الفرق بين إثبات الواقعه المحظور في قانون الاثبات وبين إثبات الحالة التي أعدّها القانون من المسائل المستعجلة في القانون اليمني


الفرق بين إثبات الواقعه المحظور في قانون الاثبات وبين إثبات الحالة التي أعدّها القانون من المسائل المستعجلة
قررت المادة (8) مكرر من قانون الاثبات الشرعي عدم جواز نظر المحاكم لطلب اثبات الواقعه إذ نصت في شطرها الأخير على أنه: (.... ويحظر على المحاكم حظرا باتا النظر في طلب ما يسمى بإثبات الواقعه واصدار أي قرار بشأنه).
ويبقى السؤال الأهم: ما لفرق بين إثبات الواقعه المحظور في النص القانوني سالف الذكر وبين إثبات الحالة التي أعدّها القانون من المسائل المستعجلة بصريح نص المادة(240) الفقرة 3 من قانون المرافعات التي قضت بأنه: (وتعتبر من المسائل المستعجلة في الحالة التي يخشى عليها من فوات الوقت ما يأتي:
.......3) طلب اثبات الحالة...(.
فهل يوجد تعارض بين النصين القانونيين؟ أم ان طلب إثبات الواقعه يختلف في دلالته ومعناه عن طلب اثبات الحالة. ذلك ما نأمل بحثه ومناقشته من الجميع.
فإن الحظر المقرر بنص المادة (8) مكرر من قانون الإثبات الشرعي محصور في طلب إثبات الواقعة فقط أما طلب إثبات الحالة فقد جاء حق الإدعاء به أمام المحاكم مقرراً للخصوم بنص قانوني خاص هو نص المادة (240/3) من قانون المرافعات وذلك لا يتعارض مع نص م(8) مكرر من قانون الإثبات لإختلاف طلب إثبات الواقعة عن طلب إثبات الحالة من حيث المفهوم والدلالة: -
وبالنسبة للواقعه:
فقد تصدى المشرع اليمني لتعريفها والتمثيل لها بنص قانوني جامع مانع حيث نصت المادة(129) من القانون المدني على أنه:
((الواقعة هي أمر حاصل بالفعل سواء أراده الانسان أم لم يرده ولكن القانون يرتب عليه حقوقاً للإنسان أو عليه كميلاد الانسان وموته ونسَبِه وشيوع الملك والجوار فيه وكون الانسان موظفاً في الحكومة أو عاملاً لدى آخر وغير ذلك من العلاقات العامة او الخاصة)).
وفيما يخص إثبات الحالة :-
فقد استقر تعريفها في أوساط الفقه والقضاء القانوني بأنها: وصف لحالة راهنة وتأكيد لوضع قائم بأوصاف معينة أو تأكيد معالم قائمة يمكن ان تتغير بمرور الزمن فتضيع منها كل أو بعض الآثار الكائنة فتضيع منها كل أو بعض الآثار الكائنة فيها قبل عرض النزاع على قضاء الموضوع.
وفي ذات السياق يؤكد القاضي د/عبدالملك عبدالله الجنداري في كتابه: القضاء المستعجل طبعة 2017م صـ(395) ما لفظه حرفياً
((وتأكيدا ً لهذا القصد فقد جاء تقرير لجنة العدل والأوقاف بمجلس النواب ليبرر نص الفقرة (3) من المادة (240) من قانون المرافعات بقوله: [دعوى اثبات الحالة إثبات حالة طريق او تلف البضائع او اغراض الأرض حتى لا تضيع معالم الواقعة التي تصبح محلاً لدعوى في المستقبل] )).
وبذلك فإن اثبات الحالة يَرِدُ على أثار ومعالم الأشياء وليس على الشيء ذاته وذلك ما يجعل طلب إثبات الحالة مختلف جذرياً عن طلب "إثبات الواقعة" وبالتالي فليس هناك أي تعارض بين نص المادة (240) مرافعات ونص المادة (8) مكرر من قانون الاثبات.
                           المحامي عبدالعزيز المعلمي


من هفوات التشريع اليمني القضاﺀ بمالم يطلبه الخصوم أوبأكثر مماطلبوه وتناقض المنطوق مع بعضه

من هفوات التشريع اليمني). 
القضاﺀ بمالم يطلبه الخصوم أوبأكثر مماطلبوه وتناقض المنطوق مع بعضه أحد العيوب الاجرائيه المبطله للحكم القضائي ، وقد أعَدّهما المشرع من حالات الطعن في الأحكام بطريق الالتماس المنصوص عليها بالماده(304) من قانون المرافعات.
ومايؤخذ على المشرع اليمني أنه حدد نقطة بداية إحتساب ميعاد الطعن بالالتماس من التاريخ الذي يتبين لقاضي التنفيذ ظهور هاتين الحالتين وذلك مانصت عليه الماده(306) الفقره(د) من قانون المرافعات بقولها: 
((في الحالتين(7،8) يبدأ الميعاد من اليوم الذي يظهر فيه لقاضي التنفيذ أن الحكم قد قضى بشئ لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه أو بأن منطوقه مناقض لبعضه البعض.))
ويعتبر هذا النص القانوني مشوباً بعيب عدم الدستوريه حال كونه قدجعل إستعمال حق الطعن بالالتماس -المتفرع من حق التقاضي - مرهونا بإرادة شخص آخر غير الطاعن وهو قاضي التنفيذ ويعتبر ذلك قيدا قانونيا يعيق استعمال حق التقاضي وفي هذا المعنى يقول الاستاذ الدكتور/ الأنصاري حسن النيداني في كتابه: النظام القانوني للحقوق الدستوريه للخصم طبعة 2009م صفحة(61) مالفظه حرفياً: 
[[ فحق التقاضي من الحقوق العامه أو الإراديه أو المطلقه للمتقاضي فيجب التعويل على إرادة هذا الشخص وحده بحيث لايجوز لأي سلطة في الدوله أن تشترط حصول هذا الشخص على موافقة شخص آخر أو أشخاص آخرين أو أن يعلق حقه في التقاضي على تدخل إرادات أخرى مع إرادته الفرديه لأن هذا التدخل إهدار لإرادته الفرديه ومن ثم تقويضاً لحقه في التقاضي]].
                                    المحامي عبدالعزيز المعلمي

هل يسقط الحجز التحفظي لعدم الاعلان خلال الاجازة القضائية

هل يسقط الحجز التحفظي لعدم الاعلان خلال الاجازة القضائية
دفع المحجوز عليه بسقوط أمر الحجز التحفظي لعدم اعلانه بالأمرخلال المده القانونيه مؤسسا دفعه بأن
 أمر الحجزصدر في 30 شعبان ولم يعلن اليه الا في 5 شوال مع أن القانون يوجب إعلان المحجوز عليه بامر الحجز خلال ثلاثه ايام من تاريخ صدوره والا سقط الحجز طبقا لصريح نص الماده(385) من قانون المرافعات.
وفي معرض رده على الدفع تمسك المحجوز له بان امر الحجز صدر في اخر ايام الدوام الرسمي للمحكمه وفي اليوم التالى بدأت العطله القضائيه للمحاكم(شهر رمضان) يليها الاجازة الرسميه لعيد الفطر المبارك وانه قام باعلان المحجوز عليه في أول يوم في الدوام الرسمي مما يجعل الاعلان منفذا خلال ميعاد الثلاثه ايام لان المدة التي تخللت الميعاد اجازه قضائيه وعطله رسميه وتعتبر موقفه للميعاد طبقا لماقررته القاعده العامه للمواعيد القضائيه عموما المنصوص عليها بالماده(111) من قانون المرافعات.
والمطلوب الفصل في الدفع بالسقوط بقرار مسبب وفقا للقانون 
فإن الدفع بسقوط الحجز التحفظي لعدم إعلان المحجوز عليه بأمر الحجز خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره موافق لصحيح القانون من حيث أن الإعلان خلال تلك المدة يعتبر واجب إجرائي مفروض بقوة القانون مقروناًً بجزاء سقوط الحجز كأثر مترتب على الإخلال بهذا الواجب او تجاوز الميعاد المقرر له وذلك ما نصت عليه المادة (385) من قانون المرافعات بقولها: ((... ويجب إعلان المدين بأمر الحجز خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره وإلا سقط الحجز)).
ولما كان الحال كذلك وكان الثابت إعلان المحجوز عليه بأمر الحجز بعد إنقضاء الميعاد المقرر قانوناً فإن تقرير سقوط الحجز – كجزاء إجرائي – أمر حتمي طالما وقد تحققت المقومات القانونية لجزاء السقوط.
وحيث أن المدفوع ضده في معرض رده على الدفع بسقوط الحجز قد تمسك بحصول الإعلان بأمر الحجز خلال المدة المحددة قانوناً بثلاثة أيام على سندٍ من القول:  أن الأمر صادر في آخر أيام الدوام الرسمي وتم إعلان المحجوز عليه بأمر الحجز في أول أيام الدوام الرسمي وأن المدة التي تخللت الميعاد (بداية ونهاية) كانت عطلة قضائيه واجازه رسمية فهي بذلك موقفة لميعاد الإعلان تطبيقاً للقاعدة العامة المنصوص عليها بالمادة (111) من قانون المرافعات.
وقد تمسك المدفوع ضده بسريان نص المادة سالفة الذكر على ميعاد الإعلان بأمر الحجز لورود لفظ "المواعيد" فيها بصيغة العموم الذي يشمل جميع المواعيد القضائية المنصوص عليها في القانون.
وهذا الدفاع وإن كان فيه شيء من الحقيقة إلا أنه لا يمثل الحقيقة كلها بإعتبار أن لفظ "المواعيد" وإن كان وارداً في نص المادة (111) مرافعات بصيغة الجمع المعَّرف "بأل" الاستغراقية الدالّة على العموم لِيَشمل كافة المواعيد القضائية المنصوص عليها في قانون المرافعات إلا أن الأخذ بعمومها موقوفاً بعدم وجود نص قانوني آخر يصرفها عن الخصوص ومتى وجد النص المخصص صار العمل به واجباً تطبيقاً للقاعدة الأصولية التي تقضي بتقديم الخاص على العام عند التعارض وذلك ما تحقق في الميعاد بأمر الحجز الذي لا يخضع للقاعدة العامة  المنصوص عليها بالمادة (111) مرافعات لوجود النص القانوني المخصص له:
 فاعلان المحجوزعليه بأمر الحجز يعتبر إجراءً من إجراءات الحجز الوارد تعدادها بالمادة (378) من قانون المرافعات وقدجاﺀ نصها مقروناً بواجب إتخاذ تلك الإجراء في أيام متتابعة ولو كان ذلك في أيام العطلات الرسمية والقضائية حيث نصت على ذلك بقولها: ((يتم الحجز بتحرير محضره ويلزم إعلان قراره إلى المحجوز عليه... ويجب إجراء الحجز على المال في أيام متتابعة حتى ولو كانت أيام إجازة أسبوعية أو عطلة رسمية او قضائية)).
فالنص القانوني سالف الذكر واضح الدلالة ليس في تحديد الإجراءات التي يتم بها إيقاع الحجز ومن ضمنها الإجراء المتعلق بإعلان أمر الحجز وحسب بل وفي لزوم إتخاذ تلك الاجراﺀات في أيام متتابعة ولو في أيام العطلة الرسمية او القضائية. 
وبذلك فقد جاﺀ نص المادة (378) مخصص لنص المادة (111) من قانون المرافعات فيما يتعلق بميعاد الاعلان بامر الحجز مع بقاﺀ العموم شاملا لبقية المواعيد القضائيه الأمر الذي يجعل الدفع بسقوط الحجز لإعلانه للمحجوز عليه بعد فوات ميعاده القانوني مقبولاً.
                           المحامي عبدالعزيز المعلمي

إمتناع المحكم عن إيداع حكم التحكيم وأثره على دعوى البطلان وفقا للقانون اليمني

(إمتناع المحكم عن إيداع حكم التحكيم وأثره على دعوى البطلان)

إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم أمام المحكمة المختصة أحد الواجبات الإجرائية المقررة بنص المادة (50) من قانون التحكيم التي قضت بأنه
[على لجنة التحكيم إيداع أصل الحكم والقرارات التي يصدرها في موضوع النزاع مع اتفاق التحكيم قلم كتاب المحكمة المختصة خلال الثلاثين يوماً...].
ومع أن الملزم قانوناً بالإيداع هو المحكم باعتباره مُصْدِر الحكم إلا أن المحكمين ليسوا على درجة واحدة من الالتزام بهذا الواجب الإجرائي فهناك العديد من المحكمين يرفضون إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم على الرغم من إعلانهم رسمياً بالإيداع من محاكم الاستئناف ولأكثر من مرة، فكيف يتم التعامل مع امتناع المحكم عن الإيداع في الواقع العملي؟ وما هي الإجراءات المقررة قانوناً لمواجهة هذا الامتناع؟ وذلك ما أتشرف بعرضه ومناقشته في هذه الأسطر القليلة من جانبين:-
الجانب الأول/ الإجراءات المتعلقة في الواقع العملي:
فمن خلال مزاولة مهنة المحاماة تمكنت من رصد بعض الإجراءات التي تتبعها بعض محاكم الاستئناف لمواجهة حالات الامتناع عن إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم حينما يكون ذلك الإجراء متزامناً مع دعوى بطلان الحكم مقدمة من المحكوم عليه بناءً على صورة الحكم التي سُلمت إليه من المحكم فور صدوره وقبل أن يتم إيداع نسخته الأصلية أمام محكمة الاستئناف.
وأبرز الإجراءات التي وقفت عليها ما يلي:-
1) الإجراءات المتبعة عند رفع دعوى البطلان وتقديم عريضتها أمام محكمة الاستئناف.
والفرضية هنا أن الطرف المحكوم عليه قد استلم صورة من حكم التحكيم قبل ان يقوم المحكم بإيداع النسخة الأصلية لدى محكمة الاستئناف، ففي هذه الحالة يحتسب الميعاد المقرر قانوناً لتقديم دعوى البطلان من تاريخ استلام صورة الحكم وتحاشياً لفوات المدة يبادر المحكوم عليه الى تقديم دعوى البطلان أمام المحكمة بموجب الصورة التي استلمها غير أن محكمة الاستئناف وبدلاً من استكمال إجراءات إيداع دعوى البطلان بالقيد والترسيم والإعلان وفقاً للقانون تقوم بمخاطبة المحكمة وإعلانه بإيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم وتوقف إجراءات تقديم الدعوى إلى حين إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم ومتى قام المحكم بالإيداع قبل انقضاء ميعاد تقديم دعوى البطلان فلا توجد هناك أي إشكالية، إنما المشكلة الحقيقية في امتناع المحكم عن الإيداع أو قيامه بالإيداع بعد فوات ميعاد تقديم دعوى البطلان وفي هذه الحالة سيكون حق المدعي في تقديمها معرضاً لجزاء السقوط ولن تجد محكمة الاستئناف ما يبرر عدولها عن ايقاع هذا الجزاء باعتبار أن القانون وان كان قد أوجب على المحكم إيداع النسخة الأصلية لتحكيم إلا أنه لم يجعل الإيداع شرطاً مسبقاً لتقديم دعوى البطلان ولا أحد الإجراءات الموقفة لميعاد تقديمها وبالتالي ستكون الإجراءات المتخذة مخالفة لإرادة المشرع وتجاوزاً لحدود الإجراءات الشكلية التي رسمها القانون مقرونة بمواعيد محددة منه سلفاً بنصوص قانونية آمره لا يملك القاضي مخالفتها أو الاجتهاد بما يخالفها وإلا عُد ذلك تجاوزاً لحدود الولاية القضائية المقيدة ولايته بالقوانين النافذة ولزوم تطبيق أحكامها طبقاً للمبدأ المنصوص عليه بالمادة (8) من قانون المرافعات.
وبناءً عليه فليس للقاضي أن يحدد أشكالاً للأعمال الاجرائية او يعطي مواعيد أو يعدى منها الا إذا كان القانون قد أعطاه صراحة هذه السلطة ، فالأعمال الإجرائية في تصميمها وتنظيم سيرها وترتيب آثارها هي من خلق المشرع وحده وعمله هذا عمل استئثاري وانفرادي قاصر عليه ويستقل به دون أن يشرك معه غيره او يترك تحديد الإجراءات وسيرها لإرادة القاضي أو الخصوم.
أ,د/أيمن أحمد رمضان: الجزاء الإجرائي في قانون المرافعات، ط2005م صـ(145).
2) الإجراءات المتبعة أثناء نظر دعوى البطلان وعند الفصل فيها:-
والفرضية هنا أن دعوى البطلان قد رفعت أمام محكمة الاستئناف وتم استكمال اجراءات قيدها وسداد رسومها وكذا إعلانها للمدعى عليه وتم ذلك بموجب صورة من حكم التحكيم وقبل ان يودع للمحكمة النسخة الأصلية للحكم فتبقى هذه الإشكالية قائمة وتنعكس آثارها سلباً على دعوى البطلان وعلى نتيجة الحكم الفاصل فيها ويكفي الإشارة الى حكمين قضائيين صادرين من محكمتي استئناف مختلفتين فصلت كل منهما في دعوى البطلان المنظورة أمامها بحكمين مختلفين قضى منطوق الأول بعدم قبول دعوى البطلان شكلاً لعدم إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم فيما قضى منطوق الحكم الاستئنافي الآخر برفض دعوى البطلان لعدم وجود المحل وهو أصل حكم التحكيم والإشارة إلى القضاء المقرر في الحكمين السابقين لبيان الاجتهادات القضائية في مسألة الإجراء المتعلق بالإيداع أما تقييم تلك الاجتهادات وبيان أوجه مخالفتها للقانون فلا يتسع المقام لعرضها جميعاً مع التأكيد على حقيقة أن الإيداع ما هو إلا واجب إجرائي مفروض قانوناً على عاتق المحكم فإن امتنع عن القيام بهذا الواجب القانوني لزم معاقبته هو بالجزاء المقرر قانوناً لا أن يؤاخذ غيره، فالقاعدة الشرعية تقضي بأن لا يؤخذ المرء بجريرة أخيه والتقرير بعدم قبول دعوى البطلان او رفضها يعتبر جزاء إجرائي تم ايقاعه في حق مدعي البطلان بسبب إخلال غيره وهو المحكم بواجب إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم مع أن الجزاء الإجرائي ما شرع إلا لمعاقبة الشخص الذي ارتكب المخالفة أو المخل بواجب إجرائي مفروض عليه وفي هذا المعنى يقول الأستاذ الدكتور/ أحمد أبو الوفاء في كتابه: نظرية الدفوع في قانون المرافعات ط2007م صـ(75) بما لفظه حرفياً:
[من القواعد العامة في الجزاء: أن يتم إيقاع الجزاء على ذات الخصم الذي تسبب في المخالفة وهذه القاعدة يوجبها البداهة وتقتضيها العدالة لأن المفروض أن خصماً قد أخطأ فيما رسمه له المشرع من قواعد وأنه لهذا يوقع عليه الجزاء ].
                      ــــ وبذلك ـــ
فإن الاجتهادات القضائية المستخلصة من الواقع العملي في الإجراء المتعلق بإيداع حكم التحكيم تتعارض مع الأحكام والقواعد القانونية المنظمة للجزاء.
الجانب الثاني/ الإجراءات المقررة قانوناً لمواجهة امتناع المحكم عن القيام بواجب الإيداع:
لما كان الإيداع أحد الواجبات الإجرائية المفروضة قانوناً على عاتق المحكم وكان قانون التحكيم قد نص على وجوب إيداع نسخة حكم التحكيم والقي بهذا الواجب على عاتق المحكم بصريح نص المادة (50) من قانون التحكيم فإنه في المقابل لم يحدد الإجراءات المتبعة لمواجهة امتناع المحكم عن الإيداع ولا الآثار القانونية المترتبة على الامتناع ولئن كان السكوت عن تنظيم تلك المسائل وعدم التعرض لها عيباً تشريعياً في قانون التحكيم كما قد يتبادر إلى ذهن البعض فالاحتمال الأقرب للحقيقة أن قانون التحكيم لم يسكت عن تنظيم تلك المسائل إلا لوجود قواعد عامة منصوص عليها في قوانين أخرى  مكتفياً بتطبيقها دون حاجة إلى إعادة تكرارها بنصوص قانونية تتناول ذات الإجراءات والآثار المقررة في تلك القواعد العامة وبإعمال تلك القواعد العامة وتطبيقه على واقعة امتناع المحكم عن إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم تكون الإجراءات والحلول القانونية، والتي يتعين على محاكم الاستئناف اتباعها لمواجهة هذه الاشكالية محددة في نقطتين رئيسيتين :-
النقطة الأولى: عدم الاعتداد بالنسخة الأصلية لحكم التحكيم عند نظر دعوى البطلان:
فحينما يتقدم المحكوم عليه بدعوى بطلان حكم التحكيم بناءً على صورة الحكم التي استلمها فإن على محكمة الاستئناف مباشرة الاجراءات المقررة قانوناً لتقديم الدعوى وأن لا تجعل استكمال الإجراءات موقوفاً على الإجراءات المتعلقة بإيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم للإعتبارات القانونية التالية :
الإعتبار الأول/ التعامل مع صورة حكم التحكيم وفقاً لقاعدة الأصل الظاهر :
فالقانون لم يوجب على المحكم إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم إلا أنه قد إكتفى قبل ذلك بإبلاغ وتسليم أطراف التحكيم صورة من الحكم وفقاً لما قررته المادة (48) من قانون التحكيم بصيغتها المعدلة بالقانون رقم (22) لسنة 1997م الجاري نصها بالآتي:
[... وعلى لجنة التحكيم أن تقوم بارسال صورة من الحكم موقعة من المحكمين الى أطراف التحكيم].
ولما كانت الكتابة شرطاً أساسياً لإثبات حكم التحكيم فإن الأصل خضوع صورة الحكم لذات المبادئ القانونية المقررة للإثبات بالكتابة وفي مقدمتها المبدأ القانوني الذي يقرر أن الأصل في صورة المحرر مطابقتها للنسخة الأصلية ما لم ينازع الخصم في ذلك وحينما تقدم صورة المحرر من أحد طرفي الخصومة فليس للقاضي أن يأمر – من تلقاء نفسه – بإحضار أصل المحرر للمطابقة إلا إذا نازع الخصم الآخر في هذه المسألة وتمسك بإحضار أصل المحرر لمطابقته على الصورة المقدمة من خصمه وذلك المبدأ مقرراً بالمادة (101) من قانون الإثبات الشرعي الجاري نصها بالآتي:
[...وتعتبر الصورة الرسمية مطابقة للأصل ما لم ينازع في ذلك أحد الطرفين وفي هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل...].
وذلك المبدأ واجب التطبيق على حكم التحكيم باعتبار محرر كتابياً يخضع لذات الأحكام والقواعد المنظمة للأدلة الكتابية وحينما يعلن المحكوم عليه بصورة من حكم التحكيم ويبادر إلى استعمال حقه في دعوى البطلان برفعها أمام محكمة الاستئناف فان على هذه المحكمة استلام الدعوى وإستكمال إجراءات تقديمها وفقاً للقانون دون الاعتداد بما إذا كانت النسخة الأصلية لحكم التحكيم مودعه من قبل المحكمة أم لم تودع، فالإجراء المتعلق بالإيداع كواجب إجرائي ليس مقرراً على عاتق المدعي حتى يجبر مسبقاً على تقديم الأصل بل مفروضاً على عاتق شخص آخر هو المحكم.
كما أن القانون لم يوجب على المدعي تقديم النسخة الأصلية لحكم التحكيم كشرط للإدعاء ببطلانه وليس من العدالة ولا مقتضيات حسن سيرها أن نجعل حق المدعي في استعمال حق الدعوى موقوفاً على إرادة شخص آخر غير المدعي إذ يُعد ذلك التعليق أمراً محظوراً على المشرع وتقييداً لسلطته في سن التشريعات والقوانين وهو أمر محظور على المحاكم من باب أولى باعتبارها معنية بتطبيق القوانين ومقيدة بأحكامها وليس لها أن تجعل استعمال حق التقاضي مقيداً بإرادة شخص آخر.
الاعتبار الثاني: أن إمتناع المحكم عن الإيداع يعتبر عيباً في الإجراءات وسبباً لإبطال حكم التحكيم.
فالأصل المقرر قانوناً أن البطلان الذي يلحق بإجراءات التحكيم أحد الأسباب القانونية الموجبة لرفع دعوى بطلان أحكام التحكيم طبقاً لما نصت عليه المادة (53/ج) من قانون التحكيم.
ولما كان الإيداع المقرر بنص المادة (50) تحكيم أحد الإجراءات المتعلقة بصدور حكم التحكيم فإن القانون قد أعتبر الإيداع من إجراءات التحكيم بدليل أن قانون التحكيم بعد أن قرر واجب الإيداع في المادة (50) قد نص في المادة التي تليها على امتداد إجراءات التحكيم لتشمل الإجراءات المتعلقة بصدور الحكم حيث نصت المادة (51) من قانون التحكيم على أنه:
[تنتهي اجراءات التحكيم بعد صدور حكم التحكيم....].
وبالتالي فإن امتناع المحكم عن الإيداع يُعتبر عيب في إجراءات التحكيم يصلح الإستناد إليه كأحد الأسباب القانونية لدعوى البطلان وذلك ما يستوجب على محكمة الاستئناف إستكمال الإجراءات المقررة قانوناً لرفع دعوى البطلان ولها أن تقضي ببطلان حكم التحكيم لبطلان الإجراءات المتعلقة بعدم إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم متى تم التمسك بهذا السبب من قبل مدعي البطلان ضمن أسباب دعواه، فذلك هو الجزاء المقرر قانوناً على عدم الإيداع والذي يفترض على محكمة الاستئناف التقيد به عند تحقق شروطه أما الإمتناع عن إستلام دعوى البطلان بحجة عدم إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم فليس من القانون في شيء.
النقطة الثانية: إدخال المحكم أثناء السير في دعوى البطلان لتقديم محرر تحت يده:
فإمتناع المحكم عن إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم ليس مبرراً لإعاقة دعوى البطلان وتعطيل الحق في إستعمالها إبتداءً بل يتعين على محكمة الاستئناف إتباع الإجراءات والقواعد المقررة قانوناً لإجبار الخصم أو الغير بتقديم محرر تحت يده بأن تأمر بإدخال المحكم أثناء السير في نظر دعوى البطلان لإلزامه بتقديم النسخة الأصلية لحكم التحكيم وفقاً لوسائل الإجبار المقررة في قانون الإثبات الشرعي وهي السلطة الممنوحة للمحكمة عامة ولمحكمة الاستئناف على وجه الخصوص بصريح نص المادة (119) من قانون الإثبات الشرعي التي تقضي بأنه:
[يجوز للمحكمة أثناء سير الدعوى ولو أمام محكمة الاستئناف أن تأذن في إدخال الغير لإلزامه بتقديم محرر تحت يده مع مراعاة الأحوال الأحكام والأوضاع المنصوص عليها في المواد السابقة].
وذلك ما يسري على المحكم في حال امتناعه عن إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم إذ يتعين على محكمة الاستئناف إدخال المحكمة وإجباره على تقديم أصل الحكم وسلطتها في ذلك ليست مطلقة بل مقيده بما حدده القانوني سالفاً الذكر من شروط وضوابط قانونية أبرزها :-
1- أن يصدر الإذن بالإدخال أثناء نظر دعوى البطلان:
فمحكمة الاستئناف لا تملك مباشرة الإجراءات الجبرية لاستحضار النسخة الأصلية إبتداءً وبمجرد تقديم دعوى البطلان وإنما يتعين عليها مباشرة تلك الإجراءات أثناء نظرها لدعوى البطلان وعند السير في تحقيقها لأن القانون قيد سلطة المحكمة في مباشرة تلك الإجراءات بالتوقيت الزمني المعبر عنه في النص القانوني بلفظ ((أثناء سير الدعوى)) وذلك يقتضي وجود دعوى بطلان مرفوعة ومقدمة أمام محكمة الاستئناف بعد أن تم إستكمال إجراءات تقديمها وانعقاد الخصومة فيها باعلانها للمدعى عليه وبموعد الجلسة المحددة لنظر الدعوى وأثناء سير الدعوى تستطيع المحكمة مباشرة الإجراءات الجبرية لإستحضار أصل حكم التحكيم بإدخال المحكمة والزامه بذلك.
2- أن يكون الإذن بالإدخال مسبوقاً بطلب مقدم من الخصم صاحب المصلحة:
فالقانون لم يعتبر وجود النسخة الأصلية لحكم التحكيم شرطاً لقبول دعوى البطلان ولا من إجراءات رفع الدعوى وتقديمها أمام المحكمة كما أنه لم ينص على إدراج هذه المسألة ضمن المسائل المتعلقة  بالنظام العام وبالتالي فإن إدخال المحكمة لإلزامه بتقديم أصل الحكم مقرراً لمصلحة الخصوم وليس للمصلحة العامة فلا تمتلك المحكمة إدخال المحكم في الخصومة والتصدي لهذه المسألة من تلقاء نفسها، فسلطة المحكمة مقصورة على الإذن بالإدخال متى كان الطرف المحكوم له قد تقدم أمامها بطلب الإدخال وليس أدل على ذلك من أن النص القانوني للمادة (119) سالفة الذكر قد أوجب على المحكمة عند الإذن بإدخال الغير لإلزامه بتقديم محرر تحت يده مراعاة الأحوال والأحكام والأوضاع المنصوص عليها في المواد التي تسبق نص المادة (119) من قانون الإثبات ومراعاة تلك النصوص القانونية يحتم على محكمة الاستئناف التعامل مع المحكم لإلزامه بتقديم أصل حكم التحكيم بذات الكيفية المقررة قانوناً لإلزام الخصم بتقديم محرر تحت يده وعلى وجه الخصوص ما يلي :
أولاً: أن يقدم الخصم التمسك بالحكم طلباً بإلزام المحكمة تقديم أصل الحكم وأن يكون الطلب مشمولاً بالبيانات التي أوجبها القانون صراحة بالمادتين (112، 113) من قانون الإثبات الشرعي فإن لم يقدم ذلك الطلب من حيث الأصل فلا تملك المحكمة التصدي بإدخال المحكم من تلقاء نفسها وان كان الطلب مقدماً من الخصم دون ان يتوافر فيه الشروط والضوابط المنصوص عليها بالمادتين سالفتي الذكر كان على المحكمة أن تقضي بعدم قبول الطلب طبقاً للجزاء المقرر بالمادة (114) من قانون الاثبات ونصها :
[لا يقبل الطلب إذا لم تراع فيه أحكام المادتين].
ثانياً: التعامل مع المحكم في حال ادخاله بذات الكيفية المقررة قانوناً لإلزام الخصم بتقديم محرر تحت يده.
فالإجراءات المقررة قانوناً لإلزام الخصم بتقديم محرر تحت يده بينتها المادة (117) من قانون الإثبات بصيغتها المعدلة بالقانون رقم (20) لسنة 1996م الجاري نصها بالآتي:
[إذا لم يقم الخصم بتقديم المحرر في الموعد الذي حددته المحكمة او امتنع عن حلف اليمين المذكورة اعتبرت صورة المحرر التي قدمها خصمه صحيحة مطابقة لأصلها فان لم يكن قد قدم صورة من المحرر فيحبس المدعى عليه حتى يسلم المستند أو يحلف اليمين].
ولما كانت تلك الإجراءات واجبة التطبيق على المحكم باعتباره من الإجراءات القانونية لحسم النزاع مع المحكم ومواجهة امتناعه عن الإيداع لا تخرج عن فرضين :
الفرض الأول: أن يمتنع المحكم عن الإيداع مع وجود صورة من حكم التحكيم مقدمة للمحكمة من أحد الخصوم وفي هذه الحالة تقرر المحكمة اعتبار صورة الحكم مطابقة لأصلها وتسير في دعوى البطلان على أساس ذلك.
الفرض الثاني: أن يكون امتناع المحكم عن تقديم أصل حكم التحكيم وعن حلف اليمين المطلوبة مقروناً بعدم وجود صورة من حكم التحكيم مقدمة للمحكمة من أحد الخصوم ففي هذه الحالة تأمر المحكمة بحبس المحكم حتى يسلم أصل الحكم أو يحلف اليمين الشرعية المقررة قانوناً.
                      ــــ وبذلك ـــ
تكون الوسيلة القانونية لمواجهة امتناع المحكم عن إيداع النسخة الأصلية لحكم التحكيم محددة بوسيلة إدخاله في خصومة دعوى البطلان لإلزامه بتقديم مستند تحت يده وفقاً لذات الإجراءات والقواعد المقررة لإلزام الخصم بتقديم مستند تحت يده المنصوص عليها في قانون الإثبات الشرعي.
               والله من رواء القصد،،،
                           @المحامي/عبدالعزيز المعلمي