عقد المرابحة في الفقه
والقانون
مقدمـة:
بيع المرابحة هو أحد انواع البيوع المشروعة في الاسلام, والذي برزت اهميته في الآونة الاخيرة جراء ظهور البنوك الاسلامية
والتي تقوم بالمرابحة عن طريق عقد المرابحة للآمر بالشراء, والتي لا تقوم فيه
البنوك باقتناء السلع في مخازنها ومن ثم بيعها مرابحة او مساومة, وانما يتم بطلب
شخص يود شراء سلعة معينة الى البنك يتضمن مواصفاتها فيقوم البنك بشرائها ومن ثم بيعها
الى طالب الشراء مرابحة.
في هذا البحث سنقوم بعرض مبسط لمفهوم ومشروعية هذا النوع من العقود, وموقف
الفقه الاسلامي والقانون اليمني منه.
المرابحة في اللغة:
مأخوذة من كلمة ربح، وتعني النماء
في التجارة وربح في تجارته يربح ربحا وتربحا، والعرب تقول: ربحت تجارته: إذا ربح صاحبها
فيها. وأربحته على سلعته أي أعطيته ربحا. ويقال بعته السلعة مرابحة على كل عشرة دراهم
درهما، وكذلك اشتريته مرابحة.[1]
المرابحة في الاصطلاح:
عرفها الفقهاء بتعريفات كثيره
ـ عرفها
ابن رشد: " أن يذكر البائع للمشتري الثمن الذي اشترى به السلعة ويشترط عليه ربحا
ما للدينار أو الدرهم".
ـ وعرفها
الإمام المرغياني: "المرابحة نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة
ربح".[2]
ـ وعند
الشافعية المرابحة هي الزيادة على رأس المال بأن يشتري شيئا بمائة مثلا ثم يقول لغيره
وهما يعلمان بذلك بعتك بمائتين أو بما اشتريت أو برأس المال ونحو ذلك.
ـ وعرفها
ابن قدامة الحنبلي: "هو البيع برأس المال وربح معلوم ويشترط فيه علم البائع والمشتري
برأس المال، فيقول رأس مالي فيه أو هو علي بمائة. بعتك بها وربح عشرة.[3]
وعرفها
الجرجاني بقوله: "هي البيع بزيادة على الثمن الأول".
وخلاصة القول في تعريف المرابحة
أنه بيع يقوم على أساس معرفة الثمن الأول وزيادة ربح، ولأن بيع المرابحة من بيوع الأمانة
ينبغي أن يكون الثمن الأول معلوما, وأن يكون الربح معلوما بناء على اتفاق بين المتعاقدين.
المرابحة في القانون:
عرفه القانون المدني
اليمني في نص المادة (570) المرابحة هي بيع الشخص ما اشتراه بعقد صحيح بالثمن الذي
اشترى به, مع زيادة ربح معلوم.
حكم بيع المرابحة الفقهية:
عقد بيع
المرابحة صورة من صور البيع، والبيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، قال تعالى:
"وأحل الله البيع وحرم الربا"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما
محقت بركة بيعهما".
وقد استدل الفقهاء على جواز بيع
المرابحة بعموم الأدلة على جواز البيع، وقد تعامل الناس بها في مختلف الأقطار والعصور
لحاجة الناس إلى هذا النوع من البيع، يقول ابن قدامة: "وهذا البيع جائز لا خلاف
في صحته".
وان كان يرى البعض تفضيل بيع
المساومة على المرابحة, الا انه نقل عن
جماهير العلماء انهم رخصوا ذلك البيع.
شروطه:
لما كان عقد بيع المرابحة من عقود المعاوضات, فانه يشترط فيه ما يشترط
في عقود المعاوضات, واضافة الى انه من عقود الأمانة فانه يشترط فيه شروط خاصة هي:
1- فبالنسبة للصيغة يجب
ان تحتوي اضافة الى انها دالة على الرغبة
في ابرام التعاقد وتطابق الايجاب والقبول, ان ينص البائع فيها على مقدار راس المال
والربح
2- أن يكون رأس المال من المثاليات
:-أي مما له مثل كالكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة.
جاء في البحر الرائق: وشرطها-أي المرابحة- كون الثمن الأول مثليا. والمثلي:
الكيلي والوزني والمعدود المتقارب ولا يصح البيع حتى يكون العوض مثليا والربح مثلي
معلوم.
وهذا شرط في المرابحة سواء تم البيع من البائع الأول أو مع غيره،
وسواء كان الربح من جنس الثمن الأول أم لم يكن بعد أن يكون شيئا مقدرا معلوما كدرهم
ونحوه, فإن رأس المال مما لا مثل له كالعروض لا يجوز بيعه ممن ليس في ملكه.
ذكر صاحب الهداية أن المرابحة
لا تصح حتى يكون العوض مما له مثل, لأنه إذا لم يكن له مثل لو ملكه بالقيمة وهي مجهولة
لم يصح, ولو كان المشتري باعه مرابحة ممن يملك ذلك البدل, وقد باعه بربح درهم أو بشيء
من المكيل موصوف جاز لأنه يقدر على الوفاء بما التزم, وإن باع بربح زيادة لا يجوز لأنه
باعه برأس المال وببعض قيمته لأنه ليس من ذوات الأمثال.
وعلى هذا
إن كان الثمن الأول غير مثلي، كأن يكون من الأعداد المتقاربة كالدور والثياب ونحوهما،
فإما أن يبيعه ممن في يده وملكه أو من غيره، فإن باعه ممن ليس في ملكه ويده لم يجز
لا يمكن مرابحته بالعرض عينه, لأنه ليس في يده وملكه ولا يبيعه منه بقيمته, لأن قيمته
مجهولة تعرف بالحرز والظن
حكم إذا حدث بالسلعة عيب في يد البائع أو في يد المشتري:
اذا عيبت السلعة في يد البائع واراد البائع بيعها مرابحة، فإن كان العيب قد حدث بفعله أو بفعل أجنبي,
لم يجز له بيع المبيع مرابحة حتى يبين للطرف المتعاقد معه العيب, وهذا محل اتفاق بين
الفقهاء.
واذا حدث العيب
بآفة سماوية فقد اختلف الفقهاء في اشتراط بيان ذلك أو عدم اشتراطه على قولين:
القول الأول:
ذهب الجمهور إلى اشتراط بيان حدوث العيب للمشتري الثاني, مستدلين على ذلك على أن البيع
مع السكوت على العيب لا يخلو من شبهة الخيانة, لأن المشتري الثاني لو علم بحدوث العيب
في يد المشتري الأول لما أربحه على السلعة شيئا، إضافة إلى أن المشتري الأول عند بيعه
المبيع بعد حدوث العيب عنده، قد احتبس جزءا منه فلا يملك بيع الباقي من غير بيان العيب،
وصار كما لو احتبس بفعله أو بفعل أجنبي.
القول الثاني:
ذهب الحنفية إلى القول بأن المبيع إذا أصابه عيب بآفة سماوية، فإن للبائع أن يبيعه
مرابحة بجميع الثمن دون أن يتشرطوا عليه إيضاح العيب للمشتري, وحجتهم في هذا القول
أن الفائت من المبيع جزء لا يقابله ثمن لأنه وصف بدليل لو فات بعد التعاقد عليه قبل
أن يحوزه المشتري لا يسقط بحصته شيء من الثمن، لهذا فإن بيانه والسكوت عنه بمنزلة واحدة،
وما يقابله من الثمن قائم بجميع أجزائه فللبائع بيع المعيب مرابحة في هذه الحالة دون
أن يشترط عليه بيان العيب لأنه يكون بائعا لما بقي من المبيع بعد العيب بجميع الثمن.
والفرق
عند الحنفية بين حدوث العيب بآفة سماوية وبين حدوثه بفعل إنسان هو أن الفائت من المبيع
في الحالة الأخيرة أصبح مقصودا بالفعل وصار مقابله ثمن، فيكون المشتري قد حبس جزءا
من المبيع يقابله شيء من الثمن فلا يملك بيع الباقي مرابحة دون العيب.
أما بالنسبة للقانون اليمني, فقد وضع شروط خاصة اوردها في القانون المدني في المــادة(570):مدني على ما يأتي:
المرابحة هي بيع الشخص ما اشتراه بعقد صحيح
بالثمن الذي اشترى به مع زيادة ربح معلوم ويشترط لصحة بيع المرابحة زيادة على شروط
صحة البيع عموما ما يلي: –
1-
. بيان راس المال وهو الثمن الذي اشترى
به .
2-
بيان الربح وهو الزيادة على راس المال
التي يشترطها البائع .
3-
يلزم البائع بيان العيوب التي حدثت
بالمبيع ونقصه ورخصه وما اذا كان قد اشتراه بثمن مؤجل او ممن يحابيه او يتسامح معه .
ما يترتب على ثبوت الخيانة في المرابحة:
خيانة البائع في المرابحة تظهر إما
في صفة الثمن أو قدره. وتثبت الخيانة في المرابحة بإقرار البائع أو ببرهان على
ذلك، أو بنكوله عن اليمين.
فإن ظهرت الخيانة في صفة الثمن كأن
يشتري شيئا نسيئة ثم يبيعه مرابحة على الثمن الأول، ولم يبين أنه اشتراه نسيئة ثم
علم المشتري، فله الخيار باتفاق الفقهاء، إن شاء أخذ المبيع وإن شاء رده. لأن
المرابحة عقد مبني على الأمانة, وهذا ما يسمى بخيار الخيانة في البيع.
وإن ظهرت الخيانة في قدر الثمن في
المرابحة بأن قال البائع اشتريت بعشرة وبعتك بربح كذا، ثم تبين أنه اشتراه بتسعة،
فقد اختلف فقهاء المذاهب حول هذه المسألة:
ذهب المالكية إلى أن البائع في
المرابحة إن لم يكن صادقا فهو إما أن يكون غاشا أو كاذبا أو مدلسا.
وأما الغاش فهو الذي يوهم أن في
السلعة صفة موجودة يرغب في وجودها، وإن كان عدمها لا ينقص السلعة. أو العكس بأن
يوهم أن السلعة خالية من صفة موجودة فيها لا يرغب في وجودها، وذلك كأن يوهم أن
السلعة جديدة واردة من معملها حديثا، وهي قديمة لها زمن طويل عنده، أو يوهم أن هذا
الثوب وارد من معمل كذا وهو ليس كذلك بشرط ألا يكون ذلك منقصا لقيمة السلعة.
أما حكم الغش المذكور في المرابحة
فهو أن المشتري بالخيار بين أن يمسك المبيع وبين أن يرده.
أما الكاذب فهو الذي يخبر بخلاف
الواقع، فيزيد في الثمن، وفي هذه الحالة، يكون للمشتري الحق في أن يسقط ما زاده
البائع عليه من الثمن وما يقابله من الربح ولا يلزمه المبيع إلا بذلك، فإن لم يقبل
البائع ذلك يكون المشتري مخيرا بين إمساك المبيع ورده.
وأما المدلس فهو الذي يعلم أن
بالسلعة عيبا ويكتمه، والمشتري في هذه الحالة هو بالخيار بين الرد ولا شيء عليه،
وبين إمساك المبيع ولا شيء عليه ذكر ابن عبد البر في الكافي « ولو كذب في بيع المرابحة كان
المشتري بالخيار إذا ثبت ما قال في شراء السلعة، إن أحب أن يأخذها بجميع الثمن أخذ
وإن أحب أن يرد رد وفسخ البيع»
وذكر فقهاء المالكية مسألة فرعية
في هذه القضية وهي إذا عرض على السلعة أمر يفوت ردها كنماء أو نقص أو نزل عليها
السوق، ففي حالة الغش يلزم المشتري بأقل الأمرين من الثمن والقيمة يوم قبضها، ولا
يقدر للسلعة ربح، وفي حالة الكذب فإن المشتري يخير بين أن يأخذ السلعة بالثمن
الحقيقي مع ربحه وبين أن يأخذها بقيمتها يوم قبضها إلا إذا زادت قيمتها عن الثمن
المكذوب وربحة فإنه يلزم بدفع الزيادة عند ذلك، لأن البائع رضي بالثمن المكذوب،
فارتفاع قيمة السلعة لا يكسبه حقا خصوصا وأنه زاد في الثمن كذبا.
ويرى الحنفية أن الخيانة في بيع
المرابحة إذا ظهرت في بيان الثمن فإن المشتري يكون بالخيار إن شاء أخذه بجميع
الثمن وإن شاء تركه « وإن يتحقق المشتري على خيانة في
المرابحة فهو بالخيار». فالخيانة في المرابحة لا تخرج
العقد عن طبيعته، فيظل البيع صحيحا، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة ربح،
وهذا المعنى متوفر بعد ظهور الخيانة، فيصبح بعض الثمن رأس المال وبعضه ربحا مما
يوجب خللا في الرضا فيثبت الخيار، يقول صاحب الدر المختار: « إذا باع السلعة مرابحة فأخبره أن
ثمنها مائة بربح عشرة ثم علم أنه تسعون فالبيع صحيح لأن زيادة الثمن لا يمنع صحة
البيع، والمنصوص أن المشتري مخير بين أخذ المبيع برأس ماله وحصته من الربح وبين
الرد لأنه لا يأمن الخيانة في هذا الثمن أيضا.
وقد ناقش الحنفية مسألة تعرض
البائع للخيانة إذا اشترى شيئا مرابحة، فنصوا على أن له أن يبيعه مرابحة على ما
أخذه به، لأنه بذلك قام عليه « وإن باع الرجل متاعا مرابحة فخانه
في المرابحة ودلس له، فإن المشتري بالخيار إذا تحقق على ذلك إن شاء رد المتاع وإن
شاء أخذه بالثمن الذي اشتراه به (البائع) لا ينقص منه شيئا. فإن كان المشتري أهلك
المتاع أو بعضه فالثمن له لازم ولا يحط عنه منه شيء، وإذا أقر البائع بأنه قد خانه
أو زاد عليه أو قامت بذلك عليه بينة لم يكن للمشتري أن يرجع في شيء من ذلك لتلك
الخيانة إنما له أن يرد المتاع كله كما أخذه أو يلزمه الثمن كله وهذا قول أبي
حنيفة».
وذهب الحنابلة إلى أن للمشتري الحق
في إسقاط ما زاده البائع كذبا من أصل الثمن وإسقاط ما يقابله من الربح في
المرابحة، ويلزم البيع في الباقي.
وعند فقهاء الحنابلة أن البائع إذا
قال غلطت في ذكر الثمن لأنه أكثر مما ذكر، فالقول قوله مع يمينه، بأن يطلب المشتري
تحليفه فيحلف أنه لم يعلم وقت البيع أن ثمنها أكثر مما أخبر به، وبعد حلف البائع
يخير المشتري بين رد المبيع وبين دفع الزيادة التي ادعاها، فإن نكل عن اليمين فليس
له إلا ما وقع عليه العقد. ورجح بعض فقهاء الحنابلة أنه لا يقبل قول البائع
بالزيادة إلا ببينة ما لم يكن معروفا بالصدق.[4]
وفرق الشافعية في هذه المسألة بين حالتين:
الأولى: إذا أخبر البائع بثمن أكثر
من ثمن السلعة والثانية: إذا أخبر بثمن أقل من ثمن السلعة ثم ادعى الخطأ. يقول ابن
رشد، فأما الحالة الأولى فهي ظهور كذب البائع في المرابحة، وحكم ذلك أن للمشتري
الحق في إسقاط الزائد من أصل الثمن وما يقابله من الربح إذا لم يختر الفسخ.
والحالة الثانية: إذا زعم البائع
أنه ذكر أقل من الثمن الذي اشترى به خطأ، فإنه لا يكون للبائع الخيار في إمضاء
العقد أو فسخه. أما إذا كذبه المشتري فإذا بين للبائع وجها للخطأ يحتمل وقوعه، كأن
قال رجعت إلى الدفتر فوجدت ثمنه أكثر مما ذكرت أو نحو ذلك سمعت بينته إن كانت له
بينة، فإذا صدقته البينة يكون للبائع الخيار ولا تثبت له الزيادة أما إذا لم يبين
وجها محتملا لغلطه فإن بينته لا تسمع مطلقا.[5]
وقيل لا تسمع بينته مطلقا سواء بين
وجها محتملا أو لم يبين لتناقضه في قوله
القانون اليمني جعل للمشتري عند
ثبوت الخيانة الخيار في امضاء البيع بجميع الثمن او فسخه ان كان المبيع لايزال
قائم حيث نصت المادة (571): اذا ظهرت خيانة في المرابحة كان
المشتري بالخيار بين امضاء العقد بجميع الثمن او فسخه ان كان المبيع قائما ولم
يتعيب بعيب جديد وله المطالبة بما تضرر به بسبب الخيانة
اخيرا سنعرج على عقد
المرابحة للأمر بالشراء في الفقه الاسلامي
تعريفه:
عقود المرابحة للآمر بالشراء إحدى صيغ التوظيف التي تستأثر بجانب هام من الاستثمار الذي تقوم به المصارف الإسلامية ومضمون بيع المرابحة أن يقوم شخص يرغب في شراء سلعة معينة بطلب إلى المصرف الإسلامي، فيشتري المصرف تلك السلعة بعقد منفصل ويتحقق له قبضها وتكون تحت ضمانه، ثم يقوم بعرضها على الآمر بالشراء ليتحقق بذلك الإيجاب والقبول، ويتمم بيعها بالثمن الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم وبعقد آخر غير العقد الأول وغالبا ما يتم دفع ثمن السلعة من طرف الآمر بالشراء مؤجلا لأجل محدد.
وتكون هذه العملية مركبة من وعدين، وعد بالشراء من العميل الذي يطلق عليه الآمر بالشراء، ووعد من المصرف بالبيع بطريقة المرابحة، أي بزيادة ربح معين المقدار أو النسبة على الثمن الأول، بشرط أن يخبر المصرف الإسلامي الآمر بالشراء بثمن السلعة الأصلي، وأن يتحقق التراضي بينهما حول مقدار الربح، وألا يضيف المصرف الإسلامي على رأس المال (أي ثمن السلعة الأصلي) إلا ما قرره الفقهاء في ذلك.
بيع المرابحة للآمر
بالشراء(المرابحة الفقهية ) ليس من البيوع المستحدثة المرتبطة بنشأة المصارف
الإسلامية، بل الصحيح أن هذا البيع عرفه الفقه الإسلامي مبكرا، وتناولته جل المذاهب الفقهية وبينت أحكامه، قال
محمد بن الحسن الشيباني« قلت أرأيت رجلا أمر
رجلا أن يشتري دارا بألف درهم ومائة درهم، فأراد المأمور شراء الدار ثم خاف إن
اشتراها أن يبدوا للآمر فلا يأخذها، فتبقى في يد المأمور كيف الحيلة في ذلك ؟
قال يشتري المأمور
الدار على أنه بالخيار ثلاثة أيام ويقبضها ويجيء الآمر فيبدأ ويقول: أخذت منك هذه
الدار بألف ومائة درهم. ويقول المأمور وهي لك بذلك فيكون ذلك الأمر لازما ويكون استجابا
من المأمور للمشتري.
وإن لم يرغب الآمر في
شرائها تمكن المأمور من ردها بشرط الخيار فيدفع عنه الضرر بذلك».
وهذه العملية جائزة
بدليل قول الشافعي رحمه الله في الأم:« وإذا أرى الرجل السلعة
فقال اشتر هذه وأربحك فيها كذا فاشتراها الرجل فالشراء جائز، والذي قال أربحك فيها
بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعا وإن شاء تركه».[6]
ثانيا :- أحكام بيع المرابحة للآمر بالشراء:
لا تختلف أحكام بيع المرابحة
الفقهية عن أحكام بيع المرابحة للآمر بالشراء ،إلا أن هذه الأخيرة تتميز ببعض
الأحكام التي لم يرد ذكرها في المرابحة الفقهية .
وسنتناولها مقسمة كما يلي :
1- احكام الآمر بالشراء في
عقد بيع المرابحة
لبيع المرابحة اعتبارات خاصة يختلف
بها عن البيع المطلق، حيث يجب أن يكون للمصرف فيه دور بارز في شراء السلعة لنفسه
اولا و تسلمها ثم بيعها للآمر بالشراء للابتعاد عن صورة التمويل الربوي من جهة ، و
لكيلا تختفي صورة الضمان الذي يحل به الربح من جهة أخرى.
و صورة المرابحة للآمر بالشراء تتحقق بطلب الآمر
بالشراء من المصرف شراء سلعة معينة يحدد جميع أوصافها و يتفق مع المصرف على الثمن
الذي سيشتريها به المصرف و كذلك الثمن الذي سيشتريها به المتعامل مع البنك بعد
إضافة الربح الذي يتفق عليه بينهما .
وهذا التعامل يتضمن وعدا من عميل
المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها كما يتضمن وعدا آخر من المصرف باتمام
هذا البيع بعد الشراء طبقا لذات الشروط. و هذا ما اصطلح عليه الفقهاء بالمواعدة
على بيع المرابحة للآمر بالشراء.
ومثل هذا الوعد ملزما قضاء طبقا
لأحكام المذهب المالكي وملزم للطرفين ديانة طبقا لأحكام المذاهب الأخرى.
وتحتاج صيغ العقود في هذا التعامل
إلى دقة شرعية وفنية، وقد يحتاج الإلزام القانوني بها في بعض الدول الإسلامية إلى
إصدار قانون بذلك.
والمواعدة على بيع المرابحة للآمر
بالشراء وتملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور
في الموعد السابق هو أمر جائز شرعا طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسؤولية
الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي.
أما بالنسبة لمسألة الوعد فهو ملزم للمصرف ايضا
لأن الأخذ بالإلزام أحفظ لمصلحة التعامل. وكل مصرف مخير في الأخذ بما يراه في
مسألة القول بالإلزام.
خاصة إذا وجد في التعامل ما يقتضي
ذلك، ولبيان هذا الأمر نورد الفتوى رقم 577، الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية لبيت
التمويل الكويتي:
»سؤال: حضر إلينا شخص و طلب منا شراء بضاعة ووعدناه بشرائها
لأجل، و قمنا فعلا بترتيب إجراءات شحن البضاعة و قبل وصولها وصل إلينا خبر بأن
الشخص الذي طلبها له مشاكل و مطلوب من دائنيه بمبالغ مالية و أنه موضوع تحت
التصفية في المحكمة فهل ننفذ ما وعدناه به ونسلم له البضاعة و ندخل ضمن التصفية أم
نمتنع عن إكمال وعدنا للحفاظ على حقوقنا وفي حالة إبرام عقد البيع مع هذا الشخص و
بيع البضاعة له ثم وصول خبر بأن هذا الشخص مطلوب هل نسلم له البضاعة في هذه الحالة
أم لا ؟
الجواب: إن الوعد غير ملزم قضاء
عند جمهور الفقهاء و من الواجب المحافظة على أموال المساهمين و المودعين
بألا تسلم البضاعة للشخص المطلوب .
·
أما في حالة ابرام عقد البيع وقبل
تسليم البضاعة ومعرفة افلاس المشتري فلا تسلم له البضاعة لأن البائع أولى باستيراد
حقوقه من بقية الغرماء ، فتحبس العين التي باعها له ولم تسلم وذلك لخراب ذمة
المشتري بالإفلاس
وإجمالا لكل ما سبق يمكن تلخيص
المراحل التي يقطعها الواعد بالشراء في المرابحة في ما يلي :
أ- يتولى المصرف شراء السلع بنفسه
أو بوكيل عنه غير الآمر بالشراء.
ب- يدفع المصرف ثمن الشراء مباشرة
منه إلى البائع دون توسط اللآمر بالشراء.
ت- يتسلم المصرف السلعة بحيث تدخل
تحت ضمانه .
ج- يتم ارفاق المستندات المثبتة
لعملية شراء المصرف السلعة وتسلمه إياها. وترى هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر
الاسلامي أن ورود الفواتير باسم المصرف هو أحد أركان عملية المرابحة ، لأن
الفواتير هي المستند الذي يثبت ملكية وحيازة المصرف للبضاعة.[7]
2- إحكام الواعد بالشراء في
عقد بيع المرابحة:
لما كان عماد هذه العلاقة هو تضمن
وعد من العميل بشراء السلعة التي سيقوم البنك باقتنائها بناء على طلب العميل ووعدا
من المصرف او البنك باتمام البيع بعد
الشراء هذا ما اصطلح عليه الفقهاء بالمواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء
وهذا الشرط ملزما قضاء وفقا للمذهب
المالكي وملزم للجانبين ديانة وفقا لإحكام المذاهب الاخرى.
وتحتاج صيغ العقود في هذا التعامل
إلى دقة شرعية وفنية، وقد يحتاج الإلزام القانوني بها في بعض الدول الإسلامية إلى
إصدار قانون بذلك.
والمواعدة على بيع المرابحة للآمر
بالشراء وتملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور
في الموعد السابق هو أمر جائز شرعا طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسؤولية
الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي.
أما بالنسبة لمسألة الوعد فهو ملزم
للمصرف ايضا لأن الأخذ بالإلزام أحفظ لمصلحة التعامل. وكل مصرف مخير في الأخذ بما
يراه في مسألة القول بالإلزام.
خاصة إذا جد في التعامل ما يقتضي
ذلك، ولبيان هذا الأمر نورد الفتوى رقم 577، الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية لبيت
التمويل الكويتي:
»سؤال: حضر إلينا شخص و طلب منا
شراء بضاعة ووعدناه بشرائها لأجل، و قمنا فعلا بترتيب إجراءات شحن البضاعة و قبل
وصولها وصل إلينا خبر بأن الشخص الذي طلبها له مشاكل و مطلوب من دائنيه بمبالغ
مالية و أنه موضوع تحت التصفية في المحكمة فهل ننفذ ما وعدناه به ونسلم له البضاعة
و ندخل ضمن التصفية أم نمتنع عن إكمال وعدنا للحفاظ على حقوقنا وفي حالة إبرام عقد
البيع مع هذا الشخص و بيع البضاعة له ثم وصول خبر بأن هذا الشخص مطلوب هل نسلم له
البضاعة في هذه الحالة أم لا ؟
الجواب: إن الوعد غير ملزم قضاء
عند جمهور الفقهاء و من الواجب المحافظة على أموال المساهمين و المودعين
بألا تسلم البضاعة للشخص المطلوب .
أما في حالة ابرام عقد البيع وقبل
تسليم البضاعة ومعرفة افلاس المشتري فلاتسلم له البضاعة لأن البائع أولى باستيراد
حقوقه من بقية الغرماء ، فتحبس العين التي باعها له ولم تسلم وذلك لخراب ذمة
المشتري بالافلاس »
وإجمالا لكل ما سبق يمكن تلخيص
المراحل التي يقطعها الواعد بالشراء في المرابحة في ما يلي :
أ- يتولى المصرف شراء السلع بنفسه
أو بوكيل عنه غير الآمر بالشراء.
ب- يدفع المصرف ثمن الشراء مباشرة
منه إلى البائع دون توسط اللآمر بالشراء.
ت- يتسلم المصرف السلعة بحيث تدخل
تحت ضمانه .
ج- يتم ارفاق المستندات المثبتة
لعملية شراء المصرف السلعة وتسلمه إياها. وترى هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر
الاسلامي أن ورود الفواتيرباسم المصرف هو أحد أركان عملية المرابحة ، لأن الفواتير
هي المستند الذي يثبت ملكية وحيازة المصرف للبضاعة.
4- حكام السلعة محل العقد في
بيع المرابحة للآمر بالشراء .
3- لا يجوز شرعا عقد بيع المرابحة إلا بعد دخول السلعة في ملك
البائع واستلامه لها أولا، لأن هذا البيع من عقود الأمانة وهو يستوجب بيان الثمن
في العقد الأول.
4- إذا تملك المصرف السلعة وقبضها فعليه أن يعرضها مجددا على
الآمر بالشراء، باعتبار طلبه الأول وبالشروط التي اتفقا عليها.
5- لا يصح أبدا أن يعود البنك إلى إعادة تقييم ثمن السلعة
المباعة.
6- لا بد للمصرف أن يتملك السلعة ولو تملكا حكميا ثم يقوم
ببيعها للطرف الآخر مرابحة.
7- يجوز للمصرف أن يحصل من العميل على عروض أسعار السلعة
المراد شراؤها، وعليه أن يعمل على الحصول على عروض أفضل لنفس السلعة لصالح
العملاء، وإذا لم يتيسر له تحقيق ذلك يجوز للمصرف أن يقوم بالشراء من المصدر الذي
حدده العميل مع مراعاة الأسس الشرعية السابقة بشأن بيع المرابحة.
8- يجوز للمصرف تأخير دفع ثمن السلعة إلى البائع الأول إلى ما
بعد استلام المشتري النهائي للبضاعة والتوقيع باستلامها بحالة جيدة على أن يكون
عقد البيع قد ثم
5- طريقة احتساب ثمن البيع
في المرابحة للآمر بالشراء.
من المقرر فقها في بيع المرابحة أن
يكون الثمن الأصلي للسلعة معلوما لمن يشتري بطريق المرابحة، وأن تكون جميع
التكاليف التي تحملها المشتري الأصلي في الحصول على السلعة معلومة كذلك لمن يشتري
بطريق المرابحة. لهذا يعبر الفقهاء عن بيع المرابحة أنه بيع السلعة بما قامت به مع
زيادة ربح يتفق عليه.
وهذا الاتفاق يقتضي أن أي تغيير في
العقود التي تعقد في المستقبل يجب أن يوافق عليها الآمر بالشراء، أما إذا تم تعديل
العقود وتغيير ما تم التراضي عنه بإرادة المصرف فقط فهذا لا يجوز شرعا، لأنه يفقد
العقد عنصر التراضي وهو شرط في صحته.
والأصل في بيع المرابحة مراعاة الامانة،
لذا فإن أي زيادة على السعر الأصلي لابد أن يعلم بها المشتري، وإن كان الاتفاق أن
تكون الزيادة على السعر الأصلي والمصاريف فللمصرف أن يضيف المصاريف التي تعارف
التجار على إضافتها، كمصاريف التخزين والحمل وغير ذلك، ولا يقول اشتريتها بكذا،
ولكن يقول وقفت على البنك بكذا.
وقد قرر الفقهاء أن يدخل التأمين
في التكلفة على ألا يخضع مبلغ التأمين لنسبة الربح في المرابحة، بل يضاف مقداره
على رأس المال فقط لأنه ليس محلا للبيع كالسلعة، بل عبء مقرر عليها، فيضاف برقمه
الصافي دون نسبة ربح عليه.
والمتعارف عليه بين المصارف
الإسلامية أن تضاف إلى ثمن البضاعة المبيعة بالمرابحة المصاريف المنضبطة التي جرى
بها العرف، وتزيد في قيمة البضاعة وتتصل بها مباشرة. أما أجور الموظفين والمراجعين
فلا تضاف لأنها من تمام عملية الشراء التي بها يستحق الربح الأصلي.
أما بالنسبة للمخلصين في الجمارك
فإن كانوا من خارج موظفي المصرف، فإن ما يدفع إليهم يضاف إلى الثمن، وإذا كانوا من
موظفي المصرف فيضاف فقط ما يدفع عادة على تخليص السيارة الناقلة للسلعة ذاتها، ولا
يضاف أجر الموظف المخلص على أنه يمكن تغطية المصاريف التي لا تضاف شرعا إلى الثمن
عن طريق ثمن الربح ونسبته.
[1] المعجم الوسيط وقال ابن الرومي في بيت شعري له :اذا باع تجر
الحمد اياه حمدهم ...فقد ربحت ربح الغني
صفقة التجر
[2] بداية المبتدئ، علي بن أبي
بكر المرغياني، تحقيق حامد ابراهيم كرسون ومحمد عبد الوهاب بحيري، الطبعة الأولى،
مطبعة محمد علي صبيح
[3] - المغني لابن قدامة المقدسي.
مكتبة الرياض الحديثة.د.ت.
[4] المغني لبن قدامة مرجع سابق
[6] ـ المبسوط، محمد بن الحسن
الشيباني، تحقيق أبو الوفا الأفغاني، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي
[7] ـ الفروق، أسعد بن محمد النيسابوري
الكرابيسي، تحقيق محمد طموم، الطبعة الأولى، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،
الكويت 1402
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب ماتريد قوله للمحامي أمين الربيعي