الفرق بين العطلة والاجازة مع دليل على عدم جواز نظر الدعاوى الجزائية في العطلة القضائية وفقا للقانون اليمني


الفرق بين العطلة والاجازة •
""(دليل آخر على عدم جواز نظر الدعاوى الجزائية في العطلة القضائية)""
نُشير هنا إلى دليل قانوني آخر يؤكد انتفاء ولاية المحاكم الجنائية عموماً وقاضي الأمور المستعجلة خاصة في نظر الدعاوى الجنائية أثناء العطلة القضائية ومنها شهر رمضان المبارك الذي يعتبر عطلة قضائية بقوة القانون ومؤدى ذلك: أن النهي قد ورد صريحاً بما قررته المادة (73) من قانون السلطة القضائية إذ نصت في شطرها الأخير على أنه (( ولا تنظر خلال العطلة القضائية إلا القضايا المستعجلة))
والمستفاد من النص القانوني أن مدة الشهرين في السنة لم تمنح للقضاة على أساس أنها إجازة قضائية وإنما باعتبارها ((عطلة قضائية)) واختيار المشرع لمصطلح "عطلة" لم يكن على سبيل المصادفة بل كان اختياره مدروساً وبعناية فائقة لاختلاف وتباين مصطلحي "العطلة القضائية" و "الإجازة القضائية" في المعنى وفي الدلالة فجاء اختيار مصطلح "العطلة" بدلاً عن "الإجازة" كاشفاً عن غاية المشرع ومعبراً عن ارادته في أن تكون المحاكم القضائية موقوفة عن ممارسة العمل القضائي لمدة شهرين في السنة، ويصبح القاضي خلال تلك الفترة ممنوعاً من نظر الخصومات والدعاوى الموضوعية المطروحة على المحاكم أياً كان نوع تلك الدعاوى جنائية أو مدنية أو تجارية.
ويعتبر هذا المنع مؤقتاً خلال مدة الشهرين اللذان أقرهما القانون عطلة قضائية لا "إجازة قضائية" لعدة اعتبارات أهمها: أن مصطلح "العطلة" مشتق من الفعل "عَطَّلَ" ويقال في اللغة: عطل القوس أي نزع الوتر عنها ويقال: عُطّلَت الحدود أو الثغور أي تُرِكت بلا حامية لها: وتعطيل الشيء تفريغه عن محتواه: ومن ثم فإن تعطيل مرافق الدولة في مناسبات معينة ومحدودة قانوناً يعني نزع موظفيها عنها أو تركها بلا موظفين بإيقافهما عن أداء ما وجدت لأدائه وعليه فالتعطيل في تلك المناسبات يكون للأجهزة وليس للعاملين بها، بمعنى أن الموظفين لا يستطيعون التواجد في مقار أعمالهم أثناء تلك المناسبات وأن استطاعوا التواجد فلا يجوز لهم ممارسة مهامهم المعتادة فإن فعلوا كان عملهم في حكم العدم.
وهذا ما ينطبق على القضاة الذين يحظر عليهم ممارسة العمل القضائي خلال العطلة القضائية، وفي هذا المعنى يقول القاضي الدكتور/ عبدالملك الجنداري في بحث منشور له في مجلة المحاماة العدد الرابع يونيو – يوليو 2004م صـ(15) تحت عنوان "الفرق بين العطلة والإجازة" إذ يؤكد ما لفظه حرفياً:
[وما أسلفناه ينطبق على العطلة القضائية، يؤكد هذا ما جاء في النص من أنه (لا تنظر خلال العطلة القضائية إلا القضايا المستعجلة)، فالنهي هنا يفيد عدم جواز نظر غير ما استثناه القانون وهي الأمور المستعجلة، ويترتب على مخالفة هذا النهي انعدام أي إجراء قضائي اتخذ في مسألة غير مستعجلة، أي في قضية عاديه. وعلة ذلك تقييد الولاية من حيث الزمان وهو زمن العطلة القضائية، لهذا نص المقنن في المادة (8) مرافعات بأن (يتقيد القاضي في قضائه بالقوانين النافذة ويجب عليه تنفيذ أحكامها) ومادام القانون قد منع القضاء أثناء العطلة القضائية، فإن ولاية القضاة تكون مقيدة طوال تلك الفترة، ولأن الشريعة الإسلامية مصدر جميع القوانين – بما فيها قانون السلطة القضائية – فإن الأساس الشرعي للنص الذي نحن بصدده هو حديث الرسول صلى الله عليه وعلى آلة وسلم: (لا يقضي القاضي بين أثنين إلا وهو شبعان ريان). وقوله: (لا يقضي القاضي وهو غضبان) ولما كان والجوع والعطش قريني الصيام، ولأن لجاجة ولدد الخصوم في ظل الجوع والعطش قد يورث غضب القاضي من جهة وغضب بعضهم على بعض مما قد يؤدي إلى فتن ونحوها، لكل ذلك كان من الطبيعي ألا يقضي القاضي في رمضان، فإن فعل فقد خالف نهي النبي صلى الله عليه وعلى آلة وسلم، أما المسائل المستعجلة فيجوز له نظرها لأنها ليست قضاء وإنما أمور تقتضي طبيعتها المستعجلة اتخاذ إجراءات وقتية لا تمس أصل الحق. نخلص من كل ما سبق إلى أن العطلة – سواءً كانت قضائية أو رسمية – هي وقف وجوبي عن العمل خلال فترة زمنية يحددها القانون إما لأسباب دينية أو وطنية، بخلاف الإجازة فهي توقف اختياري في الوقت الذي يحدده الموظف، بمعنى آخر أن العطلة واجب أما الإجازة  فحق وبذلك تكون القضايا الجنائية موقوفة بقوة القانون طوال مدة الإجازة القضائية باعتبارها قضايا موضوعية تحتاج إلى تحقيق قضائي لا يمكن أن يتم إلا من خلال جلسات محاكمة مستمرة ومتتابعة حتى يتم الفصل فيها بحكم قضائي إما بالإدانة أو البراءة، وذلك يختلف تماماً عن القضايا المستعجلة اختلافاً جذرياً في موضوعها وفي إجراءات نظرها إذ يقتصر موضوع الدعوى المستعجلة ومحلها على تدبير وقتي وتحفظي يأمر به قاضي الأمور المستعجلة بمجرد الاطلاع على ظاهر الأوراق دون الحاجة إلى إجراء تحقيق قضائي موضوعي ويصدر الحكم في الدعوى المستعجلة خلال (24) ساعة وتلك المعايير والمعطيات لا يمكن إعمالها وتطبيقها في مجال الدعاوى الجنائية لمجرد أن قانون الإجراءات الجزائية يوجب على المحكمة أن تنظر الدعوى بإجراءات المحاكمة المستعجلة لأن غاية المشرع من ذلك حث المحكمة على سرعة الفصل في القضية الجنائية وذلك لا يعني بالضرورة إعتبار الدعوى الجزائية ضمن الدعاوى المستعجلة ، فنظر الدعوى بإجراءات المحاكمة المستعجلة شيء واعتبارها دعوى مستعجلة شيء آخر.
((القاعدة التي حددتها المحكمة العليا لاحتساب المواعيد))
من اجتهادات المحكمة العليا في تفسير القانون
كغيره من التشريعات كان قانون المرافعات السابق رقم (28) لسنة 1992م يأخذ بقاعدة امتداد الميعاد إلى أول يوم عمل اذا صادف آخر يوم في الميعاد عطلة رسمية أو إجازة قضائية ، أما قانون المرافعات النافذ رقم (40) لسنة 2002م فقد انفرد بوضع قاعدة جديدة لاحتساب الميعاد مؤداها : ان العطلات الرسمية والقضائية التي تخللت الميعاد تؤدي الى ايقافه طبقا لما نصت عليه المادة (111) من قانون المرافعات بقولها [العطلات الرسمية والقضائية توقف المواعيد] ومع أن هذه القاعدة واجبة التطبيق على كافة المواعيد سواء كانت المواعيد مقررة للطعن بالأحكام أو مواعيد سقوط الخصومة طالما وان لفظ (المواعيد) ورد في المادة (111) سالفة الذكر بصيغة الجمع والعموم الذي يشمل كافة المواعيد المنصوص عليها في قانون المرافعات دون استثناء أو تخصيص ميعاد بعينه لأن ذلك لا يتقرر الا بنص قانوني آخر طبقا للقاعدة الاصولية التي تقضي ببقاء العام على عمومه ما لم يتقرر تخصيصه بنص قانوني أو قرينة قاطعة تصرفه عن العموم ولهذا تبقى قاعدة الايقاف المنصوص عليها بالمادة (111) مرافعات سارية على كافة المواعيد القضائية المنصوص عليها في قانون المرافعات ولعل ورود نص المادة سالفة الذكر ضمن الاحكام المنظمة للحضور والغياب في قانون المرافعات قد اثار اللبس لدى البعض في فهم وتحديد المواعيد المقصودة في النص القانوني بين من يرى أن مواعيد الحضور والغياب هي المقصودة في النص القانوني دون مواعيد الطعن بالأحكام وبين من يرى تطبيق النص القانوني على كافة المواعيد الاخرى بما فيها ميعاد الطعن في الاحكام وما بين هذين الاتجاهين برز التباين والتعارض في الاحكام الصادرة عن المحكمة العليا بشأن تطبيق نص المادة (111) سالفة الذكر الى ان تم حسم ذلك التباين والاختلاف بالقرار الصادر عن الجمعية العمومية بالمحكمة العليا برقم (2) وتاريخ 9/3/2010م والذي قضى باعتبار نص المادة (111) من قانون المرافعات واجبة التطبيق على كافة المواعيد المنصوص عليها في قانون المرافعات مع مراعاة أن قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا سالفة الذكر يعتبر في مرتبة التشريع الملزم للمحاكم طبقا لما نصت عليه المادة (302) من قانون المرافعات والمادة(452) من قانون الاجراءات الجزائية التي نصت في شطرها الاخير على انه [ كما لا يجوز لمحاكم الموضوع في جميع الاحوال ان تحكم بغير المبادئ التي قررتها الجمعية العمومية للمحكمة العليا].
ولهذا فقد حرصت على نشر الحكم المفسر لنص المادة (111) مرافعات تحقيقا للفائدة المرجوة في اوساط رجال القانون ونأمل من المحكمة العليا القيام بواجبها في نشر كافة الاحكام القضائية الصادرة عن الدائرة العمومية بالمحكمة العليا من تلقاء نفسها نظرا لأهميتها ودورها الالزامي في التشريع.

حث حول قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته غي الفقه والقانون اليمني واحكام المحكمة العليا


بحث حول قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته
أولا: المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته
هو قيام الشخص نفسه في أثناء حياته بحصر أمواله وتثمينها ثم يقوم بتقسيمها بين ورثته المحتملين سواء تمت القسمة بواسطته او بواسطة شخص يكلفه بإجراء القسمة وكتابة الفصول.
ثانيا: الدافع لقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:
1-   الخوف من استئثار بعض الورثة دون البعض بالميراث
2-   الخوف من اختلاف الورثة في تقسيم الميراث
3-   رغبة الشخص في جبر ضعف بعض الورثة وتعويضهم
4-   رغبة المؤرث في المساواة بين الورثة ذكوراً وإناثا
5-   رغبته في تقدير سعاية أحد الورثة الذي سعوا في نماء وزيادة المال
6-   واخيرا فانه لا يستبعد أن يكون الدافع على إجراء هذه القسمة حرمان بعض الورثة من أنصبتهم الشرعية أو إنقاصها
ثالثا: مميزات قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:
1-   انها تكون في أثناء حياة المؤرث وليس بعد موته.
2-   انها لا تتم بنظر القضاء
3-   انه لا يستطيع أحد مطالبة المؤرث بقسمة امواله اثناء حياته.
رابعا: صور قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته لها صورتين
الأولى: أن يقوم الشخص بقسمة ماله على ورثته المحتملين بإرادته المنفردة ويعطي كل واحد من هؤلاء الورثة المحتملين ما يخصه حيث يقوم هؤلاء بقبض هذه الأموال والتصرف فيها أثناء حياة المؤرث، فعندئذ يكون هذا التصرف من قبيل العطية للأولاد أو الهبة لغير الأولاد.
الثانية: يقوم الشخص في أثناء حياته بقسمة ماله على ورثته المحتملين ويطلب منهم التوقيع على وثيقة القسمة بما يفيد رضاهم بذلك وموافقتهم عليها، ولكنه لا يمكن الورثة من الأموال التي حددها لهم في الوثيقة ولا يقبضونها، فهذا التصرف يندرج ضمن الوصية وتنطبق عليه أحكامها.
خامسا: الفرق بين قسمة الإنسان ماله أثناء حياته والعطية والهبة والوصية والميراث
·       الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والعطية والهبة:
العطية هي ما يعطى الوالد لأولاده خاصة أثناء حياته وتجب فيها المساواة.
 أما الهبة فهي المال الذي يهبه الشخص لغير أولاده ولا تشترط فيها المساواة. ويشترط لنفاذ العطية والهبة أن يقبضها المعطى له أو الموهوب له.
وعلى هذا الأساس فان قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته إذا انحصرت على الأولاد فقط فكان هؤلاء هم كل الورثة المحتملين للشخص فعندئذ يكون هذا التصرف من قبيل العطية الخالصة، وتنطبق على هذا التصرف أحكام العطية.
 أما إذا كان هناك ورثة محتملون غير أولاد الشخص فيكون التصرف بالنسبة لهم هبة، في حين يكون هبة خالصة إذا لم يكن للشخص أولاد وكان له ورثة محتملون من غير الأولاد.
·       الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والوصية
الوصية
قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته
تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ
فهو تصرف يتم وينفذ في أثناء الحياة
تكون لغير الورثة فلا وصية لوارث
تكون للأولاد والورثة المحتملين
لا تشترط فيها المساواة
المساواة مشروطة في القسمة أثناء الحياة عندما يكون الورثة المحتملون هم الأولاد.

·       الفرق بين الميراث وقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته
الميراث
قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته
له احواله بعد موت المؤرث
يكون على سبيل العطية أو الهبة
فرض قدره الله
تطوعٌ وليست فرضًا
الشخص في الميراث يكون راضيًا بما فرضه الله تعالى
التفضيل فيه يورث الوَحشة
التُّهمة في قسمة الميراث مُنتفية
التُّهمة في قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته واردة
يحصل التمليك في الإرث بمجرد الموت ولو لم يرض الوارِّث أو المؤرث
هي على سبيل الاختيار ولا تنعقد إلا برضا طرفي العقد

سادسا: حكم قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته عند العلماء:
منهم من قال بعدم جوازها مطلقا،
ومنهم من قال يجوز للشخص قسمة أمواله أثناء حياته شريطة أن يتم ذلك كقسمة الميراث تماماً،
ومنهم من قال يجوز للشخص قسمة أمواله في أثناء حياته على أن يتم ذلك على سبيل العطية أو الهبة التي يتساوى فيها الأولاد ذكورا وإناثا شريطة أن يتم التقسيم في غير مرض الموت وان يقبض كل واحد ما يخصه من العطية أو الهبة في أثناء حياة المؤرث، ومنهم من قال انها مكروهة.

سابعا: حكم قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته في القانون اليمني:
لم يتعرض القانون اليمني لهذا الموضوع صراحة ولكن وردت في القانون المدني اليمني وقانون الأحوال الشخصية نصوص عامة نوردها على النحو الاتي:
اولا: القانون المدني
نظم القانون المدني قسمة الأموال بين الورثة والشركاء على الشيوع في المواد من (1197) إلى(1223) وعند الدراسة والتدقيق لفحوى تلك النصوص نجد أنها لم تتعرض لهذا الموضوع، أي أنها لم تأمر به كما أنها لم تمنعه، وطبقاً للقواعد العامة الحاكمة للقانون المدني وخاصة قاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة) المنصوص عليها في المادة (11) من ذلك القانون(48)، يفهم من خلال ذلك أن القسمة في أثناء حياة المؤرث مباحة أي جائزة.
ثانيا: قانون الأحوال الشخصية
اشار قانون الاحوال الشخصية في سياق تنظيمه للهبة والوصية إلى قسمة الإنسان لماله في أثناء حياته
1-   تنظيم القسمة في أثناء حياة المؤرث ضمن أحكام الهبة:
عرف قانون الأحوال الشخصية الهبة في المادة (168) بأن (الهبة هي عقد تبرعي يملك به مال أو تباح به منفعة حال الحياة
وطبقاً لهذا النص فان الهبة عقد ينعقد ما بين الواهب والموهوب له ويكون لازما بقبض الموهوب له للهبة
كما نصت المادة (183) على انه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية)
2-   تنظيم القسمة في أثناء حياة المؤرث ضمن أحكام الوصية:
نصت المادة (186) على أن (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً)
وبالتالي فان هبة المؤرث لوارثه لا تكون نافذة إلا بعد وفاة المؤرث وإجازة بقية الورثة لها بعد وفاة المؤرث ولا تستثني من ذلك إلا حالة ما إذا قام الشخص الموهوب له باستهلاك الهبة أو تصرف بها إلى الغير، لأن الوصية لا تجوز لوارث إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة مورثهم
ثامنا: اجتهاد المحكمة العليا بشأن قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:
أن المحكمة العليا قد استخلصت من الأحكام التي فصلت فيها قاعدة قضائية مفادها (أن أية قسمة في أثناء حياة المؤرث هي وصية تكون موقوفة على إجازة الورثة بعد موت المؤرث). والله الموفق ...
والخلاصة انها جائزة اذا اجازها الورثة بعد وفاة المؤرث وتصبح لازمة.
الحكم الأول: وهو الحكم الصادر عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا بتاريخ 28/8/1999م في الطعن الشخصي رقم (268) لسنة 1420ه وقد جاء في هذا الحكم ما نصه (الموجز: صحة القسمة الواقعة في حياة المورث-حكمه.
القاعدة: أن القسمة إذا وقعت في حياة المورث فان صحتها موقوفة على إجازة الورثة بعد الموت.
الحكم: بعد المداولة والتأمل وإمعان النظر وجدنا ما يفيد أن القسمة وقعت في أثناء حياة المورث وصحتها موقوفة على إجازة الورثة بعد الموت، فضلا عما فيها من تصرفات غير موافقة لأحكام الشرع والقانون، وعليه فالالتماس غير مقبول ويغرم رافعه خمسة آلاف ريالا عملا بالمادة (232) مرافعات مع ألف ومائتي ريالا رسوم الطلب يورد كل ذلك إلى الخزانة العامة) ([58]).
الحكم الثاني: وهو الحكم الصادر بتاريخ 31/8/1999م عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا في الطعن الشخصي رقم (289) لسنة 1420ه وقد جاء في هذا الحكم ما نصه (الموجز: لا إرث ولا قسمة إلا بعد ثبوت الوفاة حقيقة أو حكما.
القاعدة: لا قسمة ولا توارث حتى يتحقق موت المورثة أو مضي عمرها الطبيعي فان تمت القسمة قبل ذلك فتكون موقوفة على إجازة الورثة.
الحكم: لما كان الطاعن …… قد تقدم بالطعن أمام المحكمة العليا, وأهم ما جاء فيه أن المحكمة الاستئنافية كانت قد قررت تأييد الحكم الابتدائي إلا أنها تراجعت بعد أن طلب المدعي اليمين وما كان لها أن تنقض ما أبرمت وكان عليها أن تلزم المدعي بتقديم عريضة طعنه إلى المحكمة العليا وانه لا وجه لقبول دعوى المدعي بنصيبه من مخلف المورثة المترتب على قيامها بقسمة مالها في أثناء حياتها وان الأيمان غير حجة عليه …الخ وبعد الاطلاع على مذكرة الرد من المطعون ضدهم وخلاصتها أن الطاعن قد نكل عن اليمين عندما طلبت منه بشان تاريخ وفاة المورثة.
هذا وبعد المداولة والتأمل تبين أن المحكمة الاستئنافية أصدرت قرارا سنة 1418ه وفيه تأييد الحكم الابتدائي بكل فقراته وعند النطق به وفي أثناء ذلك طلب المدعي اليمين من المدعي عليهم بشان البصيرة المؤرخة 1381ه الصادرة عن المورثة في أثناء وجودها قبل سفرها, فلم يمضي المدعى عليهم باليمين بحسب الطلب فأصدرت المحكمة قرارا أخر والذي جاء فيه بعد ذكر الحيثيات أن المتوجب على أولاد الحاج….إطلاق ما تعين لفلانة من بعد والدها وهو الأربعة الحبال في حدبة المدحاجية مع ضم ما تقرر لها من بعد أخيها …..بحسب تنزيل الحاكم وهو أربعة قراريط ونصف وسدس وربع قيراط وثلث سدس ما بقي لها غير ما ذكر ميراثا فقد اعترف الطاعن بأنه تحت يده, لذلك فان الشعبة لا تقر قسمة فلانة بنت فلان لمالها في أثناء حياتها وأثناء وجودها بمنطقة… كما أن لا توارث حتى يتحقق موتها أو مضي عمرها الطبيعي)([59]).

الحكم الثالث: وهو الحكم الصادر عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا بتاريخ 11/9/2001م في الطعن الشخصي رقم (383) لسنة 1422ه وقد ورد في الحكم ما يأتي
(الموجز: إجراء القسمة والمصالحة بين الورثة في حياة المؤرث أثره.
القاعدة: إجراء القسمة في أثناء حياة المورث لا تكون حجة مالم يصادق عليها الورثة بعد وفاة المورث.
الحكم :بعد الاطلاع على ملفات القضية وجميع الأحكام والطعنين بالنقض والدفع بعدم قبول الطعن م..وبعد المداولة تبين أن حكم الاستئناف السابق قد نقضه حكم المحكمة العليا, كما أنه قد ظهر إجراء القسمة في أثناء حياة الأب, وذلك ليس له حجة على الأولاد وهذا يعني عدم الركون إلى مستند القسمة الذي يدعى الطاعن…بأنه قد تم الاتفاق عليها فيما بين الأب وأولاده وحصول التراضي, والأساس في كل ذلك أن القسمة في أثناء حياة المورث موقوفة على إجازة الورثة كما جاء في الحكم الاستئنافي وهو الصحيح في تقرير أن القسمة في أثناء حياة الأب موقوفة على إجازة الورثة, ولذلك فان الطعن بالنقض لم يؤثر في الحكم الاستئنافي المطعون فيه لعدم تحقق أي سبب من أسباب الطعن بالنقض الأربعة المنصوص عليها في المادة (214)من قانون المرافعات والتنفيذ المدني(28)لسنة1992م وعليه فنقر ما يلي :-
عدم قبول الطعن بالنقض شكلا وفي الموضوع.
تأييد الحكم الاستئنافي الصادر من محكمة استئناف حجة في الاستئناف الشخصي رقم(80) لسنة 1418ه بتاريخ 5/ذي القعدة/1421ه الموافق 28/1/2001م.

مصادرة كفالة الطعن بالنقض لخزينة الدولة) ([60]).
الباحث /عبد الله محمد قاسم المرير
مكتب المحامي / أمين حفظ الله الربيعي

دعاوى الحقوق العمالية واصابات العمل في القانون اليمني


دعاوى الحقوق العمالية واصابات العمل
تمهيد:
لما كان الحق سلطة يقررها القانون للشخص, ويعترف له بها في حدود الشرع, وان الغاية منه هو تحقيق مصلحة مشروعة, الا ان هذه المصلحة تزول بعد مرور فترة من الزمن يحددها القانون, فيمنع بعد مضيها سماع الدعوى لِعلةٍ راها المقنن, وهي تحقيق الاستقرار الاجتماعي في المجتمع, لان هذا الاستقرار ينعكس بدوره على الجهاز القضائي للدولة, فالقضاء لا يستطيع ان يؤدي وظيفته إذا ظل المجال لرفع الدعوى قائما بلا نهاية.
ومن ثم كان لابد من اصطناع وسيلة يضع بموجبها المقنن حدا للدعوى, ومنها الدعاوى العمالية واصابات العمل التي مضى عليها فترة من الزمن دون رفعها, ولعل هذه الوسيلة هي التقادم التي من اثارها ينقضي الالتزام, ولا يجوز للمحكمة ان تقضي به من تلقاء نفسها, إذا يجب على من يتمسك به ابداؤه في حالة تكون عليها الدعوى.
تعريف إصابة العمل:
الإصابة بأحد الامراض المهنية المبينة بالجدول الملحق بقانون العمل او الإصابة نتيجة حادث بسبب العمل او اثناء تأديته ويكون بحكم ذلك كل حادث وقع للمؤمن عليه خلال فترة ذهابه لمباشرة العمل أو إلى أي مكان حدده له صاحب العمل أو عودته منه أياً كانت وسيلة المواصلات غير الممنوعة بشرط أن يسلك الطريق الطبيعي دون توقف أو تخلف أو انحراف ما لم يكن ذلك بغير إرادته. مادة (26)قانون التأمينات الاجتماعية
يتضح من خلال النص ان تامين إصابات العمل, يغطي المخاطر التالية:
1-      حادث العمل.
2-      2-حادث الطريق.
3-      3-امراض المهنة.

تعريف المرض المهني:
الإصابة بمرض تعرض العامل لعوامل طبيعية أو كيميائية أو حيوية موجودة في بيئة العمل ونتيجة لطبيعة عمله فيها ويثبت ذلك بقرار من طبيب المؤسسة. مادة (26)قانون التأمينات الاجتماعية
مدد التقادم المذكورة في قانون التأمينات الاجتماعية:
1-     يسقط حق المؤمن عليه أو المستحقين عنه في تعويضات العجز المؤقت, وفي المنح والإعانات بمرور سنة واحدة من تاريخ الإصابة والوفاة والزواج, دون تقديم طلب صرفها.
2-     يسقط الحق في المعاش إذا لم تتم المطالبة به أو لم يتم صرفه لمدة خمس سنوات من تاريخ آخر صرف تقاضاه. المادة (96)

1-     لا تقبل دعوى المطالبة أو التعويض إلا إذا طولبت المؤسسة بها كتابة خلال خمس سنوات من التاريخ الذي تعتبر فيه المستحقات واجبه الأداء.
2-     يعتبر أي إجراء تقوم به أية جهة من الجهات الإدارية أو النقابية في مواجهة المؤسسة بالنسبة لحقوق المؤمن عليهم أو المستحقين عنهم قاطعاً للتقادم إذا تم في خلال خمس سنوات. مادة (97)
من خلال المادتين السابقتين, يتضح لنا ان هناك:
 اولا: حقوق تسقط بمرور سنة واحدة من تاريخ الإصابة أو الوفاة أو الزواج دون تقديم طلب صرفها وهي:
1- حق المؤمن عليه او المستحقين عنه في تعويضات العجز المؤقت.
2- حق المؤمن عليه او المستحقين عنه في المنح والاعانات.
ثانيا: حقوق أخرى تسقط بمرور خمس سنوات وهي:
1- الحق في المعاش إذا لم تتم المطالبة به أو لم يتم صرفه لمدة خمس سنوات من تاريخ آخر صرف تقاضاه.
2- دعوى المطالبة او التعويض إذا لم تقدم الى المؤسسة العامة للتأمينات كتابة خلال خمس سنوات من التاريخ الذي تعتبر فيه المستحقات واجبة الأداء.
مع اعتبار ان القيام بأي إجراء تقوم به أية جهة من الجهات الإدارية أو النقابية في مواجهة المؤسسة بالنسبة لحقوق المؤمن عليهم أو المستحقين عنهم قاطعاً للتقادم إذا تم في خلال خمس سنوات.

مدد التقادم المذكورة في القانون المدني:
في الأحوال التي ينص فيها القانون على عدم سماع الدعوى بمضي الزمن, يرجع في تحديد المدة والشروط والقرائن والملابسات الى النص الخاص بها, كما يراعى ما هو منصوص عليه في المواد التالية. المادة (442)
بهذا النص يكون القانون المدني قد أحال الرجوع في تحديد مدد التقادم الى القوانين الخاصة .
وقد عرف القانون المدني العذر الشرعي بانه:
غياب صاحب الحق ومرضه المانع او كونه عديم الاهلية او ناقصها إذا لم يكن له ولي او وصي ويزول العذر بحضور او بلوغ القاصر رشيدا او زوال سبب انعدام الاهلية او نقصها إذا كان بالغا…. المادة (443)
ولعل المفهوم من نص المادة (443) التي ذكرت عقب المادة(442) المشار فيها الى الأحوال التي لا تسمع فيها الدعوى, انه إذا كان صاحب الحق الذي مضى الزمن لسماع دعوته صاحب عذر ممن حددهم النص, فانه يحق له بعد زوال العذر تقديم دعواه مطالبا بحقه, متمسكا بعذره الشرعي.

مدد التقادم المذكورة في قانون الاثبات:
لا تسمع الدعوى من ذي مهنة حاضر كالطبيب وغيره بحق من حقوق مهنته او مصروفات تكبدها في أدائه بعد مضي سنة من وقت أداء العمل. المادة (21) الاثبات
لا تسمع الدعوى من حاضر بعد مضي سنة من تاريخ الاستحقاق في الأحوال الاتية:
3- حقوق العمال والخدم والاجراء من أجور يومية وغير يومية او ثمن ما قاموا به من توريدات لمخدوميهم. المادة (22) ف الاثبات

وما نجده جلياً في المادتين سالفتي الذكر انهما لم تحددان إصابات العمل, ولكن المقنن ذكر تحديدا شاملاً لسائر الحقوق التي لم تذكر.

 نصت المادة (23) بصياغتها المعدلة بالقانون رقم (30) لسنة 1996م بقولها:
لا تسمع الدعوى من حاضر بسائر الحقوق التي لا تتعلق بعقار ولم يرد ذكرها في المواد الأربع السابقة بعد مضي خمس سنوات من تاريخ الاستحقاق مع عدم المطالبة …
وعليه فان الحقوق العمالية من أجور يومية وغير يومية, او ثمن ما قاموا به من توريدات لمخدوميهم قد شملتها المادة (21) لكنها أغفلت الحق في دعاوى إصابات العمل, وبالتالي تطبق المادة (23) على إصابات العمل, فهي من الحقوق غير المحددة في صلب المادة (23).


مقال قانوني حول جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال في القانون اليمني




                       جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال
د• عبدالمؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون -جامعة صنعاء
 أدى انتشار استخدام الكمبيوتر في كافة القطاعات والمجالات ومنها البنوك والشركات الى ظهور جريمة التحويل غير المشروع للأموال عن طريق استخدام جهاز الكمبيوتر، حيث يقوم الجاني بتحويل كل أو جزء من أرصدة الغير أو فوائدها الى حسابه الخاص، ويتم ذلك عن طريق إدخال بيانات غير صحيحة ومغلوطة الى جهاز الكمبيوتر، كالادعاء كذباً بوجود فواتير جاء ميعاد استحقاقها•
ونظراً للطبيعة الخاصة لهذه الجريمة ولغيرها من الجرائم التي تقع بواسطة الكمبيوتر فإن أغلب الدول المتقدمة قد أصدرت تشريعات خاصة بجرائم الكمبيوتر ومنها جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال، ومن هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية حيث أصدر الكونجرس الأمريكي قانون التحايل المعلوماتي في 10/10/1984م، وفي هذا السياق أصدرت فرنسا في 6/1/1978م قانون المعلوماتية والحقوق الشخصية وعقب ذلك صدر مرسوم في 23/12/1981م بتحديد بعض الجرائم في مجال المعلوماتية ثم صدر في عام 1988م قانون حماية نظم المعالجة الآلية للبيانات وتم تعديل القانون الأخير في 1/3/1994م•
أما في الدول العربية ومنها بلادنا فقليلاً ما نجد نصوصاً كاملة تعالج جرائم الكمبيوتر، باستثناء سلطنة عمان التي صدر فيها المرسوم السلطاني رقم (72) لسنة 2001م بشأن تعديل بعض أحكام قانون الجزاء العماني، وقد شملت هذه التعديلات معالجة جرائم الحاسب الآلي (الكمبيوتر) وفي هذه التعديلات ورد نص المادة (176) الذي قضى أن >يعاقب بالسجن مدة لاتقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن سنتين وبغرامة ما بين 100 ريال و 500 ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد استخدام الكمبيوتر في ارتكاب أحد الأفعال الآتية:
1- الالتقاط غير المشروع للمعلومات أو البيانات•
2- الدخول غير المشروع على أنظمة الحاسب الآلي•
3- التجسس والتصنت على البيانات والمعلومات•
4- انتهاك خصوصيات الغير أو التعدي على حقهم في الاحتفاظ بأسرارهم•
5- تزوير بيانات او وثائق مبرمجة أياً كان شكلها•
6- اتلاف وتغيير ومحو البيانات والمعلومات•
7- جمع المعلومات والبيانات وإعادة استخدامها•
8- تسريب المعلومات والبيانات•
9- التعدي على برامج الحاسب الآلي سواءً بالتعديل أو الاصطناع•
10- نشر واستخدام برامج الحاسب الآلي بما يشكل انتهاكاً لقوانين وحقوق الملكية الفكرية والأسرار التجارية<•
أما المادة (276) مكرر من القانون ذاته فقد نصت على أنه >يعاقب بالسجن مدة لاتزيد عن خمس سنوات وبغرامة لاتجاوز ألف ريال كل من:
1- قام بتقليد أو تزوير بطاقة من بطاقات الوفاء أو السحب•
2- استعمل أو حاول استعمال البطاقة المقلدة أو المزورة مع العلم بذلك•
3- قبل الدفع ببطاقة الوفاء المقلدة أو المزورة مع العلم بذلك<•
وفي السياق ذاته نصت المادة (277) على أنه >يعاقب بالسجن مدة لاتزيد عن ثلاث سنوات وبغرامة لاتتجاوز خمسمائة ريال كل من:
1- استخدم البطاقة كوسيلة للوفاء مع علمه بعدم وجود رصيد له•
2- استعمل البطاقة بعد انتهاء صلاحيتها أو إلغائها وهو عالم بذلك•
3- استعمل بطاقة الغير بدون علمه<•
هذا ما ورد في التعديلات التي جرت على قانون الجزاء العماني والتي استوعبت جرائم الكمبيوتر ومنها جريمة التحويل غير المشروع للأموال•
أما غالبية الدول العربية ومنها بلادنا فلا يوجد في قوانين عقوباتها نصوص خاصة بجرائم الكمبيوتر ومنها الجريمة محل دراستنا، ولكن ذلك لايعني بأي حال من الأحوال افلات الجناة من العقاب حيث تتم الملاحقة للجناة مرتكبي جرائم الكمبيوتر وفقاً للنصوص الجزائية في بعض القوانين كقانون حماية حق المؤلف أو قانون الملكية الفكرية أو عن طريق تطويع نصوص قانون العقوبات بحيث تندرج تحت هذه النصوص جرائم الكمبيوتر ومنها جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال•
وعلى هذا الأساس وفي ظل عدم وجود نصوص صريحة بشأن جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال يمكن القول بأن هذه الجريمة تتأرجح بين جريمتين فأحياناً تكيف على أساس أنها جريمة خيانة أمانة وفي بعض الأحوال تكيف على أساس أنها جريمة احتيال وذلك تبعاً للظروف التي تحيط بارتكابها ولذلك فإن الأمر يقتضي الإشارة الى ذلك وعلى النحو الآتي:

أولاً: تكييف جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال على أنها من جرائم الاحتيال:
بيّن المشرع اليمني في المادة (310) عقوبات ماهية جرائم الاحتيال حيث نصت المادة المشار إليها على أنه >يعاقب بالحبس مدة لاتزيد عن ثلاث سنوات أو بالغرامة من توصل بغير حق الى الحصول على فائدة مادية لنفسه أو لغيره وذلك بالاستعانة بطرق احتيالية (نصب) أو استخدام اسم كاذب أو صفة غير صحيحة<•
فهذا النص يبين أركان جريمة الاحتيال وهي:
1¬- وقوع فعل من أفعال الاحتيال المذكورة في المادة السالف ذكرها•
2- الاستيلاء على نقود أو سندات أو أي متاع منقول•
3- قيام رابطة السببية بين الأمرين السابقين•
4- توفر القصد الجنائي•
وتبعاً لذلك وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال من جرائم الاحتيال، على أساس أن الجاني في هذه الجريمة يقوم باستخدام وسائل احتيالية كاتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة أو غير ذلك من وسائل الاحتيال بغرض الاستيلاء على أموال مملوكة للمجني عليه تتمثل في رصيد المجني عليه في البنك• ولكن هناك بعض الصعوبات في تكييف هذه الجريمة على أنها جريمة احتيال، ومن هذه الصعوبات أن جريمة الاحتيال يكون المجني عليه فيها شخصاً طبيعياً، أما جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال فإن فعل الاحتيال فيها ينصب على آلة وليس على شخص طبيعي أو اعتباري ولذلك فإن التشريع المصري والفنلندي والألماني والدانمركي يشترط أن ينصب فعل الاحتيال على إنسان وليس آلة كما يشترط أن يكون هذا الانسان أو الشخص مسؤولاً عن تأمين وحماية البيانات والمعلومات• وعند شراح هذه القوانين لاتتوفر جريمة الاحتيال إذا انصب الاحتيال على جهاز الكمبيوتر•
أما التشريع الانجليزي والكندي والاسترالي والياباني والسويسري والهولندي فيذهب الى أن خداع الآلة (الكمبيوتر) بنيّة الغش المالي يعد من قبيل الاحتيال المعاقب عليه جنائياً، أما بالنسبة لمدى اعتبار الأموال الكتابية أو البنكية أموالاً مادية فقد اختلفت فيها التشريعات المقارنة الى مذهبين، الأول: وهو مذهب اليابان والمانيا حيث تنظر تشريعاتهما الى أن الأموال الكتابية لاتعد نقوداً أو مالاً مادياً وتبعاً لذلك فإن الاستيلاء عليها لايشكل جريمة احتيال، أما المذهب الثاني: وهو مذهب سويسرا وهولندا وانجلترا فيذهب الى أن الأموال الكتابية مع طابعها المعنوي إلا أن الاستيلاء عليها يعد من قبيل الاحتيال•
أما بالنسبة لمدى اشتراط أن يتسلم الجاني الأموال بالفعل الى يده حتى نكون بصدد جريمة تامة فإن القواعد العامة تقتضي أن جريمة الاحتيال تكون كاملة إذا استولى الجاني على الأموال التي سعى للاستيلاء عليها، ويمكن القول بأن استلام الجاني يتحقق بمجرد الانتهاء من عملية تغيير الأرصدة، ولا يشترط أن يستولي الجاني بالفعل على النقود الموجودة في أرصدة المجني عليه، ويرجع ذلك الى الطابع المعنوي للأموال الكتابية والتي يجب أن يوازيها التسليم المعنوي لهذه الأموال•

ثانياً: تكييف جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال على أنها من جرائم خيانة الأمانة:
حيث يبيّن المشرع اليمني ماهية جريمة خيانة الأمانة في المادة (318) عقوبات التي تنص على أن >يعاقب بالحبس مدة لاتزيد عن ثلاث سنوات من ضم الى ملكه مالاً منقولاً مملوكاً للغير سُلم إليه بأي وجه<• وهذا النص مجمل عند مقارنته بنظيره في قانون العقوبات المصري، إذ نص المشرع المصري على جريمة خيانة الأمانة في المادة (341) عقوبات التي نصت على أن >كل من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو أمتعة أو بضائع أو نقوداً أو تذاكر أو كتابات أخرى مشتملة على تمسك أو مخالصة أو غير ذلك إضراراً بمالكيها أو أصحابها أو واضعي اليد عليها وكانت الأشياء المذكورة لم تسلم له إلا على وجه الوديعة أو الإيجار أو على سبيل عارية الاستعمال أو الرهن أو كانت سلمت له بصفته وكيلاً بأجرة أو مجاناً بقصد عرضها للبيع أو بيعها أو استعمالها في أمر معين لمنفعة المالك لها أو غيره يُحكم عليه بالحبس ويجوز أن يزاد عليه غرامة لاتتجاوز مائة جنيه مصري<•
ويظهر من سياق النصوص المتقدمة، التفصيل في النص العقابي المصري والإجمال في النص العقابي اليمني كما تظهر أركان جريمة خيانة الأمانة وهي:
1- تسليم المال الى الجاني بعقد من عقود الأمانة•
2- فعل مادي وهو اختلاس هذا المال أو تبديده أو استعماله استعمالاً يعد في حكم التبديد•
3- وقوع هذا الفعل على مال منقول للغير•
4- أن يلحق المجني عليه ضرر•
4- توفر القصد الجنائي•
وعند تطبيق هذه الأركان على جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال نجد أنه يشترط لتطبيق أحكام جريمة خيانة الأمانة على جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال شرطان:
الشرط الأول: أن يكون تسليم المال قد تم بناءً على عقد من عقود الأمانة الواردة على سبيل الحصر في النص المصري أما النص اليمني فلا يشترط ذلك لأن التسليم في النص اليمني يتحقق بأي وجه كما ورد في النص السالف ذكره•
الشرط الثاني: أن يتم الاستيلاء من جانب أحد العاملين بالبنك أو بالجهة المسلم إليها المال فإذا تم التحويل الالكتروني للأموال من شخص آخر فإن ذلك الفعل لايعد جريمة خيانة أمانة، ولكنه يعد من جرائم السرقة أو الاحتيال بحسب ظروف الحال• اما بالنسبة للركن الثاني من جريمة خيانة الأمانة وهو فعل الاختلاس أو التبديد أو الاستعمال، فان الاختلاس يتمثل في كل فعل يعبر به الشخص عن اضافة المال الى ملكه دون أن يخرجه من حيازته، ويتحقق ذلك في جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال بأن يضيف موظف البنك رصيد العميل الى رصيده الشخصي•
وفي خاتمة المقال نجد أن الأمر يقتضي من المشرع اليمني أن يعالج الجرائم التي تقع بواسطة الكمبيوتر، ومنها جريمة التحويل الالكتروني غير المشروع للأموال، بنصوص صريحة في متن قانون الجرائم والعقوبات وأن يسلك في ذلك مسلك قانون الجزاء العماني•
فترك أمر التجريم والعقاب لاجتهاد المجتهدين له محاذيره الكثيرة، لاسيما في القانون الجنائي، كما أن الركون الى تكييف جرائم الكمبيوتر وإلحاقها بجرائم الاحتيال أو خيانة الأمانة يترتب عليه خروج كثير من جرائم الكمبيوتر من أي نص يتناولها بالتجريم والعقاب وتبعاً لذلك عدم امكانية توقيع العقوبة على أي من مرتكبيها•