من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

الأحد، 20 ديسمبر 2020

إثبات الشركة العرفية وفقا للقانون اليمني

أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا بتاريخ 27/6/1999م في الطعن التجاري رقم(29) لسنة 1419ه وخلاصة هذا الحكم   (بعد الدراسة والتدقيق من الدائرة للطعن بالنقض والرد عليه و أوراق القضية فقد وجدت الدائرة إن الطاعن قد ذكر في طعنه إن الحكم ألاستئنافي أهدر الأدلة المقدمة من الطاعن أمام المحكمة الابتدائية بشان قيام الشركة العرفية فيما بين الطاعن والمطعون ضده وأضاف الطاعن في طعنه أن محكمة الاستئناف قد تدخلت في السلطة التقديرية لمحكمة أول درجة في تقدير الأدلة,ومن خلال المناقشة والمداولة فقد وجدت الدائرة إن واقعة قيام الشركة العرفية هي من الوقائع الموضوعية التي يجوز إثباتها بكل طرق الإثبات فلم يشترط القانون وسيلة معينة أو شكل معين لإثباتها,وحيث إن لمحكمة الموضوع السلطة التقديرية الكاملة في تكييف الوقائع وتقدير أدلتها وترجيح ما تطمئن إليه منها وان تطرح مالا تطمئن إليه ,وحيث إن لمحكمة الموضوع تقدير كفاية الأدلة أو عدم كفايتها في تسويغ النتيجة التي انتهت إليها, وبما إن المطعون ضده لم يجرح شهادات الشهود الذين استدل بهم الطاعن على وجود الشركة العرفية ,وحيث أن الحكم ألاستئنافي قد تجاهل كل ذلك إضافة إلى قصور تسببيه ,كما إن الحكم ألاستئنافي قد اخطأ في التكييف القانوني للعلاقة بين الطاعن والمطعون ضده حيث وصفها خطأ بأنها شركة أبدان وفقا للمادة (619) مدني في حين أنها شركة عرفية تنطبق عليها المادة (661) مدني ,ولكل ما سبق فان الدائرة تقرر إلغاء الحكم ألاستئنافي المطعون فيه وتأييد الحكم الابتدائي وإعادة الكفالة إلى الطاعن وتحميل الطاعن ضده المصاريف القضائية وإتعاب المحاماة عن مراحل التقاضي وإعادة الملف إلى محكمة الاستئناف لإرساله إلى محكمة الابتدائية المختصة للتنفيذ بموجب هذا الحكم ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية :


الوجه الأول :تعريف الشركة العرفية :


ذكر الحكم محل تعليقنا حرية إثبات الشركة العرفية بأية وسيلة من وسائل الإثبات وذلك يقتضي الإشارة بإيجاز بالغ إلى تعريف هذا النوع من الشركات حتى نستطيع الوقوف على خصوصية إثبات هذا النوع من الشركات ,فالشركة العرفية تسمى أيضا (شركة الواقع )وهذا النوع من الشركات شائع في اليمن بكثرة وتنشا هذه الشركات غالباً بين الورثة أو الأقارب أو الزملاء,ولذلك نظمها القانون المدني حيث عرفها في المادة (661) بأنها (الخلطة في الأموال والتكافؤ في الإعمال على إن يعمل شخصان أو أكثر كل بحسب ما يحسنه فيكفي كل منهم الأخر ويكون المستفاد منهم مشتركا بينهم جميعا وما يلزم احدهم يكون عليهم جميعاُ) وفي هذا المعنى ورد تعريف المذكرة الإيضاحية للقانون المدني اليمني القديم وهو تعريفها بالقول (الشركة العرفية هي الشركة التي تربط إفراد الأسرة الواحدة فتجعل كلا منهم شريكا شركة واقع يتعاون مع الشركاء في إنجاحها ويسهم في أعمالها بحسب طاقته وما يحسنه رجلاً كان أو امرأة أو صبياً مميزا أو غير مميزاً) .


الوجه الثاني: خصوصية إحكام الشركة العرفية في القانون اليمني:


نظم القانون المدني اليمني شركة الواقع في المواد من (661) وحتى المادة (667) وتنظيم القانون لشركة الواقع أو الشركة العرفية على هذا النحو دليل على شيوع هذا النوع من الشركات في اليمن واهتمام القانون واعترافه بوجودها, ومن خلال هذا التنظيم القانوني لشركة الواقع يلاحظ المطالع خصوصية هذا النوع من الشركات وانفراده عن غيره من الشركات في اغلب إحكامه ,حيث نصت هذه المواد على تطبيق العرف أذا لم يكن هناك تراضي بين الشركاء ,وان الناتج أوالربح يتم تقسيمه بين الشركاء بحسب تأثير عمل كل واحد منهم في هذا الناتج ,ويجوز أن يكون عديم الأهلية أو ناقصها شريكا في هذه الشركة ,وان الشخص الذي  يتقاضي أجراً نظير عمله لا يعد شريكا  في شركة الواقع ,وان كل شريك يعد وكيلا وكفيلا عن غيره من الشركاء فيما يقوم به من عمل , وان هذه الشركة تنتهي بالنسبة للشريك من وقت خروجه منها وعدم عمله فيها,كما انه يجوز أن تتضمن هذا الشراكة مالا وعملا وعندئذ يتم تقسيم الأرباح بحسب تأثير كل منها في الربح أو الناتج .


الوجه الثالث:خصوصية إثبات شركة الواقع: 


ذكرنا فيما سبق خصوصية شركة الواقع وانفرادها في أحكامها وتنظيمها عن غيرها  من الشركات فالغالب انه ليس هناك عقد أو اتفاق بين الشركاء كما أن هذه الشركة تتصل بالعمل الذي يقوم به كل شريك وتأثيره في الزيادة والنماء ,والعرف له اعتبار اكبر في مجال هذه الشركات حتى انه يٌطلق عليها مسمى الشركة العرفية,وكل هذه الاعتبارات كان لها التأثير البالغ في إثبات شركة الواقع, ومن ذلك إن هذه الشركة يتم إثباتها عن طريق أقوال الشهود الذين يشهدون على خلطة الأموال والتكافؤ في الإعمال بين الشركاء من خلال مشاهداتهم لأعمال الشركاء في شركة الواقع كما أنها تثبت بإقرار الشركاء بالخلطة والتكافؤ,كما أن العرف وسيلة من وسائل إثبات هذه الشركة ,وكذا قرائن الحال والواقع وتعاملات وظروف الشركاء لها مجال في إثبات هذه الشركة ومن ذلك قرينة عدم تقاضي الشخص لأجرته عن عمله فان ذلك قرينة على انه شريك في شركة الواقع ,إما الشركات الأخرى بما فيها الشركات النظامية فان الكتابة هو الوسيلة الأصلية لإثباتها وإذا تم إثباتها بهذه الوسيلة فلا ينبغي إثباتها بالوسائل الأخرى عملاً بقاعدة (ما ثبت بالكتابة لا يٌنفي إلا بالكتابة ).


الوجه الرابع:الفرق بين شركة الواقع وشركة الأبدان:


صرح حكم المحكمة العليا محل تعليقنا بان الحكم ألاستئنافي قد اخطأ في التكييف القانوني حينما وصف العلاقة بين طرفي الخصومة بأنها شركة ابدان في حين أنها طبقا للقانون شركة واقع ,وذلك يقتضي الإشارة بإيجاز إلى الفروق الجوهرية بين شركة الواقع وشركة الأبدان وعلى النحو الأتي:

يجب إبرام عقد الشركة في شركة الأبدان قبل عمل الشركاء سواء كان العقد شفوياً أو مكتوباً حسبما نص عليه الفقهاء ,إما شركة الواقع فلا يجب اتفاق الشركاء على الشراكة فالمعتبر فيها هو التكافؤ في الإعمال حيث يتصرف كل شريك عن نفسه وعن شركائه,ويتم الاستدلال على وجود هذه الشراكة بقرائن الحال والواقع وتعاملات وظروف الشركاء, وهذا هو الفارق الجوهري بين الشركتين , وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى ذلك.

لا تجوز شركة الأبدان في المباحات كالرعي والاحتطاب وبيع الحجارة بحسب ما نص عليه الفقهاء ,في حين تجوز شركة الواقع في المباحات.

يُشترط في شركة الأبدان ان يتساوى الشركاء في العمل وان يتحدد مكان العمل والصنعة ,إما في شركة الواقع فلا يشترط ذلك .

الربح والخسارة في شركة الأبدان يتبعان التقبل ,فالربح والخسارة يتم تحديده في العقد الذين يبرم قبل العمل إما في شركة الواقع فان الربح والخسارة يكون بين الشركاء بالسوية عند غالبية الفقهاء إلا إذا تفاوت تأثير عمل الشركاء في العائد أو الناتج.

ومن خلال ما تقدم من فروق بين الشركتين شركة الواقع وشركة الأبدان نجد ان الحكم محل تعليقنا قد وافق قول غالبية الفقهاء الذين يفرقون بين الشركتين على النحو السابق بيانه,والله علم.

السبت، 31 أكتوبر 2020

دعوى الاختصاص في التركة

 


أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 

دعوى الاختصاص تثير إشكاليات عملية كثيرة وتتسبب في تعطيل إجراءات القسمة في احيان كثيرة كما انها من اسباب اطالة اجراءات التقاضي في قسمة الأموال المشتركة أو قسمة التركة الشائعة، مع ان دعوى الاختصاص وسيلة قانونية حمائية لحقوق وأموال بعض الورثة المخالطة لأموال مورثهم، إلا أن دعوى الاختصاص لا يتم تطبيقها أو التعامل معها التعامل الصحيح بسبب القصور في فهم ماهيتها واغراضها وحالات تطبيقها وإجراءات رفعها والشخص الذي يحق له رفعها والاشخاص الذين يتم اختصامهم فيها، ومن هذا المنطلق وعلى هذا الاساس فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية في المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/3/2010م في الطعن الشخصي رقم (37187) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان بعض الورثة تقدموا بدعوى أمام المحكمة الابتدائية طلبوا فيها قسمة تركة ابيهم حيث اختصموا اخيهم الأكبر الحائز والمدير للتركة، فرد على دعواهم بأن مورثهم كان فقيرا معدما بمعرفة الجميع وبشهادة كل من عرفهً حيث كان يعمل شاقياً ليس له مال أو بيت وهذا معلوم للكافة واضاف المدعى عليه في رده على دعوى الورثة وفي دعواه المقابلة بالاختصاص  بانه  قد اغترب واشتغل خارج البلاد فقام بشراء المنازل والاراضي والسيارة والسلاح والطاحون وغيرها حيث ادعى المدعى عليه اختصاصه بتلك الأموال التي افاد بانها تخصه دون سواه، وقد سارت المحكمة الابتدائية في اجراءات نظر القضية حتى خلصت الى الحكم بأن غالبية الأموال محل الخلاف من تركة المورث والد الجميع واختصاص المدعى عليه الاصلي المدعي فرعياً بالأموال المذكورة في وثائقها انها ملك له، فلم يقبل المدعي بأن أموال التركة تخصه لم يقبل بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الشخصية رفضت الاستئناف وقضت بتأييد الحكم الابتدائي وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (ان كل ما احتج به المستأنف قد تم ابرازه أمام محكمة أول درجة التي قامت بمناقشته حسبما هو ثابت في الحكم الابتدائي) فلم يقنع المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الشخصية قررت رفض الطعن واقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (من خلال الرجوع الى الأوراق مشتملات الملف فقد تبين للشعبة ان الطاعن قد ذكر في طعنه : أن والده لم يكن يملك شيئاً من الأموال لأنه كان مزارعاً لدى بعض ملاك الأراضي الزراعية فلم غلات تلك الاراضي التي كان اجيرا فيها تغطي غلاتها مصروفه لمدة نصف سنة  فكان يشقى مع اخرين لتوفير لقمة العيش وكذلك لم يكن له بيت مملوك له وانما كان مستأجراً كما ذكر شهود الطرفين وهذا يعني انه لا يوجد لوالده اية كرمة موروثة من اسلافه مطلقاً إلى ان ذكر الطاعن ان الأموال محل الخلاف كلها مكتسبة منها ما هو باسم والده ومنها ماهو باسم الطاعن وماهو باسم اخيه وان كل تلك الأموال من سعيه اي الطاعن وشقاه وغربته الطويلة بشهادة الجميع، ومن خلال اطلاع الدائرة فقد تبين لها ان الطاعن لم ينهض بأي دليل لإثبات صحة ما يدعيه من الاختصاصات غير ما سبق الحكم به من المحكمة الابتدائية والمؤيد بالحكم الاستئنافي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية دعوى الاختصاص واطرافها واجراءاتها :

دعوى الاختصاص : هي الدعوى التي يرفعها احد الورثة ضد بقية الورثة مدعياً فيها ان بعض اموال التركة تخصه دون سواه وانها ليست من اموال التركة ويجب ان يرفق المدعي بالاختصاص المستندات والادلة المؤيدة لدعواه حتى لا يكون مصير دعواه مثل مصير دعوى الاختصاص التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا، ودعوى الاختصاص قد تكون أصلية يوجهها المدعي على بقية الورثة ابتداءً كما انها قد تكون دعوى مقابلة يرفعها المدعي بالاختصاص مقابل رفع الورثة دعوى قسمة التركة التي تحت يده مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا؛ فدعوى الاختصاص سواء اكانت أصلية أم مقابلة لا ترفع غالباً الا بين الورثة إلا أنه يحدث كثيراً ان ترفع دعاوى الاختصاص من غير الورثة مثل وزارة الأوقاف حينما تتم قسمة التركة وهي تشتمل على أوقاف وكذلك الحال بالنسبة لهيئة أراضي الدولة وكذا المؤجر والمعير والراهن اذا تم حصر التركة ودخلت في مفرداتها الأموال المؤجرة أو المعارة او المرهونة، ويتم رفع دعوى الاختصاص بالطرق المعتادة لرفع الدعاوى إلا أنه اذا كانت قسمة التركة رضائية فانه يتم تقديم طلب الى متولي القسمة، ودعوى الاختصاص طالما وهي متعلقة بقسمة التركة فانها تكون من الدعاوي الشخصية.

الوجه الثاني : حالات دعوى الاختصاص واشكالياتها :

تتلخص هذه الحالات في قيام المحكمة اوالقسام بادراج المال محل الدعوى ضمن التركة المراد قسمتها فيتضمن كشف حصر أموال التركة كل الاموال التي كانت بحيازة المورث؛ويحدث هذا حينما لاتتوفر الخبرة الكافية لدى من يتولى القسمة الذين لا يتأكدوا من ملكية المورث للأموال قبل حصرها في كشف الحصر كما أنه في احيان كثيرة يقوم الورثة المختلفون أمام القضاء أو هيئة التحكيم بالادعاء على بعضهم البعض بان اموالهم الخاصة هي من ضمن اموال التركة وعندئذ يضطر هولاء الى رفع دعاوى الاختصاص للدفاع عن اموالهم الخاصة ، حيث يدعون أن الأموال الخاصة ببعضهم من أموال المورث وتبعاً لذلك من أموال التركة، وعندئذ تتعقد اجراءات القسمة وتتعطل وتطول إجراءاتها لان دعوى الاختصاص يتم الفصل فيها في درجات التقاضي الثلاث التي تستغرق سنوات طويلة يتكبد خلالها الورثة المال والجهد والوقت إضافة الى اثارة الاحقاد والضغائن بينهم، ولذلك ينبغي على القسام أو القاضي ان يتحقق من ملكية المورث بواسطة الوثائق التي تدل على ان المال ملك المورث فلايتم ادراج أي مال في كشف حصر التركة الا بعد التأكد من ذلك، ومع هذا فان بعض الاشكاليات تظل قائمة بالنسبة للأموال المسجلة في وثائق الملكية باسم المورث في حين أنها قد تكون ملكا خاصاً لأحد الورثة فعندئذ يجب على القاضي والقسام اعتماد ما يرد في الوثائق إلا اذا ثبت خلافها بوثائق أقوى منها تدل على أنها ملك لغير المورث مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا الذي اعتمد على الوثائق التي دلت على أن الأموال المذكورة فيها ملك للمورث مع ان أقوال الشهود وواقع الحال كان يدل على ان المورث كان فقير جداً وان أبنه المدعي بالاختصاص الذي اغترب لفترة طويلة قد حصل على اموال وان الاب كان يشتري الاراضي والبيوت  باموال الابن  ويقوم الاب بالشراء باسمه وليس باسم ابنه ؛فالابن مقصر في هذه الحالة حيث كان ينبغي عليه الحصول على وثائق ضد  تثبت خلاف ما ورد في الوثائق التي لدى أبيه المورث، ولذلك فقد كان الحكم الابتدائي ومن بعده الحكم الاستئنافي واخيراً حكم المحكمة العليا تؤكد أن الأبن المدعي بالاختصاص عجز عن تقديم الوثائق التي تثبت اختصاصه بتلك الأموال مع انه قدم شهوداً على ذلك لان ما يثبت كتابة لا يدحض أو  لا ينفى الا كتابة خاصة في العقارات.

الوجه الثالث: دعوى الاختصاص ودورها في تعطيل إجراءات القسمة الرضائية:

 القسمة الرضائية تتم بالتراضي بين الورثة فان اجراءات حسم دعاوى الاختصاص يتم بسهولة وبرضاء الورثة الذين يعرفون حقيقة أموال مورثهم ومصدرها وكيفية اكتسابها ومصدرها ومدى صحة دعاوى الاختصاص، ولذلك فان دعاوى الاختصاص لا تعطل اجراءات القسمة إلا اذا كان  القسام قليل الخبرة، والا فانه يقوم بتجنيب الأموال محل الخلاف اذا تعذر عليه حسم الخلاف بين الورثة بشأنها حيث يتم تجنيبها كي تقسم لاحقاً مع المترك او موخر التركة؛ لان أية قسمة لا يمكن ان تتم فيها قسمة كل شيء فهناك أموال تظل متروكة أما ان تكون محل نزاع فيما بين المورث و الغير أو بين الورثة انفسهم كما ان هناك أموال للمورث تظهر لاحقاً بعد تمام القسمة الاصلية كديون أو استحقاقات كانت للمورث لدى الغير أو ارث كان مستحقا للمورث حيث تتم قسمة هذه الاموال بين الورثة لاحقاً، وانا اذكر انه في اواخر عام 1998م انه تمت قسمة تركة مواطن بسيط من محافظة إب وكانت تركته ضئيلة تمت قسمتها في أيام قليلة وبعد ذلك بستة اشهر تقريبا ظهرت له وصية من عمه الذي كان يحمل الجنسية البريطانية عن طريق السفارة البريطانية بصنعاء وكان مبلغ الوصية مليون ومائتين وثمانين ألف جنية استرليني، فاختلف الورثة بشأنها فما كان من القاضي الحكيم إلا أن حكم بقسمتها على غرار القسمة السابقة للتركة باعتبار ذلك الامر قد تم التراضي بين الورثة والاتفاق عليه عليه، ذكرت هذا لان بعض الاخوة الامناء والقسامين يحجمون عن قسمة التركة حتى يتم حسم كافة منازعات الورثة بشان حصر اموال التركة فاذا تم رفع دعوى الاختصاص بشأن بعض أموال التركة؛ وحجة القسامين في ذلك ؛ ان قسمة كل اموال التركة اذا لم تتم دفعة واحدة فانه سيترتب على ذلك تعدد الفصول وإعادة إجراءات القسمة للمال محل الخلاف.

الوجه الرابع : دعوى الاختصاص ودورها في تعطيل إجراءات القسمة القضائية وتوصية للمحكمة العليا :

اما القسمة القضائية فإشكالياتها في اليمن ليست خافية على أحد فاجراءاتها طويلة جدا، ومن أهم اسباب تعقيد وإطالة إجراءات القسمة القضائية في اليمن دعاوى الاختصاص. فقد ظهر لنا  ذلك اثناء مطالعة الحكم محل تعليقنا فالخلاف أصلاً لم يكن بشأن إجراءات القسمة والحصر والتثمين وتحديد وفرز الانصبة وانما كان منحصرا في دعاوى الاختصاص، حيث يتعمد بعض الورثة الاغنياء أو المستفيدين من بقاء التركة من غير قسمة يتعمد هؤلاء رفع دعاوى الاختصاص الكيدية فقد حدث في قسمة تركة ان تعطلت إجراءات القسمة القضائية لتركة من أكبر تركات اليمن بسبب دعوى اختصاص بشان سندات اسهم في شركة اردنية!!! وحدث أيضاً ان تعطلت إجراءات قسمة تركة تمتد في أربع محافظات في اليمن بسبب دعوى اختصاص في (مخزن لعلف الحيوانات) حيث تؤجل المحكمة الابتدائية إجراءات القسمة حتى يتم الفصل في دعوى الاختصاص والتأكد مما اذا كان المال المدعى به من اموال التركة أم يخص المدعي وبعد صدور الحكم الابتدائي في دعوى الاختصاص يتم استئنافه ثم الطعن بالنقض وطبعاً هذه المسألة ليست اجتهاداً مني فالقضاة والمحامون يدركون هذا الأمر جيدا؛ً ولذلك أوصي مخلصاً واتمنى من المحكمة العليا بموجب الصلاحيات المناطة بها قانوناً ان تصدر تعميماً إلى المحاكم بقسمة المتفق عليه من التركات وتجنيب المختلف عليه حتى تتم قسمته لاحقاً بعد حسم الخلاف بشأنه رضاءً أو قضاء؛والله اعلمً.

القتل بالسم في القانون والقضاء اليمني

 


أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تنوعت الأسباب والموت واحد مقولة صحيحة من حيث النتيجة ولكن وسائل الموت تختلف من حيث وحشيتها أو دلالتها على دنائة القاتل وسفالته وغدره وخطورته ولذلك فان وسيلة القتل لها تأثير في تشديد العقوبة ، ومع خطورة جرائم القتل بالسم أو بالاغتيال فان قانون الجرائم والعقوبات اليمني تجاهل القتل بالسم او بالاغتيال فلم يذكرهما ضمن الظروف المشددة للعقوبة   مع خطورة هذه الجرائم وكثرتها وخلافا لما هو مقرر في الفقه الاسلامي وفي القوانين الاخرى،ولذلك يتم في الواقع العملي تطبيق أحكام القصاص عليها الذي تشددت أحكام الشريعة والقانون وضيقت من نطاق تطبيقه الى اضيق نطاق ، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/1/2011م في الطعن الجزائي رقم (40118) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن النيابة العامة قدمت أحد الاشخاص بتهمة قتل شخص اخر عمداً وعدواناً وذلك بان سقاه مادة سامة قاتلة نتج عن ذلك وفاة المجني عليه حسبما هو مبين بالأوراق وطالبت النيابة من المحكمة معاقبة المتهم بالعقوبة المقررة شرعاً وقانوناً وفقاً للمادتين (16 و 234) عقوبات، وأمام المحكمة الابتدائية تقدم أولياء الدم بدعواهم بالحق الشخصي طلبوا فيها القصاص الشرعي من المتهم، وقد خلصت المحكمة الابتدائية الى الحكم (بإدانة المتهم بجريمة القتل العمد المنسوبة اليه في قرار الاتهام ومعاقبته بالحبس مدة ثمان سنوات من تاريخ القبض عليه تعزيراً له في الحق العام والزامه بدفع دية العمد لأولياء الدم بالإضافة إلى مخاسير القضية مائة الف ريال ، فلم تقبل النيابة العامة وأولياء الدم بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه ،ولكن الشعبة الجزائية رفضت الطعنين وايدت الحكم الابتدائي فيما قضى به باستثناء مخاسير التقاضي والغرامات المحكوم بها لاولياء الدم  التي عدلها الحكم الاستئنافي من مائة الف إلى خمسمائة الف ريال ، فلم يقبل المتهم واولياء الدم بالحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا لم تقبل الطعنين  شكلاً لتقديمها بعد فوات الميعاد المقرر قانوناً للطعن بالنقض ،وقد ورد في حكم المحكمة العليا (بما أن الطعنين قد تم تقديمهما بعد مضي المدة المقررة قانوناً بحسب مذكرة نيابة النقض  وقد تحققت الدائرة من صحة ذلك مما يتعين معه الحكم بعدم قبولهماً عملاً بقاعدة ما قضي بعدم قبوله شكلاً يتعذر نظره موضوعاً، ولذلك فان الدائرة تقرر عدم قبول طعن المحكوم عليه شكلاً وعدم قبول طعن أولياء الدم شكلاً واعادة كفالة الطعن للمحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية واعتبار الحكم المطعون فيه باتاً واجب النفاذ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : القتل بالسم في القانون اليمني وتوصيتنا :

حدد قانون الجرائم والعقوبات الاحكام العامة لجريمة القتل العمد بصفة عامة حسبما ورد في المادة (234) عقوبات ولم يشر إلى القتل غيلة او بالسم  حيث نصت هذه المادة على أنه (من قتل نفساً معصومة عمداً يعاقب بالاعدام قصاصاً إلا أن يعفو ولي الدم فان كان العفو مطلقاً أو بشرط الدية ومات الجاني قبل الحكم حكم بالدية ولا اعتبار لرضاء المجني عليه قبل وقوع الفعل، ويشترط للحكم بالقصاص أن يطلبه ولي الدم وأن يتوفر دليله الشرعي فاذا تخلف أحد الشرطين أو كلاهما واقتنع القاضي من القرائن بثبوت الجريمة في حق المتهم أو اذا امتنع القصاص أو سقط بغير العفو يعزر الجاني بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات ،  ويجوز ان يصل التعزير إلى الحكم بالاعدام اذا كان الجاني معروفاً بالشر أو ارتكب القتل بوسيلة وحشية أو على شخصين فاكثر أو من شخص سبق أن ارتكب قتلاً عمداً أو توطئة لإرتكاب جريمة أخرى أو لاخفائها أو على امرأة حامل أو على موظف أو مكلف بخدمة عامة أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته أو خدمته حتى لو سقط  القصاص بالعفو) ومن خلال استقراء النص القانوني السابق يظهر أن القتل بالسم يندرج ضمن القتل العمد إذا توفرت الشروط المقررة إلا أن النص المشار اليه لم يقرر أن القتل بالسم او غيلة من الظروف المشددة للعقوبة على خلاف القوانين العقابية العربية والأجنبية التي قررت أن القتل بالسم او غيلة من الظروف المشددة للعقوبة، ولو تضمن النص القانوني  السابق أن القتل بالسم من الظروف المشددة لجاز للقاضي أن يحكم بالاعدام  تعزيراً للقاتل بالسم اوغيلة حتى لو سقط القصاص، وفي هذا الشأن فإننا نوصي المشرع اليمني : بضرورة تضمين المادة (234) عقوبات عبارة (أو ارتكب القتل غيلة أو بالسم أو بوسيلة وحشية) حتى تستطيع الدولة القيام بواجبها في حفظ الأمن العام والسكينة العامة ومواجهة جرائم الاغتيال والقتل بالسم ، علماً بان الفقه الاسلامي يتناول القتل غيلة وبالسم ضمن الظروف المشددة التي يجوز تعزير الفاعل بالاعدام حتى لو سقط القصاص.

الوجه الثاني : القتل بالسم في القوانين العربية من الظروف المشددة للعقوبة : لخطورة هذه الجرائم فقد افرد قانون العقوبات الفرنسي  منذ العصور القديمة لهذه الجريمة نصاً خاصاً قرر فيه الاعدام لفاعلها حسبما كان مقرراً في (301) عقوبات فرنسي قديم  وان تم الغاء عقوبة الاعدام في القانون الفرنسي المعاصر الا ان القتل بالسم ضل ظرفا مشددا، ويقرر قانون العقوبات المصري في المادة (233) ان جناية القتل بالتسميم صورة من صور القتل العمد على شاكلة ما ورد في المادة (397) من القانون البلجيكي الذي الغى عقوبة الاعدام ومع ذلك ضل القتل بالسم من الظروف المشددة ، ويرجع اعتبار القتل بالسم من الظروف المشددة  الى خطورة هذه الوسيلة وما فيها من الخيانة والغدر فلا يستطيع المجني عليه تفادي هذه الوسيلة الاجرامية حيث قد  يتم قتله بالسم من قبل أقرب المقربين كالزوجة أو الاخ أو الولد مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فقد كان الجاني هو إبن عم المجني عليه علاوة على سهولة إرتكاب هذه الجريمة وصعوبة اثباتها ، ولخطورة هذه الجريمة فقد قضت محكمة النقض المصرية (انه لا يشترط لجناية التسميم ان يوجد سبق الاصرار لانها تنم عن خيانة وغدر وخسة لا مثيل لها) نقض ق 779 سنة 41 ).

الوجه الثالث : القتل بالسم في الفقه الاسلامي :

اختلف الفقهاء في وجوب القصاص في القتل بالسم فقال الشافعية لا يجب القصاص بل تجب دية شبه العمد لتناول المسموم للسم باختياره وهناك قول اخر عند الشافعية يذهب إلى وجوب القصاص في هذه الحالة لتغرير القاتل بالمسموم ،وقال الزيدية والحنفية لا قصاص في القتل بالسم  فيعزر القاتل بالعقوبة المناسبة ، وقال المالكية والحنابلة يجب القصاص في هذه الحالة لان السم يقتل غالباً فهو وسيلة للقتل (الموسوعة الفقهية الكويتية 5/182) ، والأقرب إلى الصواب وجوب القصاص في القتل بالسم، اما اعدام القاتل بالسم على سبيل التعزير فيذهب غالبية الفقه الاسلامي الى ذلك بالنظر الى جسامة الجريمة وخطورة المجرم.

الوجه الرابع : العقوبة المقررة للقتل بالسم في الحكم محل تعليقنا :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم الاستئنافي قد قضى بسجن الجاني ثماني سنوات تعزيراً في حين الحد الادنى للعقوبة هو السجن ثلاث سنوات والحد الأعلى عشر سنوات، ولا تثريب على الحكم لانه قد قام بتطبيق النص القانوني (234) عقوبات فلا تثريب على القاضي لان وظيفة تطبيق النصوص القانونية كما هي فلا يجوز له مخالفتها ، كما أن القاضي لم يستطع الحكم بالقصاص للقتل بالسم لتشدد الشريعة والقانون في اثبات فعل القتل بالسم ونتيجته وهي القتل، وهذا من الامور الاعتيادية لان القتل بالسم يتعذر إثباته فأقصى ما ورد في القضية من اثبات هو شهادة الشهود بان المجني عليه قد شرب القهوة في منزل الجاني وبعدها شعر بالام شديدة في بطنه وكان يصرخ ويطرش ويقول : سممني إبن عمي وبعدها مات وعند قيام المستشفى بفحصه،  ورد في التقرير ان سبب الوفاة سم الزرنيخ،والله اعلم

#قانونالجرائموالعقوبات_اليمني

#جريمة_القتل

موقف القانون اليمني من تحكيم المسئولين في الدولة ومدى صحة الاحكام التي يصدرونها

تحكيم المسئولين في الدولة 

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات العملية الواقعية قيام بعض المسئولين والقادة العسكريين وغيرهم من المسئولين بالسعي الحثيث واستغلال نفوذهم في استجلاب القضايا كي يتم تحكيمهم فيها وتصل الضغوط على الأشخاص في حالات كثيرة إلى قيام بعض المسئولين كالقادة العسكريين والأمنيين إلى استعمال القوة المادية والمعنوية لفرض انفسهم كمحكمين، ولا شك أن لهذا الموضوع تأثير بالغ على العدالة وعلى الوظيفة العامة التي يشغلها أولئك المسئولين، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5/10/2010م في الطعن المدني رقم (35402) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية وقوع خلاف بين شخصين على الشراكة في مشروع ماء فقام الطرفان المتنازعان  بتحكيم أحد القادة العسكريين في المنطقة التي يقع المشروع ضمن اختصاصها فقام القائد المحكم بإصدار حكمه الذي قضى بأن يحلف المدعي بالشراكة  في المشروع اليمين بأن مساهمته في المشروع بنسبة الربع لازالت قائمة فاذا حلف المدعي فيجب على المدعى عليه أن يحلف على صحة المخاسير والمصاريف التي دفعها لحساب المشروع فاذا حلف فيتحمل المدعي منها بحسب حصته في المشروع ، وقد قام المدعى عليه بتقديم دعوى بطلان حكم المحكم ،وقد ورد ضمن دعوى البطلان أن المحكم قائد عسكري لا يجوز له قانوناً أن يكون محكماً، وقد قامت محكمة الاستئناف بالخوض في موضوع الخلاف واستمعت إلى ادلة الخصوم وقامت بأخذ اليمين منهم بحسب ما قضى به حكم التحكيم، فلم يقبل المدعي بالبطلان بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض وقد ورد في أسباب الطعن أن المحكم قائد عسكري لا يجوز له أن يكون محكماً وفقاً للقانون، وقد قبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي بسبب خوضه في موضوع النزاع وعدم التزامه بالمادة (53) تحكيم التي تقرر أن اختصاص محكمة الاستئناف بالنسبة لدعوى البطلان يقتصر على الرقابة القانونية على حكم التحكيم ومدى تحقق حالة أو حالات البطلان المدعى بها باعتبارها محكمة قانون، فليس لها أن تتعامل مع دعوى البطلان مثل تعاملها مع الطعن بالاستئناف في الحكم الابتدائي الصادر من المحكمة الابتدائية ،اضافة الى ان حكم التحكيم معلقا باليمينً ولم يكن جازماً وحاسماً للنزاع واضرب حكم المحكمة العليا عن مناقشته كون المحكم قائد عسكري، وذلك يقضي منا أن نعلق على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : موقف القانون اليمني من تحكيم المسئولين : 

لم يتناول قانون التحكيم هذه المسألة فلم يفصح عن موقفه ازاء ذلك، اما قانون المرافعات فقد قرر في المادة (14) على أنه (يحظر على القاضي أن يكون مفوضاً أو محكماً في قضية منظورة أمام المحكمة التي يعمل بها) ومع أن هذا النص قد ورد ضمن ولاية القاضي وحدودها التي يترتب على مخالفتها انعدام الحكم الا أن المادة (15) مرافعات لم ترتب انعدام المحكم اذا خالف القاضي هذا الحظر وقبل أن يكون محكماً، وبناء على ذلك يترتب على مخالفة القاضي للحظر الوارد في النص القانوني السابق ذكره بطلان حكم التحكيم الذي يصدره وليس انعدامه، والظاهر أن الحكمة من حظر التحكيم على القاضي في نطاق المحكمة التي  يعمل فيها الحيلولة دون استعمال القاضي لتاثيره ونفوذه  في المحكمة لاستجلاب الخصوم الى تحكيمه وكذا حتى لا يكون التحكيم ذريعة للقاضي لإهمال عمله وفصله في القضايا المنظورة أمام المحكمة التي يعمل فيها القاضي حتى لو لم يكن القاضي نفسه ينظر فيها، اما بالنسبة للمسئولين الاخرين فقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم (40) لسنة 2002م بتاريخ 13/1/2002م وكذا تعميم وزارة العدل رقم (2) لسنة 2001م بتاريخ 21/2/2001م الذي تضمن منع محافظي المحافظات وقادة الألوية منعاً باتاً من التدخل في القضايا وقبول التحكيم في قضايا المواطنين. 

الوجه الثاني : القوة القانونية لمنع المسئولين من التحكيم في قضايا المواطنين وتوصيتنا 

لاحظنا في الوجه السابق أن منع مسئولي الدولة من التدخل في قضايا المواطنين وتوليهم للتحكيم في قضايا المواطنين ونزاعاتهم قد كان بموجب قرار مجلس الوزراء وتعميم صادر عن وزارة العدل وليس بموجب قانون مثلما ورد بالنسبة للقضاة، ولذلك فانه يترتب على مخالفة قرار مجلس الوزراء وقبول المسئول للتحكيم بطلان حكم التحكيم الصادر عن المسئول المخالف إضافة إلى مسائلته أدارياً أو تأديبياً لان العلة من منعه من التحكيم هي حماية المواطنين من ضغوط المسئولين وتأثيرهم على المواطنين وصدور احكام مجحفة بحقهم، ومع هذا أو ذاك فإننا نوصي بأن يكون هناك نص في قانون التحكيم يمنع الأشخاص الذين لا يحق لهم التحكيم لان قانون التحكيم هو القانون الخاص الأولى بالتطبيق.

الوجه الثالث : الاعتبارات والاسانيد التي يقوم عليها منع المسئولين من التحكيم : 

هناك في اليمن اعتبارات واسانيد كثيرة اقتضت منع المسئولين من التحكيم أهمها مكافحة الفساد إذ أن تحكيم المسئولين في قضايا المواطنين يحمل في طياته الفساد  فالتحكيم لبعض المسئولين واجهة من واجهات الفساد فقد كان بعض المسئولين يشاطروا المواطنين أموالهم بذريعة التحكيم بل ويمنعونهم من التصرف في اموالهم بذريعة التحكيم علاوة على أن التحكيم للمسئولين كان باباً من ابواب  الرشوة للمسئولين بستار التحكيم، كما أن بعض المسئولين كانوا يسعوا جاهدين لاستجلاب قضايا المواطنين للتحكيم والتحكم  فيها بل ان بعضهم كان يفتعل المشاكل لأصحاب الأموال حتى يتم تحكيمهم في حل الخلاف الذي افتعله هذا المسئول، كما أن غالبية المواطنين يكون الباعث لهم على تحكيم المسئولين هو الخوف من بطش المسئولين  وسطوتهم  وهذا يخالف فكرة التحكيم التي تقوم على رضاء الخصوم  عند اختيار المحكم، علاوة عن أن قيام المسئولين بالتحكيم في قضايا المواطنين يستغرق منهم وقتاً وجهداً طويلاً يشغلهم عن النهوض بمسؤولياتهم التي تم تعيينهم لاجل القيام بها، والله اعلم.

الأحد، 25 أكتوبر 2020

مفهوم العرف ومقارنته بالقانون

 

معنى العرف:

 مجموعة من القواعد غير المكتوبة, التي اتبعها الأفراد في سلوكهم أجيالاً متعاقبة, حتى نشأ الاعتقاد لديهم أن هذه القواعد أصبحت ملزمة, وأن مخالفها سيتعرض لجزاء الجماعة.

ويعد العرف من اصدق القواعد القانونية بوصفه نابعا من ارادة الجماعة, كما ان له دورا مهما في تكوين القواعد القانونية.

 فقد يكمل قاعدة قانونية يعتريها النقص او يفسر قاعدة غامضة, وقد يتحول  الى قاعدة قانونية تشريعية, حيث تقوم السلطة التشريعية بإصداره بصيغة قاعدة قانونية مشرعة, فيتحول الى قاعدة تشريعية مصدرها العرف.

أركانه:

الركن المادي:

مجموعة متواترة من التصرفات او الافعال, القادرة على تكوين روابط اجتماعية مصحوبة بجزاء, على ان تكون تلك التصرفات قد اتبعت بصورة مستمرة لمراحل طويلة, بحيث يسودها الثبات والاستقرار .

الركن المعنوي:

هو اعتقاد الناس ان ما ألفه هؤلاء الافراد قد اصبح ملزماً, وينشأ هذا الالتزام من شعور الافراد بضرورة تلك العادة, وبالتالي عدها ملزمة لهم, ويطلق على هذا الركن ايضا العنصر النفسي .

يعزو بعض الفقهاء الى ان القوة الملزمة للعرف تأتي من السلطة العامة, اي ان العرف يستند ضمنا الى رضا السلطة العامة بتطبيقه, ولكن يؤخذ على هذا الرأي بان العرف هو اسبق بالظهور من التشريع ، بينما تذهب طائفة اخرى من الفقهاء الى ان مصدر القوة الملزمة للعرف هو حكم القضاء, وقد ساد هذا الاتجاه خاصة في الدول التي تأخذ بنظام السوابق القضائية, مثل القانون الانكليزي.

 فالعرف في رأيهم لا يتكون الا بعد ان تطبقه المحاكم, وبالتالي فان مصدر العرف هو القاضي الذي يضفي عليه صفة الالزام, ولكن هذا الرأي مردود ايضا, لأنه يجعل من القاضي مشرعاً.

 اما جمهور الفقهاء فقد ذهبوا الى مصدر القوة الملزمة في العرف, هو رضاء الجماعة, لأن العرف نشأ عن اتباع الافراد لتصرفات سلوكية معينة, بمحض ارادتهم واستقر في اعتقادهم ان تلك القواعد اصبحت ملزمة .

 خصائصه:

العمومية:

 فالقاعدة العرفية لابد ان تخص طائفة معينة من الافراد تطبق عليهم بصورة متساوية, مثل القواعد العرفية المطبقة في مهنة الطب او المحاماة.

اتباعه على مدى اجيال متعاقبة:

لابد للعرف ان يتكون نتيجة اتباعه على مدى اجيال متعاقبة, او ان تكون مرت عليه مدة من الزمن, فضلا عن التواتر في استخدام القاعدة العرفية, اي ان يكون الافراد قد اتبعوها بصورة مطردة ومستمرة, لا تتخللها مراحل انقطاع .

أن يكون ملزم:

القاعدة العرفية لا تتكون الا اذا نشأ اعتقاد لدى الجماعة ان تلك القاعدة ملزمة, ويترتب على مخالفتها جزاء معين, اما اذا تخلف هذا العنصر, فان هذه القاعدة لا تعدو ان تكون مجرد عادة معينة لدى الافراد .

غير مخالفة للنظام العام والآداب:

 لابد ان تكون القاعدة العرفية غير مخالفة للنظام العام والآداب, اي انها لا تخالف القواعد الاساسية العليا المتبعة في الدولة, وان لا تتعارض مع القواعد التشريعية, ومن المهم ايضا عدم مخالفتها للناموس الطبيعي للأفراد .

عيوب العرف:

في أحيان كثيرة قد  يكون العرف غير مواكب للظروف المتغيرة التي يمر بها المجتمع على خلاف التشريع, لذا قد يتحول احيانا الى اداة تعرقل مصالح الجماعة الحديثة, كما انه قد يعتريه بعض الغموض, ويؤدي الى تعدد القوانين المطبقة على اقليم الدولة الواحد بتعدد الاعراف .

إفشاء اسرار العمل في القانون اليمني

 



اعداد / عبدربه يحيى احمد تاج الدين                    اشراف المحامي / أمين الربيعي .

المقدمة

المحافظة على أسرار العمل. فإن من مقتضيات الوفاء بالعقود القيام بكل ما من شأنه صيانة مقومات النجاح في المؤسسة سواء في العمل الحكومي أو الخاص أو حتى القطاع الخيري، ومن أهم هذه المقومات التي تحتاج لصيانة ورعاية: حفظ وصيانة المعلومات والخطط والتوجهات، والموارد والأشياء، فحين تقبل مؤسسة من المؤسسات انضمام فلان من الناس إلى كادرها الوظيفي, فإنها تتوقع أن يرعى مصالحها كما يرعى مصالح نفسه وأسرته التي ينتمي إليها، ومن المعلوم إدارياً أن قيمة بعض المصانع والشركات الكبرى تكمن أساسًا في المعادلات الكيميائية وخطط الإنتاج والعلاقة مع الحلفاء, وإن نقلها إلى جهة أخرى يرتقي إلى درجة الخيانة المدمرة. وحين نتأمل في واقع الناس وواقع المؤسسات والأعمال والوظيفة والموظفين نجد أن هناك باستمرار أمورًا غير مرغوب في نشرها وذيوعها واطلاع الآخرين عليها.. وقد جاء الإسلام بروعة توجيهاته، وعظمة أخلاقياته لتزرع في نفس المسلم أهمية حفظ الأسرار، وكتمانها، وخطورة الإثم في نشرها وإشاعتها..، وتبعا لذلك سنفرع بحثنا الى الاتي :

اولا / تعريف سر العمل :

ســر العمل

هــو كل معلومــة يعرفهــا صاحــب العمل أثنــاء أو بمناســبة ممارســة عمله، أو بســببها، وكان فــي إفشــائه ضــرر لشــخص أو لعائلــة أو لشــركة، أمــا لطبيعــة الوقائــع و للظــروف التــي أطاحــت بالموضــوع.

ثانيا/  تعريف الافشاء:

هــو اطــلاع الغيــر علــى الســر ويعنــي ذلــك أن الإفشــاء جوهــره هــو نقــل المعلومــات، أي أنــه نــوع مــن الإخبــار

ثانيا : شروط السر الوظيفي :

1-  ان يكون سرا بطبيعته او بسبب الظروف المحيطة به

2- ان لايكون معلوما للكافة

3- ان يعلم الموظف بالسر اثناء الوظيفة او بسببها

 

 

ثالثا/  انواع الاسرار :

1- اسرار بطبيعتها

2- اسرار حكمية

3- اسرار بناء على نص قانوني او تعليمات ادارية

 

 

 

رابعا :

أركان جريمة إفشاء اسرار العمل

الركــن المــادي فــي جريمــة إفشــاء اســرار العمل هــو النشــاط الــذي يشــكل ماديــات الجريمــة، إذ بــه تظهــر الجريمــة إلــى العالــم الخارجــي، وتتحــول مــن مجــرد نيــة دفينــة إلــى واقــع محســوس، وحتــى يتكــون لدينــا الركــن المــادي فــي جريمــة إفشــاء الأســرار لا بــد مــن توفــر عناصرهــا، وعناصــر الركــن المــادي فــي جريمــة الإفشــاء تتمثــل فــي ســر العمل  والنشــاط الإجرامــي لجريمــة إفشــاء الأســرار وكذلك علاقة سببية

 

 الركــن المعنــوي

  هنــاك ركنــاوالــذي يتألــف مــن القصــد الجنائــي العــام ومــدى تطلــب القصــد الجنائــي الخــاص فــي جريمــة إفشــاء الأســرار  ويتمثل في العلم والارادة .

 

 

 خامسا :

العقوبة المقررة لجريمة الإفشاء

تجــرم التشــريعات الجنائيــة فــي كثيــر مــن الــدول إفشــاء الأســرار، وتفــرض عقوبــات جنائيــة  على ذلك ومن بينها المشرع اليمني فقد بين  عقوبة تلك الجريمة وقد نص على الاتي مادة (258) : ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنه أو بالغرامة من كان بحكم مهنته أو حرفته أو وضعه مستودعا سر فأفشاه في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو استعمله لمنفعته أو لمنفعة شخص آخر ما لم يأذن صاحب الشأن في السر بإفشائه أو استعماله.((

 

 

 

وكذلك مانص عليه قانون العمل اليمني في المادة 35 :

أولا : يجوز لصاحب العمل أن ينهي العقد من جانبه بدون إشعار كتابي أو تحمل الأجر المقرر عن فترة الإنذار في الحالات التالية :

الفقرة :ي   ((إذا أفشى العامل أسرارا  خاصة بالعمل الذي يعمل فيه أو تلك التي يطلع عليها بحكم عمله))

 

 

وكذلك نص المادة 90 من ذات القانون :يجب على العامل أن يلتزم بتحقيق الآتي:

فقرة 7 (( المحافظة على أسرار العمل))

 

 

التوصيات والمقترحات

في حالة ان قام العامل بإفشاء اسرار العمل فلرب العمل وفقا لنصوص القانون ان يتخذ الاجراءات التالية :

1- فصل العامل من عمله دون سابق إشعار وبدون تحمل اجر فترة الإنذار

2-  في حال تحقق اضرار جراء تلك الاعمال رفع دعوى ضد العامل وذلك امام مكتب العمل (اللجنة التحكيمية العمالية) مطالبا في ذلك التعويض عما ما فاته من ربح ومال حقة من خسارة وعليه اثبات ذلك .

3-  في حالة ان ثبت قيام الموظف بإفشاء أسرار العمل فقد تصل العقوبة الى الحبس مدة لا تزيد عن سنة او بالغرامة وذلك وفقا لما نصت عليه المادة 258 عقوبات .

 

وبالله التوفيق::::

توضيح حول مسالة تقدم ما يكذب الدعوى محضاً في القانون اليمني

 

                                                                  

 يعد الأساس والسند القانوني للدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبه محضاً وقد نصت الفقرة (4) من المادة (186) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني والتي نصت بقولها (تعتبر ممن النظام العام الدفوع التالية؛ الدفع بعدم سماع الدعوى تقدم ما يكذبه محضاً) وكذلك نصت الفقرة (1) من المادة (14) من قانون الاثبات اليمني والتي نصت بقوله (لا تسمع الدعوى في الأحوال الاتية: 1 إذا تقدم ما يكذبه محضاً)

ولمعرفة المعنى القانوني للكذب الذي يعتد به كأساس لعدم سماع الدعوى ينبغي علينا الرجوع الى المراجع التي حددها القانون في تفسير النصوص القانونية وفقاً للمادة (18) من القانون المدني الذي قضت بقوله (المراجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقاها هو الفقه الإسلامي والمذكرات الايضاحية والكتب الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية المختصة)

اذ انه وبالرجوع الى الكتب الفقه الإسلامي نجد  انه قد بينت معنى الكذب الذي يكذب الدعوى أي يناقضها وهو ما قصدها المشرع في نص المادة ( 4/ 816) من قانون المرقعات حيث اعتبر الفقه أي قول صادر من المدعي يناقض ما ادعاه بانه كذب يكون مانع لسماع الدعوى  ولمدعى عليه دفع الدعوى بذلك التكذيب وجاء في المجلد الرابع من دور الحكام في شرحة مجلة الاحكام في الكتاب الرابع عشر تحت عنوان الدعوى المادة (15،16) ما يلي نصه التناقض هو سبق كلام من المدعى مناقض للدعوى أي سبق كلام منه موجب لبطلان دعوه ) وعرف التناقض لغةً بمعنى التدافع .

وشرعاً: هو صدر كلام من المدعى مناقض للدعوى ونضرب مثلا

ان يسبق من المدعى كلام منافي لكلام الذي يقوله في دعواه كأن يقر امام القاضي بعين بيده لغيره فيأمر القاضي بتسليمه لمن اقر له بها وبعد ذلك يدعي المقر انه اشترى هذه العين من المقر له بتاريخ سابق على وقت الإقرار فبذلك يكون مناقضنا اقراره الأول يكون معترف بملكية غيره في تاريخ  اقراره  وبدعواه الثانية يكون مدعي انه المالك في  ذلك التاريخ فذلك يمنع من قبول الدعوى الانه يعتد دليلا على كذب المدعى في دعواه اذ انه يستحيل الجمع في الصدق بين الشيء ونقيضه ولذلك نصت المادة ( 1/ 14) من قانون الاثبات يتضح وبما لا يدع  مجلا لشك ان التكاذب في الدعوى لا يكون الى من المدعي دون سواها ولا يكون الا في واقعة موضعية دون قانونية ـــــ للمحامي عبد الرقيب القاضي

 

لذلك يجهل البعض الشرط الأساسي لا عمال الدفع وهو ان بمثل ما سبق المدعي او الدافع ممن اقرارا او انكار ودعوة تكذيب محضا للدعوى الجديدة والمقصود بالتكذيب المحض التعارض التام بين ما سبق وبين ما يدعيه لاحقا والعارض التام هو الذي لا يقبل التأويل   والاحتمال من قريب او من بعيد ولكون الإقرار والانكار السابق لم يكن المدعي مضطرا تحت أي مبرر مثل

ادعاء شخص امام القاضي على شخص اخر انه له دين ولم يفي معه في سداد الدين فيقول الشخص الاخر لقد سبق أني اوفيتك فيكون منه للثبات والشهود والمدعي عليه اقامت البينة فإنه تسمع دعواه وتقبل البينة ولا يعتبر تكذيبا محضا متقدم من انكاره لأنه ملجا الجحود. للدكتور إسماعيل المحاقري

منقوله عن المحامي عبدالرقيب القاضي

                                

 

موقف الفقه الإسلامي من الإجهاض

 

 

 

موقف الفقه الإسلامي من الإجهاض

المقدمة:

شرع الله عز وجل النكاح وحثّ عليه ورغّب فيه، وجعله آيةً وعبادة، ومودةً وسعادة.

ولأهمية النسل, جعلته الشريعة الإسلامية أحد الضروريات التي لا تستقيم الحياة بدونه, لذا أحاطته بسياج منيع، وحافظت على حقوقه في كافة مراحل حياته, فحفظت للأجنّة منزلتها وحرمتها وحقوقها، وسنّ أحكاماً دقيقة لرعايتها والحرص على سلامتها ومنع إجهاضها في جميع مراحل نموها, بل إنّ الحقّ تبارك وتعالى عدّ الأجنّة من الآيات الكبرى الدالّة على عظمته وبديع صنعه، وجعلها برهاناً على أُلوهيته، وآيةً على البعث والنشور, يقول جل وعلا: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ, خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ, يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ, إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لقادر, يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ, فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ) الطارق الآية ( 7)

في هذا البحث المتواضع, سنوضح بأذن الله الاحكام التي سنها الإسلام للحفاظ على الأجنة, وبيان رأي فقهاء المذاهب الأربعة في إجهاضها , متمنيا التوفيق من الله عز وجل.

الإجهاض في اللغة:

مُجْهَض، يطلق على الحامل التي أسقطت حملها, وعلى السِّقْط, جهيض, و يُطلَق الإجهاض غالباً على اسقاط الولد ناقص الخلْقة، أو الذي لم يستبن خَلْقه، لكنه قد يُطلق على ما تم خلقه بعد نفخ الروح, ويأتي بمعنى الإملاص، أي الانفلات.

الإجهاض في اصطلاح الفقهاء:    

هو إلقاء الحمل مطلقاً، سواء كان ناقص الخْلِقة, أو ناقص المدة، مستبين الخلقة أم لا، نُفخت فيه الروح أو لم تنفخ، قصداً أم بغير قصد, أم تلقائياً.

أنوع الإجهاض:

1-   الإجهاض العلاجي:

و يعرف أيضا بالطبي, حيث  أن الطبيب الأخصائي هو من يقوم بهذه العملية كطريقة علاجية, إذا أتضح أن هذا الحمل يضر الأم أكثر مما ينفعها.

2-   الإجهاض المفتعـل (الجنائي) :

هو إجهاض إرادي مرغوب فيه, حيث تتعمد الأم عملية نزع الجنين لأسباب مختلفة, قد تكون اقتصادية أو اجتماعية, أو عدم الرغبة في حالة الحمل الغير شرعي.

3-   الإجهاض التلقائـي:

يختلف هذا النوع من الإجهاض من النوعين السابقين حيث يحدث لاإراديا, و ينسب معظم الأطباء أن هذا النوع يحدث لعدم استعداد الرحم للوصول بهذا الحمل حتى الولادة, فيطرده في الغالب ابتداء من الأشهر الأولى.

أركان الإجهاض:

1-   الركن الشرعي:

وهو الركن الذي يتعلق ببيان الأحكام والنصوص الشرعية المتعلقة بالتجريم والعقاب، ومدى قوتها، ومجال تطبيقها, ويستند على القاعدة الفقهية (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)

2-   محل الجريمة (الجنين)

ويشترط في وقوع الجريمة على الجنين:

-         وجود حمل، حتى يمكن طرده واخراجه بفعل الإسقاط.

-         أن يكون الجنين حياً في بطن أمه، قبل عملية الاعتداء.

-         أن ينفصل الجنين (كله) عن أُمه (ميتاً) وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية

أن يكون الانفصال (كله) (في حياة الأم) وهو مذهب الحنفية والمالكية,

ويترتب على هذا الشرط أن انفصال الجنين ميتاً بعد موت أُمه لا يعدّ جريمة إجهاض، لأن موت الأُم سبب ظاهر لموته على الأغلب، فتحقق موته بموتها.

-         اشترط جمهور الفقهاء أن يكون الجنين المسقَط (الجهيض) قد تجاوز المضغة وبدأ في مرحلة التصور، بصورة الآدمي جلياً أم خفياً، أو استبان بعض خلقه، أو انفصل لوقتٍ يعيش لمثله, لكن المالكية وبعض الشافعية والحنابلة يخالفونها الرأي, ويقولون بحرمة الإجهاض منذ لحظة التلقيح الأُولى، ومسؤولية الجاني مسؤولية كاملة عن اعتدائه.

حكم الإجهاض:

من الفقهاء من فرّق بين حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح ، وبين حكمه قبل ذلك, وبعد التّكوّن في الرّحم والاستقرار ، ولمّا كان حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح موضع اتّفاق, فإنه من المناسب البدء به, ثمّ التّعقيب بحكمه قبل نفخ الرّوح ، مع بيان آراء الفقهاء واتّجاهاتهم فيه :

أولا: حكم الإجهاض بعد نفخ الرّوح:

اتفق الفقهاء على أنّ نفخ الروح يكون بعد مئةٍ وعشرين يوماً من الحمل، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:

إن أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يَبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجَله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابُه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبقُ عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة) متفق عليه.

 الدليل المستمد من هذا الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم ينفخ فيه الروح) جاء هذا بعد أطوار النطفة، والعلقة، والمضغة، فكل طور مدته أربعون يوماً، ليكون مجموع الأطوار مائة وعشرين يوماً.

من هنا ذهب الأئمة والفقهاء إلى أن نفخ الروح يكون بعد أن يتم للحمل أربعة أشهر.

قال القرطبي(لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين يوماً، وذلك تمام أربعة أشهر، ودخوله في الخامس)

وقال النووي(اتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر)

وقال ابن حجر(اتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر)

ولا يعلم خلاف بين الفقهاء في تحريم الإجهاض بعد نفخ الرّوح.

فقد نصّوا على أنّه إذا نفخت في الجنين الرّوح, حرّم الإجهاض إجماعاً, وقالوا إنّه قتل له ، بلا خلاف.

والّذي يؤخذ من إطلاق الفقهاء تحريم الإجهاض بعد نفخ الرّوح,  أنّه يشمل ما لو كان في بقائه خطر على حياة الأمّ.

ثانيا: حكم الإجهاض قبل نفخ الرّوح :

في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح اتجاهات مختلفة وأقوال متعددة, حتى في المذهب الواحد , فمنهم من قال بالإباحة مطلقا, ما لم تنفخ فيه الروح,

ومنهم من قال بالإباحة لعذر فقط,  ومنهم من قال بالكراهة مطلقا  ومنهم من قال بالتحريم.

قول الشافعية والحنفية:

للشافعية والحنفية قولان:

 القول الأول: تحريم إسقاط الحمل الذي لم تنفخ فيه الروح، وهو ما كان عمره مائة وعشرين يوما، وقالوا( لا يشكل عليه العزل، لوضوح الفرق بينهما، أن المني حال نزوله لم يتهيأ للحياة بوجه، بخلافه بعد الاستقرار في الرحم وأخذه في مبادئ التخلق)

القول الثاني: ذهب جماعة من الحنفية والشافعية إلى جوازه, قال ابن الهمام في (فتح القدير)  (وهل يباح الإسقاط بعد الحبل ؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه ، ثم في غير موضعٍ قالوا : ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما, وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط, لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة )

وقال الرملي في (نهاية المحتاج) (الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا، وجوازه قبله ).

وفي حاشية قليوبي (نعم، يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه)

وقال المرداوي في (الإنصاف) (يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة)

قول الحنابلة:

قال ابن رجب الحنبلي في (جامع العلوم والحكم) : ورُوي عن رفاعة بن رافع قال : جلس إليَّ عمر وعليٌّ والزبير وسعد في نفر مِنْ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكَروا العزلَ، فقالوا : لا بأس به، فقال رجلٌ : إنَّهم يزعمون أنَّها المؤدة الصُّغرى، فقال علي : لا تكون موؤده حتَّى تمرَّ على التَّارات السَّبع : تكون سُلالةً من طين، ثمَّ تكونُ نطفةً، ثم تكونُ علقةً، ثم تكون مضغةً، ثم تكونُ عظاماً، ثم تكون لحماً، ثم تكون خلقاً آخرَ، فقال عمرُ : صدقتَ ، أطالَ الله بقاءك . رواه الدارقطني في (المؤتلف والمختلف).

ثم قال ابن رجب (وقد صرَّح أصحابنا بأنَّه إذا صار الولدُ علقةً، لم يجز للمرأة إسقاطُه, لأنَّه ولدٌ انعقدَ، بخلاف النُّطفة، فإنَّها لم تنعقد بعدُ، وقد لا تنعقدُ ولداً.

قول المالكية:

للمالكية قولان:

القول الأول:  تحريم إسقاط الحمل، فقد جاء في الشرح الكبير(ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم، ولو قبل الأربعين يوماً، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا).

القول الثاني:  كراهة إسقاط الحمل، وقد نقل هذا القول الدسوقي.        

عقوبة الإجهاض:

 اتّفق الفقهاء على أنّ الواجب في الجناية على جنين الحرّة هو غرّة,

لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وغيره  (أنّ امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى ، فطرحت جنينها ، فقضى فيه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بغرّة عبد أو وليدة ) .

 واتّفق الفقهاء على أنّ مقدار الغرّة في ذلك هو نصف عشر الدّية الكاملة ، وأنّ الموجب للغرّة كلّ جناية ترتّب عليها انفصال الجنين عن أمّه ميّتاً ، سواء أكانت الجناية نتيجة فعل أم قول أم ترك ، ولو من الحامل نفسها أو زوجها ، عمداً كان أو خطأً.

ويختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة ( وهي العقوبة المقدّرة حقّاً للّه تعالى مع الغرّة)

 والكفّارة هنا هي عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.

فالإمــام أبو حنيفة فَرِّق بين انفصال الجنين ميتاً، وانفصاله حياً، ويوجب الكفارة في الحالة الثانية دون الأولى، لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يوجب الكفارة حين أوجب الغُرَّة، وليس من بأس في أن يتقرب بها الجاني إلى الله في الحالة الأولى، فذلك أفضل له، مع أنها غير واجبة عليه.

أما الحنابلة فيرون وجوب الكفارة على سبيل الإطلاق، فعلى كل جانٍ (في هذه الجناية) عتق رقبة، سواء أكان الجنين حياً أم ميتاً، وهذا قول أكثر أهل العلم,  منهم الحسن، وعطاء، والزهري، والحكم، ومالك، والشافعي.

 قال ابن المنذر (كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أوجب على ضارب بطن المرأة تلقي جنيناً، الرَّقَبَة مع الغُرَّة)

وسند هذا الرأي قول الله تعالى : (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمنـا خطأ فتحـرير رقبة مؤمنة)، إلى قوله : (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) النساء الآية (92)

الإجهاض المعاقب عليه:

 يتّفق الفقهاء على وجوب الغرّة بموت الجنين بسبب الاعتداء، كما يتّفقون على اشتراط انفصاله ميّتاً، أو انفصال البعض الدّالّ على موته,

إذ لا يثبت حكم المولود إلاّ بخروجه, ولأنّ الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت، وبالإلقاء ظهر تلفه بسبب الضّرب أو الفزع ونحوهما، غير أنّ الشّافعيّة قالوا, لو علم موت الجنين وإن لم ينفصل منه شيء فكالمنفصل.

والحنفيّة يعتبرون انفصال الأكثر كانفصال الكلّ، فإن نزل من قبل الرّأس فالأكثر خروج صدره، وإن كان من قبل الرّجلين, فالأكثر انفصال سرّته.

والحنفيّة والمالكيّة يتفقان على أنّه لا بدّ أن يكون ذلك قبل موت أمّه,

قال الحطّاب والموّاق (الغرّة واجبة في الجنين بموته, قبل موت أمّه)

وقال ابن رشد (ويشترط أن يخرج الجنين ميّتاً, ولا تموت أمّه من الضّرب)

أمّا الشّافعيّة والحنابلة فيوجبون الغرّة, سواء أكان انفصال الجنين ميّتاً حدث في حياة الأمّ, أو بعد موتها, لأنّه كما يقول ابن قدامة (جنين تلف بجناية، وعلم ذلك بخروجه، فوجب ضمانه كما لو سقط في حياتها,

ولأنّه لو سقط حيّاً ضمنه، فكذلك إذا سقط ميّتاً كما لو أسقطته في حياتها)

ويقول زكريّا الأنصاريّ (ضرب الأمّ، فماتت ، ثمّ ألقت ميّتاً، وجبت الغرّة، كما لو انفصل في حياتها)

الخاتمة:

تأسيسًا على ما سبق قوله، فقد اختلفت وجهات نظر الفقهاء في الإجهاض، وإن كان إجماعهم قد انعقد على حُرمته بعد نفخ الروح, إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك, والضرورة تقدر بقدرها.

 والمسألة خلافية فيما بينهم في حكم الإسقاط  قبل نفخ الروح, فمنهم من منعه مطلقاً, ومنهم من قال بالكراهة, ومنهم من أجاز بعذر, لكنَّ ومع كلِّ هذا, فالشريعة جاءت برفع الحرج ودفع الضرر، من هنا وجدت حالات استثنائية خاصَّة جداً يجوز فيها إسقاط الجنين، وهي التي يصح أن توصف بالعذر الشرعي,  وهذا ما تقضى به مقاصد الشريعة وأدلتها العامة،  قال تعالى (...يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...)  البقرة الآية(185) ، و(ما خُير الرسول صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما)

خلاصة القول والذي بات واضحًا لنا، حُرمة الإجهاض على طلاقة هذه الحُرمة، مع عدم إغفال الضرورات، فلها حكمها، لأنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها، كما يقول أهل العلم، فالإسلام لا يسد الطريق أمام ذوي الأعذار, والحاجات.‏

المراجع:

القرآن الكريم

محمد سعيد البوطي (مسألة تحديد النسل وقاية وعلاجا)

المرادوي (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الامام احمد ابن حنبل)

ابن رجب الحنبلي (جامع العلوم والحكم)

الرملي (نهاية المحتاج)