الصفحات

الاثنين، 28 أكتوبر 2013

بحث حول ضرورة مراعاة القاضي للبيئة التي وقعت فيها الواقعة المشهود عليها



بحث حول
ضرورة مراعاة القاضي للبيئة التي وقعت
 فيها الواقعة المشهود عليها

 تمهيد:
    تعد الشهادة من أهم أدلة الإثبات التي يعتمد عليها القضاء في إثبات إدانة الجرائم في الإثبات المادة الجزائية باعتبار أن الجرائم ما هي إلا وقائع مادية لا يتصور فيها تحضير وسائل الإثبات بصفة مسبقة كما هو الحال بالنسبة للتصرفات القانونية .                                           
تعريف الشاهد: هو الذي يتحمل الشهادة ويقوم بأدائها في مجلس القضاء عند الطلب وسمي الشاهد شاهداً لأنه يبين الحق من الباطل وأحد معاني اسم الله تعالى الشهيد ".كما عرف الشاهد بأنه الشخص الذي وصل إليه عن طريق حاسة من حواسه معلومات عن الواقعة الجنائية.وإذا كانت الجريمة بالنسبة إلي غير من عزم على ارتكابها امراً عارضاً يشاهده ويستسقي معلوماته وفق الظروف فمن الطبيعي أن كل شخص مهما كان جنسه أو سنه يصلح لأن يكون شاهداً ومهما كانت علاقته بأطراف الواقعة الجنائية كوالد المتهم  أو من له بهم صلة قربي هذا إلا إذا اعتبره القانون غير أهل للشهادة
المحقق الجنائي المرصفاوي صـ165
شروط الشاهد: وهي قسمان : (1) شروط عامة في كل الشهادات
(2) شروط خاصة ببعض أنواع الشهادات, والشروط العامة (العقل, البلوغ, الإسلام, الحرية, العدالة).
القضاء والإثبات في الشريعة والقانون د/عبد القهار داوود العاني - صـ110
أما القانون اليمني فقد أشترط في الشاهد توافر تلك الشروط إضافة إلى ما ورد في نص المادة (27)(......ج  أن لا يكون  مجلوداً  في حد أو مجروحاً في عدالة ,مالم تظهر توبته وصلاح عدالته والعدالة هي الصلاح الظاهر في الشاهد ).  وهذا ما يخصنا في هذا البحث بشكل  أساسي .
المطلب الأول/ عدالة الشاهد  
فالعدالة هي موضوع البحث لذلك سوف نحاول قدر المستطاع الإلمام بهذا الموضوع ودراسة كافة الموضوعات التي تناولها الفقهاء حول موضوع البحث لأنه يلزم في الشاهد أن يكون عدلاً لقوله تعالي (واستشهدوا ذوي عدل منكم )و قوله تعالي (يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...) و قوله تعالي (ممن ترضون من الشهداء) والشاهد المرضي عنه هو الشاهد العدل, والعدالة قد اختلف الفقهاء في تعريفها وهذه التعريفات كما يلي:

الفرع الأول/ تعريف العدالة:
أولا التعريف اللغوي: في لسان العرب جاء العدل هو ما قام في النفوس أنه مستقيم وهو ضد الجور والعدل من الناس المرضي قوله وحكمه. وقال الباهلي رجل عدل وعادل جائز الشهادة ,وفي أسماء الحق تبارك وتعالي "العدل " وهو الذي لا يميل به الهوى فيجور الحكم.
ثانياً التعريف الاصطلاحي: فقد عرفها الفقهاء أجمعها ما ذكره الحاجب أنها محافظة دينيه تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة ليس معها بدعة, وعرف الحنابلة العدالة بأنها استواء أحوال الشخص في دينيه واعتدل أقواله وأفعاله ويعتبر فيها شيئان أولهما الصلاح في الدين وهو من وجه : أداء الفرائض وسننها الراتبة فلا تقبل الشهادة ممن داوم على تركها لفسقه .ومن وجه أخر استعمال المروءة وهو الإثبات بما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشنه .
عمدة المسير / القاضي حسين محمد المهدي المجلد الثاني ـ صـ99
وقد قال بعضهم من لم يطعن عليه في بطن ولا فرج فهو عدل لأن أكثر أنوع الفساد والشر يرجع إلي هذين العضوين.كذلك قال بعضهم من لم يعرف عليه جريمة في دينه فهو عدل ,كذلك العدل من غلب حسناته سيئاته فقد روى عن الرسول صلي عليه وسلم قال (إذا رأيتم الرجل يعتاد الصلاة في المساجد فأشهدوا له بالإيمان )أما من قال العدل هو من يجتنب الكبائر وأدى الفرائض وغلب حسناته سيئاته ,فقد أختلف في ماهية الكبائر والصغائر فقالوا الكبيرة ما فيها حد في كتاب الله ومالا حد فيه فهو صغيره وهذا ليس بسديد فأن شرب الخمر وأكل الربا كبيرتان ولا حد فيهما في كتاب الله تعالي , أما من قال ما يوجب الحد فهو كبيرة وما لا يوجبه فهو صغيرة وهذا القول أيضا مردود لأنه يبطل بأشياء أخري هي كبائر ولا توجب الحد نحو عقوق الوالدين والفرار من الزحف ونحوها .
 بدائع الصنائع/ للكاسانيـ  المجلد الخامس صـ 402
 وقال الدكتور : المرتضي بن زيد المحطوري حيث ذكر أن أهم العناصر التي اشتملت عليها تعريفات العدالة هي إبراز السمات التي تظهر في اصطلاحات العلماء في رسم العدالة وتتمثل في العناصر الآتية : (1)اجتناب الكبائر (2)اجتناب الإصرار على الصغائر (3) اجتناب الصغائر الدالة على الخسة (4) اجتناب المباحات القادحة في المروءة ومثل ذلك الأكل بالسوق...
عمدة المسير مرجع سابق صـ103

وعرفها الفقه الجنائي هي السلامة من الفسق والمتفق عليه أن الشاهد السليم من الفسق بمختلف أنواعه تقبل شهادته.               
د/محمد الحبيب التجكاني النظرية العامة للقضاء والإثبات في الشريعة الإسلامية مع المقارنات بالقانون الوضعي صـ228 .
الفرع الثاني/ مسألة بيان صفة العدالة :
أما بيان صفة العدالة فقد أختلف الفقهاء رحمة الله عليهم قال أبو حنيفة الشرط هو العدالة الظاهرة فإما العدالة الحقيقية وهي الثابتة بالسؤال عن حال الشهود بالتعديل والتزكية فليست بشرط لقوله تعالي (وكذلك جعلناكم أمتاً وسطا) أي عدلاً وقال سيدنا عمر رضي الله تعالي عنه (عُدول بعضهم على بعض). وأما أبو يوسف فقال أنها شرط ,لكنه لا خلاف في أنه إذا طعن الخصم في الشاهد فأنه لا يكتفي بظاهر العدالة بل يسأل القاضي عن حال الشهود وكذا لا خلاف في أنه يسأل عن حالهم في الحدود والقصاص ولا يكتفي بالعدالة الظاهرة سواء طعن الخصم فيهم أم لم يطعن .
بدائع الصنائع مرجع سابق صـ407 .
المطلب الثاني /مسألة قبول شهادة الفاسق:
كما سبق وقلنا أن العدل في عرف الشرع كل مقبول الشهادة على غيره عند السلطان والحاكم وبالتالي فأن من شرائط العدل يدخل فيها أمور كثيرة منها أن يجتنب الكبائر وما يستخف بفعله من الأمور ويذهب بالمروءة عند العموم ,لأن مرتكب ذلك فاسق .
فالفسق في اللغة هو الخروج عن الشيء.وفي لسان العرب الفسق العصيان والترك لأمر الله عز وجل والخروج عن طريق الحق فسق يفسق فسقاً وفسوقاً فسق بالضم.
أما في الشرع فقد جاء مطلقاً لمن فعل الكبائر أنه خارج عن أمر مولاه.
هامش (روضة القضاة وطريق النجاة للعلامة أبي القاسم علي بن محمد بن أحمد الرحبي السمناني صـ204 .
 أما الفسق من طريق الاعتقادات فقد أختلف فيه هل يمنع قبول الشهادة والخبر أم لا, فمنهم من قال يمنع وأن كان متحرجاً في أفعاله نافراً من الكذب وذهب جل الفقهاء من أصحابنا وغيرهم إلي قبول خبره وشهادته.
 روضة القضاة والطريق إلي النجاة مرجع سابق صـ206.

 الفرع الأول /هل يجوز للقاضي أن يقضي بشهادة الفاسق ؟
فقد أختلف الفقهاء في هذا الموضوع فالإمام الشافعي قال أنه لا يجوز للقاضي أن يقضي بشهادة الفاسق أصلاً ووجهة قول الشافعي يبني قوله على قبول الشهادات على الصدق ولا يظهر الصدق إلا بالعدالة لأن خبر من ليس بمعصوم عن الكذب يحتمل الكذب والصدق ولا يقع الترجيح إلا بالعدالة واحتج في انعقاد النكاح لقوله تعالي (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).وقوله تعالي (ممن ترضون من الشهداء )والفاسق غير مرضي عنه ولأن حضرة الشهود في النكاح لدفع تهمة الزنا لا للحاجة إلي شهادتهم عند الجحود والإنكار, لأن النكاح يشتهر بعد وقوعه فيمكن دفع الجحود والإنكار بالشهادة بالتسامع , والتهمة تندفع بحضرة الفاسق فينعقد النكاح بحضرتهم .  
الفرع الثاني /بيان هل العدالة شرط للقبول الشهادة: ذكربعضهم أنها شرط لقبول الشهادة وجوباً ووجوداً, أما الشافعي أنها شرط أصل القبول لا يثبت القبول أصلاً دونها حتى أن القاضي لو تحري الصدق في شهادة الفاسق يجوز له قبول شهادته ولا يجوز القبول من غير تحر بالإجماع .
أما قول الشافعي فقد قال في مسألة صدق الشاهد فنعم لكن الصدق لا يقف على عدالة لا محالة , فأن من الفسقة من لا يبالي بارتكابه أنواع الفسق ويستنكف من الكذب والكلام في الفاسق تحري القاضي الصدق في شهادته فغلب على ظنه صدقه, ولو لم يكن كذلك لا يجوز القضاء بشهادته .
بدائع الصنائع مرجع سابق صـ407.
ومن خلال بيان مسألة هل يجوز للقاضي أن يقضي بشهادة الفاسق سوف نقوم ببيان بعض من حكم عليهم بفسقهم فقد ورد في المادة (287) إجراءات فيما يتعلق بالشهادة إلي القواعد المقررة في قانون المرافعات وفيه تحصر شروط الشاهد إلي أربعة شروط بقولها (ثانياً:ألا يكون الشاهد محكوماً عليه بعقوبة جنائية) وقد روى عن الإمام أبي يوسف أنه تقبل شهادة الفاسق الوجيه بين الناس وصاحب المروءة إلا أن الأصح عدم قبول شهادته ويفهم من إطلاق المجلة عدم قبولها.
د/عبد الحميد الشواربي الإثبات الجنائي في ضوء الفقه والقضاء ص97ـ درر الحكام –شرح مجلة الأحكام المجلد الرابع –د/علي حيدر صـ407
 وبالتالي ماهي العقوبة التي تجعل الشخص مقدوح في عدالته ويطلق عليه لفظ فاسق كما ورد في الفقه الإسلامي بهذا اللفظ حتى يتضح لنا من هو الفاسق بالتحديد الذي لا تجوز شهادته وهل هناك استثناءات على هذا الأصل وهو كما يلي :ـ
   شهادة المحدود:  
       1- لاتقبل شهادة المحدود والأدلة في عدم قبولها :قول الله تعالي (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فأن الله غفور رحيم ).
2- وروى الترمذي أن رسول الله صلي عليه وسلم ذكر من لم تقبل شهادتهم "ولا مجلودًا في حد"           
3-وجاء في رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلي أبي موسي الأشعري (المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد أو مجرباً عليه شهادة زور ). ومن المتفق عليه أن المجلود في حد الزنا أو الشرب أو التعزير تقبل شهادته إذا تاب إلا قول الأوزاعي بأنه لا تقبل شهادة محدود في الإسلام ,وقال مالك والشافعي إلا أنه إذا تاب قبلت شهادته وارتفع عنه الفسق ,  وقال أبو حنيفة إنما يعود الاستثناء إلي الجملة الأخيرة فقط فيرتفع الفسق بالتوبة ويبقي مردود الشهادة أبداً.
كما جاء في كتاب التاج المذهب المجلد الرابع –الفاسق الجارح كشارب والسارق والزاني والقاتل فلا تقبل شهادته فأما فاسق التأويل كالباغي فالصحيح قبول شهادته  إذا كان متنزهاً عن محظورات دينه لا فتواه وتوليه القضاء فلا يصح ,كما أنهم أجازوا قبول شهادة الفاسق إذا تاب من فسقه ولكن بشرط وهو بعد اختباره واستمراره على التوبة وصلاح الحال "سنة" ليعلم بذلك إخلاصه وصحة توبته وهي الندم على ما أخل به من الواجب لوجوبه وعلى ما أقترفه من القبح .
وجاء أيضاً في كتاب درر الحكام المجلد الرابع – أن الفاسق المعروف بالكذب لا تقبل شهادته أبداً حتى ولو تاب عن الكذب أما الفساق الآخرون إذا تابوا مدة ظهر فيها أثر التوبة ثم شهدوا فتقبل شهادتهم فهذه المدة عن بعض الفقهاء ستة أشهر وعند الآخرين سنة كاملة.
الفرع الثالث /مسألة قبول الشاهد الغير عدل في حالة عدم وجود العدل :
وهذا هو الاستثناء على مسألة قبول شهادة العدل وهو من اختيار إمام الزمان أيده الله أن شهادة غير العدل مقبولة على مثله مالم يؤثر عن الشاهد الزور ولا حلف الفجور إذا لو قلنا أن الجنس المنغمس في المعاصي لا تقبل شهادة بعضهم على بعض بل لابد من شاهد فاضل مصل صائم تقي إلي غيره ..لضاعت الحقوق فيما بينهم لنفور ذوي الفضل عن الفساق ومجالستهم غالباَ والحجة في قبول ذلك قول الله تعالي " يأيها الذين امنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم " . والخطاب للأمة الإسلامية فمعنى من غيركم أي غير المسلمين وإذا قبلت شهادة الكافر هنا عند مظنة عدم وجود المسلم لحفظ الحقوق فبالأولى غير العدل علي مثله عند مظنة عدم العدل. هامش التاج المذهب المجلد الرابع صـ70.

كما أ ن الفقهاء قد أجازوا قول الفاسق على نفسه في سائر العقود والحقوق والحدود وينعقد البيع له ولغيره.
 كتاب روضة القضاة وطريق النجاة مرجع سابق صـ212
 .كما أن القانون ذكر في المادة (35)أن الشهود لا يكونوا ألا ممن شهد الواقعة الجنائية(لا يقبل في الجنايات شهود إلا ممن ثبت أنهم كانوا حاضرين في المكان الذي  وقعت  فيه الجناية) وفي وقت وقوع الواقعة قد لا يكون هناك شهود عدول فمثلاً شخص محجوز وعذب فالشهود بلا شك سيكونون من المحا بيس ومن شاربين الخمر في أماكن ارتياد شرب الخمور فأين العدول في هذه الأماكن مما يضطر بنا أن نقبل شهادة الفاسق لتعذر وجود العدل في هذه الحالة.  
أما الفقه الوضعي فقد أبتكر موضوع جديد لقبول شهادة الفاسق تحت مسمى شهادة اللفيف كما في المغرب وغيرها من الدول العربية وشهادة اللفيف كما يلي:
شهادة اللفيف : هي شهادة جماعة غير مزكين وغير معروفين بالعدالة وبالتالي غير منتصبين للشهادة من الرجال والنساء الذين لم يعرفوا بفسق كالزنا يشهدون أما في الأموال أو غير الأموال كالنسب والجنايات . ويعمل بهذه الشهادة للضرورة حيث ينعدم الشهود العدول ويجد البعض سنداً لهذه الشهادة في قبول شهادة أهل الكتاب في الوصية بحالة السفر الواردة القران ,قال أبو سالم الجلالي في ندوة خصص لشهادة اللفيف في القرن الحادي عشر الهجري "لقد أدركنا من الكبار من أشياخنا منعوا من قبول شهادة اللفيف في المعاملات فضلاً عن الأنكحة حتى اشتكى الناس ضياع الأموال والحقوق ثم انتقلوا إلى جوازها فيما يتفق حدوثه دون أن يحضره عدول فيضطر إلى اللفيف أداء كما يضطر إلى شهادتهم تحملاً في بلاد لا عدول فيها لئلا تهدر الدماء وتضيع الحقوق كشهادة الصبيان بعضهم على بعض , وقد وضعوا في شهادة اللفيف ستة من الشهود منزلة شاهد عدل واحد وفي الأموال اثنا عشر ويزيد في الرشد والسفه .
 د/ محمد التجكاني مرجع سابق صـ264

هذا ما خلصنا إليه بعد جهد نظراً لندرة الموضوع ونسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب ماتريد قوله للمحامي أمين الربيعي