وجوب حضور المتهم جلسات المحاكمة ولا يغني حضور محاميه.
أولاً:
المعلوم قانوناً أن الأصل في المواد الجنائية هو الحضور الشخصي للمتهم امام
المحاكم الجنائية على اختلاف درجاتها وهي ضرورة تفرضها طبيعة الدعوى الجنائية
ومتطلبات القانون الجنائي(1)فحضور المتهم لم يشرع لصالحه فحسب بل شرع أيضاً لتحقيق
اعتبارات حسن سير العدالة ولذلك فإن هذا الحضور أمام قضاء الحكم يعد ضمانة هامة
وأساسية للوصول إلى كشف الحقيقة وإصدار حكم يحقق الحماية الجنائية وهو مبدأ عام لا
استثناء عليه في القضايا الجنائية إلا إذا كانت الجريمة معاقب عليها بالغرامة فقط.
وقد اوجب المشرع اليمني حضور المتهم بشخصه جلسات المحاكمة باعتباره الخصم
الأصلي في الدعوى وقد نصت المادة(315) من قانون الإجراءات الجزائية على ذلك صراحة
والذي جاء فيها: (1-يجب على أي متهم في جريمة أن يحضر المحاكمة بنفسه على أنه
يجوز للمحكمة أن تكتفي بحضور وكيل عنه إذا كانت الجريمة معاقب عليها بالغرامة فقط.
2-لبقية الخصوم الحضور بأنفسهم أو بوكلاء عنهم وللمحكمة أن تأمر بإحضارهم
شخصياًَ إذا رأت في ذلك مصلحة)
ويتضح من نص المادة سالفة الذكر أن المشرع اليمني يفرق في صدد حضور الوكيل
عن المتهم بحسب نوع العقوبة المقررة للجريمة كالتالي:
1- إذا كانت
العقوبة المقررة للجريمة هي الغرامة فقط يجوز للمتهم أن ينيب عنه وكيلاً لتقديم
دفاعه مع عدم الإخلال بحق المحكمة في الامر بحضور المتهم شخصياً لأنه الخصم الأصلي
في الدعوى لأن عدم حضور المتهم قد يؤدي إلى تعطيل مصالحة.
2- كما يجوز حضور
وكيل عن المتهم حتى ولو كانت الواقعة معاقب عليها أصلا بالحبس متى قضى فيها بالغرامة
وطعن فيها المتهم وحده امام الاستئناف لأنه لا يضار المستأنف باستئنافه.
إلا إذا كانت النيابة هي الطاعنة في الحكم بالاستئناف
فإنه ينبغي أن يحضر المتهم بنفسه لاحتمال إلغاء الحكم الابتدائي ويقضي بالحبس.
3- كما يجوز
للمتهم أن يوكل غيره إذا اقتصر الأمر على نظر الدعوى المدنية امام محكمة الدرجة
الثانية بناء على طعن المدعي المدني.
4-
إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة عقوبة بدنية أو سالبة
للحرية فإن المتهم يجب عليه الحضور بنفسه جلسات المحاكمة باعتباره الخصم الأصلي في
الدعوى وإذا حضر محاميا عن المتهم الغائب رغم الحضر الوارد في المادة(315) أ.ج فلا
يجوز للمحكمة ان تستمع إلى مرافعاته وطلباته أو تعتبر كما لو كان حاضراً وكلما
لهذا المحامي هو ان يبدى عذره لموكله عن عدم الحضور فإن رأت المحكمة العذر مقبول
عليها أن تحدد ميعاد جديداً لحضور المتهم أمامها أما إذا سمعت المحكمة مرافعة المحامي
أو طلباته رغم غيبه المتهم فإن إجراءاتها تكون باطلة لمخالفتها نص المادة(315)
أ.ج.(2)
ولم يأخذ الشارع بنظام الحكم الحضوري الاعتباري فيما يتعلق بالأحكام التي
تصدر في مواد الجنايات من محكمة الجنايات كما فعل بالنسبة للجنح والمخالفات ومن
المقرر في قضاء محكمة النقض أن العبرة في وصف الأحكام هي بحقيقة الواقع فلا يعتبر
الحكم حضورياً بالنسبة للخصم إلا إذا حضر وتهيأت له الفرصة لإبداء دفاعه كاملاً
كما لا يغير منه حضور المدافع عن الطاعن بالجلسة التي أعيدت الدعوى فيها للمرافعة
إذ تقضي المادة(388) أ.ج مصري بأنه لا يجوز لأحد أن يحضر وكيله أو أحد أقاربه أو
أصهاره وبيدي عذره في عدم الحضور فإذا رات المحكمة أن العذر مقبول تعين ميعادا لحضور
المتهم أمامها.(3)
ثانياً:
إن حضور المتهم أمر واجب في
المحاكمات الجنائية وذلك بغية في الوصول إلى الحقيقة من خلاله إذ يعتبر هو الشخص
الوحيد الذي يحمل الحقيقة في صدره ويعلم بها على وجه قاطع(4) ومن القواعد العامة التي تحكم إجراءات المحاكمة
مباشرة الإجراءات في حضور الخصوم والذي يلزم فيه تمكين المتهم من الحضور ليس فقط
بالنسبة لجلسات المرافعة وإنما كذلك عند كل إجراء تتخذه المحكمة وهذا ما نصت عليه
المادة(348) أ.ج بقولها: (يحضر المتهم الجلسة بغير قيود وإنما تجرى عليه
الملاحظات اللازمة ومع ذلك يجوز للنيابة العامة أو المحكمة أن تأمر بإحضاره مقيدا
إذ دعت الضرورة ذلك)
وكذلك نص المادة(349) إ.ج الذي جاء فيها: (لا يجوز إبعاد المتهم أثناء
نظر الدعوى.)
وبهذا يكون حضور المتهم شرطاً لصحة إجراءات المحاكمة فلا يجوز إبعاده بدون
مقتضي عن حضور إجراءات المحاكمة والحكمة من قاعدة حضور المتهم هو حرص المشرع على ألا
يؤدي عدم حضور المتهم او هربه إلى تعطيل المحاكمة أو عدم إمكانية تنفيذ الحكم
الصادر ضده وإضافة إلى ان حضوره يفيد في معرفة حقيقة الواقعة المسندة إليه بل إن
حضور المتهم واجب عليه وإن لم يحضر أكره على الحضور إن لزم الامر لأن جريمته إزاء
المجتمع تفرض عليه الحضور والمشاركة في الإجراءات التي تفتضيها تحديد مسئوليته
عنها.(5)
وقد علق شراح القانون على اختلاف الحضور أمام القضاء المدني عن الحضور أمام
القضاء الجنائي منهم الدكتور أحمد شوقي أبو خطوه في كتابه الحماية القانونية
للمحاميين وحضورهم في القضايا الجنائية.
ذلك بقوله:( أن الدعوى المدنية تمثل نزاعاً بين مصالح خاصة يقف المجتمع
منها موقف الحياد فالخصوم في الدعوى المدنية يحددون طلباتهم وادعاءاتهم التي غالبا
ما تكون مالية فلا يلتزم القاضي المدني بالبحث عن الحقيقة إلا في ضوء ما يقدمه
إليه الخصوم من ادلة.
فالحضور أمام القضاء المدني يعتبر حقاً خالصاً للخصم يستوفيه بشخصه او بممثله
أما الدعاوى الجنائية فهي تهدف إلى تقرير سلطة الدولة في العقاب فهي دعوى تتعلق
بمصلحتين مختلفتين مصلحة المجتمع في توقيع العقاب على من ارتكب الجريمة وثبت
إدانته حتى يسود فيه الامن والطمأنينة ومصلحة الفرد في صيانة حياته أو حريته أو
ماله أو شرفه أو اعتباره لذلك نجد أن دور القاضي يتسم بالإيجابية في الدعوى
الجنائية حيث يتمتع بسلطة واسعة في تحقيقها بل ويسعى بنفسه لجمع الادلة وفحصها
وتقريرها من أجل الوصول إلى الحقيقة في الدعوى.
فحضور المتهم امام القضاء الجنائي لم يشرع لصالحه فحسب بل شرع أيضاً لتمكين
القاضي الجنائي من أداء واجبه في كشف الحقيقة المادية وإصدار حكم يحقق الحماية
الاجتماعية. (6)
ثالثاً:
لا يغني حضور المحامي الحاضر عن موكله المتخلف عن حضور الجلسات:
إن حضور محامي المتهم في حالة تخلف موكله عن حضور أي من الجلسات يقتصر على
تقديم العذر في عدم حضور موكله فقط ولا يجوز له الترافع نيابة عنه في حالة تخلفه
عن الحضور ولا يجوز لأحد أن يحضر أمام المحكمة ليدافع أو ينوب عن المتهم الذي تخلف
عن حضور الجلسات وهو ما نصت عليه المادة(286) من قانون الإجراءات الجزائية صراحة
حيث جاء فيها: (يجوز ان يحضر امام المحكمة وكيل المتهم أو أحد أقاربه أو أصهاره
ويبدي عذره في عدم الحضور فإن رأت المحكمة ان العذر مقبول تعين ميعاداً لحضور
المتهم أمامها تراعي فيه ماهية العذر)
لا يجوز قانوناً لأي من المتهمين أن ينيب عنه وكيلاً في الحضور أمام
المحكمة وذلك لعدم وجود نص قانوني يجيز ذلك هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن مبدأ
المواجهة لا يتحقق بحضور الوكيل في المحاكمات الجنائية لأن مبدأ المواجهة من
المبادئ المقررة في المحاكمات الجنائية ويرجع ذلك أن إجراءات المحاكمات تتخذ صورة
المناقشة المنظمة بين أطراف الدعوى وهذا يقتضي حضور الخصوم إجراءات المناقشة حتى
يتمكن كل خصم من الإطلاع على الأدلة التي يطرحها خصمه وبعد دفاعه على ضوء ما تم
تقديمه من أدلة ضده ومبدأ المواجهة يتيح للقاضي تكوين رأي سليم عن الخصومة يبنى
على أساسه حكمه وقد وضع القانون والفقه عدة واجبات يقتضيها مبدأ المواجهة وهي:
1- حق الخصوم في
حضور إجراءات المحاكمة.
2- حق الخصوم في
الإحاطة علماً بما يقدمه خصمه من أدلة.
وقد قضت محكمة النقض المصرية في عدداً من أحكامها بأنه: (متى كان حضور
المتهم بنفسه واجباً طبقاً للقانون فإنه لا يجوز أن يحضر محام ليدافع أو ينوب عن
المتهم الغائب لأن مهمة الوكيل في هذه الحالة ليست هي المرافعة وإنما تقتصر على
مجرد تقديم عذر لتبرير غياب المتهم وحتى إذا ترافع المحامي على سبيل الخطأ فإن هذه
المرافعة تقع باطلة).(8)
مع
بالغ تقديرنا،
(2) "شرح قانون الإجراءات
الجزائية للدكتور محمد محمد سيف شجاع صـ463-464".
(3) "نقض 6/1/1969 مج س20
صـ7"د/ حسن علام صـ647 قانون الإجراءات الجزائية"
(8) "نقض 22/11/1984م في الطعن
رقم2088 لسنة53ق، نقض30/4/1989م في الطعن رقم57لسنة58، نقض 27/1/1991م في الطعن
رقم1617 لسنة59ق"د/أحمد شوقي أو خطوة طبعة ثانية سنة 1997"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق