نظرية الانعدام الإجرائي, في قانون المرافعات
اليمني
المعنى
القانوني لانعدام العمل الإجرائي:
عرفته
المادة (55) مرافعات بأنه:
الانعدام وصف قانوني يلحق العمل القضائي, ويجعله
مجرداً من جميع أثاره الشرعية أو القانونية.
غير أن هذا
التعريف ينصرف إلى العمل القضائي الذي هو من سلطة القاضي, ولا ينصرف إلى الأعمال
الإجرائية الأخرى التي ليست من عمل القاضي, وإنما تحكمها القواعد العامة في
الانعدام .
وتقوم فكرة
الانعدام في العمل الإجرائي على أساس أنه يوجد فرق هائل بين العمل الباطل والعمل
المنعدم, كالفرق بين من يفقد شعوره بالإغماء وبين من يفقد شعوره بالموت، فالمغمى
عليه كالميت من حيث فقد الشعور إلا أن الاثنين مختلفان, فكل عمل قانوني له كيانه
الخاص ويتحدد تكوينه ووجوده وفقاً لعناصر
محددة، فإذا فقد عنصراً من عناصره اختل
وجوده القانوني.
فالعمل
الباطل يستوفي جميع عناصره اللازمة لوجوده, إلا أن العيب يلحق احد تلك
العناصر ، أما العمل المنعدم فإن
العيب يتعلق بوجوده
بحيث لا ينتج أي اثر, لأنه غير
موجود كما أنه لا يتحصن بمرور مدة الطعن كالبطلان ، ولا يحتاج إلى حكم يقرره كما
الشأن في البطلان, ما لم تدع الضرورة إلى ذلك.
لقد اعتمد
الفقه الإسلامي هذه الفكرة لأن الباطل
والمنعدم في عدم ترتيب الآثار الشرعية مستويان ، ولا يتحصن العمل الإجرائي بفوات
ميعاد الطعن في الفقه الإسلامي, سواءً كان الحكم منعدما لاختلال شرط انعقاده, أو
لاختلال شرط من شروط صحته، ففكرة الانعدام
هي الأكثر توافقاً مع الفقه الإسلامي.
معيار
الانعدام:
الانعدام
عيب يلحق العمل الإجرائي ووجوده ، فالمشرع
اليمني في المادة (55) لم يضع معياراً للعمل الإجرائي المنعدم, إلا أنه أورد كثيراً من التطبيقات
لهذه الفكرة ، فيكون بذلك قد تبني معيار النص التشريعي في الانعدام ، كما أن وضع
المعيار هو علمياً وظيفة الفقه الإجرائي, وعملياً يعد من وظيفة القضاء, وأفضل
معيار هو المعيار الذي يفرق بين نوعين من
أنواع الانعدام:
النوع
الأول: الانعدام القانوني :
وهو الذي رتبه المشرع كجزاء للعمل الإجرائي الذي
لم يتحقق فيه عناصر وجوده القانونية.
النوع
الثاني: هو الانعدام المادي أو الفعلي :
وهو الذي
يتحقق ولو لم ينص القانون صراحة عليه،
ويكون ذلك إما لعدم القيام بالعمل الإجرائي, وقد يكون العمل الإجرائي موجوداً إلا
أن عنصراًَ أساسياً تم إغفاله فيه.
شروط الانعدام
القانوني :
أولا: انعدام الإرادة :
إذا انعدمت
الإرادة فلا يكون للعمل الإجرائي وجود, لان العمل الإجرائي لا يوجد, إلا إذا كان صادراً في ذي إرادة، وهذه القاعدة تؤكدها القواعد العامة في القانون .
1- انتفاء الولاية :
قد يكون انتفاء الولاية القضائية مطلقاً, وقد
يكون نسبياً, وقد يكون شخصياً: .
اولا: الانتفاء
المطلق للولاية القضائية :
يتحقق في الحالات الآتية :
- إذا كان موضوع الدعوى عقاراً موجوداً في الخارج,
فالولاية القضائية تكون لدولة موقع العقار، أما الولاية القضائية للمحاكم اليمنية محصورة في حدود
السيادة الإقليمية للدولة, ولا ولاية
للقضاء اليمني خارج حدود الدولة ،
وبالتالي يكون حكم أية محكمة يمنية موضوعه عقاراً في الخارج منعدماً ً
- إذا كانت
الدعوى مرفوعة على أشخاص يتمتعون بالحصانة القضائية أو الدبلوماسية, أو
على أموال تتمتع بتلك الحصانة, والحكم في ذلك يكون منعدماً استناداً إلى
انتفاء الولاية القضائية، ومصدر
هذا الانعدام القانون والمعاهدات
والاتفاقيات التي وقعت عليها اليمن والعرف الدولي.
- إذا سلب
القانون الولاية القضائية لسائر المحاكم عن نظر بعض الدعاوى, وأسند الولاية القضائية لمحكمة بعينها وقصر ولايتها على تلك الدعاوى, مثل
تلك الدعاوى الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية, والتي قصر القانون تلك الولاية على الدائرة الدستورية، لذلك فان انتفاء ولاية
سائر المحاكم عن نظر هذه الدعوى يكون انتفاء مطلقاً.
- وقد يكون
انتفاء الولاية مطلقاً بسبب أن المحكمة مختصة
بفئة محدودة من الناس لأسباب خاصة, كما في المحاكم العسكرية حيث تنفي ولايتها
مطلقاً في محاكمة المدنيين .
ثانيا: الانتفاء
النسبي :
ويكون في الحالات التي اسند القانون الولاية
القضائية لغير جهات القضاء, كما في اختصاص مجلس النواب في الفصل في صحة العقوبة, ويتحقق في نظر المحاكم المدنية للدعوى التي
اسند فيها القانون الاختصاص لمحاكم ذات ولاية محدودة, كالمحاكم العسكرية .
ثالثا:
الانتفاء الشخصي للولاية القضائية :
ويكون ذلك في الحالات التي يصدر الحكم أو
الأجراء القضائي من غير ذي ولاية قضائية,
كصدور الحكم من غير قاضي أو بعد انتهاء ولاية
القاضي بسبب عزلة أو استقالته, أو بعد فترة ندبه أو نقله إلى محكمة أخرى.
أو من قاضي
في درجة لم يشغلها بعد، أو إذا كان القاضي غير صالح لنظر الدعوى, إذ تنتفي ولايته
القضائية فيكون حكمه منعدماً.
ويقتصر ذلك على الحالات التي قرر القانون الانعدام
فيها، كأن يكون قد أدى شهادة في القضية المعروضة عليه.
او إذا كان
وكيلاً لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية. المادة (128) فقرة (7)
2- انتقاص الولاية
القضائية :
ويتحقق الانتقاص إذا صدر الحكم من هيئة حكم بغير التشكيل القانوني, لأن
الولاية القضائية عندئذ تعتبر منتقصة, والولاية القضائية محل لا يتجزأ .
شروط
الانعدام المادي أو الفعلي :
-عدم
القيام بالعمل الإجرائي, كعدم الكتابة وخلو الحكم من المنطوق
-قد يكون
العمل الإجرائي موجود إلا أن عنصراً أساسياً ثم إغفاله فيه, كعدم التوقيع على
الحكم ، أو عدم التوقيع على محضر الحجز .
تطبيقات
قانون المرافعات للانعدام:
اولا:
نصت المادة
(15) من قانون المرافعات, على أن الجزاء يكون الانعدام في الأحوال التي سبق أن
نظمها المشرع, وذلك في الأحوال الآتية:
1- إذا صدر الحكم من غير
قاض أو كان ذلك القاضي غير معين, فإن الحكم يكون منعدماً.
وهذه فكرة مسلم بها في الفقه الإجرائي, لأن
الشخص الذي أصدره يكون مغتصبا للسلطة.
2- إذا خالف القاضي حدود
ولايته الزمانية والمكانية, كأن يكون أصدر الحكم بعد انتهاء فترة ندبه أو بعد
إحالته إلى التقاعد, ما لم تكن القضية محجوزة للحكم, أو في غير المحكمة التي عين
فيها فإن حكمه يكون منعدماً, لأنه يكون صادراً من غير ذي ولاية.
3- إذا صدر الحكم مخالفاً للتشكيل القانوني للمحكمة,
كما لو كانت المحكمة مكونة من ثلاثة قضاه وصدر الحكم من اثنين, فإنه يكون منعدماً
بانتقاص الولاية.
وهذه فكرة يأخذ
بها جمهور الفقه الإجرائي, وتتفق هذه الفكرة مع الفقه الإسلامي.
4- إذا قضى القاضي في نزاع
وكان قد سبق حسمه بحكم بات أو بحكم محكم, فيكون حكمه منعدماً.
وتقرير هذا الحكم يؤدي إلى استقرار الأحكام
القضائية, ويكون القاضي بفتحه نزاعا قد تجاوز ولايته القضائية, التي لا تسمح له أن
يحكم في مثل ذلك النزاع, ولو كان ذلك الحكم قد صدر من المحكمة العليا.
5- إذا كان القاضي غير
صالح لنظر الدعوى, في الحالات المنصوص عليها في المادة (128/ 1 ،2 ، 4 ،6 ، 8 ،9)
يضاف إلى ذلك حالة أداء الشهادة, وحالة كون القاضي وكيلاً لأحد الخصوم في أعماله
الخصوصية.
6- إذا لم تتوفر الأركان
اللازمة لوجود الحكم القضائي, طبقاً للمادة (217) .
ثانيا:
هناك حالات
تعتبر تطبيقا خاصا لفكرة الانعدام, كما في المادة رقم (153/3) المتعلقة ببطلان عمل
القاضي إذا كان حكماً أو عملا قضائيا, نتيجة ثبوت دعوى المخاصمة, وذلك البطلان هو
مرادف للانعدام لأن دعوى المخاصمة لا ترفع في ميعاد الطعن في الأحكام, كما أن هناك
تطبيقين خاصين هما اقرب لفكرة الانعدام, وقد نص عليهما المشرع في المادة رقم
(304/807) في باب التماس إعادة النظر, وهما حالة ما إذا كان القاضي قد حكم بما لا
يطلبه الخصوم, ولم يبين ذلك إلا عند
التنفيذ، وحالة ما إذا ظهر عند التنفيذ أن أجزاء الحكم يناقض بعضها بعضا, فتلك
الحالتان ما هما إلا تطبيق من تطبيق نظرية الانعدام, لان الحكم الأول يكون قد صدر
بدون خصومة, ووجود الخصومة يعتبر ركناً في الحكم القضائي, كما أن الحكم الثاني
يعتبر خاليا من المنطوق, ولا شك أن خلو الحكم من المنطوق يعتبر نقصا في ركن شكلي
من أركان الحكم القضائي, كما أن الطعن فيهما بالالتماس غير مقيد بمدة محددة, وإنما
عند اكتشاف قاضي التنفيذ ذلك, لذلك فكلا الحكمين يعد تطبيقا خاصا من تطبيقات نظرية
الانعدام.
أثر
الانعدام والتفرقة بينه وبين البطلان:
2- يترتب
الانعدام بقوة الشرع والقانون, فلا يحتاج في تقريره إلى حكم قضائي لأنه لا حاجة
إلى إعدام المعدوم, كما أنه لا حاجة للطعن في الحكم المنعدم للتوصل إلى إلغائه,
وإنما يمكن انكار وجوده عند التمسك به، ويمكن رفع دعوى جديده بموضوع الحكم
المنعدم، فهو لا يحوز حجية الأمر المقضي لأنه غير موجود, أما العمل الباطل فإنه
يترتب عليه جميع أثاره القانونية حتى يحكم ببطلانه, كما أن الحكم الباطل إذا فاتت
مواعيد الطعن فيها صار محصناً.
3- لا يقبل الانعدام تصحيحاً, فهو كالموت لا يقبل
شفاء, أما البطلان فقد يقبل التصحيح .
4- تقضي
المحكمة من تلقاء نفسها بالانعدام, لأنه متعلق بالنظام العام, ولا تقضي بالبطلان
نفسها إلا إذا تعلق بالنظام العام.
5- لا يحتاج العمل المنعدم إلى نص تشريعي حتى يحكم
به القاضي, لأن المشرع ينظم الأعمال الموجودة لا الأعمال المنعدمة, إلا أن المشرع
أحياناً قد ينص على حالات يكون الجزاء فيها هو الانعدام لشيوعها ولخطورتها, وهذا
ما فعله المشرع اليمني في قانون المرافعات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق