تعريف واحكام وعيوب ومزايا شركة المحاصة ومدى ملاءمتها في القانون اليمني
مقدمة عن شركة المحاصة:
تُعد شركة المحاصة من أبسط أنواع الشركات التجارية في القانون اليمني، وتمثل شكلاً خاصًا من الشراكة يقوم على السرية وعدم الظهور أمام الغير، وهي شركة تُنشأ بين شخصين أو أكثر بقصد القيام بعمل تجاري مشترك، دون أن يكون لها كيان قانوني مستقل أو اسم تجاري ظاهر، وقد نظم المشرع اليمني هذا النوع من الشركات ضمن قانون الشركات التجارية رقم (22) لسنة 1997م، مراعيًا خصوصيتها ومرونتها في التعامل بين الشركاء، مع التأكيد على عدم تمتعها بالشخصية الاعتبارية وعدم خضوعها لإجراءات الشهر أو التسجيل.
أهمية دراسة شركة المحاصة غي القانون اليمني:
تأتي أهمية دراسة شركة المحاصة من كونها أداة قانونية تتيح للشركاء إنجاز أعمال تجارية محددة بشكل مرن وسري، مما يجعلها ملائمة في ظروف معينة لا تستدعي إنشاء كيان قانوني ظاهر، ورغم بساطتها، إلا أن لها أحكامًا دقيقة تستوجب الفهم الصحيح لطبيعتها وآثارها القانونية.
أهداف البحث عن شركة المحاصة في القانون اليمني:
يهدف هذا البحث الى:
1- توضيح مفهوم شركة المحاصة وبيان شروطها المنصوص عليها في القانون اليمني.
2- بيان الأحكام القانونية المنظمة لها وفقًا لقانون الشركات التجارية رقم (22) لسنة 1997م، مع التركيز على المواد (55–58).
3- بيان مزايا وعيوب هذا النوع من الشركات، ومدى ملاءمته لطبيعة بعض المشاريع التجارية في اليمن.
اولاً: مفهوم شركة المحاصة وشروطها:
1- تعريف شركة المحاصة في القانون اليمني:
وفق المادة (55) وفق قانون الشركات التجارية اليمني رقم (22) لسنة 1997م.
شركة المحاصة هي نوع من الشركات التجارية المستترة التي تُنشأ بين شخصين أو أكثر بهدف القيام بعمل تجاري محدد دون إشهار أو تسجيل رسمي، ولا تتمتع هذه الشركة بشخصية اعتبارية مستقلة عن شركائها، ويقتصر وجودها على العلاقة الداخلية بين الشركاء فقط، ولا تُظهر نفسها للغير، حيث يتعامل الغير مع الشريك باسمه الشخصي.
وتتميز شركة المحاصة بحرية تنظيم العلاقة بين الشركاء وتقسيم الأرباح والخسائر وفقًا لما يتفقون عليه، وتخضع لأحكام قانون الشركات التجارية اليمني رقم (22) لسنة 1997م.
2- شروط شركة المحاصة في القانون اليمني، كما يُفهم من المواد (55–58) من قانون الشركات التجارية رقم (22) لسنة 1997، تشمل ما يلي:
1- وجود عقد بين الشركاء:
يجب وجود اتفاق بين شخصين أو أكثر لتكوين الشركة، ولو كان شفهيًا.
2- عدم الإشهار أو التسجيل:
لا تُشهر الشركة في السجل التجاري، ولا تُسجَّل لدى الجهات الرسمية.
3- السرّية:
تظل الشركة مستترة، ولا تظهر للغير كشركة، بل يتعامل الغير مع أحد الشركاء باسمه الشخصي.
4- تحديد الغرض المشترك:
يجب أن يكون هناك مشروع أو صفقة مشتركة يتفق عليها الشركاء.
5- تقاسم الأرباح والخسائر*:
يجب تحديد طريقة توزيع الأرباح والخسائر بينهم.
6- عدم إصدار أسهم أو سندات:
يُمنع على شركة المحاصة إصدار أدوات مالية قابلة للتداول.
7- عدم تمتعها بالشخصية الاعتبارية:
ثانياً: احكام شركة المحاصة في القانون اليمني
طبيعتها القانونية لشركة المحاصة:
شركة المحاصة هي شركة "مستترة" لا وجود لها في مواجهة الغير، وتقوم على اتفاق داخلي بين الشركاء، دون أن تكتسب شخصية معنوية، وهذا يعني أنها:
- لا تعتبر كيانًا قانونيًا مستقلًا، بل يظل كل شريك محتفظًا بشخصيته القانونية.
- لا تظهر أمام الغير، ولا يجوز لها التعاقد أو التقاضي باسم الشركة.
الاستتار:
لا يتم الإعلان عن شركة المحاصة للغير، ويقتصر وجودها على الشركاء فقط، وشركة المحاصة في القانون اليمني تُعتبر علاقة داخلية بين الشركاء، فلا تُظهر نفسها للغير، هذا يعني أن العلاقة القانونية تُبنى على عقد داخلي فقط، ولا يُطلب منها إشهار أو تسجيل، فغياب الإشهار يحمي الشركاء من التدخلات الخارجية، لكنه يجعل الشركة غير معترف بها قانونياً أمام الغير
مثال: إذا اتفق شخصان على مشروع تجاري دون تسجيل، الغير يتعامل مع كل واحد على حدة وليس مع الشركة نفسها.
عدم وجود الشخصية المعنوية:
شركة المحاصة لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية، أي أنها ليست كياناً مستقلاً عن الشركاء، هذا يترتب عليه أن الشركة لا تملك أموالاً مستقلة، ولا يمكنها أن تكون طرفاً في دعاوى قضائية مستقلة بالتالي، وكل التزامات الشركة وحقوقها تقع على عاتق الشركاء بشكل مباشر.
مثال: إذا تكبدت الشركة خسارة، يتحمل الشركاء الخسارة من أموالهم الشخصية.
عدم الخضوع للشهر:
عدم التسجيل يعني أن الشركة لا تخضع لأحكام قانون الشركات المتعلقة بالشهر والنشر، فلا تسجل في السجل التجاري ولا تُعلن عن وجودها، هذا يجعل شركة المحاصة أكثر مرونة وأقل رسمية، لكنها تفقد مزايا الشركات ذات الشخصية الاعتبارية مثل التسهيلات القانونية والائتمانية.
مثال: لا تجد الشركة في السجل التجاري، لذلك لا يلتزم الشركاء بنشر معلومات عنها.
إثبات الشركة:
نظرًا لعدم وجود تسجيل رسمي، يعتمد إثبات وجود الشركة على وسائل الإثبات المتاحة مثل العقود الكتابية، الرسائل الإلكترونية، الشهود، والقرائن، المحاكم تقبل هذه الأدلة لإثبات وجود العلاقة التعاقدية بين الشركاء.
مثال: لو حصل نزاع بين الشركاء، يمكن تقديم رسائل نصية أو شهادات لإثبات وجود الشركة.
تحديد الحقوق والالتزامات:
يتحكم عقد المحاصة في تحديد كيف تُدار الشركة، وكيف تُقسم الأرباح والخسائر، وبما أن الشركة ليست كياناً مستقلاً، فكل شيء مرتبط باتفاق الشركاء، ما يمنحهم حرية كبيرة في التنظيم لكنه يضعهم أمام مسؤوليات كبيرة.
مثال: قد يتفقون أن أحدهم يدير المشروع بينما الآخر يساهم مالياً، ويتقاسمون الأرباح بنسبة محددة.
نهاية الشركة:
تنتهي الشركة تلقائياً بانتهاء الغرض منها، أو باتفاق الشركاء، أو بحكم قضائي. وهذا يجعلها علاقة مؤقتة مرتبطة بمشروع محدد، ولا تستمر إلا باتفاق الجميع.
مثال: إذا انتهى المشروع أو انسحب أحد الشركاء، تنتهي الشركة.
الملكية المشتركة:
إذا اتفق الشركاء، تصبح الحصص مملوكة لهم على الشيوع، ما يعني أن لكل شريك حق استخدام الحصة وبيعها أو رهنها حسب حصته، ويتم تطبيق قواعد الملكية المشتركة المنصوص عليها في القانون المدني اليمني.
مثال: الأرض أو الآلات التي اشتروها تُعتبر ملكية مشتركة بينهم.
العلاقة مع الغير:
الشركاء لا يستطيعون الاحتجاج بعدم وجود الشركة أمام الغير لإبطال التزاماتهم، أما الغير فيمكنه الاعتماد على بطلان الشركة في حال تعارض ذلك مع حقوقه. هذا يمنح الغير حماية قانونية ضد الشركاء، ويجعل تعاملاتهم معهم أكثر أماناً
مثال: لو أبرم أحد الشركاء صفقة مع شخص خارجي باسم الشركة، لا يمكنه إلغاء الصفقة بحجة أن الشركة غير مسجلة، لكن الشخص الخارجي يمكنه الاعتراض إذا كانت الصفقة غير قانونية.
ثالثا: عيوب ومزايا شركة المحاصة في القانون اليمني:
· العيوب
1- غياب الحماية القانونية:
لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية، فلا يمكن مقاضاة الشركة أو مقاضاتها ككيان.
2- صعوبة إثباتها عند النزاع:
عدم وجود تسجيل رسمي، قد يكون من الصعب إثبات وجودها في حال النزاع.
3- المسؤولية الشخصية للشركاء:
كل شريك مسؤول عن التزاماته تجاه الغير، وقد يتحمل الخسائر بمفرده.
4- ضعف الثقة أمام الغير:
الغير قد لا يثق بالتعامل مع شريك واحد دون كيان واضح.
5- غير مناسبة للمشاريع الكبرى:
لا تلائم المشاريع التي تحتاج تمويلاً أو توسعًا أو علاقات قانونية مع جهات رسمية.
· المميزات
1- المرونة والخصوصية:
لا تتطلب إجراءات قانونية معقدة، ولا تسجيل أو إشهار العلاقة بين الشركاء داخلية وخاصة.
2- قليلة التكاليف:
لا تُلزم برسوم تسجيل أو محاسبة رسمية.
3- السرية:
لا يعرف الغير بوجود الشركة، ما يحمي مصالح الشركاء في بعض الحالات.
4- حرية تنظيم العلاقة:
يمكن للشركاء الاتفاق على أي ترتيب لإدارة الشركة وتقسيم الأرباح والخسائر.
5- مناسبة للمشاريع المؤقتة أو المحددة:
تستخدم غالباً في العمليات التجارية القصيرة أو التي لا تحتاج كياناً مستقلاً.
رابعاً: ملاءمة شركة المحاصة في اليمن:
تعتمد على طبيعة البيئة التجارية وظروف السوق، ويمكن تلخيصها كالتالي:
1- من حيث المزايا:
أ- تناسب الواقع التجاري البسيط وغير الرسمي المنتشر في اليمن، خاصة في المشاريع الصغيرة أو المشتركة بين أفراد أو عائلات.
ب- مفيدة في الأعمال المؤقتة، مثل الصفقات التجارية المحدودة أو المشاريع القصيرة المدى.
ت- تقلل الأعباء الإدارية والمالية في ظل صعوبة الإجراءات الرسمية أحيانًا.
2- من حيث التحديات:
أ- قلة الثقة القانونية بسبب عدم وجود تسجيل رسمي ولا شخصية اعتبارية.
ب- مخاطر عالية على الشركاء لأن كل منهم مسؤول شخصيًا، وقد تُستغل السرية للاحتيال أو التهرب من الالتزامات غير مناسبة للاستثمارات الكبيرة أو الأجنبية التي تتطلب وضوحاً قانونياً وهيكلاً مؤسسياً.
الخلاصة:
شركة المحاصة ملائمة للمشاريع البسيطة والمحدودة في اليمن، لكنها غير مناسبة للمشاريع الكبرى أو طويلة الأجل، بسبب ضعف الحماية القانونية وغياب الهيكل الرسمي.
ملحوظة:
رغم مرونة شركة المحاصة، إلا أنها لا توفر حماية قانونية كاملة للشركاء، ولذلك يُفضل أن تقتصر على المشاريع الصغيرة أو المشتركة قصيرة الأجل، مع وجود عقد مفصل ومكتوب.
المراجع:
- بحث الدكتور/ عبد المؤمن شجاع الدين – إثبات شركة المحاصة.
- قانون رقم (22) لسنة 1997م بشأن الشركات التجارية.
- بحث الشركات التجارية العرفية المسماة قانوناً بشركة المحاصة للدكتور/مصطفى إبراهيم عريبي والدكتور/عبد الخالق صالح معزب.
اعداد/ سوزان طعموس الشاذلي
تعليقات