فسخ عقد الزواج, مقارنة بين الفقه الاسلامي, والقانون اليمني
هو حل
رابطة العقد المبرم سابقاً، وهدم لكل الآثار التي كانت قد ترتبت عليه بحيث لم يعد له
وجود اعتباري، وذلك من وجهة نظر الشارع فقط، لأن الفسخ لا يمكن أن يعدم العقد من الناحية
المادية، فإنه قد وجد بالفعل والموجود لا يمكن أن يعتبر معدوماً من ناحية الحس، ولكنه
يعتبر معدوماً من حيث إنتاجه لآثاره التي رتبها عليه الشارع.
فالانعدام هنا مجازي وليس حقيقياً، وإذا انعدم العقد
وأعتبر كأنه لم يكن، انهدمت كل ما ترتب عليه من أثار والتزامات, وتحلل كل من المتعاقدين
فيه من التزاماته, فلا يستطيع أحدهما أن يلزم الآخر بشيء استنادا إلى العقد المفسوخ.
الفسخ في القانون اليمني:
لم يتعرض
القانون اليمني لتعريف فسخ الزواج, في حين قام بتعريف الطلاق في المادة (58)
واكتفي القانون اليمني بالنص في المادة (43) من قانون الأحوال الشخصية على أن
(ينتهي الزواج بالفسخ أو بالطلاق أو الموت)
كما
أن القانون اليمني لم ينص على شروط الفسخ, واكتفي في المادة (44) أحوال شخصية
على (يشترط في الفسخ لفظه أو ما يدل عليه).
ملاحظات عامة على أحكام فسخ الزواج في القانون اليمني:
استعمل
القانون اليمني بصفة عامة اصطلاح (الفسخ) ولم يستعمل اصطلاح (الانفساخ) إلا عند الفسخ
للردة أو الامتناع عن الإسلام, أو عندما يوجد بين الزوجين سبب من أسباب التحريم
كالمصاهرة أو الرضاع, كما أنه لم يستعمل اصطلاح (التفريق) إلا في اللعان والخلع,
واستعمل اصطلاح (التطليق) في الإيلاء والظهار.
-
أحكام الفسخ ليست منتظمة في باب واحد كما
ورد في القانون اليمني، حيث خصص قانون الأحوال الشخصية الباب الأول من الكتاب الثاني
لبيان أحكام فسخ الزواج, وتم استعراض الغالبية العظمى من أحكام الفسخ في ذلك الباب،
إلا أن بعض أحكام الفسخ قد وردت خارج نطاق ذلك الباب، ومن هذه الأحكام الفسخ لبطلان
العقد والفسخ لخياري البلوغ والإفاقة, التي وردت في الباب الثالث في الكتاب الأول،
علماً بأن قانون الأسرة القديم كان ينص على الفسخ لخيار البلوغ ضمن الباب المخصص لأسباب
الفسخ, وذلك في المادة (54) التي كانت تنص على أنه (إذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ عند البلوغ حكم لها ووجب عليها رد
المهر ما لم يكن قد دخل بها).
وكذا تعريف الغائب الذي ورد في
(113) في الفصل الرابع من الباب الرابع, في حين تناول القانون الفسخ لغياب الزوج
في المادة (52) من الباب الأول من الكتاب الثاني، كما أن الفسخ لفقدان الزوج
قد ورد في الفصل الرابع من الباب الرابع من القانون.
-
أحكام فسخ الزواج في القانون اليمني وردت
في نصوص مجملة خالية من التفصيلات والعمومية والتجريد, وإن كانا من سمات القاعدة القانونية
وخصائصها, إلا أن الإغراق في العمومية والتجريد يجعل القاضي والباحث والمتابع في حيرة
من أمره عند تطبيق هذه النصوص المجملة، كما أن ذلك يؤدي إلى تفاوت واختلاف أحكام القضاء
في المسألة الواحدة، فضلاً عن أن ذلك يفضي إلى عدم استقرار القواعد القضائية، والمقارنة
بين نصوص القانون اليمني ونظيراتها في القوانين الأخرى, تغني عن الإسهاب في هذا الموضوع.
ولا سبيل أمام القاضي إزاء هذا الإجمال إلا معرفة
المصدر الفقهي الذي استفاد القانون منه النص المجمل, والرجوع إلى كتب الفقه عملاً بالمادة
(18) من القانون المدني التي نصت على أن (المرجع
في تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو الفقه الإسلامي والمذكرات الإيضاحية والكتب الشارحة
الصادرة من الهيئة التشريعية المختصة) وكذا الرجوع إلى نصوص القوانين الأخرى التي
توافق القانون اليمني لمعرفة بعض هذه التفصيلات, كما هو الحال بالنسبة إلى طريقة وإجراءات
عمل المحكمين في الفسخ للضرر.
-
أسباب فسخ الزواج في القانون اليمني محصورة
في الفسخ لخياري البلوغ والإفاقة, والفسخ لبطلان العقد, والفسخ للعيب, والفسخ لانعدام
الكفاءة, والفسخ للامتناع عن الإسلام أو الردة, والفسخ لعدم الإنفاق, والفسخ لغيبة
الزوج أو فقدانه أو حبسه, والفسخ للكراهية, والفسخ لإدمان الخمر أو المخدرات, ولحق بالفسخ التطليق للإيلاء والظهار والفرقة باللعان.
ويلاحظ على أسباب الفسخ المنصوص
عليها في القانون اليمني أنها لم تتناول الفسخ للتدليس, وكذا الفسخ للزنا, أو للإعسار
في المهر, أو لنقصان المهر, أو للتزوج بأخرى, وليس هذا عيباً في القانون اليمني، أما
الفسخ للضرر فهناك خلاف على أشده فيما يتعلق بمدى أخذ القانون اليمني بهذا السبب من
أسباب الفسخ.
-
بالنسبة للفسخ لتخلف الشرط أو الوصف, فلم
ينص عليه القانون اليمني ضمن أسباب الفسخ, وإن كان القانون قد أجاز للمرأة الاشتراط
حين العقد البقاء في دارها, أو أن يكون لها مسكناً مستقلاً يجمعها مع زوجها فقط, حسبما
ورد في المادتين (40، 42).
- انفرد القانون اليمني بالنص على فسخ الزواج بسبب
إدمان الزوج للخمر والمخدرات، في حين لم تنص قوانين الدول العربية على مثل هذا.
- نصت
المادة (349) من قانون الأحوال الشخصية اليمني على أن (كل ما لم يرد به نص في هذا القانون يعمل فيه بأقوى الأدلة في الشريعة
الإسلامية) وإعمال أقوى الأدلة على النحو
الذي ورد في هذا النص ليس يسيراً, فضلاً عن أن صياغة هذا النص معيبة, وتحديداً عندما
ذكر بأنه يعمل بأقوى الأدلة.
وقفة:
أن الرجوع إلى أقوى الأدلة أو أقوى المذاهب أو أرجحها,
مهمة يعجز عنها كبار الفقهاء والقضاة في العصر الراهن، وقد ذكر ذلك الأستاذ الدكتور/
محمد سليم العوا (أمين
عام رابطة علماء العالم الإسلامي) حينما عرض عليه مشروع تعديل المادة الثالثة من قانون
الأحوال الشخصية المصري, بحيث تنص على أن (يعمل فيما لم
يرد بشأنه نص في القانون إلى أرجح الأقوال في المذاهب الأربعة) بدلاً من
النص الحالي الذي يقضي بأن (يعمل فيما لم يرد بشأنه نص
في القانون بالقول الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة).
قال الأستاذ
الدكتور/ العوا ما نصه:
(تنص المادة الثالثة من مواد
إصدار مشروع القانون على أن يعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين (قوانين الأحوال
الشخصية والوقف) بأرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة، وذلك عدا قواعد الإثبات فيعمل
في شأنها بأرجح الأقوال في المذاهب الفقهية الأربعة.
والإحالة إلى أرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة,
إحالة إلى قول معروف محدّد في المذهب، يعرفه قضاة الأحوال الشخصية في مصر ويعرفون مصادره
وموارده، ويتعاملون معه مائة سنة (لائحة القضاء الشرعي
سنة 1897)، ويعرفه طلاب العلم الشرعي والقانوني, فيما يدرسونه من مادتي
تاريخ الفقه وتاريخ المذاهب في كليات الشريعة والقانون, وفيما يتداولونه من مؤلفات
أعلام العلماء الذين كتبوا في مادة (المدخل لدراسة الفقه
الإسلامي)
أما الإحالة
إلى أرجح الأقوال في المذاهب الأربعة الفقهية, فهو تكليف بما يشبه المستحيل، لأن لكل
مذهب أصوله وقواعده التي يتم في ضوئها اختيار أرجح الأقوال فيه.
والمقرر شرعاً وفقهاً أنه لا يحكم بمذهب على مذهب،
أي أنه لا يجوز أن يقال إن هذا أحق من ذلك، لأن مذهباً أخذ بالأول ومذهباً آخر أخذ
بالثاني, بل يكون الترجيح بالدليل وقوته وسلامة وضعه في موضع الاستدلال (ما يسميه الفقهاء مأخذ الدليل).
ولذلك لا يرجح حتى بالكثرة، كأن نقول, إن ثلاثة
مذاهب إذا اتفقت على قول فهو أرجح من القول الذي أخذ به مذهب واحد.
وتكليف القاضي بأن يختار أرجح المذاهب الأربعة،
بل أرجح الأقوال فيها معناه تكليفه ببحث كتب هذه المذاهب كافة, وهي آلاف الكتب المطبوعة
سوى المخطوطات التي لا يعلم عددها إلا الله، ثم دراسة أدلة الأقوال في كل مذهب، علماً
بأن في بعض المذاهب عشرة أقوال في المسألة الواحدة، واختيار أرجح الأقوال ليقضي به.
لا يختلف
اثنان عالمان بالفقه على أن هذه المهمة في حكم المستحيل, ولو بقي هذا النص على حاله
فسيفتح أبواباً لا تنتهي للطعن في الأحكام المبنية عليه، كما أنه ستتضارب أحكام القضاء
تضارباً يهدر الثقة بها، وذلك يقتضي بأن تسد الذرائع إليهما، ويحال بين التشريع وبين
أن يوقع القضاء فيهما أو في أيهما.
لذلك أرى أن الاقتصار على الإحالة في المسائل التي
ليس فيها نص في القوانين إلى أرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة يحقق استقرار أحكام
القضاء واتساقها ويحقق استقرار التشريع ذاته بعد أن ألف الناس جميعاً تطبيق هذا المذهب
لأكثر من قرن من الزمان في محاكم الأحوال الشخصية في مصر, وقد أخذ بهذا التوجه مجلس
الشورى عند مناقشته لمشروع القانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب ماتريد قوله للمحامي أمين الربيعي