تنص المادة (١٨٣) من القانون المدني على أنه:«كل عقد قصد
به الحيلة لإخفاء عقد حقيقي فالعبرة بالعقد صحة وبطلانا»
والحيلة
في الشرع هي المخادعة وهي الاحتيال والمراوغة بإظهار أمر جائز ليتوصل به إلى أمر
محرم ببطنه ولهذا يقال "" طريق خيدع "" إذا كان القصد لا يفطن
له ويقال للسراب "الخيدع" لأنه يخدع من يراه ويغره وظاهره خلاف باطنه.
وبتأمل
أحاديث اللعن وجد عامتها لمن استحل محارم الله وأسقط فرائضه بالحيل كقوله صلى الله
عليه وسلم ((لعن الله المحلل والمحلل له)) وقوله ((لعن الله اليهود حرمت عليهم
الشحوم فحملوها وباعوها وأكلوا ثمنها)).
(المرجع
اعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن القيم
الجوزية، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، دار الفكر-بيروت، ط٢ ١٣٩٧ه-١٩٧٧م ج٣ صفحة 172)
والحيل المحرمة مخادعة لله ومخادعة الله حرام فقد ذم
الله أهل الخداع وأخبر أن خداعهم إنما هو لأنفسهم وأن في قلوبهم مرضا وأنه تعالى
خادعهم فكل هذا عقوبة لهم.
ومدار
الخداع على أصلين: أحدهما: فعل لغير مقصودة؛ الذي جعل له، والثاني:
إظهار قول لغير مقصوده الذي وضع له؛ وقد عاتب الله المتحايلين على إسقاط نصيب
المساكين وقت الجذاذ بجذ جنتهم عليهم وإهلاك ثمارهم فكيف بالمتحيل على إسقاط فرائض
الله وحقوق خلقه. ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلّم أمته من ارتكاب الحيل فقال
((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل))
(المرجع
السابق: صفحة 174-175)
ومما يدل على بطلان الحيل وتحريمها أن الله تعالى إنما
أوجب الواجبات وحرم المحرمات لما تتضمن من مصالح عباده في معاشهم ومعادهم فالشريعة
الإسلامية لقلوبهم بمنزلة الغذاء الذي لا بد لهم منه والدواء الذي لا بد لهم منه
والدواء الذي لا يندفع الداء إلا به، فإذا احتال العبد على تحليل ما حرم الله
وإسقاط ما فرض الله وتعطيل ما شرع الله كان ساعيا في دين الله بالفساد من عدة
أوجه:
أحدهما:
إبطالها ما في الأمر
المحتال عليه من حكمة الشارع ونقض حكمته منه ومناقضة له.
والثاني: أن الأمر المحتال به ليس له عند حقيقته ولا هو مقصوداً له؛ والمقصود له
هو المحرم نفسه؛ وهذا ظاهر كل الظهور فيما يقصد الشارع فإن المرابي مقصوده الربا
المحرم وصورة البيع الجائز غير مقصودة له وكذلك المتحيل على إسقاط الفرائض بتمليك
ماله لمن لا يهبه درهما واحدا حقيقة مقصودة إسقاط الفرض وظاهر الهبة غير المشروعة
غير مقصودة له.
(المرجع
إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الجوزية: مرجع سابق صفحة 193)
وبيان ذلك على وجه الإشارة أن الله سبحانه وتعالى حرم
الربا والزنا وتوابعها ووسائلها لما في ذلك من الفساد وأباح البيع والنكاح
وتوابعها لأن ذلك مصلحة محضة ولا بد أن يكون بين الحلال والحرام فرق في الحقيقة
والا لكان البيع مثل الربا والنكاح مثل الزنا ومعلوم أن الفرق في الصورة دون
الحقيقة ملغي عند الله ورسوله وفي فطر عباده فإن الاعتبار بالمقاصد والمعاني في
الأقوال والأفعال، فإذا اتفقت الألفاظ واختلفت المعاني كان حكمها مختلفا وكذلك
الأعمال اذا اختلف صورها واتفقت مقاصدها وعلى هذه القاعدة يبنى الأمر والنهي والثواب
والعقاب. ومن تأمل الشريعة علم بالاضطراد صحة هذا فالأمر المحتال به على المحرم
صورته صورة الحلال وحقيقة مقصودة حقيقة الحرام فلا يكون حلالا فلا يترتب عليه
أحكام الحلال فيقع باطلا والآمر المحتال عليه حقيقته حقيقة الأمر الحرام وإن لم
تكن صورته فيجب أن يكون حراما لمشاركته
للحرام في الحقيقة وهذه سبيل جميع الحيل المتوصل بها الى تحليل الحرام وإسقاط
الواجب وبهذه الطريق تبطل جميعا.
(المرجع السابق: صفحة 194-195)
اعداد المحامي / فهمي عقيل انعم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق