من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2019

قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته في القانون والقضاء اليمني - الجزء الثالث

المبحث الثالث

قسمة الإنسان لماله في أثناء حياته في القانون والقضاء اليمني
يتكون هذا المبحث من مطلبين الأولتقسيم الشخص لماله في أثناء حياته في القانون اليمني، والمطلب الثانيتقسيم الشخص لماله في أثناء حياته في القضاء اليمني.

المطلب الأول

تقسيم الشخص لماله في أثناء حياته في القانون اليمني
لم يتعرض القانون اليمني لهذا الموضوع صراحة ولكن وردت في القانون المدني اليمني وقانون الأحوال الشخصية نصوص عامة غامضة متضاربة، وقد بذل الباحث وسعه لاستقرائها في محاولة لبيان موقف القانون اليمني من هذه المسالة، حيث كانت حصيلة ذلك الاتي:

الفرع الأولموقف القانون المدني من قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

نظم القانون المدني قسمة الأموال بين الورثة والشركاء على الشيوع في المواد من (1197) إلى(1223) وعند الدراسة والتدقيق لفحوى تلك النصوص نجد أنها لم تتعرض لهذا الموضوع، أي أنها لم تأمر به كما أنها لم تمنعه، وطبقاً للقواعد العامة الحاكمة للقانون المدني وخاصة قاعدة (الأصل في الأشياء الإباحةالمنصوص عليها في المادة (11) من ذلك القانون([48])، يفهم من خلال ذلك أن القسمة في أثناء حياة المورث مباحة أي جائزة.

الفرع الثاني: موقف قانون الأحوال الشخصية من قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

نظم قانون الأحوال الشخصية أحكام التركات وشروطها وحدد الفروض والأنصبة والسهام التي تتم بموجبها قسمة تركات المتوفين على الورثة، ومن خلال ذلك يظهر أن المقصود بهذه النصوص قسمة التركة بعد وفاة المورث وليس في أثناء حياته، إلا أن هذا القانون في سياق تنظيمه للهبة والوصية قد أشار إلى قسمة الإنسان لماله في أثناء حياته، ومن المناسب أن نعرض تنظيم قانون الأحوال الشخصية لهذا الموضوع على النحو الاتي:

أولا: تنظيم القسمة في أثناء حياة المورث ضمن أحكام الهبة:

 عرف قانون الأحوال الشخصية الهبة في المادة (168) بأن (الهبة هي عقد تبرعي يملك به مال أو تباح به منفعة حال الحياة )([49])ووفقا لهذا النص يجوز للشخص في أثناء حياته أن يملك أمواله لورثته المحتملين وغيرهم,وطبقاً لهذا النص فان الهبة عقد ينعقد ما بين الواهب والموهوب له ويكون لازما بقبض الموهوب له للهبة([50]),وفي السياق ذاته اشترط القانون أن تتم المساواة في الهبة بين الموهوب لهم إذا كانوا من الورثة المحتملين حسبما ورد في المادة (183) من ذلك القانون التي نصت على انه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعيةوعند إمعان النظر في هذه المادة نجد أنها قد أجازت قسمة المال في أثناء حياة المورث شريطة أن يتم ذلك طبقاً لأحكام الميراث فيعطي الإنسان أو يهب للذكر مثل حظ الأنثيينوبهذا يكون القانون اليمني قد اخذ بقول العلماء الذين ذهبوا إلى جواز قسمة المال في أثناء حياة المورث شريطة أن يكون ذلك بحسب أحكام الميراث,ويستند كثير من القضاة والمحامين والأمناء الشرعيين إلى هذه المادة في إجراء القسمة وليس العطية أو الهبة في أثناء حياة المورث([51]), مع أن المادة (183) قد عالجت قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته على أنها تتم على أساس أحكام العطية أو الهبة بحسب تعبير القانونفأحكام الهبة والعطية هي الواجب تطبيقها على هذا التصرف وليس القسمة لان القسمة في أثناء الحياة تصرف مستقل يختلف عن القسمة فيما بعد الموت,وذلك يرجع إلى أن هذه المادة قد خلطت بين الهبة والقسمة، حيث أطلقت على هذا التصرف اسم الهبة وفي الوقت ذاته اشترطت تطبيق أحكام الميراث على هذا التصرف وليس الهبة,ومن المؤكد أن أحكام الهبة أو العطية للأولاد تختلف عن أحكام الميراث,فقد ذكرنا فيما سبق الفروق التي تميز الهبة والعطية عن القسمة فيما بعد الموت حيث ذكر العلماء أن العطية مصطلح خاص بما يعطي الوالد لأولاده خاصة في أثناء حياته,كما أن الهبة تطلق عند الفقهاء على المال الذي يهبه الشخص لغير أولاده,([52]) وذكرنا أيضا أن الغالبية العظمى من الفقهاء قد اشترطوا أن تكون العطية للأولاد متساوية دون تفرقة بين الذكور والإناث,ومن وجهة نظر الباحث فان المادة (183) السابق ذكرها قد خالفت ما ذهب إليه غالبية الفقهاء الذي ذهبوا إلى تطبيق أحكام العطية على هذا التصرف وليس الميراث واشترطوا ان يتساوى الذكر مع الأنثى في هذا التصرف باعتباره من الهبة وليس الميراث ويلاحظ أن هذه المادة قد أجازت قسمة الشخص لماله في إثناء حياته ولم تشترط إجازة الورثة المحتملين لذلككمالا يخفي التضارب الذي شاب المادة (183) التي أوجبت المساواة بين الأولاد على أساس أن القسمة في أثناء حياة الشخص تعد عطية يتساوى فيها الأولاد ذكوراً وإناثا,وفي الوقت ذاته أوجبت تلك المادة أن تتم القسمة في أثناء حياة المورث على أساس الميراث الذي يكون نصيب الذكر فيه مثل حظ الأنثيينوتبعا لذلك يتعذر تطبيق المساواة التي أوجبها النص فكيف تتم المساواة بين الأولاد والورثة طالما وأنها تتم بحسب الميراث؟ كما أن المادة(183) غامضة ومتناقضة في معالجتها للهبة لغير الأولاد فقد أوجبت المساواة في الهبة مطلقا سواء كانت الهبة للأولاد أم لغيرهم مع أن المساواة لا تكون واجبة في الهبة إلا بين الأولاد فقط.

ثانياتنظيم القسمة في أثناء حياة المورث ضمن أحكام الوصية:

 لم يكتف قانون الأحوال الشخصية بالخلط بين أحكام الهبة والقسمة بل انه قد خلط أيضا بين الهبة والوصية مع انه لكل من الهبة والوصية أحكامها التي تختلف في أحكامها حسبما هو  مثبت في كتب الفقه الإسلامي([53])، حيث نصت المادة (186) على أن (الهبة للوارث ووارثه  في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماًحيث يستند إلى هذا النص اجتهاد المحكمة العليا في تقريره أن أية قسمة في أثناء حياة المورث تكون في حكم الوصية من حيث تعليقها على إجازة الورثة بعد وفاة المورث وبناءً على نص المادة (186)السابق ذكرها فان هبة المورث لوارثه لا تكون نافذة إلا بعد وفاة المورث وإجازة بقية الورثة لها بعد وفاة المورث ولا تستثني من ذلك إلا حالة ما إذا قام الشخص الموهوب له باستهلاك الهبة أو تصرف بها إلى الغير,لأن الوصية لا تجوز لوارث إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة مورثهم بموجب المادة (234) التي نصت على انه (لا تصح الوصية للوارث إلا بإجازة الورثة)، والمقصود بالهبة في هذه المادة هي الهبة المنفردة أي الهبة التي ينفرد بها أحد الورثة وذلك ظاهر من صياغة المادة(الهبة للوارثوهي بخلاف الهبة أو العطية المذكورة في المادة (183) التي يتساوى فيها الورثة من الأولاد والتي تندرج ضمنها قسمة الإنسان لماله في إثناء حياته,فالهبة المنفردة طبقا لهذه المادة لا تكون نافذة إلا بعد إجازة الورثة لها وذلك بعد وفاة الوالد الواهب بخلاف القسمة في إثناء الحياة([54]),حيث نصت المادة (234) على انه (لا تصح الوصية للوارث إلا بإجازة الورثةوحددت المادة (238) وقت إجازة الورثة للوصية الصادرة من المورث لوارثهفهذه الإجازة لا تكون إلا بعد وفاة المورث.

المطلب الثاني

اجتهاد المحكمة العليا بشأن قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته
يتضمن هذا المطلب بيان المقصود باجتهاد المحكمة العليا ومضمون هذا الاجتهاد، وسنذكر ذلك في الفرع الأول، أما الفرع الثاني فسوف نعرض فيه أحكام المحكمة العليا التي تضمنت اجتهاد المحكمة، والفرع الثالث سوف نذكر فيه أسباب ومنطلقات اجتهاد المحكمة العليا، في حين نذكر في الفرع الرابع مدى موافقة اجتهاد المحكمة العليا لأحكام الفقه الإسلامي والقانون اليمني.

 الفرع الأولالمقصود باجتهاد المحكمة العليا ومضمون هذا الاجتهاد:

 المقصود باجتهاد المحكمة العليا في بحثنا هذا هو بيان القاعدة القضائية بشان قسمة الشخص لماله في أثناء حياته من خلال الرجوع إلى المجلدات القضائية المتضمنة القواعد القضائية التي قامت المحكمة العليا ذاتها بتلخيصها ونشرها في مجلدات تتضمن هذه القواعد أو الاجتهادات وأرقامها وتواريخ الأحكام التي استخلصت المحكمة القواعد منها([55]),وعلى هذا الأساس فسوف نعرض اجتهادات المحكمة العليا في هذا المطلب ومضمون هذا الاجتهاد أن المحكمة العليا قد استخلصت من الأحكام التي فصلت فيها قاعدة قضائية مفادها (أن أية قسمة في أثناء حياة المورث هي وصية تكون موقوفة على إجازة الورثة بعد موت المورث) ([56]),حيث استقر اجتهاد المحكمة العليا باليمن على تقرير هذه القاعدة منذ عام 1999م وقد استغرق استقرار القاعدة مدة تصل إلى ما يقارب ثلاث سنين أي خلال الفترة من1999م وحتى 2001موالظاهر أن المحاكم الأدنى قد تلقت اجتهاد المحكمة العليا بالقبول,أو أن المحاكم الأدنى لم تجد في قانون الأحوال الشخصية معالجة مناسبة أفضل من اجتهاد المحكمة العليا المشار إليه ([57]).

ليست هناك تعليقات: