مفهوم الإفلاس في الشريعة, والقانون اليمني
الإفلاس في اللغة:
الإفلاس من
مصدر أفلس، على وزن أفعل، أي صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم( )،وأفلس الرجل، أي:
صار مفلساً، وفي الحديث: من أَدرك مالَه بعينه عند رجل قد أَفْلَس فهو أَحَقُّ به
من غيره( )؛ أَفْلَس الرجل إِذا لم يبق له مالٌ، يُراد به أَنه صار إِلى حال يقال
فيها ليس معه فَلْس( ) كما يقال خبث الرجل إذا صار أصحابه خبثاء ويجوز أن يراد به
انه صار الى حال يقال فيها ليس معه فلس كأنما صارت دراهمه فلوسا وزيوفا( )
ومن
التعاريف السابقة في اللغة يتبين لنا ان من أفلس صار الى حال ليس معه فلس وهي ما
يكون أقل المال قيمة وادناه رتبه، وتحول أمواله إلى فلوس "كناية عن
افتقاره" ويستنط ايضاً ان شهر الإفلاس يكون بالنداء عليه انه أفلس، وهو ما
يشابه حكم الإفلاس.
الإفلاس في الاصطلاح :
عرف
الفقهاء الإفلاس بتعريفات مختلفة ومتعددة ولكنها متقاربة في المعنى، ومن لم يعرف
الإفلاس في المذاهب الفقهية فإن فقهاء المذهب يبينون صورته, وعند البحث عن معنى
الإفلاس في كتب المذاهب الخمسة فقد وجدنا الاتي :
أ- مفهوم الإفلاس عند الشافعية :-
يفضل
الشافعية في شروحهم وكتبهم استخدام مصطلح التفليس على الإفلاس ولهذا سمي لديهم
كتاب التفليس, وقد جاء عندهم بعبارات متعددة فقد عرفه قليوبي( ) بقوله ( منع
الحاكم له-المدين- من التصرفات المالية لتعلق الدين بها كما الرهن)( ) فمتى نقص
ماله عن ديونه بما لا يفي خرج من ماله صرح القاضي بالحجر .
وقد ذكر
عنه البجيرمي( ) بقوله (إيقاع وصف الإفلاس من الحاكم على الشخص)( ) أي ممنوعا من
التصرف بمنع القاضي اياه. وبهذا يتبين من هذه التعاريف انها تنظر الى الإفلاس من
شخصية المدين واحكامه من حيث الإشهار ولم تتطرق اليه مباشرة وذكر غايته.
عرفه ابن
قدامة في حديثه عن المفلس بقوله (المفلس هو الذي لا مال له ولا ما يدفع به
حاجته( )) كما عرفة عبدالله البسام( ) بقوله ( منع الإنسان من التصرف في ماله) كما
عرف بانه ( من لزمه من الدين أكثر من ماله الموجود، وسمي مفلساً وان كان ذا مال
.لأن ماله مستحق الصرف في جهة دينه( )) و هذه التعاريف تطرقت إلى بيان المفلس
وشروطه ولم تأتي ببيان غاية الإفلاس.
ج- مفهوم الإفلاس عند المالكية :
من خلال
المطالعة في كتب فقه المذهب المالكي، فقد وجدت بتعدد مصطلح الموضوع حيث وجدت
الفلس، والتفليس، والإفلاس، فالفلس في متن الحطاب( ) (هو العدم والتفليس خلع الرجل
من ماله لغرمائه)، اي أنه صاحب فلوس بعد أن كان ذا ذهب وفضة، ثم استعمل في كل من
عدم المال. كما ذكر ابن رشد ان الإفلاس يطلق على معنيين:
الثاني: أن
لا يكون له مال معلوم اصلاً.
وذهب ابن
عرفة في بيانه عن التفليس بتقسيمة الى نوعين أعم وأخص، وقد عرف التفليس
الأخص بانه حكم الحاكم بخلع كل مال مدين لغرمائه لعجزه عن قضاء ما لزمه، والأعم
قيام ذي دين على مدين ليس له ما يفي به.
ويستخلص من
ذلك ان الإفلاس عندهم لا يكفي لترتب اثاره على الشخص المفلس، ولكن لابد من صدور
حكم قضائي يقضي بمنع التصرفات.
ذهب القاضي
أحمد الصنعاني في الحديث عن المفلس في الشرع بقوله {من لا يفي ماله بدينة ولو
كثر } كما عرفه صاحب سبل السلام بقوله " هو قول الحاكم للمديون : حجرت
عليك التصرف في مالك" أي منعه من التصرف.
ه- مفهوم الإفلاس عند الحنفية:
من خلال
النظر الى كتب الحنفية تبين انهم لا يفرقون بين معنى الافلاس وبين الحجر فهو ان
يكون الشخص ممتنع من أداء دينه سواء كان موسراً او معسراً وبهذا تشترك حاله
الاعسار واليسار طالما وان الشخص ممتنعاً من الأداء وبهذا انفرد الحنفية وذلك من
جواز الحجز على الغني اذا كان ممتنعاً عن أداء دينه. وبهذا يكون الإفلاس عندهم ان
يكون الشخص ممتنعاً من أداء دينه سواء كان مؤسراً أو معسراً.
فالمفلس
عندهم هو الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَالٌ يَسُدُّ جَمِيعَ دُيُونِهِ سَوَاءٌ أَحَكَمَ
الْحَاكِمُ بِإِفْلَاسِهِ قَبْلًا أَمْ لَمْ يَحْكُمْ فهو الذي يملك مالاً اقل مما
عليه من دين، وامتنع عن أداء ما عليه من دين. كما عرفت المادة (999) من مجلة
الاحكام العدلية( ) بقولها ( المدين المفلس أي الذي دينه مساو لماله او ازيد إذا
خاف غرماؤه ضياع ماله بالتجارة أو انه يخفيه او يجعله باسم غيره وراجعوا الحاكم
على حجره عن التصرف ماله او اقراره بدين الآخر حجره الحاكم وباع أمواله وقسمها بين
الغرماء....) ( )
ومن بيان
جل التعاريف الفقهية السابقة فأن التعريف الاوضح في بيان مقصود الإفلاس ما جاء به
المالكية لتضمنه شرط التوقف عن اداء الدين الذي يعد السبب الاقوى في بيان حال
الإفلاس.
ويمكن
لنا ان نستخلص من تعاريف الفقهاء السابقة, انهم اتفقوا في الإفلاس في الاتي:
أ- إن الإفلاس من كان ماله أقل من الدين الذي عليه.
ب- أن الحجر على المدين يكون بحكم الحاكم، وهذا
يفيد شهر المفلس على الملاٍ.
ج- ايجاب تفليس المدين بحكم الحاكم وان يكون
الحجر على المدين المفلس في الدين الحال دون المؤجل.
وبالرجوع الى نصوص القانون التجاري اليمني نجد ان نص المادة (570) أشارت بقولها:
(كل تاجر اضطربت أعماله المالية حتى توقف عن دفع
ديونه التجارية يجوز إشهار إفلاسه .... ) كما نصت المادة (571) من نفس القانون (
لا تنشأ حالة الإفلاس إلا بحكم، يصدر بشهر الإفلاس ولا يترتب على الوقوف- عن دفع
الديون قبل صدور هذا الحكم أي أثر مالم ينص القانون على غير ذلك.)
ومن خلال
ما نصت عليه المادة (395) من القانون المدني فقد نصت في بيانها عن المفلس بقولها
(والمفلس هو من لا يفي ماله بديونه) و يتضح أن الإفلاس في اللغة والشرع يتطابق مع
المفهوم
القانوني للمشرع المدني ويختلف مع المشرع التجاري كون الأول أعم من الاخير, حيث ان
المفهوم القانوني للمشرع التجاري أخص نتيجة لاضطراب المركز القانوني للشخص المكتسب
للصفة التجارية, بغض النظر عما اذا كان التوقف قائم على عدم وجود مال او الامتناع
عن الدفع.
فهو رفع يد
المدين المفلس عن إدارة أمواله, ومنعه من إدارتها او التصرف بها تمهيداً لتوزيعها
على الدائنين.
والمشرع من وضعه لنظام الإفلاس علق تنفيذ ذلك والعمل به على صدور حكم من المحكمة
المختصة بشهر إفلاس التاجر، فلا يكفي أن يكون هناك تاجر متوقف عن دفع ديونه
التجارية بل يجب ايضاً أن يصدر حكم من المحكمة بشهر إفلاسه.
وخلافاً
للقاعدة العامة للأحكام من كون الحكم كاشفاً أو مقرراً لموضوع النزاع للحقوق
الموجودة من قبل، فالحكم في الإفلاس وإن كان مقرراً لحقوق جماعة الدائنين في
مواجهة التاجر المفلس فأن جانبه الأكبر منه منشئ كونه يضع التاجر المفلس في مركز
جديد.
وعليه فأن
فكرة الإفلاس في القانون اليمني تقوم على التوقف عن دفع الديون التجارية في مواعيد
استحقاقها, بغض النظر عن ما إذا كانت أمواله تتجاوز خصومه أو أن خصومه تتجاوز
أصوله.
من خلال التعريف المستقى من المادتين سالفتي الذكر, يمكن أن نستخلص أن الإفلاس نظام تتوفر فيه الامور التالية :
1- إن الإفلاس نظام خاص بالتجار دون غيرهم.
2- إن الإفلاس يكون بحكم قضائي اذا ظهر توقف
التاجر عن دفع ديونه.
3- إن الديون التي تجعل من التاجر مفلسا هي
الديون التجارية حالة الأداء، اما التوقف عن الديون التجارية المؤجلة ولم يحل أجل
الوفاء بعد فلا تجعل من التاجر مفلساً كونها معلقة على حلول الأجل كما أن التوقف
عن دفع الديون المدينة لا تجعله مفلساً أيضا.
مقارنة بين مفهوم الإفلاس في الشريعة الاسلامية, ومفهومة في القانون اليمني:
من خلال الاطلاع على جل التعاريف الفقهية التي أوردت عن الإفلاس ومع ما نص عليه القانون اليمني, تظهر لي اوجه الاتفاق والاختلاف بين ما وهو وارد في الفقه و ما وصل اليه المشرع اليمني, ويمكن بيان ذلك من وجهين :
الوجه
الأول : من خلال النظر إلى شخصية المفلس:
فمن خلال
الرجوع الى تحديد شخصية المدين في كلٍ من الإفلاس في الشريعة و القانون اليمني,
أجد ان المشرع التجاري قد علق نظام الإفلاس على شخصية المدين التاجر, وهو الشخص
المكتسب للصفة التجارية, والتاجر في القانون اليمني هو من أشتغل باسمه في معاملات
تجارية وهو حائز للأهلية الواجبة واتخذ هذه المعاملات حرفة له, وكذلك يعتبر تاجراً
كل شركة تجارية وكل شركة تتخذ الشكل التجاري، ولو كانت تزاول اعمالاً غير تجارية.
وعليه فشخصية المدين المفلس في القانون تشمل كل
شخص اكتسب الصفة التجارية لمزاولته احد الاعمال المنصوص عليها في القانون, وكل شخص
اعتباري اتخذ من الشكل التجاري او زاول اعمالاً تجارية, بخلاف ما ذهب اليه المشرع
المدني ما بيانه المفلس الذي وافق فقهاء الشريعة وذلك من خلال توسعهم في شخصية
المدين المفلس, حيث يكون المفلس من كان ماله أقل من الدين الذي عليه سوء أكان
تاجراً ام لا, فلم يتم تقيد شخصية المدين المفلس بصفته, فالغاية هي في اضطراب
المركز القانوني نتج عنه عجز حقيقي عن الوفاء, ومن خلال مضمون التوقف عن الدفع نجد
ان المشرع التجاري اليمني قد اقترب في وصفة للإفلاس كثيراً من الفقه الشافعي, من
ان شهر الإفلاس يكون بحكم قضائي والحنفي باعتبار ان الإفلاس يكون على الممتنع عن
الدفع بغض النظر عن حالته من حيث اليسار والإعسار, حيث ان الامتناع يكون سبباً في
ايقاع الإفلاس حتى وان كان مؤسراً, بخلاف المشرع المدني الذي اقترب في وصفة للمفلس
من الفقه الحنبلي كون الشخص لا مال له للوفاء بديونه
لم يخرج
المشرع اليمني عن أطار الاحكام الخاصة بالإفلاس التي وصل اليها الفقه, فما ان
يضطرب المركز القانوني للشخص وعجز عن أداء ديونه او امتنع عنها مع استحقاقها فلا
يعد مفلساً مالم يشهر إفلاسه, فإشهار الإفلاس يكون بمقتضى حكم يقضي بحجيته على
الكافة, وهذا ما ذهب اليه الفقه من منع الحاكم المفلس من التصرف, والغاية المرجوة
من ذلك تتمثل في تحقيق مصالح الدائنين في الوفاء بديونهم من مماطلة المفلس.
الحكمة من تقرير وشهر الإفلاس تتمثل في الآتي:
أولاً:
حماية جماعة الدائنين من المدين المفلس:
حيث أن
المدين المفلس يستطيع القيام بما من شانه الأضرار بالدائنين, مثل التنازل للغير او
بيع بقية امواله وبهذا تتمثل الحكمة من شهر الإفلاس, سواء في القانون او الشرع منع
المفلس من الاضرار بغيره من الدائنين, وبطلان تصرفاته حسب ما سياتي بيانه.
ثانياً
:حماية الدائنين من أنفسهم:
حيث ان علم
الدائن بعجز المفلس عن الوفاء بديونه او بمجرد علمه عن التوقف من دفع الديون,
يجعله يسارع في التنفيذ على بقية أموال المدين قبل غيره, فيتحصل بذلك على حقه
كاملاً دون بقية الدائنين, وبهذا تظهر الحكمة من تقرير الإفلاس حتى يمنع التسابق
بين الدائنين من التنفيذ على أموال المدين المفلس والخضوع لنظام واحد في توزيع
أموال المفلس بينهم قسمة غرماء, فتتحقق المساواة بين جميع الدائنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق