التسوية بين الورثة والاولاد في الهبة والمشتبهات بها في الفقه الإسلامي والقانون اليمني

 
 اعداد المحامية/ سمر عبد السلام العريقي
التسوية بين الورثة والاولاد في الهبة والمشتبهات بها في الفقه الإسلامي والقانون اليمني
سنتناول في هذا البحث أحد المواضيع المهمة المؤثرة في العلاقات والروابط الاسرية والاجتماعية فالتسوية بين الأبناء والاقارب لها الأثر البالغ في توثيق عرى المودة بين افراد الاسرة ولما كان الكثير من الناس في حاجة الى معرفة احكامها فإننا سنتطرق في هذا البحث الى حكم التسوية في الهبة بين الأولاد وبين الورثة والى الاثار الناتجة عن عدم التسوية وعن كيفية التسوية وجواز الرجوع عنها وذلك كله في الفقه الإسلامي والقانون اليمني وبيان ذلك على النحو الاتي:
 
أولاً: حكم التسوية بين الأولاد:                                               
 
في الفقه الاسلامي:
اتفق الفقهاء على مشروعية العدل بين الأولاد، فلا يخص أحدهم أو بعضهم بشيء دون الآخرين، ولكن الفقهاء اختلفوا في حكم التفضيل بين الأولاد هل هو واجب أم مستحب على قولين:
القول الأول: لا يحل لأي شخص ان يفضل بعض أبنائه على بعض في العطاء والتفضيل بين الأولاد باطل وجور ويجب على فاعله ابطاله، والى هذا ذهب الامام احمد وبعض المالكية[1]
القول الثاني:[2] التسوية بين الأبناء مستحبة والتفضيل مكروه وان فعل ذلك نفذ، والى هذا ذهب الأحناف والشافعي ومالك والجمهور من العلماء،[3] وحملوا الامر بالتسوية في الأحاديث على الندب لأن الانسان حر بالتصرف بماله لوارث وغيره.[4]
القول بوجوب التسوية هو الراجح الا ما استثني من ذلك، وهو فيما إذا وجد سبب يقتضي تفضيل بعضهم على بعض كما هو مبين في الاستثناء في القول الأول لان الروايات المختلفة تدل على الوجوب فإن احتمالها للوجوب أرجح من احتمالها للاستحباب. [5]

في القانون اليمني:
صرح القانون بأن التسوية بين الأولاد في الهبة والمشتبهات بها مثل العطية وغيرها واجبة وذلك في:
المادة (183) من قانون الاحوال الشخصية التي نصت على الاتي:
[تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية]
المادة(197) فقرة(5) من ذات القانون التي نصت على الاتي:
: [.....5-إذا امتنع الرجوع لعدم توفر هذه الشروط فإن كان للواهب ورثة غير الموهوب له ولم يعطيهم ما توجبه المساواة وجب عليه التسوية بحسب الميراث فإن لم يفعلها او تعذرت لزم احتساب ذلك المال الموهوب من ميراث الموهوب له بعد وفاة المورث] حيث اخذ القانون بالقول الفقهي الراجح.
ثانياً: حكم التسوية بين الورثة:        
 
في الفقه الاسلامي:
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين[6]:
القول الأول: ان تشرع التسوية لكل الأقارب كالأخوة والاخوات والاعمام وبني الاعمام فيسوون في الهبة والوصية ونحو ذلك لأن المفاضلة بين الوارثين جور وانحراف عن العدالة وأنه يورث العداوة بين الأقارب لأنهم في معنى الأولاد فيشملهم الحكم لأنهم وارثون، وهذا ما ذهب اليه الهادوية ونقل عن ابي الخطاب من فقهاء الحنابلة
القول الثاني: حكم التسوية خاص بالأولاد ولا يجري في غيرهم من الأقارب لان الأصل إباحة تصرف الانسان في ماله كيف شاء وانما وجبت التسوية-أو ندبت-على الخلاف الواقع بين الفقهاء للأدلة الواردة في ذلك لأنهم ملزمون ببر والدهم على السواء فلزمه ان يسوي بينهم في العطية، وهذا ما ذهب اليه جمهور الفقهاء. 
في القانون اليمني:
من خلال الاطلاع على نص المادتين (183) والمادة(197) فقرة 5 يتبين ان المشرع اليمني قد أخذ بالقول الأول ففي المادة(183) ذكر المشرع صراحة الورثة بقوله: [تجب المساواة في الهبة بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية]
ونص في المادة(197) فقرة 5: [.....5-إذا امتنع الرجوع لعدم توفر هذه الشروط فإن كان للواهب ورثة غير الموهوب له ولم يعطيهم ما توجبه المساواة وجب عليه التسوية بحسب الميراث فإن لم يفعلها او تعذرت لزم احتساب ذلك المال الموهوب من ميراث الموهوب له بعد وفاة المورث] فعبارة ان كان للواهب ورثة عامة ولم تحدد الأولاد فقط فلفظ ورثة يشمل كل الوارثين للواهب.
وهذا قول الهادوية وأخذ به القانون اليمني فقال تجب المساواة بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية[7]

وقد رجح الدكتور علي القليصي هذا القول ونخالفه في ذلك كون وجوب التسوية في الهبة بين الورثة فيه ارهاق على الواهب ولا لدليل صريح عليها كما هو الحال في وجوب التسوية بين الأولاد، ولا يصح قياس الأقارب على الأولاد كما ذكر ذلك ابن قدامه.
ثالثاً: اثار عدم التسوية في الهبة:
 
 في الفقه الإسلامي:
-إذا فاضل الاب بين أولاده لزمه أن يسترد الفاضل أو يعطي بقية الورثة حتى يسوي بينهم، فإن مات ولم يسترد الفاضل ثبتت الهبة للموهوب له وكانت حينئذ لازمة وليس لبقية الورثة الرجوع وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء.
-ويرى الظاهرية وبعض الفقهاء أن الهبة لا تلزم وللورثة أن يرتجعوا ما وهبه الاب وان التعديل بين الأبناء دين عليه لا يسقط بالموت.[8]

والظاهر أن هذه الهبة يكون حكمها حكم الوصية فإن أجازها الورثة صحت والا بطلت بناء على ما رجحناه من أن التسوية واجبة فإذا أعطى الأب بعض أولاده دون بعض وجب عليه أن يسترجع ما أعطاه والله تعالى أعلم.[9]

في القانون اليمني:
نصت المادة(186) من قانون الأحوال الشخصية على الاتي: [الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية الا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً مع مراعاة أحكام المادة(183)][10]

بالنظر الى المادة يتبين لنا أنها تتضمن حكمين الأصل والاستثناء وهو ما نبينه على النحو الاتي:
الأصل: أن الهبة للوراث أو وارثه في حياته (أي مازال الوارث على قيد الحياة) كابن ابنه او ابن ابنته وزوجته او زوجاته تأخذ حكم الوصية وحكم الوصية للوارث ووارثه في حياته باطلة وقد نظمها القانون اليمني في نصين:
·        نص المادة(234) من قانون الأحوال الشخصية: [لا تصح الوصية للورثة الا بإجازة الورثة].
·   نص المادة(235) من ذات القانون: [لا تصح الوصية لوارث الوارث في حياة مورثه الا لمبرر بعوقه عن التكسب كالأعمى والأشل وأمثالهما].
ويتبين أن القانون اليمني أخذ بالرأي الفقهي القائل بعدم لزوم الهبة للورثة وبالتالي يتقرر للورثة على الموهوب له حق الرجوع والمساواة المتمثل في الاتي:
§        الامر الأول: أن يتم ارجاع الشيء الموهوب إلى التركة وتوزع التركة على جميع الورثة كل بقدر نصيبه.
§        الامر الثاني: أو يتم إعطاء بقية الورثة مثل ما تم هبته للموهوب له، أو قيمته (مقابل التسوية) والباقي يوزع كلا بحسب نصيبه.
مقابل التسوية هو: حق الوارث أو الشريك في المطالبة بمساواته بالمال أو المنفعة التي حصل عليها غيره من الورثة أو الشركاء، حيث يتم تقييم الشيء الذي انفرد به أحد الشركاء أو بعضهم على أساس سعر يوم حصوله على المال أو الميزة أو المنفعة وفي ضوء ذلك يتم تحديد (السواية، بدل التسوية).
لذلك إذا أعطى المورث لأحد الورثة البالغين المكلفين مالاً بأية صفة أو كيفية فأنه يجب عليه أن يساوي بين بقية الورثة وأن يعطيهم مالاً أو مقابلاً مساوياً لذلك فإذا لم يقم المورث بذلك في أثناء حياته فأن حكم وجوب المساواة يظل قائماً في تركة المتوفى فيستحق الورثة أو الوارث الذي لم يتم إعطائه مقابلاً مساوياً للعطية التي أعطاها مورثه لغيره من الورثة؛ لأن التركة تكون مثقلة بهذا الواجب الشرعي والقانوني وهو المساواة فيكون هذا الواجب بمثابة دين على التركة يجب الوفاء به قبل قسمتها.[11]

§   الامر الثالث: ان تعذر ذلك يتم احتساب ذلك المال الموهوب من ميراث الموهوب له، وهذا ما قررته المادة(197) من قانون الأحوال الشخصية فقرة(5) بقولها: [....5-إذا امتنع الرجوع لعدم توفر هذه الشروط فإن كان للواهب ورثة غير الموهوب له ولم يعطيهم ما توجبه المساواة وجب عليه التسوية بحسب الميراث فإن لم يفعلها او تعذرت لزم احتساب ذلك المال الموهوب من ميراث الموهوب له بعد وفاة المورث]
الاستثناء: نصت المادة السابق ذكرها ان الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية ثم استثنت ذلك بقولها الا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة او حكماً مع مراعاة احكام المادة 183
 ونبين احكام هذا الاستثناء وفقا لما ظهر لنا على النحو الاتي:
ان المادة(186) السابق ذكرها تم تعديلها بموجب القرار الجمهوري بالقانون رقم(27) لسنة 1998 وقد كانت قبل التعديل لا تنص في نهايتها على عبارة (مع مراعاة أحكام المادة 183) الامر الذي يفهم منه ان المشرع أضاف هذه العبارة ليوجب التسوية بين الأولاد حتى في حالة إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب حقيقاً او حكماً وذلك لان المادة 183 جعلت التسوية واجبة وملزمة ولم تفرق بين حالة التصرف في الشيء الموهوب وعدم التصرف به وإلزام النص بوجوب مراعاتها يوجب العمل بها.
 وبالتالي يتبين لنا تقرير حق رجوع الورثة على الموهوب له أيضا في حالة التصرف في الشيء الموهوب له وعدم القدرة على استرجاعه وحق رجوع الورثة على الموهوب له والمساواة في هذه الحالة يتمثل في الاتي:
·        أن يتم إعطاء بقية الورثة مثل ما تم هبته للموهوب له او قيمته (مقابل التسوية) والباقي يوزع كل بحسب نصيبه (التسوية).
·        ان تعذر ذلك يتم احتساب ذلك المال الموهوب من ميراث الموهوب له.
ونرى ان الفرق بين الحالتين انه في حالة عدم استهلاك الشيء الموهوب وعدم التصرف به يصبح عقد الهبة من يوم وفاة الواهب عقداً موقوفاً على إجازة الورثة وغير نافذ فإن تم اجازته أصبح نافذاً وإلا بطل لصراحة النص في ذلك بقوله تأخذ الهبة حكم الوصية والوصية للوارث موقوفة على إجازة بقية الورثة.
اما في حالة التصرف بالشيء الموهوب فيبقى عقد الهبة نافذا كما كان قبل وفاة الواهب فمثلا قام اب بهبة سيارة لأحد أولاده وقام الابن ببيعها ثم توفي الاب ففي هذه الحالة تكون الهبة صحيحة لان القول ببطلانها يجعل البيع بين الابن والغير باطلا كون البائع(الابن) تصرف بشيء لا يملكه وفقا للقاعدة: [لا يمكن لأحد أن ينقل للغير أكثر مما يملك] وهنا يضار الغير لذلك جاءت هذه الحالة حماية للغير حسن النية وحرصاً على استقرار المراكز القانونية فيكون عقد الهبة صحيحا حماية للتصرف اللاحق ويكون الحكم في هذا الحالة وجوب المساواة بدون ابطال الهبة، ونرى أن وجوب المساواة في هذه الحالة سنده نص المادة في نهايتها (مع مراعاة المادة183) والمادة (197) فقرة(5) السابق ذكرها.
رابعاً: كيفية التسوية في الهبة:
 
في الفقه الإسلامي:
اختلف الفقهاء في كيفية التسوية، بمعنى هل يستوي الولد الذكر مع الأنثى، حيث اختلف الفقهاء في ذلك على قولين[12] القول الأول: يتساوى الأولاد ولا فَرق بين ذكر وأنثى، حيث تُعطَى الأنثى مثل ما يُعطَى الذَّكَر، وهذا قول جمهور الفقهاء.
 والقول الثاني: التسوية تكون بقسمة الهبة والعطية بين الأولاد على حسب القسمة الشرعية للميراث، فيجعل للذَّكَر مثل حظ الأنثيين، وهذا قول الهادوية والحنابلة.
قال الامام النووي بعد أن ذكر الرأيين وأدلتهما: (والصحيح المشهور أنه يسوى بينهما لظاهر الحديث)[13]

" ونحن نميل إلى ترجيح القول الأول الذي ذهب إلى المساواة بين الذكر والأنثى في العطية للأولاد لقوة أدلتهم وسلامتها وانسجام هذا القول مع قواعد وأحكام العطية للأولاد واختلافها عن أحكام الميراث"[14]

في القانون اليمني:
اخذ القانون بالقول الذي ذهب إلى عدم المساواة في الهبة والعطية بين الذكر والأنثى من الأولاد والورثة، حيث نصت المادة (183) من قانون الأحوال الشخصية على انه: [تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية] أي بحسب فرائض الميراث.
ونصت المادة المادة(197) من قانون الأحوال الشخصية فقرة(5) بقولها: [....5-إذا امتنع الرجوع لعدم توفر هذه الشروط فإن كان للواهب ورثة غير الموهوب له ولم يعطيهم ما توجبه المساواة وجب عليه التسوية بحسب الميراث فإن لم يفعلها او تعذرت لزم احتساب ذلك المال الموهوب من ميراث الموهوب له بعد وفاة المورث]
وذلك ما ذكره الدكتور علي القليصي بقوله: لقد أخذ القانون بهذا المذهب (مذهب عدم التسوية بين الذكر والانثى) فنص على انه تجب المساواة في الهبة بحسب الفريضة الشرعية[15]

مناقشة لتفسير النص:
-   لقد اعترض د.عبد المؤمن شجاع الدين على مسلك القانون اليمني في عدم التسوية بين الذكور والاناث، واتجه الى ان تفسير نص المادة يقصد به عدم المساواة حيث ان (و) العطف للمغايرة وذلك ما ذكر بقوله:
 من وجهة نظرنا ان المساواة بين الأولاد تختلف عن المساواة بين الورثة حيث المقصود بالمساواة بين الأولاد ان يعطي الوالد لأولاده او يهبهم بالتساوي ذكوراً او اناثاً لأن الهبة او العطية تختلف عن القسمة للتركة التي تكون بعد الموت، وهذا هو القول الراجح في الفقه الإسلامي الذي هو المرجع في تفسير النصوص القانونية بمقتضى المادة(18) من القانون المدني التي قررت ان كتب الفقه الإسلامي هي المرجع في تطبيق وتفسير النصوص القانونية اما المساواة بين الورثة الاخرين غير الأولاد فتكون بحسب الفرائض الشرعية للذكر مثل حظ الانثيين، لأن المادة(183) السابق ذكرها ق عطفت المساواة بين الورثة الاخرين على المساواة بين الأولاد والعطف يقتضي المغايرة أي ان المساواة في الهبة بين الأولاد تختلف عن المساواة بين الورثة الاخرين.[16]
-   وقوله أيضا في موضع اخر: حيث قرر هذا النص-نص المادة 183-ان الهبة للأولاد ذكوراً وإناثاً يجب ان تكون على التساوي أي إذا أفرد أولاده بالهبة من بعض ماله من غير ان يهب بقية الورثة، أما إذا قام بتقسيم جميع ماله على ورثته المحتملين بمن فيهم أولاده فيكون ذلك بحسب الفرائض الشرعية، وهذا النص هو الذي يفهم منه موقف القانون اليمني من القسمة في اثناء حياة المورث.[17]
 
 أي انه يرى الامر كالتالي:
§        تقسيم الشخص لبعض أمواله على أولاده فقط يوجب المساواة بين الذكور والاناث.
§        تقسيم الشخص لجميع أمواله على جميع ورثته بما في ذلك اولاده يوجب ان يكون التقسيم حسب الفرائض الشرعية.
فأساس هذا الرأي كما يظهر لنا هو النية فيتبين في الحالة الأولى ان الغرض والهدف هو الهبة والعطية بسبب اعطائه بعض أمواله وليس كلها وبالتالي يجب المساواة بين أولاده ذكوراً واناثا فأحكام الميراث تختلف عن احكام الهبة والقول بارتباطهما في كل الأحوال غير صائب، أما في الحالة الثانية يتبين ان الغرض والهدف هو إرادة الشخص لتقسيم أمواله في حياته وذلك جائز طبقاً لنص هذه المادة التي يظهر أخذها بالرأي الفقهي القائل بجواز تقسيم الشخص لأمواله في حياته بشرط ان تتم بحسب الفرائض الشرعية.
فمدار الامر على النية وعلى القاضي ان يستخلص من ظروف الواقعة المطروحة امامه نية الوارث هل قصد الهبة والعطية ام قصد بها توزيع الميراث وهذه النية تظهر كما هو مبين من خلال توزيع المال بأكمله ام بعضه ولكل ورثته ام بعضهم وغيرها من الظروف.
ورغم اننا نرى صحة هذا الرأي الا اننا نخالف ما ذهب اليه من تفسير النص بما يتطابق معه فالمشرع اليمني قد قصد ان التسوية تكون بحسب الفريضة الشرعية وان كان نص المادة(183) غامض الصياغة من حيث واو العطف كما ذكر ذلك دكتورنا القدير الا ان نص المادة(197) فقرة(5) قد بين الحكم بوضوح وذلك بنص المادة على الاتي: [.....5-إذا امتنع الرجوع لعدم توفر هذه الشروط فإن كان للواهب ورثة غير الموهوب له ولم يعطيهم ما توجبه المساواة وجب عليه التسوية بحسب الميراث فإن لم يفعلها او تعذرت لزم احتساب ذلك المال الموهوب من ميراث الموهوب له بعد وفاة المورث]
فعبارة وجب عليه التسوية بحسب الميراث تدل دلالة واضحة على ان المشرع اليمني اخذ بالرأي الفقهي القائل بأن التسوية تكون بحسب الفرائض الشرعية.
وهنا يثور السؤال التالي:
في حالة قام الشخص بقسمة جميع أمواله على جميع ورثته بحسب الفريضة الشرعية فهل ينطبق في هذه الحالة حكم المادة(186) التي تقرر ان الهبة للوارث تأخذ حكم الوصية فتعد القسمة عندئذ وصية ولا تكون نافذة الا بإجازة جميع الورثة بعد وفاة المورث؟  
لقد استخلصت المحكمة العليا من الأحكام التي فصلت فيها قاعدة قضائية مفادها (أن أية قسمة في أثناء حياة المورث هي وصية تكون موقوفة على إجازة الورثة بعد موت المورث)
وقد أكد د.عبد المؤمن شجاع الدين أن اجتهاد المحكمة العليا الذي قرر هذه القاعدة التي تلقتها المحاكم الأدنى بالقبول قد جاء مخالفا لنصوص القانون والفقه الإسلامي، وبين أوجه المخالفة في ثمانية أمور واختصارا نورد الامر الأول فقط وهو:
المادة (186) من القانون نصت على أن الهبة لوارث تكون بمثابة وصية في حين أن اجتهاد المحكمة العليا الذي استند إلى هذا النص قد جعل كل قسمة بصفة عامة تتم في أثناء حياة المورث تكون وصية، وهناك فرق بين القسمة على جميع الورثة المحتملين في أثناء حياة المورث وبين الوصية لوارث واحد فقط، إذ أن المقصود بالهبة في المادة (186) هي الهبة المنفردة التي ينفرد بها أحد الورثة وليس قسمة الشخص لماله في أثناء حياته على جميع ورثته بموجب المادة (183) التي نصت على انه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية) فعند المقارنة بين المادتين (183) و(186) نجد أن لكل منهما مجال للتطبيق، فالمادة (183) تنطبق على القسمة في أثناء حياة المورث في حين تنطبق المادة(186)على الوصية للوارث المنفرد، فذلك ظاهر من صياغتها (الوصية لوارث) أي لواحد فقط وليس الورثة جميعهم، فلو كانت إرادة القانون قد اتجهت إلى اعتبار كل قسمة في أثناء حياة المورث بمثابة وصية لنص عليها القانون في المادة (183) التي أجازت القسمة في أثناء حياة المورث على أساس العطية والهبة لأنها المكان المناسب لتقرير هذا الحكم.[18]

خامساً: رجوع الوالد عن الهبة للأولاد والورثة:
 
في الفقه الإسلامي:
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور العلماء الى حرمة الرجوع في الهبة الا إذا كانت هبة الوالد لولده.[19] وبالتالي يجوز للوالد أن يرجع عن هبته وعطيته لولده اما لبقية الورثة فلا يجوز له ذلك.
القول الثاني: ذهب الحنفية والهادوية الى انه يحل الرجوع في الهبة الا ان كانت لذي رحم محرم لا يحل الرجوع فيها.[20] ووفقاً لهذا الرأي لا يجوز للأب أن يرجع في هبته وعطيته لولده او لذي رحم محرم.
وما استدل به الجمهور فهو أصح من أدلة الحنفية ومن معهم وعلى ذلك فإن مذهب الجمهور هو الراجح والله تعالى أعلم،[21] وحكم الام مثل الاب عند أكثر العلماء[22]

في القانون اليمني:
أجاز قانون الأحوال الشخصية للوالد والوالدة الرجوع عن هبتهما لأولادهما حسبما ورد في المادة (196) فقرة (2) التي تنص صراحة على ذلك بقولها: [لا يجوز الرجوع في الهبة التبرعية الا في الأحوال الاتية:
 2-أن يكون الواهب أباً أو أماً للموهوب له].
واشترط القانون لصحة الرجوع في الهبة عدة شروط أوردها في المادة(197) التي تنص على الاتي: [مع مراعاة ما جاء في المادة (196) من هذا القانون يشترط لصحة الرجوع في الهبة التبرعية التي لا غرض فيها ما يأتي:
[1-بقاء الموهوب له على قيد الحياة.
2-ان لا يكون قد استهلك الموهوب في يد الموهوب له حقيقة او حكما كأن يكون قد تصرف به للغير فإن بقي البعض صح الرجوع فيه مع تحقق باقي الشروط.
3-ان لا يكون قد زاد الموهوب زيادة متصلة لا يتسامح بمثلها والا فلا رجوع الا مع تعويض الموهوب له بقيمة الزيادة.
4-ان لا يكون قد تعلق بالمال الموهوب ضمان او رهن بدين والا توقف نفوذ الرجوع على إجازة صاحب الضمان او الرهن او الى الوفاء بما لهما من ضمانه او دين
5-إذا امتنع الرجوع لعدم توفر هذه الشروط فإن كان للواهب ورثة غير الموهوب له ولم يعطيهم ما توجبه المساواة وجب عليه التسوية بحسب الميراث فإن لم يفعلها او تعذرت لزم احتساب ذلك المال الموهوب من ميراث الموهوب له بعد وفاة المورث].
 
الخاتمة:
بعد ان ذكرنا على نحو من الايجاز كل ما يتعلق بأحكام التسوية في الهبة في الفقه الإسلامي والقانون اليمني من حكم التسوية سواء بين الأولاد او بين الورثة والاثار المترتبة على عدم التسوية وكيفية التسوية ومدى جواز الرجوع عنها يتبين لنا ان المشرع اليمني قد أوجب التسوية بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفرائض الشرعية للذكر مثل حظ الانثيين وقد أنشأ الحق للورثة في المطالبة بالتسوية بعد موت المورث وقد أخذ بالمذهب الفقهي الذي قرر حرمة الرجوع في الهبة الا رجوع الوالد فيما وهبه لولده فقط.
 

[1] كتاب فقه السنة، السيد سابق، ج3، دار الفتح للإعلام العربي، 1997م، ص281.
[2] أخذ بهذا القول القانون المصري، ذكر السنهوري في كتابه الوسيط ص18: "فإذا صدرت الهبة في صحة الواهب، لم يكن لها حكم الوصية ولم تتصل بالميراث، بل يجوز للشخص أن يهب جميع أمواله ولو لوارث ولا يتقيد بالثلث" وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية في احد احكامها (الطعن رقم ٣٨ لسنة ٣٦ قضائية الدوائر المدنية-قاعدة85) بقولها: "....ويترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث في حال صحته لأحد ورثته أو لغيرهم تكون صحيحة ولو كان يترتب عليها حرمان بعض ورثته او التقليل من أنصبتهم في الميراث لأن التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته، أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته فلا حق للورثة فيه"

[3] كتاب فقه السنة، المرجع السابق، ص282.
[4] كتاب الفقه الإسلامي وأدلته، د.وهبة الزحيلي، ج5، دار الفكر، دمشق، ص4013.
[5] كتاب فقه المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، د.علي احمد القليصي، ج2، مكتبة الجيل الجديد، الطبعة السابعة،2007م، ص162.
[6]  فقه المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص 162-163.
[7]  فقه المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص 162، هامش رقم(2).
[8] كتاب الهبة للولد وأحكامها في الفقه الإسلامي، د.محمد حسين قنديل، ص 274.
[9] فقه المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص165.
[10] تنص المادة(183) على الاتي: [تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية].
[11] بحث مقابل التسوية بين الورثة قبل إجراء القسمة، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين، ص2-3.
[12] فقه المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص163.
[13]الهبة للولد وأحكامها في الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص273.
[14] العطية للأولاد دراسة فقهية مقارنة، د.عبد المؤمن شجاع الدين، ص17.
[15]فقه المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص 164، هامش رقم(1).
[16] بحث بعنوان الهبة للوارث باطلة الا إذا اجازها الورثة، د.عبد المؤمن شجاع الدين، ص3-4.
[17] بحث القسمة اثناء حياة المورث هبة تبرعية يجوز الرجوع عنها، د.عبد المؤمن شجاع الدين، ص2.
[18] بحث بعنوان قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته في القانون والقضاء اليمني، د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص16-17.
[19] فقه السنة، مرجع سابق، ص284.
[20] فقه المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص156-157.
[21] فقه المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، ص158.
[22] فقه السنة، مرجع سابق، ص284 هامش رقم(2).

                                                             

 

ليست هناك تعليقات: