " من كان حالفاً فلا
يحلف إلا بالله " .
ورُدّ عليهم: بأن التعليق في الحقيقة إنما هو شرط وجزاء،
فإطلاق اليمين عليه مجاز المشاركة الحلف في المعنى وهو الحث على الشيء أو على منعه
أو تأكيداً للخبر.
القول الثالث: قال ابن تيمية وابن القيم: إن التعليق على
شرط أو على وجه غير اليمين يقع الطلاق عند حصول الشرط، وإن التعليق قَسَمِيًا ووجد
المعلق عليه لا يقع ويجزيه كفارة يمين، وعند ابن القيم هو لغو لا كفارة فيه.
قالا: إن كان الحلف المقصود منه الحث على الفعل أو المنع
منه، أو تأكيد الخبر، :ان في معنى اليمين فيدخل في أحكام الأيمان في قوله تعالى: )
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ( وقوله سبحانه: ) ذَلِكَ
كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ (
وإن لم تكن يميناً شرعية كانت لغواً ورُدّ عليهم: بأن
الطلاق المعلق لا يسمى يميناً شرعاً ولا لغة، وإنما هو يمين على سبيل المجاز
المشابهة اليمين الشرعية في إفادة الحث على الفعل أو المنع منه أو تأكيد الخبر،
فلا يكون له حكم اليمين الحقيقي.
واستدعوا بما روى عن علي t أنه كان يقول: الحلف بالطلاق
ليس بشيء، ورُدّ عليهم أن ذلك كان أيام الاضطهاد يحلفون الناس بالطلاق والعتق حتى
يضطروهم للفعل أو المنع
انواع الطلاق:
أولا الطلاق السنّي : هو ما وافق السنة النبوية الشريفة.
وهو طلاق المرأة
المدخول بها ولم تكن حائضاً، وهو مباح في الشرع، ولصحّة حصول الطلاق السنّي، يجب
أن تتحقّق فيه
عدّة شروط على
النحو الآتي:
1-أن لا تكون المرأة حائضاً حال طلاقها، وعلى الرغم من
أنّ الطلاق يقع إذا طلّق الرجل المرأة وهي حائض، إلّا أنّه يكون قد اقترف ذنباً
عليه الاستغفار والتوبة منه.
2-أن لا تكون المرأة في طُهر جامعها فيه الرجل، وإذا
طلّقها الرجل في هذه الحالة فإنّ الطلاق يقع، ويكون الرجل قد اقترف ذنباً عليه
الاستغفار والتوبة منه، وحتى يقع الطلاق صحيحاً يجب أن ينتظرها حتى تحيض وتطهر ولا
يجامعها، ثمّ يُطلّقها بقوله: "أنت طالق"، أو "طلّقتك"، أو
"زوجتي فلانة طالق"، وإذا قال: "أنتِ طالق بالثلاثة"، أو
"أنتِ طالق طالق طالق"، فإنّه لا حاجة لهذه الزيادة؛ لأنّها لا تقع إلّا
طلقة واحدة، ويُعَدّ الزوج آثماً بقولها، ويحتاج إلى التوبة، والاستغفار.
ثانيا الطلاق البدعي: هو ما خالف السنة النبوية
قسّم العلماء
هذا النوع من الطلاق البدعي الذي يُعَدّ مُخالفاً للشرع إلى نوعَين، هما:
1
- من حيث الوقت:
بمعنى أنّ الوقت الذي
طلّقها فيه كان في وقت حيضتها، أو نفاسها، أو في وقت طُهرٍ جامعها فيه ولم يتبيّن
حملها، وهذا النوع من الطلاق يقع إلّا أنّ فاعله يأثم، وعليه أن يراجع زوجته إن لم
تكن الطلقة الثالثة، ويكون ذلك على النحو الوارد في قوله -صلّى الله عليه وسلّم-
لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما سأله عن ابنه الذي طلّق زوجته وهي حائض:
(مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ،
ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وإنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ
يَمَسَّ.
2- طلاق بدعيّ من حيث العدد:
بمعنى أنّ عدد
الطلقات التي طلّقها بها لا تصحّ؛ كأن يقول لها: "أنتِ طالق بالثلاثة"،
أو يقول لها: "أنتِ طالق، طالق، طالق" في المجلس نفسه، إذ إنّ هذا النوع
من الطلاق يقع طلقة واحدة مع إثم فاعله، أمّا إذا كانت غير مدخول بها، أو كانت
صغيرة لم تَحِض بعد، أو كبيرة قد أَيِست من المحيض، فله أن يُطلّقها متى شاء، ولا
بدعة في طلاقها. يتلخّص مما سبق أنّ الطلاق باعتبار حكمه ينقسم إلى طلاق سنّي؛ وهو
طلاق الزوجة في غير فترة الحيض، وطلاق بدعي؛ وهو الذي يكون في فترة حيض المرأة،
وبعدد طلقات لا يصح
ويقع الطلاق سنيا كان أو بدعيا في الفقه والقانون.
ثالثا أنواع
الطلاق باعتبار إمكانية الرجوع وعدم امكانيته
1.الطلاق البائن بينونة صغرى:
أ/ هو أن يُطلّق الرجل زوجته طلقة أولى أو ثانية، ويمكن
أن يراجعها قبل أن تنتهي العدّة، أمّا إذا انتهت العدّة ولم يُراجعها، فإنّه
يتحوّل إلى طلاق بائن بينونة صُغرى، وفي ما يأتي أحكام تتعلّق بهذا الطلاق لا
تُعَدّ موافقة الزوجة على الرجعة شرطاً في الطلاق الرجعي، ولا يحتاج الزوج إلى
عَقد ومَهر جديدَين لإرجاعها. تُعَدّ العدّة في الطلاق الرجعي امتداداً للزوجيّة؛
ممّا يعني أنّه إذا تُوفِّي أحد الزوجين، فإنّ الآخر يَرِثه. لا يجوز للزوج أن
يُخرج المرأة من بيتها، ولا يجوز لها أن تَخرج من بيت الزوجية؛ لقوله -تعالى-:
(لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ
اللَّـهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّـهَ يُحْدِثُ بَعْدَ
ذَلِكَ أَمْرًا)،[٦] وفي ذلك حكمة شرعية تتلخّص في أنّ قُرب الزوجَين من بعضهما قد
يُؤدّي إلى الإصلاح بينهما، أمّا بالنسبة إلى المرأة التي تمارس الفُحش في القول،
أو العمل، فإنّ الإسلام لا يحرص على إبقائها في بيتها، بل ربّما يكون خروجها أفضل.
يُؤدّي الطلاق الرجعيّ إلى إنقاص عدد الطلقات التي شرعها الله -تعالى-. يُعَدّ
الحظر هو الأصل في الطلاق، إلّا أنّ الله -تعالى- شرعه؛ للضرورة، ودعا إلى الرجعة.
تجوز للزوج مراجعة الزوجة ما دامت في العدّة، ولو بدون رضاها، وذلك بقوله:
"أمسكتها"، أو "راجعتها"، أو "رددتها إلى نكاحي"،
إلّا أن يكون طلاقاً على مال، فإنّه يصير طلاقاً بائناً.
ب/ الطلاق
البائن بينونة صُغرى:
وهو أن يُطلّق
الرجل زوجته قبل الدخول، أو يُطلّقها بعد الدخول بعِوض راجع له (الخُلع)، بشرط أن
لا تبلغ الطلقات الثلاث؛ حيث إنّ المرأة حينها لا تحلّ لزوجها إلّا بمهر وعَقد
جديدَين وبإذن وَليّها، ويُشار إلى أنّ هذه الطلقة تُحسَب من عدد الطلقات
المُتبقِّية، ويجب على الزوج أن يُوفّر لها مسكناً أثناء العدّة، كما تجب عليه
نفقتها إذا كانت حامل
2/ الطلاق البائن بينونة كُبرى:
وهو أن يُطلّق
الرجل زوجته ثلاث طلقات، سواء كان هناك عِوض، أم لا، ولا تحلّ المرأة لزوجها بعد
هذا الطلاق إلّا بانقضاء عدّتها من زوجها الذي طلّقها، ثمّ زواجها زواجاً آخرَ
بحيث يكون زواجاً صحيحاً يُدخل بها فيه، ثمّ طلاقها من الزوج الآخر طلاقاً بائناً،
وانقضاء عدّتها منه، وفي حال توفّرت هذه الشروط، فإنّها تعود إلى زوجها الأوّل
بثلاث طلقات جديدة، أمّا في ما يتعلّق بنفقتها أثناء العدّة؛ فيكون لها نفقة
المُطلّقة طلاقاً بائناً بينونة صُغرى. يتلخّص مما سبق أنّ الطلاق باعتبار الرجوع
ينقسم إلى طلاق رجعي؛ وهو الذي يُمكن فيه للزوج إرجاع زوجته بعد الطلقة الأولى
والثانية إذا لم تنتهِ فترة العدّة، وطلاق بائن؛ وهو قسمين: البينونة الصغرة بعد
انتهاء العدة بعد الطلقة الأولى والثانية
، والبينونة الكبرى بعد الطلقة الثالثة فلا يستطيع الزوج
إرجاعها الا بعد أن تنكح زوجا اخر
3/
الطلاق البائن بينونة عظمى وهي اللعان والعياذ بالله
الخاصة:
لطلاق الرجعي هو الذي يحق فيه للزوج أن يراجع زوجته داخل العدة دون حاجة إلى إذن وليها أو عقد.
الطلاق البائن بينونة صغرى وسمي بذلك لأنه ينهي الزوجية
حالا، ولا يمكن للزوج أن يراجع زوجته إلا بعقد ومهر جديدين.
الطلاق البائن بينونة كبرى وهو الطلاق المكمل للثلاثة،
فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا شرعيا بنية الدوام، ويتم الدخول بها فعلا،
ويحرم كل تحايل على ذلك.
المراجع:
-قانون الاحوال الشخصية
-احكام الاسرة للقيصي
إعداد الباحث/عبدالله محمد عبده الحبيشي