عدم تقيد المحكمة باسباب وموضع الدعوى يجعل حكمها باطلاً

 

فلا يجوز للقاضي أن يغير موضوع الطلب أو ان يتجاوز في حكمه حدود الموضوع المطروح عليه بأن يحكم بغير ما طلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه كما لا يجوز له أن يصدر في حكمه عن سبب غير سبب الطلب إذ يعتبر حكماً بغير طلب وكذلك لا يجوز له أن يحكم لمصلحة أو ضد شخص ليس طرفاً في الخصومة، وهو ما قررته المادة(221) مرافعات بقولها:

(يجب على المحكمة ان تحكم في كل طلب او دفع قدم اليها وفقا للقانون، ولا يجوز لها ان تحكم بما لم يطلبه الخصوم او لمن لم يكن طرفا في الخصومة او عليه ).

والمقصود بالطلب في هذا الخصوص هو الطلب الذي يقدم من أحد الخصوم الى المحكمة ابتغاء صدور حكم بتأكيد وجود حق او مركز قانوني أو نفيه أو ترتيبه لأثاره قبل خصمه.

ويشترط للاعتداد بهذا الطلب أن تكون عباراته صريحة وجازمة بحيث تعبر عن مضمونه أما إذا لم تكن العبارات جازمة في التعبير عن مضمون الطلب فلا يعتبر طلباً قضائياً ولا تلتزم المحكمة بالفصل فيه.

كما يشترط أن يكون موضوع الطلب معيناً تعييناً نافياً للجهالة فإذا كانت المطالبة بمبالغ من النقود وجب بيان نوعها

" د. الانصاري حسن النيداني :القاضي والجزاء الاجرائي في قانون المرافعات/– ط1 -1999م – صـ 8  ، 9".

فالطلب القضائي باعتباره وسيله لاستعمال الحق في الدعوى فإنه يتضمن ادعاء قانوني يطرح على المحكمة بهدف الحصول على الحماية القضائية له.

هذا الادعاء يتكون من موضوع وسبب واشخاص.

وهذا الادعاء ذاته يحمله طلب قضائي له شكل معين وعلى ذلك فعناصر الطلب القضائي يجب أن تفهم على انها عناصر الادعاء الكامن في هذا الطلب.

د. نبيل إسماعيل عمر :أصول المرافعات المدنية والتجارية/– ط1- 1986م.- ص490.

ويقصد بموضوع الادعاء الكامن في الطلب القضائي المحل المطلوب حمايته قضائيا ومقدارها.

فقد يهدف المدعي الى مجرد الحصول على حكم يقرر وجود حقه او انشاء مركز قانوني جديد او الزام خصمه باتخاذ اجراء معين أو القيام بأداء معين.

وعلى ذلك فموضوع الادعاء هو الحق أو المركز القانوني المطالب به أمام القضاء.

فيقصد بسبب الادعاء مجموع الوقائع المكونة للحق أو المركز القانوني المطلوب حمايته وهذا السبب يقدمه المدعي الى القاضي الذي يقوم بتقديره واعطائه وصفا قانونياً يسمح له بإنزال حكم القانون عليه محققاً بذلك الحماية القضائية للمدعي.

ولا يجوز للقاضي تغيير السبب مفهوماً بهذا المعنى والا يكون قد خرج عن حدود الطلب القضائي وتجاوز حدود وظيفته.

لأن السبب وفقاً للتعريف المعتمد له بإعتباره مجموعة الوقائع المولدة للحق المدعى به يرتبط برباط لا يقبل الفصم بموضوع الادعاء واي تغيير لأحدهما يتبع تغييراً في الآخر؛ لأنه بما أن موضوع الادعاء هو المطالبة بحق او بمركز قانوني وبما أن السبب هو مجموع الوقائع المولدة لهذا الحق او ذاك المركز القانوني فإن أي تغيير في أحدهما يؤدي الى تغيير مقابل وموازي للآخر.

د/نبيل اسماعيل عمر – المرجع السابق- صـ 496-497.

خلاصة ما سبق:

إن تحديد نطاق القضية يُلزم الخصوم والقاضي فمن ناحية ليس لأي من الخصمين ان يخرج عن نطاق الطلب الاصلي في أي عنصر من عناصره الا في الحدود التي يجوز فيها تقديم طلبات عارضة ويمتد هذا المنع ليس فقط الى تقديم الطلبات وانما ايضا الى ما يتعلق بأوجه الدفاع أو الدفوع أو تقديم ادلة الاثبات فهذه يجب أن تكون متعلقة بما قدمه من طلبات.

ومن صور التزام القاضي أنه ليس للقاضي الفصل خارج ما قدم له من طلبات سواء بتغير مضمون الطلبات او استحداث طلبات جديدة لم يطرحها عليه الخصوم.

ولــــــــــــهذا: ليس للقاضي أن يغير في السبب الذي اقيمت عليه الدعوى او في محلها او أن يفصل في الدعوى في مواجهة شخص لم يختصم فيها.

وعلى المحكمة الالتزام بحدود الطلبات المطروحة عليها من الخصوم وبما تتضمنه من وقائع يقوم عليها الطلب وليست ملزمه بتكييف الخصوم لهذه الوقائع او الطلبات.

د, فتحي والي :الوسيط في قانون القضاء المدني- 1980م- صـ 512-513.

ويترتب على التزام القاضي بإحترام مبدأ الطلب عدة أمور أهمها التزام المحكمة بالا تفصل فيما لم يطلب منها أو بما يتجاوز حدود ما طلب منها فإن خالفت المحكمة هذا الالتزام وحكمت بشيء لم يطلبه الخصوم او بأكثر مما طلبوه فإن حكمها يتعرض للطعن فيه بطرق الطعن المقررة.

" د/ الانصاري حسن النيداني: المرجع السابق - صـ13"

الدفع بجهالة الدعوى ليس دفعا ً شكليا

الدفع بجهالة الدعوى لا يعد دفعاً شكلياً بل دفعاً موضوعياً لتعلقه ببيان محل الدعوى وبقواعد الإثبات وحقوق الدفاع:

وبالتالي/ فهو دفعاً متعلقا بالنظام العام شأنه شأن الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً؛ او الدفع بالتناقض واللذين تتحد أحكامهما من حيث أن:

1)   كل من الجهالة والتناقض يوجبان عدم قبول الدعوى.

2)   من حق الخصوم إثارة أي من الدفعين في أية مرحلة تكون عليها الدعوى.

3)   من حق المحكمة إثارة هذين الدفعين من تلقاء نفسها وعدم قبول الدعوى إذا تحقق وجود الجهالة أو التناقض في الدعوى.

فالدفع بالجهالة من النظام العام لأنه يتعلق بإجراءات الخصومة، لذلك للمحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها، فلا يجوز السير في الدعوى ما دام أن بعض بنودها فيه غموض أو إبهام، وللمحكمة أن تكلف الخصم المعني؛ أي المدعي بالنسبة للائحة؛ الدعوى والمدعى عليه بالنسبة للائحة الجوابية؛ بتوضيح لائحته وإزالة الغموض فيها قبل الشروع في نظر الدعوى

د.عثمان التكروري الكافي في شرح قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية /المكتبة الاكاديمية- فلسطين/ ط 2019م ص283

والمقرر انه لما كان الحق المجهول لا يمكن حمايته...لذلك اشترط القانون تعيين ووصف وتحديد كافة البيانات الجوهرية المؤثرة في لائحة الدعوى؛ وأجاز لأي من الخصوم اثارة أي دفع يتعلق بالجهالة في أي مرحلة من مراحل الدعوى؛ كما منح المشرع القاضي سلطة التعرض لموضوع الجهالة؛ واباح للمحكمة اثارته من تلقاء نفسها.

"المرجع:محمد عمر داوود أبو هلال :الجهالة وأثرها في الدعوى:ط2013؛ مركز الكتاب الأكاديمي؛ صـ 147

وفي هذا السياق جاءت احكام المحكمة العليا مؤكدة على جوهرية الدفع بالجهالة وتعلقه بالنظام العام؛ ومن ذلك على سبيل المثال حكمها الصادر في الطعن رقم (639) لسنة 1979م والذي قالت المحكمة العليا اليمنية فيه بأنه : يشترط في صحة الدعوى من حيث الإثبات والإجابة عليها تعيين الحق المدعى فيه بحد أو لقب أو وصف، حيث إن هذه الدعوى قد جاءت خالية من تعيين الأرض المدعى بها بأحد الأوصاف الثلاثة المحددة في قانون الإثبات فإنها لذلك غير صحيحة لتخلف شرط من شروط صحتها، وأن بناء الحكم على هذه الدعوى مع اكتناف الجهالة بها يعتبر باطلاً.. ويلغى ما ترتب عليه وهو الحكم الاستئنافي.

ونخلص مما سبق إلى أن تحديد المدعى فيه بكامل شروطه يعتبر من أركان الدعوى؛ التي يترتب على إغفالها بطلان الحكم وما بني عليه، وهو الأمر الذي يستدعي من السلطة القائمة بتطبيق القانون الحرص على أن لا تقيد الدعوى في سجلات المحكمة إلا بعد أن تكون وقائع المدعى فيه كاملة؛ لما يترتب على ذلك من وجوب مطابقة الإثبات لما ورد في الدعوى من الوقائع، وأهم من كل ذلك أن النتيجة وهي الحكم لابد أن تكون مبنية على وقائع خالية من الجهالة والغموض وإلا كان الحكم برمته باطلاً، والعهدة في الاستيفاء يقع على محكمة الموضوع وهيئات الادعاء وقضاة التحقيق.

" د محمد ابن حسين الشامي :الوجيز في شرح قانون الإثبات اليمني الجيل الجديد ناشرون" صـ٣٥"

مما لا شك فيه ان الطلب القضائي باعتباره وسيله لاستعمال الحق في الدعوى فإنه يتضمن ادعاء قانوني يطرح على المحكمة بهدف الحصول على الحماية القضائية له.

وهذا الادعاء ذاته يحمله طلب قضائي له شكل معين وعلى ذلك فعناصر الطلب القضائي يجب أن تفهم على انها عناصر الادعاء الكامن في هذا الطلب.

د. نبيل اسماعيل عمر :أصول المرافعات المدنية والتجارية، مرجع سابق- ص490.

كما يشترط أن يكون موضوع الطلب معيناً تعييناً نافيا للجهالة فإذا كانت المطالبة بمبالغ من النقود وجب بيان نوعها ومقدارها.

" د. الانصاري حسن النيداني :القاضي والجزاء الاجرائي في قانون المرافعات ،مرجع سابق صـ 8  ، 9".

إن محل الاثبات في الفقه الإسلامي هو المدعى به ويشترط فيه ان يكون معلوماً؛ لأن فائدة الاثبات هي الالزام من القاضي؛ ولا يتحقق الالزام في المجهول.

المرجع: أ. د سعيد خالد علي جباري الشرعبي: حق الدفاع؛ امام القضاء المدني؛ مكتبة الصادق رقم الإيداع بدار الكتب الوطنية صنعاء (166/1998م)، صـ560

ومن الشروط المتطلبة قانوناً في الدليل ان يكون موافقاً للدعوى: فيجب ان يكون موافقاً للدعوى؛ أي يجب ان يكون مطابقاً لها لينتج أثره في الحكم بموجبه؛ فإن خالف الدليل الدعوى؛ فإنه لا يقبل لعدم توفر الربط بينهما لأن الدليل إذا خالف الدعوى فقد كذبها؛ والدعوى الكاذبة لا تقبل ولأن مخالفة الدليل للدعوى يؤدي الى التناقض مع تعذر الجمع بينهما.

فمن ادعى شيئاَ معيناً بالزمان او المكان او الوصف فقامت البينة بخلاف ذلك فلا تقبل تلك البينة للتناقض بين الدعوى والشهادة وكذلك إذا ذكر المدعي سباً للملك وذكرت البينة سبباً اخر فلا تقبل الدعوى للتناقض.

وإذا خالف الدليل الدعوى من كل وجه؛ فإنه لا يقبل ولا قضى به حيث تكون في هذه الحالة دعوى بلا بينة وبينة بلا دعوى كأن يدعي عمرو على بكر انه اغتصب منه ساعة ذهبية فيشهد الشهود انها ساعة فضية

حق الدفاع /مرجع سابق ص562

المحامي فهمي عقيل ناجي انعم