بحث في حالة كون العقد يلزم العامل إعطاء مهلة لصاحب العمل قبل الاستقالة هل يترتب على عدم
القيام بذلك جزاء على العامل بحرمانه من مستحقاته
غني عن البيان أن آثار علاقة العمل التعاقدية تتبلور
فيما ينشئه عقد العمل على عاتق أحد طرفيه من التزامات هي حقوق للطرف الأخر
فعقد العمل هو السبب القانوني المنشئ لالتزامات صاحب
العمل والتزامات العامل المتبادلة باعتباره عقد معاوضه ملزم للجانبين .
كذلك أن المبادئ العامة في القانون المدني تقضي بان
العقد شريعة المتعاقدين ولا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق المتعاقدين أو للأسباب
التي يحددها القانون .
وبناء على ما سبق فأنه إذا نص في عقد العمل أنه يجب على العامل إذا رغب في تقديم
استقالته ان يعطي رب العمل مهله قبل تقديم الاستقالة وجب عليه التقيد بهذه المهلة
وإلا تحمل تعويض رب العمل نتيجة لمخالفة نص العقد وقانون العمل والمبادئ العامة في
القانون المدني.
اعتبر الفقه
الاستقالة احد أسباب انقضاء عقد العمل وطبقاً للقواعد العامة في قانون العمل لم
يشترط أن تكون استقالة العامل مكتوبة بل المسلم به أنه يكفي ان تكون استقالة
العامل المنهية لعقد العمل بينه وبين صاحب العمل بالقطاع الخاص معبراً عنها بالقول
لا بالكتابة وهي إرادة صادرة من العامل كعمل قانوني من جانب واحد , تصرف إلى إنهاء
عقد العمل , دون أن تستلزم إذا قبولاً من صاحب العمل غاية ما هنالك أنه يتعين على
العامل في خصوصها ألا يجحد حق صاحب العمل في أن يمهله مدة معينة هي مدة الإخطار
الفعلية وهي ثلاثون يوماً بالنسبة للعمال المعينين بأجر شهري .
مرجع د/ عصام أنور
سليم – قانون العمل ط2002صـ665
وهكذا فإذا ترك العامل العمل فجأة , التزم بتعويض صاحب
العمل عن هذه المهلة او المدة الباقية منها تعويضاً يحتسب على أساس أنه يشمل فوق
الأجر الذي كان يستحقه خلال هذه المدة جميع ملحقات الأجر التي تكون ثابتة ومعينه .
مرجع سابق ـ صـ666
جزاء مخالفة قواعد الأخطار :-
نصت المادة (38) من قانون العمل على أنه :- ( إذا
أنهى العقد من قبل أحد الطرفين المتعاقدين وفقاً للمادة (36) فعلى الطرف الذي
سينهي العقد من جانبه أن يشعر الطرف الأخر قبل إنهاء العقد بمدة مساوي للمدة
المقررة لدفع الأجر أو دفع أجر تلك الفترة كاملاً بدلاً من الإشعار )
ونصت المادة (796) من القانون المدني على أنه (...وإذا
لم يراع الطرف الذي فسخ العقد إخطار الطرف الأخر في الميعاد او فسخ العقد قبل
انتهاء المهلة لزمه أن يعوض الطرف الأخر بمقدار أجر المهلة او المدة البقية منها
شاملاً جميع الملحقات التي تعتبر جزء من الأجر .....)
يتضح من هذين النصين أن الجزاء على مخالفة قواعد الإخطار
ليس بطلان إنهاء العقد فالعقد ينتهي ولكن يلتزم من أنهى العقد بتعويض الطرف الأخر
عن مدة الإخطار
وقد قدر المشرع هذا التعويض تقديراً جزافياً وقصد من ذلك
تفادي وجه النزاع التي قد تثار في العمل والتي يكون من شأنها تأخير الحكم بالتعويض
وحدده بالأجر المستحق للعامل عن مدة الإنذار أو الجزء الباقي منها .
ويلتزم المتعاقد الذي لم يراع الالتزام بالأخطار السابق
على الإنهاء بالتعويض ولو ثبت أن المتعاقد الأخر لم يصبه إي ضرر من جراء هذا الإخلال
كما لو كان العامل الذي أنهى رب العمل عقده دون إنذار سابق قد وفق إلى عمل أخر فور الإنهاء المفاجئ للعقد
مما يدل على أن هذا التعويض يتضمن معنى العقوبة وقد ترتب على هذا التقدير الجزافي
للتعويض أن جرى العمل على أن ينهي رب
العمل عقد عمل العامل دون إنذار سابق في مقابل دفع أجرة عن مدة الإنذار
وذلك لتجنب إهمال العامل وتكاسله بل وتعمده أحياناً الإضرار برب العمل عندما يخطره
بإنهاء عقده ويتركه يعمل خلال مدة هذا الإخطار .
ويقر الفقه والقضاء هذا الإجراء وهو ما تضمنته نص المادة
(38/1) من قانون العمل صراحة
مرجع أد/ محمد عبد القادر الحاج – قانون العمل اليمني الجديد ط
2005م – 2006م صـ63-64
أثر مخالفة قواعد الإخطار على المستحقات :-
ونبين ذلك بالأثرين الآتيين :-
الأثر
الأول :- أثر مخالفة قواعد الإخطار على حق العامل في التعويض عن الفصل بغير مبرر :
حق العامل في مقابلة مهلة الإخطار في حالة فسخ العقد غير
المحدد المدة يختلف عن حقه في التعويض عن الفصل بغير مبرر وأن اتحدا في مصدرهما
وهو العقد .
نقض مصري جلسة 1/6/1974 – طعن رقم (73) لسنة 38 نقلاً من
كتاب قضاء النقض في منازعات العمل والتأمينات الاجتماعية المحامي عصمت الهوادي
ج1صـ299
حيث أن أساس التعويض عن مهلة الإنذار المقررة قانوناً في
حالة فسخ العقد غير المحدد المدة هو إخلال الطرف المنهي للعقد بإلزامه باحترام هذه
المهلة وعدم إعلانه الطرف الأخر في المواعيد المقررة بعزمه على إنهاء العقد ،
وأساس التعويض عن الفصل غير المبرر هو ما يشوب تصرف رب العمل من تعسف في استعماله
حقه بفسخ العقد وبذلك يتضح أن الطلبين وأن اتحدا في مصدرهما وهو العقد إلا أن أساس
كل منهما يختلف عن أساس الأخر .
مرجع
سابق صـ300
أثر
مخالفة قواعد الإخطار على حق العامل في مكافأة نهاية الخدمة :-
ونبين ذلك عند المقارنة في اختلاف التعويض عن الفصل
التعسفي وحق العامل في المكافأة على نهاية الخدمة حيث أن مصدر التعويض عن مهلة
الإخطار والتعويض عن الفصل التعسفي يتفقان في المصدر وهو العقد أما المكافأة
فمصدرها المباشر هو القانون ونبين ذلك بالأتي
اختلاف
التعويض عن المكافأة
المبدأ
(377) حق العامل في المكافأة يختلف عن حقه في التعويض وذلك في أساس كل منهما
وطبيعتهما
-
مكافأة
نهاية الخدمة التزام مصدره المباشر القانون وسببه ما أداه العامل من خدمات لرب
العمل نتيجة للعقد أما التعويض فهو مقابل الضرر يدور معها وجوداً أو عدماً.
ولما
كان حق المكافأة وحق التعويض حقين مختلفين في أساسهما وطبيعتهما فمكافأة العامل عن
مدة خدمته التزام مصدره المباشر القانون وسببه ما أداه العامل من خدمات لرب العمل
نتيجة للعقد الذي تم بينهما فهي بهذا تعتبر نوعاً من الأجر الإضافي أوجب القانون
دفعه عند انتهاء العقد بغير خطأ أو تقصير من جانبه فلا يجوز حرمانه من هذه
المكافأة إلا في الأحوال المقررة قانوناً – أما التعويض فهو مقابل الضرر الذي يصيب
العامل جزاء فصله بغير مبرر فمناطه سوء استعمال الحق وترتب الضرر يدور معها وجوداً
وعدماً .
"
الطعن رقم 210لسنة 24ق – جلسه 16/10/1958
مرجع
سابق صـ317-318
-
هل يتوقف أثر تقديم الاستقالة على موافقة رب العمل وهل يعتبر سكوته عن مهلة
الإخطار عند تقديم الاستقالة تنازلاً عنها:
استقر
الفقه على عدم اعتبار موافقة رب العمل على الاستقالة التي يقدمها العامل لرب العمل
وقد ورد النص على ذلك في كتاب: قضايا النقض في منازعات العمل والتأمينات
الاجتماعية للمحامي عصمت الهواري حيث جاء فيه ما يلي:
-
الاستقالة
هي إنهاء للعقد بالإرادة المنفردة ويلحق بها أثرها بمجرد تقديمها دون تعليق على
قبول صاحب العمل لها.
-
لكل
من طرفي عقد العمل غير المحدد المدة أن يضع بإرادته المنفردة حداً لعلاقته مع
المتعاقد الأخر دون ما قيد سوى شرط مراعاة مهلة الإخطار.
-
إن
الاستقالة وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة تكون إنهاء للعقد بالإرادة المنفردة
دون تعليق على قبول صاحب العمل لها.
"الطعن رقم480 لسنة38 ق جلسة28/12/1974"
أنظر
قضايا النقض في منازعات العمل والتأمينات الاجتماعية الجزء الاول صـ256 المحامي
عصمت الهواري"
تجيز
قواعد القانون المدني لكل من طرفي عقد العمل غير المحدد المدة أن يضع حداً لعلاقته
مع المتعاقد الأخر بإرادته المنفردة وهو حق لا يقيده سوى سبق الإخطار في الميعاد
الذي حدده القانون او التعويض عنه إذا لم يتم.
مرجع سابق صـ260
الاستقالة :
استقالة العامل في العقد المحدد المدة تعتبر
إنهاء مبتسرا له ، وهي في العقد غير
المحدد المدة أنهاء بالإرادة المنفردة ، والاستقالة وأن كانت في حالة العقد المحدد
المدة تعتبر أنهاء غير مشروع لعقد العمل- وانهاء العقد من أحد طرفيه يقضي الرابطة
العقدية ولو اتسم بالتعسف غاية الأمر أنه يعطي للعامل الذي اصابه ضرر الحق في
التعويض- الا أنها جائزة في العقد غير المحدد المدة وفقا للمادة (694/2) من
القانون المدني التي تجيز لكل من الطرفين في عقد العمل غير المحدد انهاء العقد
بالارادة المنفردة في أي وقت بشرط الإخطار.
وعله تقرير حق الاستقالة للعامل ترجع إلى
منع تأييد عقود العمل .
وتقضي استقالة العامل انهاء علاقة العمل
بمجرد تقديمها دون تعليق ذلك على قبول صاحب العمل لها.
وكان قانون العمل السابق م(77) يجيز للعامل
ترك العمل قبل نهاية العقد أو بدون سبق اعلان في حالات معينة تتمثل في إخلال صاحب
العمل بالتزاماته أو ادخاله الغش على العامل أو ارتكابه أو من ينوب عنه أمرا مخلا
بالآداب نحو العامل أو أحد افراد عائلته أو وقوع اعتداء من ايهما على العامل أو
بسبب عدم اتخاذ صاحب العمل التدابير اللازمة لإبعاد الخطر الجسيم الذي يتهدد سلامة
العامل أو صحته وأغفل القانون الجديد النص
على حق العامل في فسخ عقد العمل مكتفياً بتقرير انقضاء علاقة العمل بالاستقالة
ويقتضي ذلك الرجوع إلى القواعد العامة في القانون المدني وهي تقرر للعامل الحق في
فسخ عقد العمل قبل انقضاء مدته إذ كان محدد المدة ودون أخطار سابق أو مهلة بالنسبة
للعقد غير محدد المدة إذا ارتكب صاحب العمل خطأ في حقه يتعذر معه على العامل
الاستمرار في العمل أو أخل صاحب العمل بالتزاماته الناشئة عن عقد العمل.
الوسيط
في التشريعات الاجتماعية – قانون العمل / المستشار أحمد شوقي المليجي – ط1984- صـ
289-290.
حالات خاصة في القبول:
الحالة الأولى : مجرد السكوت قد يكون قبولاً:
المبدأ العام : لا محل للكلام في السكوت
بإعتباره معبراً عن الايجاب فإنه لا يتصور أن يكون مجرد السكوت ايجابا ولكن هل
يجوز أن يكون قبولاً؟ صـ220
يمكن القول بوجه عام إن السكوت في ذاته
مجرداً عن أي ظرف ملابس له لا يكون تعبيراً عن الإرادة ولو قبولاً لأن الإرادة عمل
ايجابي والسكوت شئ سلبي ويقول فقهاء الشريعة الاسلامية ( لا ينسب لساكت قول ) وليس
السكوت إرادة ضمنية ، فإن الإرادة الضمنية تستخلص من ظروف ايجابية تدل عليها أما
السكوت فهو العدم ، واولى بالعدم أن تكون دلالته الرفض لا القبول وهذا هو المبدأ
العام يقول به الفقه والقضاء في مصر وفي غيرها من البلاد
مرجع سابق صـ 221.
الإستثناء : على أن هذا المبدأ العام يقيد
منه استثناءات اقرها القضاء المصري في ظل القانون القديم واكدها القانون الجديد في
نص صريح فقضت المادة (98) بما يأتي:
( 1- إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف
التجاري أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحاً بالقبول
فإن العقد يعتبر قد تم إذا لم يرفض الايجاب في وقت مناسب .
2- ويعتبر السكوت عن الرد قبولاً إذا كان
هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الايجاب بهذا التعامل أو إذا تمخض الايجاب
لمنفعة من وجه اليه).
فالاسئتثناء إذن هو أن يعتبر السكوت قبولا
إذا أحاطت به ظروف ملابس من شأنها أن تجعله يدل على الرضا.
ويجوز أن يكون السكوت بمنزله القبول لا
بالنسبة إلى اتمام العقد فحسب بل وكذلك بالنسبة إلى الغائه أو الاقالة منه.
الوسيط
في القانون المدني الجديد : نظرية الالتزام بوجه عام
مصادر الالتزام الجزء الاول /د: عبدالرزاق
السنهوري –صـ 222.
هذه الظروف الملابسة ضرب لها القانون الجديد
الامثلة الاتية:
(1)
إذا كان العرف التجاري الذي جرى عليه العمل يقضي بأن
السكوت يدل على الرضا كما إذا ارسل المصرف بياناً لعميله عن حسابه في المصرف وذكر
أن عدم الاعتراض على هذا البيان يعد اقراراً له ، أو كانت طبيعة المعاملة تقضي
بذلك.
(2)
إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين كما إذا اعتاد
عميل استيراد البضائع التي يريدها من تاجر بالكتابة اليه فيرسل له التاجر ما يريد
دون أن يؤذنه بالقبول فإذا طلب العميل شيئا وظل التاجر ساكتاً كعادته كان للعميل
أن يعتبر هذا السكوت رضاء وأن التاجر سيرسل له ما طلب كما عوده وقد يكون هناك عقد
سابق بين الطرفين فيستخلص السكوت قبولاً إذا كان العقد الجديد من مكملات تنفيذ
العقد السابق أو معدلاً له أو فاسخاً.
مرجع سابق صـ 223.
(3)
إذا تمخض الايجاب لمنفعة من وجه اليه وسكت هذا فيعتبر
سكوته رضاء كالهبة التي لا تشترط فيها الرسمية تعرض على الموهوب له فيسكت وكعاريه
الاستعمال تعرض على المستعير فيلزم الصمت.
وليس
فيما تقدم إلا أمثلة لم ترد على سبيل الحصر فكل سكوت تلازمه ملابسات تدل على الرضا
فهو "سكوت ملابس" ويعتبر قبولاً ، كما إذا علم الموكل بمجاوزة الوكيل
حدود الوكالة فإن سكوته اجاره كالمالك الحقيقي في بيع ملك الغير إذا علم بالبيع
وسكت دون عذر كان سكوته اقرارا للبيع في كل هذا لو كان الساكت اراد أن يعترض لتكلم
، ولكنه سكت في معرض الحاجة إلى الكلام ويقول فقهاء الشريعة الإسلامية هنا ايضا "السكوت
في معرض الحاجة بيان" .
مرجع سابق صـ224.
الحالة الثانية:
تنفيذ العقد قد يقوم مقام القبول:
يعتبر
القضاء المصري : أن التنفيذ الاختياري للإيجاب يقوم مقام القبول فيتم العقد له ،
ويعتبر قبولا ضمنيا.
الحالة الثالثة:
القبول في عقود المزاد.
الحالة الرابعة:
القبول في عقود الاذعان.
التعبير
الضمني عن الارادة:
التعبير
الصريح عن الايجاب لا يكون الا من الموجب ويقابله التعبير الضمني وهذا التعبير لا
يكون الا من القابل وهو استخلاص الرضا بالعقد من خلال تصرف القابل أو سكوته وذلك
على النحو الآتي:
أولا:
دلالة التصرف على القبول : لاشك أن التعبير الضمني عن الإرادة انما يستخلص بصورة عير مباشرة
من خلال ما يقوم به القابل من التصرفات ومثال ذلك قيام الوكيل بتنفيذ الوكالة وكذا
بقاء المستأجر في العين المؤجرة بعد نهاية الايجار دون اعتراض المؤجر في كل هذه
الصور وامثالها يستطيع القاضي أن يستدل على الرضا بتنفيذ العقد او الاستمرار فيه
من خلال التصرف الايجابي الذي قام به القابل ولا يستثني من ذلك الا الحالات التي
ينص فيها القانون أو الاتفاق على ضرورة التعبير الصريح وقد اجازت المادة (148) من
القانون المدني استخلاص هذا التعبير الضمني عن الارادة بقولها ( ويجوز أن يكون
التعبير عن الارادة ضمنياً إذا لم ينص القانون الشرعي أو يتفق الطرفان مسبقا على
أن يكون صريحاً).
النظرية العامة
للالتزامات في القانون المدني اليمني
/ د: محمد بن حسين الشامي – ط2005م صـ 75 . الجزء الأول مصادر
الالتزام.
ثانيا:
دلالة السكوت على القبول:
السكوت
عمل سلبي فلا يجوز أن يكون ايجابا أما دلالته على القبول فلا يخلو أما أن يكون
سكوتاً مجرداً واما أن يكون سكوتاً ملابسا وذلك على النحو الآتي:
1-
السكوت المجرد: هو السكوت الخالي عن كل قرينة تدل على الرضا أو وجود تعامل سابق فهو
والعدم سواء وقد اشارت المادة (7) من القانون المدني اليمني إلى هذا المعنى
بقولها:
(لا
ينسب لساكت قول إلا ما أستثني بنص شرعي).
وسبب
ذلك أن السكوت المجرد لا يعتبر ارادة ضمنية حيث الارادة الضمنية لا تستخلص الا من
موقف ايجابي لا يدع الحال شكاً في دلالته على المقصود أما السكوت المجرد فهو
موقف سلبي لا يعول عليه .
وقد
أورد ابن بخيم صوراً من التطبيقات العملية لهذا النوع من السكوت بقوله : لو رأى
اجنبيا يبيع ماله فسكت ولم ينهه لم يكن وكيلا بسكوته وكذا سكوت امرأة العنين ليس
برضا ولو أقامت معه سنين ، الإعارة لا تثبت بالسكوت ومن ثم فلا يفسر عدم الاعتداء
بالسكوت في مثل هذا الحالات : إلا أن يقال بأن السكوت عدم ولا ينشأ عن العدم وجود
وذلك لعدم وجود اية قرينة تدل على الرضا.
وعدم
الاعتداء بالسكوت المجرد مبدأ عام أخذ به فقه القانون المدني في مصروفي غيرها من
البلاد وهو مبدأ يستخرج من ( الاستصحاب ) أحد الادلة في اصول الفقه كما هو معروف.
2-
السكوت الملابس هو السكوت المقترن بقرينة تدل على الرضا من القابل وقد عبرت مجلة
الأحكام العدلية عن هذا المعنى بقولها في المادة (17/2) " ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان".
كما
اورد ابن بخيم مسائل كثيرة يكون السكون فيها كالنطق منها سكوت البكر وسكوت المتصرف
عليه ، وسكوت الوكيل قبول ويرتد برده وسكوت المفوض اليه قبول التفويض وله رده.
وقد
عالج القانون المدني اليمني احوال السكوت الملابس حيث نصت عليه المادة (159)
بقولها :
(
إذا كانت عادة المعاملة أو العرف التجاري أو ما يدل على أن الموجب لم يكن ينتظر
تصريحا بالقبول ، فإن العقد يعتبر قد تم إذا لم يرفض الايجاب في المدة المعقولة
لعودة الرد الى الموجب ، ويعتبر السكوت عن الرد قبولا إذا كان هناك تعامل سابق بين
المتعاقدين واتصل الايجاب بهذا التعامل ، أو كان الايجاب لمنفعة من وجه اليه محضا
). وهو نفس المعنى الثابت
في المادة (98) من القانون المدني المصري .
مرجع سابق صـ 78.
خلاصة :
ويظهر
مما تقدم في الفقهين المدني والاسلامي أن للقاضي أن يستخلص وجود التراضي في كل ما
يصلح أن يكون دليلاً شرعياً على قصد المتعاقدين ايا كان التعبير صريحاً أو ضمنياً
وهو النهج الذي نصت عليه المادة (138) مدني يمني بقولها :
(
ويجوز أن يكون التعبير عن الارادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان مسبقا
على أن يكون صريحاً ) .
وهو
نفس المعنى الوارد في نص المادة (90) من القانون المدني المصري .
مرجع سابق صـ 79.
لمحامي/ عبد المجيد مصلح صبره