جريمة البلاغ الكاذب, أركانها وشروطها

 

                جريمة البلاغ الكاذب, أركانها وشروطها

 

تعريف جريمة البلاغ الكاذب:

 لا يوجد تعريف لها في القانون المصري, لكن عدد من اساتذتنا قاموا بتعريفها وعلى رأسهم   -الدكتور رؤف عبيد الي عرفها بأنها (تعمد اخبار احدى السلطات العامة كذبا ما يتضمن اسناد فعل معاقب عليه الى شخص معين بنية الاضرار به (.
-كما عرفها الدكتور نجيب حسنى / بأنها اخبار بواقعه غير صحيحه تستوجب عقاب من تسند اليه موجه الى احد الحكام القضائيين او الاداريين ومقترن (1)

وقد نصت المادة (178)عقوبات يمني بانه ( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة من أبلغ كذباً بنية الإساءة النيابة العامة أو إحدى المحاكم القضائية أو أية جهة ضد شخص بأمر يُعد جريمة ولو لم يترتب على ذلك إقامة الدعوى الجزائية.

علة تجريم البلاغ الكاذب:

علة التجريم واضحة وهي توجيه العقاب والردع لمن تسول له نفسه استغلال حق الإبلاغ للسلطات العامة او الإدارية, وإساءة استعمال ذلك على نحو يسهل معه التعرض للأفراد بالطعن في شرفهم, واعتبارهم ومن جهة أخرى فإنه ينطوي على ذلك حماية للسلطات القضائية والإدارية من اقحامها في بلاغات كيدية, وتعطيل سير العدالة وبذلك يكون سبب التجريم مزدوجا, (الأول) خاص بالأفراد و(الثاني) حماية للسلطات القضائية والإدارية, وقد نص على العقوبة قانون العقوبات اليمني في الباب الخامس الفصل الأول المادة(178)التي تنص بأنه(يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة من أبلغ كذباً بنية الإساءة النيابة العامة أو إحدى المحاكم القضائية أو أية جهة ضد شخص بأمر يُعد جريمة ولو لم يترتب على ذلك إقامة الدعوى الجزائية).

 اركان جريمة البلاغ الكاذب:

بما ان لكل جريمة ركنين احدهما مادي والآخر معنوي فان جريمة البلاغ الكاذب لا تختلف عن سائر الجرائم فلها ركنان مادي ومعنوي:

 الركن المادي:
أ- أشكال البلاغ:

١_ يكون الإبلاغ عن الواقعة شفاهه او كتابة ومتى ما تأكدت الجهات المختصة بأن ذلك البلاغ كاذب فإنه يعرض صاحبه للعقوبة ولا يقتصر ذلك عن قيام شخص بالإبلاغ عن جريمة وقعت به بل ينطوي ذلك على الشكوى التي يقدمها عن جريمة وقعت به أو بحق غيره, ويستوي في ذلك أن يكون على صورة خطاب او عريضة, فيُعاقب المبلغ ولو أسند إلى المبلَّغ ضده على سبيل الإشاعة, أو على وجه التشكيك والظن.
٢-يكون البلاغ من المبلغ شخصيا أو من الغير وموقع عليه من المبلغ, ويُعتبر التبليغ متوافراً ولو لم يحصل التبليغ من الجاني مباشرة متى كان قد هيأ المظاهر, التي تدل على وقوع الجريمة بقصد إيصالها إلى السلطة المختصة.
ب- ‏موضوع البلاغ:
١_ ان تكون الواقعة تستوجب العقاب لمن وجهت له, سواء كانت عقوبة جنائية او تأديبية, وبذلك يكون تحقق الركن المادي
٢- ان تكون الواقعة التي تم الإبلاغ عنها كاذبة, لأن الكذب أهم عنصر لقيام هذه الجريمة ,أما إذا كان البلاغ صحيحا وصادقا فإنه لا جريمة ولا عقاب ويكون البلاغ مباحا
ج _ عناصر البلاغ:
١- ان يكون من صدر عنه البلاغ قد صدر منه بإرادة حرة لم يمارس عليها الضغط وغير مكرهة أو معيبة لِما قامت به, فقيام واحدة من تلك ينفي عنصر الإرادة الذي تقوم عليها الجريمة وتوقيع العقوبة بفاعلها
٢_ ان يكون البلاغ كاذباً:
أي ان يكون المبلغ كاذبا وأن يسند واقعة غير صحيحة للغير أوجب القانون العقاب عليها, ولا يعاقب المبلغ إذا كانت الوقائع صحيحة كما لا يشترط أن تكون جميع الوقائع مكذوبة برُمتها, بل يكفي أن يكون المبلغ قد كذب في بعضها أو شوه الحقائق أو أضاف إليها أموراً صفتها جنائية أو أغفل بعض أمور كان يجب ذكرها, وعلى ضوء ذلك يكفي حتى ولو تم ذكر وقائع صحيحة, ولكن تم مسخها بوقائع كاذبة تم الصاقها من المبلغ للإيقاع بالمبلَّغ عنه
ولا يكفى لتوافر القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب أن يكون الجاني عالماً بكذب الوقائع التي بلَّغ عنها, بل يجب أيضاً أن يكون قد أقدم على تقديم البلاغ قاصداً الإضرار بمن بلغ في حقه, بأن يكون سوء القصد و نية الإضرار متوفرين لدى المتهم من إقدامه على التبليغ مع علمه بأن الوقائع التي بلغ عنها مكذوبة و من شأنها لو صحت أن توجب معاقبته الخ». فإنه يكون قد قصر في إثبات القصد الجنائي بشطريه و يتعين نقضه
«
الطعن رقم 1255 سنة 19 ق ، جلسة 1994/12/20 »النقض المصري
ج- قيام البلاغ ضد شخص معين:
يجب لقيام جريمة البلاغ أن لا يوجه البلاغ الى أشخاص مجهولين, وإنما اشخاص معينين سواء كانوا أفراد أو جماعة لأن العبرة والعلة في قيام الجريمة هو الإساءة والتشويه إلى المبلَّغ عنه, فإن لم يكن هناك شخص معين فلا جريمة.
فإن سكت المبلغ عنه عن مطالبة العقوبة وإقامتها أو تنازل عنها وإن كان ذلك يمنع من قيام الجريمة وتوقيع العقوبة, إلا أن الأصل هنا أن تظل الجريمة قائمة وباقية ويستوجب ردعها ولو سكت عنها المجني عليه لأن حق السلطات رغم ذلك يظل قائما بسبب أنه يترتب عليه حق عام وهو إزعاج السلطات ذلك ما ذهبت اليه بعض القوانين العربية.
د:البلاغ عن أمر يستوجب فاعله العقوبة:
يجب ان يكون الأمر الموجه الى المبلغ عنه أمراً يستوجب عقابه وتأديبه بل يصح العقاب حتى ولو كان الأمر المذكور قد أُسند إلى المبلغ ضده في صيغة إشاعة أو عن طريق الرواية عن الغير, وفي ذلك تقول محكمة النقض المصرية «من المقرر قانونا أنه يشترط لتحقق جريمة البلاغ الكاذب توافر ركنين هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها وأن يكون الجاني عالما بكذبها ومنتويا السوء والإضرار بالمجني عليه وأن يكون الأمر المخبر به مما يستوجب عقاب فاعله ولو لم تقم دعوى بما أخبر به(
 
الطعن رقم 203 لسنة 40ق ولا يكفي إطلاقا البته أن ترمي الجريمة إلى المبلَّغ عنه بوصفها العام كقولك فلان خائن للأمانة أو سارق أو مزور ما لم تكن كل واقعة محددة تصلح للتحقيق فيها

الفرع الثاني: القصد الجنائي:
ويعني انصراف إرادة الشخص لتحقيق غرض ما فلا جريمة بدون انصراف النية, ومن مرمى آخر فإن القصد الجنائي هو أي فعل متعمد مخالف للقانون بواسطة الفعل أو الترك, ويمكن تعريف القصد الجنائي في جريمة البلاغ أنه انصراف النية إلى الإساءة وإلحاق الضرر بالمبلَّغ عنه وينقسم إلى قسمين هما
القصد الجنائي العام : ويقوم على إسناد الجاني واقعة للمجني عليه غير صحيحة ولابد بأن يكون العلم فيها بعدم صحتها على يقين لا على ريب.
القصد الجنائي الخاص: وهو توافر نية الإضرار من الجاني بالمبلَّغ عنه المجني عليه منوياً الإضرار به على الرغم من أكن الفقهاء الفرنسيين يرون في العلم بكذب الواقعة كافيا لتحقق القصد الجنائي فيها ولا عبرة بالبواعث

أ) الجهات التي يقدم اليها البلاغ:
١_ قضاة المحاكم وسائر قضاة التحقيق
٢_ سائر رجال البحث والضبط في المحافظات والمديريات كمدراء الأقسام والتحريات وجميع العاملين في القطاعات العسكرية
٣_ الجهات الإدارية

ب) إثبات جريمة البلاغ الكاذب:
عند القيام بالإبلاغ عن شخص ما بشأن واقعة يترتب عليها عقوبة على فاعلها, فإنه لابد أن يتم إثبات ذلك البلاغ بالأدلة والقرائن المثبتة لذلك.
1-عبئ إثبات تلك الواقعة:
جريمة البلاغ جريمة عمدية ولابد أن تنصرف إرادة الجاني إلى تحقيقها, وبالتالي فعلى المبلغ أن يثبت جميع الوقائع التي قدمها في بلاغه, وهنا يكون عبئ إثبات وقائعها على عاتق المبلغ, كما لا يتسنى إثبات البلاغ الكاذب من المبلَّغ عنه بمجرد الحصول على البراءة حتى يتسنى له رفع دعوى بلاغ كاذب, ولكن لابد له من إثبات علم المتهم علما يقينيا بكذب الواقعة بكافة طرق الإثبات الجنائي, لما هو معلوم من سعة نطاق الإثبات فيه سواءً عن طريق الإثبات الكتابي او شهادة الشهود أو غير ذلك.
ب- تقادم دعوى البلاغ الكاذب
القاعدة العامة في سقوط الحق في إقامة الدعوى العمومية هي أن يكون مبدأ هذا السقوط من تاريخ وقوع الجريمة, والمقصود بذلك هو تاريخ تمامها وليس بتاريخ السلوك الإجرامي.
ومن المقرر أن التقادم المسقط في دعوى البلاغ الكاذب يبدأ من اليوم التالي للبلاغ الكاذب ويوقف سريان هذا التقادم إذا أوقف نظر دعوى البلاغ الكاذب لقيام دعوى بشأن صحة الواقعة موضوع البلاغ, ويستمر وقف التقادم خلال مدة الإيقاف(نقض جنائي في الطعن 1796 لسنة 56 قضائية -جلسة 5/6/1986 مجموعة المكتب الفني –السنة 37 – صـ 652).
ج- البيانات التي يجب ذكرها في حكم الإدانة الذي يصدر في جريمة البلاغ الكاذب

يجب أن يشتمل على الأركان الخاصة للجريمة وإلا كان الحكم باطلاً فيجب أن يشتمل على:-
1-
بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها.
2-
أن يبين الحكم عند سرده للواقعة ما يستفاد منه تقديم بلاغ أو صدور إخبار من المتهم, يتضمن إسناد أمر "بيان الأمور المبلَّغ عنها" يستوجب عقوبة فاعله جنائياً أو تأديبياً.
3-
بيان اسم المبلغ ضده.
4-
ما يفيد كذب البلاغ أو الإخبار والأدلة التي استخلصت منها ذلك.

1-   ذكر الجهة التي قدم إليها البلاغ الكاذب "قضائية كانت أم إدارية".
(القصد الجنائي)ويستلزم لتوافر القصد الجنائي أن يبين الحكم الأسانيد على علم المبلغ بكذب البلاغ وانتوائه الكيد والإضرار بمن أبلغ عنه
والإشارة إلى نص القانون الذي حكم بموجبه.

الفرع الثالث: شروط جريمة البلاغ الكاذب:

2-   ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها

3-   علم الجاني بكذب هذا الوقائع مع سوء نيته في البلاغ عنها بنية الاضرار بالمبلغ ضده, رغم علمه ببراءته من تلك الوقائع

4-   رفع البلاغ الى احد السلطتين القضائية او الإدارية 

 

 

إعداد الباحث المحامي/ رضوان عبد الله علي الجمرة

 

 

 

 

 

 

 

 

هل يجوز سماع شهود الاقارب

مقدمة

كانت الشهادة ولا تزال أهم وسيلة من وسائل الاثبات وأعظمها مكانة وأقدمها استعملاو وذلك لما لها مكانة رفيعة ومنزلة عظيمة في الشريعة الاسلامية.

فان الله تعالى نسبها الى نفسه وشرف بها ملائكته ورسلة وأفاضل خلقة، وامرنا جل وعلا بأدائها في أكثر موضوع في كتابة العزيز دستور الأمة الاسلامية القران الكريم.

الشهادة في اللغة

مصدر شهد يشهد، يقال شهد شهودا على كذا أخبر به خبرا قاطعا فهو شاهد. ومن معاني الشهادة في اللغة: الاطلاع على الشيء ومعاينته فتقول شهدت الشيء بمعنى أطلعت عليه وعاينته. (1)

 

الشهادة في قانون الاثبات اليمني

الشهادة إخبار في مجلس القضاء من شخص بلفظ الشهادة للإثبات حق لغيرة على غيرة. ماده (27)

الشهادة في الدعوى الجنائية: وسيلة إثبات بمقتضاها يدلي الشاهد عادة بمعلوماته عما شاهده، أو سمعه، أو أدركه بحواسه عن واقعة معينة، أو ظروف خاصة بالجريمة، أو عن الجريمة برمتها أمام سلطة التحقيق.

شروط قبول الشهادة في قانون الإثبات اليمني فقد ورد في نص المادة (41) منه على شروط قبول الشهادة وذلك بالقول:

1-   ان تكون في مجلس القضاء في حضور المشهود عليه او وكيله او المنصوب عنه.

2-   ان تؤدى بلفظ أشهد.

3-   أن تتقدمها دعوى شاملة لها

4-   ألا تكون بالنفي الصرف إلا إذا اقتضى الإثبات وألا يكذبها الواقع وتراعى الاحكام المبينة في المواد التالية:

5-   ألا يؤدي الخلاف فيها الى بطلانها وهذا ما نص علية قانون الإثبات اليمني على الاختلاف الذي لا يبطل الدعوى حيث نصت المادة (49) منه بما نصة:( لا تبطل الشهادة في الاحوال والشروط التالية:

أ‌-      اختلاف الشاهدين في الالفاظ إذا اتفقت في المعنى.

ب‌-  اختلاف الشاهدين في زمان ومكان الإقرار وإلا نشاء إذا احتمل التعدد

ت‌-  اختلاف الشاهدين في مقدار المشهود به، ويصح منه ما اتفقا عليه في المعنى ويستثنى من ذلك مقدار عوض العقد إذا كان العقد مجحودا فيبطل الشهادة اختلاف الشاهدين فيه.

ث‌-  اختلاف الشاهدين في صفة المشهود به، وتكتمل شهادة من تطابق شهادته للدعوى شاهد اخر أو يمين المدعي.

شروط الشاهد

1-    أن يكون الشاهد مكلفا

2-    أن يكون الشاهد مسلما

3-    ان يكون الشاهد عدلا

4-    ان لا يكون الشاهد متهما في شهادته: وفية تفصيل

 ألا يكون الشاهد متهم في شهادته وذلك لوجود الشك والريبة في صحة شهادته على وجه يرجح كذبة، والتهمة تتحقق عند الفقهاء إذا كانت الشهادة تجلب للشاهد نفعا أو تدفع عنه ضررا، فإذا كان الشاهد متهما في شهادة لأي سبب من الاسباب التي تثير الشك والريبة كوجود خصومة أو عداوة أو قرابة...الخ فإن شهادته في الحالة ترد ولا تقبل.

وبناء على ذلك: لا تقبل عند جماهير الفقهاء شهادة الآباء للأبناء ولا شهادة العدو على عدوة ولا الخصم على خصمة ولا شهادة الوكيل للأصيل ولا شهادة أحد الزوجين للأخر ولا شهادة السفيه لمدينة المحجور عليه بالإفلاس.... الخ.

أما بقية الاقارب عدا الاباء والأبناء كالأخ لأخيه والعم فشهادة بعضهم لبعض جائزة وتقبل حجتهم في ذلك قالوا: لأنه لم يجعل نفس أحدهما كنفس الأخر ولا ماله كماله في المنفعة، وقالوا: ولا يصح القياس على الوالد والولد، لأن بينهما بعضيه وقرابة قوية بخلاف الأخ. (2)

موقف القانون من الشرط الرابع

وبقول الجمهور في اشتراط هذا الشرط وهو ان لا يكون الشاهد متهما في شهادته لأي سبب من الأسباب التي تثير الشك والريبة كوجود خصومة او عداوة او قرابة، وغيرها مما يجر لنفسه نفعا او يدفع عن نفسه ضررا.

أخذا قانون الإثبات اليمني رقم (21) لسنه 1997م ونص على ذلك صراحة في المادة رقم (27) في الفقرات التالية:( د. ه. و) وذلك على النحو التالي:

د- ألا يجر لنفسه نفعا أو يدفع عنها ضررا.

ة- ان لا يكون خصما للمشهود عليه

و- ان لا يشهد على فعل نفسه مع مضنه التهمة.

مدى جواز سماع شهود الأقارب في القانون اليمني

 بين القانون اليمني في الشرط الرابع من شروط الشاهد أنه لا تسمع شهادة الأقارب إذا كان يجر لنفسه نفعا أو يدفع عنها ضررا، أو يكون خصما للمشهود علية. وغالبا ما يطعن الخصم الاخر في مذكرة دفاعه على أقوال الشهود كونهم من أقارب المشهود له ويؤسس كامل دفاعه على الطعن في شهادتهم بانها قائمة على المجاملة والمحاباة.

وللمحكمة سلطة وزن أقوال الشهود واستخلاص واقع الأحداث منها، ولا يفرق في ذلك أن يكون الشاهد قريبا للخصم من عدمه.

ولكن إذا تبين من وقائع الدعوى وأورقها عدم صحة أقوال هؤلاء الشهود أو تناقض اقوالهم مع ادله اخرى اطمأنت لها المحكمة، فإنها تلتفت عن هذه الاقوال وتطرحها لعدم الاطمئنان لصحتها. (3)

 مدى جواز شهادة الاقارب في الفقه الاسلامي وفية اختلاف عند أهل العلم


  ذهب جمهور الفقهاء: إلى عدم قبول شهادة الأصول للفروع، وشهادة الفروع للأصول، سواء كانوا ذكوراً، أو إناثا، وذلك لأن العادة جرت على أن ينتفع الأصول بمال الفروع والفروع بمال الأصول، ومن ثم فإن شهادة كلٍ منهم تتضمن معنى النفع، فيكون الشاهد بذلك متهماً في شهادته، والاتهام في الشهادة يؤدي إلى عدم قبولها، قال صلى الله عليه وسلم: “لا تقبل شهادة الوالد لولده ولا السيد لعبده ولا العبد لسيده ولا الزوجة لزوجها ولا الزوج لزوجته”، وقال صلى الله عليه وسلم: “لا شهادة لجار المغنم ولا الدافع المغرم.
وذهب الظاهرية، والزيدية: إلى قبول شهادة كل منهما للآخر، وذلك لأن من ثبتت له العدالة تقبل شهادته بغض النظر عن وجود القرابة لعموم قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ) فالآية وردت بلفظ العموم فُيعمل بعمومه.
كما ذهب الحنابلة في رواية ثانية لهم: إلى قبول شهادة الأبن لأبيه، وعدم قبول شهادة الأب لأبنه، وذلك لأن مال الابن في حكم مال الأب، لقوله صلى الله عليه وسلم: “أنت ومالك لأبيك” وذهبوا في رواية ثالثة لهم إلى قبول شهادة كل منهما للأخر فيما لا تهمة فيه كالنكاح، والطلاق لأن كل واحد منهما لا ينتفع بما يثبت فيهما للأخر.
أما بالنسبة لشهادة الأصول على الفروع، وشهادة الفروع على الأصول، فهي مقبولة في جميع الحقوق عند كافة أهل العلم، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ).، ما عدا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: فقد ذهب إلى عدم قبول شهادة الولد على والده في إيجاب القصاص وحد القذف، لأنه لا يقتل بقتله، ولا يُحد بقذفه فلا يلزمه ذلك.

جواز شهادة سائر الاقارب  عند جمهور الفقهاء ماعدا الاصول والفروع لبعضهم البعض
وأما شهادة سائر الأقارب غير الأصول والفروع لبعضهم البعض: فهي مقبولة عند جمهور الفقهاء، كشهادة الأخ لأخيه، وشهادة الشخص لأخواله، وأعمامه، وشهادة الأخوال لأولاد أخواتهم، وشهادة الأعمام لأولاد أخوتهم، وهكذا بقية الأقارب، وذلك لأن هؤلاء ليس لبعضهم تسلط في مال البعض لا عرفاً ولا عادة، فأُلْحِقوا بالأجانب، ما عدا الإمام مالك رحمه الله تعالى: فإنه يرى عدم قبول شهادة الأخ لأخيه، إذا كان منقطعاً إليه في صلته، وبره لأنه متهم في حقه، كما حكى ابن المنذر عن الثوري: عدم قبول شهادة كل ذي رحم محرم،
هذا وأما شهادة الوالد من الرضاع لولده من الرضاع، وشهادة الولد من الرضاع لوالده من الرضاع، فلا خلاف بين الفقهاء في قبول شهادتهما لبعض، وذلك لأنه لم تجر العادة بانتفاعهما بمال بعضهما، فهما كالأجانب.

 

المراجع

(1)  - لسان العرب 7/223

(2)  الدعوى والاثبات في الفقه الاسلامي مع المقارنة في القانون اليمني للدكتور اسماعيل بن عبد لله الوظاف

(3)  المحامي حمدي وهدان

 

 

أعداد/أ. حمدان الذيباني