بحث حول الفسخ بسبب خياري البلوغ والأفاقة وفقا للفقه والقانون اليمني





الفسخ بسبب خياري البلوغ والأفاقة

أجمع الفقهاء على أن للأب تزويج أبنه الصغير جبراً عنه بحق الولاية وكذلك ابنته الصغيرة البكر دون رضاها كما أجمعوا على أن ليس للأب تزويج ابنه الكبير ولا ابنته الكبيرة الثيب دون رضاهما واختلفوا في حقه في إجبار ابنته الصغيرة.
الثيب أو الكبيرة البكر:
فذهب الحنفية إلى أنه له تزويج ابنته الصغيرة مطلقاً ثيباً كانت أم بكراً وليس له تزويجها إذا بلغت ثيباً كانت أم بكراً.
وذهب الجمهور إلى أن للأب تزويج ابنته البكر، صغيرة كانت أم كبيرة وليس له إجبارها على الزواج إذا كانت ثيباً، صغيرة كانت أم كبيرة.
فإذا كانت كبيرة زوجها بإذنها وإن كانت صغيرة لم يزوجها أحد حتى تبلغ لأنه لا إذن لها قبل البلوغ، وقيل للسلطان تزويجها إذا رضيت.
واختلف الفقهاء في ولاية لإجبار على النحو الذي تقدم هل تكون للجد وغيره من العصبات كما هي للأب على أقوال:
فذهب الحنفية على أن ولاية الإجبار على الصغيرة والصغير تكون للأب والجد العصبي وغيره من العصبات بترتيب عصوبتهم، كالأخ والعم، وابن العم وهكذا.
وذهب الشافعية إلى أن ولاية الإجبار تكون للأب وللجد بعده ولوكيلها فقط ولا تكون لغيرهم لأن للجد حكم الأب عند عدمه وللوكيل حكم الأصيل.
وذهب المالكية والحنبلية إلى أنها تكون للأب فقط ثم لوصية من بعده إذا نص في الوصاية على ذلك وقيل تكون له بغير نص عليها ولا تكون لغيرهما فلا تكون للجد ولا للأخ والعم وغيرهم مطلقاً.
حكم الخيار بعد البلوغ والإفاقة:
إذا بلغ الصغير أو الصغيرة وأفاق المجنون أو المجنونة بعد أن زوجهما الولي بالشروط المتقدمة هل يكون له خيار لفرقه من هذا النكاح الذي لم يكن له رضاًَ معتد به وقت عقده وبالتالي لا يكون لازماً في حقه ذهب جمهور الفقهاء وفيهم المالكية والشافعية والحنبلية إلى أن الولي الذي يملك إجبار الصغير أو الصغيرة أو المجنون أو المجنونة على الزواج إذا زوجهم بالشروط السابقة لصحة النكاح كان زواجه لازماً وليس لهم بعد البلوغ أو الإفاقة حق الخيار مطلقاً لأنه ليس لغير الأب أو الجد أو وصي الأب عندهم حق التزويج بالإجبار لهؤلاء بحسب الخلاف السابق والأب والجد كاملاً الشفقة فتتحقق بذلك مظنة المصلحة للمولى عليه في زواجه، فيكون العقد لازماً لا خيار له فيه بعد البلوغ والإفاقة سواء أحصل دخول بعد العقد أم لا.
وذهب الحنفية إلى التفصيل في ذلك:
فقال أبو حنفية ومحمد إن كان الوليّ هو الأب أو الابن وقد تم العقد مستكملاً شروط الصحة كان العقد لازماً، وليس لهم بعد البلوغ أو الإفاقة خيار مطلقاً لأن الأب والجد والابن كاملوا الشفقة فيكون عقدهم محقق المصلحة فلا يخيرون فيه.
فإن كان الوليّ غير الأب والجد والابن كالأخ والعم وابن العم وغيرهم فإن كان مستكملاً لشروط الصحة كان نافذاً غير لازم فإذا بلغ الصغير أو الصغيرة أو أفاق المجنون أو المجنونة كان لهم حق الخيار فلهم الابقاء على النكاح كما لهم فسخه لأن العقد تم دون رضا منهم مع مظنة المصلحة لهم دون تحققها قطعاً فصحّ  غير لازم إذ المصلحة المقطوع بها في الزواج لا تعلم حقيقة إلا من قبل الزوجين أنفسهما لما تنطوي عليه من الرغبة والحب وغير ذلك وذلك منوط إليهم دون وليهم، فيكون لهم الخيار بعد البلوغ والإفاقة تحقيقاً لمصلحتهم من الزواج سواء أحصل دخول أم لا، لأن الدخول لا أثر له على إسقاط الخيار مطلقاً كما في خيار العتق.
وذهب ابو يوسف إلى أن الأب والجد وغيرهما سواء في ذلك ولا يكون للصغيرين أو المجنونين خيار مطلقاً لأن العقد تم مع مظنة المصلحة فكان لازماً لهما حفاظاً على حق الزوج الأخر فلا يفسخ بحال من ذلك يتلخص لنا أن جمهور الفقهاء متفقون على أن عقد الولي عن القاصرين إذا ما استوفي شروط صحته يكون لازماً ولا خيار لهما بعد البلوغ والإفاقة وخالف في ذلك أبو حنفية ومحمد وذهبا إلى أن الولي إذا كان غير الأب والجد والابن كان عقده غير لازم وللقاصرين خيار الفسخ بعد البلوغ والإفاقة.
ولذلك فإن الدراسة في هذا الباب ستكون طبقاً لمذهب الطرفين من الحنفية فقط حيث لا يقول بهذا الخيار غيرهما من الأئمة.
هل يكون خيار البلوغ والإفاقة على التراخي؟
ينص الحنفية على أن الخيار من البلوغ والإفاقة يكون على التراخي لا على الفور فلكل من الصغيرين والمجنونين بعد البلوغ والإفاقة أن يختار الفسخ في أي وقت شاء ذلك ولو امتد الزمن مدة طويلة ما لم يظهر منهم رضاً بالعقد صراحة أو دلالة، أما الرضا صراحة فكان يقول من له الحق في الخيار بعد ثبوت الحق له أجزت النكاح أو أسقطت خياري في الفسخ وأما الرضا دلالة فكان تمكن المرأة الزوج من وطئها أو تطلب منه مهرها أو نفقتها أو ان يطأها الزوج أو يشترى لها بعض الحلي وغيرها، وهذا بالنسبة للرجل والمرأة الثيب، أما بالنسبة للبكر فإن مجرد سكوتها عن الفسخ لحظة واحدة بعد بلوغها وإفاقتها يعتبر رضاً منها بالعقد مسقطاً لخيارها وقيل بل أن ذلك محمول على المجلس لا الفور لكن الأول هو المرجح إذ أن سكوتها يعتبر إذناً منها بالزواج وإجازة لها في غير الإجبار فيكون كذلك في حالة الإجبار دون الثيب والغلام فإن السكوت لا يعتبر رضاً منهما ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الثيب تستأمر والبكر إذنها صماتها" وبذلك يكون الخيار في حق البكر على الفور مآلا إذا أن حقها في الفسخ يسقط بتأخرها عن الفسخ لحظة واحدة بعد البلوغ أو الإفاقة وذلك لاعتبار سكوتها في ذلك رضا بالنكاح، بدليل أنه لا يسقط في حق الثيب والغلام بذلك ولا فارق بينهما إلا هذا الاعتبار.
فكان اعتباره في حقها على التراخي سرياً على القاعدة العامة فيه.
هذا ولا يعتبر السكوت في حق البكر رضاً بالنكاح إلا إذا كانت عالمة بالعقد فإذا بلغت وسكتت مدة ثم ادعت عدم علمها بالنكاح فإنها تصدق بيمينها لأن ذلك محتمل في حقها.
فإذا سكتت البكر أو وطئ الغلام زوجته، أو مكنت الثيب من نفسها بعد البلوغ والإفاقة، ثم ادعوا الجهل بحقهم في الخيار فهل يصدقون؟
المذهب أنهم لا يصدقون في شيء من ذلك لأنه لا عبرة بالجهل بالأحكام في دار الإسلام.
طبيعة الفرقة بسبب خيار البلوغ والإفاقة وطريق وقوعها وصاحب الحق فيها.
الفرقة بخيار البلوغ والإفاقة عند الحنفية فسخ لا طلاق سواء أكانت بخيار الزوج او الزوجة لأنها ناتجة عن عدم لزوم العقد من أساسه في حقهم بحيث ترجع الفرقة بعد وقوعها على العقد بالنقض من أساسه فتكون فسخاً لاطلاقاً.
والفرقة بخيار البلوغ والإفاقة لابد لوقوعها من قضاء القاضي، لأنها فرقة مجتهد فيها ومختلف فيها بين الفقهاء وما كان كذلك من الفرق لم يقع بغير قضاء كما تقدم ثم هي ثابتة لدفع ضرر خفي وهو إمكان وجود الخلل في المصلحة التي قام العقد عليها بخلاف خيار العتق فإنه لا يحتاج إلى قضاء لقيامه على دفع ضرر جليّ وهو زيادة الملك على الزوجة بطلقة ثالثة فافترقا.
وصاحب الحق في الفرقة بخيار البلوغ أو الإفاقة هو الغلام أو الجارية البالغان أو المفيقان من جنون مطبق لذلك لا يحق للقاضي فسخ النكاح دون طلب منهما لأنه حقهما ولو فسخه دون طلب منهما كان الفسخ باطلاً لعدم قيام شرطة والعقد صحيح نافذ على حالة.
حكم المهر أو العدة ونفقتها بعد الفرقة بخيار البلوغ أو الإفاقة:
إذا وقعت الفرقة بخيار أحد الزوجين بعد البلوغ او الإفاقة قبل الدخول وما في حكمه من الخلوة أو الموت لم يكن للزوجة مهر مطلقاً سواء أكانت الفرقة بخيار الزوجة أو خيار الزوج أما إذا كانت بخيار الزوجة فواضح لحدوث الفرقة من قبلها وهي فسخ وأما إن كانت من قبل الزوج فكذلك لأنها فسخ هو كنقض للعقد من أساسه فلا يكون للزوجة فيها شيء من المهر.
وإن كانت الفرقة بعد الدخول وما في حكمه من الخلوة أو الموت كان للزوجة كامل المهر المسمى إن كان في العقد مسمى صحيح ولها مهر المثل إن لم يكن في العقد مسمى صحيح ذلك أن الدخول بعد النكاح الصحيح يثبت فيه كمال المهر.
أما العدة ونفقتها فحكمها في ذلك حكم العدة ونفقتها بعد الفرقة بخيار العتق اتجاه القوانين السورية والمصرية في التفريق بخياري البلوغ والإفاقة لم تتعرض قوانين الأحوال الشخصية المصرية والسورية لمسالة خيار البلوغ والإفاقة ومعنى ذلك أنه يرجع فيها إلى الراجح من مذهب أبي حنفية طبقاً للمادة(1) من القانون المصري رقم(24) لعام 1929م والمادة(305) من القانون السوري رقم(59) لعام 1953م.

إنهاء عقد الزواج

الفرق وأنواعها

الفرق جمع فرقة وهي في اللغة اسم للافتراق والمراد بها فقها ما ينتهي به عقد الزواج وتنحل بسببه الرابطة الزوجية وينقطع به ما بين الزوجين من علاقة الزواج.
والفرقة نوعان فرقة هي فسخ لعقد الزواج، وفرقة هي طلاق.
فالأولى وهي فرقة الفسخ نوعان:
أ- فسخ ينقض أصل العقد بسبب خلل قارن العقد وقت إنشائه، فيجعله غير لازم بالنسبة للزوجين أو لأحدهما، أو للولي الغاصب كالفسخ بخيار البلوغ أو الإفاقة والفسخ لعدم الكفاءة على رأي من يرى أن العقد ينعقد صحيحاً غير لازم، والفسخ لنقصان المهر عن مهر المثل على رأى أبي حنيفة.
ب- فسخ لا يعتبر نقض للعقد من أصله وذلك إذا كان الفسخ بسبب خلل طرأ على العقد يمنع بقاءه واستمراره كالفسخ بسبب إباء الزوجة عن الدخول في الإسلام وكالفسخ لرده الزوجة أو الزوج على رأى أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد أن الفرقة بسبب ردة الزوجة فسخ ، وبسبب ردة الزوج طلاق.
والفرق بين نوعي فرقة الفسخ أن الفسخ الذي يعتبر نقضا للعقد من أصله لا يوجب شيئاً من المهر إن لم يتأكد بمؤكد من المؤكدات السابق ذكرها سواء كان الفسخ قد حصل بسبب من قبل الزوج أو من قبل الزوجة ذلك لانه حيث كان الفسخ نقضاً للعقد تنتقض أيضاً أحكامه فيسقط المهر.
وأيضاً لا يلحق الزوجة أثناء عدتها من الفسخ طلاق فإذا طلق الرجل المرأة وهي في عدتها من الفسخ فإن هذا الطلاق لا يحسب من عدد الطلقات الثلاث إذا استأنفت حياتهما الزوجية بعد ذلك، ذلك لأن الطلاق أثر من آثار العقد وقد نقض بالفسخ فلا يثبت به طلاق وهذا الفسخ في أكثر أحواله يحتاج إلى قضاء القاضي.
أما الفسخ الذي لا ينقض العقد من أصلة فإن كان بسبب من قبل الزوج فإنه يوجب نصف المهر المسمى إن كان للزوجة مهر مسمى، ولا تجب المتعة  وإن كان الفسخ من قبل الزوجة فإنه لا يوجب شيئاً من المهر إذا لم يحصل ما يؤكده وإذا وقع الطلاق من الرجل في عدة الفسخ من هذا النوع فإنه يلحقها ويعتبر من الطلقات الثلاث عند استئناف الحياة الزوجية مع الزوج- وهذا الفسخ لا يحتاج إلى قضاء القاضي.
ثم أن الفسخ الذي لا يعتبر نقضاً للعقد ينقسم إلى قسمين:
1-      نوع يمنع الزواج بعده مؤبداً فلا يحل للرجل أن يتزوج بعده المرأة لكونه حصل بسبب من الأسباب التي توجب الحرمة على التأبيد كالفسخ بسبب ارتكاب أحد الزوجين مع أحد أصول الأخر أو فروعه ما يوجب حرمه المصاهرة بغية إلا ضرار.
2-      ما يمنع الزواج ويحرمه تحريماً مؤقتاً كالردة واللعان.
تكون الفرقة فسخاً في:
1)    الفرقة بسبب ظهور أن العقد وقع غير صحيح كأن يظهر أن الزوجة أخت للزوج من الرضاع أو أنها زوجة غيره أو معتدته.
2)    الفرقة بخيار البلوغ أو الإفاقة.
3)    الفرقة بسبب عدم كفاءة الزوج أو لنقصان مهر الزوجة عن مهر مثلها.
4)    الفرقة بسبب طروء ما يوجب حرمة المصاهرة.
5)    الفرقة بسبب ردة الزوجة أو امتناعها عن الإسلام وكذا الفرقة بسبب ردة الزوج عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
6)    الفرقة بسبب امتناع الزوج عن الإسلام عند أبي يوسف.
ومما سبق يتضح أن الفرق تختلف أسبابها، فتارة تكون بسبب من جانب الزوجة كالفرقة بسبب خيار بلوغها أو اعتراض أوليائها على الزواج لعدم كفاءة الزوج، أو نقصان المهر عن مهر المثل.
"صـ295ـ الزواج والطلاق في الإسلام د/بدران أبو العينين"

بحث حول شهادة الغريب الذي لم يكن من أهل الواقعة وفقا للقانون اليمني



 




بحث حول
شهادة الغريب الذي لم يكن من أهل الواقعة

تمهيد:
أهتم الفقهاء بالشهادة بإعتبارها أداة اثبات الحق والقضاء به فوضعوا لها قيوداً وحدوداً وحددوها بضوابط وشروط حتى تنتج أثرها في اثبات الحق لصاحبه والشهادة لا تؤخذ على علاتها ويسلم بها كما يدلي بها الشاهد فهي تخضع كباقي الأدلة الجنائية للتمحيص والتقييم للتحقق من شخصية الشاهد وضرورة توافر الشروط التي اشترطها الفقهاء فيه بحيث إذا تخلف أي شرط من هذه الشروط فإن هذه الشهادة لا تقبل وكذلك بالنسبة للشهادة نفسها فلا بد من صحتها ومطابقتها للواقع وعليه فسيكون بحثنا بحول الله تعالى حول شهادة الغريب عن المنطقة أو البلدة ومدى صحتها وذلك من خلال الآتي:
·       موقف الشريعة الإسلامية من الشهادة:
إن الشريعة الإسلامية الغراء قد حرصت على اشتراط صفات في الشاهد يجب أن تتوافر فيه لتكون شهادته صحيحة فكان من أهم تلك الصفات اشتراط العدالة التي نطق بها القرآن عند أمره بالشهادة فقال جل وعلا ( واستشهدوا ذوي عدل منكم) وذلك لأن الفاسق غير مؤتمن على اداء الشهادة فربما قال الزور وتجرأ على الشهادة بغير الحق فإنها إذا اختلت عدالة الشاهد صار غير مؤتمن وأصبحت شهادته غير مقبولة فكان لا بد عند جرح الشاهد من ذكر سبب الجرح وتعيينه كأن يقول رايته يقتل فلاناً أو يزني أو يسرق أو سمعته يكذب أو ينم أو يغتاب ذاكراً تاريخ ذلك.
وإذا كان من المسلم به أن الشهادة تلعب الدور الرئيسي في الاثبات فإن الفقه الاسلامي يقدمها على سائر البينات بل إن الفقهاء يكادوا أن يكونوا مجمعين في مختلف المذاهب على أن للشهادة حجيتها المطلقة.
في الاثبات إذ يتم بها اثبات جميع الوقائع القانونية والتصرفات ايا كان قيمتها أو نوعها فلم يفرق الفقه الاسلامي بين ما يمكن اثباته بالشهادة وما لا يمكن اثباته وانما اجاز اثبات سائر الحقوق سواء كان ذلك في الاموال أو غيرها كالجنايات وذلك متى أكتمل نصابها بينما غالبية القوانين تشترط قيمة معينة ولا تشترط نصاباً معيناً من الشهود لا يثبت الحق إلا به في غالب القوانين عدا بعض التشريعات كاليمين ولم تفرق القوانين غالباً بين شهادة الذكر والأنثى ولم يخص شهادة كل منهما بموضع كما هو الحال في الفقه الاسلامي ولم تجعل القوانين شهادة الرجل بشهادة امرأتين غالباً احترازاً من بعض التشريعات.
·       خصائص الشهاداة وشروطها:
أما خصائص الشهادة فنلخصها في النقاط الآتية:
1-   الشهادة حجة مقنعة وليست ملزمة فتقدير قيمة الشهادة يخضع للسلطات المطلقة للقاضي أياً كان عدد الشهود وايا كانت صفاتهم ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك وفي ذلك تختلف الشهادة عن الكتابة حيث أن هذه الاخيرة حجة بذاتها على النحو السابق بيانه .
2-   الشهادة حجة غير قاطعة أي ما يثبت عن طريقها يقبل النفي بشهادة اخرى أو بأي طريق آخر من طرق الإثبات وفي ذلك تختلف الشهادة عن الاقرار واليمين .
3-   الشهادة حجة متعدية أي ليست قاصرة على صاحبها وانما ما يثبت بها يعتبر ثابتا بالنسبة الى الكافة لأنها صادرة من شخص عدل من غير الخصوم وليس له مصلحة في النزاع ولكنها خاضعة في النهاية لتقدير القاضي وهي في ذلك تختلف عن الاقرار لأنه أخبار الانسان بحق لغيره على نفسه.
4-   الشهادة تعتبر دليلاً مقيداً لا يجوز الاثبات به الا في نطاق معين لتوافر فيها احتمال الكذب ولذلك فضل المشرع الكتابة عليها .
·       والأصل في الشهادة أن تكون مباشرة فيخبر الشاهد بما وقع تحت بصره وسمعه وتكون الشهادة فيما رآه بعينه كما إذا كان قد شهد حادثاً من حوادث السيارات فجاء الى مجلس القضاء يشهد بما رأى.
عمدة المسير في تقدير الدليل/ للقاضي محمد بن حسين المهدي- صـ257.
ولما كان الشاهد هو الذي يتحمل الشهادة ويقوم بأدائها في مجلس القضاء عند الطلب وما سمي الشاهد شاهداً الا لأنه يبين الحق من الباطل ولأنه شاهد الواقعة المراد اثباتها لذلك فقد اشترط الفقهاء شروط تسعة حتى تقبل شهادته وهذه الشروط هي:
1-   البلوغ.     2- العقل       3- الحفظ      4- القدرة على الكلام        
5-   الابصار والرؤية          6- العدالة      7- الاسلام    8- انتفاء الموانع كطروء الرق والفسق وارتكاب الكبائر ونحو ذلك.
فإذا ما توافرت هذه الشروط في الشاهد فإن شهادته تعد مقبولة وصحيحة بغض النظر عن جنسية الشاهد أو موطنه أو نحو ذلك ما لم يثبت خلافها أو نقيضها الا أنه قد ورد المنع من قبول شهادة من يستبعد منه أن يشهد بمثلها كشهادة بدوي في الحضر لحضري على حضري بدين أو بيع أو شراء ونحو ذلك مما يستبعد حضور البدوي فيه دون الحضري بخلاف ما إذا سمع البدوي الحضري يقر بشئ لحضري آخر أو رآه يفعل بحضري أمراً كغصب أو ضرب أو قتل فإنه لا يستبعد فتقبل شهادته فيه.
وظاهر كلام المالكية أنه مبني على الاستبعاد لمظنة الكذب وهو أن يشهد الشاهد وهو لا يعرف وكذلك خصصوا الدين والبيع والشراء مما كان لا يعرفه آنذاك في الغالب الا أهل الحضر اما اليوم فقد تبدل الحال.
وقد أورد ابن تيميه في المنتقى من حديث ابي هريره – رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول:
 ( لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية).
وقال الشوكاني : قوله:
 ( لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية ) .
هو الذي يسكن البادية في المضارب والخيام ولا يقيم في موضع خاص بل يرتحل من مكان الى مكان وصاحب القرية هو الذي يسكن القرى وهي المصر الجامع.
قال في النهاية: انما كره شهادة البدوي لما فيه من الجفاء في الدين والجهالة بأحكام الشرع ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها.
قال الخطابي أن يكون انما كره شهادة أهل البدو لما فيهم من عدم العلم بإتيان الشهادة على وجهها ولا يقيمونها على حقها لقصور علمهم عما يغيرها عن وجهها وكذلك قال أحمد وذهب الى العمل بالحديث جماعة من اصحاب احمد وبه قال مالك وابو عبيد وذهب الأكثر الى القبول قال ابن رسلان وحملوا هذا الحديث على من لم تعرف عدالته من أهل البدو والغالب أنهم لا تعرف عدالتهم وهذا حمل مناسب لأن البدوي اذا كان معروف العدالة كان رد شهادته لعله كونه بدوياً غير مناسب لقواعد الشريعة لأن المساكن لا تأثير لها في الرد والقبول لعدم صحة جعل ذلك مناطاً شرعياً ولعدم انضباطه فالمناط هو العدالة الشرعية إن وجد للشرع اصطلاح في العدالة والا توجه الحمل على العدالة اللغوية فعند وجود العدالة يوجد القبول وعند عدم قيامها يعدم ولم يذكر صلى الله عليه وسلم المنع من شهادة البدوي الا لكونه مظنة لعدم القيام بما يحتاج اليه العدالة والا فقد قبل صلى الله عليه وسلم في الهلال شهادة البدوي وذكر في موسوعة الفقه الاسلامي ج(12) صـ326 بعد أن ساق شروط الشاهد السالف الذكر وقال: وظاهر كلام الخرقي أن شهادة البدوي على من هو من أهل القرية وشهادة اهل القرية على البدوي صحيحة اذا اجتمعت هذه الشروط وهو قول ابن سيرين وابي حنيفة والشافعي وابي ثور واختاره ابو الخطاب وقال الامام أحمد اخشى أن لا تقبل شهادة البدوي على صاحب القرية فيحتمل هذا أن لا تقبل شهادته وهو قول جماعة من اصحابنا ومذهب ابي عبيد وقال مالك : كقول اصحابنا فيما عدا الجراح وكقول الباقين في الجراح احتياطاً للدماء قال واحتج اصحابنا بما رواه أبو داوود في سننه عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
 ( ولا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية ).
 ولأنه متهم حيث عدل عن أن يشهد قروياً واشهد بدوياً وقال أبو عبيد ولا ارى شهادتهم ردت الا لما فيه من الجفاء بحقوق الله تعالى والجفاء في الدين.
عمدة المسير/ صـ135-136.
قال ولنا أن من قبلت شهادته على أهل البدو قبلت شهادته على أهل القرية كاهل القرى ويحمل الحديث على من لم يعرف عدالته من أهل البدو وتخص بهذا لأن الغالب أنه لا يمكن له أن يسأله الحاكم فيعرف عدالته .
والظاهر أن الارجح بالاضافة الى عدم تحقق العدالة هو احتمال كذب الشاهد في شهادته وفي ذلك اختلال العدالة ايضا وقد صرح المالكية والامامية بإستبعاد ذلك كونه مصنة الكذب وعدم الضبط هذا فيما كان حال البدو عليه في ذلك الزمان أما اليوم فإن المعرفة – بفضل الله سبحانه- قد انتشرت في الغالب الاعم في البدو والحضر وصار البدو يعرفون ما يعرفه اهل الحضر كما أن التعليم الديني قد صار الكثير من البدو في البلدان الاسلامية يعرفون امور دينهم وتحقق العدالة في الكثير منهم أما أمور الدنيا فيكاد بيع الدنيا وشراؤها و معاملتها يقع اغلبها في ايديهم فلم يبق وجها لتجهيلهم في الغالب اذ هم اكثر الناس معرفة بأمور الدنيا بل قد صاروا يتطاولون في البنيان ولكن هذا لا يعني الغاء الحكم في عدم قبول شهادة الشاهد الذي يأتي من البدو وهو لا يزال على فطرته وجهله فإذا اتى من يشهد في مثل هذه الأمور وهو لا يعرفها فإن شهادته لا تقبل وإن كان من أهل الحضر فضلاً عن البدو و تخصيص البدو بالذكر في الحديث ليس الا لمجرد التنبيه بما كان عليه حالهم من البداوه والجفا وعدم المعرفة لما تدار به الامور في الحضر ولهذا كان رأي المالكية صائباً في اعمال الحديث على من كان حاله من الشهود من البدو مما لا يعرف مثله في الحضر.
ونحن اليوم اذا ما تبينا أن الشارع قد اشترط العدالة وابعد كل من كانت شهادته محل تهمة مظنة كذب فإن من يجهل امور الاسلام والشريعة لا تسمع شهادته في الاحكام ولو كان من ابناء جلدتنا اذا كان قد تربى في البلد غير المسلم وجهل احكام المعاملات وصار فيه من الجفاء ما يحتمل معه الكذب على اهله وابناء بلده لعدم توافر العدالة فيه ولا حتمال الكذب فعلى القاضي بما له من سلطة تقديرية أن يتحرى احوال الشاهد وأن من علم من حاله التجاسر على الكذب فإن شهادته لا تقبل كائناً من كان.
عمدة المسير /للقاضي حسين بن محمد المهدي- صـ137-138.
بما أن فقهاء الشريعة يشترطون أن يكون الشاهد قد شهد عن علم ومعرفة فلا يكفي الشاهد في جواز الشهادة في الفعل كالقتل والضرب الا الرؤية المحققة لذلك الفعل من فاعله نحو أن يقول في القتل أو الجرح أو الضرب- مثلا- رماه بطلقة نارية من بندقيته الآلي أو مسدسه أو طعنه بسيفه أو بخنجره أو ضربه بعصا أو بيده أو شجه بالسيف أو الفأس إلى غير ذلك من الامثله التي لا تنحصر مع بيان الزمان والمكان .
والأصل أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد في الفعل الا إذا رأى فعل الفاعل أو سمع كلام المتكلم ورآه جاز أن يشهد أن فلان الفلاني قال أو فعل كذا وكذا لقوله صلى الله عليه وسلم للشاهد وهو يريه الشمس:
 ( على مثلها فأشهد والا فدع).
الفقه المنهي على مذهب الامام الشافعي /د. مصطفى الخن ، مصطفى البغا- صـ567.
وقد قال العلماء لا تقبل شهادة على فعل من الافعال كالقتل والزنا وشرب الخمر ونحوهما الا بالابصار والمعاينة لذلك الفعل مع فاعله لأنه بذلك يصل به الى العلم اليقين فلا يكفي فيه السماع من الغير قال تعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم) .
كما أن الفقهاء اشترطوا أن يكون الشهود معلومين حتى تثبت عدالتهم ولذلك فقد قال الشافعي رحمه الله ( فإذا شهد الشهود عند القاضي فإن كان مجهولين كتب حلية كل واحد منهم ودفع في نسبه إن كان له نسب أو ولائه إن كان يعرف له ولاء ويسأله عن صناعته وعن كنيته إن كان يعرف بكنيه وعن مسكنه وموضع بياعاته ... الخ كما يجب عليه أن يفرقهم ثم يسأل كل واحد منهم على حده عن شهادته واليوم الذي يشهد فيه والموضع الذي شهد فيه ومن حضره وهلم جرا ثم يثبت ذلك كله ).
ويؤخذ من الفقه الاسلامي أن بيانات الشاهد والتعريف على احواله هي ضرورة لا تخضع لسلطة القاضي التقديرية ما لم يكن الشاهد علم معروف بالعدالة لأن الله سبحانه وتعالى يقول ( ممن ترضون من الشهداء ) ولا يمكن أن يكون الشاهد مرضيا وهو غير معروف ولربما احتاج في بعض الحالات الى التعريف به وتزكيته.
عمدة المسير- مرجع سابق- صـ132.


خلاصة البحث:

من خلال ما تقدم نخلص إلى الآتي:
من المعلوم أن شهادة الشهود بشكل عام تخضع لتقدير القاضي فقد يأخذ بها وقد يطرحها جانباً إذا لم يكن مقتنعا بها حتى ولو توفر فيها النصاب الذي حدده القانون فإذا تم للقاضي التأكد من استيفاء الشهادة للشروط الشرعية والقانونية الواجب توافرها فيها وانتفاء الموانع والتهم التي تمنع من قبولها والتي نصت عليها المادة (26) والمادة (27) اثبات يمني فإنها تصبح حجة ملزمة للقاضي يتوجب عليه القضاء بها وذلك بغض النظر عن صاحب الشهادة هل هو من أهل المنطقة أو الواقعة أم لا لانها صادرة من شخص عدل وتوفرت فيه جميع الشروط الشرعية والقانونية  ولم يبق بعد توفر كل ما اشترطه القانون والشر ع الا خضوع القاضي للهوى والميل واتباع شهوات النفس من رشوة أو محاباة أو مجاملة.
فالقاضي يتقيد من ناحية بالشروط الشرعية في وسائل الاثبات عامة وبالعدد والعدالة والصفة في الشهادة بشكل خاص هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا يعني ما تقدم أن القاضي قد يفقد حريته في الاثبات ودوره الايجابي وخاصة عند التهمة والشك كما أن القاضي لا يلزم بالشهادة ولو توفرت شروطها إذا كانت تتناقض مع علمه ولذا فاقتناع القاضي بالشهادة شرط لاعمالها والحكم بموجبها وهذا يتفق مع ما ذهبت اليه المذاهب الفقهية الاسلامية كما ذكرنا ذلك سابقساً.
والله ولي التوفيق،،،
ا