عنوان البحث (تصرف
الاب بمال ابنه )
تنفيذا لقرار الاجتماع الدوري للمكتب رقم (27) لعام 2018 والمنعقد
بتاريخ 5/12/2018م المتضمن تكليفنا ببحث بعنوان (تصرف الاب بمال الابن)
وعليه سنتناول هذا البحث على فرعين اثنين نناقش في الفرع
الأول التصرف القانوني نبين فيه ماهيته (تعريفه وانواعه وشروطه واثاره )
بينما نتناول في الفرع الثاني تصرف الاب في مال ابنه في
الفقه الإسلامي والقانون اليمني على النحو التالي :ـ
الفرع
الأول:ـ التصرف القانوني:
أولا:ـتعريفه و أنواعه:
تعريفه
ـ التصرف القانوني كمصدر للحق : وهو توجيه إرادة الشخص إلى إحداث
أثر قانوني معين , فهو إذن إرادة تتجه لإحداث أثر قانوني معين ... وحتى يعتد القانون
بهذا التصرف يجب أن يصدر عن إرادة سليمة خالية من أي عيب (فالتصرف
القانوني يعتمد على النية ويعتد بها القانون) .
أنواعه
أنواع التصرف القانوني : تتعدد
التصرفات القانونية بتعدد موضوعاتها ومن أهمها
:
1 ـ التصرف القانوني الصادر عن جانبين بتطابق
إرادتهما كالبيع والإيجار ... أو الصادر عن إرادة واحدة كالوصية ـ والهبة .
2 ـ التصرف القانوني المنشئ للحق ـ كالزواج الذي
ينشأ حقوق بين الزوجين لم تكن موجودة من قبل .
ـ أو يكون ناقلا للحق (حيث ينقل الحق من شخص ـ
السلف ـ إلى شخص آخرـ الخلف ) .
ـ التصرفات الناقلة للحق العيني كعقد البيع و
عقد الإيجار ...
3 ـ التصرف القانوني الكاشف أو المقرر للحق
كالقسمة , وهذا التصرف ليس منشئا للحق بل كاشفا ومقررا له , فما هو إلا تعديل
لعلاقة قانونية كانت قائمة ...
4 ـ التصرفات القانونية المضافة إلى ما بعد
الوفاة حيث لا تنفذ إلا بعد وفاة المتصرف , فهي تصرفات مضافة إلى ما بعد الوفاة
كالوصية.
1: د. محمد
الصغير بعلي، ،ص 129.
2: د. محمد الصغير بعلي، ص 132،131
ثانيا:ـ شروط وآثار التصرف القانوني
(شروط التصرف القانوني(
لكي يوجد التصرف القانوني وينتج آثار يجب أن
تتوفر فيه شروط موضوعية وأخرى شكلية .
أ ـ الشروط الموضوعية : تلعب
الإرادة دورا فعالا في وجود التصرف القانوني لذا وجب أن يعبر المتعاقد عن إرادته ,
ويظهر نيته في ترتيب الأثر القانوني المراد ويتم التعبير عن الإرادة صراحة
بالكتابة أو باللفظ أو بالإشارة وتكون الإرادة صادرة عن ذي أهلية وخالية من أي عيب
وهي الغلط ــ التدليس ــ الإكراه والاستغلال . كما يشترط أن يكون محل التصرف ممكنا
أي موجودا فعلا ومعينا إن كان حقا عينيا وأن يكون الحق مشروعا .
ب ـ الشروط الشكلية : هناك بعض التصرفات لا تكون صحيحة
إلا إذا تمت في شكل معين فرضه المشرع , أي اشترط تحريرها بالشكل الذي أورده
القانون وذلك لحماية المتعاقدين ... وتخلف هذا الشكل يؤدي إلى بطلان التصرف
القانوني بطلانا مطلقا)
كما يأمر القانون بإخضاع بعض القوانين إلى شكل رسمي كتحرير
العقود التي تتضمن نقل ملكية عقار أو عقود تسير محلات تجارية أو مؤسسات صناعية .
د.مصطفى الجمال، د. نبيل ابراهيم سعد، المرجع السابق، ص
626،625.
آثار التصرف القانوني
- متى توفرت الشروط الشكلية والموضوعية
للمتعاقدين لا يجوز نقض أو تعديل العقد إلا باتفاق الطرفين فالعقد شريعة
المتعاقدين , فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها
القانون ) .
ـ كما لا يمكن للغير اكتساب حق أو تحمل التزام
عن عقد لم يبرمه .
ـ وآثار العقد تنتقل إلى الخلف العام لطرفي
العقد إذا لم يمنع ذلك الاتفاق أو القانون أو تحول طبيعة العقد دون ذلك
ـ تنتقل الحقوق إلى الخلف العام دون الالتزامات
التي تتحملها التركة دون الورثة لمبدأ ( لا تتركه إلا بعد سداد الدين)
ـ الالتزامات الشخصية التي التزم بها السلف لا
تلزم الخلف إلا إذا كانت متصلة بالحق الذي انتقل إليه ,وإذا كان الخلف خاص يجب أن
يكون عالما بها
الفرع الثاني / تصرف الاب بمال الابن
أولا/ أخذ الوالد من مال ولده في الفقه الاسلامي (وفيه
جانبين)
الجانب الأول:ـ
أخذ الوالد من مال ولده إن كان محتاجًا إليه:
لا خلاف بين الفقهاء أنه يجوز للوالد أن يأكل من مال ولده
إذا كان محتاجًا إليه؛ بأن كان فقيرًا لا كسب له ولا مال، ولا يستطيع الكسب، وقد
حكي أن ابن المنذر قال: "وأجمعوا على أن نفقة الوالدين اللذين لا كسب
لهما ولا مال واجبة في مال الولد، واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنة والمعقول:
أولًا – الكتاب:
أ – قوله تعالى: [... وَصَاحِبْهُمَا فِي
الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ...] {لقمان:15}
وجه الدلالة: أمر الله تعالى بإسداء المعروف
إليهما، هذا إذا كان الوالدان كافرين، فالمسلمان أولى والإنفاق عليهما عند
الحاجة من أعرف المعروف، وليس من المعروف أن يعيش الولد في رغد ويتركهما يموتان
جوعًا.
ب – قوله تعالى: [وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ
بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ...] {العنكبوت:8}.
وجه الدلالة: أن الله تعالى أمر بالإحسان إلى الوالدين
والإنفاق عليهما حال فقرهما وعجزهما من أحسن الإحسان، إذ ليس من الإحسان تركهما محتاجين
مع قدرته على دفع حاجتهما.
ج – قوله تعالى: [...أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ
إِلَيَّ المَصِيرُ] {لقمان:14}.
وجه الدلالة: أن الله أمر الولد أن يشكر
لوالديه، والشكر للوالدين هو المكافأة لهما ويجازي بعض ما كان منهما إليه من
التربية والبر والعطف عليه حال عجزهما عن القيام بأمر أنفسهما والحوائج لهما
وإدرار النفقة عليهما حال حاجتهما، وهذا كله من باب شكر النعمة فكان
واجبًا على الولد.
د – قوله تعالى: [... فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ
وَلَا تَنْهَرهمَا ...]. {الإسراء: 23}.
وجه الدلالة: وأنه وفيه دلالة على ترك الإيذاء ولا شك
أن الإيذاء بترك الإنفاق عليهما حال عجزهما مع قدرة الولد أكثر فكان النهي عن
التأفف نهيًا عن ترك الإنفاق- الذي هو ضرب من ضروب الإيذاء- دلالة.
ثانيًا- السنة:
أ – عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ان أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ
وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ)
وجه الدلالة: واضح الدلالة على أن للآباء حقًا في مال
الأولاد، وللأب أن يأخذ من مال ولده، لأنه إذا كان مال الابن يضاف إلى الأب بأنه
من كسبه صار غنيًا به فتجب نفقته فيه.
قال صاحب البدائع في معرض استدلاله
بالحديث: "والحديث حجة بأوله وآخره أما بآخره فظاهر؛ لأنه صلى الله عليه
وسلم أطلق للأب الأكل من كسب ولده إذا احتاج إليه مطلقًا عن شرط الإذن والعوض
فوجب القول به، وأما بأوله فلأن معنى قوله: "وإن ولده من كسبه" أي كسب
ولده من كسبه، لأنه جعل كسب الرجل أطيب المأكول والمأكول كسبه لا نفسه، وإذا كان
كسب ولده كسبه كانت نفقته فيه؛ لأن نفقة الإنسان في كسبه ولأن ولده لما كان من
كسبه كان كسب ولده ككسبه وكسب كسب الإنسان كسبه ككسب عبده المأذون فكانت نفقته
فيه"
ب – عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "إن أولادكم هبة لكم [يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ
إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ] {الشُّورى:49}، وأموالهم لكم
إذا احتجتم إليهم".
وجه الدلالة: يفيد أن الوالد له أن يأخذ من مال الولد
إذا احتاج إليه مما يدل على وجوب نفقة الوالد على ولده.
ج – عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ
يَجْتَاحَ مَالِي فَقَالَ: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ".
وجه الدلالة: فيفيد أن للوالد حقًا في مال ولده فهو مشارك
لولده في ماله فله الأكل منه أذن الولد أو لم يأذن، وله أن يتصرف به كما يتصرف
بماله ما لم يكن بإسراف أو سفه.
قال الكاساني: "أضاف مال الابن إلى الأب بلام التمليك
وظاهره يقتضي أن يكون للأب في مال ابنه حقيقة الملك، فإن لم تثبت الحقيقة فلا أقل
من أن يثبت له حق التمليك عند الحاجة".
ثالثًا- المعقول: من وجهين:
الأول: أن حق الوالد أعظم من حق الولد؛ لأنه لا قصاص على
الوالد بقتل ولده كما لا يحد بقذفه، فلما وجبت على الوالد نفقة ولده فكذلك تجب
نفقته عليه من باب أولى.
الثاني: أن الوالد أصل والولد بعض والده فكما يجب عليه أن
ينفق على نفسه وأهله، كذلك
على بعضه وأصله.
الجانب الثاني:
أخذ الوالد من مال ولده إن لم يكن محتاجًا إليه:
اختلفوا في ذلك على (مذهبين):
المذهب الأول: ليس للأب أن يأخذ من مال ولده طالما أنه
غير محتاج إليه صغيرًا كان الولد أم كبيرًا، وهو مذهب الجمهور من الحنفية
والمالكية والشافعية وابن عقيل من الحنابلة.
المذهب الثاني: للأب أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما
شاء ولو مع عدم حاجته إلى ذلك، صغيرًا أو كبيرًا، وهو الصحيح عند
الحنابلة، ولكن بالشروط التالية:
1- أن يكون ما يأخذه فاضلًا عن حاجة الولد لئلا
يضره بتملكه، والضرر منفي بقوله – صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار"
فليس للأب أن يتملك ما تعلقت حاجته به كآلة حرفة يتكسب بها، ورأس مال تجارة؛ لأن
حاجة الإنسان مقدمة على ما عليه من دين فتقدم على أبيه بالأولى.
2- أن لا يأخذ الأب من مال ولده ويعطيه لآخر،
فلا يتملك من مال ولده زيد ليعطيه لولده عمرو؛ لأنه ممنوع أن يخص بعض ولده بالعطية
من مال نفسه فيمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر بالأولى.
3- أن لا يكون الأخذ أو
التملك في مرض موت الأب أو الولد؛ لأنه بالمرض انعقد السبب القاطع للتملك.
4- أن لا يكون الأب
كافرًا والابن مسلمًا لا سيما إذا كان الابن كافرًا ثم أسلم؛ لحديث:
" الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى.
5- أن يكون ما يأخذه
الأب عينًا موجودة فلا يتملك دين ولده؛ لأنه لا يملك التصرف فيه قبل قبضه.
وتتبين حقيقة قول الحنابلة في المسألة بقول ابن تيمية:
"مِلْكُ الِابْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ
الْحَدِيثِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا فِيهِ مَعْنَى الْكِتَابِ وَصَرِيحَ السُّنَّةِ
فِي طَوَائِفَ مِنْ السَّلَفِ, وَهُوَ مُبَاحٌ لِلْأَبِ مَمْلُوكٌ لِلِابْنِ
بِحَيْثُ يَكُونُ لِلْأَبِ كَالْمُبَاحَاتِ الَّتِي تُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ،
وَمِلْكُ الِابْنِ ثَابِتٌ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفًا
مُطْلَقًا"
الأدلة ومناقشتها
أ- أدلة أصحاب المذهب الأول:
استدل الجمهور القائلون بعدم جواز أخذ الأب من مال ولده ما
لم يكن محتاجاً إليه بالقرآن والسنة والمعقول:
أولًا- القرآن:
عموم قوله تعالى: [يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ
قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ
وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ
فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ] {البقرة:215} .
وجه الدلالة: تدل على ملكية الابن لماله، وأن الأب ممن يلزم
نفقته على الابن فدل أن مال الولد له، لا لأبيه، فيمنع من التصرف في مال ولده
بدون إذنه عند عدم الحاجة.
ثانيًا- السنة:
1- حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في خطبة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في
شهركم هذا في بلدكم هذا".
وجه الدلالة: أن الرسول – صلى الله
عليه وسلم – لم يستثن في ذلك والدًا ولا غيره كما أنه جعل حرمة المال
مساوية لحرمة الدم، فكما لا يجوز للوالد أن يعتدي على نفس ولده بالقتل كذلك ماله
لاسيما عند عدم حاجته.
نوقش الاستدلال بالآية والحديث بأنها أدلة عامة خصصتها
أدلة من السنة وفسرتها كحديث: " أنت ومالك لأبيك" وحديث: "إن
أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" والخاص مقدم على العام، فلم يبق
للاستدلال بها وجه.
وأجيب: بأن الأحاديث التي استدللتم بها مطلقة، وقد
قيدت بالحديث التالي، والمقيد مقدم على المطلق فسقط استدلالكم والحديث
المقيد هو:
3- عن عَائِشَةَ – رَضِي اللَّهُ عَنْهَا
– قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- : "إِنَّ
أَوْلاَدَكُمْ هِبَةُ اللَّهِ لَكُمْ [يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا
وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ] {الشُّورى:49}، فَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ
لَكُمْ إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَيْهَا"
وجه الدلالة: جعل الرسول صلى الله عليه وسلم مال الولد
هبة للوالد إذا احتاج إليه فيدل أن للأب الأخذ من مال ولده، ولكن قيد ذلك في حال
الحاجة إليه، مما يدل على أن الأب لو كان موسرًا، فليس له الأخذ من هذا المال.
نوقش: بأنه
ضعيف قال ابن حجر: "قال أبو داود في هذه الزيادة وهي إذا احتجتم إليها إنها
منكرة ونقل عن بن المبارك عن سفيان قال حدثنا به حماد ووهم فيه" وإذا كان
الأمر كذلك فلا يصلح لتقييد الأحاديث السابقة فتبقى على إطلاقها.
3- ما روي عن حِبَّانَ بْنِ أَبِى جَبَلَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- :"كُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ
مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"
وجه الدلالة: دل على أن المالك الحقيقي للمال هو صاحبه وهذا
الحق مقدم على حق والده، إلا ما ورد النص بتخصيص حق الوالد بالأخذ في حدود الحاجة
كما في حديث عائشة فيقتصر عليها
نوقش: بأن الحديث مرسل وضعيف كما ضعفه كثير من أهل العلم
بالحديث وعلى فرض التسليم بصحته فهو يدل على ترجيح حق الولد على حق
الوالد لا على نفي الحق بالكلية؛ لأن الولد أحق من الوالد بما تعلقت به حاجته.
4- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله – صلى
الله عليه وسلم – قال لرجل: "أمرت بيوم الأضحى عيد جعله الله لهذه
الأمة"، فقال الرجل: أفرأيت إن لم أجد إلا منيحة ابني أفضحي بها؟
قال: "لا ولكنك تأخذ من شعرك وأظفارك وتقص شاربك وتحلق عانتك فذلك تمام
أضحيتك عند الله"
وجه
الدلالة: قال الطحاوي: " فلما قال هذا الرجل: يا رسول الله أضحي بمنيحة ابني؟
فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "لا"، وقد أمره أن يضحي من ماله
وحضه عليه، دل ذلك على أن حكم مال ابنه خلاف ماله"
ثالثًا- المعقول، من وجوه:
1- أن الله تعالى ورث الأب من ولده
السدس مع وجود ابن ولده؛ فلو كان الكل ملكه لم يكن لغيره شيء مع وجوده، إذ كيف
يكون المال كله للأب في حياة الابن ثم يصير بعضه لغير الأب! فَدلَّ على أَنه لَا
يملك مَال ولده، لِأَنَّهُ لَو كَانَ يملكه لما دخل مَعَه غَيره بعد الْمَوْت.
2- أن الله عز وجل جعل المواريث
للوالد وغيره بعد قضاء دين إن كان على الميت وبعد إنفاذ وصاياه من ثلث ماله في
قوله عز وجل: [... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ
دَيْنٍ ...] {النساء:11}، وقد وقع الإجماع على أن الأب لا يقضي من ماله
دين ولده ولا ينفذ وصايا أبيه من ماله وإِنَّمَا ينفذ فِي مَاله؛ لِأَن أَبَاهُ
لَا يملكهُ وَلو ملكه مَا صحت وَصِيَّة الابْن.
3- لأن ملك الابن تام على مال نفسه؛
فلم يجز انتزاعه منه كالذي تعلقت به حاجته
4- لأن مال الولد له والزكاة فيه
واجبة عليه لا على أبيه، فلو كان المال للوالد لكان وجوب الزكاة عليه لا على الولد
5- أن الابن لو ملك مملوكة حل له أن
يطأها من غير خلاف، لأنها ممن أباح الله عز وجل له وطأها بقوله تعالى:[وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6) ] {المؤمنون} فلو كان
ماله لأبيه لحرم عليه وطء ما كسب من الجواري كحرمة وطء جواري أبيه عليه، فدل ذلك
أيضا على انتفاء ملك الأب لمال الابن وأن ملك الابن فيه ثابت دون أبيه.
ب- أدلة أصحاب المذهب الثاني:
استدل
القائلون بأن للوالد أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما شاء ولو مع عدم حاجته إلى ذلك
بالسنة والمعقول:
أولًا- السنة:
1- عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ
مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ" وفي رواية: "فَكُلُوا
مِنْ أَمْوَالِهِمْ"
وجه الدلالة: بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الأولاد من
كسب الآباء فأباح للآباء الأكل من كسب الأولاد واعتباره من أطيب، ما أكل والإنسان
يأكل من كسبه كما يشاء مما يدل على أن للآباء ولاية انتزاع مال ولده بالشروط
السابقة.
نوقش: بأن الحديث وإن كان فيه دعوة للآباء إلى عدم
التحرج من الأكل والانتفاع من أموال الأولاد؛ لكونهم غير قادرين على العمل وامتلاك
الأموال تقديرًا لما بذلوه في تربية أبنائهم من جهد وعناء ولكنه لا يدل على أن مال
الولد مباح للإباء يفعلون به ما يشاؤون، بل إنه مقيد بالحاجة كما سبق.
2- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ
رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي
يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي فَقَالَ: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ"
وجه الدلالة: أن اللام في قوله "لِأَبِيكَ" تفيد
التمليك؛ فدل على أن للوالد التصرف في مال ولده كيف شاء كما يتصرف في مال نفسه من
غير أن يتقيد ذلك بالحاجة أو عدمها ولو كان ذا مال.
نوقش بالآتي:
1- مع اعتماد القول بصحته إلا أنه مطلق وقيده حديث
عائشة بلفظ " إذا احتجتم إليها"، وهذا جمع بين الأدلة وفيه إعمال
لجميعها وهو أولى من إهمال بعضها.
2- لا نسلم لكم أن اللام في قوله "لأبيك"
على جهة التمليك منه للأب كسب الابن وإنما هو محمول على أنه لا ينبغي للابن أن
يخالف الأب في شيء من ذلك، وأن تجعل أمره فيه نافذًا كأمره فيما يملك، وليس أدل
على ذلك أنه لم يكن الابن مملوكا لأبيه بإضافة النبي – صلى الله عليه وسلم – إياه
فكذلك لا يكون مالكا لماله بإضافة النبي – صلى الله عليه وسلم – إليه.
ثانيًا – المعقول: من وجهين:
1- لأن الله تعالى جعل الولد موهوبًا لأبيه
فقال: [وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ... ] {الأنعام:
84}، [... وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ...] {الأنبياء:90}، وما كان موهوبا له
كان له أخذ ماله كعبده، ويؤيده قول سفيان بن عيينة في قوله: [... وَلَا
عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ
...] {النور:61} ثم ذكر بيوت سائر القرابات إلا الأولاد لم يذكرهم؛ لأنهم
دخلوا في قوله: { بُيُوتِكُمْ } فلما كانت بيوت أولادهم كبيوتهم لم يذكر
بيوت أولادهم.
نوقش: في حديث عائشة وضح النبي – صلى الله عليه وسلم –
أن الولد هبة لوالده ورغم ذلك قيد التصرف في ماله بالحاجة، والنص مقدم على العقل.
3- أنه لما كان الرجل يلي مال ولده من غير
تولية، كان له التصرف فيه كما يتصرف في مال نفسه.
نوقش: إنما جعل الأب وليًا على مال ولده من غير تولية؛
لكون أكثر الناس شفقة على ولده وحفاظًا لماله، فلا يصح أن يكون ذلك دليلًا على أن
للأب أن يتصرف في مال ولده ما يشاء ولو تضرر به الولد وأدي إلى ذهاب ماله وتفويته
عليه.
ثانيا/تصرف الوالد
من مال ولده في القانون اليمني
نص قانون
الأحوال الشخصية في المادة 161على ان
(نفقة الأب
وان علا والأم وان علت المعسرين ولو كانا قادرين على الكسب على الولد وان نزل الأقرب
الموسر ذكرا كان أو أنثى كبيراً أو صغيرا وتقسم بين أولاد الطبقة الواحدة الموسرين
بحسب الإرث. وتقدم نفقة الأم ثم نفقة الأب على نفقة سائر الأقارب.)
فنجد هذه
المادة تحدد النفقة من الولد الموسر للوالدين المعسرين ولو كانا قادرين على الكسب كما
بين ان النفقة تقسم على أبناء الطبقة الواحدة وقدم نفقة الام على الاب.
وكذلك
نصت المادة 163على ان
للأب المعسر
أن يستنفق من مال ولده الصغير والمجنون بقدر حاجته ولو بالبيع دون إذن القاضي إلا في
العقار ونحوه فلا بد من إذن القاضي وليس للاب أن يأخذ من مال ابنه البالغ حاضراً أو
غائباً إن لم يتمرد عن إنفاقه إلا بإذن القاضي إن دعت الضرورة.
اما هذه
المادة من قانون الأحوال الشخصية التي نجدها قد نصت على ان للاب المعسر ان ينفق من
مال ابنه الصغير والمجنون بقدر حاجته حتى بالبيع بدون اذن القاضي واستثناء العقار
ونحوه التي يجب فيها اخذ اذن من القاضي كما ان المادة بينت ان ليس للاب ان يأخذ من
مال ابنه البالغ حاضر او غائب الا في حالة تمرد الابن عن نفقة ابيه او بإذن من
القاضي ان دعت الضرورة.
اما
القانون المدني الذي لم يتطرق لموضوع تصرف الاب بمال ابنه البالغ انما نجد نص
المادة 464من القانون التي تنص على (يصح بيع الوالد ماله لولده المشمول بولايته وبيعه مال أحد
الولدين للآخر بشرط القبول من منصوب القاضي الذي يقبل البيع عن الصغير ثم يسلمه
بعد ذلك لوالده ليحفظه لولده ، ويشترط أن لا يكون البيع منطوياً على حيلة وحكم
الوصي المختار حكم من اختاره)
فنجد هذه المادة تجيز بيع الاب ماله لابنه القاصر المشمول
بولايته وبيع مال احد اولاده للأخر ولكن بشرط قبول منصوب القاضي الذي يقبل البيع
بدلا عن الصغير ويسلمه للاب ليحفظه لولده ونجده يشترط في المادة ذاتها الا يكون
البيع منوطا بحيلة .
اذا فالقانون اليمني يأخذ بالراي الذي يرى ان ليس للاب الاخذ من مال ابنه واستثناء
من ذلك حالتين وفقا للمادة 163 من قانون الاحوال الشخصية 1/ اذا تمرد الابن عن
الانفاق على الاب
2/في حالة الضرورة بإذن القاضي
والله الموفق
إعداد الباحث/ عبده
ناجي الحيظاني