تحديد مقدار
المهر وفق الشريعة الإسلامية والقانون
على الرغم من نهي الشريعة عن المغالاة في المهور وتأكيدها على كراهة ذلك إلا
انها صار اليوم إحدى المشاكل الرئيسية في المجتمعات الاسلامية, حيث يجري استغلال هذا
الأمر بطريقة غير لائقة من قبل الكثير من العوائل التي تطالب الزوج بمهور مرتفعة
من أجل (أخذ ضمانة من الرجل) بحجة استمرار الزواج وعدم اللجوء إلى الطلاق من أدنى
مشكلة بحسب تفكيرهم، تحول هذا الأمر إلى عرف آخذ في التجذر بدون مما خلف اثاراً
سلبية جسيمة على الافراد والمجتمع، لذا كان هذا البحث الذي سيبين موقف الشريعة
الإسلامية والقانون من تحديد المهر.
تعريف المهر:
لغة:
المهر لغة بمعنى الصداق، والصداق من
الصدق ضد الكذب، وسمي بذلك كما يقول أحد فقهاء الشافعية لإشعاره بصدق رغبة باذله
في النكاح الذي هو الأصل في إيجاب المهر.
والصداق بفتح الصاد وكسرها مهر
المرأة ومنه قوله تعإلى: (وأتوا النساء صدقاتهن نحلة)
وللمهر أسماء عدة: الصداق والمهر
والنحلة والفريضة والأجر والعلائق والعقر والحباء.
المهر في الاصطلاح
الفقهي:
هناك عدة تعريفات تكاد تكون متقاربة:
أ-تعريف المالكية: ما يعطى
للزوجة في مقابلة الاستمتاع بها.
ب-تعريف الشافعية: ما وجب
بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهرا كإرضاع ورجوع شهود
ج-تعريف الحنابلة: العوض في
النكاح سواء سمي في العقد ام فرض بعده بتراضيهما أو الحاكم ونحوه, كوطء الشبهة
والزنا بأمه أو مكرهة.
د-تعريف الزيدية: عوض منافع
البضع.
يعلق د. عبد
الحكيم عطروش على هذه التعاريف في كتابه أحكام الاسرة بقوله:[1]
والملاحظ في هذه التعريفات على أنها تصور المهر كما لو أنه المال الذي يدفعه
الرجل مقابل الاستمتاع بالمرأة على الوجه المشروع, الأمر الذي يبعده كثيرا عن غرضه
الشرعي الذي رسمه القران على أنه نحلة أو هبة تعطى عن طيب نفس وبدون مقابل حيق
يقول الله تعإلى في محكم كتابه (واتوا النساء صدقاتهن نحلة).
ويبدو أن أهل العلم المعاصرين تنبهوا
إلى مسألة ضرورة ابراز غرض المهر الشرعي وإبعاد أي تصور قد يفهم من أنه الثمن
المقابل للاستمتاع بالمرأة لذلك فقد عرف أحد الكتاب المهر على أنه: "المال
الذي يقدمه الزوج لزوجته على أنه هدية لازمة وعطاء واجب يثبت لها بمجرد العقد
الصحيح, أو بالدخول في العقد الفاسد أو الوطء بشبهة".
وتعريفات أهل العلم المعاصرين هي: ما تأيدها الباحثة ففلسفة تشريع المهر
وحقيقته تجعله هدية وعطاء وليس ثمناً ومقابلاً للمرأة, لأن العلاقة الزوجية مبنية
على المودة والرحمة لا على أسس مادية كالبيع والشراء.
مقدار المهر في
الشريعة الإسلامية:
مقدار الحد الأدنى:
1-الحنفية: يرى الحنفية أن أقل المهر عشرة دراهم وقد استدلوا على ذلك بما رواه جابر رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: لا مهر أقل من عشرة دراهم"
وقياساً على حد السرقة, فإن نصاب قطع اليد عندهم مقدر بعشرة دراهم.
2-المالكية: أن أقل ما يصلح أن يكون مهراً هو ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الفضة,
لأن عبد الرحمن بن عوف تزوج على وزن نواة من الذهب وهو ربع دينار ولأنه نصاب
السرقة عندهم، ومعنى ذلك أنه مال له خطر وحرمة بدلالة قطع اليد في سرقته لا في
سرقة ما دونه فيكون هو الحد الأدنى للمهر.
3-الامام الشافعي وأحمد وجماعة من
الصحابة والتابعين: ذهبا إلى أنه لا حد لأقل المهر متى
كان المسمى شيئا له قيمة مالية لقوله تعإلى: (واحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا
بأموالكم محصنين غير مسافحين) ولقوله عليه الصلاة والسلام: "التمس لو خاتما ً
من حديد" فإن هذا الحديث يدل على جواز جعل خاتم الحديد مهرا مع أن قيمته لا
تصل إلى الحد الأدنى الذي يذكره الفقهاء، وقد أخذت بهذا الرأي تشريعات بعض الدول
العربية فقد نصت المادة 53 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي رقم51/1994م على أنه
"لا حد لأقل المهر ولا لأكثره" أما بالنسبة للقانون اليمني فلا توجد
إشارة إلى ذلك.
مقدار الحد الأعلى:
لم ينقل خلاف بين العلماء حول هذه
المسألة، فالمذاهب الفقهية متفقة على عدم ورود حد أكثر– بالنص – للمهر، حتى نقل بعضهم الإجماع
على ذلك، واستدلوا لما ذهبوا إليه من إطلاق الحد الأعلى للمهر بالقرآن
والأثر، وذلك على النحو الآتي:
الدليل الأول: قال تعإلى: ]وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ
مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ
شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً[.
قال ابن كثير:
"في هذه الآية دلالة على جواز الإصداق بالمال الجزيل".
وقال القرطبي: "في الآية دليل على جواز المغالاة؛ لأن الله تعإلى لا
يمثّل إلاّ بمباح، ثم ذكر إجماع العلماء على ألاّ تحديد في أكثر الصداق، وقال
الشوكاني – بعد ذكر
الآية -: "وقع الإجماع على أنَّ المهر لا حدّ لأكثره بحيث تصير الزيادة على
ذلك الحد باطلة؛ للآية"([i]).
الدليل الثاني: عن أبي العجفاء قال: خطبنا عمر t فقال: "ألا لا تغالوا
بصُدُق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها
النبي e، ما أصدق رسول الله e امرأة من نسائه، ولا أُصدقت امرأة من بناته، أكثر من ثنتي عشرة أوقية"([ii]).
وقد ورد هذا الأثر بزيادة في بعض الطرق،
وهي: "ثم نزل فعرضت له امرأة من قريب، فقالت: يا أمير المؤمنين، أكتاب الله
أحق أن يتّبع أو قولك؟! قال: بل كتاب الله تعإلى، فما ذاك؟ قالت: نهيتَ الناس
آنفاً أن يغالوا في صداق النساء، والله تعإلى يقول في كتابه: ]وَآتَيْتُمْ
إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا[، فقال عمر t: "كل أحد أفقه من
عمر"، مرتين أو ثلاثة، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: "إني كنت نهيتكم
أن تغالوا في صداق النساء، ألا فليفعل رجلٌ في ماله ما بدا له". والزيادة
بهذا اللفظ أخرجها البيهقي من طريق مجالد عن الشعبي، وقال: "هذا منقطع".
[2]
الاعتراضات التي وردت على هذه الأدلة:
1- خالف الإمام الرازي الجمهورَ في
تفسيره لقوله تعإلى: ]وَآتَيْتُمْ
إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا[ وبيّن أنّ الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة، حيث يقول في
ذلك: "قالوا: الآية تدل على جواز المغالاة في المهر" ثم ذكر نهي عمر عن
المغالاة، ورجوعه عن ذلك، بعد اعتراض المرأة – وقال: "وعندي أن الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة؛ لأن
قوله تعإلى: ]وَآتَيْتُمْ
إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا[ لا يدل على جواز إيتاء القنطار، كما أن قوله تعإلى: ]لَوْ كَانَ فِيهِمَا
آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا[ لا يدل على حصول الآلهة، والحاصل أنه لا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر
كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع". [3]
ردّ الدكتور عبد الكريم زيدان على اعتراض الإمام الرازي بعدم دلالة الآية على
جواز المغالاة بقولـه: "إنّ قول
الإمام الرازي: والحاصل أنه لا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في
نفسه جائز الوقوع، يُردّ عليه. وكذلك نقول: لا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر،
كون ذلك الشرط في نفسه محرّم الوقوع، وإذا احتمل الشرط لشيء الجواز والحرمة
لوقوعه، فالراجح البيّن الرجحان حمل هذا الشرط - إيتاء القنطار – في هذه الآية على جواز وقوعه".
2-
لم يثبت هذا الأثر عن عمر بن الخطاب بسند صحيح موصول, والمشهور عنه في كتب
الصحاح والسنن هو نهيه عن المغالاة في المهور فقط دون اعتراض المرأة عليه, ولهذا
قال ابن حجر معلقا على رواية اعتراض المرأة على عمر: وأصل قول عمر (لا تغالوا في
صدقات النساء) عند أصحاب السنن وصححه بن حبان والحاكم ولكن ليس فيه قصة المرأة.[4]
وتم الرد على هذا
الاعتراض أن الزيادة وإن لم يذكرها أصحاب السنن في مصنفاتهم إلاّ أنها وردت من عدة
طرق وحكم على بعضها بالجودة في الإسناد، فتلك الطرق وإن كان في بعضها ضعف أو
انقطاع إلاّ أنها تتقوّى ببعضها.
تقدير المهر في القانون:
لم تتعرض قوانين البلدان العربية والإسلامية للمغالاة في المهور فلم يقننوا
شيئاً بخصوص المغالاة في المهور, وذلك لاعتماد اغلب هذه القوانين على قول الفقهاء
المانع من تحديد مقدار المهر, وإن المهر الصحيح هو ما اتفق عليه الطرفان إذا كان
مسم أما إذا لم يسمى المهر في العقد فلها مهر المثل، وذلك عدا قانون دولة الامارات
العربية المتحدة فقد نصت المادة (49) من قانون الأحوال الشخصية القانون الاتحادي
رقم(28) لسنة 2005م على الآتي: [المهر
هو ما يقدمه الزوج من مال متقوم بقصد الزواج ولا حد لأقله ويخضع أكثره لقانون
تحديد المهور].
ونصت المادة(1) من القانون الاتحادي رقم(21) لسنة 1997م بشأن تحديد المهر في
عقد الزواج ومصاريفه على الاتي: [لا يجوز أن يزيد مقدام الصداق في عقد الزواج
على (20,000) عشرين ألف درهم أو ان يجأوز مؤخر الصداق (30,000) ثلاثين ألف درهم]
جاء في المذكرة الايضاحية لهذا لقانون ان مبررات تحديد المهر هي[5]:
حرص الدستور على أن يبرز ما للأسرة من مركز هام في المجتمع فنص في المادة(15)
منه على أن: الاسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن ويكفل القانون
كيانها ويصونها ويحميها من الانحراف.
واجب المجتمع أن ييسر السبيل إلى ولوج باب الزواج بغير ثمة عقبات كالمغالاة
في المهور التي تدفع الراغبين في الزواج إلى الالتفات عنه أو التوجه إلى الزواج
بغير المواطنات
فشو المغالاة في المهور بحيث أصبحت
ظاهرة اجتماعية يخشى لو تركت بغير تنظيم أن تسفر عن عواقب وخيمة تمس كيان المجتمع
والاسرة التي هي نواته وعصبه مما يتعارض مع الدعامات الأساسية التي نادى الدستور
بالحفاظ عليها.
دعوة الشرع إلى عدم التغالي في المهور وقد حض الرسول الكريم على ذلك في
حديثين مرويين هما: "إن أعظم ا لنكاح أيسره مؤونة" و"خير الصداق
أيسره".
علماً ان قانون تحديد المهر في عقد الزواج ومصاريفه صدر أول مرة في الامارات في عام 1973م وذلك في القانون الاتحادي رقم(12) لسنة 1973م
والذي نص على ألا يزيد المهر المقدم عل 4 الاف درهم والمؤخر على 6 الاف درهم، ومع
التغير في الظروف المعشية تم تعديله بصدور القانون الاتحادي رقم(21) لسنة 1997م
السابق الذكر.
الجدير بالذكر ان
قانون الاسرة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية –قبل الوحدة وقد تم الغاء العمل
به-رقم (1) لسنة 1974م الصادر في عدن يعد ثاني قانون وضع حداً لأعلى المهر بعد القانون الاماراتي
الصادر في 1973م حيث نصت المادة(18) منه على الاتي: [لا يجوز أن يزيد مبلغ المهر
بشطريه المعجل والمؤجل على مائة دينار].
وأوضحت المذكرة الايضاحية للقانون أن الحكمة من تحديد
المهر هو وضع حد للمغالاة في المهور لكون هذا أمراً ينسجم مع روح السنة النبوية.[6]
جزاء مخالفة التحديد الوارد في القانون الاماراتي:
نصت المادة(2) من القانون الاتحادي رقم 21 لسنة 1997م على الاتي: [ لا
تسمع أمام المحاكم أية دعوى بالمطالبة بما يجأوز الحدين المشار اليهما في المادة 1
من هذا القانون ويسري هذا الحكم على الدعأوى المنظورة أمام المحاكم في تاريخ العمل
بهذا القانون].
ونصت المادة(5) من ذات القانون على الاتي: [كل من يخالف احكام هذا القانون
يحرم الحصول على منحة الزواج المقررة بالقانون الاتحادي رقم(47) لسنة 1992م المشار
اليه].
الأمر الذي يتبين معه أنه إذا تعدى الافراد الحد المقدر في القانون فإن المهر
لا يبطل وانما الأثر الترتب على ذلك امرين:
1- الحرمان من الحصول على منحة الزواج
المقررة بالقانون الاتحادي رقم(47) لسنة 1992م بشأن انشاء صندوق الزواج.
2- رفض سماع أية دعوى قضائية أمام
المحاكم تطالب بما يجأوز هذا الحد.
ومن وجهة نظري أن يتم فرض عقوبات أقوى حتى يتم تفعيل هذا القانون عملياً بشكل
أفضل يحقق الغاية التي تم تشريعه من أجلها، وذلك كأن يمنع إجراء العقد وتسجيله من
قبل ممثل الدولة إن تجأوز المهر حده الأعلى، أو توضع عقوبة تعزيرية للمتجأوزين
بغرامة، أو سجن حسب ما يقتضيه الحال.
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية فهناك توجه لتحديد المهر في وثيقة تحديد
المهور الزواج من قبل الجهات المتخصة التي قامت بتحديد المهر للعروس البكر بمقدار
50 ألف ريال سعودي أي ما يعادل 13 ألف دولار امريكي، بينما تم تحديد مهر الثيب
بمقدار 30 ألف سعودي أي ما يعادل 9 الف دولار أمريكي، وقد جاءت هذه العملية نتيجة
لما برز من جدل كبير بسبب المبالغ المالية الضخمة التي يتم دفعها في المهور
وتتزايد بشكل كبير جداً في المملكة.[7]
وفي اليمن ظهرت في الأوانة الأخيرة العديد من الوثائق الموقعة بين مشائخ
ووجهاء وأعيان بعض المحافظات بتحديد سقف موحد للمهور, بعضها أتى بسبب ضغط الجهات
الرسمية وبعضه بسبب مبادرات عفوية لتيسير زواج الشباب.
وفي بعض الدول الأخرى غير السعودية واليمن ظهرت كذلك محأولات لتحديد المهور
لكنها تبقى محأولات غير ملزمة قانونياً طالما ولا يوجد نص تشريعي بذلك في القانون.
جواز تقييد المباح
وتطبيق ذلك على تحديد المهر في القانون الاماراتي:
أ-معنى تقييد المباح: هو
الحد من إطلاق المباح لمسوغ وفق ضوابط معينة.
ب-الأدلة العامة على تقييد المباح: أن المستقرئ لنصوص الشريعة
الإسلامية ليجد في طياتها أدلة عامة وشواهد ناهضة لصحة الاحتجاج لتقييد المباح ومن
أهمها منع الاسراف فقد تضافرت الأدلة من القران الكريم والسنة النبوية على اباحة
الطيبات من الأكل والمشرب والملبس منها قوله تعإلى: قل من حرم زينة الله التي أخرج
لعباده والطيبات من الرزق فالآية صريحة
بإباحة اللباس والطيبات من المأكل والمشرب دونما قيد أو شرط، غير أنه وردت أدلة
أخرى تقيد هذا الاطلاق بالإباحة بعدم الاسراف في مثل قوله تعإلى: (يا بني ادم خذوا
زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين) ووجه الاستدلال
من الآية انها قيدت اباحة صرف الطيبات فيما ينبغي ومنعت من صرفها فيما ينبغي زائدا
على ما ينبغي وفي هذا الشأن يقول ابن عاشور "والاسراف إذا اعتاده المرء حمله
على التوسع في تحصيل المرغوبات فيرتكب لذلك مذمات كثيرة وينتقل من ملذة إلى ملذة
فلا يقف عند حد.
ج-الأدلة الخاصة على تقييد المباح: وردت بعض الأدلة في السنة النبوية
والمعقول تدل بصورة جلية على تقييد المباح وأبرز هذه الأدلة تقييد اباحة ادخار
لحوم الاضاحي، فيما يرويه عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الاضاحي فوق
ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم" ولهذا لما قال الصحابة: "يا رسول الله نفعل
كما فعلنا العام الماضي؟ أي ترك الادخار قال" كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك
العام كان بالناس جهد فأردت ان تعينوا فيها"
ففي هذا الأثر دليل على جواز تقييد
المباح لان ادخار لحوم الاضاحي من مسائل العادات وهي على الاباحة الاصلية ولو لم
تكن مباحة لما نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصاب الناس الجوع كما قالت
عائشة رضي الله عنها" ما فعله الا في عام جاع فيه الناس فأراد ان يطعم الغني
والفقير وان كنا لنرفع الكراع فنأكله بعد خمس عشرة" فقيد هذا المباح بالمنع
مدة معينة للضرورة فلما زالت مبرراته أعاد الحكم إلى أصله من الاباحة، وليس اباحة
النبي لادخار لحوم الاضاحي بعد أن نهى عنه من باب النسخ كما ذكر تراجم بعض من اسند
الحديث لأن الحكم الثابت بالنسخ هو حكم نهائي ولا يعود لما كان عليه قبل النسخ.
لقد راعى القانون الاماراتي حكم المباح عند تحديده لاكثر المهر فهو لم يمنع
تقدير المهر باكلية وغنما منع ان يتعدى مقدرا معيناً أي منع بعض افراد المباح وهو
بذلك راعى كل أحوال تقدير المهر المهر بين اليسر والعسر حين لجأ ال تقييد أكثره
وذلك لتحصيل مصلحة عامة راجحة ولدفع مفسدة عامة فالمباح تختلف مراتبه بحسب الكل
والجزء والكثرة والقلة وغير ذلك وان كان في مرتبة واحدة وقتا ما أو في حال ما فلا
يكون كذلك في أحوال أخرى، كما اعتبر المقاصد الشرعية عند تحديده لأكثر المهر، لأن
المهر شرع خادماً لعقد الزواج فإذا أدى المغالاة في تقديره(الذي يعد انحراف من
الكلف في فعله أو تركه للمباح عن تحقيق مقاصد الشرع) إلى ابطال ما شرع لخدمته في
حق البعض، لزم تقييد هذا المباح وان أدت تلك القيود إلى منع بعض الافراد عن بعض
أفراد المباح، كما اعتبر القانون الاماراتي أيضا المال والذرائع عند تحديده لأكثر
المهر لأنه قد ثبت ان قصد بعض المكلفين من المغالاة في تحديد المهر قد نأى عن
تحقيق مقصد الشرع من الحفاظ على النسل والغرض الذي يحققه الزواج بل أصبح ذريعة إلى
عزوف الكثيرين عنه، ومعلوم ما ينجر عن ذلك من مضار ومفاسد فكان لزاما وضع القيود
على تحديد أكثر المهر لفتح المجال أمام الزواج والتماهي مع مقصد الشرع وسد الذريعة
أمام كل ما يحول دون تحقيقه.[8]
الخاتمة:
لقد تنأولنا في هذا البحث مفهوم المهر وحكم تقديره في الشريعة الإسلامية
والقانون, والذي تراه الباحثة هو جواز تحديد المهور وقيام الدول بسن التشريعات
لأجل ذلك لأن اطلاق المهر قد أدى إلى مفاسد ومضار كبيرة في مجتمعات الوطن العربي,
مثل عزوف الشباب عن الزواج بسبب ارتفاع المهور وتكاليف الزواج والتي تصل في بعض
الدول إلى مبالغ خيالية مثل دول الخليج، وكذلك اتجاه الشباب إلى الزواج بالاجنبيات
وترك المواطنات وارتفاع نسب العنوسة ولا يخفى ما في ذلك من أضرار ومفاسد اجتماعية
بالغة الخطورة، وبالتالي وإن كان من حيث المبدأ العام أنه لا سقف للحد الاعلى
للمهر لأنه عنوان محبة وتكريم للزوجة يعطى لها كهدية وتقرب, إلا أن ذلك لا يمنع من
تحديده في ظروف معينة-مثل ارتفاع نسب العزوف عن الزواج ونسب العنوسة- تتطلب ذلك
وفور ارتفاع هذه الظروف يعود العمل بالاصل والمبدأ العام, وإن لم تترفع هذه الظروف
يظل على تقييده وتحديده لأن الشارع الحكيم لم يأذن في تصرفات حتى تكون وسائل
لتحقيق مفاسد مسأوية للمصالح التي شرعت من أجلها، أو راجحة عليها، وذلك لأن التصرف
المشروع في ذاته لا يبقى على أصل مشروعيته، إذا تناقض مع المصلحة العامة وذلك لأن
المهر وُضِع ليخدم أمر الزواج، فإن بات معيقاً له ضاراً به فيزال ما يؤدي إلى هذا
التعثر؛ لأن المهر ليس مقصوداً بذاته بل هو خادم، فإن كان سبباً في التعثر
والعرقلة فإنه بذلك يناقض المقصود منه، فيزال ما فيه ذاك التجأوز ليبقى الأمر في
نطاق المشروعية، ويثبت هذا الأمر ويؤيده ما جاء من تقرير قاعدة سد الذرائع، والتي
استدل ابن قيم الجوزية لبيان صحتها بتسعة وتسعين دليلاً، كما اطلاق المهور يتعارض
مع قاعدة نفي العسر والحرج وقاعدة لا ضرر ولا ضرار.
وبالتالي فإن تقييد المهور لا يخرج عن الضوابط الأصولية لتقييد المباح ويراعي
المقاصد والمآلات الشريعة الجالبة للصلاح والدافعة للفساد، ولابد من العودة إلى
السياسة الشرعية التي يستطيع بها ولي الأمر إعادة الأمور إلى نصابها، وذلك على
اعتبار أن الفقهاء قد جعلوا أحكام ولي الأمر مرعية نافذة شرعاً.
إعداد/سمر عبدالسلام العريقي
[1] كتاب أحكام الاسرة
في قانون الأحوال الشخصية اليمني، د.عبد الحكيم محسن عطروش، مكتبة ومركز الصادق
للنشر والتوزيع، 2014م، ص 166-167.
[2] مقدار المهر
وسلطة ولي الأمر في تحديده -دراسة فقهية – لـ أنس مصطفى أبو عطا، المنارة، المجلد
12، العدد 3، 2006م
[3] تحديد المهر في
ضوء متطلبات العصر ومقاصد التشريع دراسة فقهية قانونية مقارنة، د محمد خليل خير
الله و د هناء سعيد جاسم، مجلة كلية الامام الأعظم الجامعة، المجلد /العدد ع23،
العراق،2017م، ص691
[4] تقييد المباح وتطبيقه على
أكثر المهر في القانون الاماراتي، دليلة براف، مجلة جامعة الشارقة، المجلد 19،
العدد 3، كلية الشريعة الإسلامية، جامعة الشارقة، الامارات، 2020م ص220.
[5] المذكرة الايضاحية
للقانون الاتحادي رقم 12 لسنة 1973م بشأن تحديد المهر عقد الزواج.
[6] دليل القضاة
لقضايا الأسرة، اعداد المكتب الفني والقانوني، المحكمة العليا للجمهورية، جمهورية
اليمن الديمقراطية الشعبية، دار الهمداني للطباعة والنشر، عدن، بدون تاريخ، ص 42.
[7] مقال على موقع جريدة الرياض www.alriyadh.com 18/8/2015م.
[8] تقييد المباح وتطبيقه على أكثر المهر في القانون الاماراتي، مرجع سابق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق