من أنا

صورتي
صنعاء اليمن, شارع تعز 777175968, Yemen
المحامي أمين حفظ الله الربيعي محامي ومستشار قانوني وناشط حقوقي

البحوث القانونية

الاثنين، 18 نوفمبر 2013

بحث قانوني حول الإثراء بلا سبب



البند الثالث: الحكم في حالة كون الاثراء نفعا جناه المثري من عمل الغير.
نصت المادة 67 من قانون الالتزامات والعقود على أنه:
" من استخلص، بحسن نية، نفعا من شغل الغير أو شيئه بدون سبب يبرر هذا النفع التزم بتعويض من أثرى على حسابه، في حدود ما أثرى به من فعله أو شيئه."
وقد أوضحت لنا هذه المادة انه في حالة ما اذا كان الاثراء عليه المثري حسنا للنية عبارة عن نفع جناه من عمل المفتقر أو شيئه فانه يلتزم بتعويض ما أثرى على حسابه في حدود ما أثرى به من فعله أو شيئه، فاذا انتفع شخص من دار عن طريق السكن فيها عن حسن النية فانه يلزم باجر مثل هذه الدار ليس الا، اذ العبرة في تقدير التعويض .في حالة كون الاثراء نفعا جناه المثري حسن النية عن عمل الغير أو شيئه هي لقيمة الاثراء الذي حصل عليه المثري حسن النية ويلزم الا بقدر هذا الاثراء حتى لو كانت الخسارة تزيد على ذالك.
أما حكم المثري سيء النية بالنسبة للنفع الذي يجنيه بدون سبب من عمل الغير أو شيئه فقياسا على النهج الذي سار عليه المشرع في التشديد من حيث الحكم على المثري سيء النية ولا سيما من حيث الزامه بكامل الثمار لا في حدود ما دخل عليه منها فحسب فانه يلتزم بالتعويض عن كامل ما افتقره المضرور أي كامل خسارة هذا الاخير حتى لو كان النفع الذي حصل عليه المثري أقل من ذالك
انطلاقا مما سبق، يمكننا أن نستخلص بان الاثراء بلا سبب في جوهره ناتج عن علاقة غير متكافئة وعادلة بين طرفي الكفة القانونية بكونه يحدث افتقار في جانب الدائن واغتناء في جانب المدين ، وذالك عندما تتحقق شروط هذا النوع من الاثراء، والتي بتوفرها يمكن رفع دعوى الاثراء بلا سبب والمطالبة في نفس الوقت بالتعويض، الا ان هذا الاثراء في حد ذاته له تطبيقات يمكن تمثلها من حيث الموضوع في صورتين أساسيتين هما دفع غير المستحق والفضالة، وهذا ما سنعالجه في الفصل الثاني.
الفصل الثاني: تطبيقات الاثراء بلا سبب.
ان أهم تطبيقات الاثراء بلا سبب يمكن تمثلها في دفع غير المستحق والفضالة، وهما يعدان في حد ذاتهما متميزتان لهذا النوع من الاثراء.
فمن جهة دفع غير المستحق فهو يعد صورة متميزة من صور الاثراء، فلان المفتقر يدفع دينا ليس واجبا عليه ولكن يعتقد أنه ملزم بدفعه ، فيرجع على المدين الحقيقي بدعوى الاثراء في صورتها العادية، أو يرجع على الدائن الذي دفع له الدين بدعوى غير المستحق وهذه هي الصورة المتميزة لدعوى الاثراء.
أما من ناحية الفضالة فهي ايضا صورة متميزة من صور الاثراء، فذالك لان الفضولي وهو يفتقر ليثري غيره قد فعل ذالك متفضلا عن عمد، فكان أحق بالرعاية من المفتقر الذي لا يتعمد هذا التفضل ولهذا كانت حقوق الفضولي قبل المثري، وهو رب العمل ، أوسع من مدى من حقوق المفتقر في دعوى الاثراء .
لهذا سنعمل على توضيح هذان الصورتان السابقتان وفق التصميم الآتي:
دفع غير المستحق (المبحث الأول)
الفضالة (المبحث الثاني)
المبحث الاول: دفع غير المستحق.
دفع غير المستحق هو أن يدفع شخص ما ليس متوجبا عليه، ظنا منه أنه مدين به بنتيجة غلط في القانون، أو في الواقع، وهو صورة من صور الاثراء بلا سبب، فالمفتقر هنا يسمى الموفي يدفع دينا ليس واجبا عليه، ولكنه يعتقد أنه ملزم بدفعه، فيرجع على الدائن الذي دفع له الدين بدعوى دفع غير المستحق عندما تتوفر شروطه ( المطلب الاول) كما انه بتواجده يترتب عنه جزاءات (المطلب الثاني).
المطلب الاول:شروط دفع غير المستحق.
ان دفع غير المستحق لا يعطي للشخص الحق في رفع دعوى الاسترداد ، الا بتوافر ثلاثة شروط، ألا وهي أن يكون هناك وفاء (الفقرة الاولى) كما يجب أن يكون هذا الوفاء غير مستحق( الفقرة الثانية) الى جانب أن يكون الموفي قد قام بالوفاء ظنا منه انه مدين (الفقرة الثالثة).
الفقرة الاولى: يجب أن يكون هناك وفاء.
الوفاء واقعة مختلطة تجمع ما بين التنفيذ من طرف المدعي لما في ذمته من التزامات، أي قيامه بأعمال مادية، مثل بناء عمارة أو تسليم مبلغ من المال أو نقل شخص بضاعة من مكان لآخر . وبين إجراء تصرف قانوني أي الاتفاق مع الطرف الدائن على قضاء الدين وابراء ذمة المدين .
ان هذه الحالة تطرقت إليها مجموعة من التشريعات العربية والأوروبية ، وقد خصص لها المشرع المغربي الفصل 68 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاءت تقضي في مستهلها: " من دفع ما لم يجب عليه، ظنا منه أنه مدين به كنتيجة في الغلط أو القانون، كان له حق الاسترداد على من دفعه له.." .
وسواء كان هذا الوفاء عينيا ، بأن يدفع مبلغا من النقود محل الالتزام أو يسلم الشيء الذي ينصب الالتزام على تسلمه، أم كان وفاء بما يقوم مقام التنفيذ العيني كالاتفاق
على تجديد الالتزام أو الاتفاق على المقاصة بين الالتزام وبين حق الموفى له كما قد يكون تصرفا معادلا للوفاء، كالوفاء بمقابل، أو التجديد، أو الإنابة، أو المقاصة، وهذا يعني انه ليس من الضروري أن يكون المفتقر قام بوفاء الدين وفاء مباشرا، بل يكفي أن يكون قد أعطى مقابلا للوفاء، أو طلب تحديد الدين، أو لكف أحدا من الغير بالوفاء عنه، ولو لم يكن هذا الغير مدن له، وهو ما يعر بالإنابة أو قاص الدين بدين له على المثري .
وهكذا نجد أن المشرع الموريتاني تطرق الى بعض الحالات التي تعتبر بمثابة الوفاء، وخصص لها المادة 94، بينما نجد المشرع المغربي نص على ذالك في الفصل 74 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيها " يعادل الدفع في الحالات المنصوص عليها أعلاه بـمــقــابــــل إقـــامـــة إحدى الضمانات وتسليم حجة تتضمن الاعتراف بدين أو أية حجة أرخى تهدف الى إثبات وجود التزام أو التحلل منه"
وهذا ما جاء به القضاء المصري في إحدى أحكامه، حيث اعتبر أن الدين كذالك لا وجود له أصلا، اذا تقاضى شريك أرباحا لا يستحقها من الشركة .
الفقرة الثانية: يجب أن يكون الوفاء غير مستحق.
ان الوفاء في خد ذاته هو تصرف قانوني، ومن ثم فان صحته مشروطة بتحقيق جميع أركان وشروط صحة التصرفات القانونية عامة، حيث اذا اختل واحد منها يضحى له الوفاء في حكم غير المستحق، ولمن قام به أن يسترد الموفى به وعدم استحقاق الوفاء عادة ما يتحقق في صورتين هما: انعدام سبب الوفاء وانتفاء رضا الموفى أو تعيبه بأحد عيوب الرضا.
1- انعدام سبب الوفاء:
يقصد بانعدام السبب هنا هو أداء الموفي لدين غير مستحق، وهو ما يؤدي الى بطلان الوفاء ويصير بذالك من حق الموفي استرداد ما أوفى به، والغالب أن ينشا هذا الحق في خمس حالات ، وهي أن يكون الوفاء بدين غفير موجود أصلا أو معلق على شرط، أو أن يكون الدين قد انقضى قل الوفاء به أو أن يكون الدين موجودا بالفعل ولكن أجل الوفاء به لم يحل بعد، وأن يكون الوفاء بين يدي الغير.
أ‌- الوفاء بدين غير موجود أصلا: وهو أن يقوم الشخص بأداء دين ظنا منه أنه موجود ومثاله أن يظن الوارث أن مورثه قد أوصى لشخص معين بمبلغ معين ، فيدفعه له، فيتبين له أن المتوفى لم يوصي بالمبلغ، أو أنه كان قد رجع عن وصيته ، أوأن السند الذي يثبته مزور، ففي هذه الحالة له أن يسترد ما دفعه ، وفق المادة 296 من القانون المدني الأردني، وكذا ما قضت به المحكمة الفرنسية .
ب‌- الوفاء بدين معلق على شرط : أي توفر السبب الحقيقي لأداء الدين، سواء كان هذا الشرط واقف لم يتحقق بعد ، أو أن يكون الدين معلقا على شرط فاسخ وتحقق بعد الوفاء، .
فمن جهة الشرط الواقف فقد أورد المشرع المغربي في المادة 70 من ق.ل.ع والذي جاء فيها: " يجوز استرداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق، أو لسبب كان موجودا ولكنه زال" وهذا ما قضت به المحكمة المغربية في احدى قراراتها كالآتي:" يعتبرا لجفاف قوة قاهرة تعفي المكتري من أداء الكراء للدولة كليا أو جزئيا، حسب ما نص عليه الفصل 70 من قانون الالتزامات والعقود، تكون المحكمة قد عللت قضاءها بما فيه الكفاية حيث صرحت بان النقصان الواقع في المحصول الفلاحي راجع الى حالة الجفاف التي أصابت السنة الفلاحية وأن هذا السبب الأجنبي الذي لم يكن في الوسع ولا توقعه يكون قوة قاهرة تعفي من تنفيذ الالتزام بتمامه

الدفع غير المستحق
(Le paiement de l'indu)

نظم المشرع الجزائري الدفع غير المستحق في المواد من المادة 143 إلـى المادة 149 ق.م وقـد عرفته المادة 143 بنصها على أنه "كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقا له، وجب عليـه رده غير أنه لا مجال للرد إذا كان من قام بالوفاء يعلم أنه غير ملزم بما دفعه إلا أن يكون ناقص الأهلية، أو يكون قد أّكره على هذا الوفاء"(1). ويفهم من هذا النص أن الدفـع غير المستحق هو الوفـاء بدين غير واجب على من وفاه، ولكنه يعتقد أنه ملزم بالوفاء به، ويترتب على ذلك التزام الموفي له برد ما دفع لـه دون وجه حق إلى الموفى، لأنـه لو احتفظ به يعد ذلك اثراءا على حساب غيره.
ويرى السنهوري، أن الدفع غير المستحق هو إثراء كان له سبب ثم انتهى إلى أن يكون بغير سبب ومعنى ذلك أنه يمكن للموفي أن يرجع على المدين الحقيقي بدعوى الإثراء لا سبب في حالتها العـادية أو يرجع على الموفى له بدعوى استرداد غير المستحق.غير أنه وإن كان لهذا الإثراء سبب وهو الوفاء كتصرف قانوني فإنه لو زال سبب هـذا التصرف لأي سبب كـان، كما لو طعن الموفـي بغير حـق فـي هـذا التصرف بعيوب الإرادة، أو يتمسك بشـرط فاسـخ، أو أبطل الـعقد الذي أنشـأ الدين، فإن هـذا التصرف يصبح واقعـة مادية لا تعد سببا للإثراء وأمكـن
________________________________________________
طلب التعويض على أساس الإثـراء بلا سبب. ويشمل التعويض هنا استرداد ما دفع بغير بحق(1).
وبعد هذه النظرة على الدفع غير المستحق، نتناول بالدراسة في مطلبين مستقلين شروط قيام الدفع غير المستحق، وأحكامه.
المطلب الأول
شروط قيام الدفع غير المستحق.

لقيام الدفع غير المستحق وتحققه يجب توافر الشروط الآتية:
- أن يكــون هنــاك وفــــــاء.
- أن يتــم الوفــاء بديـن غير مستحق.
- أن يعتقد الموفي بوجوب قيامه بهذا الوفاء.
الفرع الأول
أن يكون هناك وفاء.

يقصد بالوفاء كل تصرف قانوني يقوم به الموفي يترتب عليه الوفاء بدين يعتقد أنه في ذمته ويأخذ الوفاء عـدة صور، فيكون بتقديم عقـار أو نقود أو أشياء مثلية، أو أداء عمل، كمـا يمكـن أن يكون وفـاء بمقابل، أو تجديدا، أو مقاصة، أو إقرار جديد بالدين، ولهذا جاءت المادة 143 ق.م عامـة فـي صيـاغتها إذ نصت على أنه "كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقا له وجب عليه رده".
فالعبرة إذن حسب ما تقدم هي بحصول الوفاء، مهما كان نوعه فيؤدي إلى التزام من تلقى هذا الوفـاء يرد ما تسلمه، وإذا حصل أن أنكر الدائن دعوى المدين، فإنه يقع على هذا الأخير عبء إثبات حصول الوفاء، طبقا للقواعد العامة في إثبات التصرفات القانونيــة.
وبناء عليه إذا لم يتحقق الوفاء بالطريقة المذكورة، فإن القاعدة العامـة في الإثراء بلا سبب هـي التي تطبق، وليس قاعدة الدفع غير المستحق.
إضافة إلى ذلك يجب أن لا يقصد الموفى بغير حق من وفائه التبرع إذ أنه لو قصد ذلك لأعتبـر تصرفه هبة، ويكون صحيحا بها، ومن ثم فلا محل لاسترداد غير المستحـق، وهو مـا نصت عليـه المـادة 143/2 ق.م بقولها "غير أنه لا مجال للـرد إذ كـان من قـام بالوفاء يعلم انـه غير ملزم بمـا دفعه، إلا أن يكون ناقص الأهلية، أو يكون قد أّكره علـى هذا الوفـاء".
___________________________________
(1)- د/عبد السيد تناغو-المرجع السابق، ود/علي علي سليمان-المرجع السابق-فقرة 161.
الفرع الثاني
أن يتم الوفاء بدين غير مستحق.

نصت المادة 144 ق.م بأنه "يصح استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء تم تنفيذا لالتزام لم يتحقـق بسببه، أو لالتزام زال سببه"، ويتضح مـن هذا النص أن دفـع غير المستحق هو وفاء تـخلف فيه ركـن السبب، وهو أحد شروط صحته القانونية، بوصفه تصرفا قانونيا.كما لو صدر من ناقص الأهلية، أو كان مشوب بعيب من عيوب الإرادة(1)، و السبب قد لا يتحقق أصـلا، أو قد يتحقق ثم يزول فيمـا بعد ولـذلك فيمكن أن يحصل الوفاء بغير المستحق وقت استحقاقه أو بعد أن يصبح غير مستحق.(2)
وهناك عدة حالات يكون فيها الدين غير مستحق وتجوز المطالبة باسترداده، وذلك في الحالات الآتيـة:
أ/إذا كان الدين غير موجود أصلا:
كما لو أن وارث ينفذ وصيته لمورثة، ويتضح فيما بعد أن الموصى قد عدل عـن الوصيـة قبل موته(3)، فيكون الدين في هذه الحالة منعدما بالنسبة للدافع وبالنسبة للمدفوع له، كما لا يكون للدين وجود إذا كان دينا وهميا، أو دينا طبيعيا، أو كان مصدره عقدا باطلا، ومثـال ذلك الدين الطبيعي، وهو دين غير واجب الأداء، فإذا أداه المدين عن غلط يستطيع استـرداده أمـا إذا أداه اختيارا فليس له أن يسترده، وهو ما ورد في المـواد 160-163 ق.م.
ب/إذا كان الدين مؤجل الاستحقاق.
يكون الدين في هذه الحالة معلقا على شرط واقف، أو مضافا إلى أجل واقف، ويقوم المدين بالوفاء به قبل تحقق الشرط أو بعد تخلفه، فيجوز له استرداده قانونا، وهذا ما نصت عليه المادة 145 ق.م، أمـا إذا كان الدين معلقا على شرط فاسخ أو كان مقترن بأجل فلا يمكن استردادهما إذا وفيا وفي ذلك نصت المادة 145 ق.م على أنه "لا يمكن للدائن أن يطالب بحق مؤجل قبل حلول أجله أما إذا تم الوفاء معجلا فلا يجوز استرداد ما دفع حتى ولو كان المدين يجهل الأجل، وفي هذه الحالة يجوز للمديـن أن يطالب فـي حدود الضرر اللاحق به، برد مبلغ الإثراء الذي حصل عليه الدائن بسبب هذا الوفاء المعجل".
ج/إذا وجد الدين ولكنه انقضى قبل الوفاء به بأحد أسباب الانقضاء.
كأن ينقضي الدين بالمقاصة، أو التقادم أو باتحاد الذمة...أو إذا زال سببه بأثر رجعـي،
_______________________________________________
(1)- نقض مدني فرنسي.17/07/1984.دالوز.1985. 298.
(2)- انظر حكم محكمة باتنة الصادر بتاريخ 26/11/1996.في قضية رفم1337/93.الملحق
(3)- ومن أمثلة الدين الذي لا وجود له، تقاضي شريك أرباحا لا يستحقها من الشركة أو أن مصلحة الضرائب تقاضت ضريبة لا تستحقها أو أكثر مما تستحق.
كمـا في العقد الباطل(1)، ومثل ذلك قيام المورث في حياته بالوفاء بالدين، ولم يعثر الوارث على مـا يثبت وفـاء مورثه فيوفيه مرة أخرى. ويلاحظ أنه في حالة الوفـاء بدين غير مستحق، لا يتصور فيه غلط الموفي لأنه حين وفـى كـان ملتزما بذلك، ومن ثم تقوم له قرينة على هذا الغلط تعفيه من عبء إقامة الدليل عليه(2) .
الفرع الثالث
اعتقاد الموفي بوجوب قيامه بهذا الوفاء.

الأصل أن لا يوفي الشخص دينا ما إلا إذا كان يعتقد بأنه مستحق وواجب الأداء، غير أنـه في حالـة دفع غير المستحق، فإن الدافع يقع في غلط يجعله يعتقد وقت الدفع أنه مـلزم بأداء الدين وقـد جعـل المشرع له قرينة قانونية، إذ أن غلطه مفترض لا يكلف بإثباته شريطة ألا يكون قد قصد بوفائه التبـرع فيكفي أن يثبت أن لا وجود لدين مستحق وقت الدفع، كي تقوم هذه القرينة فضلا على أنه يجوز له الطعن في التصرف بعيوب الإرادة، والمطالبة بالتعويض على أساس الإثراء بلا سبب.
أمـا المـدفوع لـه فـلا يشتـرط فيـه الـغلط، فسـواءا كـان حسـن أو ســيء النيــة (mauvaise foi) فإنه ملزم برد ما دفع لـه دون وجه حق، غير أن المشرع مكنه من إثبات عـكس القرينة الممنوحة للدافع، فيجوز له أن يثبت علم هـذا الأخير وقت الدفع بعدم التزامه بذلك (المادة 143 ق.م).إلا إذا كان ناقص الأهلية أو أّكره على الوفاء، وبالتالي فكلما زال سبب الاستحقـاق بطل الوفـاء، بالـدين ومن ثم زال سبب نقله من ذمة إلى ذمة ومتى حصل ذلك كـان إثراءا، ووجب استرداده(3).
المطلب الثاني
أحكـام الدفـع غيـر المستحـق.

إن الدفع غير المستحق كما سبقت الإشارة إليه ما هو إلا تطبيق لقاعدة الإثراء بلا سبب، وإنه في حالة دفع غير المستحق، تكون قيمة افتقار الدافع (الدائن) تساوي قيمة إثراء المدفوع له (المدين) فيلـزم هذا الأخير برد ما تسلمه.
________________________________
(1)- إذا تقرر إبطال العقد أو نسخة (م103 ق.م) فإنه يزول بسبب الدين ويسترد الدافع ما دفعه.
(2)- أنظر(محمد صبري السعدي)-المرجع السابق-ص272.
(3)- راجع (قرار المحكمة العليا بتاريخ 31/12/1990 ملف رقم 71015 م.ق عدد 2. ص120).
وإذا مـا توافرت شروط الدفـع غير المستحق السابقـة ذكرهـا، جـاز للدافع المفتقر أن يرفـع دعـوى على المدفوع له المثرى لاسترداد مـا دفع، وهذه الدعـوى غالبا ما تكون دعـوى شخصيـة إذا كان ما دفعه نقودا أو شيئا مثليـا، كمـا يمكن أن تكون دعوى عينية إذا نقل الدافع ملكيـة شـيء معين بالذات فيطالب فيها باستحقاق الشيء المملوك له، كما أن لهذه الدعوى أجل تسقط فيه، وهو ما سنتناوله فيمـا يأتـي.
الفرع الأول
دعوى استرداد غير المستحق(*).
(L'ACTION EN REPETITION DE L'INDU)

دعوى استرداد غير المستحق هي الدعوى التـي تنشأ للدافع قبل المدفوع له لاسترداد ما دفعه بغير وجه حق، غير أن الأثر يختلف بحسب ما إذا كان المستلم لغير المستحق حسن النية أو سيء النية فضلا على أن هناك حالتان خاصتان نص عليها المشرع وهما حالة الوفاء بدين مؤجل قبل حلول أجلـه، وحالة الوفاء لناقص الأهلية وسنورد كل الحالات فيما يلـي:
أ/إذا كان الموفي له حسن النية:
وحسن النية مفترض في هذه الحالة، وإذا ادعى الموفي عكس ذلك فعليـه أن يثبت بكافـة طـرق الإثبات. ويزول افتراض حسن النية إذا رفعت الدعوى، فإنه منذ تلك اللحظة يصير الموفى لـه سـيء النيـة.
وإن تقدير حسن أو سوء النية يعود لقضاة الموضوع لأنها من مسائل الـواقع ولا رقـابة للمحكمـة العليا عليهم(1).
والمدفوع له حسن النية لا يلتزم إلا برد ما تسلمه إذا كـان ما دفـع لـه نقـودا أو أشيـاء مثليـة - أغلالا أو أقطافا- فيرد مقدار النقود دون الاعتداء بتغيـر سعرهـا، ويـرد القدر الذي أخذه من الأشياء المثلية(2).أما الثمار والفوائد فلا يلتزم بردها ما دام قد تملكهـا بالقبض وبحسن نية فالحائز حسن النية لا يلتزم برد الثمار(3).
أما إذا كان المدفوع عقارا أو منقولا معين بالذات فإن الموفى له يلتزم برد العين إذا وجدت مـا لم يكن قد تملكها بالحيازة أو بالتقـادم المكسب (المادتين828. 835 ق.م)، أمـا إذا هلكت العين أو تلفـت أو ضاعت في يده، فلا يكون مسؤولا إلا إذا وقع بخطأ منه، وعلى الدافع إثبات ذلك الخطأ (م.842.ق.م).
_____________________________
(*)- راجع ما قلناه بصدد الحديث عن طرفا الدعوى في الإثراء بلا سبب.
(1)- قرار المجلس الأعلى.غ.م 27/10/1987 سبق ذكره.
(2)- د/السنهوري.مرجع سابق.ص 1320.
(3)- انظر( المادتين.837. 838 .ق.م ).
أمـا إذا خرجت العين من يد من دفع له إلى يد أخرى، كأن تصرف فيها بالبيع فلا يلتزم إلا بدفـع الثمن الذي تلقاه من المشتري إلى الموفي، على أنه يجب على الموفي إذا استرد العين أن يدفع للموفـي له ما أنفقه من المصروفات الضرورية والنافعة التـي أنفقها للمحافظة على العيـن (م 839 ق.م ).
وإذا كان الموفى له حسن النية فلا يلزم بتعويض مقابل ما انتفع به بالشيء عند رده للموفـي طبقـا للمادة (842/1 ق.م) أما العلاقة بين الذي دفع والغير، فانه طبقا للقواعد العامة إذا تصرف المـدفوع له لفائدة الغيـر، فإن تصرفـه لا يحتـج به قبـل الموفـى لأنـه صـدر مـن غير مالك، ويجـوز للموفي أن يسـترد العيـن مـن الغيـر بدعــوى الاستحقـــاق. . (Action en revendication)
ب/إذا كان الموفى له سيء النية.
يقصد بسوء النية أن يعلم من تسلم غير المستحق أنه تلقى ما ليس لـه فيه حق، وفي هذه الحالـة يقـع على الذي دفع له عبء إثبات سوء نيته، ويلتزم الموفى له سيء النيـة بالرد حسب طبيعة الشيء الـذي تسلمه المدفوع لـه. فإذا كان نقودا أو أشياءا مثلية وجب عليه رد قيمتها وكذا الفوائد والأرباح التي جناها من يوم الوفاء أو من اليوم الذي أصبح فيه سيء النية(1).وهو ما نصت عليه المادة ( 147/2 ق.م). أما إذا كان المدفوع عينا معينا بالذات، فـإن الموفى له سيء النية ملزم برد العين مـا دامـت قائمـة ورد ثمارها المتولدة عنها من يوم الوفاء(2)، ولا يجوز له استرداد المصروفات التي أنفقها علـى العين إلا في حدود ما يجوز للحائز سيء النية من استرداد.
كما أنه يكون مسؤولا عن العين إذا هلكت أو تلفت أو ضاعت على يديه و لـو حدث ذلك علـى إثر قوة قاهرة، إلا إذا أّثبت أن العين هالكة حتى ولو بقيت تحت يد مستحقها (م 843 ق.م).
وإذا حدث وأن تصرف الموفى له سيء النية في العين فإنه يكون ملزما برد العين لصاحبها الموفى أو قيمتها إذا استحـال ردهـا، ويمكن لـهذا الأخير الرجوع عليـه بدعوى الاستحقاق إلا إذا كسـب المتصـرف إليه العين بسبب آخر.
ج/حالتان خاصتان نص عليهما المشرع في المادتين 145. 148 ق.م.
وهاتان الحالتان هما: حالة الوفاء بدين مؤجل وحالـة الوفـاء لناقص الأهليـة.
* حالة الوفاء بدين مؤجل:
نصت على هذه الحالة المادة 145 ق.م، والقاعدة العامـة في القانون المدني الجزائري "أنـه إذا وفى المدين دينا مؤجلا مع علمه بقيام الأجل اعتبر ذلك نزولا منه عن الأجل".
___________________________
(1)- قضي في مصر" بأن الموفى له يعتبر سيء النية من تاريخ علمه بأن ما تسلمه غير مستحق له أو من تاريخ إعلامه بالطعن في الحكم أو القرار المشمول بالنفاذ المعجل والذي استوفى المال المطلوب استرداده نفاذا له" نقض في 27/03/1969، رمضان أبوالسعود. المرجع السابق.ص481.
أما إذا كان المدين يجهل قيام الأجل، أو كان قد أكره على هـذا الوفاء فلـه أن يرجع على الدائـن بدعوى غير المستحق، وفضلا عن هذا يجوز للدائن أن يقتصر على رد ما استفاده بسبب الوفاء المعجل في حدود ما لحق المدين من ضرر، وبذلك تتحقق مصلحة الدائن من اتقاء إعسـار مدينه دون إضرار بـهذا الأخير(1)، فإذا كان الدين الذي تم الوفاء بـه نقودا، وكان قبل حلول الأجل كان للدائن أن يرد فائدة ما وفي له بالسعر القانوني أو الاتفاقي بدلا من رد ما استوفاه.
وإن كان الدين الذي تم الوفاء به قبل حلول الأجـل، مثلا بناء التزم المقاول بتسليمه كان للدائن بدلا من رد البناء أن يرد للمدين قيمة إيراد البناء خلال المدة المتبقية أو قيمة النفقات الإضافية التي تكبدهـا هذا الأخير في سبيل تسليم البناء في التاريخ الذي سلم لـه(2).
*حالة الوفاء لناقص الأهلية.
لم يشترط المشرع الجزائري الأهلية في مـن يدفع غير المستحق، حتى أنـه لو دفع وهو غير أهل لذلك فإنه يمكنه استرداد ما دفعه، أما المدفوع له لا تشترط فيه الأهلية أصلا، ويقوم التزامه بالرد رغم نقص أهليته لأن التزامه بالرد لا يقوم على إرادته، بل ينشأ من واقعة تسلمه ما ليس مستحقا له وتحكمه قاعدة الإثراء بلا سبب.
غير أن المشرع رغم هذا ورعاية منه لناقص الأهلية ولمصلحته فقد خرج عن هذه القاعدة وجعلـه يلتزم فقط بما عاد عليه من نفع فعلا لا حكما، إذ نصت المادة 148 من ق.م على أنـه" إذا لم تتوافـر أهلية التعاقد فيمن تسلم غير المستحق فلا يكون ملزما إلا بالقدر الذي أثري به".
وبناء عليه فإن المدفوع له إذا كـان ناقص الأهلية، وتسلـم عينا بالذات فهلكت العين، أو تلـفت أو ضاعت بغير خطئه، أو تبرع بها أو حدثت قوة قاهرة، فلا يكون ملزما بأي شـيء قبل الدافع حتى ولو كان سيء النية، كما أن ما فقده دون أن ينتفع به لا يدخل في تقدير إثرائه وفقـا للمبدأ العام في قـاعدة الإثراء بلا سبب. أما إذا كان التلف أو الهلاك أو الضياع راجع إلى خطئه فيسأل عنه مسؤولية تقصيرية طبقا للمادة 125 ق.م(3).
ويعد من أمثلة انتفاع المدفوع له ناقص الأهلية بالمدفوع، أن يوفي به دينا عليه، أو ينفقه فـي ترميـم عقاره....الـخ. وفي الإثبات إذا كان المدفوع له ناقص الأهلية فـإن عبء الإثبات يقع علـى من دفع فيثبت مـدى إثراء ناقص الأهلية بما دفع لـه.
__________________________
(1)- أنظر( المواد 95.186.103.ق.م.ج).
(2)- د/بلحاج العربي.مرجع سابق.ص،د/موريس نخلة.الكامل في شرح القانون المدني.ج3، د/عبد الناصر توفيق العطار.مصادر الالتزام.ص224.
(3)- تم تعديل المادة 125 ق.م بموجب القانون رقم 05/10 " لا يسأل المتسبب في الضرر الذي يحدثه، بفعله أو امتناعه، أو بإهمال منه، أو عدم حيطته إلا إذا كان مميزا"..
الفرع الثاني
سقوط دعوى استرداد غير المستحق.

تخضع دعوى استرداد غير المستحق للقواعد العامة في انقضائها وسقوطها، ولأن استرداد غيـر المستحق من تطبيقات الإثراء بلا سبب فإن دعواه تسقط بنفس المدة التي تسقط بها دعوى الإثراء بـلا سبب، وهي عشر سنوات من يوم علم الموفي(الدافع) بحقه في الاسترداد، وبانقضاء خمس عشرة سنـة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق، غير أن هناك وجه آخر للسقوط يختلف عن دعوى الإثراء بلا سبب ويتعلق يتجرد الموفى له حسن النية من سند الدين أو من تأميناته، أو تركه دعواه تسقط بالتقـادم. وفـي ذلك نصت المادة 146 ق.م على أنـه "لا محل لاسترداد غير المستحق إذا حـصل الوفاء من غيـر المدين وترتب عليه أن الدائن، وهو حسن النية، قد تجرد مـن سند الدين أو ممـا حصل من التأمينات أو تـرك دعواه تسقط بالتقادم قبل المدين الحقيقي، ويلتزم المدين الحقيقي في هذه الحالة بتعويض الغير الذي قام بالوفاء".
وفي الحالات التي نصت عليها المادة 146 ق.م، فـإن حق الدافع في الرجوع على الدائن بدعوى استرداد غير المستحق يسقط، رغم أن الوفاء لم يتحقق سببـه، ذلك لأن الدائن حسن النية قد تجرد مـن سلاحـه ضد المدين، والعبرة في ذلك أنـه لـو أجيز لمن دفع غير المستحق أن يسترد ما وفـاه مـن الـمدفوع له الدائن بدعوى غير المستحق لما أمكن للدائن أن يرجـع على المدين، لفقده سند الديـن أو ضاع منه تأمينه...الخ.وكأن المشرع في هذه الحالة أحاط الدائـن حسن النية بحماية خاصة فرجح حقه على حق الموفي وألزم المدين الحقيقي بتعويضه(1). ولا يمنع مـا سبق مـن رجوع الموفى(الدافع) على المدين الذي وفي عنه الدين لأن ذلك يعد إثراءا في جانبه على حساب الموفي، غير أن الفقه يشترط في حالة السقوط بالتقادم أن تكون هناك مخـالصة تثبت وفاء الدين، وتكون ثابتة التاريخ وذلك تجنبا للغش أو التواطىء الذي قد يلجأ إليه الدائن بعد أن يـسقط حقـه بالتقادم، ويفيد ثبوت تاريخ المخالصة فـي معرفة ما إذا كان الوفاء تم قبل تقادم الدين أو بعـده.وتجدر الإشارة إلى أن الجهل بالحق في استرداد ما دفع بوجه حق لا يمنع من سريان مدة التقادم، ومن ثم فإن هذا الجهل لا يمكن أن يكون من الموانع التي يترتب عليها وقف التقادم بعد سريانـه.



ليست هناك تعليقات: