الصفحات

الجمعة، 26 يوليو 2024

 

بحث بعنوان "تحديد مقدار المهر في الشريعة الإسلامية والقانون"

على الرغم من اعلان الشريعة رفضها للمغالاة بالمهور وتأكيدها على كراهة ذلك قد صار اليوم احدى المشاكل الرئيسية في المجتمع العربي والإسلامي بشكل عام حيث يجري استغلاله بطريقة غير لائقة من قبل الكثير من العوائل التي تطلب مهور غالية من أجل تحقيق أهداف مالية تحت عنوان: (أخذ ضمانة من الرجل) بحجة استمرار الزواج وعدم اللجوء الى الطلاق من أدنى مشكلة بحسب تفكيرهم، بحيث تحولت هذه المشكلة الى عرف آخذ في التجذر بدون أي محاربة له! مما خلف اثاراً سلبية جسيمة على الافراد والمجتمع، ولذلك جاء هذا البحث ليتطرق الى هذه المشكلة من خلال بيان موقف الشريعة الإسلامية والقانون من تحديد المهر. 

أولاً: تعريف المهر:

لغة:

المهر لغة بمعنى الصداق، والصداق من الصدق ضد الكذب، وسمي بذلك كما يقول أحد فقهاء الشافعية لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الأصل في إيجاب المهر.

والصداق بفتح الصاد وكسرها مهر المرأة ومنه قوله تعالى: (وأتوا النساء صدقاتهن نحلة)

وللمهر أسماء عدة: الصداق والمهر والنحلة والفريضة والأجر والعلائق والعقر والحباء.

أما في الاصطلاح الفقهي هناك عدة تعريفات تكاد تكون متقاربة:

أ-تعريف المالكية: ما يعطى للزوجة في مقابلة الاستمتاع بها.

ب-تعريف الشافعية: ما وجب بنكاح أو وطء او تفويت بضع قهرا كإرضاع ورجوع شهود

ج-تعريف الحنابلة: العوض في النكاح سواء سمي في العقد ام فرض بعده بتراضيهما او الحاكم ونحوه كوطء الشبهة والزنا بأمه او مكرهة.

د-تعريف الزيدية: عوض منافع البضع.

يعلق د. عبد الحكيم عطروش على هذه التعاريف في كتابه أحكام الاسرة بقوله:[1]

والملاحظ في هذه التعريفات على انها تصور المهر كما لو أنه المال الذي يدفعه الرجل مقابل الاستمتاع بالمرأة على الوجه المشروع الامر الذي يبعده كثيرا عن غرضه الشرعي الذي رسمه القران على أنه نحلة او هبة تعطى عن طيب نفس وبدون مقابل حيق يقول الله تعالى في محكم كتابه (واتوا النساء صدقاتهن نحلة). ويبدو أن أهل العلم المعاصرين تنبهوا الى مسألة ضرورة ابراز غرض المهر الشرعي وإبعاد أي تصور قد يفهم من أنه الثمن المقابل للاستمتاع بالمرأة لذلك فقد عرف أحد الكتاب المهر على أنه: "المال الذي يقدمه الزوج لزوجته على أنه هدية لازمة وعطاء واجب يثبت لها بمجرد العقد الصحيح او بالدخول في العقد الفاسد او الوطء بشبهة".

وتعريفات اهل العلم المعاصرين هي ما تأيدها الباحثة ففلسفة تشريع المهر وحقيقته تجعله هدية وعطاء وليس ثمناً ومقابلاً للمرأة لان العلاقة الزوجية مبنية على المودة والرحمة لا على أسس مادية كالبيع والشراء.

ثانياً: مقدار المهر في الشريعة الإسلامية:

مقدار الحد الأدنى:

1-الحنفية: يرى الحنفية أن أقل المهر عشرة دراهم وقد استدلوا على ذلك بما رواه جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: لا مهر أقل من عشرة دراهم" وقياساً على حد السرقة فإن نصاب قطع اليد عندهم مقدر بعشرة دراهم.

2-المالكية: أن أقل ما يصلح أن يكون مهراً هو ربع دينار من الذهب او ثلاثة دراهم من الفضة لأن عبد الرحمن بن عوف تزوج على وزن نواة من الذهب وهو ربع دينار ولأنه نصاب السرقة عندهم، ومعنى ذلك أنه مال له خطر وحرمة بدلالة قطع اليد في سرقته لا في سرقة ما دونه فيكون هو الحد الأدنى للمهر.

3-الامام الشافعي وأحمد وجماعة من الصحابة والتابعين: ذهبا الى انه لا حد لأقل المهر متى كان المسمى شيئا له قيمة مالية لقوله تعالى: (واحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) ولقوله عليه الصلاة والسلام: "التمس لو خاتما ً من حديد" فإن هذا الحديث يدل على جواز جعل خاتم الحديد مهرا مع أن قيمته لا تصل الى الحد الأدنى الذي يذكره الفقهاء،

وقد أخذت بهذا الرأي تشريعات بعض الدول العربية فقد نصت المادة 53 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي رقم51/1994م على أنه "لا حد لأقل المهر ولا لأكثره" أما بالنسبة للقانون اليمني فلا توجد إشارة الى ذلك.

مقدار الحد الأعلى:

 لم ينقل خلاف بين العلماء حول هذه المسألة، فالمذاهب الفقهية متفقة على عدم ورود حد أكثر بالنص للمهر، حتى نقل بعضهم الإجماع على ذلك، واستدلوا لما ذهبوا إليه من إطلاق الحد الأعلى للمهر بالقرآن والأثر، وذلك على النحو الآتي:

الدليل الأول: قال تعالى: ]وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً[.

قال ابن كثير: "في هذه الآية دلالة على جواز الإصداق بالمال الجزيل". وقال القرطبي: "في الآية دليل على جواز المغالاة؛ لأن الله تعالى لا يمثّل إلاّ بمباح، ثم ذكر إجماع العلماء على ألاّ تحديد في أكثر الصداق، وقال الشوكاني بعد ذكر الآية -: "وقع الإجماع على أنَّ المهر لا حدّ لأكثره بحيث تصير الزيادة على ذلك الحد باطلة؛ للآية"([i]).

الدليل الثاني: عن أبي العجفاء قال: خطبنا عمر t فقال: "ألا لا تغالوا بصُدُق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها النبي e، ما أصدق رسول الله e امرأة من نسائه، ولا أُصدقت امرأة من بناته، أكثر من ثنتي عشرة أوقية"([ii]).

      وقد ورد هذا الأثر بزيادة في بعض الطرق، وهي: "ثم نزل فعرضت له امرأة من قريب، فقالت: يا أمير المؤمنين، أكتاب الله أحق أن يتّبع أو قولك؟! قال: بل كتاب الله تعالى، فما ذاك؟ قالت: نهيتَ الناس آنفاً أن يغالوا في صداق النساء، والله تعالى يقول في كتابه: ]وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا[، فقال عمر t: "كل أحد أفقه من عمر"، مرتين أو ثلاثة، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: "إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء، ألا فليفعل رجلٌ في ماله ما بدا له". والزيادة بهذا اللفظ أخرجها البيهقي من طريق مجالد عن الشعبي، وقال: "هذا منقطع". [2]

الاعتراضات التي وردت على هذه الأدلة:

1-  خالف الإمام الرازي الجمهورَ في تفسيره لقوله تعالى: ]وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا[ وبيّن أنّ الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة، حيث يقول في ذلك: "قالوا: الآية تدل على جواز المغالاة في المهر" ثم ذكر نهي عمر عن المغالاة، ورجوعه عن ذلك، بعد اعتراض المرأة وقال: "وعندي أن الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة؛ لأن قوله تعالى: ]وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا[ لا يدل على جواز إيتاء القنطار، كما أن قوله تعالى: ]لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا[ لا يدل على حصول الآلهة، والحاصل أنه لا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع". [3]

ردّ الدكتور عبد الكريم زيدان على اعتراض الإمام الرازي بعدم دلالة الآية على جواز المغالاة بقولـه: "إنّ قول الإمام الرازي: والحاصل أنه لا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع، يُردّ عليه. وكذلك نقول: لا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر، كون ذلك الشرط في نفسه محرّم الوقوع، وإذا احتمل الشرط لشيء الجواز والحرمة لوقوعه، فالراجح البيّن الرجحان حمل هذا الشرط - إيتاء القنطار في هذه الآية على جواز وقوعه".

2-  لم يثبت هذا الأثر عن عمر بن الخطاب بسند صحيح موصول والمشهور عنه في كتب الصحاح والسنن هو نهيه عن المغالاة في المهور فقط دون اعتراض المرأة عليه ولهذا قال ابن حجر معلقا على رواية اعتراض المرأة على عمر: وأصل قول عمر (لا تغالوا في صدقات النساء) عند أصحاب السنن وصححه بن حبان والحاكم ولكن ليس فيه قصة المرأة.[4]

وتم الرد على هذا الاعتراض أن الزيادة وإن لم يذكرها أصحاب السنن في مصنفاتهم إلاّ أنها وردت من عدة طرق وحكم على بعضها بالجودة في الإسناد، فتلك الطرق وإن كان في بعضها ضعف أو انقطاع إلاّ أنها تتقوّى ببعضها.

ثالثاً: تقدير المهر في القانون:

لم تتعرض قوانين البلدان العربية والإسلامية للمغالاة في المهور فلم يقننوا شيئاً بخصوص المغالاة في المهور وذلك لاعتماد اغلب هذه القوانين على قول الفقهاء المانع من تحديد مقدار المهر وان المهر الصحيح هو ما اتفق عليه الطرفان اذا كان مسم اما اذا لم يسمى المهر في العقد فلها مهر المثل، وذلك عدا قانون دولة الامارات العربية المتحدة فقد نصت المادة (49) من قانون الأحوال الشخصية القانون الاتحادي رقم(28)  لسنة 2005م على الاتي: [المهر هو ما يقدمه الزوج من مال متقوم بقصد الزواج ولا حد لأقله ويخضع أكثره لقانون تحديد المهور].

ونصت المادة(1) من القانون الاتحادي رقم(21) لسنة 1997م بشأن تحديد المهر في عقد الزواج ومصاريفه على الاتي: [لا يجوز أن يزيد مقدام الصداق في عقد الزواج على (20,000) عشرين ألف درهم او ان يجاوز مؤخر الصداق (30,000) ثلاثين ألف درهم]

جاء في المذكرة الايضاحية لهذا لقانون ان مبررات تحديد المهر هي[5]:

حرص الدستور على أن يبرز ما للأسرة من مركز هام في المجتمع فنص في المادة(15) منه على أن: الاسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن ويكفل القانون كيانها ويصونها ويحميها من الانحراف.

واجب المجتمع ان ييسر السبيل الى ولوج باب الزواج بغير ثمة عقبات كالمغالاة في المهور التي تدفع الراغبين في الزواج الى الالتفات عنه او التوجه الى الزواج بغير المواطنات

فشو المغالاة في المهور بحيث أصبحت ظاهرة اجتماعية يخشى لو تركت بغير تنظيم ان تسفر عن عواقب وخيمة تمس كيان المجتمع والاسرة التي هي نواته وعصبه مما يتعارض مع الدعامات الأساسية التي نادى الدستور بالحفاظ عليها.

دعوة الشرع الى عدم التغالي في المهور وقد حض الرسول الكريم على ذلك في حديثين مرويين هما: "إن أعظم ا لنكاح أيسره مؤونة" و"خير الصداق أيسره".

علماً ان قانون تحديد المهر في عقد الزواج ومصاريفه  صدر أول مرة في الامارات في عام 1973م  وذلك في القانون الاتحادي رقم(12) لسنة 1973م والذي نص على ألا يزيد المهر المقدم عل 4 الاف درهم والمؤخر على 6 الاف درهم، ومع التغير في الظروف المعشية تم تعديله بصدور القانون الاتحادي رقم(21) لسنة 1997م السابق الذكر.

 الجدير بالذكر ان قانون الاسرة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية –قبل الوحدة وقد تم الغاء العمل به-رقم (1) لسنة 1974م الصادر في عدن يعد ثاني قانون  وضع حداً لأعلى المهر بعد القانون الاماراتي الصادر في 1973م حيث نصت المادة(18) منه على الاتي: [لا يجوز أن يزيد مبلغ المهر بشطريه المعجل والمؤجل على مائة دينار].

وأوضحت المذكرة الايضاحية للقانون ان الحكمة من تحديد المهر هو وضع حد للمغالاة في المهور لكون هذا أمراً ينسجم مع روح السنة النبوية.[6]

جزاء مخالفة التحديد الوارد في القانون الاماراتي:

نصت المادة(2) من القانون الاتحادي رقم 21 لسنة 1997م على الاتي: [ لا تسمع أمام المحاكم أية دعوى بالمطالبة بما يجاوز الحدين المشار اليهما في المادة 1 من هذا القانون ويسري هذا الحكم على الدعاوى المنظورة أمام المحاكم في تاريخ العمل بهذا القانون].

ونصت المادة(5) من ذات القانون على الاتي: [كل من يخالف احكام هذا القانون يحرم الحصول على منحة الزواج المقررة بالقانون الاتحادي رقم(47) لسنة 1992م المشار اليه].  

الامر الذي يتبين معه انه إذا تعدى الافراد الحد المقدر في القانون فإن المهر لا يبطل وانما الأثر الترتب على ذلك امرين:

1-  الحرمان من الحصول على منحة الزواج المقررة بالقانون الاتحادي رقم(47) لسنة 1992م بشأن انشاء صندوق الزواج.

2-  رفض سماع أية دعوى قضائية أمام المحاكم تطالب بما يجاوز هذا الحد.

ومن وجهة نظري ان يتم فرض عقوبات أقوى حتى يتم تفعيل هذا القانون عملياً بشكل أفضل يحقق الغاية التي تم تشريعه من أجلها، وذلك كأن يمنع إجراء العقد وتسجيله من قبل ممثل الدولة إن تجاوز المهر حده الأعلى، أو توضع عقوبة تعزيرية للمتجاوزين بغرامة، أو سجن حسب ما يقتضيه الحال.

وبالنسبة للمملكة العربية السعودية فهناك توجه لتحديد المهر في وثيقة تحديد المهور الزواج من قبل الجهات المتخصة التي قامت بتحديد المهر للعروس البكر بمقدار 50 ألف ريال سعودي أي ما يعادل 13 ألف دولار امريكي، بينما تم تحديد مهر الثيب بمقدار 30 ألف سعودي أي ما يعادل 9 الف دولار أمريكي، وقد جاءت هذه العملية نتيجة لما برز من جدل كبير بسبب المبالغ المالية الضخمة التي يتم دفعها في المهور وتتزايد بشكل كبير جداً في المملكة.[7]

وفي اليمن ظهرت في الاوانة الأخيرة العديد من الوثائق الموقعة بين مشائخ ووجهاء وأعيان بعض المحافظات بتحديد سقف موحد للمهور بعضها أتى بسبب ضغط الجهات الرسمية وبعضه بسبب مبادرات عفوية لتيسير زواج الشباب.

وفي بعض الدول الأخرى غير السعودية واليمن ظهرت كذلك محاولات لتحديد المهور لكنها تبقى محاولات غير ملزمة قانونياً طالما ولا يوجد نص تشريعي بذلك في القانون.

 

رابعاً: جواز تقييد المباح وتطبيق ذلك على تحديد المهر في القانون الاماراتي:

أ-معنى تقييد المباح: هو الحد من إطلاق المباح لمسوغ وفق ضوابط معينة.

ب-الأدلة العامة على تقييد المباح: ان المستقرئ لنصوص الشريعة الإسلامية ليجد في طياتها ادلة عامة وشواهد ناهضة لصحة الاحتجاج لتقييد المباح ومن أهمها منع الاسراف فقد تضافرت الأدلة من القران الكريم والسنة النبوية على اباحة الطيبات من الأكل والمشرب والملبس منها قوله تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده  والطيبات من الرزق فالآية صريحة بإباحة اللباس والطيبات من المأكل والمشرب دونما قيد او شرط، غير أنه وردت ادلة أخرى تقيد هذا الاطلاق بالإباحة بعدم الاسراف في مثل قوله تعالى: (يا بني ادم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين) ووجه الاستدلال من الآية انها قيدت اباحة صرف الطيبات فيما ينبغي ومنعت من صرفها فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي وفي هذا الشأن يقول ابن عاشور "والاسراف اذا اعتاده المرء حمله على التوسع في تحصيل المرغوبات فيرتكب لذلك مذمات كثيرة وينتقل من ملذة الى ملذة فلا يقف عند حد.

ج-الأدلة الخاصة على تقييد المباح: وردت بعض الأدلة في السنة النبوية والمعقول تدل بصورة جلية على تقييد المباح وأبرز هذه الأدلة تقييد اباحة ادخار لحوم الاضاحي، فيما يرويه عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الاضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم" ولهذا لما قال الصحابة: "يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ أي ترك الادخار قال" كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت ان تعينوا فيها" ففي هذا الأثر دليل على جواز تقييد المباح لان ادخار لحوم الاضاحي من مسائل العادات وهي على الاباحة الاصلية ولو لم تكن مباحة لما نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصاب الناس الجوع كما قالت عائشة رضي الله عنها" ما فعله الا في عام جاع فيه الناس فأراد ان يطعم الغني والفقير وان كنا لنرفع الكراع فنأكله بعد خمس عشرة" فقيد هذا المباح بالمنع مدة معينة للضرورة فلما زالت مبرراته أعاد الحكم الى أصله من الاباحة، وليس اباحة النبي لادخار لحوم الاضاحي بعد أن نهى عنه من باب النسخ كما ذكر تراجم بعض من اسند الحديث لأن الحكم الثابت بالنسخ هو حكم نهائي ولا يعود لما كان عليه قبل النسخ.

لقد راعى القانون الاماراتي حكم المباح عند تحديده لاكثر المهر فهو لم يمنع تقدير المهر باكلية وانما منع ان يتعدى مقدرا معيناً أي منع بعض افراد المباح وهو بذلك راعى كل أحوال تقدير المهر المهر بين اليسر والعسر حين لجأ ال تقييد أكثره وذلك لتحصيل مصلحة عامة راجحة ولدفع مفسدة عامة فالمباح تختلف مراتبه بحسب الكل والجزء والكثرة والقلة وغير ذلك وان كان في مرتبة واحدة وقتا ما او في حال ما فلا يكون كذلك في أحوال أخرى، كما اعتبر المقاصد الشرعية عند تحديده لأكثر المهر، لأن المهر شرع خادماً لعقد الزواج فإذا أدى المغالاة في تقديره(الذي يعد انحراف من الكلف في فعله او تركه للمباح عن تحقيق مقاصد الشرع) الى ابطال ما شرع لخدمته في حق البعض، لزم تقييد هذا المباح وان أدت تلك القيود الى منع بعض الافراد عن بعض أفراد المباح، كما اعتبر القانون الاماراتي أيضا المال والذرائع عند تحديده لأكثر المهر لأنه قد ثبت ان قصد بعض المكلفين من المغالاة في تحديد المهر قد نأى عن تحقيق مقصد الشرع من الحفاظ على النسل والغرض الذي يحققه الزواج بل أصبح ذريعة الى عزوف الكثيرين عنه، ومعلوم ما ينجر عن ذلك من مضار ومفاسد فكان لزاما وضع القيود على تحديد أكثر المهر لفتح المجال أمام الزواج والتماهي مع مقصد الشرع وسد الذريعة أمام كل ما يحول دون تحقيقه.[8]

الخاتمة:

لقد تناولنا في هذا البحث مفهوم المهر وحكم تقديره في الشريعة الإسلامية والقانون والذي تراه الباحثة هو جواز تحديد المهور وقيام الدول بسن التشريعات لأجل ذلك لأن اطلاق المهر قد أدى الى مفاسد ومضار كبيرة في مجتمعات الوطن العربي مثل عزوف الشباب عن الزواج بسبب ارتفاع المهور وتكاليف الزواج والتي تصل في بعض الدول الى مبالغ خيالية مثل دول الخليج، وكذلك اتجاه الشباب الى الزواج بالاجنبيات وترك المواطنات وارتفاع نسب العنوسة ولا يخفى ما في ذلك من أضرار ومفاسد اجتماعية بالغة الخطورة، وبالتالي وان كان من حيث المبدأ العام أنه لا سقف للحد الاعلى للمهر لأنه عنوان محبة وتكريم للزوجة يعطى لها كهدية وتقرب الا ان ذلك لا يمنع من تحديده في ظروف معينة-مثل ارتفاع نسب العزوف عن الزواج ونسب العنوسة- تتطلب ذلك وفور ارتفاع هذه الظروف يعود العمل بالاصل والمبدأ العام وان لم تترفع هذه الظروف يظل على تقييده وتحديده لأن الشارع الحكيم لم يأذن في تصرفات حتى تكون وسائل لتحقيق مفاسد مساوية للمصالح التي شرعت من أجلها، أو راجحة عليها، وذلك لأن التصرف المشروع في ذاته، لا يبقى على أصل مشروعيته، إذا تناقض مع المصلحة العامة وذلك لأن المهر وُضِع ليخدم أمر الزواج، فإن بات معيقاً له، ضاراً به، فيزال ما يؤدي إلى هذا التعثر؛ لأن المهر ليس مقصوداً بذاته بل هو خادم، فإن كان سبباً في التعثر والعرقلة فإنه بذلك يناقض المقصود منه، فيزال ما فيه ذاك التجاوز ليبقى الأمر في نطاق المشروعية، ويثبت هذا الأمر ويؤيده ما جاء من تقرير قاعدة سد الذرائع، والتي استدل ابن قيم الجوزية لبيان صحتها بتسعة وتسعين دليلاً، كما اطلاق المهور يتعارض مع قاعدة نفي العسر والحرج وقاعدة لا ضرر ولا ضرار.

وبالتالي فإن تقييد المهور لا يخرج عن الضوابط الأصولية لتقييد المباح ويراعي المقاصد والمآلات الشريعة الجالبة للصلاح والدافعة للفساد، ولابد من العودة إلى السياسة الشرعية التي يستطيع بها ولي الأمر إعادة الأمور إلى نصابها، وذلك على اعتبار أن الفقهاءقد جعلوا أحكام ولي الأمر مرعية نافذة شرعاً.

 

إعداد/سمر عبدالسلام العريقي

شركة الربيعي وشركاؤه للخدمات القانونية

 

 



[1] كتاب أحكام الاسرة في قانون الأحوال الشخصية اليمني، د.عبد الحكيم محسن عطروش، مكتبة ومركز الصادق للنشر والتوزيع، 2014م، ص 166-167.

[2] مقدار المهر وسلطة ولي الأمر في تحديده -دراسة فقهية – لـ أنس مصطفى أبو عطا، المنارة، المجلد 12، العدد 3، 2006م

[3] تحديد المهر في ضوء متطلبات العصر ومقاصد التشريع دراسة فقهية قانونية مقارنة، د محمد خليل خير الله و د هناء سعيد جاسم، مجلة كلية الامام الأعظم الجامعة، المجلد /العدد ع23، العراق،2017م، ص691

[4] تقييد المباح وتطبيقه على أكثر المهر في القانون الاماراتي، دليلة براف، مجلة جامعة الشارقة، المجلد 19، العدد 3، كلية الشريعة الإسلامية، جامعة الشارقة، الامارات، 2020م ص220.

[5] المذكرة الايضاحية للقانون الاتحادي رقم 12 لسنة 1973م بشأن تحديد المهر عقد الزواج.

[6] دليل القضاة لقضايا الأسرة، اعداد المكتب الفني والقانوني، المحكمة العليا للجمهورية، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، دار الهمداني للطباعة والنشر، عدن، بدون تاريخ، ص 42.

[7] مقال على موقع جريدة الرياض www.alriyadh.com   18/8/2015م.

[8] تقييد المباح وتطبيقه على أكثر المهر في القانون الاماراتي، مرجع سابق.



 

 

 

بحث الاكراه كمانع من موانع المسؤولية الجنائية

مقدمة:

إن الإدراك والإرادة يعتبران ركنين أساسيين لما يقوم به الإنسان من أفعال سواء كانت عن قصد أو غير قصد، فإذا شاب هذه الإرادة سبب من الأسباب-عند ارتكاب فعل أو امتناع عن فعل-التي نص عليها المشرع لا يعاقب جزائيا وتنتفي مسؤوليته الجزائية.

والمسؤولية الجزائية: هي الإلزام بتحمل النتائج القانونية المترتبة على توافر أركان الجريمة.

ولوجود خلط كبير في الاكراه هل هو من موانع المسؤولية الجنائية وموانع العقاب واسباب الاباحة فإننا سنذكر في هذه المقدمة الفرق بين كلا منهم ثم بعد ذلك ستناول الحديث عن الاكراه بنوعيه.

وأسباب موانع المسؤولية هي: الأسباب التي إذا عرضت لمرتكب الفعل المجرم جعلت إرادته غير معتبرة قانونا ولا يقوم بها الركن المعنوي لأنها تجردها من الإدراك أو الحرية الاختيار أو منهما معا وهما أساس المسؤولية الجزائية.[1]

الفرق بين موانع المسؤولية الجنائية وأسباب الاباحة وموانع العقاب:[2]

أ-موانع المسؤولية وأسباب الاباحة:

كلتا الفئتين تتفق في عدم مساءلة الفاعل جنائيا وبالتالي عدم استحقاقه للعقوبة المقررة للفعل الذي قام به ولكنهما تختلفان في أمور جوهرية أهمها الاتي:

1-    موانع المسؤولية الجنائية عوارض شخصية ذاتية او طارئة تؤثر في الإرادة او الادراك او كليهما وقد تصيب الإرادة فقط كالإكراه والضرورة وقد تصيب كليهما معا كالجنون والصغر ففاقد الادراك عديم الإرادة أيضا، بينما في أسباب الاباحة يتمتع الفاعل بحرية الإرادة والادراك التام.

2-    موانع المسؤولية الجنائية لا تمس الفعل المادي ولا تجرده من صفته الجرمية بل الجريمة تبقى قائمة رغم عدم مساءلة فاعلها جنائيا في حين ان أسباب الاباحة تجرد الفعل من وصفه الجرمي وتحوله الى عمل مباح.

3-    في أسباب الاباحة الفاعل يمارس حقه الشرعي والقانوني بينما في موانع المسؤولية الجنائية الفاعل يعتدي على حق الغير الا انه لا يسأل جزائيا لكونه معذورا بعذر يبرر عدم مساءلته جنائيا وبالتالي عدم عقابه.

4-    موانع المسؤولية الجنائية لا تعفي الجاني من المسؤولية المدنية وبوجه خاص في الشريعة الإسلامية فالمجنون والصبي غير المميز ومن في حكمهما إذا قتلوا شخصا تجب الدية على عاقلتهم وإذا سرقوا مالا واتلفوه يجب عليهم التعويض للمسروق منه في حين ان أسباب الاباحة تعفيه من كلتا المسؤوليتين.

5-    في أسباب الاباحة ينعدم الركن الشرعي في حين لا تأثير عليه في موانع المسؤولية الجنائية وانما أثرها يقتصر على الركن المعنوي (القصد الجنائي) لذا لا توصف جريمة عديم الاهلية بأنها عمدية لتخلف الركن المعنوي بسبب عدم وجود الادراك والإرادة.

6-    لا يقتصر أثر أسباب الاباحة في الشخص الذي اباح له الشرع والقانون الفعل بل يمتد الى كل من يساهم في اتيانه كفاعل أصلي او شريك لأنها تتعلق بذات الفعل لا بشخص فاعله، فمن يساهم مع المعتدى عليه في الدفاع الشرعي او مع الوالد في تأديب ولده يكون شأنه شأن من تعرض للاعتداء على نفسه او ماله او عرضه وشأن الوالد في تأديب ولده فلا مسؤولية على الكل لا جنائيا ولا مدنيا.

7-    من حيث الإجراءات يجب على نائب المدعي العام او قاضي التحقيق عند وجود أسباب الاباحة حفظ الدعوى لعدم جدوى الإحالة الى المحكمة المختصة بينما في بعض حالات موانع المسؤولية الجنائية قد يحتاج الامر الى الإحالة للقضاء لا لمساءلته جنائيا وانما للتأكد من وجود العذر كمن يرتكب جريمة ثم يدعي انه كان مجنونا حين ارتكبها او كان مكرها او مضطرا او نحو ذلك وعارضه المجني عليه او ورثته.

وبناء على هذه الفروق الجوهرية فإن النسبة المنطقية بين أسباب الاباحة وموانع المسؤولية الجنائية التباين بحسب المفهوم وماهيتهما الشرعية والقانونية، اما بحسب التحقق فإن النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق فأسباب الاباحة أخص مطلقا وموانع المسؤولية الجنائية اعم مطلقا فكلما تحقق سبب من أسباب الاباحة يتحقق مانع المسؤولية الجنائية ولكن عكسه الكلي غير صحيح فقد تحقق مانع المسؤولية الجنائية ولكنه لا يكون مبيحا للفعل الجرمي كما في حالات الجنون والصغر والاكراه والضرورة وغيرها من الأمور التي تكون مانعة من المسؤولية فقط ولا تمس أصل الفعل.

ب-موانع المسؤولية وموانع العقاب:

مانع العقاب عذر شرعي او قانوني يعفي الجاني من العقاب او يخففه او يبدله كما يأتي تفصيل ذلك في محله ومن اهم موانع العقاب في الشريعة والقانون ما يأتي:

1-    توبة الجاني في الشريعة الإسلامية ويقابلها في القانون العذر كما في الاتفاقات الجنائية قبل التنفيذ فاذا أخبر أحد من المتفقين الجنائيين السلطة العامة بهذه الجريمة قبل علمها بها يعفى من العقوبة المقررة لها.

2-    العفو من ولي الامر (رئيس الدولة) مطلقا في القانون وفي الجرائم التعزيرية فقط في الشريعة الإسلامية.

3-    وقف التنفيذ وهو شبيه بالعفو

4-    الصلح بين الجاني والمجني عليه.

5-    فقدان الجاني اهليته بعد ارتكاب الجريمة بموت او جنون مطبق مستمر الى الموت

6-    التقادم في القانون وقد يلتقي التقادم مع الشبهة كما في تأخر الشاهد عن افادته في جرائم الحدود

وهذه الموانع ليست على سبيل الحصر.

ويترتب على التبيان بينهما في الماهية والمفهوم الفروق التالية:

1-    مانع العقاب ليس له أثر في أركان الجريمة: سبب الاباحة له الأثر على الركن الشرعي بحيث يزيله كليا ويحول الفعل الى عمل مباح، وان مانع المسؤولية الجنائية له الأثر في الركن المعنوي (القصد الجنائي) فيحدث فيه الخلل او يزيله مع احتفاظ الفعل بصفته الجرمية بخلاف مانع العقاب فانه ليس له أي تأثير لا على الركن الشرعي ولا على الركن المعنوي.

2-    مانع المسؤولية الجنائية كسبب الاباحة مقترن بوقت ارتكاب جريمة ومستمر حتى تنفيذها والا فلا يعد مانعا فيسأل الفاعل جنائيا إذا حدث قبل الجريمة وزال في حين ارتكابها او تمت الجرمية ثم حدث فإنه لا تأثير له على المسؤولية ذاتها وانما يكون مانعا من استمرار الإجراءات او التنفيذ بحب وقت حدوثه، بخلاف مانع العقاب فانه يحدث بعد ارتكاب الجريمة وتحقق المسؤولية الجنائية.

3-    موانع المسؤولية الجنائية شخصية بخلاف موانع العقاب فإنها كما تكون شخصية مثل الابوة المانعة من القصاص قد تكون من وسائل الاثبات كما في الشبهة وقد تكون من ولي الامر كما في العفو العام والخاص وقد تكون في القانون والشرع كالقرابة وقد تكون غير ذلك.

4-    موانع المسؤولية الجنائية تزيل العقاب إزالة كلية بخلاف موانع العقاب فهي قد تكون معفية من العقاب وقد تكون مخففة له وقد تكون سببا لتبديل نوع العقاب بنوع اخر.

5-    في موانع المسؤولية الجنائية ينظر الى شخص الجاني فالمانعية مبنية على أساس رعاية العدالة لمصلحة الجاني في الجنون والصغر والاكراه والضرورة في حين ان الغالب في موانع العقاب رعاية المصلحة العامة.

6-    موانع العقاب قد تكون معلقة على شروط فإذا تخلف واحد منها يرتفع مانع العقاب كما في وقف التنفيذ.

7-    موانع العقاب في الشريعة الإسلامية قد تكون عامة وقد تكون خاصة في حين ان موانع المسؤولية الجنائية عامة مطلقا لا يوجد الفرق بين شخص واخر وبين جريمة وأخرى بخلاف موانع العقاب فمنها عامة ومنها خاصة.

8-    إذا وصلت القضية الى المحكمة في موانع العقاب عليها ان لا تحكم ببراءة المتهم بل تحكم بامتناع العقاب شرعا وقانونا بخلاف موانع المسؤولية الجنائية فالقاصي يصدر الحكم بالبراءة عن المسؤولية الجنائية لا عن التهمة الموجهة اليه.

9-    مانع العقاب لا يمنع الحكم على المتهم بالمصاريف وبالنظم الوقائية بخلاف موانع المسؤولية الجنائية فإنها تمنع ذلك.

10-          في موانع العقاب لا يجوز لقاضي التحقيق (عضو النيابة) ان يفصل في الامر بل عليه الإحالة الى المحكمة المختصة بخلاف ذلك في موانع المسؤولية الجنائية.

أولاً: تعريف وشروط وصور الاكراه المادي:[3]

تعريف الاكراه المادي:

هو قوة مادية توجه الى الشخص ومن شأنها ان تعدم ارادته وتؤدي به الى ارتكاب الجريمة، وعرفه البعض: صورة من صور القوة القاهرة وهي العامل الطارئ الذي يعزي الى المصادفة يسلب الفاعل ارادته على نحو مادي مطلق لا يملك له دفعا ويلجئه الى إتيان عمل لا يريده.

لذلك فإن الاكراه المادي يحول جريمة من وقع عليه الاكراه الى مجرد فعل مادي ذلك انه يمحو أراد الفاعل فيهبط سلوكه الى مستوى العمل المادي المحض.

ويفرق شراح القانون الوضعي ما بين الاكراه المادي والقوة القاهرة حيث لا يكون الاكراه المادي الا من انسان، اما القوة القاهرة فهي من فعل قوى الطبيعة التي تخضع لمشيئة الله سبحانه وتعالى، الا ان كلاهما هو قوة معدمة للإرادة وبصفة مطلقة.

صور الاكراه المادي:

الصورة الأولى: الاكراه المادي ذو المصدر الخارجي:

أ-قد يكون قوة عنيفة مصدرها الطبيعة كمن تضطره العاصفة للرسو في ميناء بدون رخصة.

ب-قد تكون ناتجة عن فعل حيوان كأن يلجأ راعي بقطيعه الى غابة مجاورة محمية هربا من الذئب.

ج-قد تكون ناشئة عن فعل انسان كمن يهدد موظف بنك بالسلاح الناري لتسليمه المال.

د-قد يكون مصدر الاكراه من فعل السلطات العامة " وذلك حكم في فرنسا ببراءة المتهم من جريمة عدم الذهاب الى الخدمة العسكرية بناء على طلب السلطات المختصة لأنه كان محبوسا على ذمة قضية أخرى"

الصورة الثانية: الاكراه المادي ذو المصدر الداخلي:

ينتج الاكراه أثر ولو كانت القوة التي أثرت على إرادة الفاعل مصدرها داخلي متصل به متى كان من المستحيل مقاومتها ويتعلق الامر هنا بقوة تنشأ عن سبب ذاتي ملازم لشخص الجاني نفسه ".

وقد أخذ القضاء الفرنسي بالإكراه المادي ذي المصدر الداخلي في قضية راكب قطار غلبه نعاس شديد في سفر طويل من كثرة التعب فجاوز المسافة التي دفع أجرها.

وهناك من يرى انه يجب ان يكون الاكراه ذا مصدر خارجي فلا يندرج تحت مفهوم الاكراه إذا كان الضغط على الإرادة ذا مصدر داخلي او ذاتي أي مبعثه نفسية الشخص كحالات العاهة العقلية او الانفعالات، لكنهم يرون انه ليس المقصود ان يكون الضغط من خارج جسم من بوشر عليه الاكراه وانما المقصود ان يكون خارج نفسيته فمن يصاب بشلل مفاجئ فيقع على طفل ويقتله تتحقق فيه حالة الاكراه.

شروط الاكراه المادي:

يكاد يتفق شراح القانون الوضعي على ان شروط الاكراه المادي الذي يرفع المسؤولية الجنائية هي:

1-أن يكون مرتكب الجريمة (المكره عليها) فاقد للإرادة تماما بحيث يخضع لقوة أعدمت ارادته بصورة مطلقة.

2-أن تقطع ظروف الحال بأنه كان يستحيل عليه توقع الاكراه وليس في استطاعته توقعها.

3-أن مقاومة القوة المكرهة مستحيل وليس صعب

عبرت عن هذا الشرط المادة (35) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني المعنونة بالإكراه المادي والقوة القاهرة بقولها [لا يرتكب جريمة من وقع منه الفعل المكون لها تحت ضغط اكراه مادي يستحيل عليه مقاومته...]

4-أنه لا يوجد أي خطأ في مسلك الجاني (الواقع عليه الاكراه) من أي نوع.

ثانياً: الاكراه المعنوي:

تعريف الاكراه المعنوي:

العامل الذي مع ابقائه على الإرادة من الوجهة المادية فإنه يشل حركتها ويذهب بقيمتها من حيث القدرة على الاختيار وذلك تحت تأثير الخوف من خطر أو ضرر جسيم وشيك الوقوع وليس في الإمكان دفعه او الإفلات منه الا بارتكاب الجريمة.

فالإرادة قائمة في هذه الأحوال من الناحية المادية بحيث يملك الجاني ان يمتنع عما ينهى عنه القانون او ان يفعل ما يأمر به فلا يرتكب الجريمة ولكن من المحقق ان في سبيل ذلك يتحمل ضررتً جسيما على نفسه او نفس غيره الامر الذي يشل عند الاختيار في النهاية ويجعله لا يختار في هذا الوقف الا اتجاها واحدا دائما هو الإفلات من الخطر المحدق عن طريق ارتكاب الجريمة.

الفرق بين الاكراه المادي والمعنوي:

ان الشخص الواقع عليه الاكراه المادي يكون فاقد حرية الإرادة فقداناً تاماً فلا تكون لديه فرصة يتوقى معها حصول الاكراه ليتخذ مثلا من وسائل الحيطة ما يمنع وقوع الجريمة بل ولا يمكنه مقاومة ذلك الاكراه إذا ما وقع بحسب قدرته الجسيمة ومن ثم فلا سبيل للاختيار لأن هناك طريقاً واحداً لا مناص من التردي فيه وهو الجريمة.

أما في حالة الاكراه المعنوي فإن للشخص فسحة من الاختيار قد تكون محدودة ولكنها موجودة بمعنى انه على أي حال يتمتع باختياره فهو يوازن بين أمرين لا ثالث لهما: اما ان يمتثل للخطر الملح غير القابل للمقاومة ليقع على نفسه فيهدر بذلك مصلحته واما ان يلحق ضررا بنفس ومال غيره في سبيل مصلحته.

ملاحظة: تسوي بعض القوانين بين الاكراه المعنوي وحالة الضرورة ومنها القانون اليمني.

صور الاكراه المعنوي:[4]

الصورة الأولى: تفترض استعمال العنف للتأثير على الإرادة مثال ذلك: حبس شخص او ضربه او تهديده باستمرار وذلك حتى يقبل ارتكاب الجريمة، ويدخل في مفهوم العنف كل ما يؤثر على الإرادة دون أن يعدمها.

وبذلك تتفق الصورة الأولى للإكراه المعنوي مع حالة الاكراه المادي في وجود العنف في كل منها، الا انه في حالة الاكراه المادي يصل الامر الى السيطرة الكاملة التي تعدم الإرادة وتجعل الواقع عليه الاكراه ليس أكثر من الة في يد من يكرهه، أما في حالة الاكراه المعنوي فإن العنف لا يبلغ هذه الدرجة من السيطرة واعدام الإدارة بل يقتصر على التأثير عليها لحملها على اتجاه الجريمة.

الصورة الثانية: خالية من العنف ويقتصر الاكراه على مجرد التهديد فتفترض استعمال قوة معنوية للتأثير على الارادة مثل تهيد امرأة بخطف ابنها ان لم ترتكب جريمة الزنا.

شروط الاكراه المعنوي:

1-    ان يوجد خطر جسيم حال-او وشيك الوقوع-على النفس:

ويعني هذا الشرط ان لا يمكن القول بتحقق حالة الاكراه المعنوي بوجود أي خطر في أي صورة بل لابد من تحقق شروط او مواصفات معينة في ذلك الخطر كالاتي:

أ-ان يكون الخطر جسيما: فالحديث هنا عن حجم وأهمية الخطر فلا بد من ان يكون جسيما وتقدر هذه الجسامة بمعيار الشخص العادي.

ب-ان يكون مصدر هذا الخطر انسان: اما إذا كان حيوانا مثلا او قوى الطبيعة فإننا نكون بإزاء حالة ضرورة وليس اكراها معنويا.

ج-ان يكون الخطر على النفس سواء نفس المكرَه او نفس الغير: وبذلك يخرج الخطر على المال من مبررات قيام حالة الاكراه المعنوي وهو ما ينتقده البعض.

في القانون اليمني لا يخرج المال بدليل ذكره صراحة في المادة(36) من قانون الجرائم والعقوبات المعنونة بالضرورة والاكراه المعنوي التي تنص: [لا مسؤولية على من ارتكب فعلا الجأته اليه ضرورة وقاية نفسه او غيره او ماله او مل غيره من خطر جسيم محدق...]

د- ان يكون الخطر حالا او وشيك الوقوع: وبذلك فإن الخطر الذي فات اوانه او الذي يتوقع حدوثه مستقبلا لا يصلحان لقيام حالة الاكراه المعنوي.

وقد عبرت عن ذلك نص المادة36/ يمني بقولها [...خطر جسيم محدق...]

هـ- أن يكون الخطر حقيقيا: وليس تصوريا الا ان يستند ذلك التصور الى اباب معقولة حتى يمكن ان تنتفي المسؤولية الجنائية.

2-الا يكون الشخص ملزما بمواجهة الخطر طبقا للقانون:

او كما يعبر البعض الا يكون الخطر مشروعا فلو سيق محكوم عليه بالإعدام لتنفيذ الحكم عليه فلا يعد ذلك خطرا تقوم به حالة الاكراه المعنوي التي تبيح له قتل حارسه او اصابته فخطر الموت الذي يواجهه قضى عليه طبقا للقانون ان يواجهه.

وقد عبرت عن ذلك نص المادة36/ يمني بقولها [...ولا يعتبر في حالة ضرورة من أوجب عليه القانون مواجهة ذلك الخطر]

3-الا يكون لإرادة الجاني دخل في حلول ذلك الخطر:

بمعنى ان لا يكون الجاني هو الذي ذلك الخطر بخطئه العمدي او فعله المقصود حتى ولو ينطو على معنى الخطأ العمدي او الجريمة العمدية. مثال ذلك من يخشى الهلاك جوعا فيسرق اطعمة في الوقت الذي يتقاعس فيه عن العمل والكسب فإن تقاعسه هذا هو الذي أوجد حالة خطر الموت جوعاً.

وقد عبرت عن ذلك نص المادة36/ يمني بقولها [...لم يتسبب هو فيه عمداً...]

4-الا يكون في قدرة الواقع عليه الاكراه منع الخطر بطريقة أخرى خلاف ارتكاب الجريمة:

بمعنى ان تكون جريمة الاكراه المعنوي من شأنها التخلص من لك الخطر.

وقد عبرت عن ذلك نص المادة36/ يمني بقولها [...ولم يكن في قدرته منعه بوسيلة أخرى...]

5-تناسب فعل الجريمة مع مقدار او حجم الخطر:

ويستفاد هذ الشرط من اشتراط كون فعل الجريمة هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر ذلك انه إذا كان في امكان الواقع عليه الاكراه ان يدرأه بارتكاب جريمة ذات جسامة معينة ولكنه فضل درأه بجريمة أكثر جسامة فليست الجريمة الأكثر جسامة هي الوسيلة الوحيدة بل هناك وسيلة أخرى هي الجريمة الأقل جسامة فلا تقوم حالة الاكراه المعنوي التي تمنع المسؤولية الجنائية، ويعبر البعض عن ذلك بأن تكون المصلحة المدافع عنها أكثر قيمة او على الأقل متساوية مع تلك المضحاة في سبيلها.

وقد عبرت عن ذلك نص المادة36/ يمني بقولها [...ويشترط أن يكون الفعل متناسباً مع الخطر المراد اتقاؤه...]

الوقوع به او بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى]

تقدير الخطر:

ان مدى توافر شروط الاكراه المعنوي متروك لتقدير القاضي، الا ان على القاضي ان يضع معيارا لذلك يراعي طبيعة الأمور من ناحية ثم حالة الجاني وظروفه الخاصة والملابسات الت يوجد فيها من ناحية أخرى او بتعبير اخر أن يضع نفسه في موقفه ويقيس بمقياسه مراعياً كافة الظروف السابق ذكرها.

اثبات الاكراه المعنوي:

يقع على عاتق منن وقع عليه الاكراه ان يثبت توافر الشروط المتطلبة للقول بوجود اكراه معنوي يبرر ارتكاب الجريمة وقاضي الموضوع هو الذي يقدر هذا ولمحكمة التمييز ان تراقب هذا التقدير.

ويلتزم القاضي بالرد على دفع المتهم بوقوع اكراه عليه ذلك ان مثل هذا الدفع يعد دفعا جوهريا يلتزم القاضي بالرد عليه.

ثالثاً: أثر الاكراه المادي والمعنوي:[5]

لم تعالج قوانين البلاج العربية موضوع أثر الاكراه في المسؤولية الجنائية على نمط واحد واتجاه موحد 1-بل منها من اقتصر على حالتي الضرورة والدفاع الشرعي وأهمل الاكراه بنوعيه كالقانونين المصري والجزائري.

2-منها ما خصص للاكراه مادة مستقلة عن المواد التي تناولت حالات الضرورة وأسباب الاباحة كالقانون العراقي حيث تناول أثر الاكراه بنوعيه بصورة مختصرة في المادة(62) التي نصت على انه [لا يسأل جزائيا من اكرهته على ارتكاب الجريمة قوة مادية او معنوية لم يستطع دفعها] وأيضا من القوانين التي جمعت بين الاكراه المادي والمعنوي القانون السوري واللبناني والعماني التي نصت على صياغة تعبيرية واحدة في الثلاثة التشريعات وهي [لا عقاب على من أكرهته قوة مادية او معنوية لم يستطع دفعها].

3-ومنها من اقتصر على الاكراه المعنوي كما هو معروف في الفقه الإسلامي واعتبر ما يرجع الى القوة القاهرة او الغالبة من باب الضرورة وهذا هو السليم، والجدير بالذكر انه كلما ورد لفظ التهديد ومشتقاته يكون المراد بالإكراه الاكراه المعنوي كما ان تعبير القوة المادية او الغالبة او القاهرة دليل على ان المراد هو الاكراه المادي.

4-ومنها ما استثنى من التأثر بالإكراه جريمة القتل فالإكراه فيها لا يعد مانعا كما هو رأي بعض الفقهاء الشريعة كالقانون الأردني فهذا القانون اقتصر على الاكراه المعنوي وتضمن بصورة واضحة أركانه وشروطه ومنها ان يكون الاكراه ملجئا كما في الفقه الإسلامي ولكنه معيب من حيث انه استعمل تعبير ((لا عقاب)) رغم انه بصدد موانع المسؤولية الجنائية دون موانع العقاب.

5-ومنها ما اقتصر على الاكراه المعنوي واستثنى جرائم القتل والجرائم التي تكون ضد الدولة ويعاقب عليها بعقوبة الإعدام كالقانون السوداني غير انه معيب من حيث استعمال تعبير ((لا يعد الفعل جريمة)) لان الاكراه ليس من أسباب الاباحة حتى يحول الفعل الجرمي الى المباح وانما هو من موانع المسؤولية مع احتفاظ الفعل بصفته الجرمية كما هي.

6-ومن القوانين التي اقتصرت على الاكراه المعنوي مع استثناء جريمة القتل وكل جريمة أخرى تكون عقوبتها الإعدام سواء كانت ضد الدولة او لا كالقانون البحريني وفيه كذلك العيب التشريعي في نفي الصفة الجرمية من الفعل بدلا من نفي المسؤولية الجزائية.

7-ومن القوانين التي اقتصرت على الاكراه المعنوي القانون الكويتي حيث نص في المادة(24): لا يسأل جزائيا من يكون وقت ارتكابه الفعل فاقدا حرية الاختيار لوقوعه بغير اختياره تحت تأثر التهديد بإنزال أذى جسيم حال يصيب النفس والمال.

8- ومن القوانين التي تناولت الاكراه المادي مع القوة القاهرة والاكراه المعنوي مع الضرورة القانون اليمنـــــــــــي تحت عنوان ما يستبعد الركن المادي المادة(35) و(36) ومن مزايا هذا القانون:

أ-استثنى القتل وتعذيب الانسان من شمولهما بالإعفاء عن المسؤولية بسبب الاكراه المادي والقوة القاهرة.

ب-تناول الشروط المطلوبة لتأثير هذه الاعذار في المسؤولية الجنائية.

ج-أضاف التعذيب الى القتل في الاستثناء وهذا غير موجود في القوانين الأخرى.

من عيوب هذا القانون:

أ-ادراج الاعذار المذكورة تحت عنوان ما يستبعد الركن المادي وهذا خطأ لان هذه الاعذار تستبعد الركن المعــــــنوي (القصد الجنائي) دون الركن المادي.

ب-أهمل في المادة(36) الاستثناء الوارد في المادة (35) في حين الاعذار الأربعة ليست مانعة من المسؤولية الجنائية في جريمة القتل والاعتداء على سلامة الانسان.

ج-اعتبر الاكراه المادي والقوة القاهرة من أسباب الاباحة حيث نص في المادة (35) على انه ((لا يرتكب جريمة)) مع انه حصر أسباب الاباحة سابقاً في استعمال الحق وأداء الواجب والدفاع الشرعي وبذلك خلط بين سبب الاباحة ومانع المسؤولية الجنائية، فالإكراه أيا كان نوعه لا يعد سببا من أسباب الاباحة فالفعل يحتفظ بصفته الاجرامية رغم ارتكابها تحت ضغط بالإكراه.

9-خلط فقهاء القانون الجنائي في الاكراه المادي بين حالتي الضرورة والاكراه فاعتبروا القوة القاهرة التي يكون مصدرها الحيوان المفترس او الطبيعة من الاكراه المادي، رغم انهم بحثوا حالة الضرورة بصورة مستقلة وهي لا تختلف في حقيقتها مع هذه القوة القاهرة رغم محاولتها التفرقة بينهما فالمفروض ان يعتبر اكراها كل ضغط يهدد بالخطر يكون مصدره انسانا اما إذا كان الخطر المهدد به من حيوان او طبيعة فالمفروض ان يعتبر ذلك من الضرورة. 

وفي النهاية ومن خلال نص المادتين 35 و36 يتبين لنا ان المشرع اليمني اعتبر الاكراه المادي والقوة القاهرة من أسباب الاباحة لقوله "لا يرتكب جريمة" وينتفي بها الركن المادي للجريمة، اما الاكراه المعنوي وحالة الضرورة اعتبرهما من موانع المسؤولية الجنائية لقوله "لا يسأل جزائيا" وينتفي بها الركن المعنوي دون الركن المادي رغم ان عنوان المواد (35) (36) (37) ما يستبعد الركن المادي الا ان العبرة تكون بنص ولفظ المادة وهو ما نراه، ويترتب على ذلك ان المشرع اليمني جعل الاكراه المادي لا يترتب عليه التعويض المدني لعدم وجود الجريمة اما الاكراه المعنوي فيترتب عليه ذلك، فحسب موقف المشرع اليمني يجب ان نخضع الاكراه المادي لقواعد الاباحة والاكراه المعنوي لقواعد موانع المسؤولية رغم ان هذا مسلك منتقد كما ذكر سابقا فالإكراه بنوعيه من موانع المسؤولية.

 

اعداد/ سمر عبد السلام العريقي

اشراف/ أ. سليمان نبيل الحميري 

شركة الربيعي وشركاؤه للخدمات القانونية



[1] الإكراه في القانون الجنائي: دراسة مقارنة بين القوانين العربية والأجنبية والشريعة الاسلامية

لأبو عليم، نصر محمد سليمان

[2] كتاب موانع المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية والتشريعات الجزائية العربية للدكتور مصطفى الزلمي الطبعة الأولى 2014م

[3] أثر الاكراه على المسؤولية الجنائية في المملكة العربية السعودية رسالة ماجستير لمرزوق بن فهد المطيري 2004م.

[4] بحث الاكراه كمانع من موانع المسؤولية الجنائية لعدنان بلاسم 2016.

[5]   كتاب موانع المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية والتشريعات الجزائية العربية للدكتور مصطفى الزلمي الطبعة الأولى 2014م.