بحث الاشتراك والتمالؤ في جريمة القتل
عُرف الشريك في جريمة القتل بما نصت عليه المادة ( 23) من قانون
العقوبات اليمني رقم (12) لسنة 1994م.
" الشريك هو من يقدم للفاعل مساعدة تبعية بقصد ارتكاب الجريمة
وهذه المساعدة قد تكون سابقة على التنفيذ أو معاصرة له، وقد تكون لاحقة متى كأن
الاتفاق عليها قبل ارتكاب الجريمة ، اما المساعدة اللاحقة التي لم يتفق عليها قبل
ارتكاب الجريمة كالإخفاء فيعاقب عليها
كجريمة خاصة "
وقد حدد القانون نفسه عقوبة الاشتراك في القتل م (24) في الجرائم
التعزيزية " من ساهم في الجريمة بوصفه فاعلاً أو محرضاً أو شريكاً يعاقب بالعقوبة
المقررة لها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك غير أنه إذا اختلف قصد مساهم في
الجريمة عن قصد غيره من المساهمين عوقب كل منهم حسب قصده " .
وقد ذكر فقهاء الشريعة الإسلامية أنه يجب قتل الجماعة بالواحد، سداً
للذرائع ، وعملاً بما رآه الصحابة تأييداً لفعل عمر: وهو أن امرأة بمدنية صنعاء
غاب عنها زوجها ، وترك عندها ابناً له من غيرها ، فاتخذت لنفسها خليلاً , فقالت له
، إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله ، فأبي ، فامتنعت منه فطاوعها ،فاجتمع على قتل
الغلام خليل المرأة ، ورجل أخر والمرأة وخادمها ، فقطعوا أعضاء وألقوا به في بئر ،
ثم ظهر الحادث، وفشا بين الناس ، فاخذ أمير اليمن خليل المرآة فاعترف ، ثم اعترف
الباقون ، فكتب إلى عمر بن الخطاب ، فكتب إليه عمر ، أن اقتلهم جميعاً ، وقال : (
والله لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم جميعاً ). ([1])
·
القتل بالاشتراك
في بعض الأحوال والتمالؤ: يُقتل المتسبب مع المباشر ، كحافر بئر لشخص معين ، فردّاه فيها ، ومكِره مع
مكَره لتسبب الأول ومباشرة الثاني ، أو يقتل أب أو معلم لتعليم القران أو الصنعة ،
أمر كل منهما صبياً بقتل إنسان فقتله ، ولا يقتل الصغير لعدم تكليفه ، ولكن على
عاقلة الولد الصغير نصف الدية وان كان المأمور
كبيراً قتل وحده إن لم يكن مكرهاً ، فان كان مكرهاً قُتلا معاً كما تقدم ، ويقتل
سيد أمر عبده بقتل حر فقتله ، ويقتل العبد أيضاً أن كان كبيراً ، لأنه مكلف .
ويقتل شريك صبي دون الصبي أن
تمالاً معاً على قتل شخص، وعلى عاقلة الصبي نصف الدية ، لأن عمده كخطئة فإنه لم
يتمالأ على قتله وتعمدا القتل، أو تعمده الكبير فقط، فعليه: اى: الكبير نصف الدية
في ماله، وعلى عاقلة الصغير نفسها، فإن كان القتل خطأ من الاثنين أو من الكبير،
فعلى عاقلة كل منهما نصف الدية.
·
والتمالؤ:
التعاقد والاتفاق وهو قصد الجميع قتل شخص وضربه ، وحضورهم وإن لم يباشره إلا أحدهم، لكن مع
استعداد اى واحد لمباشره القتل ، فإذا لم يباشر هذا لم يتركه الأخر ، فلو تمالأ اثنان
فأكثر على قتل شخص واحد ، أو تعمدوا الضرب له ، وضربوه ، ولم تتميز الضربات أو
تميزت وتساوت قتل الجميع ، والا بأن تميزت الضربات ، وكان بعضهم أقوى بان كان شأنه
إزهاق الروح ، قدًِّم الأقوى ضرباً في القتل دون غيره إن علم ، فإن لم يعلم قتل
الجميع ، والحاصل أن التمالؤ موجب لقتل
الجميع وان وقع الضرب من البعض ، أو كان
الضرب حتى مات بنحو سوط أو يد أو قضيب ، وأما تعمد الضرب ، بلا تمالؤ فإنما يوجب
قتل الجميع إذا لم تتميز الضربات أو تميزت وتساوت ،أو لم تتساوت ، ولم يعلم صاحب
الضرب الأقوى والأقدام ، وهذا إن مات المجني عليه أو صار منفوذ المقاتل .
ولا يقتل شريك المخطئ وشريك المجنون، بل عليه نصف الدية في ماله، إن
تعمد القتل، وعلى عاقلة المخطئ أو المجنون نصف الدية الأخر، فإن لم يتعمد الشريك
القتل فيكون نصف الدية على عاقلته.
* وهناك قولان في القصاص من الشريك في مسائل أربع، وهي ما يلي : ـ
ـ شريك سُبع أنشب أظفاره في الشخص بالفعل، ثم جاء إنسان فأجهز عليه،
نظراً لتعمده قتله .
ـ وشريك جارح نفسه جرحا يكون عند الموت غالباً، ثم ضربه مكلف قاصداً قتله
، نظراً لقصده.
ـ وشريك حربي لم يتمالا معه على قتل شخص، فإن تمالا معه إقتص من
الشريك قطعاً.
ـ وشريك المرض بعد الجرح: بأن
جرحه شخص، ثم حصل للمجروح مرض ينشأ عند
الموت غالباً، ثم مات، ولم يدر، أمات من الجرح أو من المرض ؟
هذه المسائل الأربع فيها قول القصاص ، وقول بعدم القصاص ولكن على
الشريك نصف الدية في ماله ويحبس عاماً، ويكون القول بالقصاص في المسائل الأربع بالقسامة،
والقول بنصف الدية بلا قسامة، والراجح في شريك المرض القصاص في العمد، والدية في
الخطأ بالقسامة ([2])
. هذه حددت بإحدى أنواع القتل العمد الموجبة للقصاص من قبل مؤلف الكتاب.
كما حدد من أنواع القتل العمد – اجتماع المباشر والمتسبب: إذا أجتمع
المباشر والممسك في القتل، فالقصاص عليهما معاً، فيشارك القاتل والممسك في الضمان
أو القصاص، لتسبب الممسك ومباشرته القاتل.
ومثله الدال الذي لولا
دلالته ما قتل المدلول عليه ، قياسا على الممسك ، ومثله أيضا الحافر والمردي يقتص
من الاثنين معاً.([3])
وقد ذكر الأمام أحمد بن يحيى المرتضى في كتابه شرح الأزهار المجلد
الرابع في قتل جماعة بواحد إذا اجتمعوا على قتله وروى في شرح الإبانة عن الناصر
والصادق والباقر والإمامية أنه لا يقتل إلا واحد يختاره ولي القتيل ثم تؤخذ من
الباقين حصتهم من الدية لورثة شريكهم الذي قتل قصاصا وكذلك تقطع أيديهم وإنما تقطع
أيديهم الكل إذا اجتمعوا كلهم في قطع يده كلها نحو أن يحزوها بالسيف أو السكين
كلهم حتى يقطعوها كما لا تقطع يدان بيد وكذا سائر الأعضاء، وعلى القاطعين دية
المقطوعة ويجب على كل منهم دية كاملة أن طلبت وعفى الولي عن القصاص وأكثر العلماء
لا تجب إلا دية واحدة وذلك حيث مات بمجموع فعلهم مباشرة أو سراية أو بالانضمام
ولذلك ثلاث صور:
·
الأولى: أن
تكون كل جناية لو انفردت قتلت بالمباشرة لكنها وقعت في وقت واحد وان وقعت مترتبة
قتل الأول فقط وحكم لجناية من بعده لأنها على من هو كالميت.
·
الثانية: أن
تكون كل واحدة قاتلة في العادة بالسراية لكنها اتفقت فقتلت جميعا بالسراية حيث مات
بمجموعها لا لو كانت سراية أحدها اقرب إلى الموت فهو القاتل ويلزم الآخر أرش
الجراحة .
·
الثالثة: أن
تستوي في أن كل واحدة منها لو انفردت لم تقتل سواء وقعت جنايتهم معا أو مترتبة وإنما
قتلت بانضمامها وسواء وقعت في حالة واحدة أو مترتبة .
فهذه الصور كلها حكمها واحد فمتى استوت
جنايات الجماعة في تأثيرها في الموت لزمهم القود .([4])
وقد ذكر الإمام المجتهد العلامة
محمد بن علي الشوكاني في كتابه نيل الأوطار في باب من أمسك رجل وقتله آخر ونحن
سنذكر ما قال من باب أنه كشتراك أو مساهمة في القتل حيث روى عن أبن عمر عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال ( إذا أمسك الرجل الرجل، وقتله الآخر، يُقتل الذي قتل
، ويُحبس الذي أمسك ).رواه الدار قطني.
واستدلوا بقول الله تعالى ( فمن أعتدي
عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ). صدق الله العظيم.
وحكى في البحر أيضا عن النخعي ومالك
والليث أنه يقتل الممسك كالمباشر للقتل لأنهما شريكان إذ لولا الإمساك لما حصل
القتل.([5])
وفي كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام
الشافعي ذكر في اشتراك جماعة بقتل شخص واحد من المسلمين وذلك بأن كان عمل كل واحد منهم ـ لو أنفرد ـ مزهقاً للروح وقاتلاً،
ثبت القصاص على كل واحد من أولئك المشتركين في قتله.
أما إذا جرحه واحد منهم، وكان الجرح غير قاتل ، ثم قتله الأخر ، فأجهز
عليه ، كان الثاني هو القاتل ، وثبت عليه القصاص ، وأما الجارح الأول ، فعليه ما
يستحق من قصاص جرح ، أو ديته ، ولو جرحه احدهما جرحاً ، فأنهاه إلى حركة مذبوح ، وذلك
بأن لم يبق معها إبصار ، ولا نطق ولا حركة اختيار ، وأصبح يقطع بموته من ذلك الجرح
، ولو بعد أيام ، ثم جنى عليه شخص أخر فالأول هو القاتل لأنه ، صيره إلى حالة
الموت .
ويعزر الثاني لهتكه حرمة الميت، كما لو قطع عضواً من ميت .
واستدلوا بعدة أدلة منها: ـ
أ ـ قصة الغلام الذي قتل في صنعاء وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه
" لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلهم " ورواية لوتمالأ عليه
أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً " ومعنى التمالآ : اى الاتفاق والتواطئ على قتله .
ب ـ إن حد القذف يثبت للواحد على الجماعة إذا اشتركوا في قذفه ،
فكذلك ينبغي أن يثبت قصاص القتل للواحد على الجماعة إذا صدر من كل منهم من العدوان
عليه ما لو إنفرد به لكان قاتلاً بحسب الظاهر، لعدم الفرق بين الصورتين .
ج ـ يتعين القصاص من الجميع سداً للذرائع ، فإن المعتدي إذا علم أن
الشركة في العدوان تنجيه وتنجي المشركين من القصاص التجأً إليها لإنفاذ جريمته ،
والفرار بعد ذلك من القصاص .
قال ابن قدامه: ولأن القصاص لو سقط بالاشتراك أدى إلى التسارع إلى
القتل به ، فيؤدي إلى إسقاط حكمة الردع والزجر .
·
اجتماع
المباشر والسبب في القتل: ـ
إذا اجتمع في القتل الواحد المباشر
والسبب، فتارةً يُقدم السبب على المباشرة فيقتص من المتسبب ، وتارة تقدم المباشرة
على السبب فيقتص من المباشر .
وقد يستوي السبب والمباشرة.
ونستخلص من هذا كله: أن جمهور
فقهاء الأمصار قالوا: تقتل الجماعة بالواحد ، منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري
واحمد وأبو ثور وغيرهم ، سواء كثرت الجماعة أو قلت ، وبه قال عمر ، حتى روي أنه
قال ، لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً ، وقال داود وأهل الظاهر : لا تقتل
الجماعة بالواحد ، وهو قول ابن الزبير ، وبه قال الزهري : وروى عن جابر. وكذلك عند
هذه الطائفة لا تقطع أيد بيد ( أعني: إذا اشترك اثنان فما فوق ذلك في قطع يد ).
وقال مالك والشافعي: تقطع الأيدي باليد،
وفرقت الحنفية بين النفس والأطراف فقالوا: تقتل الأنفس بالنفس، ولا يقطع بالطرف إلا
طرف واحد، فعمدة من قتل بالواحد الجماعة : النظرُ إلى المصلحة ، فإنه مفهوم أن
القتل إنما شرع لنفي القتل ، كما نبه عليه الكتاب في قوله تعالي : " ولكم في
القصاص حياة يا أولي الألباب " وإذا كان ذلك كذلك فلو لم تقتل الجماعة
بالواحد لتذرع الناس إلى القتل بأن يتعمدوا قتل الواحد بالجماعة ، لكن للمعترض أن
يقول : إن هذا إنما كان يلزم لو لم يقتل من الجماعة أحد ،.
فأما إن قُتل منهم واحد، وهو الذي
مِن قُتله يُظنّ إتلاف النفس غالباً على
الظن ، فليس يلزم أن يبُطل الحد حتى يكون
سبباً للتسليط على إذهاب النفوس .
هذا وبالله التوفيق والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق