‏إظهار الرسائل ذات التسميات طبي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات طبي. إظهار كافة الرسائل

الخطأ الطبي, والمسؤولية الجنائية في القانون اليمني

 

الخطأ الطبي, والمسؤولية الجنائية في القانون اليمني

                                

 المقدمة:

تُعتبر مهنة الطب من المهن الإنسانية النبيلة البالغة الأهمية والخطورة، فالطبيب يمارس مهنة إنسانية نبيلة الهدف منها متعلق بحياة الإنسان وسلامته الجسدية والنفسية، والتي تعد من أهم وأثمن ما يحرص الشخص والمجتمع على حمايتهم.

فالطبيب يقوم بالكشف السريري وصولاً إلى تشخيص المرض  وانتهاء بالمعالجة للحصول على النتائج, ولتحقيق ذلك يحتاج إلى قدر كبير من الحرية والاجتهاد والثقة، حيث أن الطبيب وحده يتخذ القرار المناسب ويسلك السلوك الذي يضمن إنقاذ المريض ويحقق سلامته.

 وعليه يكون مسئولا عن أدنى خطأ يصدر منه,  يكون سببه الإهمال أو عدم الحرص أو عدم تقدير العناية اللازمة للحالة المرضية.

 

 مفهوم الخطأ الطبي:

 إن طبيعة مهنة الطبيب  تجعله يتعامل مع الكيان الإنساني مما يلزمه أن يتم هذا التعامل في إطار قواعد فنية, يجب مراعاتها في ممارسة مهنة الطب، فمن التزم بها كان في مأمن من العقاب والمسؤولية، أما من انحرف عنها فإنه يعرض نفسه للمساءلة القانونية.

 

المقصود بالخطأ الطبي :

هو قيام الطبيب  بعمل على خلاف التعليمات واصول وقواعد المهنة, أو إذا شاب فعله رعونة وتهور وعدم مراعاة للنتائج التي قد يؤدي إليها العمل الذي قام به.

 وقد يقع الخطأ الطبي نتيجة عدم قيام الطبيب  بأمر تستجوبه حالة المريض الذي يعالجه, أو امتناعه من اتباع قواعد واصول المهنة .

 

تكييف الخطأ الطبي :

 إذا لم يقصد الطبيب الفعل  أو الترك أو النتيجة المترتبة عليهما فإن ذلك يكون من قبيل الخطأ, مثل الطبيب في ذلك مثل غيره من اصحاب المهن والتخصصات.

فمن المسلم به إن التزام الطبيب ببذل عناية وليس تحقيق نتيجة, فإذا بذل العناية المعتادة التي يبذلها أي طبيب في مجاله وتخصصه, وراعى اصول وقواعد المهنة فإنه لا يكون مسئولاً عن حدوث أية نتائج سلبية غير متوقعة قد تحدث للمريض.

 

أسباب الاخطاء الطبية:

1-عدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية

2- عدم اتخاذ معايير الحيطة والحذر, أثناء أداء العمل

3- عدم الاهتمام الكافي بالمريض

4- وجود نزاع بين المريض والطبيب, أو الجهة الطبية

5- عدم توقع النتائج قبل البدء بالتشخيص والعلاج

6- الإهمال الناجم عن التقصير في أداء الواجبات, بالتوقيت المناسب والطريقة الصحيحة

7- عدم المقدرة على التشخيص السليم، ممّا يؤدّي إلى فشل التشخيص وبالتالي تفاقم المشكلة

8- عدم الاهتمام بحل النتائج السيئة للعلاج الخاطئ, عند العلم بالخطأ

9- التعب النفسي والجسدي, وعدم المقدرة على إدراك الواجبات بالشكل السليم

10- ممارسة من هم غير مؤهّلين وغير مرخصين للمهنة الطبية، وعدم ملاحقتهم من قبل الحكومة

11- اختيار الدواء الخاطئ، أو صرف الدواء الخاطئ

12- عدم مراقبة المريض بالشكل المناسب في المستشفيات

13- تأخير النظر إلى حالة المريض الخطرة

14- حدوث خلل بالأجهزة المستخدمة للفحص والعلاج

15- عدم توفر بعض الإمكانيات والأجهزة الضرورية للفحص والتشخيص الدقيق

16- عدم وجود قوانين رادعة للعاملين بالمجال الطبي, في حال قاموا بالأخطاء الطبية وعرضوا حياة المريض للخطر أو حتّى الموت

17- مزاولة المهنة قبل التأكد من كفاية مدّة التدريب اللازمة للحصول على الخبرة

18- عدم عمل ملف لكل مريض يحتوي على كافة التفاصيل اللازمة لمعرفة حالته الصحية, يشمل جميع الفحوصات  في حال انتقل المريض من مكان لمكان آخر للعلاج 

 

طبيعة الالتزام الطبي: 

أ- التزام بذل العناية:

الالتزام الذي يقع على عاتق الطبيب هو من حيث المبدأ التزام ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة، ويكون ذلك في بذل الجهود الصادقة واليقظة التي تتفق والظروف القائمة والأصول العلمية الثابتة، بهدف شفاء المريض وتحسين حالته الصحية، لذا من واجب  الطبيب العناية بالمريض العناية الكافية، ووصف العلاج المناسب لشفائه من مرضه حتى لو ساءت حالة المريض الصحية، مادام إنه لم يقع في خطأ يمكن أن يترتب عليه المسئولية.

 

عوامل يجب إن تنظر في سلوك الطبيب وهي :

١– مدى التزامه بالقواعد المهنية .

٢– المستوى المهني للطبيب .

٣– طبيعة الظروف الخارجية التي يوجد فيها الطبيب, لمعالجة المريض .

٤– أن تكون الجهود المبذولة من الطبيب، متفقة مع الأصول العلمية الثابتة .

المسئولية الجنائية الطبية:

الالتزام القانوني القاضي بتحمل الطبيب الجزاء أو العقاب, نتيجة إتيانه فعلاً  أو الامتناع عن فعل يشكل خروجاً أو مخالفةً للقواعد أو الأحكام التي قررتها التشريعات الجنائية أو الطبية.

 والمسئولية بشكل عام هي التزام شخص بتحمل العواقب التي تترتب على سلوكه الذي ارتكبه مخالفا به أصول وقواعد معينة، ويستوي في ذلك السلوك أكان ايجابيا أم سلبياً مخالفاً لقواعد الأخلاق- القواعد الأخلاقية أوسع نطاقاً من القواعد القانونية- لان الأولى تتمثل في سلوك الإنسان نحو ربه ونفسه وغيره، أما الثانية فشمل تنظيم علاقة الإنسان بغيره.

.وعلى  هذا الاساس، نصت المــادة(10) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني بالآتي:

 (يكون الخطأ غير العمدي متوافرا إذا تصرف الجاني عند ارتكاب الفعل على نحو لا يأتيه الشخص العادي إذا وجد في ظروفه بأن اتصف فعله بالرعونة أو التفريط أو الاهمال, أو عدم مراعاة القوانين واللوائح والقرارات).

ويعد الجاني متصرفا على هذا النحو إذا لم يتوقع عند ارتكاب الفعل, النتيجة التي كان في استطاعة الشخص العادي أن يتوقعها، أو توقعها وظن أنه بالإمكان اجتنابها.

فإذا اقترن هذا العمل بخطأ سُئل الطبيب عنه مسئولية غير عمدية ..

والخطأ الطبي يتحقق إذا خرج الطبيب عن القواعد الطبية المقررة, أو أهمل إهمالا لا يصح إن يصدر من مثله، ويخضع تقدير الخطأ الطبي للقواعد العامة التي يخضع لها تقدير الخطأ غير العمدى.

ومثال ذلك يُسأل الطبيب إذا أجرى عملية علاج بأدوات غير معقمة، أو أجراها وهو في حالة سُكرً، أو ترك سهوا في جسم المريض (أداة جراحية)، وعليه تتحقق المسئولية الجنائية.

 

أركان المسئولية الجنائية:

أولاً: الخطأ: تقصير في مسلك الطبيب لا يقع من طبيب يقظ وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسئول.

 إن خطأ الطبيب يتوافر إذا قام الطبيب بمباشرة مهنته على نحو لا يتفق مع واجبات الحيطة والحذر التي تفرضها عليه الأصول العلمية والفنية المقررة والثابتة في علم الطب ، والقوانين  واللوائح والقرارات والأنظمة المقررة في هذا الشأن, فضلا عما هو مفروض عليه من واجب التدبر والحيطة العامة المطلوبة من عامة الناس. ويظهر خطأ الطبيب في مراحل العمل الطبي المختلفة والتي تشمل:

-       مرحلة الفحص الطبي.

-       مرحلة التشخيص.

-       مرحلة العلاج.

-       مرحلة التذكرة الطبية.

-       مرحلة الرقابة العلاجية.

-       مرحلة الوقاية .

 

أنواع الخطأ:

1-   الخطأ المادي ( غير الفني ): ذلك الخطأ الذي يرجع إلى الإخلال بقواعد الحيطة والحذر العامة التي يلتزم بها الناس كافة ، ومنهم رجال الفن في مهنتهم ،لانهم يلتزمون بهذه الواجبات العامة قبل إن يلتزمون بالقواعد العلمية أو الفنية .

 كما قيل إن الخطأ المادي هو الخارج عن مهنة الطب, أي ذلك الذي لا يخضع للخلافات الفنية ، ولا يتصل بسبب بالأصول العلاجية المعترف بها.

2-   الخطأ المهني ( الفني ): هو ذلك الخطأ الذي يرتكبه أصحاب المهن أثناء ممارستهم لمهنهم ، ويخرجون فيها عن السلوك المهني المألوف طبقا للأصول المستقرة .

وتعرف الأخطاء المهنية للطبيب بأنها : تلك الأخطاء المتصلة بالأصول الفنية لمهنة الطب.

وينقسم  الخطأ الفني إلى قسمين ( جسيم – غير جسيم )

أ‌- الخطأ الفني الجسيم:

ويطلق عليه الإخلال الفاحش بواجب قانوني ، وهو الخطأ الذي لا يرتكبه أقل الناس كفاية ، وهذا الخطأ الفاحش ينم عن جهل أو اهمال غير مقبول ، ويسأل الطبيب عن خطاءه الجسيم مثال لذلك, إقدام الطبيب على فعل ضار للمريض وهو يعلم أنه ضرر على المريض .

ب‌- الخطأ الفني غير الجسيم :

الخطأ الذي لا يقترفه شخص عادي في حرصه وعنايته، وفيه لا يتوقع الفاعل نتائج سلوكه ، ولو سلك مسلك الإنسان العادي الحريص من الفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها  وفي ذات الظروف الزمانية والمكانية  لكان في إمكانه توقعها ، ومن ثم الحيلولة دون إحداثها .

وتطبيقاً لذلك يكون الطبيب مرتكباً خطأً يسيراً متى كان ذلك الخطأ مما لا يقترفه طبيب عادي في حرصه وعنايته ، وقد يقع في مثل هذا الخطأ طبيب مماثل له من أهل العلم بصناعة الطب .

ويرى بعض فقهاء الشريعة إن كل خطأ وقع من الطبيب  ولم يكن معفي من المسؤولية عن هذا الخطأ ، كما لم يوصف هذا الخطأ بآنه جسيم ، فإنه يعد خطأً يسيرًا وتلزمه المساءلة والتبعة.

ثانيا: الضرر:

هو الأذى الذي يصيب الشخص في جسمه أو ماله أو شرفه أو عواطفه, كما يعرف الضرر بآنه ما يؤذي الشخص في النواحي المادية أو المعنوية, ولا بد من وجود ضرر للمريض

1- الضرر المادي : وهو الذي يقع على حياة الإنسان وسلامة جسمه ، كإزهاق الروح أو إحداث عاهة أو جرح في الجسم يستحيل برؤها, أو التسبب في العطل الدائم.

2-الضرر المعنوي : وهو الضرر الذي يتجلى بألم نفسي يعانيه المتضرر، يشمل هذا الضرر الآلام الجسمانية والنفسية التي يعاني منها المريض أو المتضرر  والناتجة عن الإصابات أو الأضرار, مثل بتر أحد الأعضاء، أو عدم قيام أعضاء الجسم بوظائفها المعتادة  أو بقاء تشوهات جسمية لحقت به, نتيجة الخطأ الطبي الذي ارتكبه الطبيب.

ثالثاً: العلاقة السببية :

لا يكفي وقوع ضرر للمريض وثبوت خطأ من الطبيب بل لا بد من علاقة سببية مباشرة بين الخطأ والضرر وإثبات إن هذا الخطأ هو السبب المباشر للضرر، ورابطة السببية شريطة أساسية في المسؤولية ، وهي شريطة عملية وليست فقط منطقية ، وهي ليست مجرد تعاصر وتواكب أمرين في زمان واحد أو تلاقيهما في مكان واحد مصادفة ، وتتبدى ضرورة قيامها ووجودها من حيث إنه لا يكفي إثبات الضرر وحده لمساءلة الخاطئ.

 كما إنه لابد إن يكون الضرر المشكو منه راجعاً سببياً إلى خطأ الطبيب بالذات, دون إن يحجبه عنه عامل خارجي يكفي لاستغراقه.

 

العقوبات:

-       القتل بخطأ طبي:

نصت المــادة(238) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني: (يعاقب بالدية من تسبب بخطئه في موت شخص ويجوز فوق ذلك تعزير الجاني بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة, فإذا وقعت الجريمة نتيجة اخلال الجاني بما تفرضه عليه اصول وظيفته أو مهنته أو حرفته, أو مخالفته للقوانين واللوائح, أو كان تحت تأثير سُكرً أو تخدير عند وقوع الحادث, كان التعزير الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات) .

-        الجرح بخطأ طبي:

نصت المــادة(245) عقوبات على:

 (يعاقب بالدية أو بالأرش على حسب الأحوال من تسبب بخطئه في المساس بسلامة جسم غيره, وبالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة, وإذا نشا عن الجريمة عاهة مستديمة, أو إذا وقعت نتيجة اخلال الجاني بما توجبه عليه اصول وظيفته أو مهنته أو حرفته, أو مخالفته للقوانين واللوائح ,أو كان تحت تأثير سُكرً أو تخدير عند وقوع الحادث, كانت عقوبته الحبس مدة لا تزيد على سنتين أو الغرامة) .

-       الإجهاض:

نص قانون العقوبات السالف الذكر على القصدين:

الأول/ القصد العمدي:

ونصت علية المادة(239) عقوبات:

(كل من اجهض عمدا امرأة دون رضاها يعاقب بدية الجنين غرة هي نصف عشر الدية إذا اسقط جنينها متخلقا أو مات في بطنها , فإذا انفصل الجنين حيا نتيجة الاسقاط ومات عوقب الجاني دية كاملة وفي أي من الحالتين المذكورتين يعزّر الجاني فضلا عما سبق بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات, فإذا افضت مباشرة الاجهاض إلى موت المجني عليها, أو كان من باشر الاجهاض (طبيبا أو قابلة) كانت عقوبة التعزير الحبس الذي لا يزيد على عشر سنوات) .

ثانيا /القصد غير العمدي: ( الخطأ)

نصت علية المــادة(240) عقوبات:

(إذا تم الاجهاض برضاء المرأة يعاقب الفاعل بدية الجنين غرة أو الدية كاملة حسب الأحوال, ولا تستحق المرأة في هذه الحالة شيئا من الغرّة أو الدية, وإذا ماتت الام عوقب الفاعل بدفع دية الخطأ, وفي حالة اجهاض المرأة نفسها فعليها الدية أو الغرّة حسب الأحوال, ولا عقوبة إذا قرر طبيب مختص أن الاجهاض ضروري للمحافظة على حياة الام) .

 

وسائل الإثبات في الخطأ الطبي:

اولا: تقدير الأخطاء الطبية:

تقوم المسئولية بوجه عام والمسئولية الطبية بوجه خاص على أساس الخطأ

أولاً :استقلال القاضي بتقدير هذه الأخطاء

الأصل في القانون اليمني إن مسئولية الطبيب مسئولية تقصيرية ، وبناء عليه فإن مساءلة الطبيب على أساس المسئولية العقدية، وإذا كان التعويض في المسئولية التقصيرية يكون عن الضرر المباشر والضرر غير المباشر ، فإن التعويض في المسئولية العقدية يكون عن الضرر المباشر فقط

 الضرر المباشر: هو ما كان نتيجة للفعل الخاطئ ، كعدم الوفاء بالالتزام

 الضرر غير المباشر : هو عبارة عد تداخل عوامل أخرى أجنبية تسببت في إحداث الضرر, أو في جانب عدم الوفاء بالالتزام.

 

ثانيا: كيفية الإثبات:

يعتمد القاضي في الإثبات على الأدلة الشرعية للإثبات التي منها:

1- الإقرار: وهو أقوى الأدلة والإقرار حجة كاملة يثبت القاضي الحكم استناداً إليها

2- الشهادة: مثل شهادة طبيب آخر أو ممرض أو مساعد على فعل معين ، فإذا كانت الشهادة على حصول واقعة معينة, فإنه يشترط فيها ما يشترط في الإثبات بشكل عام

3- المستندات الخطية والتقارير, الموجودة في سجلات المستشفيات.

3-   الاستعانة بالخبراء وهذا الأمر يحتمه الجانب الفني إذ إن القاضي غير مختص في هذا المجال، واختصاص ورأي الخبير يعتبر ضمن الأمور التي يؤسس عليها القاضي حكمه، وتقدير أراء الخبراء مسألة تخضع لمحكمة الموضوع .

 

التعويض:

إن التعويض له ثلاثة أركان أساسية هي:

ركن الخطأ، وركن الضرر، وركن العلاقة السببية التي تربط بينهما.

 والقاعدة الفقهية المستقر عليها إن كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه التعويض.

 

التعويض المادي:

 هو الأضرار التي تنصب على الأشياء المادية المحسوسة التي لها كيان مستقل واضح ويمك تقديرها بالمال، ولا بد من إن يثبت المدعي وجود هذه الأضرار المادية التي أصابته وقيمتها وقيمة التعويض المطالب به عنها، ويدخل من ضمن الأضرار المادية ما فات المدعي من كسب وما لحقه من خسارة, وهذه أيضاً يتوجب إثباتها بالأدلة والمستندات حتي يتسنى للمحكمة تقييمها.

ومن حق المضرور مطالبه الطبيب بنوعين من الأضرار, الضرر الجسدي,  والضرر المادي.

 

 التعويض المعنوي:

هو الضرر الذي يصيب المرء في شعوره ووجدانه ويمس بسمعته بين الناس وما يسببه له من لوعة وكمد،  ويمكن إثبات أماراته ودلائله الخارجية من الظروف المحيطة بالفعل.

وهو ما يطلق عليه غالباً بالضرر الأدبي ويشمل كل ما يصيب المضرورين أثار نفسية نتيجة الإصابة, أو ما يصيب ورثته من الألم نفسية عند مصابهم بفقدان عزيز عليهم.

والضرر الأدبي وإن كان متعذراً التقدير خلافاً للضرر المادي, إلا إن كليهما خاضع لتقدير المحكمة.

المادة ( 352 ) من القانون اليمني تقضي بالتعويض عن الضررين معاً الأدبي والمادي, لكن اشترطت في انتقال الحق بالتعويض الأدبي إلى الغير بالاتفاق على ذلك مسبقاً, أو إن يكون صاحب الحق قد طالب به أمام القضاء. 

ومسألة تقدير التعويض من المسائل التي يستقبل بها القاضي باعتبارها مسألة واقعية تخضع لقاضي الموضوع, إلا إن مناط ذلك إن يكون التقدير قائماً على أساس واقع, وقد أشار القانون المدني اليمني في المادة ( 351) ف2 (ويكون التقدير على أساس ما لحق صاحب الحق من ضرر محقق بشرط إن يكون هذا نتجه طبيعية لعدم الوفاء بالحق والتأخر في الوفاء به)

 

المساءلة والعقوبات:

نصت المادة (20) :  يجوز للمجلس تشكيل لجأن خاصة للنظر في الشكاوى المرفوعة عن المخالفات المهنية المقدمة إليه ضد مزاولي المهنة .

مادة (21) : ( أ  )على أية جهة تتولى التحقيق في شكاوى مهنية ضد مزاولي المهنة أن تستطلع رأي المجلس فنياً وعلمياً قبل السير في إجراءات التحقيق, ما لم تكن الشكوى محوله أصلاً من المجلس طبقاً للفقرة (ف) من المادة (10) من هذا القانون .

ب -  على المجلس إن يبت في الشكوى المرفوعة والمحـــالة إليه خلال مدة أقصاها عشرة أيام .

مادة (22) :  يجوز لمن صدر ضده قرار من المجلس التظلم كتابياً خلال شهر من تاريخ إخطاره بالقرار, وعلى رئيس المجلس إحالة التظلم إلى لجنة خاصة بالتظلمات ، وترفع هذه اللجنة توصياتها إلى المجلس ويكون قرار المجلس إلزاميا, ويحق للمتظلم اللجوء إلى القضاء .

مادة (23) : تنظم اللائحة التنفيذية لهذا القانون إجراءات التحقيق في شان المخالفات المهنية المنسوبة لمزاولي المهنة .

مادة (24) :  مع عدم الإخلال بأحكام المسؤولية الجزائية والمدنية يكون مزاول المهنة محلاً للمسائلة التأديبية إذا أخل بأحد واجباته المهنية أو خالف أصول المهنة وآدابها، وفي هذه الحالة يحق للمجلس إن يطبق أحد العقوبات التأديبية التالية :

-  لفت نظـــر .

-  الإنــــذار .

-  غرامة مالية لا تتجاوز خمسين ألف ريال .

-   السحب المؤقت لترخيص مزاولة المهنة, لمدة لا تزيد عن ستة أشهر وتنظم اللائحة الداخلية تفاصيل ذلك.

-  شطب الاسم من سجلات المجلس, وإلغاء ترخيص مزاولة المهنة .

 

الخاتمة:

إن عدم إتباع ما تقضى به القوانين واللوائح والأوامر والأنظمة يتوفر به عنصرا لخطأ اللازم لتكوين الركن المعنوي فى الجرائم غير العمدية, سواء ارتكب من طبيب أو غيره.

فجسم الإنسان بكامل أعضائه محل الحماية الجنائية, وأي فعل يمس بحق الإنسان في سلامة جسمه يشكل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات, الا إذا توافرت اسباب معينة تخرج هذا الفعل من دائرة التجريم الي دائرة الاباحة.

 إن الحديث عن الأخطاء التي يرتكبها بعض الأطباء لا تتوخى أبدا التحامل على هؤلاء ولا تأليب الناس عليهم، بل يأتي هذا تنبيها إلى ضرورة  والأخذ  في الاعتبار إن الذين يسوقهم القدر بين أيديهم, إنما يكون بدافع من الثقة فيهم والأمل في أن يقدموا لهم ما يساعدهم على البقاء على قيد الحياة.

 

المراجع:

1-.قانون الجرائم والعقوبات اليمني.

2-.مقال قانوني للدكتور/ عبد المؤمن شجاع الدين.

3-القانون المدني اليمني

4-.قانون رقم (28)لسنه 2000م بشان إنشاء المجلس الطبي

5-مقال قانوني لدى مدونة معين القانونية

 

 

إعداد/نوح محمد الحداء

موقف الفقه الإسلامي من الإجهاض

 

 

 

موقف الفقه الإسلامي من الإجهاض

المقدمة:

شرع الله عز وجل النكاح وحثّ عليه ورغّب فيه، وجعله آيةً وعبادة، ومودةً وسعادة.

ولأهمية النسل, جعلته الشريعة الإسلامية أحد الضروريات التي لا تستقيم الحياة بدونه, لذا أحاطته بسياج منيع، وحافظت على حقوقه في كافة مراحل حياته, فحفظت للأجنّة منزلتها وحرمتها وحقوقها، وسنّ أحكاماً دقيقة لرعايتها والحرص على سلامتها ومنع إجهاضها في جميع مراحل نموها, بل إنّ الحقّ تبارك وتعالى عدّ الأجنّة من الآيات الكبرى الدالّة على عظمته وبديع صنعه، وجعلها برهاناً على أُلوهيته، وآيةً على البعث والنشور, يقول جل وعلا: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ, خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ, يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ, إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لقادر, يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ, فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ) الطارق الآية ( 7)

في هذا البحث المتواضع, سنوضح بأذن الله الاحكام التي سنها الإسلام للحفاظ على الأجنة, وبيان رأي فقهاء المذاهب الأربعة في إجهاضها , متمنيا التوفيق من الله عز وجل.

الإجهاض في اللغة:

مُجْهَض، يطلق على الحامل التي أسقطت حملها, وعلى السِّقْط, جهيض, و يُطلَق الإجهاض غالباً على اسقاط الولد ناقص الخلْقة، أو الذي لم يستبن خَلْقه، لكنه قد يُطلق على ما تم خلقه بعد نفخ الروح, ويأتي بمعنى الإملاص، أي الانفلات.

الإجهاض في اصطلاح الفقهاء:    

هو إلقاء الحمل مطلقاً، سواء كان ناقص الخْلِقة, أو ناقص المدة، مستبين الخلقة أم لا، نُفخت فيه الروح أو لم تنفخ، قصداً أم بغير قصد, أم تلقائياً.

أنوع الإجهاض:

1-   الإجهاض العلاجي:

و يعرف أيضا بالطبي, حيث  أن الطبيب الأخصائي هو من يقوم بهذه العملية كطريقة علاجية, إذا أتضح أن هذا الحمل يضر الأم أكثر مما ينفعها.

2-   الإجهاض المفتعـل (الجنائي) :

هو إجهاض إرادي مرغوب فيه, حيث تتعمد الأم عملية نزع الجنين لأسباب مختلفة, قد تكون اقتصادية أو اجتماعية, أو عدم الرغبة في حالة الحمل الغير شرعي.

3-   الإجهاض التلقائـي:

يختلف هذا النوع من الإجهاض من النوعين السابقين حيث يحدث لاإراديا, و ينسب معظم الأطباء أن هذا النوع يحدث لعدم استعداد الرحم للوصول بهذا الحمل حتى الولادة, فيطرده في الغالب ابتداء من الأشهر الأولى.

أركان الإجهاض:

1-   الركن الشرعي:

وهو الركن الذي يتعلق ببيان الأحكام والنصوص الشرعية المتعلقة بالتجريم والعقاب، ومدى قوتها، ومجال تطبيقها, ويستند على القاعدة الفقهية (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)

2-   محل الجريمة (الجنين)

ويشترط في وقوع الجريمة على الجنين:

-         وجود حمل، حتى يمكن طرده واخراجه بفعل الإسقاط.

-         أن يكون الجنين حياً في بطن أمه، قبل عملية الاعتداء.

-         أن ينفصل الجنين (كله) عن أُمه (ميتاً) وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية

أن يكون الانفصال (كله) (في حياة الأم) وهو مذهب الحنفية والمالكية,

ويترتب على هذا الشرط أن انفصال الجنين ميتاً بعد موت أُمه لا يعدّ جريمة إجهاض، لأن موت الأُم سبب ظاهر لموته على الأغلب، فتحقق موته بموتها.

-         اشترط جمهور الفقهاء أن يكون الجنين المسقَط (الجهيض) قد تجاوز المضغة وبدأ في مرحلة التصور، بصورة الآدمي جلياً أم خفياً، أو استبان بعض خلقه، أو انفصل لوقتٍ يعيش لمثله, لكن المالكية وبعض الشافعية والحنابلة يخالفونها الرأي, ويقولون بحرمة الإجهاض منذ لحظة التلقيح الأُولى، ومسؤولية الجاني مسؤولية كاملة عن اعتدائه.

حكم الإجهاض:

من الفقهاء من فرّق بين حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح ، وبين حكمه قبل ذلك, وبعد التّكوّن في الرّحم والاستقرار ، ولمّا كان حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح موضع اتّفاق, فإنه من المناسب البدء به, ثمّ التّعقيب بحكمه قبل نفخ الرّوح ، مع بيان آراء الفقهاء واتّجاهاتهم فيه :

أولا: حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح:

اتفق الفقهاء على أنّ نفخ الروح يكون بعد مئةٍ وعشرين يوماً من الحمل، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:

إن أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يَبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجَله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابُه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبقُ عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة) متفق عليه.

 الدليل المستمد من هذا الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم ينفخ فيه الروح) جاء هذا بعد أطوار النطفة، والعلقة، والمضغة، فكل طور مدته أربعون يوماً، ليكون مجموع الأطوار مائة وعشرين يوماً.

من هنا ذهب الأئمة والفقهاء إلى أن نفخ الروح يكون بعد أن يتم للحمل أربعة أشهر.

قال القرطبي(لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين يوماً، وذلك تمام أربعة أشهر، ودخوله في الخامس)

وقال النووي(اتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر)

وقال ابن حجر(اتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر)

ولا يعلم خلاف بين الفقهاء في تحريم الإجهاض بعد نفخ الرّوح.

فقد نصّوا على أنّه إذا نفخت في الجنين الرّوح, حرّم الإجهاض إجماعاً, وقالوا إنّه قتل له ، بلا خلاف.

والّذي يؤخذ من إطلاق الفقهاء تحريم الإجهاض بعد نفخ الرّوح,  أنّه يشمل ما لو كان في بقائه خطر على حياة الأمّ.

ثانيا: حكم الإجهاض قبل نفخ الرّوح :

في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح اتجاهات مختلفة وأقوال متعددة, حتى في المذهب الواحد , فمنهم من قال بالإباحة مطلقا, ما لم تنفخ فيه الروح,

ومنهم من قال بالإباحة لعذر فقط,  ومنهم من قال بالكراهة مطلقا  ومنهم من قال بالتحريم.

قول الشافعية والحنفية:

للشافعية والحنفية قولان:

 القول الأول: تحريم إسقاط الحمل الذي لم تنفخ فيه الروح، وهو ما كان عمره مائة وعشرين يوما، وقالوا( لا يشكل عليه العزل، لوضوح الفرق بينهما، أن المني حال نزوله لم يتهيأ للحياة بوجه، بخلافه بعد الاستقرار في الرحم وأخذه في مبادئ التخلق)

القول الثاني: ذهب جماعة من الحنفية والشافعية إلى جوازه, قال ابن الهمام في (فتح القدير)  (وهل يباح الإسقاط بعد الحبل ؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه ، ثم في غير موضعٍ قالوا : ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما, وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط, لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة )

وقال الرملي في (نهاية المحتاج) (الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا، وجوازه قبله ).

وفي حاشية قليوبي (نعم، يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه)

وقال المرداوي في (الإنصاف) (يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة)

قول الحنابلة:

قال ابن رجب الحنبلي في (جامع العلوم والحكم) : ورُوي عن رفاعة بن رافع قال : جلس إليَّ عمر وعليٌّ والزبير وسعد في نفر مِنْ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكَروا العزلَ، فقالوا : لا بأس به، فقال رجلٌ : إنَّهم يزعمون أنَّها المؤدة الصُّغرى، فقال علي : لا تكون موؤده حتَّى تمرَّ على التَّارات السَّبع : تكون سُلالةً من طين، ثمَّ تكونُ نطفةً، ثم تكونُ علقةً، ثم تكون مضغةً، ثم تكونُ عظاماً، ثم تكون لحماً، ثم تكون خلقاً آخرَ، فقال عمرُ : صدقتَ ، أطالَ الله بقاءك . رواه الدارقطني في (المؤتلف والمختلف).

ثم قال ابن رجب (وقد صرَّح أصحابنا بأنَّه إذا صار الولدُ علقةً، لم يجز للمرأة إسقاطُه, لأنَّه ولدٌ انعقدَ، بخلاف النُّطفة، فإنَّها لم تنعقد بعدُ، وقد لا تنعقدُ ولداً.

قول المالكية:

للمالكية قولان:

القول الأول:  تحريم إسقاط الحمل، فقد جاء في الشرح الكبير(ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم، ولو قبل الأربعين يوماً، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا).

القول الثاني:  كراهة إسقاط الحمل، وقد نقل هذا القول الدسوقي.        

عقوبة الإجهاض:

 اتّفق الفقهاء على أنّ الواجب في الجناية على جنين الحرّة هو غرّة,

لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وغيره  (أنّ امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى ، فطرحت جنينها ، فقضى فيه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بغرّة عبد أو وليدة ) .

 واتّفق الفقهاء على أنّ مقدار الغرّة في ذلك هو نصف عشر الدّية الكاملة ، وأنّ الموجب للغرّة كلّ جناية ترتّب عليها انفصال الجنين عن أمّه ميّتاً ، سواء أكانت الجناية نتيجة فعل أم قول أم ترك ، ولو من الحامل نفسها أو زوجها ، عمداً كان أو خطأً.

ويختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة ( وهي العقوبة المقدّرة حقّاً للّه تعالى مع الغرّة)

 والكفّارة هنا هي عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.

فالإمــام أبو حنيفة فَرِّق بين انفصال الجنين ميتاً، وانفصاله حياً، ويوجب الكفارة في الحالة الثانية دون الأولى، لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يوجب الكفارة حين أوجب الغُرَّة، وليس من بأس في أن يتقرب بها الجاني إلى الله في الحالة الأولى، فذلك أفضل له، مع أنها غير واجبة عليه.

أما الحنابلة فيرون وجوب الكفارة على سبيل الإطلاق، فعلى كل جانٍ (في هذه الجناية) عتق رقبة، سواء أكان الجنين حياً أم ميتاً، وهذا قول أكثر أهل العلم,  منهم الحسن، وعطاء، والزهري، والحكم، ومالك، والشافعي.

 قال ابن المنذر (كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أوجب على ضارب بطن المرأة تلقي جنيناً، الرَّقَبَة مع الغُرَّة)

وسند هذا الرأي قول الله تعالى : (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمنـا خطأ فتحـرير رقبة مؤمنة)، إلى قوله : (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) النساء الآية (92)

الإجهاض المعاقب عليه:

 يتّفق الفقهاء على وجوب الغرّة بموت الجنين بسبب الاعتداء، كما يتّفقون على اشتراط انفصاله ميّتاً، أو انفصال البعض الدّالّ على موته,

إذ لا يثبت حكم المولود إلاّ بخروجه, ولأنّ الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت، وبالإلقاء ظهر تلفه بسبب الضّرب أو الفزع ونحوهما، غير أنّ الشّافعيّة قالوا, لو علم موت الجنين وإن لم ينفصل منه شيء فكالمنفصل.

والحنفيّة يعتبرون انفصال الأكثر كانفصال الكلّ، فإن نزل من قبل الرّأس فالأكثر خروج صدره، وإن كان من قبل الرّجلين, فالأكثر انفصال سرّته.

والحنفيّة والمالكيّة يتفقان على أنّه لا بدّ أن يكون ذلك قبل موت أمّه,

قال الحطّاب والموّاق (الغرّة واجبة في الجنين بموته, قبل موت أمّه)

وقال ابن رشد (ويشترط أن يخرج الجنين ميّتاً, ولا تموت أمّه من الضّرب)

أمّا الشّافعيّة والحنابلة فيوجبون الغرّة, سواء أكان انفصال الجنين ميّتاً حدث في حياة الأمّ, أو بعد موتها, لأنّه كما يقول ابن قدامة (جنين تلف بجناية، وعلم ذلك بخروجه، فوجب ضمانه كما لو سقط في حياتها,

ولأنّه لو سقط حيّاً ضمنه، فكذلك إذا سقط ميّتاً كما لو أسقطته في حياتها)

ويقول زكريّا الأنصاريّ (ضرب الأمّ، فماتت ، ثمّ ألقت ميّتاً، وجبت الغرّة، كما لو انفصل في حياتها)

الخاتمة:

تأسيسًا على ما سبق قوله، فقد اختلفت وجهات نظر الفقهاء في الإجهاض، وإن كان إجماعهم قد انعقد على حُرمته بعد نفخ الروح, إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك, والضرورة تقدر بقدرها.

 والمسألة خلافية فيما بينهم في حكم الإسقاط  قبل نفخ الروح, فمنهم من منعه مطلقاً, ومنهم من قال بالكراهة, ومنهم من أجاز بعذر, لكنَّ ومع كلِّ هذا, فالشريعة جاءت برفع الحرج ودفع الضرر، من هنا وجدت حالات استثنائية خاصَّة جداً يجوز فيها إسقاط الجنين، وهي التي يصح أن توصف بالعذر الشرعي,  وهذا ما تقضى به مقاصد الشريعة وأدلتها العامة،  قال تعالى (...يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...)  البقرة الآية(185) ، و(ما خُير الرسول صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما)

خلاصة القول والذي بات واضحًا لنا، حُرمة الإجهاض على طلاقة هذه الحُرمة، مع عدم إغفال الضرورات، فلها حكمها، لأنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها، كما يقول أهل العلم، فالإسلام لا يسد الطريق أمام ذوي الأعذار, والحاجات.‏

المراجع:

القرآن الكريم

محمد سعيد البوطي (مسألة تحديد النسل وقاية وعلاجا)

المرادوي (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الامام احمد ابن حنبل)

ابن رجب الحنبلي (جامع العلوم والحكم)

الرملي (نهاية المحتاج)