‏إظهار الرسائل ذات التسميات شراكة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شراكة. إظهار كافة الرسائل

الكد والسعي وطبيعته القانونية


الكد: مأخوذ من الفعل "كد يكد كدا" اي الشدة في العمل، وطلب الكسب والتعب.


ويأتي بمعنى الالحاح في الطلب، حيث يقال: كددت فلانا بالمسألة فاذا ألححت عليه بها وبالإشارة اليه عند الحاجة.
السعاية: أصلها من السعي، ومصدرها سعى يسعى سعياً من العدو.


ويقال سعى إذا مشى، وسعى إذا عداء وسعى إذا عمل وكسب، وسعى إذا قصد.
وعليه فإن الكلمتين تظهران معنى البذل والتعب والشقاء في تحصيل الرزق وتنمية المال ومنه قول الله عز وجل: (وأن ليس للإنسان الا ما سعى وأن سعيه سوف يرى)[1]


التعريف المختار في الاصطلاح القانوني لحق الكد والسعاية: (هو عبارة عن حق شخصي، يقوم على أساس مساهمة السعاة في إطار شركة عرفية على تنمية الثروة الأسرية أو تكوينها، مقابل استحقاقهم جزء من المستفاد يتناسب وقدر مساهمتهم حين إجراء القسمة، وكل ذلك يتم وفق مقتضيات العرف المحلي وقواعده)
ويستفاد من هذا التعريف نجد ان ميزته تكمن في كونه يحقق غايتين أساسيتين:


الغاية الأولى: أنه يشكل أرضية أساسية لحسم إشكالية المفهوم، 
الغاية الثانية: أنه يتضمن العناصر والمقتضيات الأساسية التي تمكن من الوقوف على الخصائص المميزة لحق الكد والسعاية وفهمه في إطاره السليم والشامل، وهو ما يمكن أن يتوضح من خلال بيان خصائص هذا الحق فيما سيأتي.

اما عناصر حق الكد والسعاية فتتمثل في[2]
العنصر الأول الساعي: وهو كل فرد يسعى ويبذل الجهد من أجل تكوين رأس المال وتنميته.

العنصر الثاني السعي: وهو العمل والجهد الذي يسهم به الساعي (طالب الدراسة) في تكوين رأس المال وتنميته.
العنصر الثالث تكوين رأس مال أو تنميته: 

العنصر الرابع المقابل المالي للسعي: هو المقابل الذي يحصل عليه الساعي بعد تحقيق العناصر الثلاث السابقة، ويتأثر مقابل السعي بمقدار الزيادة والنماء في المال، وكذلك بمقدار الجهد المبذول في تكوين رأس المال أو تنمينه.
ومن خصائص حق الكد والسعاية:

1)     انه حق شخصي: فحق الكد والسعاية يعد من قبيل الحقوق الشخصية بما هي (رابطة بين شخصين دائن ومدين يخول للدائن بمقتضاه مطالبة المدين[3]بإعطاء شيء، أو القيام بعمل، أو الامتناع عن عمل...) فصاحب حق الكد والسعاية ليس له حق مباشر على الشيء موضوع مطالبته، وإنما لابد من وسيط (المدين) يمكنه من حقه.
2)  انه حق يقوم على أساس وجود سعاة مساهمين: فالاستفادة من هذا الحق، تقتصر على السعاة المساهمين فقط، ومن دون تمييز بين ذكر أو انثى صغير أو كبير قريب أو بعيد، بشرطين:


الشرط الأول: انتماء السعاة إلى الأسرة التي ساهموا في تنمية أموالها أو تكوينها، وهنا لا يعتبر الأجنبي عن الأسرة ساعيا.
الشرط الثاني: يجب أن يكون السعاة مساهمين في مراكمة الثروة الأسرية، وهو ما يعني بالضرورة وجود نشاط إيجابي يقوم به الساعي.

3) انه حق مترتب عن شركة عرفية: والمراد بهذه الخاصية، بيان الطبيعة القانونية لهذا الحق من حيث كونه حقا شخصيا ناتجا عن شركة ذات طبيعة خاصة يمكن تسميتها (بالشركة العرفية)[4]
4)   انه حق يرتب لصاحبه استحقاق جزء من المستفاد عند القسمة: ومعنى ذلك أن اشتغال السعاة بتكوين مال الأسرة أو تنميته، يقابله استحقاقهم لجزء من المال الزائد على الدمنة -أي رأس المال -يناسب قدر ما ساهموا به وكدوا فيه.

5)   انه حـق يخضـع مـن حـيث القواعـد الضابطة له إلى مقتضيات العرف المحلي: إشارة إلى أن تنظيم حق الكد والسعاية نطاقا وإثباتا وقسمة، يخضع لمقتضيات العرف المحلي الذي نشأ به واستقر فيه.
بيان مشروعية حق الكد والسعاية[5]:

نظرا للطبيعة المزدوجة لهذا الحق فقد تباينت آراء الفقهاء حول أصل مشروعيته، وتمحورت في اتجاهين اثنين هما:
الاتجاه الأول: القاضي بعدم مشروعية حق الكد والسعاية

وتفصيل هذا الاتجاه ليس له محل في هذه الدراسة.
الاتجاه الثاني: القاضي بمشروعية حق الكد والسعاية

وهذا الاتجاه استند في مشروعية حق الكد والسعاية على أسس قانونية وشرعية عامة من أصول الشريعة[6]، فمنهم من اسند أصل مشروعية هذا الحق الى قول الصحابي، ومنهم من اسند أصل مشروعية حق الكد والسعاية الى فتاوى الفقهاء،
ومنهم من قال إن الأصل في المشروعية هو العرف والعادة، ومن الفقهاء من استدل ب (المبادئ العامة للشريعة الإسلامية) أبرزها فيما يلي:

الاستدلال من القرآن الكريم. قوله تعالى:( وان ليس للإنسان إلا ما سعى)[7]
الاستدلال بالقياس: وذلك من خلال قياس مسألة مساهمة الساعي في العمل بجهده على تصرف الشريك المفاوض.

الاستدلال بالقواعد الفقهية[8]: من ذلك قاعدة (العادة محكمة) متى وجدت العادة وفق شروطها وتم تحكيمها وفق الضوابط الشرعية، فإن استحقاق من ساهم في تنمية المال مقابل جهده وسعيه مما جرى به العرف، وقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) حيث إنه من الظلم والضرر أكل أموال الناس بالباطل وإهدار حقوقهم.
الاستدلال بالعقل: إن ما يقوم به المساهم بالكد والسعي طوال عمره، دون ان يكون له مقابل جهده وتعبه من الأموال الساعي فيها يعد ظلما، ولا يستقيم القول ان يفني طول عمره في تنمية مال ليس له فيه أي عائد او مردود.

وبالنسبة لطبيعة حق الكد والسعاية وتكييفه القانوني:
بالرجوع الى خصائص حق الكد والسعاية، نجد الظاهر من ذلك ان له طبيعة مزدوجة، لذلك فإنا نرى أن حق الكد والسعاية هو حق خاص مستقل له أحكامه الخاصة. ولوجود فروق جوهرية يتميز بها حق الكد والسعاية عن العقود المشابهة، والله تعالى أعلم.

وللوصول للتكييف القانوني السليم لهذا الحق لا بد ان نذكر اهم الفروق الجوهرية بينه وبيه الحقوق المشابه وذلك في الاتي:
تمييز حق الكد والسعاية عن عقد العمل:

-      عقد العمل أساسه اتفاق الأطراف، وهو الذي يحدد شروطه ومواصفاته
-      بينما العكس من ذلك في السعاية، حيث لا تنبني على اتفاق مسبق.

-      كذلك فإن الأجر عنصر أساسي في عقد العمل.
-      أما في السعاية قد لا يحصل الساعي مقابل سعيه في حال عدم تحقق النماء والزيادة؛ لأنه غير مجبر على سعيه في الأساس.

-      عقد العمل نظمه المشرع اليمني، وبين احكامه القانونية في قانون خاص (قانون العمل) وكذلك في قوانين أخرى كقانون التأمينات واصابات العمل... والقواعد العامة في القانون المدني.

-      اما حق الكد والسعاية فليس له أي تنظيم قانوني خاص، وانما يخضع للقواعد العامة وللعرف المحلي، المتوافق مع احكام الشريعة الإسلامية.
وخلاصة القول: فإن طبيعة حق الكد والسعاية ليست من عقود العمل، ولا تنطبق عليه احكامه، وما يؤكد ذلك ما نص عليه المشرع اليمني في المادة(3/ب) من قانون العمل، الذي نصت بقولها: (ب-لا يسري هذا القانون على الفئات التالية: ...8-الأشخاص التابعين لصاحب العمل العاملين معه والذين يعولهم فعلا بصورة كاملة أيا كانت درجة القرابة)

تمييز حق الكد والسعاية عن عقد الشركة:
-      عرفت المادة(621) من القانون المدني عقد الشركة بقولها: (عقد الشركة عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصته من مال أو عمل واقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة).

-      فالشركة يكون لها كيان مادي وشخصية معنوية بمجرد تكوينها حيث نصت المادة (622) من القانون المدني بقولها: (تعتبر الشركة بمجرد تكوينها شخصاً اعتبارياً ولكن لا يحتج بهذه الشخصية على الغير إلا بعد استيفاء إجراءات النشر وفقاً لما تنص عليه القوانين النافذة وإذا لم تقم الشركة بإجراءات النشر المقررة فإن ذلك لا يمنع الغير من التمسك بشخصيتها).
فإذا كان نص المادة آنف الذكر المقصود منه الشركات المؤسسة وفقا للإجراءات الشكلية التي يوجبها القانون، فإن ذلك يشكل اختلافا متباينا عن طبيعة حق الكد والسعاية، الذي يعد أكثر توافقا واتفاقا مع شركة الواقع او الشركة العرفية التي نصت عليها المادة(623) من القانون المدني بقولها: (تنعقد الشركة بالإيجاب والقبول وبكل ما يدل على المساهمة في رأس المال واقتسام الربح ويشترط لصحة العقد أن يكون التصرف المعقود عليه قابلاً للوكالة).

وبالتالي فإن طبيعة حق الكد والسعاية وان كان أكثر انسجاما مع طبيعة شركة الواقع، الا انه له طبيعة خاصة.
ومن اهم أوجه الاختلاف بين حق الكد والسعاية عن شركة الواقع (العرفية)

1-  الشركة العرفية تكون ذات عمومية فقد يكون الشركاء من الغير او أقارب، بينما حق الكد والسعاية يكون ذات خصوصية فلا يكون الا بين افراد الاسرة فقط.
2-  ان شركة الواقع أكثر انتشارا فيما بين الأصدقاء أكثر من الأقارب او افراد الاسرة الواحدة.

3-  حصص الشركاء غالبا ما تكون متساوية القيمة وأنها واردة على ملكية المال لا على مجرد الانتفاع وذلك ما نصت عليه المادة(624) من القانون المدني بقولها:(تعتبر حصص الشركاء متساوية القيمة وأنها واردة على ملكية المال لا على مجرد الانتفاع به ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك).
4-  ان الشركة العرفية تكون باتفاق مسبق بين الشركاء بخلاف الكد والسعاية فلا يكون باتفاق مسبق.





[1]  الآية (39) من سوره النجم.
[2]  لواتي لمياء، مسألة الكد والسعاية في القانون المغربي، من 127، مجلة القانون المغربي عند 28، دار السلام للطباعة والنشر، 2015م محمد مؤمن دراسة لحق المرأة في اقتسام الممتلكات المكتسبة خلال الزواج في ضوء الأعراف المغربية، من 19، ط1،


ا انظر: بن دريد، جمهرة اللغة (844/2) الهروي، محمد بن أحمد ت370هـ، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (122/1)، دار الطلائع، نظر است.
الهروي، تهذيب اللغة (58/3). الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2277/6).


المطبعة والوراثة المغربية 2006م. مؤمن، محمد، حقى الكد والسعاية، مجلة الحقوق عدد 2 جامعة الكويت مجلس النشر العلمي، 2006م، س 164 115
 


[3]  انظر: عبد الرزاق السنهوري ج8، م.س، ص: 603.
[4]  المقصود هنا بالشركة العرفية: الشركة التي تتميز قواعدها بخاصيتين:


-          خاصية الطابع العرفي: حيث تبقى القواعد الضابطة لها في جلها قواعد عرفية، سواء من حيث نشونها، أو تكوينها، أو من حيث تنظيمها، أو من حيث اثباتها وقسمتها.
-          خاصية الاستثناء عن القواعد العامة: حيث تمثل مقتضيات هذه الشركة قواعد استثنائية عن القواعد العامة التي ترتكز عليها أنواع الشركات القانونية الأخرى.


[5]  انظر مؤمن حق الكد والسعاية، ص 165الفقيه، أحمد، كلية الشريعة بأكادير، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1996م.
    محمد بن أبي بكر، المنهل العذب السلسبيل (237/22)، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1400هـ -الأراضي -1980


[6]  المقصود بأصول الشريعة: مصادر التشريع بالفقه الإسلامي، كالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والإجماع، والقياس، وما جرى به العمل وقول الصحابي، والاستحسان، والمصلحة المرسلة، والعرف وغيرها من المصادر المتفق عليها بين المذاهب، والمختلف فيها.
[7]  سورة النجم الآية (39)


[8]  انظر: الطبري، جامع البيان، (265/8)
    انظر: بلحركة، كمال حقوق المرأة العاملة عند النوازليين المغاربة، من 10، جامعة ابن زهر. المرداوي، علاء الدين أبو الحسن التعبير شرح التحرير        


    في أصول الفقه (3859/8)، مكتبة الرشيد، الرياض،.20001421 فاتي، لمياء، مسألة الكد والسعاية في القانون المغربي، ص 132. البركتي قواعد    


    
الفقه (16/1)    


اعداد الاستاذ ماجد اليوسفي                                                    اشراف الاستاذ سليمان نبيل الحميري