دعوى الاختصاص في التركة

 


أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 

دعوى الاختصاص تثير إشكاليات عملية كثيرة وتتسبب في تعطيل إجراءات القسمة في احيان كثيرة كما انها من اسباب اطالة اجراءات التقاضي في قسمة الأموال المشتركة أو قسمة التركة الشائعة، مع ان دعوى الاختصاص وسيلة قانونية حمائية لحقوق وأموال بعض الورثة المخالطة لأموال مورثهم، إلا أن دعوى الاختصاص لا يتم تطبيقها أو التعامل معها التعامل الصحيح بسبب القصور في فهم ماهيتها واغراضها وحالات تطبيقها وإجراءات رفعها والشخص الذي يحق له رفعها والاشخاص الذين يتم اختصامهم فيها، ومن هذا المنطلق وعلى هذا الاساس فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية في المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/3/2010م في الطعن الشخصي رقم (37187) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان بعض الورثة تقدموا بدعوى أمام المحكمة الابتدائية طلبوا فيها قسمة تركة ابيهم حيث اختصموا اخيهم الأكبر الحائز والمدير للتركة، فرد على دعواهم بأن مورثهم كان فقيرا معدما بمعرفة الجميع وبشهادة كل من عرفهً حيث كان يعمل شاقياً ليس له مال أو بيت وهذا معلوم للكافة واضاف المدعى عليه في رده على دعوى الورثة وفي دعواه المقابلة بالاختصاص  بانه  قد اغترب واشتغل خارج البلاد فقام بشراء المنازل والاراضي والسيارة والسلاح والطاحون وغيرها حيث ادعى المدعى عليه اختصاصه بتلك الأموال التي افاد بانها تخصه دون سواه، وقد سارت المحكمة الابتدائية في اجراءات نظر القضية حتى خلصت الى الحكم بأن غالبية الأموال محل الخلاف من تركة المورث والد الجميع واختصاص المدعى عليه الاصلي المدعي فرعياً بالأموال المذكورة في وثائقها انها ملك له، فلم يقبل المدعي بأن أموال التركة تخصه لم يقبل بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الشخصية رفضت الاستئناف وقضت بتأييد الحكم الابتدائي وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (ان كل ما احتج به المستأنف قد تم ابرازه أمام محكمة أول درجة التي قامت بمناقشته حسبما هو ثابت في الحكم الابتدائي) فلم يقنع المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الشخصية قررت رفض الطعن واقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (من خلال الرجوع الى الأوراق مشتملات الملف فقد تبين للشعبة ان الطاعن قد ذكر في طعنه : أن والده لم يكن يملك شيئاً من الأموال لأنه كان مزارعاً لدى بعض ملاك الأراضي الزراعية فلم غلات تلك الاراضي التي كان اجيرا فيها تغطي غلاتها مصروفه لمدة نصف سنة  فكان يشقى مع اخرين لتوفير لقمة العيش وكذلك لم يكن له بيت مملوك له وانما كان مستأجراً كما ذكر شهود الطرفين وهذا يعني انه لا يوجد لوالده اية كرمة موروثة من اسلافه مطلقاً إلى ان ذكر الطاعن ان الأموال محل الخلاف كلها مكتسبة منها ما هو باسم والده ومنها ماهو باسم الطاعن وماهو باسم اخيه وان كل تلك الأموال من سعيه اي الطاعن وشقاه وغربته الطويلة بشهادة الجميع، ومن خلال اطلاع الدائرة فقد تبين لها ان الطاعن لم ينهض بأي دليل لإثبات صحة ما يدعيه من الاختصاصات غير ما سبق الحكم به من المحكمة الابتدائية والمؤيد بالحكم الاستئنافي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية دعوى الاختصاص واطرافها واجراءاتها :

دعوى الاختصاص : هي الدعوى التي يرفعها احد الورثة ضد بقية الورثة مدعياً فيها ان بعض اموال التركة تخصه دون سواه وانها ليست من اموال التركة ويجب ان يرفق المدعي بالاختصاص المستندات والادلة المؤيدة لدعواه حتى لا يكون مصير دعواه مثل مصير دعوى الاختصاص التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا، ودعوى الاختصاص قد تكون أصلية يوجهها المدعي على بقية الورثة ابتداءً كما انها قد تكون دعوى مقابلة يرفعها المدعي بالاختصاص مقابل رفع الورثة دعوى قسمة التركة التي تحت يده مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا؛ فدعوى الاختصاص سواء اكانت أصلية أم مقابلة لا ترفع غالباً الا بين الورثة إلا أنه يحدث كثيراً ان ترفع دعاوى الاختصاص من غير الورثة مثل وزارة الأوقاف حينما تتم قسمة التركة وهي تشتمل على أوقاف وكذلك الحال بالنسبة لهيئة أراضي الدولة وكذا المؤجر والمعير والراهن اذا تم حصر التركة ودخلت في مفرداتها الأموال المؤجرة أو المعارة او المرهونة، ويتم رفع دعوى الاختصاص بالطرق المعتادة لرفع الدعاوى إلا أنه اذا كانت قسمة التركة رضائية فانه يتم تقديم طلب الى متولي القسمة، ودعوى الاختصاص طالما وهي متعلقة بقسمة التركة فانها تكون من الدعاوي الشخصية.

الوجه الثاني : حالات دعوى الاختصاص واشكالياتها :

تتلخص هذه الحالات في قيام المحكمة اوالقسام بادراج المال محل الدعوى ضمن التركة المراد قسمتها فيتضمن كشف حصر أموال التركة كل الاموال التي كانت بحيازة المورث؛ويحدث هذا حينما لاتتوفر الخبرة الكافية لدى من يتولى القسمة الذين لا يتأكدوا من ملكية المورث للأموال قبل حصرها في كشف الحصر كما أنه في احيان كثيرة يقوم الورثة المختلفون أمام القضاء أو هيئة التحكيم بالادعاء على بعضهم البعض بان اموالهم الخاصة هي من ضمن اموال التركة وعندئذ يضطر هولاء الى رفع دعاوى الاختصاص للدفاع عن اموالهم الخاصة ، حيث يدعون أن الأموال الخاصة ببعضهم من أموال المورث وتبعاً لذلك من أموال التركة، وعندئذ تتعقد اجراءات القسمة وتتعطل وتطول إجراءاتها لان دعوى الاختصاص يتم الفصل فيها في درجات التقاضي الثلاث التي تستغرق سنوات طويلة يتكبد خلالها الورثة المال والجهد والوقت إضافة الى اثارة الاحقاد والضغائن بينهم، ولذلك ينبغي على القسام أو القاضي ان يتحقق من ملكية المورث بواسطة الوثائق التي تدل على ان المال ملك المورث فلايتم ادراج أي مال في كشف حصر التركة الا بعد التأكد من ذلك، ومع هذا فان بعض الاشكاليات تظل قائمة بالنسبة للأموال المسجلة في وثائق الملكية باسم المورث في حين أنها قد تكون ملكا خاصاً لأحد الورثة فعندئذ يجب على القاضي والقسام اعتماد ما يرد في الوثائق إلا اذا ثبت خلافها بوثائق أقوى منها تدل على أنها ملك لغير المورث مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا الذي اعتمد على الوثائق التي دلت على أن الأموال المذكورة فيها ملك للمورث مع ان أقوال الشهود وواقع الحال كان يدل على ان المورث كان فقير جداً وان أبنه المدعي بالاختصاص الذي اغترب لفترة طويلة قد حصل على اموال وان الاب كان يشتري الاراضي والبيوت  باموال الابن  ويقوم الاب بالشراء باسمه وليس باسم ابنه ؛فالابن مقصر في هذه الحالة حيث كان ينبغي عليه الحصول على وثائق ضد  تثبت خلاف ما ورد في الوثائق التي لدى أبيه المورث، ولذلك فقد كان الحكم الابتدائي ومن بعده الحكم الاستئنافي واخيراً حكم المحكمة العليا تؤكد أن الأبن المدعي بالاختصاص عجز عن تقديم الوثائق التي تثبت اختصاصه بتلك الأموال مع انه قدم شهوداً على ذلك لان ما يثبت كتابة لا يدحض أو  لا ينفى الا كتابة خاصة في العقارات.

الوجه الثالث: دعوى الاختصاص ودورها في تعطيل إجراءات القسمة الرضائية:

 القسمة الرضائية تتم بالتراضي بين الورثة فان اجراءات حسم دعاوى الاختصاص يتم بسهولة وبرضاء الورثة الذين يعرفون حقيقة أموال مورثهم ومصدرها وكيفية اكتسابها ومصدرها ومدى صحة دعاوى الاختصاص، ولذلك فان دعاوى الاختصاص لا تعطل اجراءات القسمة إلا اذا كان  القسام قليل الخبرة، والا فانه يقوم بتجنيب الأموال محل الخلاف اذا تعذر عليه حسم الخلاف بين الورثة بشأنها حيث يتم تجنيبها كي تقسم لاحقاً مع المترك او موخر التركة؛ لان أية قسمة لا يمكن ان تتم فيها قسمة كل شيء فهناك أموال تظل متروكة أما ان تكون محل نزاع فيما بين المورث و الغير أو بين الورثة انفسهم كما ان هناك أموال للمورث تظهر لاحقاً بعد تمام القسمة الاصلية كديون أو استحقاقات كانت للمورث لدى الغير أو ارث كان مستحقا للمورث حيث تتم قسمة هذه الاموال بين الورثة لاحقاً، وانا اذكر انه في اواخر عام 1998م انه تمت قسمة تركة مواطن بسيط من محافظة إب وكانت تركته ضئيلة تمت قسمتها في أيام قليلة وبعد ذلك بستة اشهر تقريبا ظهرت له وصية من عمه الذي كان يحمل الجنسية البريطانية عن طريق السفارة البريطانية بصنعاء وكان مبلغ الوصية مليون ومائتين وثمانين ألف جنية استرليني، فاختلف الورثة بشأنها فما كان من القاضي الحكيم إلا أن حكم بقسمتها على غرار القسمة السابقة للتركة باعتبار ذلك الامر قد تم التراضي بين الورثة والاتفاق عليه عليه، ذكرت هذا لان بعض الاخوة الامناء والقسامين يحجمون عن قسمة التركة حتى يتم حسم كافة منازعات الورثة بشان حصر اموال التركة فاذا تم رفع دعوى الاختصاص بشأن بعض أموال التركة؛ وحجة القسامين في ذلك ؛ ان قسمة كل اموال التركة اذا لم تتم دفعة واحدة فانه سيترتب على ذلك تعدد الفصول وإعادة إجراءات القسمة للمال محل الخلاف.

الوجه الرابع : دعوى الاختصاص ودورها في تعطيل إجراءات القسمة القضائية وتوصية للمحكمة العليا :

اما القسمة القضائية فإشكالياتها في اليمن ليست خافية على أحد فاجراءاتها طويلة جدا، ومن أهم اسباب تعقيد وإطالة إجراءات القسمة القضائية في اليمن دعاوى الاختصاص. فقد ظهر لنا  ذلك اثناء مطالعة الحكم محل تعليقنا فالخلاف أصلاً لم يكن بشأن إجراءات القسمة والحصر والتثمين وتحديد وفرز الانصبة وانما كان منحصرا في دعاوى الاختصاص، حيث يتعمد بعض الورثة الاغنياء أو المستفيدين من بقاء التركة من غير قسمة يتعمد هؤلاء رفع دعاوى الاختصاص الكيدية فقد حدث في قسمة تركة ان تعطلت إجراءات القسمة القضائية لتركة من أكبر تركات اليمن بسبب دعوى اختصاص بشان سندات اسهم في شركة اردنية!!! وحدث أيضاً ان تعطلت إجراءات قسمة تركة تمتد في أربع محافظات في اليمن بسبب دعوى اختصاص في (مخزن لعلف الحيوانات) حيث تؤجل المحكمة الابتدائية إجراءات القسمة حتى يتم الفصل في دعوى الاختصاص والتأكد مما اذا كان المال المدعى به من اموال التركة أم يخص المدعي وبعد صدور الحكم الابتدائي في دعوى الاختصاص يتم استئنافه ثم الطعن بالنقض وطبعاً هذه المسألة ليست اجتهاداً مني فالقضاة والمحامون يدركون هذا الأمر جيدا؛ً ولذلك أوصي مخلصاً واتمنى من المحكمة العليا بموجب الصلاحيات المناطة بها قانوناً ان تصدر تعميماً إلى المحاكم بقسمة المتفق عليه من التركات وتجنيب المختلف عليه حتى تتم قسمته لاحقاً بعد حسم الخلاف بشأنه رضاءً أو قضاء؛والله اعلمً.

القتل بالسم في القانون والقضاء اليمني

 


أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تنوعت الأسباب والموت واحد مقولة صحيحة من حيث النتيجة ولكن وسائل الموت تختلف من حيث وحشيتها أو دلالتها على دنائة القاتل وسفالته وغدره وخطورته ولذلك فان وسيلة القتل لها تأثير في تشديد العقوبة ، ومع خطورة جرائم القتل بالسم أو بالاغتيال فان قانون الجرائم والعقوبات اليمني تجاهل القتل بالسم او بالاغتيال فلم يذكرهما ضمن الظروف المشددة للعقوبة   مع خطورة هذه الجرائم وكثرتها وخلافا لما هو مقرر في الفقه الاسلامي وفي القوانين الاخرى،ولذلك يتم في الواقع العملي تطبيق أحكام القصاص عليها الذي تشددت أحكام الشريعة والقانون وضيقت من نطاق تطبيقه الى اضيق نطاق ، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/1/2011م في الطعن الجزائي رقم (40118) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن النيابة العامة قدمت أحد الاشخاص بتهمة قتل شخص اخر عمداً وعدواناً وذلك بان سقاه مادة سامة قاتلة نتج عن ذلك وفاة المجني عليه حسبما هو مبين بالأوراق وطالبت النيابة من المحكمة معاقبة المتهم بالعقوبة المقررة شرعاً وقانوناً وفقاً للمادتين (16 و 234) عقوبات، وأمام المحكمة الابتدائية تقدم أولياء الدم بدعواهم بالحق الشخصي طلبوا فيها القصاص الشرعي من المتهم، وقد خلصت المحكمة الابتدائية الى الحكم (بإدانة المتهم بجريمة القتل العمد المنسوبة اليه في قرار الاتهام ومعاقبته بالحبس مدة ثمان سنوات من تاريخ القبض عليه تعزيراً له في الحق العام والزامه بدفع دية العمد لأولياء الدم بالإضافة إلى مخاسير القضية مائة الف ريال ، فلم تقبل النيابة العامة وأولياء الدم بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه ،ولكن الشعبة الجزائية رفضت الطعنين وايدت الحكم الابتدائي فيما قضى به باستثناء مخاسير التقاضي والغرامات المحكوم بها لاولياء الدم  التي عدلها الحكم الاستئنافي من مائة الف إلى خمسمائة الف ريال ، فلم يقبل المتهم واولياء الدم بالحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا لم تقبل الطعنين  شكلاً لتقديمها بعد فوات الميعاد المقرر قانوناً للطعن بالنقض ،وقد ورد في حكم المحكمة العليا (بما أن الطعنين قد تم تقديمهما بعد مضي المدة المقررة قانوناً بحسب مذكرة نيابة النقض  وقد تحققت الدائرة من صحة ذلك مما يتعين معه الحكم بعدم قبولهماً عملاً بقاعدة ما قضي بعدم قبوله شكلاً يتعذر نظره موضوعاً، ولذلك فان الدائرة تقرر عدم قبول طعن المحكوم عليه شكلاً وعدم قبول طعن أولياء الدم شكلاً واعادة كفالة الطعن للمحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية واعتبار الحكم المطعون فيه باتاً واجب النفاذ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : القتل بالسم في القانون اليمني وتوصيتنا :

حدد قانون الجرائم والعقوبات الاحكام العامة لجريمة القتل العمد بصفة عامة حسبما ورد في المادة (234) عقوبات ولم يشر إلى القتل غيلة او بالسم  حيث نصت هذه المادة على أنه (من قتل نفساً معصومة عمداً يعاقب بالاعدام قصاصاً إلا أن يعفو ولي الدم فان كان العفو مطلقاً أو بشرط الدية ومات الجاني قبل الحكم حكم بالدية ولا اعتبار لرضاء المجني عليه قبل وقوع الفعل، ويشترط للحكم بالقصاص أن يطلبه ولي الدم وأن يتوفر دليله الشرعي فاذا تخلف أحد الشرطين أو كلاهما واقتنع القاضي من القرائن بثبوت الجريمة في حق المتهم أو اذا امتنع القصاص أو سقط بغير العفو يعزر الجاني بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات ،  ويجوز ان يصل التعزير إلى الحكم بالاعدام اذا كان الجاني معروفاً بالشر أو ارتكب القتل بوسيلة وحشية أو على شخصين فاكثر أو من شخص سبق أن ارتكب قتلاً عمداً أو توطئة لإرتكاب جريمة أخرى أو لاخفائها أو على امرأة حامل أو على موظف أو مكلف بخدمة عامة أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته أو خدمته حتى لو سقط  القصاص بالعفو) ومن خلال استقراء النص القانوني السابق يظهر أن القتل بالسم يندرج ضمن القتل العمد إذا توفرت الشروط المقررة إلا أن النص المشار اليه لم يقرر أن القتل بالسم او غيلة من الظروف المشددة للعقوبة على خلاف القوانين العقابية العربية والأجنبية التي قررت أن القتل بالسم او غيلة من الظروف المشددة للعقوبة، ولو تضمن النص القانوني  السابق أن القتل بالسم من الظروف المشددة لجاز للقاضي أن يحكم بالاعدام  تعزيراً للقاتل بالسم اوغيلة حتى لو سقط القصاص، وفي هذا الشأن فإننا نوصي المشرع اليمني : بضرورة تضمين المادة (234) عقوبات عبارة (أو ارتكب القتل غيلة أو بالسم أو بوسيلة وحشية) حتى تستطيع الدولة القيام بواجبها في حفظ الأمن العام والسكينة العامة ومواجهة جرائم الاغتيال والقتل بالسم ، علماً بان الفقه الاسلامي يتناول القتل غيلة وبالسم ضمن الظروف المشددة التي يجوز تعزير الفاعل بالاعدام حتى لو سقط القصاص.

الوجه الثاني : القتل بالسم في القوانين العربية من الظروف المشددة للعقوبة : لخطورة هذه الجرائم فقد افرد قانون العقوبات الفرنسي  منذ العصور القديمة لهذه الجريمة نصاً خاصاً قرر فيه الاعدام لفاعلها حسبما كان مقرراً في (301) عقوبات فرنسي قديم  وان تم الغاء عقوبة الاعدام في القانون الفرنسي المعاصر الا ان القتل بالسم ضل ظرفا مشددا، ويقرر قانون العقوبات المصري في المادة (233) ان جناية القتل بالتسميم صورة من صور القتل العمد على شاكلة ما ورد في المادة (397) من القانون البلجيكي الذي الغى عقوبة الاعدام ومع ذلك ضل القتل بالسم من الظروف المشددة ، ويرجع اعتبار القتل بالسم من الظروف المشددة  الى خطورة هذه الوسيلة وما فيها من الخيانة والغدر فلا يستطيع المجني عليه تفادي هذه الوسيلة الاجرامية حيث قد  يتم قتله بالسم من قبل أقرب المقربين كالزوجة أو الاخ أو الولد مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فقد كان الجاني هو إبن عم المجني عليه علاوة على سهولة إرتكاب هذه الجريمة وصعوبة اثباتها ، ولخطورة هذه الجريمة فقد قضت محكمة النقض المصرية (انه لا يشترط لجناية التسميم ان يوجد سبق الاصرار لانها تنم عن خيانة وغدر وخسة لا مثيل لها) نقض ق 779 سنة 41 ).

الوجه الثالث : القتل بالسم في الفقه الاسلامي :

اختلف الفقهاء في وجوب القصاص في القتل بالسم فقال الشافعية لا يجب القصاص بل تجب دية شبه العمد لتناول المسموم للسم باختياره وهناك قول اخر عند الشافعية يذهب إلى وجوب القصاص في هذه الحالة لتغرير القاتل بالمسموم ،وقال الزيدية والحنفية لا قصاص في القتل بالسم  فيعزر القاتل بالعقوبة المناسبة ، وقال المالكية والحنابلة يجب القصاص في هذه الحالة لان السم يقتل غالباً فهو وسيلة للقتل (الموسوعة الفقهية الكويتية 5/182) ، والأقرب إلى الصواب وجوب القصاص في القتل بالسم، اما اعدام القاتل بالسم على سبيل التعزير فيذهب غالبية الفقه الاسلامي الى ذلك بالنظر الى جسامة الجريمة وخطورة المجرم.

الوجه الرابع : العقوبة المقررة للقتل بالسم في الحكم محل تعليقنا :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم الاستئنافي قد قضى بسجن الجاني ثماني سنوات تعزيراً في حين الحد الادنى للعقوبة هو السجن ثلاث سنوات والحد الأعلى عشر سنوات، ولا تثريب على الحكم لانه قد قام بتطبيق النص القانوني (234) عقوبات فلا تثريب على القاضي لان وظيفة تطبيق النصوص القانونية كما هي فلا يجوز له مخالفتها ، كما أن القاضي لم يستطع الحكم بالقصاص للقتل بالسم لتشدد الشريعة والقانون في اثبات فعل القتل بالسم ونتيجته وهي القتل، وهذا من الامور الاعتيادية لان القتل بالسم يتعذر إثباته فأقصى ما ورد في القضية من اثبات هو شهادة الشهود بان المجني عليه قد شرب القهوة في منزل الجاني وبعدها شعر بالام شديدة في بطنه وكان يصرخ ويطرش ويقول : سممني إبن عمي وبعدها مات وعند قيام المستشفى بفحصه،  ورد في التقرير ان سبب الوفاة سم الزرنيخ،والله اعلم

#قانونالجرائموالعقوبات_اليمني

#جريمة_القتل

موقف القانون اليمني من تحكيم المسئولين في الدولة ومدى صحة الاحكام التي يصدرونها

تحكيم المسئولين في الدولة 

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات العملية الواقعية قيام بعض المسئولين والقادة العسكريين وغيرهم من المسئولين بالسعي الحثيث واستغلال نفوذهم في استجلاب القضايا كي يتم تحكيمهم فيها وتصل الضغوط على الأشخاص في حالات كثيرة إلى قيام بعض المسئولين كالقادة العسكريين والأمنيين إلى استعمال القوة المادية والمعنوية لفرض انفسهم كمحكمين، ولا شك أن لهذا الموضوع تأثير بالغ على العدالة وعلى الوظيفة العامة التي يشغلها أولئك المسئولين، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5/10/2010م في الطعن المدني رقم (35402) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية وقوع خلاف بين شخصين على الشراكة في مشروع ماء فقام الطرفان المتنازعان  بتحكيم أحد القادة العسكريين في المنطقة التي يقع المشروع ضمن اختصاصها فقام القائد المحكم بإصدار حكمه الذي قضى بأن يحلف المدعي بالشراكة  في المشروع اليمين بأن مساهمته في المشروع بنسبة الربع لازالت قائمة فاذا حلف المدعي فيجب على المدعى عليه أن يحلف على صحة المخاسير والمصاريف التي دفعها لحساب المشروع فاذا حلف فيتحمل المدعي منها بحسب حصته في المشروع ، وقد قام المدعى عليه بتقديم دعوى بطلان حكم المحكم ،وقد ورد ضمن دعوى البطلان أن المحكم قائد عسكري لا يجوز له قانوناً أن يكون محكماً، وقد قامت محكمة الاستئناف بالخوض في موضوع الخلاف واستمعت إلى ادلة الخصوم وقامت بأخذ اليمين منهم بحسب ما قضى به حكم التحكيم، فلم يقبل المدعي بالبطلان بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض وقد ورد في أسباب الطعن أن المحكم قائد عسكري لا يجوز له أن يكون محكماً وفقاً للقانون، وقد قبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي بسبب خوضه في موضوع النزاع وعدم التزامه بالمادة (53) تحكيم التي تقرر أن اختصاص محكمة الاستئناف بالنسبة لدعوى البطلان يقتصر على الرقابة القانونية على حكم التحكيم ومدى تحقق حالة أو حالات البطلان المدعى بها باعتبارها محكمة قانون، فليس لها أن تتعامل مع دعوى البطلان مثل تعاملها مع الطعن بالاستئناف في الحكم الابتدائي الصادر من المحكمة الابتدائية ،اضافة الى ان حكم التحكيم معلقا باليمينً ولم يكن جازماً وحاسماً للنزاع واضرب حكم المحكمة العليا عن مناقشته كون المحكم قائد عسكري، وذلك يقضي منا أن نعلق على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : موقف القانون اليمني من تحكيم المسئولين : 

لم يتناول قانون التحكيم هذه المسألة فلم يفصح عن موقفه ازاء ذلك، اما قانون المرافعات فقد قرر في المادة (14) على أنه (يحظر على القاضي أن يكون مفوضاً أو محكماً في قضية منظورة أمام المحكمة التي يعمل بها) ومع أن هذا النص قد ورد ضمن ولاية القاضي وحدودها التي يترتب على مخالفتها انعدام الحكم الا أن المادة (15) مرافعات لم ترتب انعدام المحكم اذا خالف القاضي هذا الحظر وقبل أن يكون محكماً، وبناء على ذلك يترتب على مخالفة القاضي للحظر الوارد في النص القانوني السابق ذكره بطلان حكم التحكيم الذي يصدره وليس انعدامه، والظاهر أن الحكمة من حظر التحكيم على القاضي في نطاق المحكمة التي  يعمل فيها الحيلولة دون استعمال القاضي لتاثيره ونفوذه  في المحكمة لاستجلاب الخصوم الى تحكيمه وكذا حتى لا يكون التحكيم ذريعة للقاضي لإهمال عمله وفصله في القضايا المنظورة أمام المحكمة التي يعمل فيها القاضي حتى لو لم يكن القاضي نفسه ينظر فيها، اما بالنسبة للمسئولين الاخرين فقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم (40) لسنة 2002م بتاريخ 13/1/2002م وكذا تعميم وزارة العدل رقم (2) لسنة 2001م بتاريخ 21/2/2001م الذي تضمن منع محافظي المحافظات وقادة الألوية منعاً باتاً من التدخل في القضايا وقبول التحكيم في قضايا المواطنين. 

الوجه الثاني : القوة القانونية لمنع المسئولين من التحكيم في قضايا المواطنين وتوصيتنا 

لاحظنا في الوجه السابق أن منع مسئولي الدولة من التدخل في قضايا المواطنين وتوليهم للتحكيم في قضايا المواطنين ونزاعاتهم قد كان بموجب قرار مجلس الوزراء وتعميم صادر عن وزارة العدل وليس بموجب قانون مثلما ورد بالنسبة للقضاة، ولذلك فانه يترتب على مخالفة قرار مجلس الوزراء وقبول المسئول للتحكيم بطلان حكم التحكيم الصادر عن المسئول المخالف إضافة إلى مسائلته أدارياً أو تأديبياً لان العلة من منعه من التحكيم هي حماية المواطنين من ضغوط المسئولين وتأثيرهم على المواطنين وصدور احكام مجحفة بحقهم، ومع هذا أو ذاك فإننا نوصي بأن يكون هناك نص في قانون التحكيم يمنع الأشخاص الذين لا يحق لهم التحكيم لان قانون التحكيم هو القانون الخاص الأولى بالتطبيق.

الوجه الثالث : الاعتبارات والاسانيد التي يقوم عليها منع المسئولين من التحكيم : 

هناك في اليمن اعتبارات واسانيد كثيرة اقتضت منع المسئولين من التحكيم أهمها مكافحة الفساد إذ أن تحكيم المسئولين في قضايا المواطنين يحمل في طياته الفساد  فالتحكيم لبعض المسئولين واجهة من واجهات الفساد فقد كان بعض المسئولين يشاطروا المواطنين أموالهم بذريعة التحكيم بل ويمنعونهم من التصرف في اموالهم بذريعة التحكيم علاوة على أن التحكيم للمسئولين كان باباً من ابواب  الرشوة للمسئولين بستار التحكيم، كما أن بعض المسئولين كانوا يسعوا جاهدين لاستجلاب قضايا المواطنين للتحكيم والتحكم  فيها بل ان بعضهم كان يفتعل المشاكل لأصحاب الأموال حتى يتم تحكيمهم في حل الخلاف الذي افتعله هذا المسئول، كما أن غالبية المواطنين يكون الباعث لهم على تحكيم المسئولين هو الخوف من بطش المسئولين  وسطوتهم  وهذا يخالف فكرة التحكيم التي تقوم على رضاء الخصوم  عند اختيار المحكم، علاوة عن أن قيام المسئولين بالتحكيم في قضايا المواطنين يستغرق منهم وقتاً وجهداً طويلاً يشغلهم عن النهوض بمسؤولياتهم التي تم تعيينهم لاجل القيام بها، والله اعلم.