دراسة الدعوى ضرورة، وليست
ترف قانوني
مقدمة:
إعداد دراسة للقضية، او اعداد الرأي القانوني
ليس مجرد اجراء شكلي، أو زيادة ترفيه يقوم بها المحامي، بل هو ضرورة لابد منها.
ولكي تتصور هذه الضرورة ،فإننا نمثل الامر ببناء مبنى, فلا يمكن القول أن الخطوة الاولى في البناء
هي الحفر, أو إحضار معدات البناء، بل البداية قبل ذلك بكثير, يبدأ الأمر في تخيل المبنى, ومن ثم تحديد المساحة,
ورسم خريطة المبنى, ورسم كل التفاصيل الداخلية والخارجية لنضمن تحقيق الصورة التي سبق الاتفاق عليها, ولتحقيق
افضل استفادة ممكنة من البناء, ومن ثم وضع جدول للتنفيذ من حيث الزمن والتكلفه, ولو
لم يتم ذلك لأصبح البناء عشوائي, ولكانت الخسائر فادحه ماديا ومعنويا قد تصل لعدم إمكانية
الانتفاع منه بالكلية.
كذلك القضية، تبدأ بشكل أولي في فهمها، وجمع أطرافها
وتصورها، ثم وضع الخطط المناسبة لتحقيق الأهداف منها، لنضمن تحقيق أعلى فرص النجاح،
وتقليل الوقت المهدر ومنع التشتت، وكما قيل (ليس هناك
اسرار للنجاح فهو حصيلة الاعداد الجيد والعمل الشاق والتعلم من الاخطاء والفشل)
وهذا الاعداد يشمل مجموعة من الخطوات، تبدأ
من لحظة تفكير المحامي بالقضية، وتنتهي بالحصول على التغذية الراجعة الختامية من القضية
لتطوير المهارات.
وفيما يلي توضيح لهذه الخطوات:
اولا: الفهم الصحيح للدعوى:
آن أعظم المشاكل الحالية بين الناس هي سوء التواصل،
مما ينتج عنه فهم خاطئ، وبالتالي تصرفات غير سليمة.
فعند الاستماع للتفاصيل، ثم اعادة صياغتها وفقا لفهم
المحامي، فأن ذلك يفتح مجالا لصاحب العلاقة لمراجعة ما تم فهمه، ومدى دقة المعلومة
التي ذكرت، وهذا يضمن اتخاذ إجراءات وفقا لمعطيات صحيحه.
. ثانيا: تحديد الهدف المنشود في القضية:
من المؤكد أن الهدف من القضايا هو تحقيق
أفضل نفع ممكن، ولكن تختلف صور هذا النفع، فقد تكون اهداف ظاهرة مثل تحقيق مكاسب مادية،
أو استعادة حق مسلوب، وقد تكون الاهداف خفيه مثلا:
يطالب أحدهم بدعوى مضادة للدعوى المقامة ضده في المحكمة،
لكن الهدف هو الضغط على الاخر للدخول في مفاوضات حول تسوية ودية، او تحتوي دعواه على
طلبات مختلفه يعلم نتيجتها، لكن الهدف هو تحريك الدعوى الى تجاه اخر وهكذا.
فتحديد الهدف يقلل من هدر الوقت، ويمنع
التشتت، ويعين في تحديد الاسلوب المستخدم في الوصول للهدف، ان كان هدف ظاهر او خفي.
ومن المهم ان يعمل المحامي على عدة اهداف،
اما بالتساوي او على التوالي، وفقا للأولوية لهذه الأهداف، ووفقا للإمكانات والظروف
المحيطة بالدعوى.
كما ان تحديد الهدف يجعل المحامي والموكل
على بينه واتفاق واضح، نحو المكاسب المنشودة من الدعوى.
ثالثاً: تحديد القوانين والمحكمة
التي تخضع لها القضية:
قد تكون القضية واضحة, فلا يعتقد المحامي
ان بحث هذه المسائل أمر جوهري وفقا لانطباع سابق غير صحيح, او تكون معقدة ولكن لم تبحث
بالقدر الكافي مما ينتج عنه هدر للوقت, لاسيما ان المواعيد التي تحدد في القضاء متباعدة,
وبذلك قد يضيع عام كامل بسبب اقامة دعوى لدى محكمة غير مختصة نوعيا او ولائياً (من
حيث المكان) او حتى قيامها على غير ذي صفة بالدعوى، اما مسألة تحديد القوانين التي
تخضع لها الدعوى للتثبت من سريانها, ومن احكامها ومن الامور المنظمة لها, بحيث لا تبنى
الدعوى على معطيات غير صحيحه, وبعد ذلك يمكن للمحامي تقييم الدعوى, وتقييم موقف طرفي
الدعوى, ومن ثم تقديم رأي قانوني معتمدا على ما سبق يمكن من خلاله الموكل اتخاذ قرار
من حيث الاستمرار في الدعوى, او التوقف, أو معرفة تبعات أي قرار يتخذه.
رابعاً: بحث السوابق القضائية:
الاطلاع على القضايا المشابهه، او ما يعرف
بالسوابق القضائية المحلية او الإقليمية، أمر بالغ الاهمية لكونه يعرض لك خطط سير مشابهه
لما ستمر فيه الدعوى، ويبنى لدى المحامي تصور عن أفضل الطرق الممكن اتباعها، وعن الاحتمالات
الاخرى التي قد لا تحضره أثناء التخطيط، كما تكسب المحامي ملكة في الصياغة، وتختصر
له الكثير فيما تم ذكره من أسباب، وحيثيات قد تخدم دعواه.
خامساً: تحديد وتخطيط الية العمل:
(الأهداف هي محض خيال ما لم يكن
لديك خطة محددة لتحقيقها). ستيفن كوفي
عندما تختار اسلوب معين للسير فيه في القضية،
معتقدا وصولك للهدف المنشود من خلاله، سيضمن لك ان تكون صانع قرار في القضية، وليس
جزء من خطة الطرف الاخر، وسيمنع انزلاقك خلف تشعبات القضية التي يتسبب بها الخصم او
المحكمة، سواء كانت بقصد او غير قصد.
ويجب ان لا تكتفي بخطة واحدة، وان كانت محكمة فقد
تصادفك امور لم تكن بالحسبان، فيجب بعد وضع كل الاحتمالات الممكن ان يتخذها الخصم لمنعك
من تحقيق اهدافك، اثناء وضع خطة العمل الاولى، فيجب وضع خطة ثانية مختلفة، حتى تكون
مستعدا لما ستصادفه.
سادساً: توثيق المستندات والاجراءات:
يجب جمع كافة المستندات المتعلقة بالدعوى،
وحصرها ومناقشتها مع الموكل، ثم اخذ اعتماده لها من حيث الصحة او البطلان، وأن هذا
هو المتوفر، وتوثيق الاهداف، والية العمل مع الموكل، لتصبح كل الامور على بينة وليست
محل خلاف مستقبلاً.
“قبل أي شيء آخر، الإعداد هو
مفتاح النجاح” ألكسندر جراهام بيل
سابعاً: كتابة الدراسة:
نعيش اليوم في زمن متسارع لا يسمح بمساحة
كبيرة للتخطيط المسبق، بل يدفع الشخص كثيرا إلى التنفيذ كردة فعل من دون تفكير.
فنحن موجّهون فعلياً نحو التنفيذ، وليس
نحو التخطيط، لذلك فإن الخطط التي لا توضع على الورق، ولا تتم ترجمتها بشكل مكتوب،
فلن تكون خططاً من أساسها، ستبقى مجرد أفكار يدور بعضها حول بعض داخل عقلك.
عليه فإن رسم وتحديد تلك الأفكار بوضعها
على الورق تبدأ اول مراحل القضية الناجحة، وبشكل مستمر ستنظر لما كتبت لتُقيم ما أنجزته،
وتصبح أكثر إدراكاً لمحتويات الخطة، وقادراً على إدخال العديد من التعديلات أو التغييرات
عليها بناءً على الظروف والمستجدّات.
إنك ومن خلال هذا المجهود في التخطيط، تستطيع أن
تكون أكثر تركيزاً وإلماماً بأهداف قضيتك، وبوجود هذه الخطة المكتوبة، فإن إمكانية
النجاح تزداد بصورة كبيرة، لأنك سوف تقضي وقتك الثمين في التنفيذ المدروس مسبقا، وستكون
سابق المحكمة والخصم بخطوة او أكثر.
إننا نسعى دائما للاعتماد على الدراسة التي نعدها
في القضية، كأساس نعود إليه عند مناقشة أي تفاصيل في القضية، أو نرغب باتخاذ قرار بشأنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب ماتريد قوله للمحامي أمين الربيعي