بحث في المساهمة بطريق التمالؤ
نصت المادة(21) على
حالة التمالؤ باعتبارها صورة من صور المساهمة وقد جعل النص المتمالئ فاعلاً
للجريمة من يحقق بسلوكه عناصر الجريمة ويشمل ذلك المتمالئ الموجود على مسرح
الجريمة وقت حدوثها...)
وقد ذكر النص شرطاً واحداً
للتمالؤ وهو الحضور في مسرح الجريمة وقت حدوثها ونظر لأن التمالؤ أصلاً
يعني الاتفاق – ولأن الحضور إلى مسرح الجريمة لابد أن يكون بقصد التنفيذ وإلا لكان
اشتراكاً تبعياً وليس أصلياً فإننا نرى أن التمالؤ يقتضي توافر شروط ثلاثة هي:
1- الاتفاق السابق على الاشتراك
في ارتكاب الجريمة وهذا هو جوهر التمالؤ ومنه أخذت هذه الصورة من صور المساهمة
اسمها.
2- الوجود الفعلي في المكان
الذي وقعت فيه الجريمة وفي زمن وقوعها وهذا هو الذي يميز التمالؤ عن الاتفاق
المجرد الذي هو التأمر.
3- الاستعداد لمباشرة العمل
التنفيذي للجريمة وهذا هو ما يميز التمالؤ عن الاشتراك المجرد الذي هو المساعدة .
وبيان هذه الشروط هو بيان
لأحكام التمالؤ جميعاً باعتبارها أركان التي يقوم عليها:
أولاً: شرط الاتفاق:
والاتفاق يعني أن تلتقي
أرادات المساهمين على ارتكاب الجريمة وأبرز صورة له أن يلتقي المساهمون فيعقدون
العزم على التعاون على ارتكاب الجريمة – أي أن يتآمروا على ذلك العمل ويخططوا له
قبل البدء فيه وأدنى صور الاتفاق أن يكون كل واحد من هؤلاء المساهمين عالماً بأنه
ليس وحده معنياً بارتكاب الجريمة- أي أنه يعمل بأنه يفعل الفعل مع غيره – ولا يلزم
بالضرورة أن يجلس المساهمون في مجلس واحد يتآمرون على ارتكاب الجريمة أو يخططون
لها وإن كان ذلك هو الأصل أنما يكفي – أن يحسب ويعلم كل واحد منهم بأنه لا يرتكب
الجريمة بمفرده وإنما يرتكبها مع غيره فإذا انتفى هذا للعلم فلا يصح القول بوجود
اتفاق حتى وأن وجد المساهم نفسه يفعل مع غيره وإنما هو توافق او مصادقة.
وليس من شروط العلم الذي
يقوم به الاتفاق أن يكون المساهم محيطن بعدد الأشخاص الذين يشتركون معه أو نوع
الدور الذي يقوم به كل واحد منهم.
والعلم حالة شخصية يجب
توافرها لدى المساهم ذاته ومن ثم فلا يغني عنها علم الآخرين بوجوده معهم إن كان هو
غير عالم بوجودهم معه وهذا يعني أنه يصح أن يشترك عده أشخاص في ارتكاب الجريمة
فيتوافر شرط الاتفاق في حق بعضهم دون البعض الأخر كان يعلم بعض الأشخاص بعزم فلان
على ارتكاب جريمة معينة فيذهبون لمعاونته ومعاضدته وهو لا يعلم بوجودهم معه ولا
يحس بمشاركتهم – فيكونون هم متفقون على تلك الجريمة ولا يكون هو طرفاً في ذلك
الاتفاق لجملة به.
المرجع: النظرية العامة
للجريمة د/علي الشرفي ط2005م من صـ304-305-306
والأصل في الاتفاق أن يكون
سابقاً على ارتكاب الجريمة ولكن ذلك لا يعني أنه لابد من أن يكون بينه وبين البدء
فيها زمن معين إذ يصح أن يكون قبل البدء مباشرة بل يصح أن يتوافر حال البدء في
التنفيذ وصورته أن يذهب شخصان لارتكاب جريمة واحدة دون اتفاق سابق وعند البدء في
تنفيذها يجد كل واحد منهما نفسه ينفذ مع زميله –فتلتقي إرادتهما على ذلك ويمضيا
معاً في التنفيذ.
ثانياً: شرط الوجود في مكان
وزمان حدوث الجريمة:
ويعني هذا الشرط ان يكون
المساهم حاضراً في مكان ارتكاب الجريمة ساعة ارتكابها والحضور بهذا المعنى قضية
واقعية يكفي لقيامها الوجود الفعلي في مسرح الجريمة وزمن الحضور قضية واقعية كذلك
أي أن يتوافر حضوره الفعلي في ذات الزمن الذي تقترف فيه الجريمة.
ويعتبر الجريمة مرتكبه في كل
لحظة تم فيها الفعل التنفيذي لها كله أو بعضها، ومن ثم يكفي لقيام شرط الوجود أن
يكون الحضور قد تم في أي مرحلة من مراحل ارتكاب الجريمة مادام فعلها التنفيذي لم
ينته بعد – فإن كان قد انتهي فلا قيمة لذلك الحضور أي لا يقوم به شرط الوجود
المطلوب لقيام حالة المساهمة بالتمالؤ – وذلك لأن المساهمة بهذه الصورة يقتضي
الحضور الذي تصح به المشاركة في ارتكاب الجريمة أي في اقتراف فعلها التنفيذي- فإن
كان قد تم اقترافه فإن المشاركة فيه بعد ذلك تكون مستحيلة – ولا يقدح في صحة هذا
القول أن يكون الحضور اللاحق قد ساعد على إخفاء معالم الجريمة أو محو أدلة
إثباتها- أو إخفاء أجسامها لأن كل ذلك ليس جزء من الجريمة وإنما هو جريمة أخرى
قائمة بذاتها.
المرجع: السابق صـ306
ومن جهة أخرى فإن الحضور
السابق على ارتكاب الجريمة لا يكفي لقيام حالة المساهمة مادام قد انتهى قبل البدء
في التنفيذ.
ولا يغني عن ذلك أن يكون
الشخص قد قام بعمل مسهل لارتكاب الجريمة أو ممهد لوقوعها ولو كان ذلك العمل قد تم
حسب الخطة المتفق عليها بينه وبين زملائه المساهمين.
فالذي يداهم المجني عليه
فيشد وثاقه أو يحبسه ثم يغادر المكان ويأتي زملاؤه بعد ذلك – حسب الخطة المتفق
عليها معهم لتنفيذ جريمة القتل أو الزنا أو نحو ذلك فإنه لا يعتبر متمالئاً معهم لكون التمالؤ يقتضي الحضور
على هيئة تمكن الشخص من مباشرة ارتكاب الجريمة مع غيره ساعة الاحتياج إليه- أي
تجعله مستعداً للمساهمة المباشرة فيها عند اللزوم – كما سيأتي في الشرط الثالث من
شروط التمالؤ.
* مكان ارتكاب الجريمة:
والمكان
الذي يشترط الوجود فيه هو كل بقعة يقع فيها العمل التنفيذي للجريمة كله أو بعضه
ولا أهمية لوصف هذا المكان أو طبيعته أو حالته إذ يكفي فيه أنه مسرج للجريمة ولكنه
لابد أن يكون صالحاً لأن تتم فيه الأعمال
التنفيذية وما تستلزمه من ممهدات ومسهلات ومتممات.
فإذا
كانت جريمة السرقة قد تمت في منزل واقع في وسط الحقل فإن مكان ارتكاب الجريمة ليس
قاصراً على خزانة المنزل ولا على المنزل كله بل أنه يشمل ما يلحق من الأماكن التي
يوجد فيها المنفذون لعملية السرقة ومن ثم يعتبر موجوداً في مكان أرتكاب هذه
الجريمة ذلك الشخص الذي يقف على أطراف الحقل أو على اسواره يحرس رفاقه وهم يخرجون
المال المسروق ومثل ذلك لو أن الذي تم في ذلك المنزل هو جريمة قتل أو أغتصاب أو
حريق أو نحو ذلك.
والحجة
في هذا التفسير هي أن أي مكان يتمكن فيه الشخص من المساحة التنفيذية في أي فعل من
الأفعال المكونة للجريمة فهو داخل في مكان حدوثها ولو لم يفعل الموجود فيه شيئاً
من ذلك ما دام كان يقدر سبب موقعه المكاني أن يفعل ذلك كما أن كل مكان لا
يستطيع الشخص بوجوده فيه أن يفعل شيئاً من أعمال التنفيذ فإنه يكون خارج عن مسرح
الجريمة مهما كان قربه من موقع الحادث " التنفيذ".
وهذا
يعني أن الضابط الذي يحدد مسرح الجريمة ويكون الحضور منشئاً لركن التمالؤ لا يقاس
بالقرب أو البعد عن موقع التنفيذ وإنما يقاس بقدره الواقف فيه على المشاركة في
أفعالها التنفيذية وهذا التجديد هو الذي يتفق في أفعالها التنفيذية
وهذا التحديد هو الذي يتفق مع العلة التي من أصلها صار الحضور إلى مكان ارتكاب
الجريمة ركناً في التمالؤ.
ثالثاً: شرط الاستعداد
لمباشرة الجريمة:
لا
يكفي الوجود الفعلي في مكان ارتكاب الجريمة لقيام التمالؤ ولو كان الموجود قد حضر
تنفيذاً لخطة سابقة بينة وبين زملائه المقترفين للجريمة بل ولو كان حضوره أمراً
لاغنى عنه في تقديره وتقدير زملائه كأن يكون قد أوكل اليه دور الرقيب أو المموه أو
المشجع وإنما لا بد ان يقترن ذلك الوجود الفعلي نية المشاركة في الأعمال
التنفيذية للجريمة وأن يجعل العملية الإجرامية القائمة قضية التي لا يمكنه تركها
أو التراجع عنها وأنه وإنما جاء ليقترن الجريمة لا ليقوم بعمل ثانوي متعلق بها.
وهذا
يعني أن المتمالئ إما أن يباشر العمل التنفيذي للجريمة وإما أن لا يباشر وفي هذه
الحالة الأخيرة يكون عدم المباشرة راجعاً إلى كونه قد أكتفى بمباشرة غيره ومن ثم
فلا يزال مستعداً للمباشرةً إن لزم الأمر بحيث لو ترك المباشر أو تراجع أو لم تكتف
مباشرته فإنه لا يتردد في مباشرة العمل التنفيذي فهو مستعد للمضي في العمل
الأجرامي إلى نهايته حتى لو تركه زملاؤه.
وهذا
يعني أنه لو أتفق المساهمون في الجريمة على توزيع الأدوات بينهم وكان نصيب أحدهم
القيام بدور الحراسة أو التموية أو الهاء الحارس أو جلب السلاح أو قطع خطوط
الإتصال أو نحو ذلك وعلم أن لا شأن له بالعمل التنفيذي للجريمة فإنه لا يكون
متمالئاً أي لا يكون مساهماً في تلك الجريمة بطريق التمالؤ وإنما يكون متمالئاً
إذا علم ان هذا الدور هو دور ثانوي وأنه مطلوب منه إلى جانب ذلك المساهمة الفعلية
في الجريمة إذا لزم الأمر بحيث يظل منتظراً الإشارة لينطلق في الوقت المناسب
ليرتكب العمل التنفيذي للجريمة وأنه إنما أقتصر على ذلك الدور الثانوي وإن اقتصر
عليه فقط لاستغنائه بزملائه المعضودين بوجوده وأنه يقف مستعداً في صورة قوة
احتياطياً للإنطلاق عند الحاجة.
التمالؤ لا يكون في جرائم الخطأ:
فلا
يصح الحديث عن التمالؤ إلا إذا كانت الجريمة عمدية أو على الأقل شبه عمدية وذلك
لان المتمالئ لا بد أن يتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة ولا بد أن تنفذ الجريمة
بناء على هذا الإتفاق ولا بد أن يكون المتمالئ مستعداً لارتكاب الجريمة مباشرة
وهذا كله يؤكد صفة العمدية ومع ذلك قد تقف الجريمة عند حد الشروع والشروع جريمة
عمدية يكون المتمالئ شريكاً في جريمة الشروع وقد تكون النتيجة التي تحققت أشد مما
كان يقصده الجناة ومنهم المتمالئ فتكون الجريمة شبه عمد ويكون المتمالئ شريكاً
فيها بهذا الوصف فإن كانت خطأ فلا يصح فيها التمالؤ.
ومن
جهة آخر فإن التمالؤ لا يكون إلا اشتراكاً إلى جانب مباشر أو مباشرين أو إلى جانب
متسبب ولا يكون المتمالئ فاعلأ منفرداً قط لأن التمالؤ بالصورة التي شرحتها يقتضي
عدم المباشرة أي انه يقتضي مجرد الحضور مع الاستعداد النفسي للفعل دون أن يقع منه
ذلك الفعل إذ لو وقع لكان مباشراً وليس متمالئاً والحضور مع الاستعداد لا يحقق
شيئاً فلو وقف الأمر عنده لما وقعت الجريمة ولذا أصح أنه لا بد أن يتولى غير
المتمالؤ تنفيذ الجريمة- سواء كان بمباشرة أو بالتسبيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق