عقد الإذعان, وفقا للقانون اليمني
ماهية عقد
الإذعان:
هو العقد
الذي يسلم فيه القابل بالشروط التي يضعها الموجب سلفا ولا يقبل فيها مناقشة ، وذلك
فيما يتعلق بسلعة أو خدمة ضرورية تكون محل احتكار قانوني أو فعلي, أو تكون
المنافسة فيها محدودة النطاق.
عرفت نصت
المادة(161مدني)عقد الإذعان بقولها:
إذا كان
الموجب قد وضع شروطا مقررة لا تقبل المناقشة فيها, فإن القبول يقتصر على التسليم
بهذه الشروط, وهو ما يعبر عنه بالإذعان.
وعقد
الإذعان هو وليد تطور الحياة الاقتصادية الحديثة، فالصور التقليدية لإبرام العقود
تقوم على المساومة, وتفترض مناقشة شروط العقد بحرية تامة من جانب الطرفين على قدم
المساواة، وقد أدى تزايد النشاط الاقتصادي إلى قيام مشروعات كبيرة تقدم للجمهور
سلعا وخدمات ضرورية تحتاج معها إلى اعداد عقود نموذجية سلفا لتطبيقها مع جميع
المتعاملين معها، وفي الغالب لا يكون لهؤلاء المتعاملين سوى قبول العقود المعدة
سلفا برمتها أو رفضها, دون أن يكون لهم حرية مناقشة شروطها، ولهذا سميت بعقود
الإذعان أو عقود الموافقة أو الانضمام, نظراً لأن أحد المتعاقدين فيها يذعن للشروط
التي يمليها عليه المتعاقد الآخر, إذعانا اقتضى تدخل المشرع بنصوص خاصة لحمايته.
خصائص
عقد الإذعان:
يتميز عقد
الإذعان بعدة خصائص, أهمها:
1-أن
الموجب فيه يكون في مركز اقتصادي أقوى من مركز القابل, لما يتمتع به من احتكار
قانوني أو فعلي ، أو لكون المنافسة محدودة الأثر بالنسبة إليه بحيث يكون تفوقه
الاقتصادي واضحاً.
٢-أن
هذا العقد يتعلق بسلع أو مرافق تعد من الضروريات الأولية بالنسبة للمستهلكين أو
المنتفعين, وتحديد ما إذا كانت السلعة أو الخدمة من ضروريات الحياة, أم لا مسألة
واقع تدخل في سلطة قاضي الموضوع التقديرية.
٣-أن
الايجاب فيه يكون عاما و دائماً، فهو ايجاب موجه للجمهور ويحمل في الوقت ذاته طابع
الدوام والاستمرار، فمن يحتكر مرافق النقل أو توريد المياه أو النور, يتحتم عليه
أن يوجب على نفسه عرض خدمته وتقديمها لكل من يطلبها.
٤-
أن الايجاب يصدر في قالب نموذجي، ويعرض ككل يقبل جملة أو يرفض، ويغلب أن يكون في
صيغة مطبوعة تحتوي على عبارات دقيقة ومعقدة في الوقت ذاته لا يفهمها الشخص العادي،
وتتضمن عادة شروطاً كثيرة لصالح الموجب, بعضها يجازي التقصيرات المحتملة من المذعن,
وبعضها الآخر يعفى أو يحد من مسؤولية الموجب التعاقدية.
شروط
عقد الإذعان:
1-أن يتعلق
موضوع العقد بسلعة أو خدمة ضرورية بالنسبة للمستهلكين بحيث لا يمكن الاستغناء عنها,
أي أن تكون من السلع أو الخدمات التي لا تستقيم مصالح الناس وأمور معاشهم إلا
بتوافرها، وذلك كالطعام والنور والملح وما شابه ذلك.
2-أن
يحتكر الموجب هذه السلعة احتكاراً قانونياً أو فعلياً, أو على الأقل تكون المنافسة
بينه وبين غيره على هذه السلعة أو الخدمة محدودة.
3- أن يصدر المحتكر إيجابه للناس كافة وبشروط
واحدة وعلى نحو مستمر، أي لمدة غير محددة, ويغلب من الناحية العملية أن يكون
الإيجاب مطبوعاً وفيه كامل الشروط التي يريدها المحتكر مما لا يقبل فيها المناقشة،
لحرصة الشديد على مصلحته ومحاولة التخفيف من مسؤوليته.
ويعتبر من
قبيل هذه العقود عقد النقل بمختلف صورة، الجوي والبحري وغير ذلك، وعقود الشركات
الكبرى وعقود الماء والغاز، والبريد والتليفون ونحو ذلك مما تتحقق فيه هذه الشروط.
الحماية
التشريعية للطرف الضعيف:
أورد
القانون المدني اليمني حكمين خاصين ضمنهما المادتين(٢١٣،٢١٤) توخي فيهما حماية
الطرف الضعيف في عقد الإذعان, مدينا كان هذا الطرف أو دائنا, وذلك خروجا منه على
قاعدتي أن العقد شريعة المتعاقدين، وأن الشك يفسر لمصلحة المدين, وهذين الحكمين :
اولاً: الاستثناء
الوارد على قواعد التفسير :
نصت المادة
(٢١٣)على أنه:
إذا حصل
شك في عبارات العقد يفسر الشك في مصلحة المدين إلا في عقود الإذعان, فلا يجوز أن
يكون التفسير فيها ضاراً بمصلحة الطرف لمذعن.
فالأصل كما
تنص عليه هذه المادة أن الشك يفسر لمصلحة المدين، وهذا يعني أن القاضي إذا وجد في
نصوص الاتفاق عبارات غامضة فإنه يفسرها بما يتفق ومصلحة المدين.
وهذا الأصل يرد عليه استثناء هام يتعلق بعقود
الإذعان نصت عليه المادة في شطرها الأخير, حيث يفسر القاضي الشك لمصلحة الطرف
المذعن دائناً كان أو مديناً.
مثال ذلك,
قيام شخص بالاتفاق مع شركة نقل بضاعة له إلى مدينة ما، فالشركة تعد مدينة في هذا
الاتفاق وصاحب البضاعة يعد دائناً بالنقل، فإذا وجدت في العقد عبارة غامضة تتعلق
مثلاً بالتعويض عن تلفها أو ضياعها وثار نزاع حولها, فإنه يجب تفسيرها بما يتفق
ومصلحة صاحب البضاعة, باعتباره الطرف المذعن في عقد الإذعان المبرم بينه وبين
الشركة.
والحكمة من
هذا الاستثناء هي أن الطرف القوي(الموجب)في عقد الإذعان يستأثر بوضع شروط العقد
بنفسه, ولديه من الوسائل ما يستطيع بها أن يورد عبارات غاية في الوضوح والدقة،
فإذا شاب عبارات العقد أي غموض كان ذلك راجعاً إلى قصور في جانب هذا الطرف, وعليه
تقع تبعة هذا الغموض.
ثانياً:
الاستثناء الوارد على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين:
تنص
المادة(٢١١مدني) على أن العقد:
ملزم
للمتعاقدين, فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين, أو للأسباب التي يقررها
القانون.
فالأصل-
وفقاً لهذا النص- أن العقد ملزم لعاقديه، فكل متعاقد ملتزم بتنفيذ كل ما ورد به،
وعلى القاضي أن يلتزم أيضاً بما ورد في هذا العقد عند النظر في أي نزاع يتعلق به.
غير أنه
يرد على هذا الأصل استثناء يتعلق بعقود الإذعان, نصت عليه المادة (٢١٤مدني) حيث
تقضي بأنه:
إذا كان
العقد قد تم بطريق التسليم (الإذعان)لشروط تعسفية مرهقة, جاز للقاضي أن يعدل هذه
الشروط أو يعفى الطرف الذي سلم بها منها, وذلك وفقاً لما تقضي به الشريعة
والعدالة، وإذا وجد نص يدل على اعتبار الشروط التعسفية المرهقة كان باطلاً.
فالنص يجيز
للقاضي استثناء تعديل أو إلغاء الشروط التعسفية التي يرى أن الموجب قد تعسف فيها,
استغلالاً لحاجة الطرف المذعن.
ومن الشروط
التعسفية على سبيل المثال شرط الإعفاء من المسئولية العقدية, كالشرط الذي يضعه
الناقل البحري من أنه ليس مسئولاً عن فقدان الأمتعة والأشياء الثمينة، فللقاضي أن
يهمل هذا الشرط لاعتباره شرطاً تعسفياً.
وضماناً
لتحقيق هذه الحماية فقد اعتبرها القانون المدني من النظام العام, لا يجوز
للمتعاقدين الاتفاق على نزع سلطة القاضي في تعديل أو إلغاء هذه الشروط.
الطبيعة
القانونية لعقد الإذعان:
الطريقة
التي ينعقد بها عقد الإذعان أثارت خلافاً حول طبيعته, فذهب البعض إلى عدم الاعتراف
به، فلا يرى فيه سوى مجرد مركز قانوني منظم تنشئه إرادة منفردة هي إرادة الموجب،
فتكون هذه الإرادة بمثابة قانون أو لائحة تسيطر على تفسير العملية وتطبيقها.
فيجب تفسير
هذا المركز كما يفسر القانون وتطبيقه تطبيقاً تراعى فيه مقتضيات العدالة وحسن
النية.
أما الإذعان من جانب القابل فليس من شأنه أن
يغير من طبيعة هذا المركز, لأنه لا يخلق الالتزام وإنما يجعله منتجاً فحسب.
وتذهب
غالبية الفقهاء إلى اعتباره عقداً حقيقياً يخضع للقواعد التي تخضع لها سائر العقود.
أما الطريقة التي يتم بها هذا العقد فليست سوى
ثمرة لتطور في الفن التعاقدي, ذلك التطور الذي جاء نتيجة لتطور في الحياة
الاقتصادية الحديثة. ولذلك فإن هذه الطريقة لم تقتصر على عقد الإذعان, بل نجدها في
عقود أخرى حيت تتم بمجرد انضمام من القابل لا نقاش فيه، كما هو الحال في المشتريات
بأسعار محددة من المحال التجارية الكبيرة وغيرها.
وقد اعترف
المشرع اليمني بهذا العقد، وتدخل تشريعياً لحماية الطرف المذعن في الحالتين
السابقة.
الخاتمة:
إن عقود الاذعان
هي من العقود التي يتميز فيها القبول بكونه مجرد اذعان لما يملي عليه الموجب، وأن
شروط عقود الاذعان هي احتكار السلعة أو الخدمة من جانب الموجب, سواء كان احتكار
فعليا أو احتكار قانونيا, ويجب أن تكون السلعة أو الخدمة ضرورية للمستهلك بحيث لا
يستغني عنها، أو يمكنه ذلك ولكن بصعوبة، و انفرادُ الطرف الموجب بوضع تفاصيل العقد
وشروطه دون أن يكون للطرف الآخر حقُ في مناقشتها أو إلغاء شيء منها أو تعديله، و
صدور الإيجاب (العَرض) موجهاً إلى الجمهور، موحداً في تفاصيله وشروطه، وعلى نحو
مستمر.
وعقود الاذعان عقود حقيقيه و لا تبطل, ولكن تعدل
أو تلغى فيها الشروط المذعنة .
و من أهم
طرق علاج عقود الاذعان, فرض رقابه الدولة عن طريق التسعير الجبري, و تفعيل دور
المشرع من خلال القوانين.
المراجع:
-د.
عبد المنعم فرج الصدة، مصادر الالتزام في القانون اليمني.
-
د. محمد يحيى المطري، النظرية العامة للالتزام، الجزء الأول مصادر الالتزام في
القانون المدني اليمني.
-د. محمد
بن حسين الشامي، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني اليمني، مصادر
الالتزام.
إعداد الباحث/محمد نجيب القوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب ماتريد قوله للمحامي أمين الربيعي