الصفحات

الأحد، 20 ديسمبر 2020

إثبات الشركة العرفية وفقا للقانون اليمني

أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا بتاريخ 27/6/1999م في الطعن التجاري رقم(29) لسنة 1419ه وخلاصة هذا الحكم   (بعد الدراسة والتدقيق من الدائرة للطعن بالنقض والرد عليه و أوراق القضية فقد وجدت الدائرة إن الطاعن قد ذكر في طعنه إن الحكم ألاستئنافي أهدر الأدلة المقدمة من الطاعن أمام المحكمة الابتدائية بشان قيام الشركة العرفية فيما بين الطاعن والمطعون ضده وأضاف الطاعن في طعنه أن محكمة الاستئناف قد تدخلت في السلطة التقديرية لمحكمة أول درجة في تقدير الأدلة,ومن خلال المناقشة والمداولة فقد وجدت الدائرة إن واقعة قيام الشركة العرفية هي من الوقائع الموضوعية التي يجوز إثباتها بكل طرق الإثبات فلم يشترط القانون وسيلة معينة أو شكل معين لإثباتها,وحيث إن لمحكمة الموضوع السلطة التقديرية الكاملة في تكييف الوقائع وتقدير أدلتها وترجيح ما تطمئن إليه منها وان تطرح مالا تطمئن إليه ,وحيث إن لمحكمة الموضوع تقدير كفاية الأدلة أو عدم كفايتها في تسويغ النتيجة التي انتهت إليها, وبما إن المطعون ضده لم يجرح شهادات الشهود الذين استدل بهم الطاعن على وجود الشركة العرفية ,وحيث أن الحكم ألاستئنافي قد تجاهل كل ذلك إضافة إلى قصور تسببيه ,كما إن الحكم ألاستئنافي قد اخطأ في التكييف القانوني للعلاقة بين الطاعن والمطعون ضده حيث وصفها خطأ بأنها شركة أبدان وفقا للمادة (619) مدني في حين أنها شركة عرفية تنطبق عليها المادة (661) مدني ,ولكل ما سبق فان الدائرة تقرر إلغاء الحكم ألاستئنافي المطعون فيه وتأييد الحكم الابتدائي وإعادة الكفالة إلى الطاعن وتحميل الطاعن ضده المصاريف القضائية وإتعاب المحاماة عن مراحل التقاضي وإعادة الملف إلى محكمة الاستئناف لإرساله إلى محكمة الابتدائية المختصة للتنفيذ بموجب هذا الحكم ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية :


الوجه الأول :تعريف الشركة العرفية :


ذكر الحكم محل تعليقنا حرية إثبات الشركة العرفية بأية وسيلة من وسائل الإثبات وذلك يقتضي الإشارة بإيجاز بالغ إلى تعريف هذا النوع من الشركات حتى نستطيع الوقوف على خصوصية إثبات هذا النوع من الشركات ,فالشركة العرفية تسمى أيضا (شركة الواقع )وهذا النوع من الشركات شائع في اليمن بكثرة وتنشا هذه الشركات غالباً بين الورثة أو الأقارب أو الزملاء,ولذلك نظمها القانون المدني حيث عرفها في المادة (661) بأنها (الخلطة في الأموال والتكافؤ في الإعمال على إن يعمل شخصان أو أكثر كل بحسب ما يحسنه فيكفي كل منهم الأخر ويكون المستفاد منهم مشتركا بينهم جميعا وما يلزم احدهم يكون عليهم جميعاُ) وفي هذا المعنى ورد تعريف المذكرة الإيضاحية للقانون المدني اليمني القديم وهو تعريفها بالقول (الشركة العرفية هي الشركة التي تربط إفراد الأسرة الواحدة فتجعل كلا منهم شريكا شركة واقع يتعاون مع الشركاء في إنجاحها ويسهم في أعمالها بحسب طاقته وما يحسنه رجلاً كان أو امرأة أو صبياً مميزا أو غير مميزاً) .


الوجه الثاني: خصوصية إحكام الشركة العرفية في القانون اليمني:


نظم القانون المدني اليمني شركة الواقع في المواد من (661) وحتى المادة (667) وتنظيم القانون لشركة الواقع أو الشركة العرفية على هذا النحو دليل على شيوع هذا النوع من الشركات في اليمن واهتمام القانون واعترافه بوجودها, ومن خلال هذا التنظيم القانوني لشركة الواقع يلاحظ المطالع خصوصية هذا النوع من الشركات وانفراده عن غيره من الشركات في اغلب إحكامه ,حيث نصت هذه المواد على تطبيق العرف أذا لم يكن هناك تراضي بين الشركاء ,وان الناتج أوالربح يتم تقسيمه بين الشركاء بحسب تأثير عمل كل واحد منهم في هذا الناتج ,ويجوز أن يكون عديم الأهلية أو ناقصها شريكا في هذه الشركة ,وان الشخص الذي  يتقاضي أجراً نظير عمله لا يعد شريكا  في شركة الواقع ,وان كل شريك يعد وكيلا وكفيلا عن غيره من الشركاء فيما يقوم به من عمل , وان هذه الشركة تنتهي بالنسبة للشريك من وقت خروجه منها وعدم عمله فيها,كما انه يجوز أن تتضمن هذا الشراكة مالا وعملا وعندئذ يتم تقسيم الأرباح بحسب تأثير كل منها في الربح أو الناتج .


الوجه الثالث:خصوصية إثبات شركة الواقع: 


ذكرنا فيما سبق خصوصية شركة الواقع وانفرادها في أحكامها وتنظيمها عن غيرها  من الشركات فالغالب انه ليس هناك عقد أو اتفاق بين الشركاء كما أن هذه الشركة تتصل بالعمل الذي يقوم به كل شريك وتأثيره في الزيادة والنماء ,والعرف له اعتبار اكبر في مجال هذه الشركات حتى انه يٌطلق عليها مسمى الشركة العرفية,وكل هذه الاعتبارات كان لها التأثير البالغ في إثبات شركة الواقع, ومن ذلك إن هذه الشركة يتم إثباتها عن طريق أقوال الشهود الذين يشهدون على خلطة الأموال والتكافؤ في الإعمال بين الشركاء من خلال مشاهداتهم لأعمال الشركاء في شركة الواقع كما أنها تثبت بإقرار الشركاء بالخلطة والتكافؤ,كما أن العرف وسيلة من وسائل إثبات هذه الشركة ,وكذا قرائن الحال والواقع وتعاملات وظروف الشركاء لها مجال في إثبات هذه الشركة ومن ذلك قرينة عدم تقاضي الشخص لأجرته عن عمله فان ذلك قرينة على انه شريك في شركة الواقع ,إما الشركات الأخرى بما فيها الشركات النظامية فان الكتابة هو الوسيلة الأصلية لإثباتها وإذا تم إثباتها بهذه الوسيلة فلا ينبغي إثباتها بالوسائل الأخرى عملاً بقاعدة (ما ثبت بالكتابة لا يٌنفي إلا بالكتابة ).


الوجه الرابع:الفرق بين شركة الواقع وشركة الأبدان:


صرح حكم المحكمة العليا محل تعليقنا بان الحكم ألاستئنافي قد اخطأ في التكييف القانوني حينما وصف العلاقة بين طرفي الخصومة بأنها شركة ابدان في حين أنها طبقا للقانون شركة واقع ,وذلك يقتضي الإشارة بإيجاز إلى الفروق الجوهرية بين شركة الواقع وشركة الأبدان وعلى النحو الأتي:

يجب إبرام عقد الشركة في شركة الأبدان قبل عمل الشركاء سواء كان العقد شفوياً أو مكتوباً حسبما نص عليه الفقهاء ,إما شركة الواقع فلا يجب اتفاق الشركاء على الشراكة فالمعتبر فيها هو التكافؤ في الإعمال حيث يتصرف كل شريك عن نفسه وعن شركائه,ويتم الاستدلال على وجود هذه الشراكة بقرائن الحال والواقع وتعاملات وظروف الشركاء, وهذا هو الفارق الجوهري بين الشركتين , وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى ذلك.

لا تجوز شركة الأبدان في المباحات كالرعي والاحتطاب وبيع الحجارة بحسب ما نص عليه الفقهاء ,في حين تجوز شركة الواقع في المباحات.

يُشترط في شركة الأبدان ان يتساوى الشركاء في العمل وان يتحدد مكان العمل والصنعة ,إما في شركة الواقع فلا يشترط ذلك .

الربح والخسارة في شركة الأبدان يتبعان التقبل ,فالربح والخسارة يتم تحديده في العقد الذين يبرم قبل العمل إما في شركة الواقع فان الربح والخسارة يكون بين الشركاء بالسوية عند غالبية الفقهاء إلا إذا تفاوت تأثير عمل الشركاء في العائد أو الناتج.

ومن خلال ما تقدم من فروق بين الشركتين شركة الواقع وشركة الأبدان نجد ان الحكم محل تعليقنا قد وافق قول غالبية الفقهاء الذين يفرقون بين الشركتين على النحو السابق بيانه,والله علم.