من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2019

قسمة الانسان ماله اثناء حياته في القانون والقضاء اليمني - الجزء الرابع

الفرع الثانيأحكام المحكمة العليا التي تضمنت اجتهاد المحكمة:

تضمنت هذا الاجتهاد أحكام قضائية كثيرة أصدرتها المحكمة العليا خلال الفترة من 1999م حتى 2001م وقامت بنشرها ضمن المجلدات القضائية التي تصدرها المحكمة والمعبرة عن موقف المحكمة العليا للتدليل على كونها قواعد قضائية ينبغي احترامها والعمل بمقتضاها، وأهم هذه الأحكام ما يأتي:
 الحكم الأول: وهو الحكم الصادر عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا بتاريخ 28/8/1999م في الطعن الشخصي رقم (268) لسنة 1420ه وقد جاء في هذا الحكم ما نصه (الموجزصحة القسمة الواقعة في حياة المورث-حكمه.

القاعدةأن القسمة إذا وقعت في حياة المورث فان صحتها موقوفة على إجازة الورثة بعد الموت.

الحكم: بعد المداولة والتأمل وإمعان النظر وجدنا ما يفيد أن القسمة وقعت في أثناء حياة المورث وصحتها موقوفة على إجازة الورثة بعد الموت، فضلا عما فيها من تصرفات غير موافقة لأحكام الشرع والقانون، وعليه فالالتماس غير مقبول ويغرم رافعه خمسة آلاف ريالا عملا بالمادة (232) مرافعات مع ألف ومائتي ريالا رسوم الطلب يورد كل ذلك إلى الخزانة العامة ([58])
 الحكم الثاني: وهو الحكم الصادر بتاريخ 31/8/1999م عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا في الطعن الشخصي رقم (289) لسنة 1420ه وقد جاء في هذا الحكم ما نصه (الموجزلا إرث ولا قسمة إلا بعد ثبوت الوفاة حقيقة أو حكما.

القاعدةلا قسمة ولا توارث حتى يتحقق موت المورثة أو مضي عمرها الطبيعي فان تمت القسمة قبل ذلك فتكون موقوفة على إجازة الورثة.

الحكملما كان الطاعن …… قد تقدم بالطعن أمام المحكمة العليا,وأهم ما جاء فيه أن المحكمة الاستئنافية كانت قد قررت تأييد الحكم الابتدائي إلا أنها تراجعت بعد أن طلب المدعي اليمين وما كان لها أن تنقض ما أبرمت وكان عليها أن تلزم المدعي بتقديم عريضة طعنه إلى المحكمة العليا وانه لا وجه لقبول دعوى المدعي بنصيبه من مخلف المورثة المترتب على قيامها بقسمة مالها في أثناء حياتها وان الأيمان غير حجة عليه …الخ وبعد الاطلاع على مذكرة الرد من المطعون ضدهم وخلاصتها أن الطاعن قد نكل عن اليمين عندما طلبت منه بشان تاريخ وفاة المورثة.
هذا وبعد المداولة والتأمل تبين أن المحكمة الاستئنافية أصدرت قرارا سنة 1418ه وفيه تأييد الحكم الابتدائي بكل فقراته وعند النطق به وفي أثناء ذلك طلب المدعي اليمين من المدعي عليهم بشان البصيرة المؤرخة 1381ه  الصادرة عن المورثة في أثناء وجودها قبل سفرها,فلم يمضي المدعى عليهم باليمين بحسب الطلب فأصدرت المحكمة قرارا أخر والذي جاء فيه بعد ذكر الحيثيات أن المتوجب على أولاد الحاج….إطلاق ما تعين لفلانة من بعد والدها وهو الأربعة الحبال في حدبة المدحاجية مع ضم ما تقرر لها من بعد أخيها …..بحسب تنزيل الحاكم وهو أربعة قراريط ونصف وسدس وربع قيراط وثلث سدس ما بقي لها غير ما ذكر ميراثا فقد اعترف الطاعن بأنه تحت يده,لذلك فان الشعبة لا تقر قسمة فلانة بنت فلان لمالها في أثناء حياتها وأثناء وجودها بمنطقة… كما أن لا توارث حتى يتحقق موتها أو مضي عمرها الطبيعي)([59]).
الحكم الثالثوهو الحكم الصادر عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا بتاريخ 11/9/2001م في الطعن الشخصي رقم (383) لسنة 1422ه وقد ورد في الحكم ما يأتي
(الموجزإجراء القسمة والمصالحة بين الورثة في حياة المؤرث أثره.

القاعدةإجراء القسمة في أثناء حياة المورث لا تكون حجة مالم يصادق عليها الورثة بعد وفاة المورث.

الحكم :بعد الاطلاع على ملفات القضية وجميع الأحكام والطعنين بالنقض والدفع بعدم قبول الطعن م..وبعد المداولة تبين أن حكم الاستئناف السابق قد نقضه حكم المحكمة العليا,كما أنه قد ظهر إجراء القسمة في أثناء حياة الأب,وذلك ليس له حجة على الأولاد وهذا يعني عدم الركون إلى مستند القسمة الذي يدعى الطاعنبأنه قد تم الاتفاق عليها فيما بين الأب وأولاده وحصول التراضي,والأساس في كل ذلك أن القسمة في أثناء حياة المورث موقوفة على إجازة الورثة كما جاء في الحكم الاستئنافي وهو الصحيح في تقرير أن القسمة في أثناء حياة الأب موقوفة على إجازة الورثة,ولذلك فان الطعن بالنقض لم يؤثر في الحكم الاستئنافي المطعون فيه لعدم تحقق أي سبب من أسباب الطعن بالنقض الأربعة المنصوص عليها في المادة (214)من قانون المرافعات والتنفيذ المدني(28)لسنة1992م وعليه فنقر ما يلي :-
عدم قبول الطعن بالنقض شكلا وفي الموضوع.
تأييد الحكم الاستئنافي الصادر من محكمة استئناف حجة في الاستئناف الشخصي رقم(80) لسنة 1418ه بتاريخ 5/ذي القعدة/1421ه الموافق 28/1/2001م.
مصادرة كفالة الطعن بالنقض لخزينة الدولة) ([60]).

 الفرع الثالثأسباب ومنطلقات اجتهاد المحكمة العليا:

هناك من يرجع سبب اجتهاد المحكمة العليا بان أية قسمة في أثناء حياة المورث تكون موقوفة على إجازة الورثة بعد تحقق وفاته ,بان هذا الاجتهاد يرجع إلى أن غالبية القسمات التي تتم في أثناء حياة المورثين تشوبها الحيلة والإضرار بالورثة,فعندما تتم القسمة في أثناء حياة المورث يخالج الورثة المحتملين الخوف أو الحرج والحياء من مورثهموهذا يمنع الورثة في أثناء حياة مورثهم من الإعتراض على هذه القسمة إذا كانت غير عادلة,أما بعد موت المورث فهذه الضغوط والمؤثرات تنتفيوعندئذ تكون إجازة الورثة للقسمة صحيحة وصادرة من الورثة بإرادتهم واختيارهم وخالية من المؤثرات ([61])، والواقع من وجهة نظر الباحث أن سبب اجتهاد المحكمة العليا على هذا النحو يرجع وينطلق من فهم المحكمة العليا للمادة (186) من قانون الأحوال الشخصية التي نصت على أن (الهبة للوارث ووارثه  في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماًوكذا فهم المحكمة العليا للمادة(234) التي نصت على انه (لا تصح الوصية للوارث إلا بإجازة الورثةوكذا المادة (238) التي  حددت وقت إجازة الورثة للوصية الصادرة من المورث لوارثه,بان الإجازة لا تكون إلا بعد وفاة المورث,ولذلك فأن مبعث اجتهاد المحكمة العليا هو التضارب الحاصل في نصوص قانون الأحوال الشخصية ذات الصلة بهذا الموضوع والتي جعلت القضاة في حيرة من أمرهم إزاء هذا التضارب والغموض في النصوص، مما جعل المحكمة العليا تتدخل في اجتهادها حاسمة للتضارب ومزيلة للغموض والالتباسحيث قررت المحكمة العليا أن القسمة التي تتم في أثناء حياة المورث هي بمثابة وصية لوارث ينبغي لنافذها إجازة الورثة لها بعد وفاة مورثهم([62]).

الفرع الرابعمدى موافقة اجتهاد المحكمة العليا لأحكام الفقه الإسلامي والقانون اليمني:


اجتهاد المحكمة العليا بان كل قسمة تمت في أثناء حياة المورث تكون موقوفة على إجازة الورثة بعد وفاة المورث له أسبابه ودواعيه السابق ذكرها، ومع إحترامنا لهذا الاجتهاد إلا انه قد جاء مخالفا لنصوص القانون والفقه الإسلامي وبيان أوجه المخالفة على النحو الاتي:
الوجه الأولالمادة (186) من القانون نصت على أن الهبة لوارث تكون بمثابة وصية: في حين أن اجتهاد المحكمة العليا الذي استند إلى هذا النص قد جعل كل قسمة بصفة عامة تتم في أثناء حياة المورث تكون وصيةوهناك فرق بين القسمة على جميع الورثة المحتملين في أثناء حياة المورث وبين الوصية لوارث واحد فقطإذ أن المقصود بالهبة في المادة (186) هي الهبة المنفردة التي ينفرد بها أحد الورثة وليس قسمة الشخص لماله في أثناء حياته على جميع ورثته بموجب المادة (183) التي نصت على انه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية)فعند المقارنة بين المادتين (183) و(186)نجد أن لكل منهما مجال للتطبيق,فالمادة (183)تنطبق على القسمة في أثناء حياة المورث ,في حين تنطبق المادة(186)على الوصية للوارث المنفرد,فذلك ظاهر من صياغتها (الوصية لوارث )أي لواحد فقط وليس الورثة جميعهم,فلو كانت إرادة القانون قد اتجهت إلى اعتبار كل قسمة في أثناء حياة المورث بمثابة وصية لنص عليها القانون في المادة (183) التي أجازت القسمة في أثناء حياة المورث على أساس العطية والهبة لأنها المكان المناسب لتقرير هذا الحكم ([63]).
الوجه الثانيمخالفة اجتهاد المحكمة العليا للفقه الإسلامي:
فلا شك أن القول بان القسمة في أثناء حياة المورث موقوفة على إجازة الورثة بعد وفاة مورثهم يخالف ما ذهب إليه الفقه الإسلامي حيث ذهب الجمهور إلى جواز القسمة في أثناء حياة المورث ولكنهم اختلفوا في تكييفها فمنهم من ذهب إلى أنها تتم على أساس الميراث ومنهم من ذهب إلى أنها تتم على أساس العطية والهبة حسبما تقدم بيانه عند عرض أقوال الفقهاء في هذه المسالة,كما انه من الثابت انه لم يقل احد من الفقهاء بان القسمة في أثناء حياة المورث موقوفة على إجازة الورثة بعد وفاة مورثهم ,فقد عرضنا أقوال الفقهاء ولم نجد من ذهب منهم إلى تعليق القسمة في أثناء الحياة على إجازة الورثةومن هذا المنطلق فان اجتهاد المحكمة العليا ليس له أساس من الفقه الإسلامي([64]).
الوجه الثالثعدم جواز رجوع الشخص الذي يقسم ماله:
لا يجوز عند جمهور الفقهاء رجوع الواهب عن هبته إذا قبضها الموهوب له، ومن باب اولى لا يجوز لغير الواهب الرجوع أو إجازته تلك الهبة التي لم تصدر عنه، وبما أن القانون اليمني قد تعامل مع قسمة الشخص لماله في أثناء حياته على أنها من قبيل الهبة فكيف يجيز اجتهاد المحكمة العليا لغير الواهب وهم الورثة التراجع عن القسمة التي أجراها مورثهم أثناء حياته على سبيل الهبة أو العطية كيف يشترط هذا الاجتهاد إجازة الورثة لها؟
الوجه الرابعالقانون اشترط إجازة الورثة فقط بالنسبة للأموال التي لم يقبضها الموهوب له:
في حين أن اجتهاد المحكمة العليا قد اشترط إجازة الورثة مطلقا وهذا يخالف صراحة المادة(186) من قانون الأحوال الشخصية التي نصت على أن (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً).
الوجه الخامس: إهدار اجتهاد المحكمة العليا لقسمة الإنسان لأمواله في أثناء حياته: مع أن اجتهاد المحكمة العليا قد اقر بإمكانية قسمة الشخص لأمواله في أثناء حياته، إلا أن هذا الاجتهاد جعل هذه القسمة موقوفة حتى لو كان الأولاد والورثة المحتملين قد قبضوا العطية أو الهبة في أثناء حياة مورثهم، وهذا يخالف قول جمهور الفقهاء الذين ذهبوا إلى أن العطية أو الهبة لازمة ونافذة في حالة قبضها، فإذا كانت هذه القسمة موقوفة على إجازة الورثة بعد وفاة مورثهم فما الفائدة من إقرار هذا القسمة أصلا؟ ([65])
الوجه السادسالاجتهاد فتح باب النزاع والخلاف بين الورثةحيث أن قسمة الشخص لماله في أثناء حياته كان الغرض منه خشية الشخص على ورثته من الخلاف على تقسيم التركة بعد موته لمبررات يعرفها الشخص المورث أكثر من غيره,وبالفعل تحدث بين الورثة نزاعات طويلة  تصل إلى حد قتل الورثة لبعضهم,لان الورثة في الغالب لاسيما المشاغبون منهم يرفضون إجازة القسمة الذي تمت في أثناء حياة مورثهمفبدلا من أن يسهم اجتهاد المحكمة العليا  في تخفيف منابع الخلاف فقد فتح باباً واسعاً للخلاف مع أن القضاء في اليمن يعاني من ظاهرة كثرة القضايا وقلة القضاة([66]).
إضافة إلى أن هذا الاجتهاد يقلقل المراكز القانونية للورثة التي كانت قد استقرت لفترة من الزمن وترتبت عليها حقوق وأثار شرعية وقانونية.
الوجه السابعالتقرير بان أية قسمة في أثناء حياة المورث وصية غير دقيقفهناك قسمات تكون باطلة أو منعدمة تتم في أثناء حياة المورث ولا يطلق عليها وصية بالمفهوم الشرعي والقانوني ولا تلحقها الإجازة، إضافة إلى أن هناك فروق جوهرية بين الوصية والقسمة في أثناء حياة المورث، ومن هذه الفروق إختلاف أحكامهما وأثارهما([67]).
الوجه الثامنمجافاة هذا الاجتهاد للفطرة والواقع: فالفطرة الإنسانية تجعل الأب وألام وهما المورث في الغالب أكثر الناس شفقة ورحمة واعلم بحال ورثتهما والغالب أنهم الأبناء,كما أن الشخص المورث أعرف بأمواله ومواضعها وقيمتها وأهميتها وجدوى المال بالنسبة لكل واحد من الورثة ومهارات وإمكانيات كل وراث وما يناسبه من المال,ومن هذه المنطلقات يقوم الشخص في أثناء حياته بقسمة ماله على ورثته المحتملينفي حين أن هذا الاجتهاد القضائي قد طرح كل هذه الاعتبارات جانباً معتبراً أن أية قسمة تتم في أثناء حياة المورث تنطوي على حيلة.

ليست هناك تعليقات: