من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2019

قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته في القانون والقضاء اليمني - الجزء الاول


قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته في القانون والقضاء اليمني

د. عبد المؤمن بن عبد القادر شجاع الدين، الأستاذ المشارك رئيس قسم الفقه المقارن
كلية الشريعة والقانونجامعة صنعاء-اليمن
مقال نشر في مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 24 الصفحة 75.
انتشرت في العصر الحاضر ظاهرة قسمة الأشخاص لأموالهم في أثناء حياتهم على ورثتهم المحتملين، وقد تناول القانون اليمني هذه المسالة في نصوص مجملة غامضة متضاربة، حيث يحيط الغموض بهذا الموضوع من كل جانب، وقد اجتهدت المحكمة العليا باليمن (محكمة النقض) في معالجة هذه المشكلة اجتهاداً يحتاج للدراسة والبحث للتثبت من مدى موافقته للفقه الإسلامي ونصوص القانون اليمني، ومن ثم استخلاص النتائج وتقديم التوصيات المناسبة بشأن هذا الموضوع.

مقدمة:

الحمد لله الذي حدٌ الحدود وشرٌع الأحكام والصلاة والسلام على محمد بدر التمام وعلى أله وصحبه الكرام: أما بعد: فهذه المقدمة تتضمن مشكلة البحث وتساؤلاته ومناهجه ونطاقه وتقسيماته، وبيان ذلك على النحو الاتي:

أولا: مشكلة البحث:

تكمن مشكلة البحث في غموض هذا الموضوع وعدم استقراره في أذهان غالبية القضاة والمحامين والباحثين والمعنيين، ويرجع ذلك إلى الفروض الآتية:
حداثة هذا الموضوع وجدته، لأنه نازلة من النوازل المعاصرة فلم يشر إليه من الفقهاء المتقدمين الا ابن حجر الهيثمي واحمد بن حنبل.
تداخل هذا الموضوع مع تصرفات أخرى كالعطية والهبة والوصية والقسمة بعد الموت.
تناثر مفردات هذا الموضوع في مراجع ومصادر شتى بل أن أقوال العلماء المعاصرين في هذه المسالة قد وردت ضمن فتاويهم أو مقابلات صحفية معهم كل عالم على حدة فلم تجمعها دراسة أو بحث.
لم يتعرض القانون المدني اليمني لقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته مع أن هذا القانون نظم أحكام القسمة الرضائية والقضائية.
أشار قانون الأحوال الشخصية لهذا الموضوع في نصوص مجملة وغامضة ومتضاربة.
عدم وجود مذكرة إيضاحية أو لائحة تفسيرية لقانون الأحوال الشخصية.
عدم وجود شروح لمواد القانون التي تناولت هذا الموضوع.
اختلاف العلماء المعاصرين بشأن هذا الموضوع وتشعب هذا الخلاف.

ثانياً: تساؤلات البحث:

ما المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته؟
ما الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والتصرفات المشابهة لذلك كالقسمة بعد وفاة المورث والعطية والهبة والوصية؟ وما هو التكييف الفقهي لقسمه الإنسان ماله في أثناء حياته؟
ما دوافع قسمة الشخص ماله في أثناء حياته؟
ما هي أقوال العلماء بشأن قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته؟ وما هي الفتاوى التي صدرت في هذا الشأن؟
كيف نظم القانون اليمني هذا الموضوع؟ ما هي أوجه القصور التي شابت القانون في هذا الشأن؟
ما هو موقف القضاء اليمني من هذا الموضوع؟ وما هو اجتهاده في هذا الشأن؟
كيف تعامل هذا الاجتهاد مع هذا الموضوع؟
ما هي منطلقات وأسس اجتهاد المحكمة العليا باليمن؟
ما مدى موافقة اجتهاد المحكمة العليا في هذا الموضوع لأحكام الفقه الإسلامي والقانون اليمني؟

ثالثاً: أهداف البحث:

جمع أقوال العلماء المعاصرين في هذه المسالة، ونظم الأقوال المتماثلة في قول واحد ثم ذكر أدلة كل قول والترجيح بينها.
تنص المادة (18) من القانون المدني اليمني على أن (المرجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو الفقه الإسلامي والمذكرات الشارحة الصادرة من الهينة التشريعية المختصة) ومن المؤكد عدم وجود المذكرة الشارحة التي أشار أليها النص السابق، ولذلك لم يعد هناك من مرجع لاستجلاء غموض أو إجمال النصوص القانونية التي تناولت هذا الموضوع إلا ما ورد في الفقه الإسلامي.
بيان معالجة القانون اليمني لهذا الموضوع وأوجه القصور في ذلك.
بيان اجتهاد المحكمة العليا باليمن بشأن الموضوع ومدى موافقته أو مخالفته لأحكام الفقه الإسلامي ونصوص القانون.
تقديم توصيات مفيدة لمعالجة القصور في تنظيم القانون لهذا الموضوع واجتهاد القضاء بشأنه.

رابعاً: مناهج البحث:

استعمل الباحث بحسب مقتضيات البحث المنهج الوصفي، وكذا المنهج الاستقرائي والمنهج التحليلي بالإضافة إلى إجراء مقابلات مع بعض المختصين كالقضاة وغيرهم.

خامساً: نطاق البحث الزماني والمكاني والموضوعي:

نطاق البحث الزماني: بالنسبة للشريعة الإسلامية فأنها لا تتحدد بزمان أو مكان، وعلى ذلك فإن البحث سوف يبين موقف الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي من غير تحديد بزمان أو مكان، أما بالنسبة للقانون فان البحث يتحدد على القانون اليمني النافذ، ولن يتعرض للقوانين السابقة.
نطاق البحث المكاني: بالنسبة للشريعة الإسلامية فأنها لا تتحدد بمكان، ولذلك فالبحث سوف يذكر أقوال الفقهاء من غير تحديد للدول والأمصار التي أقاموا بها، أما بالنسبة للقانون فان نطاق البحث يتحدد على القانون اليمني، ولن يتعرض لغيره إلا على سبيل الإشارة أو المقارنة بحسب مقتضيات البحث.
نطاق البحث الموضوعي: يتحدد البحث في موضوع قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته على ورثته المحتملين من حيث ماهيته وتكييفه وأقوال العلماء في حكمه، وموقف القانون اليمني واجتهاد المحكمة العليا باليمن في هذا الشأن، ومدى موافقة هذا الاجتهاد القضائي لأحكام الفقه والقانون، ولن يتعرض البحث لهذا الموضوع من حيث الوجهات الأخرى كالوجهة الاجتماعية وغيرها، كما أن البحث لن يتعرض للمسائل التفصيلية ذات الصلة بهذا الموضوع كأحكام القسمة بعد الموت والعطية والهبة والوصية.
خامساً: تقسيمات البحث:
يتكون البحث من مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة، وذلك على النحو الاتي:
مقدمة البحث: تتضمن مشكلة البحث وتساؤلاته وأهدافه ومناهجه ونطاقه وتقسيماته.

المبحث الأول: ماهية قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته: وذكرنا فيه المقصود بهذه القسمة والفرق بينها وبين التصرفات الأخرى كالقسمة بعد الموت والعطية والهبة والوصية والتكييف الفقهي لهذا التصرف ودوافع قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته.
المبحث الثاني: قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته في الفقه الإسلامي: ونشير فيه إلى أقوال العلماء بشأن حكم هذا التصرف.
المبحث الثالث: قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته في القانون والقضاء اليمني: ونبين فيه معالجة القانون اليمني لهذا الموضوع واجتهاد المحكمة العليا بشأن ذلك ومضمون هذا الاجتهاد و منطلقاته ومدى موافقة هذا الاجتهاد لأحكام الفقه الإسلامي والقانون اليمني.

المبحث الأول


ماهية قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته
ويتكون هذا المبحث من المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته ودافعها.
المطلب الثاني: الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والتصرفات المشابهة.

المطلب الأول

المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته ودافعها
ويتكون من فرعين الأول: المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته، والفرع الثاني: الدافع لإجراء قسمة المال في أثناء حياة المورث.

الفرع الأول: المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

  القسمة في اللغة مشتقة من القَسْمُ وهو: مصدر قَسَمَ الشيءَ يَقْسِمُه قَسْماً، فانْقَسَم هو الموضع مَقْسِم مثال مجلس. وقَسَّمَه: جزَّأَه، وهي القِسمةُ، والقسم بالكسر: النصيب والحَظُّ، والجمع أَقْسام، وهو القَسِيم، والجمع أَقْسِماء واقسام وأَقاسِيمُ، فيقال: هذا قِسْمُك وهذا قِسْمِي، ويقال: القِسْم والمِقْسَم والقَسِيم نصيب الإِنسان من الشيء، كما يقال: قَسَمْت الشيء بين الشركاء أي أَعطيت كل شريك قِسْمه وقَسِيمه ([1])، وفي ضوء ما تقدم يكون المراد بقسمة المال أي توزيعه على الأولاد وغيرهم.

 وعلى ذلك فان المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته هو قيام الشخص نفسه في أثناء حياته بحصر أمواله وتثمينها ثم يقوم بتقسيمها بين ورثته المحتملين([2]).

الفرع الثاني: الدافع لقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

يتلخص هذا الدافع في أن كثيرا من الأشخاص يخشون اختلاف ورثتهم من بعدهم عند قسمة تركاتهم بعد موتهم أو خوفهم من استئثار بعض الورثة بالتركة وسطوهم على أنصبة الورثة الضعفاء, أو الخشية من عدم قدرة الورثة أو غيرهم على الحصر و التثمين الحقيقي لمكونات التركة بعد وفاة المورث,كما قد يكون الباعث رغبة الشخص في جبر ضعف بعض الورثة وتعويضهم,إضافة إلى انه قد يكون الباعث على إجراء هذه القسمة هي رغبة المورث في المساواة بين الورثة ذكوراً وإناثا,([3]) أو رغبته في تقدير سعاية احد الورثة الذي سعوا في نما وزيادة المال أو تقدير مقابل خدمة لنساء الشخص إذا كانت إحدى قريباته قد تفرغت لخدمته كما لو كان عاجزا يحتاج للخدمة والقيام بأمره, كما لا يستبعد أن يكون الدافع على إجراء هذه القسمة حرمان بعض الورثة من أنصبتهم الشرعية أو إنقاصها, كما لو كان الشخص له ابنة وزوجة وإخوة فيقوم بالقسمة في أثناء حياته بقصد حرمان أخوته([4]).

المطلب الثاني

الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والتصرفات المشابهة
كي يكون التصرف محل البحث واضحا ينبغي الإشارة إلى أهم الفروق التي تميز قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته عن التصرفات المشابهة كالقسمة بعد وفاته والعطية والهبة والوصية.
أولا:الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والقسمة بعد وفاته: القسمة في اللغة من القَسْمُ وهو: مصدر قَسَمَ الشيءَ يَقْسِمُه قَسْماً,وقَسَّمَه: جزَّأَه، وهي القِسمةُ, ([5]) أما القسمة عند الفقهاء,فهي إفراز بعض الأنصبة وتمييزها عن بعض ومبادلة بعضها ببعض([6]), فالقسمة تحديد أنصبة الورثة الشرعية في التركة التي يتركها مورثهم بعد موته([7])، والقسمة للتركة لا تكون إلا بعد موت الإنسان, أما القانون المدني اليمني فقد عرف القسمة في المادة (1197)بأنها(معرفة مقدار ما لكل شريك في المال وإفرازه بعد موازاة السهام في المثليات وتعديلها في القيميات ).
والقسمة أما أن تكون رضائية أو قضائية، فالرضائية تتم بالتراضي بين الورثة، في حين أن القسمة القضائية أو الجبرية تتم بنظر القضاء عند اختلاف الورثة.
عند تطبيق هذه المفاهيم العامة على قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته نجد أن هذه القسمة تكون في أثناء الحياة وليس بعد الموت، كما انها لا تتم بنظر القضاء، فليس هناك تركة، لان المورث لم يمت بعد، فلازالت أمواله بذمته فلم يتركها، ولا يستطيع أحد مطالبته بقسمتها، ولذلك فهذه القسمة تختلف من حيث تكييفها وأحكامها عن القسمة بمفهومها الفقهي والقانوني.

ثانيا: الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والعطية والهبة:

العطية هي ما يعطى الوالد لأولاده خاصة أثناء حياته وتجب فيها المساواة، أما الهبة فهي المال الذي يهبه الشخص لغير أولاده ولا تشترط فيها المساواة، ويشترط لنفاذ العطية والهبة أن يقبضها المعطى له أو الموهوب له([8]).
على هذا الأساس فان قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته إذا انحصرت على الأولاد فقط فكان هؤلاء هم كل الورثة المحتملين للشخص فعندئذ يكون هذا التصرف من قبيل العطية الخالصة، وتنطبق على هذا التصرف أحكام العطية، أما إذا كان هناك ورثة محتملون غير أولاد الشخص فيكون التصرف بالنسبة لهم هبة، في حين يكون هبة خالصة إذا لم يكن للشخص أولاد وكان له ورثة محتملون من غير الأولاد، ولذلك فان قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته تستمد كثيرا من أحكامها من العطية كما سنرى.

رابعا: الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والوصية:

الوصية تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ([9])، أما قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته فهو تصرف يتم وينفذ في أثناء الحياة، ويكون للأولاد والورثة المحتملين، في حين أن الوصية تكون لغيرهم فلا وصية لوارث، كما أنه لا تشترط المساواة في الوصية، في حين المساواة مشروطة في القسمة أثناء الحياة عندما يكون الورثة المحتملون هم الأولاد.

خامساً: التكييف الفقهي لقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

من خلال ما تقدم يظهر أن قسمة الإنسان ماله على ورثته المحتملين في أثناء حياته ليس قسمة حقيقة بالمفهوم الشرعي والقانوني ,لأن الشخص لازال حياً ولازالت له أهلية وذمة مالية شرعية وقانونية فلا تركة إلا بعد موته, كمان قسمة الإنسان ماله لا تتم بنظر القضاء,فحق الورثة لا يكون إلا بوفاة مورثهم, كما أن هذه القسمة تتم بصورتين الأولى أن يقوم الشخص بقسمة ماله على ورثته المحتملين بإرادته المنفردة ويعطي كل واحد من هؤلاء الورثة المحتملين ما يخصه حيث يقوم هؤلاء بقبض هذه الأموال والتصرف فيها أثناء حياة المورث, فعندئذ يكون هذا التصرف من قبيل العطية للأولاد أو الهبة لغير الأولاد, وقد يقوم الشخص في أثناء حياته بقسمة ماله على ورثته المحتملين ويطلب منهم التوقيع على وثيقة القسمة بما يفيد رضاهم بذلك وموافقتهم عليها, ولكنه لا يمكن الورثة من الأموال التي حددها لهم في الوثيقة ولا يقبضونها,فهذا التصرف يندرج ضمن الوصية وتنطبق عليه أحكامها.
وعلى أساس ما تقدم فان القسمة في أثناء حياة المورث تصرف خاص مستقل ظهر في الآونة الأخيرة يحتاج إلى إفراده بدراسة بحثية مستقلة لبيان ماهيته وحكمه وتطبيق ذلك على اجتهاد المحكمة العليا باليمن (محكمة النقض) ومعرفة مدى موافقته أو مخالفته لأحكام الفقه الإسلامي ونصوص قانون الأحوال الشخصية.

ليست هناك تعليقات: