نشاة الخصومة وكيف تنشأ والاثر المترتب على عدم صحة نشأتها

 
مما لا شك فيه ان الخصومة ركن من اركان الحكم القضائي كما نصت المادة (٢١٧) مرافعات بقولها: [الحكم قرار مكتوب صادر في خصومة معينة من ذي ولاية قضائية شرعية وقانونية].
وتنشئ الخصومة على اطور ومراحل متسلسلة ومتتابعة تبدأ بالمطالبة وتنتهي بالحكم مادة (٢) من قانون المرافعات ما يعني وجود اجراءات تتوسط الطلب القضائي والحكم الصادر بشأنها، وقد تكفل المشرع بنفسه ببيان ماهية كل اجراء من اجراءات نشأة الخصومة وعناصرها وشكل كل اجراء على حدة وصفة القائم به في كل مرحلة وتلك الأطوار تتمثل بالآتي: -
الطور الأول الطلب القضائي: -
اوجب المشرع اليمني على المحكمة ان تفصل في كل طلب قدم اليها بشرط ان يكون الطلب مقدماً وفقا لأحكام القانون وذلك ما قضت به صراحة المادة (221) من ذات القانون بقوله: [يجب على المحكمة أن تحكم في كل طلب أو دفع قدم إليها وفقاً للقانون، ولا يجوز لها أن تحكم بما لم يطلبه الخصوم أو لمن لم يكن طرفاً في الخصومة أو عليه].
ولم يضع المشرع هذا الشرط إلا بعد أن نظم الطلبات القضائية من حيث أنواعها وشكلها واجراءات ارتباط المحكمة بها:
- فالطلبات الافتتاحية (الدعوى): خصص لها الباب الثالث من قانون المرافعات الموسم بـ (الدعاوى وسيرها) وعرف الدعوى في المادة (70) من قانون المرافعات بأنها الوسيلة الشرعية والقانونية لكل ذي ادعاء أو دفاع يرفعه إلى القاضي للفصل فيه وفقاً للقواعد الشرعية والقانونية، وأوجب لها شروط أبرزها :
ان تكون مكتوبا مادة (١٠٣) من قانون المرافعات، بنص المادة (١٠٤) من ذات القانون حدد الشكل والبيانات اللازمة توافرها في الدعوى (والطلبات القضائية على حد سواء).
طلبات عارضة: -فقد افترض المشرع اليمني رغبة الخصوم في اثارة طلبات جديدة اثناء انعقاد الخصومة سواء من جانب المدعي او من جانب المدعى عليه-لذلك نظمها المشرع، بصورة طلبات أسماها طلبات عارضة بين شروطها واركان قيامها ومنها ان تقدم بذات الطريقة التي تقدم بها صحيفة افتتاح الخصومة (الدعوى) وفقا لما نصت عليه المادة (197) من ذات القانون بقولها: -
[تقدم الطلبات العارضة من المدعي أو من المدعى عليه بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة بطلب مكتوب أو يقدم شفاهاً أو كتابةً في الجلسة في حضور الخصم ويثبت في محضر الجلسة].
ومنها (أن تكون مكتوبة ومتوفرة فيها البيانات الشكلية)، والحكمة التي ابتغاها المشرع من وجوب تقديم الطلبات العارضة بذات الشكل الذي تقدم به الطلبات الافتتاحية (الدعوى) تظهر بالعديد من الصور منها: -
-         استقلال كل طلب قضائياً مقدم من قبل المدعي عن الطلب القضائي المقدم من المدعى عليه.
-         تحديد المركز القانوني الصحيح للخصوم في الطلبات المقدمة من المدعى عليه، والطلبات المستجدة بعد الدعوى الافتتاحية، وتنبيه المطلع والمحاكم الاعلى درجة بعدم اقتصار الخصومة على الطلبات المقدمة في صحيفة الافتتاح.
-         امكانية استمرار الخصومة في الطلب العارض في حال استبعاد الطلبات الاصلية، واستمرار نظر الطلب العارض بمواجهة منصب عن المدعى عليه فرعيا المدعي أصلياً. وهي الغاية التي قرره المشرع اليمني في استمرار نظر القضية في حال غياب المدعي أصلياً.
الطور الثاني/ ارتباط(اتصال)المحكمة بالطلب القضائي (اتصالها بالطلب القضائي): -
 تتصل المحكمة بالخصومة بإيداع صحيفة الدعوى قلم الكتاب، وبهذا الإجراء تكون الدعوى قد رفعت إلى القضاء واتصلت بالمحكمة، ومقتضى ذلك أن الخصومة القضائية تنشأ بمجرد إيداع صحيفة الدعوى التي أطلق عليها القانون اليمني مصطلح (عريضة الدعوى) قلم كتاب المحكمة المختصة م (104/ج) مرافعات يمني.. (ومن ذلك الحين) ترتب الدعوى آثارها الإجرائية والموضوعية[1].
ولا يكون الطلب منشئا للخصوم الا إذا كان قضائيا ولا يكون الطلب قضائيا الا إذا اتصلت به المحكمة، وقيد في سجلاتها، فالخصومة تنشأ وتتولد عن المطالبة القضائية ليكونا معاً وحده قانونية لها نفس الطبيعة، فهي الأساس الذي يقوم عليه كافة إجراءات الخصومة القضائية التي لا توجد بدونها والتي يترتب على تخلفها انعدام كافة إجراءات الخصومة والحكم الصادر فيها لتخلف الإجراء الشكلي اللازم لوجودها[2].
فهذا الإيداع يعد ركناً شكلياً لازماً لوجود الخصومة قانوناً، بحيث يترتب على عدم وجوده من الناحية المادية أو القانونية انعدام الخصومة وكافة الإجراءات المكونة لها والحكم الصادر فيها[3].
وهذا لا يسري فقط على الطلب القضائي الأصلي (صحيفة الدعوى الافتتاحية)، وإنما يسري أيضاً على الطلب القضائي العارض الذي يقدم أثناء سير الخصومة، فما يسري على الخصومة عند نشأتها يسري على الخصومة التابعة المتعلقة بالطلب العارض، فالطلب القضائي العارض الذي يقدم في غياب الخصم أوجب القانون تقديمه بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى بإيداع صحيفة الدعوى قلم كتاب المحكمة وإعلانه لذوي الشأن م (202،197،189) مرافعات يمني، وهذا الإيداع يُعد ركناً شكلياً لوجود ذلك الطلب العارض المقدم في غياب الخصم، أما الطلب العارض الذي يقدم عن طريق إبدائه في الجلسة بحضور الخصم كتابة أو شفاهه فإن تقديمه في الجلسة يُعد ركناً شكلياً لوجوده قانوناً، ولذلك قد تنعقد الخصومة الأصلية صحيحة، غير أن الخصومة بشأن الطلبات العارضة التابعة قد يشوبها الانعدام *لعدم نشأتها واتصالها بالمحكمة وعدم انعقادها بين أطرافها*، ففي هذه الحالة يكون الحكم الصادر في الخصومة الأصلية صحيحاً، لكنه يكون منعدماً بالنسبة للخصومة التابعة المتعلقة بالطلبات العارضة، وهو ما يؤدي إلى الانعدام الجزئي للحكم. [4]

الطور الثالث/ الاعلان بالطلبات القضائية للخصوم فلا تنعقد الخصومة بدون اي اعلان صحيح على ما رسمه المشرع: ونحيل البحث بشأنه الى انعدام الخصومة.
 الطور الرابع/ الرد على الطلب من قبل المدعى عليه فرعيا او ممثله او من تنصبه المحكمة وعلى نحو ما رسمه المشرع: نحيل البحث بشانه الى ما المدونة بحث انعدام الاجراء


[1] د/ سعيد الشرعبي - المرجع السابق - ص 468، د/ نجيب الجبلي - قانون المرافعات - مرجع سابق - ص 452.
[2] د/ وجدي راغب - مبادئ القضاء المدني - مرجع سابق - ص 295 وما بعدها، د/ نجيب الجبلي - قانون المرافعات ص 449، د/ سعيد الشرعبي - المرجع السابق ص 414، د/ رمضان إبراهيم علام المرجع السابق ص 163 د طلعت خاطر المرجع السابق ص 40، د/ سيد أحمد محمود - أصول التقاضي - مرجع سابق - ص 248.
[3] د/ أحمد عبد الحميد - الرسالة السابقة - ص 168، د/ طلعت يوسف خاطر - المرجع السابق - من 54، د/خيري عبد الفتاح - المرجع السابق - ف 22 ص 90.

[4] كتاب نظرية الانعدام الاجرائي في قانون المرافعات اليمني -لـ د/هشام قائد عبد السلام الشميري- الطبعة الثانية 2023م-مكتبة ومركز الصادق- ص 381-382

الكيدية في التقاضي

 الكيدية في التقاضي:


من المعلوم أن إجراءات التقاضي وحق الدفاع مكفول شرعًا وقانونًا، وإن من المقرر فقهاً وقضاءً وقانونًا ، أن الأصل أنه لا جناح على من يستعمل حقه استعمالًا مشروعًا ، فلا يكون مسؤولًا عما ينشأ عن ذلك من ضرر بغيره، على نحو ما نصت عليه المادة (17) من القانون المدني. وما أوردته المادة من قيد على هذا الأصل جاء إعمالًا لنظرية إساءة استعمال الحق ، ويتمثل في أحد معايير ثلاثة يشترك فيها ضابط عام، كما قضت بذلك محكمة النقض المصرية، وهو نية الإضرار بالغير ، سواء في صورة تعمد الإساءة إلى الغير دون نفع يعود على صاحب الحق ، أو في صورة الاستهانة بالضرر الجسيم الواقع على الغير مقابل نفع يسير يمكن لصاحب الحق الاستغناء عنه ، أو إذا كانت المصلحة التي يهدف إليها غير مشروعة .


ومن القواعد الفقهية الثابتة: “الجواز الشرعي ينافي الضمان ، _أي أن الإنسان لا يؤاخذ بفعل ما يملك أن يفعله شرعًا ، فإذا وقع ضرر على الآخرين بسبب الفعل المأذون فيه ، فإن الشارع يمنع المؤاخذة ويدفع الضمان.


ومن هنا يُستخلص المبدأ القضائي والفقهي لتحديد الكيدية وتمييزها عن الاستعمال المشروع للحق ، وهو أن الشخص الذي يمارس حقه المشروع وفق القانون لا يلتزم بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن هذا الاستعمال ،مادام أن الممارسة ضمن حدود القانون ولا تتضمن قصد الإضرار أو إساءة الاستعمال.


أما إذا خرج استعمال الحق عن حد المشروع ، سواء بالنية المضرّة أو بتحقيق مصلحة غير مشروعة أو بإحداث ضرر جسيم مقابل نفع يسير ، فحينئذٍ يتحول الجواز المشروع إلى مسؤولية عن الضرر ويُطبق عليه قيد إساءة استعمال الحق .


ويستخلص من ذلك أن الضابط العام لمفهوم الكيدية في التقاضي ، هو التفرقة بين الحق المشروع وبين الاستعمال المشوب بالإضرار بالغير ، وهو ما يحدد مسؤولية صاحب الحق أو إعفائه منها ، ويستلزم على المحكمة ، عند الفصل في المسألة المتعلقة بالكيدية ، أن توضح في أسباب حكمها تحقق أركان الكيدية وعناصرها في كل حالة على حدة، مما يعني أن سوء النية والكيدية في التقاضي لا تُعد مفترضة، بل يلزم إثباتها بالأدلة.


هذا ما نراه في المسألة المعروضة ، والله أعلم.@


ص .التعكري.. منشور  في مجموعة على تطبيق الواتس اب في المنتدى القانوني  بتاريخ 21/9/2025م تمام الساعة 7:11 

الكد والسعي وطبيعته القانونية


الكد: مأخوذ من الفعل "كد يكد كدا" اي الشدة في العمل، وطلب الكسب والتعب.


ويأتي بمعنى الالحاح في الطلب، حيث يقال: كددت فلانا بالمسألة فاذا ألححت عليه بها وبالإشارة اليه عند الحاجة.
السعاية: أصلها من السعي، ومصدرها سعى يسعى سعياً من العدو.


ويقال سعى إذا مشى، وسعى إذا عداء وسعى إذا عمل وكسب، وسعى إذا قصد.
وعليه فإن الكلمتين تظهران معنى البذل والتعب والشقاء في تحصيل الرزق وتنمية المال ومنه قول الله عز وجل: (وأن ليس للإنسان الا ما سعى وأن سعيه سوف يرى)[1]


التعريف المختار في الاصطلاح القانوني لحق الكد والسعاية: (هو عبارة عن حق شخصي، يقوم على أساس مساهمة السعاة في إطار شركة عرفية على تنمية الثروة الأسرية أو تكوينها، مقابل استحقاقهم جزء من المستفاد يتناسب وقدر مساهمتهم حين إجراء القسمة، وكل ذلك يتم وفق مقتضيات العرف المحلي وقواعده)
ويستفاد من هذا التعريف نجد ان ميزته تكمن في كونه يحقق غايتين أساسيتين:


الغاية الأولى: أنه يشكل أرضية أساسية لحسم إشكالية المفهوم، 
الغاية الثانية: أنه يتضمن العناصر والمقتضيات الأساسية التي تمكن من الوقوف على الخصائص المميزة لحق الكد والسعاية وفهمه في إطاره السليم والشامل، وهو ما يمكن أن يتوضح من خلال بيان خصائص هذا الحق فيما سيأتي.

اما عناصر حق الكد والسعاية فتتمثل في[2]
العنصر الأول الساعي: وهو كل فرد يسعى ويبذل الجهد من أجل تكوين رأس المال وتنميته.

العنصر الثاني السعي: وهو العمل والجهد الذي يسهم به الساعي (طالب الدراسة) في تكوين رأس المال وتنميته.
العنصر الثالث تكوين رأس مال أو تنميته: 

العنصر الرابع المقابل المالي للسعي: هو المقابل الذي يحصل عليه الساعي بعد تحقيق العناصر الثلاث السابقة، ويتأثر مقابل السعي بمقدار الزيادة والنماء في المال، وكذلك بمقدار الجهد المبذول في تكوين رأس المال أو تنمينه.
ومن خصائص حق الكد والسعاية:

1)     انه حق شخصي: فحق الكد والسعاية يعد من قبيل الحقوق الشخصية بما هي (رابطة بين شخصين دائن ومدين يخول للدائن بمقتضاه مطالبة المدين[3]بإعطاء شيء، أو القيام بعمل، أو الامتناع عن عمل...) فصاحب حق الكد والسعاية ليس له حق مباشر على الشيء موضوع مطالبته، وإنما لابد من وسيط (المدين) يمكنه من حقه.
2)  انه حق يقوم على أساس وجود سعاة مساهمين: فالاستفادة من هذا الحق، تقتصر على السعاة المساهمين فقط، ومن دون تمييز بين ذكر أو انثى صغير أو كبير قريب أو بعيد، بشرطين:


الشرط الأول: انتماء السعاة إلى الأسرة التي ساهموا في تنمية أموالها أو تكوينها، وهنا لا يعتبر الأجنبي عن الأسرة ساعيا.
الشرط الثاني: يجب أن يكون السعاة مساهمين في مراكمة الثروة الأسرية، وهو ما يعني بالضرورة وجود نشاط إيجابي يقوم به الساعي.

3) انه حق مترتب عن شركة عرفية: والمراد بهذه الخاصية، بيان الطبيعة القانونية لهذا الحق من حيث كونه حقا شخصيا ناتجا عن شركة ذات طبيعة خاصة يمكن تسميتها (بالشركة العرفية)[4]
4)   انه حق يرتب لصاحبه استحقاق جزء من المستفاد عند القسمة: ومعنى ذلك أن اشتغال السعاة بتكوين مال الأسرة أو تنميته، يقابله استحقاقهم لجزء من المال الزائد على الدمنة -أي رأس المال -يناسب قدر ما ساهموا به وكدوا فيه.

5)   انه حـق يخضـع مـن حـيث القواعـد الضابطة له إلى مقتضيات العرف المحلي: إشارة إلى أن تنظيم حق الكد والسعاية نطاقا وإثباتا وقسمة، يخضع لمقتضيات العرف المحلي الذي نشأ به واستقر فيه.
بيان مشروعية حق الكد والسعاية[5]:

نظرا للطبيعة المزدوجة لهذا الحق فقد تباينت آراء الفقهاء حول أصل مشروعيته، وتمحورت في اتجاهين اثنين هما:
الاتجاه الأول: القاضي بعدم مشروعية حق الكد والسعاية

وتفصيل هذا الاتجاه ليس له محل في هذه الدراسة.
الاتجاه الثاني: القاضي بمشروعية حق الكد والسعاية

وهذا الاتجاه استند في مشروعية حق الكد والسعاية على أسس قانونية وشرعية عامة من أصول الشريعة[6]، فمنهم من اسند أصل مشروعية هذا الحق الى قول الصحابي، ومنهم من اسند أصل مشروعية حق الكد والسعاية الى فتاوى الفقهاء،
ومنهم من قال إن الأصل في المشروعية هو العرف والعادة، ومن الفقهاء من استدل ب (المبادئ العامة للشريعة الإسلامية) أبرزها فيما يلي:

الاستدلال من القرآن الكريم. قوله تعالى:( وان ليس للإنسان إلا ما سعى)[7]
الاستدلال بالقياس: وذلك من خلال قياس مسألة مساهمة الساعي في العمل بجهده على تصرف الشريك المفاوض.

الاستدلال بالقواعد الفقهية[8]: من ذلك قاعدة (العادة محكمة) متى وجدت العادة وفق شروطها وتم تحكيمها وفق الضوابط الشرعية، فإن استحقاق من ساهم في تنمية المال مقابل جهده وسعيه مما جرى به العرف، وقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) حيث إنه من الظلم والضرر أكل أموال الناس بالباطل وإهدار حقوقهم.
الاستدلال بالعقل: إن ما يقوم به المساهم بالكد والسعي طوال عمره، دون ان يكون له مقابل جهده وتعبه من الأموال الساعي فيها يعد ظلما، ولا يستقيم القول ان يفني طول عمره في تنمية مال ليس له فيه أي عائد او مردود.

وبالنسبة لطبيعة حق الكد والسعاية وتكييفه القانوني:
بالرجوع الى خصائص حق الكد والسعاية، نجد الظاهر من ذلك ان له طبيعة مزدوجة، لذلك فإنا نرى أن حق الكد والسعاية هو حق خاص مستقل له أحكامه الخاصة. ولوجود فروق جوهرية يتميز بها حق الكد والسعاية عن العقود المشابهة، والله تعالى أعلم.

وللوصول للتكييف القانوني السليم لهذا الحق لا بد ان نذكر اهم الفروق الجوهرية بينه وبيه الحقوق المشابه وذلك في الاتي:
تمييز حق الكد والسعاية عن عقد العمل:

-      عقد العمل أساسه اتفاق الأطراف، وهو الذي يحدد شروطه ومواصفاته
-      بينما العكس من ذلك في السعاية، حيث لا تنبني على اتفاق مسبق.

-      كذلك فإن الأجر عنصر أساسي في عقد العمل.
-      أما في السعاية قد لا يحصل الساعي مقابل سعيه في حال عدم تحقق النماء والزيادة؛ لأنه غير مجبر على سعيه في الأساس.

-      عقد العمل نظمه المشرع اليمني، وبين احكامه القانونية في قانون خاص (قانون العمل) وكذلك في قوانين أخرى كقانون التأمينات واصابات العمل... والقواعد العامة في القانون المدني.

-      اما حق الكد والسعاية فليس له أي تنظيم قانوني خاص، وانما يخضع للقواعد العامة وللعرف المحلي، المتوافق مع احكام الشريعة الإسلامية.
وخلاصة القول: فإن طبيعة حق الكد والسعاية ليست من عقود العمل، ولا تنطبق عليه احكامه، وما يؤكد ذلك ما نص عليه المشرع اليمني في المادة(3/ب) من قانون العمل، الذي نصت بقولها: (ب-لا يسري هذا القانون على الفئات التالية: ...8-الأشخاص التابعين لصاحب العمل العاملين معه والذين يعولهم فعلا بصورة كاملة أيا كانت درجة القرابة)

تمييز حق الكد والسعاية عن عقد الشركة:
-      عرفت المادة(621) من القانون المدني عقد الشركة بقولها: (عقد الشركة عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصته من مال أو عمل واقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة).

-      فالشركة يكون لها كيان مادي وشخصية معنوية بمجرد تكوينها حيث نصت المادة (622) من القانون المدني بقولها: (تعتبر الشركة بمجرد تكوينها شخصاً اعتبارياً ولكن لا يحتج بهذه الشخصية على الغير إلا بعد استيفاء إجراءات النشر وفقاً لما تنص عليه القوانين النافذة وإذا لم تقم الشركة بإجراءات النشر المقررة فإن ذلك لا يمنع الغير من التمسك بشخصيتها).
فإذا كان نص المادة آنف الذكر المقصود منه الشركات المؤسسة وفقا للإجراءات الشكلية التي يوجبها القانون، فإن ذلك يشكل اختلافا متباينا عن طبيعة حق الكد والسعاية، الذي يعد أكثر توافقا واتفاقا مع شركة الواقع او الشركة العرفية التي نصت عليها المادة(623) من القانون المدني بقولها: (تنعقد الشركة بالإيجاب والقبول وبكل ما يدل على المساهمة في رأس المال واقتسام الربح ويشترط لصحة العقد أن يكون التصرف المعقود عليه قابلاً للوكالة).

وبالتالي فإن طبيعة حق الكد والسعاية وان كان أكثر انسجاما مع طبيعة شركة الواقع، الا انه له طبيعة خاصة.
ومن اهم أوجه الاختلاف بين حق الكد والسعاية عن شركة الواقع (العرفية)

1-  الشركة العرفية تكون ذات عمومية فقد يكون الشركاء من الغير او أقارب، بينما حق الكد والسعاية يكون ذات خصوصية فلا يكون الا بين افراد الاسرة فقط.
2-  ان شركة الواقع أكثر انتشارا فيما بين الأصدقاء أكثر من الأقارب او افراد الاسرة الواحدة.

3-  حصص الشركاء غالبا ما تكون متساوية القيمة وأنها واردة على ملكية المال لا على مجرد الانتفاع وذلك ما نصت عليه المادة(624) من القانون المدني بقولها:(تعتبر حصص الشركاء متساوية القيمة وأنها واردة على ملكية المال لا على مجرد الانتفاع به ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك).
4-  ان الشركة العرفية تكون باتفاق مسبق بين الشركاء بخلاف الكد والسعاية فلا يكون باتفاق مسبق.





[1]  الآية (39) من سوره النجم.
[2]  لواتي لمياء، مسألة الكد والسعاية في القانون المغربي، من 127، مجلة القانون المغربي عند 28، دار السلام للطباعة والنشر، 2015م محمد مؤمن دراسة لحق المرأة في اقتسام الممتلكات المكتسبة خلال الزواج في ضوء الأعراف المغربية، من 19، ط1،


ا انظر: بن دريد، جمهرة اللغة (844/2) الهروي، محمد بن أحمد ت370هـ، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (122/1)، دار الطلائع، نظر است.
الهروي، تهذيب اللغة (58/3). الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2277/6).


المطبعة والوراثة المغربية 2006م. مؤمن، محمد، حقى الكد والسعاية، مجلة الحقوق عدد 2 جامعة الكويت مجلس النشر العلمي، 2006م، س 164 115
 


[3]  انظر: عبد الرزاق السنهوري ج8، م.س، ص: 603.
[4]  المقصود هنا بالشركة العرفية: الشركة التي تتميز قواعدها بخاصيتين:


-          خاصية الطابع العرفي: حيث تبقى القواعد الضابطة لها في جلها قواعد عرفية، سواء من حيث نشونها، أو تكوينها، أو من حيث تنظيمها، أو من حيث اثباتها وقسمتها.
-          خاصية الاستثناء عن القواعد العامة: حيث تمثل مقتضيات هذه الشركة قواعد استثنائية عن القواعد العامة التي ترتكز عليها أنواع الشركات القانونية الأخرى.


[5]  انظر مؤمن حق الكد والسعاية، ص 165الفقيه، أحمد، كلية الشريعة بأكادير، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1996م.
    محمد بن أبي بكر، المنهل العذب السلسبيل (237/22)، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1400هـ -الأراضي -1980


[6]  المقصود بأصول الشريعة: مصادر التشريع بالفقه الإسلامي، كالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والإجماع، والقياس، وما جرى به العمل وقول الصحابي، والاستحسان، والمصلحة المرسلة، والعرف وغيرها من المصادر المتفق عليها بين المذاهب، والمختلف فيها.
[7]  سورة النجم الآية (39)


[8]  انظر: الطبري، جامع البيان، (265/8)
    انظر: بلحركة، كمال حقوق المرأة العاملة عند النوازليين المغاربة، من 10، جامعة ابن زهر. المرداوي، علاء الدين أبو الحسن التعبير شرح التحرير        


    في أصول الفقه (3859/8)، مكتبة الرشيد، الرياض،.20001421 فاتي، لمياء، مسألة الكد والسعاية في القانون المغربي، ص 132. البركتي قواعد    


    
الفقه (16/1)    


اعداد الاستاذ ماجد اليوسفي                                                    اشراف الاستاذ سليمان نبيل الحميري