بحث عن جريمة إصدار شيك بدون رصيد
أ ـ ماهية الشيكات والغرض منها
يعتبر الشيك أداة وفاء فقط فهو وسيلة للوفاء بالدين الذي للمستفيد عند الساحب ، والشيك يقوم بوظيفة الوفاء كلما تم تداوله من شخص إلى أخر ولو أن الوفاء لابد أن يقع في نهاية الأمر بالنقود عندما ينعدم الحامل الأخير للشيك إلى البنك للمطالبة بالوفاء سواءً أتم هذا الوفاء نقداً عن طريق القيود الكتابية غير أن هذا الوفاء لا يقع إلا مره واحده ويغنى عن استعمال النقود مرات عديدة ولتحقيق هذه الوظيفة يكون الشيك مستحق الوفاء دائماً بمجرد الإطلاع عليه وكل بيان مخالف لذلك يعتبر كأنه لم يكن.
والشيك لا يستطيع أن يقوم بوظيفته كأداة وفاء إلا إذا اطمأن الدائن إلى وجود رصيد كاف للوفاء بمبلغه عند المسحوب عليه ، فالثقة والحال كذلك أساس التعامل بالشيكات ، وشرط لذيوع استعمالها وقد أراد المشرع تدعيم هذه الثقة والحال فنص على عقوبات جزائية تتضمن وجود هذا الرصيد (1)
هل الشيك تجارياً أم مدنياً
لقد اختلف الراى بين شراح القانون فيما إذا كان الشيك يعد عملاً مدنياً أم عملاً تجارياً ورجع القول بالرجوع إلى طبيعة العمل الذي من اجله صدر الشيك فإذا كان العمل تجارياً عد الشيك تجارياً وان كان العمل مدنياً اعتبر الشيك كذلك مدنياً ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الان هل يؤثر اعتبار الشيك عملاً مدنياً أم تجارياً في توافر أركان الجريمة المنصوص عليها في المادة (311) من قانون الجرائم والعقوبات ؟
أن المقياس انف البيان في تحديد طبيعة الشيك يقتضى الرجوع إلى ذات العملية التي حرر من اجلها، غير انه ينافي الخاصية التي يتميز بها الشيك من كونه العملية التي حرر من اجلها ، غير انه ينافي الخاصية التي يتمييز بها الشيك من كونه أداة وفاه تقوم مقام النقود وأنها توجب بالضرورة سهولة تداوله دون خشية من الآثار التي تترتب على العملية تجاريه كانت أم مدنية (2)
ومن ثم فانه يتعين إسقاط صفة الشيك التجارية أو المدنية في صدد تطبيق هذه المادة.
جريمة استصدار شيك بدون رصيد
نصت المادة (311) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني على انه ( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة من أعطى شيك وهو يعلم بأنه ليس له مقابل وفاء كان وقابل للتصرف منه أو استرد بعد إعطائه كل المقابل أو بعضه بحيث لا يفي بقيمته أو أمر المسحوب عليه بعدم الدفع ........... ولا تقع إلا إذا لم يسدد الفاعل قيمة الشيك لحائزه خلال أسبوع من تاريخ إعلانه بالسداد )
كما نصت المادة (53) تجاري (( لا يجوز إصدار شيك ما لم يكن للساحب لدى المسحوب عليه وقت إنشائه نقود يستطيع التصرف فيها بموجب شيك طبقاً لأتفاق صريح أو ضمني .........))
ومن هذين النصين يتضح لنا أن الركن المادي لهذه الجريمة يتكون من عنصرين
1) إصدار شيك
2) عدم وجود وفاء قابل للصرف لحظة الإصدار
أن إصدار شيك يفترض أمرين تحرير شيك أي الخلق المادي له وطرحه في التداول بتسليمه للمستفيد وبهذا تتحقق العلة من التجريم والمتمثلة في الاعتداء على الثقة التي أراد المشرع أن يوفرها لهذا الصك لدى من يتداول بينهم ، ويشترط في التسليم أن يكون بينه نقل حيازة الشيك الكامل للمستفيد وهو ما يفيد طرح الشيك للتداول (3)
أما العنصر الثاني فالمقصود فيه هنا أن الجريمة تقع طالما لا يوجد لدى المسحوب عليه لحظة إصدار الشيك مبلغ نقدي كافٍ للوفاء بكل قيمة الشيك وقابل للصرف وبناءً على ذلك تقع الجريمة في ثلاث حالات
1) إلا يكون للساحب أي رصيد لدى المسحوب عليه لحظة إصدار الشيك ويرجع انعدام الرصيد إلى أن الساحب ليس دائناً للمسحوب عليه نظراً لانه سبق أن سحب كل المبالغ الموجودة في حسابه لدى البنك أو انه أصدر شيكات أخرى تم صرفها واستغرقت كل المبالغ الموجودة بالحساب ، قبل أن يصدر الشيك موضوع الجريمة
2) أن يكون للساحب رصيد لدى المسحوب عليه ، ولكنه لا يكفي للوفاء بكل قيمة الشيك لحظة الإصدار ، وفي هذه الحالة تقوم الجريمة حتى ولو قبل المستفيد الحصول على القدر من الرصيد المتوافر لدى البنك.
3) أن يكون هناك رصيد كاف للوفاء بكل قيمة الشيك لحظة الإصدار ومع ذلك يكون الشيك غير قابل للصرف . ويكون الشيك غير قابل للصرف رغم وجود مقابل وفاء كاف في أحوال عديدة . منها أن يكون الرصيد محجوزاً عليه، أو يكون الساحب محظوراً عليه التصرف فيه بسبب الحكم عليه بعقوبة جنائية أو سبب الحجز عليه أو اشهار إفلاسه . (4)
كما تفترض هذه الجريمة أن الشيك كان يقابله رصيد كاف للوفاء بقيمته لحظة الإصدار وقابل للصرف ولكن الساحب بعد أن أصدر الشيك استرد كل أو بعض الرصيد أو تصرف فيه بحيث أصبح الباقي غير كافٍ للوفاء بقيمة الشيك كاملة والمشرع أراد أن يوفر الثقة الكاملة في الشيك كاداة وفاء بمجرد الإطلاع لدى من يتداول بينهم ، وحتى تتوفر هذه الثقة لا يكفي أن يكون الشيك مقابل وفاء كاف وقابل للصرف لحظة الإصدار وإنما يتعين أن يظل هذا المقابل قائماً لحين تقدم المستفيد للبنك وحصوله عليه (( إذ يتعين أن يمثل الشيك هذه الثقة بدء من لحظة إصداره حتى لحظة قبض مبلغه ، فسحب الرصيد في أي لحظة سابقة على ذلك يعادل من حيث الإخلال بالثقة فيه، إصداره ابتداءً بدون رصيد))
وقد قررت محكمة النقض المصرية(5) أن إلتزام الساحب بتوفير الرصيد قائماً إلى حين تقديم الشيك وصرف قيمة بصرف النظر عن شخص المستفيد أو مصيره.(6)
الحماية القانونية للمستفيد في الشيك :
وتتمثل هذه الحماية بالعقوبات الجزائية فقد تضمن المشرع اليمني صور التجريم عند التعامل بالشيكات في المادة (805) في القانون التجاري حيث نصت على (كل من إصرار وثبت بسوء نية شيكاً لا يكون له مقابل وفاء قائم وقابلاً للسحب أو يكون له مقابل وفاء اقل من قيمة الشيك وكل من استرد بسوء نية بعد إعطاء الشيك مقابل الوفاء أو بعضه بحيث أصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك أو أمر وهو سيئ النية المسحوب عليه الشيك بعدم دفع قيمته يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد عن سنه وبغرامة لا تقل عن 10% من قيمة الشيك أو بإحدى هاتين العقوبتين.)
فصور التجريم تتمثل بإعطاء الساحب شيكاً ليس له مقابل وفاء (( رصيد دائن )) قائم وقابل للسحب أو كان الرصيد ( مقابل الوفاء ) اقل من قيمة الشيك، أو سحبه بعد إعطاء الشيك كل الرصيد أو بعضه بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك أو أمر المسحوب عليه الشيك بعدم الدفع ، والعنصر الذي يجمع بين مختلف هذه الصور هو أن المستفيد من الشيك لا يستطيع أن يقتضي قيمته بسبب مرجعه إلى الساحب أما لعدم وجود مقابل الوفاء أو لعدم كفايته أو لاسترداده هذا المقابل لأمر صادر منه بعدم الوفاء
ـ وتنص المادة (806) (( إذا أقيمت على الساحب دعوى جزائية طبقاً لأحكام المادة السابقة جاز لحامل الشيك الذي ادعى بالحق بالمدني أن يطلب من المحكمة الجزائية أن تقضي له مبلغ يعادل المقدار غير المدفوع من قيمة الشيك والفوائد القانونية عن هذا المقدار محسوبة من يوم تقديم الشيك للوفاء مع التعويضات التكميلية عند الاقتضاء،وتقوم النيابة العامة أو من يقوم مقامها بنشر أسماء الأشخاص الذي تصدرعليهم أحكام بالإدانة طبقاً للمادة السابقة في الجريدة الرسمية مع بيان مهنهم ومواطنهم ومقدار العقوبات المحكوم بها عليهم ))
3/ تنص المادة (807) (( يعاقب بغرامة لا تزيد عن 50 ألف ريال كل مسحوب عليه رفض بسوء قصد وفاء شيك مسحوب عليه صحيحاً على خزائنه وله مقابل وفاء ولم يتقدم بشأن أية معارضة وهذا مع عدم الإخلال بالتعويض المستحق للساحب عما أصابه من ضرر سبب عدم الوفاء وعما لحق أئتمانه من آذى))
4/ وتنص المادة(808) (( يعاقب بغرامة لا تزيد عن 50الف ريال كل مسحوب عليه صرح كتابة عن علم بوجود مقابل وفاء وهو اقل مما لديه وذلك مع عدم الإخلال بتوقيع أية عقوبة اشد منصوص عليها في قوانين أخرى ))
5/ وتنص المادة (809) يعاقب بغرامة لا تزيد عن عشرة إلف ريال:
1) كل من أصدر شيكاً لم يؤرخه أو ذكر فيه تاريخاً غير صحيح بسوء نية
2) كل من سحب شيكاً على غير بنك
3) كل من وفى شيكاً ليس له مقابل وفاء كامل سابق على سحبه وذلك مع عدم الإخلال بالأحكام المنصوص عليهما في المادتين 805/806))
6/ تنص المادة(810) (( يجب على كل مصرف لديه مقابل وفاء ومسلم لدائنه دفتر شيكات على بياض للدفع بموجبها من خزانته أن يكتب على كل شيك منها اسم الشخص الذي تسلمه وكل مخالفة لحكم هذه المادة يعاقب عليها بغرامة لا تزيد عن (5) خمسة ألف ريال)) .
أن مختلف الصور التي وردت في المواد السابقة والتي تتعلق بالعقوبات الجزائية الخاصة بالشيك تكاد تنحصر في موضوع رئيسي هام هو مقابل الوفاء للشيك
وذلك لان مقابل الوفاء بالشيك عبارة عن دين نقدي للساحب في ذمة المسحوب عليه لأي سبب كان قابل للصرف فيه ومساوي بألاقل قيمه الشيك ، وهو الذي يقتضي من حامل الشيك أو المستفيد المبلغ المحرر به والذي يشترط فيه أن يكون ديناً نقدياً أي مبلغاً في النقود قائماً وقابلاً للسحب لان الشيكات تقوم مقام النقود في الوفاء . لقد استعمل المشرع لفظ سوء النية في المادة (508) حيث تتحقق هذه الجريمة بمجرد إعطاء الشيك الذي ليس له مقابل وفاء ويتحقق القصد الجنائي بما يصدر من أعمال لاحقه للسحب كاستراد الساحب لمقابل الوفاء كله أو جزء منه مسئوليته تتحقق في توجهة الشخصي إذ يوجه الساحب أرادته نحو الفعل عن علم وأراده فهو يدرك أن الفعل من شانه ترتيب النتيجة التي يجرمها القانون ومع ذلك يوجه أرادته إليه راغباً في تحقيقها ........الخ الأحكام التي جاءت في المواد السابقة ولا تنتفي الجريمة في أي حال من الأحوال لان المحكمة في هذه النصوص ليست لحماية المستفيد فقط وإنما رعاية الثقة في الشيكات (7)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق