‏إظهار الرسائل ذات التسميات السلطة القضائية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السلطة القضائية. إظهار كافة الرسائل

جريمة إهانة القاضي طبقا للقانون اليمني

أ.د/ عبدالمؤمنشجاعالدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون- جامعة صنعاء 

للقضاء والقاضي هيبته التي ينبغي على الجميع احترامها واستحضارها عند التعامل مع القضاء في سبيل إحقاق الحق وابطال الباطل، فالقضا هو وسيلة المجتمع وطريقه لاحقاق الحقوق ،فحكم القاضي هو الفصل في الخلاف على الحقوق، ولذلك فان سب القاضي وإهانته وتهديده من الجرائم الماسة بالحق والعدل قبل أن تكون ماسة بشخص القاضي، ولا ريب أن الاعتداء على القضاة ظاهرة شائعة تدل على عدم الوعي بأهمية وظيفة القضاء والقضاة وهيبة القضاء، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/5/2010م  في الطعن الجزائي رقم (36625 ) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن النيابة الجزائية المتخصصة تقدمت بالدعوى الجزائية أمام المحكمة الجزائية المتخصصة ضد أحد ضباط الأمن فأتهمته بأنه قام بسب واهانة رئيس محكمة وتهديده اثناء أداء وظيفته بالانتقال مع أمين سر المحكمة لمعاينة محل النزاع فيما بين مكتب الأوقاف ووالد المتهم، وفي اثناء المعاينة حضر المتهم ومنع القاضي من القيام بوظيفته وحاول المتهم نزع ملف القضية من يد أمين السر وتلفظ على القاضي بالقول أنه (مبرمج برمجة أبن فله وأنه حق بطنه لا يعرف يحكم وأنه بنشري) وقد قام المتهم بذلك بنية منع القاضي عن اداء وظيفته الأمر المعاقب عليه وفقًا للمادتين (171 و 172 ) عقوبات، وبعد أن سارت المحكمة الجزائية في إجراءات نظر القضية خلصت إلى الحكم (بثبوت التهمة المنسوبة للمتهم وأدانته بما نسب اليه ومعاقبته بالحبس مدة ستة أشهر مع النفاذ وستة اشهر مع وقف التنفيذ) فلم يقبل المتهم بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الجزائية المتخصصة رفضت الاستئناف وحكمت بتأييد الحكم الابتدائي فلم يقنع المتهم فقام بالطعن في الحكم بالنقض إلا أن المتهم قام بالتوقيع على عريضته بنفسه فلم يتم التوقيع على عريضة أسباب الطعن بالنقض من قبل محامي مجاز أمام المحكمة العليا بحسب ما قرره قانون الإجراءات، ولذلك فقد قررت الدائرة الجزائية عدم قبول الطعن شكلاً واعتبار الحكم الاستئنافي المطعون فيه باتًا واجب النفاذ، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث انتهت نيابة النقض في رأيها إلى عدم قبول الطعن شكلاً لعدم التوقيع عليه من محام معتمد لدى المحكمة العليا وفقًا لنص المادة (436 ) إجراءات، ولأن ما ذهبت إليه نيابة النقض في رأيها بعدم قبول الطعن شكلاً لعدم التوقيع عليه من محام معتمد أمام المحكمة العليا يوافقً نص المادة (436 )وحيث أن ما ذهبت اليه نيابة النقض في رأيها له وجاهته وفي محله فان الدائرة توافق النيابة الرأي وتأخذ به عملاً بالمادة (436 ) إجراءات التي تنص على أنه واذا كان الطعن مقدمًا من النيابة العامة يتعين أن يوقع أسبابه النائب العام أو رئيس نيابة النقض واذا كان مرفوعًا من غيرهما وجب أن يوقع الأسباب محام معتمد أمام المحكمة العليا وفقًا للقانون، ولما كان الطعن ليس موقعًا من محام معتمد أمام المحكمة العليا بحسب المادة المشار اليها فان ذلك يستوجب عدم قبول الطعن شكلاً واعتبار الحكم الاستئنافي المطعون فيه باتًا واجب النفاذ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في 

الأوجه الأتية : -

🔷الوجه الأول : إهانة القاضي والاعتداء عليه وإهانة الموظف والاعتداء عليه من خلال مطالعة وقائع القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن الواقعة تمثلت في قيام الضابط بمنع القاضي من معاينة محل النزاع وهذا المنع يعد اعتداء على القاضي في اثناء قيامه بعمله ، فالضابط لا شك أنه قام بأفعال من شانها الحيلولة دون قيام القاضي بمباشرة عمله أو صرح بأقوال ترتب عليها تهديد القاضي ونتيجة لذلك لم يقم القاضي بالمعاينة، إضافة إلى أن الضابط قام بالاعتداء على أمين سر المحكمة وحاول انتزاع ملف القضية منه بالقوة، وهذا لا شك اعتداء صريح على أمين السر وتهديد للقاضي لا سيما وأن هذا الفعل قد تزامن مع انفعال الضابط ورفع صوته عاليًا وتلفظه على القاضي بكلام مهين (يا بنشري، أنت مبرمج برمجه أبن فله، أنت لا تصلح للحكم، أنت حق بطنك) فهذا الكلام يعد جريمة اهانة للقضاء، ومع ذلك لاحظنا أن قرار الاتهام الصادر من النيابة المتخصصة قد استند إلى المادتين (171 )عقوبات الخاصة بالتعدي على الموظف والمادة (172 )عقوبات الخاصة بجريمة إهانة الموظف، ولم يستند قرار الاتهام إلى المادة (185 )عقوبات لانها لاتعاقب على اهانة القضاء الا اثناء جلسة المحاكمة في حين ان هذه الجريمة وقعت خارج مقر المحكمة. 

🔷الوجه الثاني :-

الفرق بين إهانة الموظف وإهانة القاضي وتوصيتنا : -بالنسبة للموظف فقد نصت المادة (172 ) عقوبات على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بالغرامة كل من وجه بنفسه أو بواسطة غيره إهانة بالقول أو بالإشارة أو بالكتابة أو بالمخابرة السلكية موظفًا عامًا اثناء تأديته وظيفته أو بسببها) أما بالنسبة لإهانة القاضي فقد نصت المادة (185 ) عقوبات على أن ) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة كل من اخل بكتابة أو قول أو فعل أو بأية طريقة بمقام قاضي أو هيبته أو سلطته أو حاول التأثير فيه وكان ذلك في شأن أية دعوى أثناء انعقاد الجلسة وتسري العقوبة ذاتها اذا وقعت الجريمة على سلطات التحقيق بمناسبة تحقيق جزائي تجريه) ومن خلال المقارنة بين النصين نجد أن جريمة إهانة القضاء لا تقع إلا في اثناء جلسة المحكمة في حين أن جريمة إهانة الموظف تقع في مقر عمله أو خارج العمل طالما انها وقعت بمناسبة او بسبب قيام الموظف بواجبه الوظيفي أو بمناسبته، أما القاضي فلا تقع جريمة الإهانة له إلا اثناء جلسة المحاكمة او في مقر المحكمة أما اذا وقعت في اثناء قيام القاضي بتنفيذ الحكم أو المعاينة خارج المحكمة فلا تقع هذه الجريمة، ولذلك لاحظنا أن النيابة والمحكمة لم تستند إلى المادة (185) لقصورها وبد ًلا من ذلكاستندت إلى المادة (172) لانها شاملة تتضمن معاقبة كل من يهين الموظف العام داخل مقر عمله أو خارجه طالما وأن هذا الفعل قد وقع بسبب قيام الموظف بواجبه الوظيفي أو بمناسبته بصرف النظر عن مكان وقوع الفعل أو زمانه، ولذلك نلاحظ أن حماية الموظف من جريمة الإهانة اوسع نطاقًا من حماية القاضي من هذه الجريمة، وهذا الامر يفسر عدم تورع بعض الاشقياء من إهانة القضاة أو القضاء خارج نطاق المحاكم أو الجلسات ولذلك فإننا نوصي بتعديل المادة (185 ) عقوبات بشأن إهانة القضاء حتى تشمل إهانة القضاء في جلسات المحاكمة وخارجها، لان الجرائم والإهانات للقضاء تتم خارج 

جلسات المحاكم أكثر مما تتم في الجلسات. 

🔷الوجه الثالث :-

 الحماية الجنائية للقضاة في اليمن وتوصيتنا لمجلس القضاء من خلال العرض الموجز فيما تقدم يظهر لنا أن الموظف العام يحظى بالحماية الجزائية أفضل من القاضي وأن الحماية الجزائية للقاضي من الاهانة قاصرة في القانون العام للجرائم والعقوبات لان طبيعة التجريم والعقاب في القانون العام للجرائم عامة فالقانون العام لا يهتم بفئة من فئات المجتمع وإنما يعتني بالحماية العامة لأفراد المجتمع بكافة فئاته، في حين يأتي دور القوانين العقابية الخاصة التي تهتم بالتجريم والعقاب للفئة التي ينظم شؤونها القانون الخاص (فلسفة القانون، د.روبرت تايلور، ص67 )وبتطبيق هذا المفهوم على قانون السلطة القضائية وهو قانون خاص، ومن خصائص القاعدة القانونية أن تكون ملزمة مقترنة بجزاء حتى يحترمها الافراد فلايخالفونها، ولذلك لا بد أن تكون القاعدة القانونية مقترنة بجزاء، ولذلك ينبغي أن يتضمن قانون السلطة القضائية الحماية الجنائية للقضاة من تعديات وإهانات الاوغاد والاشقياء التي طالت غالبية القضاة، والا ما فائدة حقوق القضاة وواجباتهم وحصانات القضاة المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية، ولذلك فأنا أوصي مجلس القضاء الأعلى بإعادة النظر في قانون السلطة القضائية النافذ وتضمينه الحماية الجزائية للقضاء والقضاة بما يكفل للقضاء هيبته، فهذه توصية من محب مخلص. 

🔷الوجه الرابع:-

كثرة الطعون التي لايوقعها محامون مجازون امام المحكمة العليا وتوصيتنا: 

 من خلال دراستنا لاحكام كثيرة صادرة عن المحكمة العليا نجد ان طعون كثيرة يتم رفضها شكلا لعدم توقيعها من قبل محامي مجاز امام المحكمة العليا حسبما يقرر القانون،ويرجع ذلك الى عدم معرفة كثير من الخصوم 

لهذا الحكم القانوني ،ولذلك فاننا نوصي الشعب الجزائية بمحاكم الاستئناف بوضع اعلان بارز في امانة السر يتضمن نص المادة (436) اجراءات التي اشترطت ان يتم توقيع مذكرة اسباب الطعن بالنقض من قبل محامي مجاز امام المحكمة العليا، والله اعلم.

جريمة إنكار العدالة


 بحث عن جريمة إنكار العدالة

يقصد بإنكار العدالة في القانون رفض القاضي صراحة أو ضمناً الفصل في الدعوى أو تأخير الفصل فيها رغم صلاحيتها للفصل فيها أو رفضه أو تأخيره البت في إصدار الأمر المطلوب على عريضة .
وما يهم هو ثبوت واقعة الامتناع بصرف النظر عن إرادة القاضي إنكار العدالة على أن القاضي لا يعد منكرا للعدالة إذا كان تأخيره الفصل في الدعوى راجعا إلى ما يبرره قانونا كما لو كانت الدعوى لم يتم تحقيقها بعد.
صـ 648 المسؤولية التأديبية للقضاة وأعضاء النيابة/عبد الفتاح مراد
ويتوافر الركن المادي لجريمة امتناع القاضي عن الحكم في صورتها المشددة بإبائه(رفضه) أو توقفه عن الإجابة على عريضة قدمت له أو عن الفصل في قضية صالحه للحكم استجابة لأمر أو طلب أو رجاء أو توصية من موظف عام وذلك بعد اعذاره مرتين على يد محضر يتخللهما ميعاد أربع وعشرين ساعة بالنسبة للأوامر على العرائض وثلاثة أيام بالنسبة للأحكام في الدعاوى الجزائية والمستعجلة والتجارية وثمانية أيام في الدعاوى الأخرى.
ولا يجوز رفع الدعوى الجنائية في هذه الحالة قبل مضي ثمانية أيام على آخر موعد.
ويقوم الركن المعنوي (امتناع القاضي عن الحكم) في صورتها المشددة المنصوص عليها في المادة (121) من قانون العقوبات على عنصرين :
1-      علم المتهم بصفته كقاضي وعلمه بصفة من صدر منه الأمر أو الطلب أو الرجاء أو التوجيه كموظف عام وعلمه بأن هناك عريضة مقدمة له في قضية مرفوعة أمامه وصالحة للحكم وعلمه باعذاره مرتين على يد محضر يتخللها المواعيد سالفة الاشارة اليها.
2-      اتجاه إرادة المتهم إلى فعل الإباء والتوقف عن الإجابة على العريضة المقدمة له أو عن الفصل في القضية الصالحة للحكم استجابة لأمر أو طلب أو رجاء وتوجيه الموظف رغم اعذاره مرتين.
ويعاقب على جريمة امتناع القاضي عن الحكم في صورتها المشددة المنصوص عليها في المادة (121) بالعقوبات المقررة في المادة (105) مكررة من القانون ذاته وهي السجن وغرامة لا تقل عن مائتين جنية ولا تزيد على خمسمائة جنيه فضلا عن العزل .
  صـ 48-48
جرائم الإخلال بسير العدالة والامتناع عن تنفيذ الأحكام والأوامر /د محمد عبدالحميد الالفي
وترتب هذه الجريمة على القاضي مسئوليتين مدنية وجنائية:
أ_ المسئولية المدنية:
إذا امتنع القاضي عن الإجابة على عريضة قدمت له أو عن الفعل في قضية صالحة للحكم ، فيكون القاضي قد قام بإنكار العدالة وذلك بأن يرفض القاضي صراحة أو ضمناً الفعل في طلب قدم إليه دون أن يتوفر لديه عذر مقبول سواءاً كان هذا الضرر مادياً أو قانونياً.
وتتمثل هذه المسئولية المدنية عن أفعال تلك الجريمة
أن لكل من أصابه ضرر لفعل مكون لجريمة مرتكب من القاضي من مباشرة وظائفه الحق في طلب التعويض ومن الدولة أما في دعوى الرجوع المقامة من الدولة الملتزمة بالتعويض تجاه المضرور تتبع كذلك القواعد العادية الخاصة بمسئولية التابعين العموميين.
أما القانون المصري فقد نصت المادة(494/2) مرافعات على أنه (إذا امتنع القاضي من الإجابة على عريضة قدمت له أو من الفعل في قضية صالحة للحكم وذلك بعد إعذاره مرتين على يد محضر يتخللها ميعاد 24ساعة بالنسبة إلى الأوامر على العرائض و3أيام بالنسبة إلى الأحكام في الدعاوى الجزائية والمستعجلة والتجارية و8أيام في الدعاوى الأخرى ولا يجوز رفع دعوى المخاصمة في هذه الحالة قبل مضى 8أيام على أخر إعذار)
وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية: منذ زمن بعيد وعلى ذلك قضاؤها حتى اليوم بأنه - إذا ارتكب الموظف ولو أثناء قيامه بوظيفته أو بمناسبة قيامه بها- خطأ بدافع شخصي من انتقام أو حقد أو نحوهما فالموظف وحده الذي يجب أن يسأل عما جر إليه خطأ ومن الضرر بالغير.
ب_ المسئولية الجنائية للقضاة عن إنكار العدالة:
نصت المادة(121) من قانون العقوبات المصري على أنه (كل قاضي امتنع عن الحكم أو صدر منه حكم يثبت أنه غير حق وكان ذلك بناءً على سبب من أسباب المذكورة في المواد السابقة يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة(105) مكرر وبالعزل) وتضمن قانون العقوبات المصري في المادة(122) على أنه (إذا امتنع أحد القضاة في غير الأحوال المذكورة يعاقب بالعزل وبغرامة لا تزيد عن 200جنية مصري ، ويعد ممتنعاً عن الحكم كل قاضي آبى أو توقف عن إصدار حكم بعد تقديم إليه طلب في هذا الشأن).
الجدير بالذكر أن القانون اليمني لم يخرج عن أحكام عن القانون المصري في إيقاع عقوبة العزل وفي تحديد المقصود بجريمة إنكار العدالة حيث نصت المادة (186) عقوبات يمني عن أنه : (كل قاضي امتنع عن الحكم يعاقب بالعزل وبالغرامة ويعد ممتنعاً عن الحكم كل قاضي آبى أو توقف عن إصدار حكم بعد تقديم طلب إليه في هذا الشأن).

الجدل الفقهي حول ولاية المرأة للقضاء


الجدل الفقهي حول ولاية المرأة  للقضاء .
تمهيد :-
يعرف الفقهاء الولاية بأنها تنفيذ القول على الغير شاء أم أبى .

ويقسمونها إلى :-

                  1 - ولاية عامة                         2- ولاية خاصة .
فإذا انحصرت ولاية قطر من الأقطار في ملك أو رئاسة لأحد الناس بحيث يكون له كامل التصرف  والأمر والنهى وتوليه من دونه وعزلهم كانت الولايــــــة عظمي (أي عامة ) إما إذا شاركه غيره في التصرف بشئون الدولة والأمر والنهي والتولية  والعزل  فلا يبق الأمر منحصراً له ولا يوصف بأنه ولى الأمر لأنه  غير نافذ الأمر والنهى في كل شي وتكن ولايته  دون الولاية العظمى (أي ولاية خاصة) .
وقد حدث اتفاق بين الفقهاء في القول بأن القضاء ولاية مع خلاف في كونه ولاية عامة أو ولاية خاصة

أراء الفقهاء حول ولاية المرأة للقضاء .

 وتبعاً للاختلاف حول طبيعة ولاية القضاء فقد تباينت  أراء الفقهاء :-

فمن  رأى أن القضاء ولاية عامة أو عظمى فقد رأى منع المرأة منها منعاً مطلقاً أما من رأى أن القضاء ولاية خاصة أو دون الولاية  العظمى فقد رأى جواز تولي المرأة القضاء مطلقاً دون استثناء شئ مما يتصل بهذه  الولاية  العظمى وأن كان بعض القائلين بأن القضاء ولاية دون الولاية العظمى  يرون منع المرأة من تولى ولاية القضاء مطلقاً .
وذهب فريق ثالث من الفقهاء  للقول بأن ولاية القضاء ولاية مجزأة متنوعة ويجب التفريق بين ولاية وولاية قضائية بحسب الموقع والاختصاص وأن الولاية القضائية لا تخلو من عموم  أو خصوص فإذا كان للقاضي مطلق التصرف في قضائه  زماناً ومكاناً وفي كل قضية تعرض عليه فإن ولايته القضائية  ولاية عامة فلا يجوز للمرأة تولى القضاء وهو المعنى بالعموم أما الخصوص فإنه تدخل  تحته أمور كثيرة . :-
1-    فقد تكون ولاية القاضي خاصة بمكان معين وتكون سلطته القضائية  محصورة في هذا المكان  الذي حدد له ولا يحق له أن يقضي في غيره ويكون في هذه الحالة عام النظر يمكنه  أن يقضي في كل قضية تعرض عليه داخل حدود مكانه .
2-    وقد تكون ولاية القاضي محصورة في زمن معين فيجب عليه الالتزام بالقضاء في الأوقات المحددة ويكون في هذه الحالة عام النظر يمكنه  أن يقضي في كل قضية تعرض عليه داخل حدود زمانه .
3-    وقد تكون ولاية القاضي خاصة بفئة معينة من الناس فليس له أن يقضي في فئة أخرى ولا يحق له الخروج عن قضايا هولاء الناس الذين عين لهم .
4-    وقد تكون ولاية القاضي مخصصة لنوع من الخصومات بين الناس فيقضى فيما حدد له .
5-    وقد تكون ولاية القاضي مخصصة بخصومة معينة  حدثت بين خصمين معلومين وتنتهي ولايته بانتهاء تلك الخصومة.
6-    وقد تكون ولاية القاضي في قضايا   حدد له مدة لسماع  الدعوى فيها دون أن يكون له  الحق في أن يقضى  في غيرها أو القضاء فيها إذا انتهت مدتها .
فيرى أصحاب هذا الرأي أن ولايات القضاء الخاصة يمكن أن تتولاها المرأة وأمثالها الولايات  الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة وعدم  جواز تولى المرأة ولايات القضاء العامة ولو خصصت بمكان أو بمدة   معينة كالولايات  الأولى والثانية .
وقد كان أكثرية العلماء قديماً يرون منع تولى المرأة ولاية القضاء منعاً مطلقاً قياساً على الولاية العظمى كالحنابلة والشيعة وأكثر الشافعية والمالكية  وأقلية من العلماء قديماً كانوا يرون جواز تولى المرأة القضاء مطلقاً كالخوارج والظاهرية وبعض المالكية وأخرون كانوا  يرون جواز تولى المرأة القضاء في كل شيء إلا في الحدود والقصاص كأكثر الأحناف وبعض الشافعية وبعض المالكية.
في حين أن غالبية العلماء المعاصرين يجيزون للمرأة ولاية القضاء جوازاً مطلقاً القليل منهم يرون منع المرأة من تولى ولاية القضاء منعاً مطلقاً أو يرون جواز توليها القضاء في بعض القضايا دون البعض الأخر .
ومن ابرز العلماء المعاصرين القائلين بجواز تولى المرأة  ولايـــة القضـــاء جوازاً مطلقاً الشيخ /محمد الغزالى والدكتور القرضاوى والدكتور البوطي  والدكتور الترابي والشيخ راشد الغنوشي والشيخ محفوظ النحناح

أدلة  الفقهاء القائلين بعدم جواز تولى المرأة ولاية القضاء مطلقاً

1-      قوامة الرجل على المرأة لقوله تعالي :-

(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء أية (34) .

وقد رد على الاستدلال بهذه الآية من قبل الفقهاء القائلين بجواز تولى المرأة ولاية القضاء بأنه استدلال في غير محله فليس النص خاص بالفقهاء ولايعمه بل هي خاصة بالأسرة كما بينت الآية نفسها وكما بين كثير من العلماء وقد أختلف في أسباب  نزولها ولا يوجد لها سبب ثابت يتمسك به .

وقد بينت الآية أن القوامة للرجل للأسباب المذكورة فيها فإذا إنتفى سبب سقطت القوامة .

 كما أن للمرأة قوامة ومسئولية وأن تتولى ولايات في حدود الشرع لقوله صلى الله عليه وسلم .

(والمرأة راعية في بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها).

وقوله صلى الله عليه وسلم

 ( كل نفس من ابن أدم سيد ، فالرجل سيد أهله والمرأة سيدة بيتها ).

2- الفروق الفردية بين الرجل والمرأة لقوله تعالى :-

( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ) البقرة الآية (228) .

وقد رد على الاستدلال بهذه الآية بأنها مثال سابقتها خاصة بالأسرة وقد وردت في سياق أيات تبين أمور النكاح والرضاع والخطبة  والعدة .

وأن أساس المفاضلة في الخلق الحسن لا الخلق لقوله تعالي :

( وأن أكرمكم عند الله أتقاكم ).

وقد ورد في تفسير هذه الآية أن  للزوجات من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات بما لا ينكره الشرع الشريف وللرجال عليهن  درجة الرعاية والمحافظة على الحياة الزوجية وشئون الأولاد .

ولا يعد أصل الخلق محل فضل أو مفاخرة وإلا لما أنكر الله عز وجل على إبليس حينما تكبر على أدم وأعتقد أنه أفضل منه مستدلاً بأصل خلقته.
 وأن الفروق الفردية بين الجنسين هدف بها القيام بوظيفة تكاملية بين الجنسين لعمارة الأرض والقيام بمهمة الاستخلاف فيها .
ومهما برزت الفروق التكوينية بين الجنسين فإنه لا تأثير لها على تربية الفرد أو تعلمه أو كسبه ذكراً كان أو أنثى .
والثابت أن التربية والتعليم والتهذيب والتدريب تصقل شخصية الإنسان رجلاً أو امرأة فيتفوق الأكثر أخذاً وحظاً وموهبة وذكاءاً وجداً.
3- حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم  :
( لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمراة ) .
 فأعتبر القائلين بالمنع (لن ) للتأبيد  وأن عدم الفلاح عام  في كل ولاية تتولاها  امرأة إلا ما خصص من هذا العموم وأن لفظه قوم عامة كل قوم وأن أمرهم عامة لكل أمر من الأمور التي هي ذات بال ولم يفرقوا بين ولاية وولاية ولا إمراة وامرأة  وقد رد على ذلك الاستدلال بأن الحديث حديث أحاد وأحاديث الآحاد لا يفيد العلم واليقين وإنما تفيد  الظن وأن جاز الاستدلال به فإنه ورد بشأن الولاية  العظمى مع أن الحديث ليس صريحاً في المنع.
والحديث خاص بتلك الواقعة وما يقاس  عليها ولا يمكن  تعميمه لوجود نساء تولين ولايات قبل وبعد ملكه فارس وشهد لهن بالفلاح والنجاح .
كما أن الحديث لم يرد بصيغة الأمر لجماعة المسلمين أو بصيغة قاعدة عامة  تجب عليهم في  جميع الأزمنة وصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بحكم كونه إماماً حاكماً لا بصفته رسولاً مشرعاً مبلغاً مفتياً .
كما أن الحديث تعلق بشأن من شئون الحكم وخاص بزمن الرسول صلى الله عليه وسلم وبقوم معينين هم الفرس وما يتعلق بشئون  الحكم والسياسة يتغير بتغير الزمان والمكان وما دام قد تعلق بواقعة معينة فلا يتعدى إلى غيرها ولا يقاس غيرها عليه ولو اتحدت العلة.
2-      حديث ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحــازم من أحــــد كن). وقد بين الحديث المقصود بنقصان عقلها ودينها في كون شهادتها بنصف شهادة الرجل وذلك نقصان  عقلها وعدم صلاتها وصومها حال محيضها نقصان دينها والفروق الهرمونية والعصبية لا تعني بأي حال من الأحوال نقصان الفهم والحفظ والإدراك والاستيعاب وكما يوجد عباقرة من الرجال يوجد عباقرة من النساء .
وليس في الحديث ما يدل على منع المرأة من تولى الولايات ومنها  ولاية القضاء .
أما نقصان عقلها لكون شهادتها  بنصف شهادة الرجل فذلك ليس لعله فيها وليس على الإطلاق وإنما متعلقة بالشهادة في مسائل معينة ومحددة وتوجد  أمور لا تقبل فيها إلا شهادة النساء ويتجاوز في  بعضها فتقبل شهادة امرأة واحدة وأمور مقابلة لا تقبل فيها شهادة النساء .
ولا يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم ( ناقصات عقل ) أنهن لا يعقلن أو أن عقل المرأة أقل من عقل الرجل وقد بين القرآن الكريم  سبب قيام شهادة امرأتين مقام شهادة رجل في مقام الحقوق المالية وهو خشية النسيان لأن النساء لا يشغلهن أمر المال كثيراً مثل الرجال في غالب الأمر  ولا تفهم الأحاديث وفقاً لظاهرها  فحسب وإنما يبحث عن المراد منها وينظر هل لها معارض من أية أو حديث أخر أو واقع التشريع في الأمر ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (الحج عرفه )  فلا يفهم منه أن الحج فقط الوقوف بعرفه والمعلوم أن للحج أركان ومتممات أخرى غير الوقوف بعرفه ولو كانت المرأة ناقصة عقل كما هو ظاهر الحديث  لما قبلت  شهادتها ولا روايتها التي تحمل لنا شرعاً  وقد فسر الحديث ظاهره بأن تقصان العقل هنا نقصان شهادتها ونقصان الدين نقصان عملها صلاة وصياماً .
5- الفهم الخاطئ لمفهوم الاختلاط والخلط بينه وبين الخلوة المحرمة شرعاً فيرى المانعين أن في اشتغال المرأة  بالقضاء وسائر الولايات اختلاط وخلوة محرمة ويستدلون بأحاديث تحرم الخلوة وتنفر منها وتبرز خطرها دون التفريق بين الخلوة والاختلاط وبين اختلاط  واختلاط  مع أن ما كل اختلاط يمنع أداء الواجب وما كل اختلاط جائز فصلاة الرجال  والنساء في مسجد أو مكان واحد لكل صفوفه  ليس اختلاطا محرماً ولا مكروهاً والمشى للرجال والنساء في الأسواق ليس اختلاطا ولا محرماً والدراسة  في المراحل  المختلفة إن اشتراك فيها الذكور والإناث ملتزمين الضوابط والآداب الإسلامية لا يكون ذلك الاشتراك اختلاطاً محرماً ممنوعاً .
 وحدوث  ممارسات خاطئة أو مخالفات أثناء الدراسة أو العمل يجعل الاختلاط محرماً بسبب تلك الممارسات الخاطئة لا بسبب الاشتراك في العمل أو الدراسة  وليس في وجود المرأة في مجالس القضاء خلوة ولا اختلاط محرم ما التزمت تعاليم الشرع وآدابه .
أدلة الفقهاء القائلين بجواز تولى المرأة ولاية القضاء مطلقاً .
1-الأصل المساواة بين الرجل والمرأة لقوله تعالى:
{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..} التوبة أية   (71)
وتدل على التسوية الكاملة بين الرجال والنساء من المؤمنين والمؤمنات وتولى بعضهم بعضاً .

وقوله تعالى :
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث  منها رجلا كثيراً ونساء}
ويستدل بها على عدم وجود فرق بين الذكر والأنثى في الحقوق والواجبات .
ولقوله صلى الله عليه وسلم :
{ إنما النساء شقائق الرجال }.
ويستدل به على جواز ولاية المرأة للولايات  العامة ومنها ولاية القضاء .
2- للمرأة في الإسلام مثل الرجل ذمة مالية كاملة وتصرفاتها نافذة بإرادتها الذاتية ولا يتوقف شيء من ذلك على رضى أب أو زوج أو أخ ولها من الأهلية مثل ما للرجل إلا ما أستثنى بنص خاص .
3-          إن قضية تولى المرأة للولايات العامة ومنها ولاية القضاء ليست من قضايا العقائد والعبادات التي يقل الاجتهاد فيها أو يمتنع وإنما هي من القضايا المندرجة في قضايا السياسة والإدارة والاجتماع وهذه الأمور وأمثالها الأصل فيها أنها من العادات التي تخضع للاجتهاد فيها بما يحقق المصلحة المعتبرة شرعاً .
4-          إن الأعمال التي لا يوجد لها ميزان في النصوص الشرعية توزن في ميزان المصالح والمفاسد سواء كانت أعمال رجل أو امرأة فما ثبت نفعه  وانتفى ضرره فهو شرعي وهو ما أرادته الشريعة وما كان عكس ذلك فهو غير شرعي وعلى خلاف قصد الشريعة .
5-           سجل التاريخ ظهور عبقريات نسائية علماً وعملاً خاصة بعد ظهور الإسلام وقد ورد في القرآن الكريم ذكر  ملكة سبأ وكانت مثلاً عظيماً لعبقرية المرأة وحسن رأيها وسياستها وإدارتها تفوقت على كل الرجال حولها .
وقد عرف التاريخ الإسلامي نساء  عظيمات كأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها والتي كانت مرجعاً في التفسير والفقه والأدب وحملت عقلاً وفهماً لا يوجد له نظيراً في تاريخ  النساء وكانت  أحد رواة الحديث ، حفظ عقلها ألفين ومائتين وعشرة أحاديث وكخولة بنت الازور وذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر وصفية بنت عبد المطلب والخنساء  وسيدة بنت أحمد الصليحي والشهيرة بالملكة أروى وقد أثبتت مواقفهن أن العقل والعزم والحزم والكتابة  والفروسية والرمى ليس خاصاً بالرجال ابداً .
وقد شهد التاريخ والواقع بوقائع ومشاهد كانت المرأة فيه أكثر صلابة من الرجل في مواقف قبول الحق والدفاع عنه والثبات عليه ومنهن سمية أم عمار بن ياسر أو ل شهيدة في الإسلام كما أن واقع اليوم في العالم يشهد بنجاح المرأة في كثير من مواقع القضاء دون ضياع الحقوق.
6-          لا توجد نصوص صحيحة صريحة في منع المرأة ممارسة القضاء .

     

هل يجوز للقضاة الاضراب عن العمل - اليمن

من المسلمات أن النظام الجمهوري القائم في البلاد يقوم على أساس وجود سلطات ثلاث في البلاد هي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، وهذه السلطات الثلاث المفترض أن تعمل كل في مجال ولايتها الدستورية سواسية ودون توقف من قبلها مجتمعة أو منفردة ولا يجوز لها أو لإحداها التوقف عن عملها أياً كانت الأسباب والدوافع ولا يستقيم النظام كنظام دستوري إلا بذلك، وفي الغالب الأعم يكون التظاهر أو الإضراب أو الاعتصام حق للجماعات أو الأفراد في مواجهة الدولة بسلطاتها الثلاث أو في مواجهة أي من تلك السلطات منفردة، حتى يتم معالجة الأسباب التي لأجلها تظاهر الناس أو اعتصموا أو أضربوا من قبل السلطة ممثلة بالدولة، غير أننا في الآونة الأخيرة وجدنا السلطة القضائية جزئياً أو كلياً تضرب عن العمل وتمتنع عن قيامها بولايتها المخولة لها بمقتضى الدستور والقوانين النافذة، وإذا كان الإضراب حق للناس فراداً كانوا أو جماعات وتم تنظيمه في قانون التظاهر في مواجهة الدولة وهو ما يستند إليه الناس الذين يضربون عن العمل لأي سبب من الأسباب غير أن الناس يستندون في استعمال ذلك الحق إلى قانون نافذ، وإذا كانت السلطة القضائية كسلطة ثالثة في النظام الجمهوري لا يقوم النظام الجمهوري إلا بها وأدائها لواجباتها وعملها وفقاً للدستور فإن إضراب السلطة القضائية يعد تعطيلاً للدستور النافذ وإخلالاً به فضلاً عن أن ذلك الإضراب لا يستند إلى تشريع نافذ وهو ما يغنينا عن الخوض حول مشروعية إضراب السلطة القضائية في البلاد من عدمه.
   صحيح أن الاعتداء على القضاة أو الإساءة إليهم أو النيل من القضاء يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون ويستوجب مسائلة مرتكبها وإخضاعه لطائلة المسائلة والعقاب وذلك من قبل السلطة كدولة بسلطاتها الثلاث عبر النيابة العامة كجهاز قضائي في السلطة القضائية بولاية القبض والتحقيق والإحالة والحبس والتصرف في الوقائع أو من قبل قضاة المحاكم القائمة، ولكن على أساس أن من يملك ولاية المسائلة وإخضاع المجرمين للمحاكمة والعقاب هم قضاة آخرون غير القضاة الذين وقعت تلك الجرائم عليهم، أما في حالة أن يضرب جميع القضاة المنتسبين للجهاز القضائي في البلد كله رغم عدم جوازه دستورياً فإن ذلك يجعل كافة أعضاء النيابة وقضاة المحاكم المضربين في حكم الخصوم للجناة مرتكبي تلك الجرائم بدون استثناء، ومن البديهي أن حق النيابة كجهاز من أجهزة القضاء في القبض على الجناة والتحقيق معهم وإحالتهم للمحاكمة وطلب الحكم بإدانتهم ومعاقبتهم وفقاً للقانون مرتبط بضرورة ممارستهم لواجباتهم تلك في إطار توافر عنصر الحياد فيهم، فضلاً عن أن قضاة المحاكم المضربين قد فقدوا عنصر الحياد الذي لا يجوز للقاضي إجراء المحاكمة إلا بتوفره على نحو يقيني وبافتقاد عنصر الحياد تفتقد صلاحية القاضي للقضاء المضرب في قضية يكون القاضي طرفاً في الإضراب وأحد طرفي الخصومة ومن ثم فإن جميع أعضاء النيابة وقضاة المحاكم في عموم الجمهورية يعدوا في حالة الإضراب الشامل كما هو الحال الآن في البلاد طرف في الخصومة مع الجناة المفترض إخضاعهم على ما ارتكبوه من أعمال إجرامية في حق أي قاضي لطائلة المسائلة والعقاب، ومن البديهي استحالة الجمع بين أن يكن أحد طرفي الخصومة خصماً وقاضياً في الدعوى، ولا يخفى المأزق الذي يمكن أن تصل إليه السلطة بمكوناتها الثلاث المنصوص عليها في الدستور لأن الإضراب الكلي الكامل لأعضاء السلطة القضائية يحول القضاة المضربين إلى خصوم لبعض أفراد الشعب من مرتكبي الجرائم وهو ما يوجد الذريعة لأولئك المجرمين إلى المطالبة بقضاة محايدين من خارج البلاد وفي جميع الدرجات القضائية بما يستتبع ذلك من إخلال بالسيادة وانتهاك لسياسة البلاد والعباد ومسخ إحدى سلطات الدولة الثلاث من النظام القائم الأمر الذي يوجب إعادة النظر في موضوع إضراب السلطة القضائية برمتها لتعلق الإضراب بسيادة الدولة وبالمساس بالدستور النافذ وهو ما يجب معالجته ووضع حلول مناسبة له بعيداً عن موضوع إضراب القضاة وبعيداً عن أن يتحول أعضاء السلطة القضائية من قضاة محايدين إلى خصوم حاقدين، فالدولة بسلطاتها الثلاث مسئولة عن حياة رعاياها وأعراضهم وأموالهم ومن أولئك القضاة الذين يتعرضون للاعتداءات المتكررة وأياً كانت الخطورة التي تشكلها الاعتداءات الواقعة على القضاة من قبل بعض شذاذ الآفاق إلا أن معالجة تلك الظاهرة يجب أن تتم بعيداً عن ممارسة حق الإضراب في البلاد وبعيداً عن تحول أعضاء السلطة القضائية إلى خصوم لمرتكبي الجرائم وبما يترتب على ذلك من محاذير دستورية وانتهاك لسيادة البلاد واستقلالها كمبدأ دستوري لا يختلف حوله اثنان، والمستغرب هنا أن أعضاء نادي القضاة ومجلس القضاء الأعلى يتوقفون عند الجرائم المرتكبة ضد أعضاء النيابة وقضاة المحاكم ومعالجة ذلك بعيداً عن مقتضى النصوص القانونية المنوط بالسلطة القضائية قبل غيرها تطبيقها والتقيد بها ولذلك نجد أن نادي القضاة ومجلس القضاء قد رأيا في الإضراب الشامل للسلطة القضائية عن العمل هو الوسيلة المثلى لمعالجة الظاهرة الخطيرة بالاعتداء على أفراد السلطة القضائية بما في ذلك من مخاطر تتعلق بتعطيل الدستور النافذ أو مخالفته فضلاً عن أن الإضراب عن العمل القضائي والامتناع عن أداء الوظيفة القضائية يعتبر جريمة إنكار العدالة بحسب النصوص القانونية النافذة وهو ما قد يخضع جميع منتسبي السلطة القضائية للمسائلة والعقاب وبذلك تتحول معالجة جرائم الاعتداء على منتسبي السلطة القضائية بواسطة الإضراب عن العمل إلى ارتكاب جريمة أخرى لا تقل خطورة عن جريمة الاعتداء على القضاة وممن يكون ذلك؟ وللأسف من قبل القضاة المنوط بهم تحقيق الجرائم الجنائية في المجتمع والفصل فيها، ناهيك عن أن جميع المتقاضين في البلاد أمام المحاكم الشرعية مدعين كانوا أو مدعى عليهم يصبحون مجني عليهم جراء امتناع القضاة المضربين عن العمل القضائي في كل القضايا المطروحة على المحاكم من نظر تلك الدعاوى وإقامة العدل بشأنها جراء الإضراب ولو افترضنا جدلاً أن عدد النيابات والمحاكم في عموم الجمهورية لا يقل عن ألف وخمسمائة نيابة ومحكمة وأن كل نيابة أو محكمة مطروح أمامها عدد أربعمائة شكوى أو دعوى أو قضية وأن أطراف الدعوى من مدعين ومدعى عليهم هم فقط مدعي واحد ومدعى عليه واحد فإن عدد المتقاضين أمام كل محكمة ونيابة سيكون ثمانمائة شخص شاك أو مشكو به أو مدعي أو مدعى عليه وكل تلك الأعداد تصبح مع الإضراب مجني عليها لامتناع النيابات والمحاكم عن نظر قضايا المتقاضين وكل ذلك يرجع إلى أن بعض المجرمين ارتكبوا في حق أحد أعضاء النيابة أو قضاة المحاكم جريمة من الجرائم التي لا يملك ولاية تحقيقها والفصل فيها قضائياً سوى القضاة وأعضاء النيابة العامة ومعلوم من التشريع بالضرورة أن الإضراب كحق يمتلكه المواطن الذي يجوز له ممارسة ذلك الحق يتم في مواجهة السلطة قضائية كانت أو تنفيذية أو تشريعية في حين أن إضراب القضاة كسلطة قضائية دستورية تملك ومعها السلطتين التنفيذية والتشريعية كل في مجال اختصاصها إيجاد حلول لمطالب المضربين من مواطني الدولة أو للمسائل التي لأجلها وقع الإضراب تتحول في حال الإضراب الشامل أو الجزئي إلى مطالبة بمعالجة المشكلة التي كانت سبباً في الإضراب مع أن ارتكاب جريمة من جرائم الاعتداء على القضاة تستوجب وفقاً للدستور والقوانين النافذة على النيابة العامة كهيئة قضائية تحريك الدعوى الجنائية بواقعة الاعتداء والتصرف بشأنها ورفعها أمام المحاكم المختصة ضد الجناة وذلك يعني أن الإضراب الذي تمارسه السلطة القضائية يعتبر خرقاً للدستور وتعطيلاً للقوانين النافذة وتعطيلاً للوظيفة الدستورية للسلطة القضائية بل وامتناعاً عن إنصاف المعتدى عليهم من أفراد السلطة القضائية أنفسهم مع أن عدم إلقاء القبض على الجناة أو حبسهم ليس شرطاً لصحة تحريك الدعوى الجزائية ورفعها ومباشرتها فالكثير من القضايا الجنائية يتم رفعها وتحريكها ومباشرتها أمام المحاكم ولو لم يتم إلقاء القبض على الجناة أو حبسهم بل وتجري محاكمتهم غيابياً كمتهمين فارين من وجه العدالة فحضور المتهم أو إلقاء القبض عليه أو حبسه حبساً احتياطياً الغرض منه كفالة حقوق الدفاع للمتهم لكي يحاكم محاكمة عادلة ويستحق العقاب الموقع عليه بوجه الحق والعدل. والسؤال هنا ماذا فعلنا بشأن جريمة الاعتداء على القاضي المعتدى عليه من وجهة نظر قانونية بحتة؟ بدلاً عن الإضراب المستمر بكل مخاطره بدون جدوى؟ ولعل الأخوة في نقابة المحامين قد أوضحوا للأخوة الأجلاء رئيس وأعضاء نادي القضاة عند اللقاء بهم بشأن موضوع الإضراب كل ذلك أو بعضاً منه غير أن الأخوة في نادي القضاة رغم تفهمهم لكل ما ذكر أو بعضه تذرعوا في أن بياناً من النادي قد صدر بشأن استمرارية الإضراب لكافة أعضاء السلطة القضائية في عموم الجمهورية حتى تتحقق جميع المطالب ومع أن الإمام مالك رضي الله عنه قد قال: ((كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبره صلى الله عليه وسلم)) فإن إصرار الأخوة في نادي القضاة على استمرارية الإضراب بذريعة البيان الذي أصدره النادي لا مبرر له خاصة أنه صلى الله عليه وسلم قد سئل عن موقفه في اختيار مكان المعركة وتركه آبار المياه متوسطة بين معسكره ومعسكر الكفر والإلحاد يستفيد منها الطرفان بقول الصحابة الذين لهم خبرة ودراية بالحرب ((أموقع أنزلك إياه الله أم أنها الحرب والمكيدة)) فقال صلى الله عليه وسلم: ((بل هي الحرب والمكيدة)) فقالوا الرأي الصائب أن تغور آبار المياه كلها باستثناء بعضها الذي يجب أن نتركها خلف معسكرنا نستفيد منها نحن ولا يستفيدون هم منها فنزل عند رأيهم ولم يتذرع بأن رأياً منه قد سبق وأنه يجب التوقف عليه وهو ما نأمل معه من الأخوة في نادي القضاة الأجلاء مراجعة موضوع إضراب السلطة القضائية والعمل على إنهائه أو تعليقه على الأقل فالرجوع إلى الحق خير من التمادي فيما سواه والله حسبنا ونعم الوكيل.

دراسة حول ضوابط الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم اليمنيه و أثرها على تنفيذ الاحكام الاجنبيه باليمن







مقدمه:

يتكون المجتمع الدولي من دول عديدة تتمتع كل منها بالاستقلال و السيادة وترتبط هذه الدول مع بعضها بعلاقات متنوعة ، سياسية ، تجاريه ،     ثقافية ،.........الخ .
وهذه العلاقات إما أن تكون بين الدول ذاتها باعتبارها شخصيه قانونيه و سياسية مستقلة و إما أن تكون هذه العلاقات بين أفراد ومواطني هذه الدول.
ومما يترتب على تمتع الدول التي يتكون منها المجتمع الدولي بالسيادة والاستقلال تمتع كل منها بنظام قانوني وقضائي خاص بها بل فهذا من ابرز مظاهر السيادة والاستقلال.
وينظر إلى النظام القضائي الدولي باعتباره من الأسس الضرورية لنمو وتطور التعاون الاقتصادي الدولي.
فهناك علاقات تنشأ في المجال الدولي يكون أطرافها رعايا دول مختلفة مما يعني أن تلك العلاقات والروابط تكون مشوبة بعنصر أجنبي وقد يحصل أن ينشأ عند مباشرة هذه العلاقات نزاع معين لأي سبب كان وفي هذا الفرض تظهر الحاجة للبحث عن الوسيلة المناسبة لحل ذلك النزاع وتمثل النصوص القانونية التي يسنها المشرع الوطني في مجال الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية سياجاً يقي العلاقات القانونية الناشئة في المجال الدولي.
وعلى ذلك  فكثير ما ينظر المستثمر أو الطرف الأجنبي إلى النظام القانوني والقضائي الوطني لمعرفة مدى الامتيازات والضمانات التي يحققها أو يكفلها هذا النظام قبل أن يقدم على أي تصرف قانوني يترتب عليه خضوعه لذلك النظام  .
وفي إطار هذا الموضوع الذي أصبح على درجه كبيرة  من الاهميه في العلاقات الدولية خصوصاً في مجال التجارة الدولية سنناقش ضوابط الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية وفقاً للتشريع اليمني في الفصل الأول من هذا البحث وفي الفصل الثاني نناقش اثر تلك الضوابط على تنفيذ الأحكام  الأجنبية والحلول المقترحة من قبل الفقه القانوني.





























خطة البحث


الفصل الأول


الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم اليمنية


المبحث الأول


الضوابط العامة للاختصاص القضائي الدولي

المبحث الثاني


قواعد الاختصاص القضائي الدولي في التشريع
اليمني

الفصل الثاني


تنفيذ الأحكام ألا جنبيه


المبحث الأول

شروط تنفيذ الأحكام ألا جنبيه في القانون اليمني

المبحث الثاني

اثر شرط الاختصاص على تنفيذ الحكم الأجنبي والحلول المتقرحة


الفصل الأول

الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم اليمنية

_ في الواقع العملي للعلاقات القانونية ذات العنصر الأجنبي تبرز بعض الصعوبات بخصوص التنظيم القانوني والقضائي لهذه العلاقات ومن أبرز هذه الصعاب هنا ما يلي:
_ قد يثار نزاع معين بخصوص إحدى العلاقات القانونية ذات العنصر الأجنبي وهنا نكون بصدد مشكلة قانونية تتعلق بكيفية تحديد المحكمة المختصة دولياً لنظر هذا النزاع كون أطراف هذا النزاع ينتمون إلى دول مختلفة أو أن العلاقة القانونية تكون مرتبطة بأكثر من نظام قانوني بمعنى أنها تتسم بالصفة الدولية.
ومن المعلوم أن الجماعة الدولية تتكون من مجموع الدول المستقلة والتي تتمتع بالسيادة ولكل دولة من هذه الدول نظامها القانوني والقضائي الخاصين بها والذي يعتبر أبرز معالم السيادة والاستقلال.
ويزداد الأمر تعقيداً وصعوبة نظراً لعدم وجود قواعد اختصاص قضائي على مستوى دولي أو عدم وجود هيئة قضائية دولية تتولى مهمة توزيع الاختصاصات القضائية بين الأجهزة القضائية للدول المختلفة المكونة للمجتمع الدولي.

لذلك فإن الدول ذاتها هي التي تحدد قواعد الاختصاص لمحاكمها الوطنية عن طريق ما تصدره من تشريعات بهذا الخصوص أي أن كل دولة تنفرد بوضع ضوابط الاختصاص بما يتفق ومصالحها السياسية والاجتماعية والتشريعية ويختلف الفقه في تكييف طبيعة تلك القواعد المحددة للاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية والتي تتضمنها التشريعات الوطنية للدول المختلفة والأساس الذي تقوم عليه وسوف لن نخوض في بيان هذه الاختلافات مقتصرين على البيان بإيجاز الأسس التي تبنى عليها ضوابط الاختصاص القضائي الدولي المتمثلة في الجنسية والموطن والضوابط المتعلقة بفكرة الإقليمية والضوابط المستمدة من إرادة أطراف العلاقة هذا في المبحث الأول أما في المبحث الثاني فسوف نستعرض معايير الاختصاص القضائي في التشريع اليمني وعلى النحو التالي:
المبحث الأول: الضوابط العامة للاختصاص القضائي الدولي.
المبحث الثاني: معايير الاختصاص القضائي الدولي في التشريع اليمني.



























المبحث الأول

الضوابط العامة للاختصاص القضائي الدولي

أولاً: الاختصاص القائم على وجود رابطة بين الشخص والدولة.
والرابطة أو العلاقة هنا إما أن تكون جنسية الخصم (المدعى عليه) أو موطن المدعى عليه، وهو ما يعرف لدى فقه القانون الدولي الخاص بالضوابط المستمدة من فكرة التوزيع الدولي للأشخاص(1).

أ_ ضابط الجنسية:
الجنسية رابطة سياسية بين الشخص و إقليم دولته ولما كان من أبرز مظاهر السيادة للدولة هو خضوع أفراد ومواطني هذه الدولة لسلطان القضاء فيها، فيكون من المنطقي جواز رفع الدعوى أمام محاكم الدولة التي يحمل الشخص جنسيتها ولو لم يكن مقيماً فيها، ويرى الفقه القانوني أن الاختصاص حينئذ يقوم على اعتبار سياسي يتمثل في انتماء هذا الخصم بجنسيته إلى الدولة، وبالتالي يكون من الطبيعي أن تختص محاكمها بالمنازعة الدولية إذا كان من بين أطرافها من هو وطني تحقيقاً للعدالة تجاه مواطنيها(2).
والحديث عن هذا الضابط _الجنسية _ بهذا الإطلاق قد ينصرف إلى المدعي والمدعى عليه.
بمعنى أنه يمكن القول بثبوت الاختصاص ليس فقط لمحاكم دولة المدعى عليه بل لمحاكم دولة المدعي أيضاً، وضابط الاختصاص هنا( الجنسية ) هو من حيث الأساس منتقد ويلقى استهجان من الفقه الغالب الذي يرى أنه من بقاياً المخلفات القديمة التي لا تتفق مع النظرة الحديثة للاختصاص القضائي الدولي بصرف النظر عن جنسية المتقاضين وطنيين كانوا أو أجانب(3).
والغالب في التشريعات الحديثة للدول المختلفة ومنها التشريع اليمني والمصري قصر ضابط الجنسية على المدعى عليه ومع ذلك فمازال هذا الضابط محل نقد واستهجان غالبية فقهاء القانون الدولي الخاص من جوانب عديدة نظرية وعملية، فهو من الناحية النظرية منتقد لأنه يقوم على نوع من التفرقة في المعاملة بين الوطنيين والأجانب، ومنتقد من الناحية العملية لما يواجه من صعوبة عملية تتمثل في عدم إمكانية كفالة أثار الحكم في الدولة التي أصدرته وذلك في حالة انعدام أي صلة حقيقية بين المدعى عليه الوطني ودولته التي أصدرت الحكم(1).
إذ يستحيل تنفيذ الحكم ومن ثم تحقيق الغاية من الأحكام القضائية في حالة عدم وجود موطن أو محل إقامة للمدعى عليه في الدولة التي ينتمي إليها بجنسيتة، أو عدم وجود أموال يمكن التنفيذ عليها له في هذه الدولة التي يحمل جنسيتها والتي صدر فيها الحكم ضده بناءً على معيار أو ضابط الجنسية وسوف نستعرض تلك الانتقادات بتفصيل أكثر عند حديثنا عن معايير الاختصاص القضائي الدولي في التشريع اليمني بأذن الله تعالى.

ب_ ضابط الموطن :
توطن الشخص في إقليم دولة معينة واتخاذ محل إقامته في هذا الإقليم يؤدى إلى قيام رابطة إقليمية بين هذا الشخص و إقليم تلك الدولة وهذا يكفى لرفع الدعوى عليه في إقليم تلك الدولة استناداً إلى تلك الرابطة المكانية أو الإقليمية بل فمثل هكذا إجراء يعد مظهراً من مظاهر سيادة الدولة على إقليمها باعتبار أن ممارسة سلطة القضاء أحد أبرز مظاهر تلك السيادة.
 وضابط الموطن يقتصر في التشريعات المختلفة على المدعى عليه حيث الأصل براءة الذمة بجانبه، إضافة إلى أن الأصل هو أن يسعى المدعى إلى محكمة المدعى عليه حتى لا يتحمل المدعى عليه مشقة المثول أمام محكمة موطن المدعى بسبب دعوى يتضح في نهاية الأمر كيديتها وعدم الجدية فيها سوى قصد الأضرار بالمدعى عليه.


ثانياً: ضوابط الاختصاص القائم على وجود رابطة            بين موضوع النزاع وإقليم الدولة.
ويدخل في إطار هذا الضابط موقع المال محل النزاع ومحل مصدر الالتزام أو مكان تنفيذه.

أ_ موقع المال:
ووجود المال محل النزاع في إقليم دولة معينة كاف لجعل محاكم هذه الدولة مختصة بنظر النزاع المتعلق بهذا المال لقيام تلك الرابطة الإقليمية المحضه القائمة على أساس الواقع.

ب_ مصدر الالتزام أو مكان تنفيذه:
يتحقق الارتباط بإقليم الدولة متى كان مصدر الالتزام قد نشأ فيها أو كان تنفيذ هذا الالتزام واجباً في إقليم هذه الدولة كأن يبرم عقد ما في إقليم دولة معينة أو نفذ فيها هذا العقد أو اشترط تنفيذه فيها وكل هذا يعنى وجود قبول صريح من أطراف هذا الالتزام او العقد على اختصاص محاكم تلك الدولة بنظر النزاع المتعلق بهذا العقد أو مصدر الالتزام .

ثالثاً: ضوابط الاختصاص المستمدة من                      إرادة الخصوم في المنازعة.
أضحى من المسلم به في الفكر القانوني للقانون الدولي الخاص الاعتراف للإرادة بدور في تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد المبرم بينهم وهذا هو ما يعرف بمبدأ سلطان الإرادة، ويبرر الفقه القانوني التسليم بهذا الدور للإرادة لوجود أسباب عملية أكثر منها نظرية إذ تستجيب فكرة حرية الأطراف في اختيار القانون الذي يسرى على عقدهم للتعدد الكبير وللاختلافات في التعاملات العقدية الدولية، ذلك أنها تسمح للمتعاقدين باختيار القانون الملائم لتحقيق النتيجة التي يرغبان في تحقيقها(1).
ويثار السؤال هنا عن مدى إمكانية الأخذ بمبدأ سلطان الإرادة في مجال تحديد الاختصاص القضائي الدولي أو بمعنى أخر هل يحق لأطراف العقد أن يخضعوا عقدهم لاختصاص قضاء دولة معينة وأن كانت أجنيبه عنهم؟
أننا نجد الإجابة على هذا التساؤل في النصوص القانونية لتشريعات الدول المختلفة، حيث أن هذه الإمكانية تقبلها بعض الدول ومنها اليمن بينما ترفضها دول أخرى(1).
كما أن الرأي الغالب لدى فقهاء القانون يسلم بالسماح لإرادة الخصوم بتحديد الاختصاص القضائي الدولي ومبرراً الاعتداد بإرادة الخصوم في هذا الصدد بحالة التخلف التي تنعت بها قواعد الاختصاص القضائي الدولي في وضعها الراهن حيث لم تتبلور نظرية عامة في شأن هذا الاختصاص مما يقتضى الاستعانة بإرادة الخصوم في سد بعض أوجه النقض القائم في هذا المجال(2).
بيد أن الأمر هنا ليس على إطلاقه فإذا ما كان المشرع الوطني قد جعل من إرادة الخصوم ضابطاً للاختصاص الدولي للمحاكم الوطنية فإنه يتعين كما يرى فقها القانون أن يكون هذا الضابط قائماً على أسس ثابتة حتى لا ينتهي الأمر بانصياع القضاء الوطني إلى أهواء الخصوم ورغباتهم غير المشروعة على إقليمها(3).

رابعاً: ضابط الاختصاص القائم على تلافى إنكار العدالة.
_ كما يرى فقها القانون وجود ضابط أخر بالإضافة إلى الضوابط السابق الإشارة إليها يقوم هذا الضابط على أساس تلافي إنكار العدالة(4) وهذا في كل حالة يستحيل فيها اللجؤ إلى قضاء دولة أخرى لفض المنازعات فيثبت الاختصاص هنا لمحاكم الدولة بسبب هذه الاستحالة وتفادياً لترك الخصوم دون قاض يفصل في منازعاتهم ويشمل هذا الضابط الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية.

ومجمل القول هنا أن ضوابط الاختصاص القضائي الدولي السابق الحديث عنها في هذا المبحث وإن كانت تعتبر من قبيل الضوابط العامة المسلم بها وعادة ما تستند إليها الدول عند قيامها بتحديد قواعد الاختصاص لقضائها الوطني إلا أنه ومع ذلك فإن الدول عندما تضع القواعد التي تحدد بموجبها اختصاص قضائها الوطني فإنها تجرى ذلك التحديد بالقدر الذي يحقق لها مصالحها، أي أن كل دولة تنظر للأمر هنا من زاوية واحدة وهو ما قد يترتب عليه التنازع في الاختصاص القضائي الدولي بين تشريعات مختلف الدول.
لذلك ينادي فقها القانون الدولي الخاص بأن من الواجب على المشرعين في الدول المختلفة حينما يتصدون لتقرير نطاق الحماية القضائية الدولية التي يقدمها كل منهم أن يحققوا التناسق المطلوب في هذا الصدد دون احتكار يؤدى إلى التقوقع(1).
























المبحث الثاني

قواعد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم اليمنية

تناول المشرع اليمني ضوابط أو معايير الاختصاص القضائي للمحاكم اليمنية في قانون المرافعات رقم(40) لسنة 2002م وذلك في المواد من (78) إلى (84) تحت عنوان الاختصاص الدولي وتلك المعايير التي أوردها المشرع في قانون المرافعات اليمني في المواد المشار إليها أنفاً لا تخرج في مجملها عن الضوابط العامة للاختصاص القضائي الدولي السابق ذكرها في المبحث الأول وزيادة في الإيضاح نتناول تلك المعايير التي أوردها المشرع اليمني للاختصاص الدولي للمحاكم اليمنية على النحو التالي:

أولاً: اختصاص المحاكم اليمنية استناداً إلى                 ضابط جنسية المدعى عليه.

تنص المادة (78) من قانون المرافعات على (تختص المحاكم اليمنية بالدعاوى المرفوعة على اليمني ولو لم يكن له موطن أو محل إقامة في اليمن فيما عدا الدعاوى المتعلقة بعقار واقع في الخارج).
من النص يتضح أن الأساس الذي بنى عليه منح الاختصاص للقضاء اليمني هو جنسية المدعى عليه فبمجرد ثبوت الجنسية اليمنية للمدعى عليه جازت مقاضاته أمام المحاكم اليمنية ولو كان مقيماً في الخارج ولم يكن له في اليمن موطن أو سكن وسواء كان رافع الدعوى يمنياً أو أجنبياً وسواء كان النزاع حول منقول موجود في اليمن أو في الخارج.

غير أن الأخذ بضابط الجنسية كمعيار لجلب الاختصاص القضائي للمحاكم الوطنية لا يكون من ورائه ثمة جدوى في الواقع العملي في بعض الحالات، فمثلاً لو افترضنا أن يمنياً يقيم خارج اليمن وليس له أموال في اليمن فما هي الجدوى من أن يصدر ضده حكم في اليمن يقضى بإلزامه بتسليم مبلغ من المال للمدعي، طالما وهو لا يملك أمول في اليمن يمكن التنفيذ عليها واستيفاء المحكوم به منها، وفي ذات الوقت فإن القضاء اليمني لا يملك تنفيذ الحكم الصادر عنه خارج الحدود الإقليمية لليمن، مما يعنى أن وجود الحكم في مثل هذه الحالة لا معنى له بل فهو كالمعدوم طالما لم تتحقق الغاية منه، لهذا فقد انتقد فقها القانون الدولي الخاص الأخذ بهذا الضابط لتقرير الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية لعدم إمكانية كفالة تنفيذ الحكم في الدولة التي أصدرته في حال انعدام أي صلة حقيقية بين المدعى عليه الوطني ودولته التي أصدرت الحكم كما في المثال السابق، ولذلك يرى هذا الجانب من الفقه أنه لا يمكن التعويل على ضابط الجنسية دون اشتراط قيود معينة كأن يكون للمدعى عليه أموال يمكن التنفيذ عليها في دولته و إلا لأصبح الحكم الصادر في الدعوى ضده دون أي قيمة حقيقية (1).
وغير مقبول عقلاً القول باختصاص المحاكم الوطنية بنظر دعاوى في الوقت الذي لا تكون فيه هذه المحاكم قادرة فعلاً على تنفيذ الأحكام التي ستصدرها في هذه الدعاوى، لأن المدعى عليه غير متوطن بإقليم دولته التي أصدرت الحكم ولا يملك بها أموال يمكن التنفيذ عليها.
أيضاً فمن المشاكل التي قد تترتب على الأخذ بمعيار ضابط الجنسية كأساس لعقد الاختصاص القضائي للمحاكم الوطنية صعوبة تنفيذ الحكم الأجنبي في اليمن والذي يصدر في مواجهه مواطن يمني كان مقيماً عند رفع الدعوى وصدور الحكم الأجنبي ضده على إقليم تلك الدولة التي أصدرت الحكم ثم عاد إلى اليمن قبل تنفيذ الحكم الصادر ضده.
وصعوبة تنفيذ الحكم الأجنبي في هذا الفرض تعود إلى أن المشرع اليمني في قانون المرافعات الجديد رقم(40) لسنة 2002م قد نظم كيفية تنفيذ الأحكام الأجنبية في اليمن ووضع لذلك جملة شروط من بينها أن لا تكون المحاكم اليمنية مختصة بنظر النزاع الذي صدر فيه الحكم الأجنبي (طبقاً لما نص عليه في المادة(494/2)) ووفقاً لهذا الشرط الذي استحدثه المشرع اليمني  في قانون المرافعات الجديد فإن الحكم الأجنبي الصادر في الافتراض السابق سيصعب من ناحية عملية تنفيذه في اليمن وهذا حتماً يتعارض مع مبدأ النفاذ والفاعلية الدولية للأحكام.

إلا أن جانباً من الفقه يرى أنه يجب على القاضي في مثل هذه الحال أن ينظر إلى ضابط الجنسية أو بالأصح إلى النص القانوني محل النقاش بطريقة تحررية تأخذ في الاعتبار النتائج العملية للحكم الصادر من المحاكم الوطنية، ومن ثم يجب على القاضي الوطني أن ينظر إلى كل حالة على حده فإذا ما قدر أن الحكم الذي سيصدره سيكون مجرد من الفاعلية كان له أن يتخلى عن نظر الدعوى(1).
وعلى الرغم من وجاهه هذا الرأي وقوة اقناعة إلا انه محل نظر من قبل جانب من الفقه نتيجة لوجود صعوبات قانونية تحول دون تحققه تتمثل في عدم إمكانية القاضي الوطن التخلي عن اختصاصه بتلك السهولة(2).
بينما يرى جانب أخر من الفقه أن الاختصاص المقرر للمدعى عليه الوطني يمثل نوعاً من الامتياز المقرر له ولذلك يجوز له التنازل عنه وقبوله المثول أمام محكمة أجنبية يعد بمثابة تنازلاً ضمنياً عن هذا الامتياز ومن ثم يكون الحكم الصادر من محكمة أجنبية قابلاً للتنفيذ ما لم يكن في منازعة تتصل اتصالاً وثيقاً بالنظام القانوني الوطني(3).

ثانياً: اختصاص المحاكم اليمنية المبنى على توطن           المدعى عليه الأجنبي أو إقامته في اليمن.
تنص المادة (79) من قانون المرافعات رقم(40) لسنة 2002م على (تختص المحاكم اليمنية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي له موطن أو محل إقامة في اليمن فيما عدا الدعاوى المتعلقة بعقار في الخارج).
وهذا النص هو تطبيق لقاعدة أساسية من قواعد الاختصاص القضائي الدولية و المحلية وغاية هذه القاعدة هي أن المدعي يسعى إلى المدعى عليه في محكمته، ويرى فقهاء القانون أنه لا يقصد من تطبيق هذه القاعدة في الاختصاص الدولي رعاية المدعي عليه فحسب – لان الأصل هو براءة ذمته- و إنما أيضا يأخذ في الاعتبار أن الحكم سيسهل تنفيذه على المدعى عليه فمحكمة موطن أو محل إقامة المدعى عليه هي التي يسهل عليها اتخاذ إجراءات تنفيذ الحكم ضد المدعى عليه وهذا يتفق مع مبدأ هام وهو ضمان الفاعلية الدولية للإحكام(4).
وانعقاد الاختصاص على أساس موطن المدعى عليه يشمل الموطن العام والموطن الخاص مثل موطن الأعمال والموطن التجاري وموطن المأذون بالإدارة ويرجع في تحديد مختلف هذه المواطن إلى القانون الوطني(1).
وحيث أن المادة (79) مرافعات قد اشترطت لانعقاد الاختصاص للمحاكم اليمنية أن يكون المدعي عليه الأجنبي متوطنا أو مقيما في اليمن فذلك يدعونا إلى البحث عن تفسير لكلمة أو اصطلاح الموطن أو الإقامة.
 وكما رأينا سابقا فإن المرجع في تحديد معنى هذين الاصطلاحين هو القانون الوطني- أي القانون اليمني – وبالرجوع إلى قانون المرافعات اليمني نجد أن المشرع قد نظم أحكام الموطن والإقامة في المواد من  33إلى38 ومن خلال الإطلاع عليها نجد الآتي:-

1-    الموطن العام : عرفت المادة (33) من قانون المرافعات اليمني الموطن العام بقولها :
( الموطن هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة ..) ويرى فقهاء القانون أنه يشترط للتوطن توافر عنصرين هما :
الأول: الإقامة أو السكن على وجه الاستقرار في مكان معين ولو تخللت هذه الإقامة فترات غياب وهذا هو الركن المادي.
الثاني: اتجاه نية الشخص إلى اتخاذ ذلك المكان مقراً دائما وهذا هو الركن المعنوي (2).
وقد أكدت المفهوم السابق للموطن محكمة النقض المصرية في حكمها الصادر في 1/6/1977م( 3).

2-الموطن الخاص:
وهو المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة أو عملاً وقد عرفته المادة (33) في شطرها الأخير بقولها ( ويكون المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة أو مهنة أو وظيفة موطنا له لإدارة هذه الأعمال ).
وبالتالي تختص المحاكم اليمنية بالدعاوى المتعلقة بهذه الأعمال (التجارة أو الحرفة) حتى وأن كان الموطن العام للتاجر موجودا في الخارج.

3_الموطن المختار:
وهو المكان الذي يختاره الشخص لعمل معين وفقا لنص المادة (37) مرافعات، وبالتالي ينعقد الاختصاص هنا للمحاكم اليمنية بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي إذا اختار هذا الأخير اليمن موطنا له بصدد عمل أو علاقة قانونية معينة حتى وان كان لهذا الأجنبي موطنا او محل إقامة في الخارج، وقد أكد هذا الرأي المشرع اليمني بما قرره في المادة (80) من قانون المرافعات والتي تنص على ( تختص المحاكم اليمنية بنظر الدعاوى المرفوعة على الأجنبي الذي ليس له موطن في اليمن وذلك في الحالات الآتية :
1- إذا كان له موطن مختار في اليمن،                           
7- إذا كان لأحد المدعي عليهم موطن أو محل إقامة في اليمن).
وفضلا عن كون نص المادة السابقة يؤكد قولنا السابق، فإنها أيضا تضع معالجة قانونية لحالة تعدد المدعى عليهم إذا كانوا أجانب ولا يتحقق شرط الموطن في اليمن إلا بالنسبة لأحدهم فقط، كون المادة (33) مرافعات قد عالجت فقط الحالة التي يكون فيها للمدعى عليه الأجنبي موطن أو محل إقامة في اليمن.
ومن ثم يكون المشرع اليمني بهذا النص قد واجه صعوبة تعدد المدعي عليهم الأجانب إذا لم يكن لهم موطن في اليمن إلا بالنسبة لأحدهم فقط، إلا أنه يجب توافر شروط معينة لإمكانية أعمال هذا النص هي :
الشرط الأول: تحقق الارتباط بين الطلبات الموجهة إلى المدعى عليهم ارتباطا جدياً يبرر جمعها في دعوى واحده (1).
وعلى ما يرى فقه القانون انه ليس من الضروري للقول بتحقق الارتباط أن تستند الطلبات على ذات الحق في مواجهة كل من المدعى عليهم او تستند على ذات السبب او ذات العقد و يكتفى فقط بوحدة الطلبات بالنسبة لجميع المدعي عليهم(2) .

الشرط الثاني:
ضرورة أن يكون لأحد المدعى عليهم موطن أو محل إقامة في اليمن ويرى أستاذنا الدكتور محمد المؤيد أنه لا يجوز رفع الدعوى على جميع المدعى عليهم إذا كان الاختصاص للمحاكم اليمنية قد انعقد بالنسبة لأحدهم بناءاً على ضابط آخر للاختصاص غير الموطن أو الإقامة، لأنها في هذه الحالة لا تعتبر محكمة موطن إقامة أحدهم (1) بينما جانب من الفقه المصري يرى في مثل هذه الحالة خلاف ذلك فيرى انه ليس هناك ما يمنع من اختصاص القضاء الوطني بالنسبة لسائر المدعي عليهم حتى وان كان اختصاصه بالنسبة لأحدهم يقوم بناءاً على أحد الضوابط الأخرى غير ضابط الموطن أو الإقامة مثل مكان تنفيذ العقد أو مكان تحقق الضرر(2).
   الشرط الثالث:
أن يختصم المدعى عليه الأجنبي المتوطن في اليمن بصفة أصلية وأن تكون الخصومة هنا حقيقة لا صورية.

ثالثا: اختصاص المحاكم اليمنية المبني على قبول الخصم الخضوع لولاية القضاء اليمني اختياريا.

كما رأينا في المبحث الأول فإن للإرادة دور في الخضوع اختياريا لسلطة قضاء دولة معينة وأن هذا المبدأ أصبح مسلم به لدى غالبية فقه القانون الدولي الخاص بل أضحى معترفا به في العديد من تشريعات الدول المختلفة ومنها التشريع اليمني.
ووفقا لذلك فإن الاختصاص القضائي للمحاكم اليمنية يثبت إذا ما قبل الخصم الأجنبي الخضوع اختياريا لسلطة القضاء اليمني ولو لم يكن هناك ثمة ضابط آخر من ضوابط الاختصاص السابق الإشارة إليها وقد قرر هذا المبدأ المشرع اليمني في المادة (81) من قانون المرافعات والتي تنص على: ( تختص المحاكم اليمنية بالفصل في الدعوى ولو لم تكن داخله في اختصاصها طبقا للمواد السابقة إذا قبل المدعى عليه ولايتها صراحة أو ضمنا).




رابعا: اختصاص المحاكم اليمنية المبني على وجود     ارتباط بين الدعوى الأصلية والطلبات العارضة .

إذا رفعت أمام المحاكم اليمنية دعوى تكون داخلة في اختصاصها، فإن هذه المحاكم تكون مختصة أيضا بالفصل في الطلبات العارضة المرتبطة بالدعوى الأصلية لمقتضى تحقيق وحدة الخصومة وحسن سير العدالة، وقد قرر المشرع اليمني ذلك في المادة (82) من قانون المرافعات بقوله: ( تختص المحاكم اليمنية بالفصل في المسائل الأولية والطلبات العارضة المرتبطة بالطلبات الأصلية إذا كانت مختصة بها).
أيضا فإن من مقتضيات حسن سير العدالة اختصاص المحاكم اليمنية بالأمر بالإجراءات الوقتية والتحفظية التي تنفذ في اليمن ولو كانت غير مختصة بالدعوى الأصلية ( مادة (83) مرافعات يمني).

خامسا: اختصاص المحاكم اليمنية القائم على أساس الارتباط بين محل النزاع وإقليم الدولة اليمنية.
موضوع النزاع قد يكون محله مال ( منقول أو عقار)، وقد يكون محله تنفيذ إلتزام، وبالتالي تكون المحاكم اليمنية مختصة بنظر الدعاوى التي ترفع على الأجنبي الذي ليس له موطن او محل إقامة في اليمن إذا كانت الدعوى متعلقة بمنقول او بعقار موجود في اليمن وكذلك إذا كانت الدعوى ناشئة على التزام نشأ او نفذ في اليمن،  أو كان مشروطاً تنفيذه في اليمن، كما تختص المحاكم اليمنية بالدعاوى المتعلقة بإفلاس تاجر أشهر في اليمن (1)، وهذا يرجع إلى اعتبار واقعي وهو أن المحاكم اليمنية تكون أقدر من غيرها على نظر موضوع الدعوى لقربها من محل النزاع أو لقدرتها على معرفة حال التاجر المفلس من أية محكمة أخرى.
سادسا: اختصاص المحاكم اليمنية لتلافي إنكار العدالة       أو لأن القانون اليمني هو الواجب التطبيق(2).
ويدخل في إطار هذا الضابط الدعاوى المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية والمتعلقة بطلب النفقة للأم أو للزوجة أو للصغير إذا كانوا مقيمين في اليمن أو بشأن نسب الصغير أو لولاية على نفسه متى كان مقيما في اليمن.

وفي نهاية هذا المبحث لا بد من الإشارة إلى أن المشرع قد أستثنى من الاختصاص القضائي للمحاكم اليمنية الدعاوى المتعلقة بالعقارات الواقعة خارج اليمن.
حيث تقرر المادتين (78 ،79) استثناء مشتركا على اختصاص المحاكم اليمنية المبني على الجنسية اليمنية للمدعى عليه وفقا للمادة (78) أو القائم على أساس توطن المدعى عليه الأجنبي أو أقامته في اليمن وفقا للمادة (79) ومقتضى هذا الاستثناء عدم اختصاص المحاكم اليمنية بنظر الدعاوى العقارية المتعلقة بعقار واقع خارج اليمن.
وهذا الاستثناء المشترك الوارد في المادتين (78،79) يعد استجابة من المشرع لاعتبارات عملية هي أن اختصاص محكمة دولة العقار بالدعاوى المتعلقة به يعد أمرا متفقا عليه في الأنظمة القانونية المعاصرة لما لتلك المحكمة من سلطة فعلية على العقار الكائن في إقليمها، خصوصا إذا كانت تلك الدعاوى المتعلقة بالعقار تتطلب القيام بإجراءات الانتقال للمعاينة وهذه لا يقدر على تنفيذها سوى محكمة موطن العقار هذا من جهة.

 ومن جهة أخرى فإن من المبادئ المسيطرة على نظرية الاختصاص في القانون القضائي الخاص الدولي بل عليه بأكمله مبدأ القوة والفعالية التي ينبغي أن تتسم بها الأحكام الدولية وعدم الأخذ بهذا الاستثناء يؤدي حتما إلى صدور حكم قضائي مجرد من كل قيمة فعلية خصوصا وأن غالبية الدول ترفض تنفيذ الأحكام الأجنبية الصادرة في شأن المنازعات المتعلقة بعقارات موجودة على إقليمها (1).





الفصل الثاني
تنفيذ الأحكام الأجنبية

معلوم أن الحكم يرتب أثار متنوعة من حيث تمتعه بحجية في حسم موضوع النزاع ومن حيث تمتعه  بقوة تنفيذية وإذا ما كانت هذه الآثار مسلماً بها في المجال الداخلي اى في نطاقه إقليم الدولة التي صدر فيها الحكم فهل يتمتع هذا بنفس تلك الآثار خارج إقليم الدولة الصادر فيها وهو ما يعرف في فقه القانون الدولي الخاص بالآثار الدولية للأحكام.؟

 أن موضوع الآثار الدولية للأحكام يعتبر من أهم الموضوعات التي يعنى بمعالجتها القانون القضائي الخاص الدولي، بل فان جانباً من الفقه قد اعتبرها من أهم مسائل القانون الدولي خاص بصفة مطلقة، ويرى أن عدم الاعتراف للحكم الأجنبي بأية أثار من شانه إعاقة تطور العلاقات الدولية وبالتالي اضطراب المعاملات بين الأفراد فضلاً عن وجود اعتبارات أخري.

 ولما كان من الصعب إهدار أثار الحكم الأجنبي بالكامل فان الدول تسعي من خلال ما تسنه من تشريعات إلى  الاعتراف بآثار الحكم الأجنبي، وان كان الاعتراف هذا مشروطاً بتحقق بعض الشروط التي تختلف من دولة إلى أخرى  وسنناقش هنا معالجة المشرع اليمني  لآثار الأحكام الأجنبية التي يراد تنفيذها في اليمن وقبل ذلك نبين ما هو المقصود  بالأحكام الأجنبية.

 المقصود بالأحكام الأجنبية :
المقصود بالإحكام الأجنبية هي الأحكام الصادرة من هيئة قضائية باسم سلطات أو سيادة دوله أجنبية بغض النظر عن مكان صدور الحكم أو جنسية القضاة الذين يفصلون في الخصومة (1).
ويقصد بالحكم الأجنبي بصدد الاعتراف به وتنفيذه الحكم القطعي الذي يحسم موضوع النزاع، لان الأحكام القطعية هي وحدها التي تحوز حجية الأمر المقتضى به.
ويشترط لتنفيذ الحكم الأجنبي أن يكون صادراً في منازعة متعلقة بالقانون الخاص و مقتضى ذلك الشرط أن الأحكام الأجنبية الصادرة في المواد الجنائية لا تكون قابلة للتنفيذ كون القاعدة العامة هنا أن هذا النوع من الأحكام لا يتعدى إقليم الدولة التي صدر فيها .
وتعد طبيعة المسالة التي فصل فيها الحكم معيار لبيان ما إذا كان الحكم الأجنبي صادراً في مواد القانون الخاص أو كونه غير صادراً فيها، ولا يعتد في ذلك بالجهة القضائية التي أصدرت الحكم .
























المبحث الأول

تنفيذ الأحكام الأجنبية في اليمن

لما كان الحكم الأجنبي هو ذلك الحكم الذي يصدر باسم سيادة دولة أجنبية ومن ثم فلا يتصور إمكانية التنفيذ المباشر لهذا الحكم في إقليم دولة أخرى غير تلك الدولة التي أصدرته دون أن يتطلب لإمكانية تنفيذه توافر  بعض الشروط التي تختلف من دولة إلى أخرى، لذلك فان التشريعات المختلفة بصدد معالجتها  لمسالة تنفيذ الأحكام الأجنبية تسعي إلى المواءمة بين اعتبارات متعارضة منها ما يتعلق بمصالح أطراف الدعوى الصادر فيها الحكم الأجنبي ومنها ما يتعلق بسيادة الدولة التي يراد تنفيذ الحكم على إقليمها(1).
 وتأخذ التشريعات المختلفة بأحد نظامين لتنفيذ الأحكام الأجنبية .

النظام الأول : نظام الدعوى جديدة . ومقتضى هذا النظام أن يقوم صاحب المصلحة برفع دعوى جديدة أمام القضاء الوطني  للمطالبة بالحق الذي يتضمنه الحكم الأجنبي ، وهنا يستند رافع الدعوى الجديدة إلى الحكم الأجنبي الذي يعتبر دليلاً لا يقبل إثبات العكس، ويأخذ القاضي الوطني بهذا الدليل بمجرد توافر  بعض الشروط الشكلية التي ينص عليها القانون الوطني دون أن يكون للقاضي في هذه الحالة الحق في فحص موضوع لحكم للتأكد من صحة ما جاء فيه.
وهذا النظام متبع في القانون الإنجليزي  ومن حذا حذوه، والحكم الصادر في الدعوى هو حكم وطني وهو وحده الذي يتمتع بقوة التنفيذ .

النظام الثاني :  نظام الأمر بالتنفيذ.  ومقتضى هذا النظام أن تقوم المحكمة الوطنية  التي يطلب إليها إصدار الأمر بالتنفيذ  إذا تبين لها توافر الشروط التي يتطلبها القانون بإصدار أمرها بتنفيذ هذا الحكم .
ويأخذ هذا النظام بإحدى صورتين الصورة الأولي تعرف بنظام المراقبة والصورة الثانية تعرف بنظام المراجعة(2).

ـ نظام المراقبة : هنا يكتفي القاضي بفحص الحكم من حيث الشكل للتأكد من استيفاء الشروط الشكلية أو الخارجية دون تعرض للحكم من ناحية الموضوع(3)
نظام المراجعة : ـ
وفي هذه الصورة لا يكتفى بالتحقق من الشروط الخارجية بل يشترط أن يقوم القاضي بمراجعة موضوع الحكم نفسه (1).
وقد اخذ المشرع اليمني ونظيره المصري بنظام الأمر بالتنفيذ في صورته الأولى المعروف بنظام المراقبة  مع تعليق ذلك على شرط المعاملة بالمثل،  وسوف نستعرض شروط  تنفيذ الحكم الأجنبي التي تطلبها المشرع اليمني من اجل إصدار الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي فيما يلي :

شروط تنفيذ الأحكام الأجنبية في اليمن

عالج المشرع اليمني مسالة تنفيذ الأحكام الأجنبية تحت عنوان تنفيذ  السندات التنفيذية الأجنبية في المواد من (491) إلى (497) من قانون المرافعات  والتنفيذ المدني رقم (40) لسنة 2002م.
وسنتناول هذه الشروط فيما يلي مبتدئين ذلك بشرط المعاملة بالمثل لما لذلك الشرط من أهمية واضحة لدى اغلب التشريعات الوطنية بالنص عليه صراحة في صلب نصوصها القانونية .
 
أولا: شرط المعاملة بالمثل.
يكاد يكون هذا الشرط محل إجماع لدى أغلب التشريعات للدول المختلفة و من ضمنها التشريع اليمني والمصري والذين أخذا بمبدأ  المعاملة بالمثل حيث ورد النص على هذا الشرط في المادة (494/3) من قانون المرافعات اليمني بقوله     ( يشترط لتنفيذ السند التنفيذي الأجنبي ما يأتي:-
3- أن يكون التنفيذ بنفس الشروط المقررة في ذلك البلد لتنفيذ السندات التنفيذية اليمنية معاملة بالمثل).
وفي المادة التالية لهذه  المادة أعاد المشرع اليمني التأكيد على شرط المعاملة بالمثل وذلك في الفقرة الأولى من المادة (495) مرافعات بقوله( السندات الرسمية القابلة للتنفيذ المحررة في بلد أجنبي يجوز الأمر بتنفيذها بنفس الشروط المقررة في قانون ذلك البلد لتنفيذ السندات القابلة للتنفيذ المحررة في اليمن..).
ومن النصين السابقين نرى مدى حرص المشرع اليمني على شرط المعاملة بالمثل إذ بلغ به ذلك الحرص إلى أن يورده مرتين في قانون واحد هو قانون المرافعات بل فقد أورده في نصين متتالين من نفس القانون ، وكان الأولى بالمشرع أن يكتفي بالنص على شرط المعاملة بالمثل مرة واحدة كون مثل هذا الإجراء كفيل بتحقيق الغاية التي يهدف إليها المشرع خصوصا وأن النصوص القانونية تستمد قوتها عادة باعتبارها تعبيراً عن إرادة المشرع المعبر عن إرادة الأمة وليس من خلال تكرار تلك النصوص المتعلقة بموضوع واحد وبنفس المكان، ومن ثم نرى أن التكرار الوارد في المادة(495) لشرط المعاملة بالمثل هو تكرار لا فائدة منه كون القاضي الوطني لن يأمر بتنفيذ سند تنفيذي أجنبي إلا إذا ما تأكد من أن الدولة التي صدر فيها ذلك السند التنفيذي تقبل تنفيذ السندات التنفيذية اليمنية أي تعاملنا بالمثل.

ومقتضى شرط المعاملة بالمثل هو أن يعامل القاضي اليمني الأحكام الأجنبية المراد تنفيذها في اليمن نفس المعاملة التي تلقاها الأحكام اليمنية المراد تنفيذها في تلك الدولة الأجنبية التي أصدرت الحكم.
ومن ثم فإذا كانت الدولة الأجنبية التي صدر عنها الحكم المراد تنفيذه في اليمن تنظر إلى الأحكام اليمنية بوصفها دليل بسيط ويكون على المحكوم له أن يرفع دعوى جديدة للمطالبة بحقه الصادر بصدده حكم من القضاء اليمني ومن ثم يقدم الحكم الصادر في اليمن باعتباره دليلا في الدعوى لا يقبل إثبات العكس، ففي هذه الحالة يجب على القاضي اليمني أن يعامل الحكم الأجنبي نفس تلك المعاملة وبالتالي فليس ثمة سبيل أمام المحكوم له الأجنبي إن أراد اقتضاء حقه المحكوم له به إلا رفع دعوى جديدة أمام القضاء اليمني للمطالبة بذلك الحق مستندا فيها إلى الحكم الأجنبي .
أما إذا كانت الدولة الأجنبية الصادر منها الحكم المراد تنفيذه في اليمن تأخذ بنظام الأمر بالتنفيذ كما هو الحال في القانون اليمني فهنا يجب التحقق من الصورة التي تتبعها تلك الدولة حيال الأحكام اليمنية كون نظام الأمر بالتنفيذ وكما بينا سابقا يأخذ بإحدى صورتين.

فإن كانت تلك الدولة تأخذ بنظام الأمر بالتنفيذ بصورته المتمثلة في نظام المراقبة بمعنى أن تقتصر الدولة الأجنبية على مجرد التأكد من استيفاء الحكم اليمني للشروط الخارجية والشكلية فهنا يتحقق شرط المعاملة بالمثل بأن يكتفي القاضي اليمني لإصدار الأمر بالتنفيذ  التأكد من توافر تلك الشروط الخارجية والشكلية.

وأما إن كانت الدولة الأجنبية تأخذ بنظام الأمر بالتنفيذ بصورته المتمثلة في نظام المراجعة بالنسبة للأحكام اليمنية ،فإن شرط المعاملة بالمثل هنا يقتضي أن يقوم القاضي اليمني بالتحقق من توافر الشروط الخارجية لذلك الحكم وكذلك مراجعته من حيث الموضوع للتأكد من موافقته للقانون.

وشرط المعاملة بالمثل السابق شرحه أورده المشرع اليمني إلى جانب شروط أخرى لا بد من توافرها لجواز تنفيذ الحكم الأجنبي في اليمن ولو كان مشرع الدولة الأجنبية لا يتطلبها لتنفيذ الأحكام اليمنية في بلده.
ويرى جانب من الفقه أن شرط التبادل أو المعاملة بالمثل متطلب أيضا في شأن الإنابة القضائية ويرى أن شرط التبادل في نطاق تنفيذ الأحكام الأجنبية شرط كريه تمجه اعتبارات العدالة وتلفظه مصالح التجارة الخاصة الدولية عبر الحدود(1).
بينما جانب أخر من الفقه يرى أن شرط المماثلة غير مستساغ لا تقنياًو لا موضوعياً بصدد تنفيذ أحكام المحكمين لأن حكم التحكيم ينبثق أساساً من اتفاق الطرفين أو الأطراف المتنازعة ويستمد قوته الدافعة منها، والاعتبارات العملية تدعوا إلى ضرورة خضوعه عند التنفيذ لإجراءات أكثر تبسيطاً حتى تتحقق الغاية من اللجوء إلى التحكيم كطريقة ذات مزايا من حيث الجهد والوقت والتكلفة وسرعة التنفيذ مقارنة مع حكم القضاء(1).

ثانيا: عدم تعارض الحكم الأجنبي مع أحكام                الشريعة الإسلامية وقواعد النظام العام.
نصت على هذا الشرط الفقرة الأولى من المادة (494) مرافعات بنصها _(يشترط لتنفيذ السند التنفيذي الأجنبي ما يأتي :-
1-  ألا يخالف السند التنفيذي الأجنبي أحكام الشريعة الإسلامية أو الآداب العامة أو قواعد النظام العام في اليمن).
وهذا الشرط يهدف إلى منع إصدار الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي الذي يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الأسس الجوهرية لنظام المجتمع اليمني المستمدة في الأصل من مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء ، فمثلا الحكم الصادر في بلد أجنبي في دعوى بطلب دين قمار فهذا مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية وللنظام العام والآداب العامة في اليمن وبالتالي لا يجوز الأمر بتنفيذه.

ثالثا: شرط عدم اختصاص المحاكم اليمنية:-
تشترط الفقرة رقم (2) من المادة (494) في شطرها الأول على أنه يشترط لتنفيذ الأحكام أو السندات التنفيذية الأجنبية أن لا تكون المحاكم اليمنية مختصة بنظر النزاع ونصها كما يلي:
(يشترط لتنفيذ السند الأجنبي ما يأتي :
أن تكون المحاكم اليمنية غير مختصة بالنزاع الذي صدر فيه السند التنفيذي الأجنبي….)
و يتضح من النص أن المشرع يضع قيد سلبي وهو أن لا تكون المحاكم اليمنية مختصة بنظر المنازعة التي صدر فيها الحكم الأجنبي.
غير أن الرأي لدى فقها القانون يجمع على أن مجرد الاختصاص للمحاكم الوطنية لا يكون في حد ذاته مبرراً لرفض تنفيذ الحكم الأجنبي و إلا كان مؤدى ذلك هدم المعني التقدمي الذي سعى الشطر الثاني من الفقرة الثانية من المادة (494) والذي أخضع تحديد اختصاص المحكمة الأجنبية إلى قانون الدولة التي أصدرت الحكم فانعقاد الاختصاص للمحكمة الأجنبية التي صدر عنها وانعقاد الاختصاص للمحاكم الوطنية (اليمنية ) يدعو إلى ضرورة إجراء نوع من المفاضلة بين أي من الاختصاصين يمكن ترجيحه على الاختصاص الأخر(1) ، و سنرجي مناقشة هذا الأمر إلى المبحث الثاني من هذا الفصل مستعرضين أوجه النقد الموجه إلى هذا الشرط والحلول التي اقترحها الفقه حياله .
رابعاً:ثبوت الاختصاص القضائي الدولي               للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم.
ورد هذا الشرط في الشطر الثاني للفقرة الثانية من المادة(494) والتي تنص على (….. وأن المحكمة الأجنبية التي أصدرته مختصة به طبقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في قانونها).
فالنص المذكور الوارد في الشطر الثاني للفقرة الثانية من المادة (494) يشترط لتنفيذ الحكم الأجنبي أن تكون المحكمة الأجنبية التي أصدرته مختصة بنظر النزاع من الوجهة الدولية. ولم يترك المشرع أمر تحديد القانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ  من أجل معرفة ما إذا كانت المحكمة الأجنبية مختصة أم لا بإصدار الحكم الأجنبي المراد تنفيذه في اليمن كما كان الحال عليه في قانون المرافعات السابق.
بل فقد عمد المشرع في قانون المرافعات الجديد وفي ذات النص السابق إلى ذكر المرجع في تحديد اختصاص المحكمة الأجنبية هو قواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في قانون تلك المحكمة الأجنبية.

ويرى الفقه القانوني أن هذا الحل الذي اخذ به المشرع اليمني يبدو اقل انتقاداً من الحل الأخر الذي نادى به جانب من الفقه الفرنسي وعملت به بعض التشريعات الأجنبية والذي مقتضاه أن يرجع في تحديد ما إذا كانت المحكمة الأجنبية مختصة أم لا  إلى قواعد الاختصاص العام المباشر في قانون القاضي المطلوب إليه تنفيذ الحكم الأجنبي(2).

خامساً: أن يكون الحكم الأجنبي حائزاً                      لقوة الأمر المقضي به.

تنص الفقرة الرابعة من المادة (494) مرافعات على (..... وأن يكون الحكم أو الأمر حائز لقوة الأمر المقضي به وفقاً لقانون ذلك البلد الأجنبي). ومقتضى هذا الشرط هو عدم تنفيذ الحكم الأجنبي في اليمن إلا إذا كان نهائياً ويكون الحكم كذلك متى استنفدت في شأنه طرق الطعن العادية.
 وبالتالي يلزم لتنفيذ الحكم الأجنبي أن يكون نهائياً والمرجع في اعتبار الحكم متمتعاً بقوة الأمر المقضي به من عدمه هو قانون الدولة التي صدر عن محاكمها ذلك الحكم للنص على ذلك صراحة في عجز الفقرة الرابعة من المادة(494) السابق إيرادها.
والفقه القانوني يستعذب هذا الشرط ويثني عليه لأنه يكفل الاستقرار اللازم في المعاملات ويتفادى المفاجآت التي قد تترتب على إلغاء الأحكام غير النهائية في البلد الذي صدرت فيه(1).
ومن ثم فوفقاً لهذا الشرط لا يجوز الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي المشمول بالنفاذ المعجل تجنباً لما قد يترتب من نتائج في حال إلغائه أو تعديله.

سادساًَ: صحة الإجراءات القضائية المتبعة                     في إصدار الحكم الأجنبي.
تنص الفقرة الخامسة من المادة (494) مرافعات على (أن يكون الخصوم في الدعوى التي صدر فيها الحكم الأجنبي قد كلفوا بالحضور ومثلوا أمام المحكمة تمثيلاً صحيحاً).
والهدف الذي إرادة المشرع من هذا النص هو أن تكون الإجراءات التي اتبعت بشأن الدعوى التي صدر فيها الحكم الأجنبي سليمة وصحيحة تم فيها مراعاة حقوق الدفاع.
 ويرى جانب من الفقه أن النص القانوني بصيغته الحالية لا يعبر عن الهدف منه - السابق بيانه-  وحيث أن هذا الهدف لا يقبل الانتقاص منه فإنه يجب تفسير هذا النص بما يوفى بالغرض منه وبالتالي اعتبار مسألة صحة التكليف بالحضور والمثول أمام القضاء الأجنبي الذي أصدر الحكم المراد تنفيذه أمام القاضي الوطني ليس سوى مجرد مثل أعطاه المشرع لما يهدف إليه من مراعاة واحترام حقوق الدفاع(2).
ويلاحظ في هذا الشرط أن المشرع لم يحدد القانون الذي يحكم الإجراءات التي بوشرت في الدعوى الصادر فيها الحكم الأجنبي المراد تنفيذه.
بيد أننا نجد أن المشرع قد عالج هذا الأمر في مكان أخر محدداً القانون الذي يرجع إليه لمعرفة صحة إجراءات الدعوى الصادر فيها الحكم الأجنبي بأنه قانون البلد الذي صدر فيه الحكم الأجنبي وقد أورد المشرع هذا الحل في المادة (32) من القانون المدني رقم(14) لسنة 2002م والتي تنص على (يرجع في قواعد الاختصاص والمسائل الخاصة بالإجراءات القضائية إلى قانون البلد الذي ترفع فيه الدعوى).


سابعاً: عدم تعارض الحكم الأجنبي المراد تنفيذه            مع حكم سبق صدوره من المحاكم اليمنية.

ورد هذا الشرط في الفقرة السادسة من المادة (494) مرافعات بنصها( ألا يتعارض السند التنفيذي الأجنبي مع حكم سبق صدوره من المحاكم اليمنية)
ويجد هذا الشرط أساسه في أن أحكام القضاء الوطن لما كانت عنواناً للحقيقة وتجسيداً للعدالة فمن غير المقبول أن يهدر القاضي حكماً يمنياً صادراً من المحاكم اليمنية من أجل حكم أجنبي حتى وان توافرت له كافة الشروط الأخرى اللازمة لإصدار الأمر بالتنفيذ.


























المبحث الثاني

أثر شرط الاختصاص على إمكانية تنفيذ                           الحكم الأجنبي والحلول المقترحة.

استحدث المشرع اليمني في قانون المرافعات الجديدة رقم (40) لسنة 2002م شرطا جديداً لتنفيذ الأحكام الأجنبية في اليمن مقتضى ذلك الشرط هو عدم جواز تنفيذ أي حكم أجنبي في اليمن إذا كان هذا الحكم قد صدر في نزاع يدخل في اختصاص القضاء اليمني وقد جاء هذا الشرط في المادة (494/2) من قانون المرافعات رقم (40) لسنة 2002م.
وهذا يعتبر شرطاً مستحدثاًُ إذ لم يرد في قانون المرافعات السابق رقم (28) لسنة 1992م مثل هذا الشرط.
ويبدوا أن المشرع اليمني قد أراد باستحداث ذلك الشرط مجاراة بقية التشريعات العربية ومنها التشريع المصري الذي يتضمن نفس الشرط المشار إليه .
وقد واجه هذا الشرط انتقادا من جانب كبير من الفقه القانوني في مجال القانون الدولي الخاص ،لان تكريس مثل هذا الشرط يعتبر أمراً في منتهى الحساسية لما قد ينجم عنه من تعطيل تنفيذي لقسم كبير جدا من أحكام التحكيم الأجنبية(1)
خصوصاً وان قضاء التحكيم أضحى في الوقت الحاضر مع تطور واقع التجارة الدولية هو القضاء الرسمي و الأساسي الذي يحكم علاقات التجارة الدولية إذ صار شرط التحكيم أحد البنود الجوهرية و الأساسية لأغلب العقود الدولية للتجارة والاستثمار عبر الحدود.
ولا تقتصر تلك الصعوبات التي يثيرها أو يرتبها شرط عدم الاختصاص      ( أو وكما يسميه جانب من الفقه بالشرط السالب للاختصاص) على مجال عقود التجارة الدولية و عقود الاستثمار عبر الحدود بل يرتب هذا الشرط مشكلات عملية وحقيقية في كافة المجالات ، ذلك لان عدد كبير من الدول تذهب إلى عقد الاختصاص القضائي الدولي لمحاكمها الوطنية بناءاً على نشأة الالتزام محل النزاع على التراب الوطني أو تمام تنفيذه على هذا الأخير أو وجوب تنفيذه هناك .
وعلى نفس هذا النهج  سار المشرع اليمني والذي عقد الاختصاص للقضاء اليمني بنظر المنازعة إذا كانت مرتبطة بمال موجود في اليمن أو بالتزام نشأ أو تم تنفيذه فيها أو كان يتحتم تنفيذه في اليمن وكذلك إذا تعلق الأمر بنسب الصغير وبالولاية على النفس،أيضا ينعقد الاختصاص للقضاء اليمني بكل طلب عارض على الدعوى الأصلية التي تندرج في وظيفتها الولائية وجميع المسائل الأولية المترتبة على تلك الطلبات ، فضلا عن انعقاد الاختصاص للقضاء اليمني بناء على ضابط الجنسية … الخ.
ولما كان المشرع قد منح الولاية بنظر تلك المسائل للقضاء اليمني وفي جانب آخر اشترط لتنفيذ الأحكام الأجنبية في اليمن عدم اختصاص القضاء اليمني بنظر المنازعة الصادر فيها هذا الحكم المراد تنفيذه .
    يترتب على ذلك الشرط مشاكل جمه تتجسد تلك المشاكل في المسألة التالية:-

فلو افترضنا أن مواطنا يمنيا تعرض لاعتداء أو لفعل ضار في دولة أخرى وقام هذا المواطن اليمني برفع الدعوى أمام قضاء تلك ألدوله وصدر الحكم لصالحه.
وعند عودة هذا المواطن إلى اليمن أراد تنفيذ الحكم هنا خصوصا إذا كانت الظروف الواقعية مهيأة للتنفيذ كأن يكون المحكوم عليه مقيما في اليمن او متوطن فيها او له أموالا يمكن التنفيذ عليها في اليمن .
فما هو الحل في هذه المسألة في ضوء عدم جواز تنفيذ الأحكام الأجنبية إلا إذا كان موضوع النزاع الصادر فيه الحكم الأجنبي المراد تنفيذه لا يدخل في اختصاص القضاء اليمني.؟
فهل يجوز للقضاء اليمني تنفيذ ذلك الحكم في ظل شرط عدم الاختصاص مع إن القضاء اليمني هنا يكون مختصا بناء على ضابط الجنسية او أي ضابط آخر كوجود المال محل المنازعة أو كان مكان تنفيذ العقد محل المنازعة الصادر فيها الحكم الأجنبي هو اليمن.؟
ان الإجابة على هذا التساؤل ستكون حتما بالنفي لان المشرع قد اشترط لتنفيذ الأحكام الأجنبية عدم اختصاص القضاء اليمني بنص المادة (494/2) من قانون المرافعات الجديد.
بينما يختلف الوضع لو أن مثل هذه الواقعة قد حصلت أثناء سريان قانون المرافعات السابق والذي لم يربط إمكانية تنفيذ الأحكام الأجنبية بعدم اختصاص القضاء اليمني ففي ظل ذلك القانون لم يكن القاضي الذي يطلب اليه تنفيذ حكم أجنبي ملزماً قبل الأمر بالتنفيذ التأكد من حالات الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم اليمنية .
بل كان بإمكان القاضي (اليمني) أن يصدر آمره بتنفيذ الحكم الأجنبي حتى وإن تبين له أن النزاع الصادر فيه الحكم الأجنبي المراد تنفيذه يندرج في إطار المنازعات التي يختص بها القضاء اليمني.
وقد كان ذلك الموقف الذي اخذ به المشرع اليمني في قانون المرافعات السابق محل إعجاب وتقدير جانب من فقه القانون الدولي الخاص(1) والذي يرى أن ذلك الموقف من المشرع اليمني ( في ظل قانون المرافعات السابق) يقطع على وجه اليقين انه أي (المشرع اليمني) يرى عدم تعلق قواعد الاختصاص القضائي اليمني بالنظام العام من حيث المبدأ أو بعبارة أخرى إن القواعد المعنية في تقدير المشرع اليمني ليست أمره دائماً .
 ويرى ذلك الفقه أن هذا الموقف (للمشرع اليمني) يشكل انتصاراً باهراً للاتجاهات الفقهية الحديثة التي أكدت عدم تعلق قواعد الاختصاص الدولي للمحاكم الوطنية بالنظام العام (1).
_ من خلال ما سبق يتضح أن المشرع اليمني بما قرره في قانون المرافعات الجديد رقم(40) لسنة 2002م لا يجيز الأمر بالتنفيذ لحكم صادر في بلد أجنبي إلا إذا كانت المحاكم اليمنية غير مختصة بنظر المنازعة التي صدر فيها الحكم الأجنبي.

ومع ذلك فإن فقها القانون يرون أن مجرد انعقاد الاختصاص للمحاكم الوطنية لا يكون في حد ذاته مبرراً لرفض تنفيذ الحكم الأجنبي(2)
خصوصاً وأن القاعدة هنا هي أن اختصاص المحكمة الأجنبية يخضع لقانون الدولة التي تتبعها تلك المحكمة.
وبالتالي فإذا ما كانت المحكمة ألا جنبيه مختصة بنظر النزاع وفقاً لقانونها وكانت المحكمة الوطنية مختصة أيضا بنظر ذات النزاع وفقاً للقانون الوطني ،  فإن المنطق يقتضي هنا إجراء نوع من الفاضلة لترجيح اختصاص أي من المحكمتين بنظر النزاع.
وهذا الأمر جعل فقها القانون يبحثون عن حل لتلك المعضلة القانونية أدى ذلك إلى أن تتعدد والحلول المقترحة من جانب الفقه نستعرضها بإيجاز فيما يلي:

الحل الأول: التفرقة بين حالات الاختصاص الضروري (الو جوبي)           و حالات الاختصاص المشترك (الجوازي).

ومقتضى هذا الحل التمييز بين حالات الاختصاص الوجوبي وحالات الاختصاص الجوازي أو المشترك ، فالأولى تتعلق بالنظام العام أما الثانية فلا تتعلق بالنظام العام ويترتب على هذا التمييز أن اختصاص المحاكم الوطنية في الحالة الأولى هو اختصاص قاصر عليها ومثال ذلك الدعاوى المتعلقة بمال كائن في إقليم دولة المحكمة التي يطلب إليها التنفيذ.
وفي هذا الفرض يمتنع على القاضي الوطن أن يصدر الأمر بالتنفيذ كون الاختصاص هنا قائم على كون الدعوى متعلقة بعقار كائن في نفس دولة القاضي وهذا أمر يمس كيان الدولة ويتنافى مع الاعتراف بولاية المحاكم الأجنبية للفصل في النزاع المتعلق بهذا المال.
أما في الحالة الثانية فإن اختصاص المحاكم الوطنية يكون اختصاص مشترك بينها وبين محاكم الدول الأخرى ، مثال ذلك المنازعات المتعلقة بعقد أبرم أو نفذ في دولة القاضي فإنه يجوز للقاضي الوطني في هذا الفرض الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي الصادر في المنازعة المتعلقة بذلك العقد رغم اختصاص المحاكم الوطنية بالفصل في تلك المنازعة ، لان الاختصاص للمحاكم الوطنية هنا جوازياً أو مشتركاً ، فاختصاص القضاء الوطني بناء على كون العقد أبرم أو نفذ في دولة القاضي لا ينفى عن محاكم الدولة الأجنبية اختصاصها القائم على كونها دولة تنفيذ العقد مثلاً ، خصوصاً وأن هذا الحل يمثل استجابة لمقتضيات التجارة الدولية(1).
غير أن هذا الحل لم يسلم من النقد فقيل إن تلك التفرقة التي يقيمها توقع في الخلط واللبس لأنه لا يوجد حقيقة اختصاص قاصر على المحاكم الوطنية واختصاص مشترك بينها وبين محاكم دولة أخرى فإما أن تكون محاكم الدولة مختصة أو غير مختص.

الحل الثاني: جواز تنفيذ الحكم الأجنبي استثناء                               من الأصل لاعتبارات الملائمة.
ومقتضى هذا الحل هو أن الأصل عدم تنفيذ الحكم الأجنبي طالما كانت المنازعة الصادر فيها هذا الحكم داخله في نطاق اختصاص القضاء الوطني ولكن استثناء من تلك القاعدة واستجابة لاعتبارات الملائمة فإنه يمكن تنفيذ الحكم الأجنبي(2).
ووفقاً لهذا الرأي أو الحل فإن الحكم الأجنبي لا يمكن تنفيذه إذا كان صادر في نزاع داخل في اختصاص القضاء الوطني إذا كان  أساس هذا الاختصاص هو وجود المال (منقول أو عقار) في دولة القاضي الذي يطلب إليه التنفيذ ، أو كان ضابط الاختصاص هو وقوع الفعل ، أو كان الحكم صادر في دعوى متعلقة بإفلاس اشهر في دولة القاضي ، أو في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية بالنسبة لمواطني دولة القاضي ، كون إخضاع هذه المسائل للقضاء الوطني يكفل تطبيق القانون الوطني  بالنسبة لأطراف النزاع.
بينما يجوز تنفيذ الحكم الأجنبي ولو كان صادراً في نزاع يدخل في إطار اختصاص القضاء الوطن استثناء من الأصل العام وذلك في حالة أن يكون الحكم صادر في منازعة متعلقة بعقد نشأ أو نفذ أو كان واجب التنفيذ في دولة القاضي ، وكان لا يتعلق بمال موجود في تلك الدولة أو  بمسألة من مسائل الأحوال الشخصية بالنسبة للأجانب متى كان لا يتعلق بمال موجود في الدولة المراد تنفيذ الحكم فيها(3).
وهذا الرأي لم يسلم أيضاً من النقد إذ لجئ إلى معيار غير منضبط لتحديد الحالات التي يعترف فيها القاضي الوطني بتنفيذ الحكم الأجنبي على الرغم من كونه صادراً في منازعة داخلة في اختصاصه.

الحل الثالث: تنفيذ الحكم الأجنبي إذا كانت المنازعة                          وثيقة الصلة بولاية المحكمة التي أصدرت الحكم.
و أصحاب هذا الرأي ينظرون إلى الصلة القائمة بين موضوع النزاع والمحكمة التي أصدرت الحكم الأجنبي المراد تنفيذه ، فإذا ما كان موضوع النزاع مرتبطاً برابطة فعليه بولاية المحاكم الوطنية فإن المحاكم الوطنية هنا تكون هي المختصة وحدها بنظر النزاع ، ويتعين بالتالي الامتناع عن إصدار الأمر بالتنفيذ إذا ما طلب ذلك منها.
ويؤسس هذا على أن معالجه مسألة الاعتراف بالآثار الدولية للأحكام يجب أن تتم بالتركيز على مسألة النفاذ الدولي لهذه الأحكام(1).
ويؤيد جانب من الفقه هذا الرأي لأنه يعطي  للقاضي الوطني سلطة تقدير أي الاختصاصين أكثر فاعلية من الأخر ، فإذا أتضح له أن المنازعة ترتبط بالدولة التي أصدرت الحكم برباط مادي فعلى أقوى من ذلك الذي يربطها بدولة القاضي كان عليه في هذه الحالة أن يصدر الأمر بالتنفيذ.
أما إذا تبين له أن النزاع مرتبطاً بإقليم دولته أكثر من ارتباطه بالدولة الأجنبية التي أصدرت الحكم فعلية رفض إصدار الأمر بالتنفيذ(2).  
وقد أخذ القضاء المصري بفكرة الاختصاص المانع أو الاختصاص الانفرادي للمحاكم الوطنية كشرط لعدم جواز تنفيذ الأحكام الأجنبية.
ففي حكم صادر عن محكمة النقض المصرية قضى بمنح الأمر بتنفيذ حكم صادر من محكمة لواء صنعاء الابتدائية في 7/7/1979م وجاء في حكم محكمة النقض المصرية ما يلي: ( أنه لما كان النص في الفقرتين الأولى والرابعة في المادة (298) من قانون المرافعات المصري على أنه : لا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق مما يأتي: _ أن محاكم الجمهورية غير مختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر وأن المحاكم الأجنبية التي أصدرته مختصة بها طبقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في قانونها ،وان الحكم- أو الأمر لا يتعارض مع حكم أو أمر سبق صدوره من محاكم الجمهورية -  يدل على أن المقصود بشرط عدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر المنازعة لجواز الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي هو الاختصاص المانع أو الاختصاص الانفرادي أي في الحالة التي يكون فيها الاختصاص بنظر النزاع قاصراً على المحاكم الوطنية ، أما إذا كانت المحاكم الأجنبية مختصة بنظر النزاع طبقاً لقواعد الاختصاص الدولي المقررة في قانونها إلى جانب المحاكم الوطنية ، وهو ما يعرف بالاختصاص المشترك فلا يحول دون الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي طالما لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم الوطنية.
 لما كان ذلك وكانت المحاكم اليمنية مختصة بنظر النزاع طبقاً للمادة                                             (42)  من قانون المرافعات اليمني باعتباره البلد الذي ابرم فيه العقد ، كما أن المحاكم الوطنية مختصة بنظر النزاع عملاً بالفقرة الثانية من المادة  (30) من قانون المرافعات  المصري باعتبارها بلد التنفيذ فإن      هذا  لا يحول دون الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي الصادر من المحاكم اليمنية طالما أنه لا يتعارض مع حكم أخر صدر من المحاكم الوطنية)(1).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 





الخاتمه

من خلال هذا البحث المتواضع رأينا كيف أن ضوابط الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية تعد من قبيل الضوابط العامة المسلم بها لدى اغلب التشريعات الوطنية ، كما رأينا أن الدول عندما تضع القواعد المنظمة للاختصاص القضائي الدولي لمحاكمها الوطنية إنما تجري ذلك بالقدر الذي يحقق مصالحها ، مما قد يترتب عليه تنازع الاختصاص القضائي الدولي بين محاكم الدول المختلفة وما ينجم عن ذلك من أضرار تلحق بالعلاقات الخاصة الدولية.
و في المقابل لذلك غدت ضرورة ضبط تنظيم الاختصاص القضائي الدولي أمراً ملحاً تفرضه المصالح المشتركة لمختلف الدول وواقع الحياة العملية .
وبالتالي فأن  من الواجب على المشرعين الوطنيين حينما يضعون النصوص المنظمة لقواعد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية أن يحققوا قدراً من التناسق المطلوب في هذا الصدد دون الاحتكار المؤدي إلى التقوقع. 

و في نهاية هذا البحث نرى ضرورة إعادة  الوضع الذي كان سائداً في ضل قانون المرافعات السابق و استبعاد شرط عدم الاختصاص من قانون المرافعات الحالي و ترك الأمر لاجتهاد القضاء ليقدر إمكانية تنفيذ الأحكام الا جنبيه من عدمها حسب ظروف وطبيعة المنازعة الصادر فيها الحكم الأجنبي ، خصوصاً وان الاتجاهات    الحديثة في فقه القانون الدولي تنادي بضرورة استبعاد شرط عدم الاختصاص للمحاكم الوطنية بصدد تنفيذ الأحكام الا جنبيه كون مثل ذلك الشرط يتعارض مع فكرة  النفاذ الدولي للأحكام وما يترتب على ذلك من مضار تلحق بعلاقات التجارة الدولية والاستثمار عبر الحدود ولتعارضه مع واقع الحياة العملية للعلاقات الخاصة الدولية.

تم بعون الله.،،،

         


قائمة المراجع


1)    القانون الدولي الخاص _ تنازع القوانين وتنازع الاختصاص الدولي _ دراسة مقارنة في المبادئ العامة والحلول المقررة في القانون اليمني .
 د. محمد عبد الله المؤيد
2) قانون الدولي الخاص _
 د. هشام صادق علي ود. حفيظة السيد الحداد.
3-الفعالية الدولية لقبول التحكيم في منازعات التجارة الدولية.
د. صلاح الدين جمال الدين د. محمود مصيلحي .
4) أصول القانون القضاء المدني _
 د. سعيد خالد الشرعبي.
5) الدفع بالإحالة لقيام ذات النازع أمام محكمة أجنبية.
د. ماهر السداوي .
6) الشرط السالب للاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية _
 د. هشام خالد.
7) قانون المرافعات المدنية والتجارية _
د. أحمد أبو الوفاء
8) النظرية العامة لتنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي في القانون اليمني .
د. محمد عبد الله المؤيد.
9) الأنابة القضائية في نطاق العلاقات الخاصة الدولية .
د. عكاشة محمد عبد العال
10) أحكام القانون الدولي الخاص
د. احمد بن ناجي الصلاحي 

الفهـــــرس

الموضوع                           الصفحة

المقدمه.                                                           3
خطة البحث.                                                       5
                       الفصل الأول.
         الظوابط العامة للاختصاص القضائي الدولي.              8
أولاً: الاختصاص القائم على وجود رابطه بين الشخص والدولة.   8
ثانياً: ضوابط الاختصاص القائم على وجود رابطة بين موضوع
       النزاع و إقليم الدولة.                                      10  
ثالثاً: ضوابط الاختصاص المستمدة من إرادة الخصوم في
      المنازعة.                                                   10
رابعاً: ضوابط الاختصاص القائم على تلافي إنكار العدالة.         11
                المبحث الثاني
قواعد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم اليمنية.               13
أولا: اختصاص المحاكم اليمنية استناداً الى ضابط  جنسية
     المدعى عليه.                                                13
ثانياً: اختصاص المحاكم اليمنية المبني على توطن المدعى
      عليه الأجنبي او إقامته في اليمن.                           15
ثالثاً: اختصاص المحاكم اليمنية المبني على قبول الخصم
      الخضوع لولاية القضاء اليمني.                             18
رابعاً: اختصاص المحاكم اليمنية المبني على وجود ارتباط
       بين الدعوى الا صليه والطلبات العارضة.                   19
خامساً: اختصاص المحاكم اليمنية القائم على أساس الارتباط
        بين محل النزاع و إقليم الدولة اليمنية.                   19 
سادساً: اختصاص المحاكم اليمنية لتلافي إنكار العدالة او لان
        القانون اليمني هو الواجب التطبيق.                      19

الفصل الثاني
تنفيذ الأحكام الا جنبيه.                                              21 
المقصود بالأحكام الا جنبيه.                                         21
المبحث الاول
تنفيذ الأحكام الا جنبيه في اليمن.                                    23
النظام الأول: نظام الدعوى الجديده .                                 23
النظام الثاني: نظام الامر بالتنفيذ.                                    23
               نظام المراقبة.                                        23  
               نظام المراجعة.                                       24
شروط تنفيذ الأحكام الا جنبيه في اليمن.                             24
           أولا: شرط المعاملة بالمثل.                               24
          ثانياً: عدم تعارض الحكم الأجنبي مع أحكام
                الشريعة الاسلاميه وقواعد العدالة.                   26
          ثالثاً: شرط عدم اختصاص المحاكم اليمنية.                26 
         رابعاً: ثبوت الاختصاص القضائي الدولي للمحكمة
               الا جنبيه التي أصدرت الحكم.                        27
        خامساً: ان يكون الحكم الأجنبي حائز لقوة الامر
                المقضي به.                                        27
        سادساً: صحة الإجراءات القضائية المتبعة في
                   إصدار الحكم الأجنبي.                           28
         سابعاً: عدم تعارض الحكم الأجنبي المراد تنفيذه
                مع حكم سبق صدوره من المحاكم اليمنية .         29

المبحث الثاني
         اثر شرط الاختصاص على إمكانية تنفيذ
             الحكم الأجنبي والحلول المقترحة.                      30
الحل الأول: التفرقة بين حالات الاختصاص الضروري
             و حالات الاختصاص المشترك.                         32
الحل الثاني: جواز تنفيذ الحكم الأجنبي استثناءً من
             الأصل لاعتبارات الملائمة.                             33
الحل الثالث: تنفيذ الحكم الأجنبي إذا كانت المنازعة وثيقة
             الصلة بولاية المحكمة التي أصدرت الحكم.             34
الخاتمه                                                             36
قائمة المراجع                                                        37
الفهرس                                                            38






1)  استناذنا الدكتور محمد عبد الله المؤيد _ القانون الدولي الخاص تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي دراسة مقارنة في المبادئ العامة والحلول المقررة في القانون اليمني صـ13ــ الطبعة الأولى 1998/1999م _ أوأن للخدمات الإعلامية
(2)  استاذنا الدكتور محمد عبد الله المؤيد _ المرجع السابق صــ13ــ
(3) )  استاذنا الدكتور محمد عبد الله المؤيد _ المرجع السابق صــ14ــ

(1) د. هشام صادق على ود.حفيظة السيد الحداد _ القانون الدولي الخاص _ الكتاب الثالث القانون القضائي الخاص الدولي والتحكيم ط.1999م_ دار الفكر الجامعي
(1)  د. صلاح الدين جمال الدين ود. محمود مصيلحي- الفعاليه الدوليه لقبول التحكيم في منازعات التجارة الدوليه- ط. 2004- دار الفكر الجامعي.
(1) د. سعيد خالد الشرعبي أصول قانون القضاء المدني_ الطبعة الثانية_ صــ261ــ _ منشورات مركز الصادق.
(2) أستاذنا الدكتور محمد عبد الله  المؤيد المرجع السابق صــ26ــــ
(3) د. ماهر إبراهيم السدادي الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية صــ146ـــ ط 1984م مكتبة سعيد رافت.
(4) د. سعيد خالد الشرعبي المرجع السابق صـــ260ـــــ
(1)  د. هشام خالد _ الشرط السالب للاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية صــ113ــــ ط 2000 دار الجامعة الجديدة للنشر.
(1) د. هشام صادق على ود.حفيظة السيد الحداد المرجع السابق  صــــ44ــــــــــ
(1) في هذا المعنى انظر المرجع السابق صــ46ــــــ
(2) المرجع السابق صــــ46ـــــ
(3) المرجع السابق صــــ47ــــ
(4)  د. أحمد أبو الوفاء/قانون المرافعات المدنية والتجارية صـ33 واستاذنا الدكتور محمد عبدالله المؤيد النظرية العامة لتنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي في القانون اليمني صـ126، 127ــــ
(1)  د. أحمد أبو الوفاء-المرجع السابق صـ34
(2) استاذنا الدكتور محمد عبدالله المؤيد المرجه السابق صـ 126 و د. هشام صادق على ود حفيظة السيد الحداد المرجع السابق صـ57
(3) مشار اليه في أصول قانون القضاء المدني د: سعيد خالد الشرعبي صـ284.
(1) استاذنا الدكتور محمد المؤيد المرجع السابق صـ129
(2)  د. هشام صادق على ود. حفيظة السيد الحداد المرجع السابق ، صـ61
(1)  استاذنا د محمد المؤيد المرجع السابق صـ129
(2) د. هشام صادق على ود. حفيظة السيد الحداد المرجع السابق ،  صـ63
(1) المادة (80/2) مرافعات يمني.
(2) د.سعيد خالد الشرعبي المرجع السابق صـ260
(1) د.هشام صادق علي ود. حفيظه السيد الحداد. المرجع السابق. صـ69
(1) أستاذنا الدكتور محمد عبد الله المؤيد _ القانون الدولي الخاص_ تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي، دراسة في المبادئ العامة والحلول المقررة في القانون اليمني_ مرجع سابق _صــ92ــ ، دكتور د.هشام  صادق علي و د. حفيظة السيد الحداد مرجع سابق ، صـ144ــ
(1) د. هشام  صادق علي و.د. حفيظة السيد الحداد- المرجع السابق- صـ147ــ
(2) المرجع السابق صـ148ــ.
(3) المرجع السابق صـ148ــ
(1)أستاذنا الدكتور محمد عبد الله المؤيد المرجع السابق صـ99ــ
(1) أ.د عكاشة محمد عبد العال ، الأنابة القضائية في نطاق العلاقات الخاصة الدولية ، صـ63 ط 1994، دار المطبوعات الجامعية
(1) د. أحمد بن ناجي الصلاحي ، أحكام القانون الدولي الخاص في التشريع اليمني والمقارن ، الطبعة الأولى 2000م صـ325ـ مركز عبادى للدراسات والنشر .
(1) في هذا المعنى د. هشام صادق على ود.حفيظة السيد الحداد ،مرجع سابق، صـ159ـ
(2) المرجع السابق صـ153ـ
(1) المرجع السابق صــ172ـــ
(2) في نفس المعني المرجع السابق صـ164ــ
(1) د. أحمد بن ناجي الصلاحي _مرجع سابق _ صــ326ــ
(1) د. احمد بن ناجي الصلاحي_ المرجع السابق صـ326ـ
(1) د. هشام خالد _ الشرط السالب للاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية _ صـ269ــ _ دار الجامعة الجديدة للنشر_ 2000م
(2) د. هشام صادق علي ود. حفيظة السيد الحداد _ المرجع السابق _ صـ159ـ
(1) في هذا المعني د. هشام صادق علي و د. حفيظة السيد الحداد _ مرجع سابق ، صـ159،160ـ وأستاذنا الدكتور محمد عبد الله المؤيد _ المرجع السابق صـ109،110ـ
(2) في هذا المعني د.هشام صادق علي و.د. حفيظة السيد الحداد _ مرجع سابق صـ161ـ
(3) المرجع السابق ، صـ162ــ
(1) المرجع السابق صـ162ـ
(2) المرجع السابق صـ163ــ
(1) مشار إليه في القانون الدولي الخاص  لنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدولي في القانون اليمني أستاذنا الدكتور محمد عبد الله المؤيد صـ180،181ـ